هل تدخل ثورات الربيع العربي مبكرا "خريف" عُـمر الثورات؟

هل تدخل ثورات الربيع العربي مبكرا "خريف" عُـمر الثورات؟

 

بقلم :  محمد ماضي - واشنطن

 

بعد آمال عريضة، علَّـقتها الشعوب العربية على قُـدرة الثورات العربية في تونس ثم مصر فليبيا، على التحرّك في مسار التحوّل الديمقراطي بعد أن أسقطت عتاة الديمقراطية العرب، من بن علي ثم مبارك فالقذافي الفارّ..

..بدأ القلَـق يتسلّـل إلى نفوس تلك الشعوب من العثرات والعقبات، التي باتت تُـعرقِـل مسيرة الثورات الثلاث. وفي هذا السياق نظّـم مركز الحوار العربي في واشنطن يوم 28 سبتمبر 2011 ندوة لتقييم ما أمكن للثورات الثلاث تحقيقه والتحدِّيات التي تُـواجهها.

 

والتِـزاماً بالتسلسل الزمني للثورات الثلاث، تحدث في بداية الندوة الدكتور خالد الطرودي، المحلل السياسي التونسي والباحث في المعهد العالمي للفكر الإسلامي في ولاية فيرجينيا، فأشاد بالثورة التونسية، مفجِّـرة الثورات العربية، والتي سُـرعان ما أصبحت نموذجا للخروج من أزمة الرّكود السياسي العربي وأمَـلا للشعوب العربية في التخلُّـص من أعتى الدكتاتوريات، وكسَـر حاجز الخوْف وحدَّد إنجازات الثورة التونسية فقال: "أولا، تحقيق نقْـل الدولة التونسية من وضْـع الجمود السياسي إلى حالة متقدة من النشاط والحيوية. ثانيا، فتح المجال أمام تعدُّدية حِـزبية، لم يسبق لها مثيل في التاريخ التونسي. ثالثا، توفير قَـدْر أوسَـع من حرية الصحافة، وإن لم تبلغ بعدُ الحدّ المأمول فيه. رابعا، تحديد موعِـد لإجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في الثالث والعشرين من أكتوبر الحالي وصياغة دستور جديد للبلاد".
 
وردّا على سؤال لـ swissinfo.ch عن التحدِّيات والعَـقبات التي تعترِض مسيرة الثورة التونسية، قال الدكتور الطرودي: "أولا، عدَم قُـدرة الثورة الشعبية على إفْـراز قيادات يُـمكنها تشكيل حكومة انتقالية لتسيير شؤون البلاد، حملت الثوار على المغامرة بوضْـع ثقتهم في حكومة انتقالية تولى المناصب الرئيسية فيها مسؤولون معروفون بانتمائهم للحزب المُـنحَل، الذي انفرد بالسلطة في عهد الرئيس المخلوع بن علي، مما يحمِـل في طيَّـاته خطَـر محاولة الالتفاف على الثورة. ثانيا، تنامي التيار السلفي الدِّيني المتزمِّـت، الداعي إلى دولة الخلافة، وليس إلى دولة ديمقراطية حديثة تعتمد على التعدُّدية السياسية وسيادة القانون وتَـداوُل السلطة. ثالثا، تفاقم المشكلة الاقتصادية بسبب انقطاع موارد السياحة بعد الثورة. رابعا، استمرار وجود بَـقايا النظام القديم في مراكز قيادية في مُـعظم قطاعات الدولة، خاصة في الشرطة والقضاء، مما يُـعدُّ قُـصورا في استكمال التخلُّـص من فلول بن علي.
 
ومع ذلك، أعرب الدكتور الطرودي عن تفاؤله بوعْـي الشعب التونسي وقُـدرته على الضغط من أجل استِـكمال أهداف الثورة، وقال "إن معيار النجاح الحقيقي، سيكون قدرة الشعب على إنجاز أفضل تمثيل له في المجلس الوطني التأسيسي من كل الأطياف."

 

المجلس العسكري والإسلاميون في مصر

وعن شباب الثورة في مصر، تحدّث في ندوة مركز الحوار الدكتور طارق عمر، الأستاذ بكلية الهندسة بجامعة جورج واشنطن، فقال إنه منذ معاوية بن سفيان وحتى محمد حسني بن مبارك، ظلَّـت العلاقة بيْـن الحاكم والمحكوم في مصر، تسير في اتِّـجاه واحد، وهو الاتجاه السُّـلطوي الفَـوْقي، من الحاكم إلى الشعب. فهو الآمر والشعب المُـطيع، بحيث أصبح هذا النَّـمط مُـستقرّا في وِجدان الأمة وتُـراثها الدِّيني والثقافي، إلى أن جاءت ثورة 25 يناير التي قال إنها حققت ثلاثة إنجازات أساسية:
 
"أولا، كسْـر حاجِـز الخوْف الشعبي من قمْـع الحاكم وإلى الأبد، حيث أثبت الشعب المصري أنه لو تمسَّـك بحقوقه وطالب بها في مظاهرات سِـلمية حاشدة، سينتَـزعها رغْـما عن الحاكم.
 
ثانيا، خلْـع رأس النظام الفاسِـد وبقليل من الخسائر البشرية وتفكيك أوصال واجهته السياسية الرسمية وكسْـر أدواته القمعية.
 
ثالثا، إنهاء حُـكم الفرد والقضاء على نظرية توريث الحُـكم والسَّـعي نحو التعدًّدية الحِـزبية والتوازُن بين السلطات، والعمل على إنهاء زواج السلطة والثروة وما ترتّـب عليها من إفساد.
 
لكن الدكتور طارق عمر أقَـر بأن نظام حسني مبارك لم ينتهِ بخلعه ولا زالت له فلول يعملون على إجْـهاض الثورة والالتِـفاف عليها، وقدّم قائمة بالتحديات التي تُـواجه ثورة الخامس والعشرين من يناير:
 
أولا، عدم مشاركة الثوار في الحُـكم ووضع ثقتهم في المجلس العسكري المؤلّـف من لواءات، ارتبطت مصالحهم بالنظام المخلوع ويخشون من فقدان مصالحهم الاقتصادية، لذلك يسعى المجلس العسكري الحاكِـم إلى عرْقلة مسار الثورة، وإن حاول الإيحاء بعكس ذلك.
 
ثانيا، رغبة الولايات المتحدة والغرب والدكتاتوريات الرِّجعية العربية في استمرار سياسات مبارك وبن علي وغيرهم في خِـدمة المصالح الغربية على حساب الشعوب، واستخدام علاقات واشنطن الوثيقة بقادة المؤسسة العسكرية المصرية في ضمان أن لا تمضي الثورة المصرية إلى حدودٍ تمَـسّ تلك المصالح.
 
ثالثا، تفشِّـي الفساد وتوحُّـشه طيلة العقود الأربعة الماضية، بحيث وصل الفساد إلى الأجهزة المكلَّـفة بمحاربة الفساد والقضاء عليه، مثل الشرطة والقضاء.
 
رابعا، حالة الاستِـقطاب التي يسعى إليها التيار الدِّيني مُـمثلا في الإخوان المسلمين والسلفيين، الذين يمكن أن يصبحوا السّـبب الرئيسي في فشل مشروع التحوّل الديمقراطي في مصر، لأن همّـهم الرئيسي أصبح محاولة سرقة الثورة وحصْـد المكاسب السياسية.
 
غير أن الدكتور طارق عُـمر أعرب عن تفاؤله بقُـدرة الشعب المصري على تصحيح مسار الثورة، من خلال تكاتُـف والتِـفاف جميع القِـوى الوطنية تحت مظلّـة أهداف الثورة الشعبية وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الفِـئوية الضيِّـقة، مستغلِّـين قُـدرة الشارع المصري على استِـمرار الحشد والتظاهر، حتى تتحقّـق أهداف الثورة وحتى يُـشارك الثوار أو من يُـمثِّـلهم في الحُـكم، ووقف الاستقطاب الحاصل بين الإسلاميين والليبراليين وكافة التيارات الوطنية الأخرى.

 

ثورة الخمسين ألف شهيد

وتابع الحاضرون في ندوة مركز الحوار، المقارنات التي طرحها السيد علي أبو زعكوك، المعارض الليبي ومدير منتدى المواطنة وبناء الإنسان الليبي، بين ثورتيْ تونس ومصر من جهة، والثورة الليبية التي اندلعت في السابع عشر من فبراير، من حيث أنه لم يكن هناك جيش في ليبيا يقِـف إلى جانب الشعب، كما كان الحال في تونس ومصر، وإنما واجَـه الثوار السِّـلميون كتائب القذافي المدجَّـجة بالسلاح والدبّـابات والصواريخ، واضطرّوا لحمل السلاح للدِّفاع عن أنفسهم، وكانت الحصيلة خمسين ألف قتيل وحوالي خمسين ألف جريح وعدد مماثل من المفقودين الليبيين، وهي نِـسب عالية جدا بالمقارنة مع تِـعداد ليبيا، الذي لا يتخطّـى ستة ملايين ونصف مليون نسمة.
 
وكشف السيد أبو زعكوك، العائد قبل أيام من ليبيا، النِّـقاب عن مشاركة شباب مصريين من العاملين في ليبيا في النِّـضال ضدّ كتائب القذافي، بحيث أن شابا مصريا تمكّـن من تدمير أول دبّـابة للقذافي يتِـم تدميرها في مصراتة، كما ساهم مصريون آخرون بخِـبراتهم العسكرية السابقة في تدريب الثوار الليبيين.
وحدّد السيد أبو زعكوك إنجازات الثورة الليبية حتى الآن فيما يلي:
 
"أولا، إسقاط نظام القذافي الفارّ بعد قبْـضة دكتاتورية قمْـعية لأكثر من أربعين عاما.
 
ثانيا، تحلِّـي الثوار الليبيين برُوح تعويض البلاد عن عدم وجُـود مؤسسات في الدولة بمسارعتهم إلى تكوين مجالس حُـكم في المدن المحرّرة، ثم تشكيل المجلس الوطني الانتقالي، الذي يمثل الجميع، سواء في المُـدن المحرَّرة أو التي لم يتِـم تحريرها بعدُ.
 
ثالثا، المسارعة إلى تشكيل منظمات المجتمع المدني، كركيزة أخرى للتحوّل الديمقراطي.
 
رابعا، بدء تكوين الأحزاب السياسية كنَـواة للتعدُّدية السياسية والممارسة الديمقراطية.
 
خامسا، التطوّر المُـذهل في بناء الصحافة، لتعمل بمثابة سُـلطة رابعة في ليبيا الجديدة."
 
غيْـر أن السيد أبو زعكوك شرَح العقبات والتحديَّـات، التي تواجه الثورة الليبية، فقال إن مِـن بينها ضرورة العُـثور على القذافي الفارّ وزبانِـيته وضمان إخراجهم من بني وليد وسِـرت، والعمل على تلافي الانقسام في صفوف الثوار وتجنّـب الصِّـراع على السلطة والتخلُّـص من وجوه النظام السابق وتحقيق نوْع من المصالحة الوطنية، وفي نفس الوقت، التَّـعامل مع واقِـع انتِـشار امتِـلاك الأسلحة وإصْـرار الثوّار الليبيين على الاحتِـفاظ بها لضمان عدم سرِقة الثورة.
 
وخلَّـص السيد أبو زعكوك إلى أنه، رغْـم أن إمكانيات ليبيا الاقتصادية، لا تشكِّـل لها مصاعب اقتصادية كتلك التي مرّت بها ولا تزال، مصر وتونس بعد الثورة، فإن هناك تحدياّـت كبيرة تُـواجه ليبيا الثورة، على رأسها توفير العِـلاج السليم لحواليْ خمسين ألفا من الجرحى والمُـعوَّقين، وإعادة ما خرّبته الحرب، خاصة مدينة مصراته المدمَّـرة، والأهَـم من ذلك كله، بناء الإنسان الليبي الذي خرّبه نظام القذافي الفارّ على مدى أربعين عاما، وبناء مؤسسات الدولة من الصِّـفر.

 

محمد ماضي - واشنطن- swissinfo.ch

http://www.swissinfo.ch/ara/detail/content.html?cid=31265216

الأكثر مشاركة في الفيس بوك