حوار مع رئيس لوموند ديبلوماتك عن الربيع العربي

حوار مع رئيس لوموند ديبلوماتك عن الربيع العربي

 

 

مع انقضاء عام ونصف على اندلاع ثورات الربيع العربي، اختفت اللحظات البراقة للثورات الخاطفة في مصر وتونس، وحلت محلها فوضي كبيرة بتعبير بيتر هارلينج مدير مجموعة الأزمات الدولية بمصر وسوريا، وبرزت إحباطات قدر الآمال في بناء دولة ديمقراطية جديدة، كما ظهر جلياً عجز النخب السياسية المعارضة عن بلورة خطاب سياسي يعبر عن الحراك الثوري على الأرض ويصوغ صورة الدولة الديمقراطية المستقبلية، في سوريا وكذا في مصر. 

عن تلك القضايا والأسئلة كان الحوار التالي مع الكاتب والمعارض السوري سمير العيطة، رئيس تحرير النشرة العربية من صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، الذي التقته "بوابة الأهرام" علي هامش المؤتمر الذي عقده المنبر الديمقراطي السوري بالقاهرة الأسبوع الماضي، في محاولة لتوحيد صفوف المعارضة السورية، ويري في حواره أن الربيع العربي سيستغرق سنوات للوصول للتوازن المطلوب، إذ أن الربيع العربيكما يراه، ليس قصة شهر أو عام بل دخول علي التاريخ من جديد.

وإلى نص الحوار: 
* كيف تري الربيع العربي بعد انقضاء عام ونصف علي اندلاعه دون تحقيق ما طالبت به شعوبه؟ 
- الربيع العربي هو لحظة فريدة في تاريخ بلادنا العربية، هو تسونامي شبابي يضرب بأنظمة السلطة الجامدة التي أوقفت حركة الفكر والتحرر والشعور بالكرامة والحرية في أوطاننا العربية، وأن ننتقل من هذه الأنظمة الجامدة إلي أنظمة ديمقراطية فهذا شيء يحتاج بعض السنين حتي نصل إلي نوع من التوازن في طريقة الديمقراطية والتعامل مع بعضنا البعض، وضبط الديمقراطية من المال السياسي، اليوم هناك مال سياسي كبير بالربيع العربي. 
الشيء الآخر يتعلق بالمرحلة الإنتقالية بين الديكتاتورية والإستبداد وبين الديمقراطية الحقيقية، أن تولي تلك المرحلة إلي رجال يستيطعون أن يضعوا أسساً لهذه المرحلة الإنتقالية، نحن نري اليوم تعثر بعض تلك المراحل الإنتقالية لأن هذا لم يحدث. لكن عدا ذلك، نحن فتحنا محال الحريات والتعبير بشكل كبير وهناك كثير من الناس يكن تعبيرهم صارخاً وظاهراً بفترة الإستبداد ظهروا وعبروا، مثل الحركات السلفية التي تحظي بتعبير لافت وملحوظ، وهنا الشيء اللافت أن كل هذه التعبيرات ظهرت، وسيتعامل المواطن معها، إذا كان لديها شيء تقدمه ربما تنجح وتستمر وإذا لم يكن لديها شيء فحتي لو ربحت انتخابات أولي فستسقط بعد ذلك. 

* نحن إذن أمام مرحلة طويلة؟ 
- إذا وصلنا إلي التوازن النهائي لنظام ديمقراطي يعتمد المساواة التامة في المواطنة في خمس سنوات أتصور أن هذا سيكون شيء عظيم، الديمقراطية مدرسة نتعلم منها احترام الرأي الآخر واحترام أن له حق في التراب الوطني والحريات مثله مثلي، هذا شيء لم نتعود عليها، السلطة كانت ضاغطة وتقف حائلاً دونه، الآن يجب أن نسمع الآخر وننصت إليه ونتعلم التفاعل معه وأن ننصت إليه ونصل معه لنتجية، هذه مدرسة كلفت أوروبا حروباً لعشرات السنين.

* كيف تري فشل النخب السياسية في بلورة خطاب يعبر عن الحراك ويصوغ مستقبل الدولة االديمقراطية التي نادت بها شعوب الربيع العربي؟ 
- الحراك السياسي الموجود في المعارضة، التي كانت تحت ظل الإستبداد، أو التي كانت منفية في الخارج كان تمحور وضعها هو عن الإستبداد معه أو ضد، فلم يكن لديها ما تقوله وتقدمه للناس خصوصاً إنطلاقاً من مشاكل الناس، من فعل الربيع هم الشباب وهؤلاء الشباب نوعاً ما هناك فجوة بينهم وبين السياسيين، نحن ننتظر أن ينتج هؤلاء الشباب منظومة سياسية حاملة لطموحاتهم التي ستأتي بالتوازن الرئيسي، وهذه المنظومة لا توجد الآن، وتلك المنظومة المنتظرة يمكن أن تحمل شباب الإخوان في مصر والشباب من التيار العلماني ضد كل التيارات السياسية لأن قليل من القيادات السياسية فقط لديهم مشروع حقيقي لمصر وللتنمية الإجتماعية، هناك بعض الشخصيات ولكنهم قلائل. 

* لماذا كانت التيارات الدينية هي الأقدر علي اقتناص تلك اللحظة والإستفادة منها، والأعلي صوتاً في الإنتخابات؟ 
- الفترات السابقة كانت فترات تتحدث عن مساواة في المواطنة ولكن تحت ضغط يغيب تيارات الإسلام السياسي، ومن الطبيعي عندما يفتح المجال، أن تبرز هذه التيارات، ولكن أن تنجح هذه التيارات في طرح حل حقيقي، هذا ليس شرطاً لأن قليل جداً منها قادر أن يتعامل مع إسلام سياسي يتوافق مع المواطنة التامة وأن يحمل أقباطاً وشيعة ويحمل أشياء مختلفة تبرز المساواة في المواطنة. 
الشيء الآخر أن هناك دول الخليج العربي القائمة علي نوع من الإسلام السياسية تغذي بالمال السياسي هذه الحركات بشكل رئيسي، فليس صدفة أن يأتي أمير قطر ويقول يجب التعامل مع الإسلام السياسي، هو يقصد أننا ندعم الإسلام السياسي وهم يدعمون الإخوان ومن المعروف أيضاً أن السعوديين يدعمون الحركات السلفية، وفي الحقيقة يجب ضبط هذه الأمور بشكل قانوني، وهذا الموضوع طرح في مصر مثلاً ولم يطرح في تونس، فهناك مساءلة من برلمانية مصرية عن وضع الإخوان ليس كحزب ولكن كتنظيم يكون له كيان قانوني.

* إذا كان هناك مال سياسي خليجي يدعم الإخوان والتيارات الإسلامية، فكيف تفسر التلاسن الذي اتخذ أبعاداً يري مراقبون أنها مغالي بها بين مسئولين بدولة الإمارات والإخوان بمصرعلي خلفية حديث الإمارات عن إصدار مذكرة اعتقال للشيخ القرضاوي؟ 
- هناك حساسيات مختلفة حتي ضمن دول الخليج، حول الإسلام السياسي، هناك دول خليجية تدعم بالمال والإعلام تنظيمات إسلامية بعينها وتحاول حتي أن تدفع هذا التنظيمات في دول خليجية أخري ليس في تونس ومصر فقط فهذا موجود بالنسبة للسعودية والإمارات، فالإمارات تنزعج مثل أي دولة أخري أن يكون هناك تيار سياسي مدعوم من دولة أخري حتي لو كانت خليجية ويمكن أن يؤثر في سياستها الداخلية. 

* كان لافتاً أن تدفع بعض الدول الخليجية، وخاصة السعودية، وهي دولة محافظة سياسياً باتجاه تغيير النظام في سوريا، حتي أن السعودية كانت أول من دفع باتجاه تصعيدي بسحب بعثة المراقبين العرب من سوريا، كيف تري هذا التناقض؟ 
- فعلاً كان لافت للإنتباه كيف أن السعودية دخلت في موضوع إقليمي بهذا الزخم، فعادة السياسيون السعوديون وأغلبهم كبار في السن لا يظهرون للعلن بمواقف هجومية بأي ملف، فهم يتركون لقطر مثل هذا الدور، وهم نوعاً ما يأتون بحلول توفيقية في النهاية، وسؤال وجيه أن يتساءل المرء عن هذه المرة النادرة التي يخرج فيها السعوديون بهذه الهجومية. 
ولكن هناك تنافس واضح بين قطر والسعودية وهناك ثأر بين الملك عبد الله وبشار الأسد منذ حرب الـ 2006 في جنوب لبنان حين صرح بشار واصفاً السعوديين بأنصاف الرجال وهذا كان غير موفق علي أقل تقدير، وهذا قد يكون سبب رئيسي ولكن هناك ما هو أبعد من ذلك. 
السعودية تريد أن تأخذ دوراً في الصفقة النهائية حول سوريا وان لا تترك هذا الدور لقطر، كما حدث في ليبيا التي يقول الغربيون عنها أن مصيرها يقرر في الدوحة. السعودية لا تريد هذا الدور لقطر في سوريا، هي تريد أن تبرز أنها الفاعل الرئيسي في هذا الملف، وهذا هو السبب الرئيسي عن تصريحات السعودية في اجتماع أصدقاء سوريا بخصوص تسليح الجيش الحر مع أن المعلومات أن التسليح الذي يأتي من السعودية أقل بكثير من الخطاب الذي يتحدثون به. 

* هل هذا يعني أن هناك تسليحا بالفعل من جانب السعودية؟ 
- هناك سلاح وهناك أموال تأتي من بعض الدول إلي سوريا ولكن هناك مشكلة أساسية هنا، هل يعطوا السلاح إلي مجموعات بعينها أو إلي كل الناس، كيف نضبط الأمر، هم قدم إلي الأمام وقدم إلي الوراء، إذا أعطوا السلاح لكل الأطراف ستنفجر سوريا ولن يستطيعوا في النهاية أن يسيطروا علي شيء.

* هل خرج الملف السوري من أيدي السوريين، وأصبح ساحة لصراع إيران وروسيا مع الغرب والسعودية من ناحية أخري؟ 
- القمع الذي قام بشار الأسد بشكل شديد، وبث الروح الطائفية قصداُ وإقحام كل البلاد المحيطة فيما يحدث في سوريا، لم يضعف فقط موقع سوريا التي كانت لاعباً قوياً في الإقليم ولكن جعل الصراع في سوريا صراعاً دولياً. 
هو فعل ذلك معتقداً بأن التجاذب الدولي حول الملف السوري سيحافظ عليه كسلطة وكنظام، وأن روسيا والصين ستدعمانه في النهاية، وبرأيي أن هذا لن يحدث، والمشكلة أن هناك أيضاً تجاذبات ضمن مجموعة أصدقاء سوريا تتصارع ضمن المعارضة السورية، أو هي السبب في تصارع أطياف بين المعارضة وهذا شيء في منتهي الخطورة. 
الكارثة التي صنعها بشار الأسد أن سوريا أصبحت لعبة أمم كبيرة والأمل هو أن تتوافق هذه الدول علي إعادة قرار الشعب السوري إليه، ولكن هذا ليس شيءاً أكيداً.

* سآنهي معك الحوار انطلاقاً من افتتاحيتك الأخيرة، هل يمكن أن ينتصر الربيع العربي، في دولة واحدة دون البقية؟ 
- لا يمكن أن ينتصر الربيع العربي في دولة واحدة، هناك تفاعلات في الربيع والثورات وكل واحدة ستؤثر علي الأخري، ولكن أن تصل للنظام المستقر في بلد واحد فربما بعض الدول الأخري ستحاول أن تسيطر عليه، لأنه سيكون نموذجاً جيداً لدرجة أن البقية سيخافون إذا كانوا دولاً مستبدة أو دولاً تحاول أن تهيمن علي هذا النموذج..

 

المصدرالاصدقاء كافية - من قسمالنقاش السياسى

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك