تكريم روّاد التقريب

تكريم روّاد التقريب

 

في حياة البشرية صور تتجلى فيها روح إنسانية سمحة، وتعبّر عن قدرة الجماعة البشرية على تجاوز الذات والاقليم والقومية واللغة والطائفة والعشيرة، فنرى ثمة الحياة المفعمة بالتعاون والتعاضد والحبّ والوئام والسلام. وإذا رأيت في حياة هؤلاء حروبا فهي لدرء الفتنة ومقاومة العدوان والدفاع عن القيم الإنسانية.

 

ولكن توجد الى جانب ذلك صور مؤلمة صنعتها الذات المستفحلة والروح العشائرية الملتهبة والانانيات الضيقة، ولاترى في ثناياها إلاّ الصراع والنزاع والتناطح وسفك الدماء وانتهاك الحرمات، والعدوان على الآخرين.

 

وعلى الصعيد الفردي أيضا نرى أفرادا يهمّهم تقريب وجهات النظر والتعالي على الصغائر وبثّ روح الألفة والمحبّة، وإقامة روابط الودّ، ونشر مفاهيم الخير والرحمة بين الناس، فلا ترى في قائمة أعمالهم عدوانا، ولا في سلوكهم استئثارا، ولا في تعاملهم مع الآخر ذاتية وأنانية.

 

وعلى العكس من هؤلاء تجد أفراداً متحفزين الى المصارعة دائما. يبحثون باستمرار عمن يناطحونه، ويسعون باستمرار الى تأجيج نار الفتنة والخلاف، ولا يأتلفون مع أحد إلاّ إذا اقتضت مصالحهم الذاتية، وغالبا ما يأتلفون مع من يشكلون معه شقي مقص بهدف التفرقة.

 

مشروع التقريب بين فصائل المسلمين يجب أن يركز على الصور المشرقة في حياة الجماعات وعلى التقريبيين من الافراد. فعمل مثل هذا يقدّم الأسوة الحسنة، ويعطي دروسا في التعايش السلمي والوئام بين الشعوب على أساس من حرمة القيم الانسانية والعدالة وحرمة «الانسان» وعزّته وكرامته.

 

هذا التركيز يضع المتلقي في جوّ الحياة الطبيعية للافراد والجماعات، ويبرز حالة النشاز في الصراع والنزاع. مع تأكيد على أن الحياة الطبيعية المسالمة لا يمكن أن تتحقق إلاّ باقتلاع جذور الفتنة والعدوان. فالسلام لا يتحقق إلاّ بقمع أعداء السلام. طهران شهدت خلال شهر شوال من هذا العام (1421) احتفالات بتكريم ثلاث شخصيات تقريبية كان لها في عالمنا المعاصر الاثر البالغ في وحدة الامة الاسلامية.

 

الاحتفال الاول كرّم مرجع الشيعة الكبير الراحل الامام السيد حسين البروجردي وإمام الازهر الراحل الشيخ محمود شلتوت. والاحتفال الثاني كرّم عبقري الفكر الاسلامي المعاصر الامام السيد محمد باقر الصدر.

 

فالامام البروجردي اقترن اسمه بالفقه المقارن والحديث المقارن ودعم دار التقريب في القاهرة، وشلتوت اقترن اسمه بمدرسة إحيائية تتجاوز الاطر الضيقة وتتجه الى تحريك الساحة الاسلامية نحو تحقيق مقاصد الشريعة بنظرة عالية متسامية.

 

أما الامام الصدر فقد خاض كل ميادين تثبيت عزّة الاسلام والمسلمين في عالمنا المعاصر، بما في ذلك توحيد الصف الاسلامي والقضاء على كل ما يعيق المسيرة الاسلامية لأن تشقّ طريقها في معترك الصراع الفكري والحضاري. فتميّز بخطابه الاسلامي المترفّع عن الصغائر والخلافات الجانبية، وسما في رحاب الاسلام الواسعة، فكان رائدا في كل شيء يخدم القضية الاسلامية ومن ذلك ريادته في وحدة الصف الاسلامي.

 

والمطلوب أن يتحول هؤلاء الافذاذ وأمثالهم الى رموز تعيش في القلوب والنفوس على المستوى الشعبي لا على مستوى النخبة فقط، فذلك مما يساهم أفضل مساهمة في تربية النفوس والعقول على الوحدة والتآلف والتعاضد والترفع عن الصغائر والانطلاق نحو الاهداف البعيدة بين أمتنا الاسلامية...

 

المصدر: مجلة رسالة التقريب، افتتاحية العدد 30

الأكثر مشاركة في الفيس بوك