لا ترجعوا بعدي كُفاراً يضربُ بعضكم رقاب بعض

لا ترجعوا بعدي كُفاراً يضربُ بعضكم رقاب بعض

عصام العطار

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خطب يومَ النَّحْرِ فقال:

- (يا أيها الناس، أيُّ يومٍ هذا)؟

- قالوا: يومٌ حرام (1)

- قال: (فأيُّ بلد هذا)؟

- قالوا: بلدٌ حرام (1)

- قال: (فأيُّ شهر هذا)؟

- قالوا: شهر حرام (1)

- قال: (فإنًّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كَحُرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا في شهركم هذا [إلى يومِ تَلْقَوْنَ ربّكم] (2))، فأعادها مِراراً، ثم رفع رأسه فقال:

- (اللهم هل بَلَّغتُ ؟ اللهم هل بَلّغت ؟، فَلْيُبَلِّغ الشاهدُ الغائب. لا ترجعوا بعدي كُفاراً (3) يضربُ بعضكم رقاب بعض) رواه البخاري

 

هذه هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمته على امتداد المكان، وعلى امتداد الزمان، إلى أن يلقوا ربهم عند انقضاء الحياة الدنيا:

 

يَحْرُم على المسلمين أن يستبيح بعضهم دماءَ بعض، وأموالَ بعض، وأعراضَ بعض، بالفعل الآثم، أو القول الفاجر، وأن يرجعوا بذلك بعد أن هداهم الله للإيمان، وللإسلام وتعاليم الإسلام وأخلاق الإسلام، كفاراً يضرب بعضهم رِقاب بعض

 

ولكننا رجعنا في أحرج مرحلة من مراحل تاريخنا وتاريخ عالمنا، خلافاً لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، كفاراً - أي عُصاة - يضرب بعضنا رقاب بعض بدرجات متفاوتَة، وأشكال مختلفة، لغير ما غاية سامية أو مصلحة عامة بيّنة، بل لما فيه خسارةُ الجميع، وهوان الجميع، وهلاكُ الجميع، وتمكين أعداء العرب المسلمين من الهيْمنةِ في أرض العرب والمسلمين والتحكمّ في مصائرهم بأبشع صورة من الصور. ونظرة واحدة شاملة إلى العالم العربيّ والإسلاميّ كافية لرؤية المآسي الأليمة التي يتخبط فيها، والأحداثِ الرهيبة التي يعيشها، والدماءِ الغزيرة التي تسيل، والخَرابِ الكبير الذي يعُمّ، والمستقبلِ المظلمِ المنذرِ، وهذا الانتحارِ العبثيّ السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والأخلاقيّ... إذا استمرت هذه الحال.

 

لا بدّ أن نعلن بكل قوّة ووضوح أنّ ما نراه الآن من اقتتال العرب والمسلمين فيما بينهم، بمختلف صوره ودرجاته، يتناقض كلّ التناقض مع روح الإسلام، وتعاليم الإسلام وأخلاق الإسلام، ومصلحة الإسلام والمسلمين، ومصلحة الإنسانية جمعاء، وأنّ من واجب كل مسلم يغار على دينه وأمته، وعلى القيم العليا التي جاء بها الإسلام وسائر الأديان، أن يعلن رفضه لهذا الواقع الأليم الرهيب المخزي، وأن يضمّ صوته وجهده لدعوات الحوار والإصلاح والصلاح.

 

يجب أن يقف في العالم العربي والإسلامي نزيف الدم، وأن يقف العدوان والبغي والظلم، وأن يؤدي كلُّ مسلم، وكل إنسان حرٍّ شريف دوره في هذا المجال بأفضل ما يستطيع وأقصى ما يستطيع.

 

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الحجرات 10

 

* * *

 

ولايرفض الإسلام اقتتال المسلمين فحسب ؛ ولكنه يرفض كل ما يؤدّي إلى اقتتالهم، وتنازعهم وتقاطعهم من قول أو فعل

 

روى البخاريّ ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:

- (سِبَابُ المسلم (4) فُسُوق (5) وقتاله كُفر)

 

وروى البخاريّ في صحيحه عن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

- (من حمل علينا السلاحَ فليس منا)

 

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَرّف المسلمَ بأنه من سَلِم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمنَ بأنه من أَمِنَهُ الناسُ - مسلمينَ وغيرَ مسلمين - على دمائهم وأموالهم.

 

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:

 

- (المسلمُ من سَلِم المسلمون من لسانه ويدِه، والمهاجرُ من هجر ما نهى الله عنه)

 

وأخرج الترمذيّ والنسائيّ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

- (المسلمُ من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمنُ مَنْ أَمِنه الناسُ على دمائهم وأموالهم)

 

أمّا القَتلُ، قتلُ مسلمين بأيدي مسلمين، ومواطنين أبرياء بأيدي مواطنين، الذي نرى في كل يومٍ من إيامنا صوراً من أبشع صوره في بعض البلاد العربية والإسلامية، والذي غدا في بعض هذا البلاد، وكأنه أمر عادي مألوف، وَضَرْبٌ من ضُروب اللهو والعبث!! أما هذا القتل العجيب الرهيب فيكفي أن نقرأ في شأنه قول الله تعالى:

 

- (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما) سورة النساء الآية 93

 

وقوله تعالى:

 

- (... وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) سورة الأنعام الآية 151

 

وقوله تعالى:

 

- (... مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً...) سورة المائدة الآية 32.

 

* * *

 

* إننا ندعو العرب والمسلمين:

 

وندعو سائر المواطنين في بلاد العرب والمسلمين من كلّ قوم أو دين أو مذهب من المذاهب، وبخاصة أهل العراق، إلى أن يضعوا حدّاً لهذه المذابح المرعبة التي يَبرَأُ منها الدين، وتبرأ منها الإنسانية، ويبرأ منها ويشجبها كل خلق كريم.

 

ونحن نعتقد أنّ الحكومات العربية والإسلامية، والعلماءَ والمثقّفين والقادة الشعبيين … قادرون إذا أحسوا بمسؤوليتهم، ونهضوا بواجبهم، وصدقوا في سعيهم، وتعاونوا فيما بينهم بجدّ ووعي وإخلاص … على إنقاذ العراق من الهلاك والدمار، وهذا الانتحار الجماعيّ العبثي الوحشيّ المخزي، المثير للرثاء والحزن والاشمئزاز.

 

ونحمّل في شأن العراق، بكلّ أمانة وصراحة، المسؤوليةَ الأولى في الإنقاذ والإصلاح للمراجع الشيعية الكبيرة المسموعة الكلمة، والزعامات الشيعية الوطنية المؤثّرة، فهم الذين يملكون الولاء الأكبر، والقوة المنظّمة الأكبر، ويضعون أيديَهم على الحكومة وأجهزة الحكومة التي لا يخدم بعضُها الأمنَ بل يدوس الأمن، ولا يمنع الجريمة بل يسبق إلى ارتكاب الجريمة

 

ونحمّل أيضاً جانباً كبيراً من المسؤولية للجمهورية الإسلامية في إيران فهي كانت - وماتزال - بوجودها ونفوذها قادرة على دور أفضل في لجم الصراعات الدموية، والتفاهم والإصلاح.

 

* * *

 

أيها العرب والمسلمون

 

أيها السنة والشيعة

 

أما آن لكم أن تبصروا وتدركوا أن أعداء العرب والمسلمين يعملون في العراق وغيرهما من بلاد العرب والمسلمين لضرب السنة بالشيعة، والشيعة بالسنة، ليتمكنوا منهم جميعاً ويهيمنوا عليهم جميعاً، وينفذوا فيهم مخططاتهم الآثمة المدمرة في الحاضر والمستقبل

 

إننا ندعو العربَ والمسلمين جميعاً حكوماتٍ وشعوباً، وعلماء وزعماء، وكتاباً وإعلاميين إلى المبادرة والتعاون على إطفاء نار الحرب الطائفية الملتهبة قبل أن تحرق بلادنا وحاضرنا ومستقبلنا، ودنيانا وآخرتنا على حدٍّ سواء. * الأستاذ عصام العطار: داعية إسلامي مقيم في ألمانيا

 

الهوامش:

(1) حرام: أيْ حرّم الله تعالى فيه القتال

(2) هذه الزيادة من حديث أبي بَكْرَة في صحيح البخاري.

(3) أي عصاةً كالكفار.

(4) سبابُ المسلم: شتمه والتكلم فيه بما يعيبه ويؤلمه.

(5) فسوق: فجور وخروج عن الحق وآداب الإسلام.

 

المصدر: مجلة الرائد العدد 259، كانون الثاني 2007

الأكثر مشاركة في الفيس بوك