حين تتغلب الاهواء على الحقيقة !!

حين تتغلب الاهواء على الحقيقة !!

طه محمد كسبه

 ثمة تعريف واحد تضمنته دوائر المعرفة وقواميس اللغة والموسوعات الحديثة ، وان اختلفت  الصياغات التي تجمع على معنى الاستشراق ، حيث  يشير كثير من العلماء والباحثين  الى الاستشراق بانه "  تعبير اطلقه الغربيون  على الدراسات المتعلقة بالشرقيين ، شعوبهم وتاريخهم  وأديانهم ولغاتهم وأوضاعهم الاجتماعية ، وبلادهم وأرضهم وحضاراتهم وكل مايتعلق بهم " كما  تشير الموسوعة الاسلامية العالمية لـ " لاستشراق "  بقولها :  انه عبارة عن  دراسات اكاديمية يقوم بها باحثون  اجانب ـ من اهل الكتاب بوجه خاص ـ حول الاسلام والمسلمين من جميع الجوانب التاريخية  والعقدية والفقهية والثقافية والحضارية ، وحول حضارة الشرق بصفة عامة " . 

بل ان الدكتور  عبد العليم خضر  في كتابه " الاعلام الغربي  والمؤامرة على الاسلام في افريقيا " نقل تعريفا اخر  للدكتور محمد البهي  حول الاستشراق ذهب الى ابعد من ذلك فيقول في تعريفه " يعتبر الاستشراق  منهجا ومحاولة  فكرية لفهم الاسلام عقيدة وحضارة وتراثا .. دافعه الحقيقي  العمل من اجل انكار  المقومات  الثقافية  والروحية في ماضي هذه الامة  والتنديد والاستخفاف بها " ، وهنا اشير الى عدد من الكتاب الذين تناولوا الاستشراق وتعريفه وتاريخه والذي يضيق المقام بذكرهم جميعا .

اما عن نشأة الاستشراق فيشير اكثر من كاتب نظرا لصعوبة  تحديد تاريخ معين للاستشراق  وان اجمع اكثر  الباحثين  على  بعض الحوادث  التي يفهم منها انها يمكن ان تؤرخ للاستشراق ، فليس من شك في  ان انتشار الاسلام السريع  سواء في المشرق  او المغرب  قد لفت نظر رجال الكنيسة  في اوروبا ، وكثيرا من المفكرين الغربيين حول هذا الدين الجديد ، والفتوحات التي عمل عليها ، وتزايد اعداد الداخلين في الدين الجديد ، من هنا بدأ  اهتمامهم بالاسلام ودراسته  والتعرف عليه عن كثب ،  عن طريق الزيارات الميدانية والتعايش مع المسلمين في بلادهم .

من هنا اختلف الناس في تحديد البداية الحقيقية للاستشراق ، فيذكر الدكتور محمد عبد الفتاح عليان في كتابه اضواء على الاستشراق   ان " بعض الباحثين يقول  بان الاستشراق بدأ في القرن العاشر الميلادي بينما يرى البعض الاخر ان الاستشراق  بدأ بعد القرن العاشر الميلادي ،  بينما يرى البعض الاخر ان الاستشراق  بدأ في اعقاب الحروب الصليبية التي استمرت زهاء قرنين من الزمان ، ويقول البعض ان الاستشراق بدأ في الاندلس في القرن الثالث عشر الميلادي  حين اشتدت حملة الصليبيين الاسبان على المسلمين  ، فقد دعا " الفونس " ملك قشتالة " ميشيل سكوت "  ليقوم بالبحث  عن علوم المسلمين  وحضارتهم ، فكان ان جمع سكوت  طائفة من الرهبان  في احد الاديرة  وشرعوا في ترجمة بعض الكتب من اللغة العربية الى لغة  الفرنجة " ثم قدمها سكوت الى ملك قشتالة ، الذي امر باستنساخ  نسخ منها وبعث بها هدية  الى جامعة باريس " ومنذ ذلك الوقت انطلق المفكرون الغربيون  الى دراسة الاسلام والعالم الاسلامي ، ومن ثم تخصص البعض في تعلم اللغة العربية ،  وترجموا القران الكريم وبعض الكتب العربية التي تنوعت بين العلمية والادبية .

ومن جانب اخر ، تذكر بعض الكتب ان الاندلس كانت القنطرة الاولى  التي عبر منها المستشرقون  الى الشرق الاسلامي  وكانت المعارف الاسلامية  العربية التي ازدهرت  ووصل اريجها الى اوروبا النائمة  في احضان التخلف العلمي ، وكان الحافز  الاول لرحلات طلاب العلم والمعرفة  من ابناء اوروبا في انحاء البلدان  الاسلامية ، وكان " جربرت " الراهب الفرنسي من اوائل الذين رحلوا الى الاندلس وتتلمذوا على يد اساتذة " اشبيلية "  و " قرطبة "  وكان جربرت  قد امر بانشاء مدرسة  عربية في ايطاليا ، واخرى في فرنسا ،  بعد ان انتخب حبرا  أعظم في سنة 999 م ، وكانت المدارس التي عنيت بالتراث العربي والاسلامي واليوناني والعبري في اوروبا نقطة البداية التي انطلق منها المستشرقون يبحثون في التراث العربي ويؤلفون في تاريخ الشرق الاوسط .

نشأة ثقافة الجهل والكراهية

 

عمد المستشرقون الانجليز   وغيرهم الى انشاء الجمعيات واصدار النشرات  العلمية  والمجلات الثقافية  المختصة بالشرق وثقافته وتاريخه ، فكان ان انشاوا  في بتافيا التي هي عاصمة جاوة ، اول جمعية للمستشرقين في العام 1781م ، ثم انشئت  الجمعية البنغالية  في العام 1784 م ، وكانت مجلة  " الجمعية الاسيوية الملكية " اول واكبر صحف المستشرقين وكان من نجاح هذه  الجمعيات ماجعل  دول اوروبا وامريكا تحذو حذو الانجليز في انشاء الجمعيات  واصدار النشرات والمجلات  فكان لامريكا  وفرنسا والمانيا والنمسا وايطاليا وروسيا وبلجيكا  والدانمرك نشاطا ملحوظا في هذا المجال حيث استفاد المستشرقون من المؤلفات المكدسة  في مكتبات اوروبا والتي نقلت الى اللغات الاوروبية المختلفة .

وللتدليل على قوة ماوصلت اليه جمعيات المستشرقين ، ان قاموا بتنظيم  المؤتمرات العلمية التي بدأت بمؤتمر باريس في العام 1873 م ، وكانت الموضوعات الرئيسية التي طرحت للبحث تدور حول  تاريخ الشرق العربي القديم ، واثار دوله في اليمن وفي وادي القرى وفلسطين ، والهلال الخصيب ، والتاريخ الاسلامي وحضارته .وبعدها تتالت المؤتمرات والندوات والتجمعات التي كان المستشرقون هم عمدتها ، والتي كان اهتمامها منصبا على العرب والمسلمين وتاريخهم وحياتهم وعقائدهم ، واستكناه اسرار هذا كله وكشفه وتحليله . تمهيدا لادوار ومهام سوف تتحدد فيما بعد ، وفق اطار محدد وسياسات  تعكس حجم الكراهية للاسلام والمسلمين ، ولتاريخ وتراث العرب والمسلمين .

ويلقي الدكتور محمد البهي الضوء على ما قام به المستشرقون بقوله " لقد حاول المستشرقون ان يحققوا أهدافهم بكل الوسائل  ، اذ الفوا الكتب والقوا المحاضرات  والدروس  وبشروا بالمسيحية  بين المسلمين ، وجمعوا الاموال  وانشأوا الجمعيات ، وعقدوا المؤتمرات  واصدروا الصحف  وسلكوا كل مسلك  ظنوه محققا لأهدافهم ".

ويضيف بالقول "  ان التبشير والاستشراق كلاهما دعامة الاستعمار في مصر والشرق الاسلامي ،  فكلاهما دعوة الى توهين القيم الاسلامية والغض من اللغة العربية الفصحى ، وتقطيع اواصر القربى بين الشعوب العربية وكذا بين الشعوب الاسلامية والتنديد بحال الشعوب الاسلامية الحاضرة والازدراء بها في المجالات الدولية العالمية .

ان اخطر الادوار التي قام الاستشراق بها  ـ باعتقادي ـ  هو انه شكل والى حد كبير البذرة  التي شكلت ثقافة الجهل بالعرب والمسلمين ـ وبالشرق عموما ـ  التي تولدت في المجتمعات الغربية تجاه العرب والمسلمين ، وشكلت في ذات الوقت ، الذهنية الغربية عنهم ، ورسمت الصورة ـ التي نراها الان ـ عن العربي والمسلم الكريه ، والتي يحاولون ان يلصقوا به كل نقيصة ، ويلحقوا به العار  على مدى التاريخ  المعاصر ، ويحملونه كل ماحدث  ويحدث للعالم من شرور ومآس ، والغريب في الامر انهم على نفس المستوى راحوا يبرئون اليهود من تاريخ الدم الذي لوثوا به مسيرة الانسان  عبر التاريخ .

وتزخر معظم كتب المستشرقين  بالعديد من الكلمات والمقولات التي تعكس روح العداء ،  وتبث روح الكراهية ، وهي التي سبق وان عبرت عنها بثقافة الكراهية التي شكلت الى حد كبير سياسات الغرب تجاه العرب والمسلمين ، ودفعت بالغرب ـ على اطلاقه ـ الى  التدخل في  شئون المسلمين والعرب ، تارة تحت اغطية سياسية وتارة اخرى  باغطية اقتصادية  او اجتماعية ، وتارة ثالثة باغطية حقوق الانسان ، ومن ثم تحكمت هذه الثقافة  في نوايا الغرب تجاه العرب والمسلمين  ، من الغزو الثقافي والفكري الى الغزو العسكري ، الى الحرب الباردة ، والى العولمة ، والي الهيمنة والتدخل العسكري ،  والتحريض والدعم اللامحدود للكيان العبري في الارض العربية ، ومساندة الصهيونية العالمية على حساب العرب وارضهم ، وتهديدهم والتدخل في شئونهم الداخلية  بالعديد من السياسات والاساليب  المهيمنة .

يعكس روح العداء هذه ، العديد من هذه الاقاويل التي احتوتها العديد من كتب المستشرقين نذكر منها على سبيل المثال ـ لا الحصر ـ  ان المستشرق الامريكي في جامعة برنستون " موربيرجر " قال : " يجب محاربة الاسلام للحيلولة دون وحدة العرب ، التي تؤدي الى قوة العرب ، لان قوة العرب تتصاحب دائما مع قوة الاسلام  وعزته وانتشاره " ، ويقول فردريك دينيون موريس " من الثابت ان الاسلام لم يكن يصادف نجاحا  الا عندما  كان يهدف الى الغزو " .

المصدر: http://tanseerel.com/main/articles.aspx?article_no=15155&menu_id=

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك