الخطاب السلفي المعاصر: إعادة صياغة

الخطاب السلفي المعاصر: إعادة صياغة

رامي إبراهيم البنا*

    أكثر الموضوعات اليومية إثارة في هذه الأيام الكلام عن السلفيين والسلفية، والسلفيون لهم رؤيتهم الخاصة واتجاههم الفكري المعروف، وهي حركة من الحركات الإسلامية لها تأثيرها في الشارع المصري، وهم بشر كأي بشر، يشمله قانون "كل ابن آدم خطّاء"، ولكن العيب هو الاستمرار في الخطأ وعدم الاعتراف به، مما يترك مساحة أوسع لحظِّ النفس والهوى والانتماء للجماعة والتعصب لها أكثر منه للإسلام.

 

     نفرق جيدا بين الخطاب والفكر، فالخطاب هو الوسيلة التي توصل هذا الفكر، وهي الوسيلة الأهم، فقد يكون الفكر شاذًا وخطابه معروفًا، حينئذ يسوق لهذا الفكر، ويتقبله الناس عبر هذا الفكر دون شعور بسحر خطابه، وهذا ما سماه القرآن الكريم "زخرف القول غرورًا"، والعكس قد يكون الفكر قويًا وصالحًا ومعروفًا ولكن يضيعه خطابه، فيضيع بين الناس، ويخسر الفكر كثيرًا مهما يكون مؤهلًا بين الناس لكي يسود، فكم خسر الإسلام بسبب حامليه.

 

      كذلك يجب التفرقة بين أنواع الخطابات المختلفة التي تختلف باختلاف السياقات الزمانية والمكانية، فهناك خطاب وعظيّ يرقّق القلوب إلى رب العالمين، و خطاب علمي يتنوع بتنوع نوع العلم الذي يتناوله(سواء الشرعي أو علوم الطبيعة)، وخطاب سياسي له مصطلحاته وتصريحاته المختلفة، فكل خطاب له آلته وعدته، وفي العادة يغلب على الإنسان تخصصه، فيكون له خطاب ملاصق وموافق لهذا التخصص، لاينفك عنه بسهولة، فمن استطاع أن يكون خطيبا واعظا زاجرا آمرا، يصعب أن يناقش أو يحاور، فالخطابة مقام الأمر والنهي، والمحاورة والنقاش مقام الكلمة بالكلمة والفكر بالفكر، ومن هنا حدث خلط كبير عند كثير من الناس، فقفز بخطابه هو نفسه ليتخطى به كل الحواجز وينشره بين الناس، فيكون حينئذ مقبولا، ومن البدائه التي يتفق عليها أصحاب العقول أن الخطاب يتنوع بيتنوع المتلقي، وإذا لم يتم هذا التنوع ولم يفقه المخاطِب هذا التنوع وقع الناس بسببه في فتنة، كما قال ابن مسعود ، قال : "ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" وهذه ملاحظات تذكرة لنا جميعًا، لمن يتكلم على الإسلام سواء من السلفية أوالإخوان، أو أي مسلم يتحدث باسم الإسلام في عالمنا الآن...

 

أولًا:

 

العلم قبل قبل القول ومراعاة التخصص، والله عزوجل قال:"ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك عنه مسئولا"، والتخصص هنا أعني به أن هناك فقيها ومفسرا وقارئا وسياسيا واقتصاديا ومحدثا، فليس معنى الداعية الإسلامي أنه يفهم كل شئ، فلا يوجد أحد يفهم كل شئ على الإطلاق، والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه في حادثة تأبير النخل الشهيرة قال:"أنتم أعلم بشؤون دنياكم"، فالداعية يفهم في الدين الإسلامي وليس في الدين كله كذلك، إنما يفهم منه ما يدعو به الناس إلى الله، كذلك الفقيه يفهم في الفقه- وسنة علمائنا قديمًا "لا أدري"- فلا ينصّب الفقيه مع جلالته لكي يكون حاكمًا في كل التخصصات، ولو اعترفنا بواجب التخصص في فروع العلم المختلفة _ لا سيما مع تفرع العلوم تفرعا شديدًا _ لعلم كل واحد منزلته وقل الشقاق والتعصب.

 

ثانيًا:

 

اجتناب تضخم الـ"أنا"، أو "نحن"، فليس معنى شيخ سلفي يتكلم في الإسلام أن يمثل هذا الشيخ السلفية كلها أو السلفيين أو الإسلام عمومًا، كذلك أن يرسّم متحدث رسمي باسم السلفية فيتحدث عن السلفيين كلهم، وهذا ما عهد العلماء قديمًا، فالعالم قديًما كان يقول قولي في هذه المسألة كذا، بدون أن يحزب الناس على رأيه ويحملهم حملا (وحادثة مالك والموطأ في عهد عمر بن عبد العزيز معروفة)، فإذا تكلم الكل باعتباره فردًا أو شيخًا أو عالمًا، وأن أمثاله كثيرٌ في بلدنا بل يوجد أفضل منه يجب أن يراجعهم حتى من خارج تياره أو حزبه أو جماعته، هدأت نبرة التعصب، وانصهر الجميع في بوتقة الإسلام والوطن.

 

ثالثًا :

 

اللين في الخطاب، وهذا منهج نبوي "ما وضع اللين في شئ إلا زانه"، وكمثال عملي يمكن أن نتمثله في حياتنا، فاليهود قوم معروفة أحوالهم وما كانوا يصنعونه في صدر الإسلام، ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاملهم بالرفق والرحمة، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن يهودًا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: "السام عليكم" ، فقالت عائشة رضي الله عنها: "عليكم السام ولعنة الله وغضب الله عليكم"، فقال: "مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش"، وهذه الوصية النبوية نحن في أمس الحاجة لها الآن، فما يحدث الآن من سب ووقيعة في أشخاص أو تيارات معينة فهذا لا مبرر له، وهذا يزيد الطين بلة، لأن العداء يجلب العداء.

 

 رابعًا:

 

اجتناب المنابذة بالألقاب، فالله عزوجل يقول:"ولا تنابزوا بالألقاب" ، فعلى المخاطِب أن يلتزم الأدب مع الآخر أيا كان حاله، وأن يبادله الاحترام، ويتجنب شخصه وحياته فهذا ليس عملنا إنما يحاسب عليها الله.

 

خامسًا:

 

الإسلام دين عالمي ولابد لأي فصيل يسعى لكي يمثل الإسلام، أن يتكلم بلغته التي يخاطب بها العالم ولا يخاطب بها نفسه هو، فليسعى من خلال لغته أن يقدم نفسه بصورة من هذا الاتجاه، ولا يحصر نفسه في فصيله أو حزبه، والقرآن الكريم ملئ بالنداءات المختلفة "يا أيها الناس..."، "يا أهل الكتاب..."، "يا أيها الذين آمنوا... "، وكتاب الله به هذه النداءات لأنه يخاطب الناس أجمعين، فلنكن نحن كذلك إذا ما نادينا بحرمة الأموال نادينا بها على الناس كافة، وبحرمة الدماء كذلك، وهذا أدعى للمّ الشمل، ووحدة الصف.

 

سادسًا: 

 

مراعاة مآلات الأقوال في الخطاب، فالله عزوجل قال:"ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم"، والرسول صلى الله عليه وسلم كان من أشد الناس حرصا على ذلك، فكان يعي أنه كان يعيش في عالم متعدد الأفكار والاتجاهات، ومنهم من يتربص به ومنهم من هو جاهل لا يعلم ما يقول"بغير علم"، ومع علمه صلى الله عليه وسلم بالمنافقين من حوله وكيف كانوا مرجفين، رفض أن يقتل الذي جاءه وأغلظ في القول، وهم بعض الصحابة بقتله فقال:"لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"، وهذا باب عظيم من الفقه، نحن في أمس الحاجة إليه الآن.

 

      هذه بعض الملحوظات التي أزعم أنها من واجب الوقت اتخاذها في خطاباتنا، والله من وراء القصد.

المصدر: http://arabicenter.net/ar/news.php?action=view&id=729

الأكثر مشاركة في الفيس بوك