من كان يريد السَّلام فليكن مستعدًّا للحرب!

من كان يريد السَّلام فليكن مستعدًّا للحرب!

بقلم: د. حسن يوسف الشريف

السِّياسة في أحد تعاريفها هي “فنّ تحقيق الممكن”، وهذا يعني في الُمجمل أنَّ السِّياسة هي خطَّة لتحقيق أهداف معيَّنة سواء على المستوى القريب أو البعيد، ومن المعروف عند كلِّ السِّياسيين في العالم أنَّهُ من المُمكن استخدام الحَرب، كوسيلة لتحقيق الأهداف الاستراتيجيَّة إذا لم تُفلح السِّياسة النَّاعمة، إلا أنَّ السِّياسة العربيَّة شَطَبَت من وسائِلِها فكرة الاستعداد للحرب إذا لم تُفلح وسيلة السَّلام في تحقيق الأهداف.

لقد كانت أكبر انتكاسة في السِّياسة العربيَّة، هو اعتمادها وإعلان صانعيها – وللأسف – من خلال اجتماعات القمم العربيَّة، أنَّ السَّلامَ هو خيارهم الاستراتيجي الوحيد، في الوقت الذي تقوم سياسات الدُّول الأُخرى على الخيارات المفتوحة لتحقيق الأهداف الاستراتيجيَّة، حيث من المعروف في الفكرِ العالمي أنَّ كِلا الطّريقين (الحرب، المفاوضات) هو سياسة.

وللأسف الشَّديد كان اختيار العَرَب للسَّلام كخيارٍ استراتيجي مع الكيانِ الصهيوني مبنيًّا على عدَّة خرافات:

الأولى: أنَّ إسرائيل تملك جيشًا لا يُقهر، وأنَّ الجيوش العربيَّة مُجتمعة أضعف من مواجهة هذا الجيش.

الثانية: أنَّ اختيارنا السَّلام خيار استراتيجي هو إحراجٌ للحكومة الصهيونيَّة, يدفعها إلى جديَّة التَّفاوض للحصول على حقوقنا, ويدفع أيضًا الدول الأوروبيَّة والولايات المتحدَّة الأمريكيَّة إلى العمل على مناصرة الحقوق العربيَّة.

لكن الأحداث والوقائع أثبتت خلال السنوات الماضية الخطأ الفادح لهذه الخرافات، حيث لم يخلُ عامٌ إلا ويَشنّ فيه الكيان الصهيوني هجومًا – سواء على المستوى الصغير أو المتوسط أو الضخم – داخل الأراضي الفلسطينيَّة أو خارجها.

إنَّ العُقلاء يراجعون أعمالهم وتصوّراتهم وخططهم وسياساتهم، فلماذا لا يراجع النّظام العربي سياساته وخططه ؟؛ إنَّني أجزم بأنَّ السبب وراء ذلك: إمَّا الجهل وإمَّا الخيانة لمصالح الأمة، وهُما تُهمتان عظيمتان لا تقلُّ إحداهما عن الأخرى.

إنَّ الصهيونيَّة في ثوبها وفى سياساتها الجديدتين، تقوم على أنَّ أولى شروط المفاوضات هو “اعتراف العرب والفلسطينيين بيهودية (دولتهم), والتخلّي عن حق عودة اللاجئين، والاعتراف بأنَّ القدس الشرقيَّة هي جزء من عاصمتهم الأبديَّة”.

والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل تعود الأنظمة العربيَّة إلى رشدها وتتخلَّى عن سياسة الخيار الوحيد بدعوى الحكمة ؟, ألا يعدُّ تمسّكها بخيارٍ واحد أثبتت الأحداثُ فشله منافيًا للحكمة ؟, وما المانع من الإعلان عن تعدّد الخيارات لمواجهة التحدّيات والمؤامرات التي تحاك بالأمة ؟

يُخبرنا التاريخ الحديث بأنَّ الحربَ الباردة التي كانت بين المحور الرأسمالي متمثّلاً في أوروبا الغربيََّة وأمريكا وبين المحور الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي والتي استمرت عشرات السنين، ورغم أنَّ الاتحاد السوفيتي لم يحتلّ أراضى أو مقدَّسات الغرب، وأنَّ الخلاف بين المحورين كان فكريًّا، أحدهما يريد نشر الرأسماليَّة والآخر يريد نشر الاشتراكيَّة، فإنَّ المحور الغربي كان يعتمد استراتيجيَّة تقول: “من كان يريد السَّلام، فعليه أنْ يكون مستعدًّا للحرب”..

وقد تَحَقَّقَ للغرب النَّجاح بفضلِ هذه الاستراتيجيَّة.. فكيف نحن العرب تُحتلّ أراضينا ومقدّساتنا ويهجّر ملايين الفلسطينيين حول العالم, وإسرائيل ترفض السلام، حيث أعلنت الحكومة يومها في تعليقها على مبادرة السَّلام العربيَّة قائلة: “إنَّ المبادرة لا تستحق المداد الذي كُتبت به ؟!”.

وفي مقابلة بين السفير المصري في فرنسا “نجيب قدري”، مع وزير الخارجيَّة الفرنسي “ميشيل جوبير” عبَّرَ له الوزير الفرنسي قائلاً: “نحن غير متفائلين لنتائج مؤتمر جنيف للتوصّل إلى سلامٍ دائم، لأننا مقتنعون بأنَّ إسرائيل لا ترغب في سلام، ولكن ترغب في هدنة ممتدة” (1).

والتَّساؤلات المحيَّرة لكثيرٍ من الباحثين والدَّارسين والمثقَّفين للسياسة العربيَّة والتي لا تجد إجابة مُقنعة، منها:

أولاً: لماذا اعتمدت السِّياسة العربيَّة طوال السنوات الماضية “أنَّ السَّلام هو الخيار الاستراتيجي الوحيد” على الرغم من أنَّ العقل يقول “من كان يريد السَّلام فليكن مستعدًّا للحرب” ؟!

ثانيًا: هل يجهل العرب أنَّ إسرائيل دائمًا في مناورات عسكريَّة استعدادًا للحرب معهم ؟!

ثالثًا: لماذا لا تَعتمد استراتيجيَّتنا العربيَّة “المُقاومة” بجانب السَّلام لاسترداد أراضينا ومقدَّساتنا ويعود اللاجئون إلى ديارهم؟!

رابعًا: لماذا يرفض السياسيون العرب دائمًا مقابلة قيادات المقاومة العربيَّة ويصرّون على حصار المقاومة حتى يتم تصفيتها أو استسلامها؟!

فهل يمكن مراجعة استراتيجيَّتنا السياسيَّة لكي يتم تجديدها، فالعقلاء يراجعون دائمًا سياساتهم ومواقفهم لتدارك الأخطاء أو السلبيَّات ؟!!! … ونرجو أنْ نكونَ من هؤلاءِ العقلاء.


 

(1) المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ج2 – ص 230 – هيكل.

http://feker.net/ar/2010/10/02/456-2/

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك