انفعالاتنا بين التطرف والاعتدال

انفعالاتنا بين التطرف والاعتدال

أسعد الامارة

معظمنا يستجيب للانفعالات بوساطة تعبيرات الوجه او الايماءات الصادرة عن الملامح واحياناً الافعال ، وتبدو هذه كلها في لحظات الموقف الانفعالي ، هل هو سار ام محزن ، غاضب او سعيد ؟ هذه المواقف في تطرفها واعتدالها هي في الاساس سلوك يصدر منا يعبر عن الموقف .

 

يقول علماء النفس ان ما تتصف به الانفعالات لدينا بعدم قدرتنا على التحكم فيها بمعنى ادق لايمكن بسهولة كفها او منعها حسب قوة تأثيرها حتى انها احياناً لشدتها يفقد احدنا سيطرته على نفسه والتحكم في مشاعره وربما تزيد من الاستثارة والاستجابة للتهيج ويقول عالم النفس "هارولد شلوسبرج" ان كثيرا من تعبيرات الوجه يمكن وصفها بطريقة ثابتة وفقا لثلاثة ابعاد : السرور – الكدر ، الرفض – الانتباه ، والشدة ومستوى التنشيط في الوضع الاعتيادي .

 

اما التطرف والغلو فهي سمة ملازمة عند البعض وتكاد تكون جزء من شخصيته وتتسم بالاستبداد، حتى عرفت في الدراسات الاجتماعية بانها الخروج على المفاهيم والاعراف والمعايير والسلوكيات العامة السائدة بالمجتمع، بينما يرى السيكولوجيين في تعريف التطرف بانه انحراف انفعالي سلوكي شديد فيه اقصى قدر من محو الآخر دون وجود خطة استراتيجية بديلة للتغيير وترجعه الرؤية النفسية الى اسباب نفسية خالصة كثيرا ما تكمن في داخل عقولنا وتبرز بشكل واضح عند انفعالاتنا.

 

احيانا يطلق بعض علماء النفس على التطرف او التصلب او الجمود في الذهن تسمية ، هي عطب المسار الذهني ، وهو عجز الانسان عن تغيير اراءه اوتكويناته الفكرية حتى الطفيفة منها ، وهي احدى سمات اضطراب البرانويا ، وهو مرض عقلي يتميز بنقص المرونة الفكرية حتى عد الشخص المتصلب الموغل في التطرف والجمود الذهني بأنه يحمل اراء ثابتة ومبادئ اقرب الى التحجر منها الى المرونة وهو يكاد ان يكون منغلق تماماً مهما قدمت له الحجج ، لان مركزيته الذاتية اعقد من ان تكون بالشكل الذي يوصف حتى جعل نفسه مركزا للكون ، وذاته تجعله منغلق على الاخر اي المختلف عنه في الرأي او الاتجاه ، لذا تكون استجابته للمواقف الانفعالية شديدة جداً وصارمة في التطرف .

 

اما الاعتدال او ما يطلق عليه احياناً الوسطية فهي سمة التوافق النفسي ، وهو بنفس الوقت التوازن في التعامل مع مفردات الحياة وموضوعاتها فعادة يكون رد الفعل ليس انفعاليا ازاء مواقف الحياة الضاغطة التي يعاني منها انسان اليوم !! وتقول " ماري جاهودا" الاعتدال من وجهة نظري الا كلمة اخرى للصحة النفسية ، ويرى عالم النفس الشهير "ماسلو" ان الشخص المعتدل هو الشخص المتسق مع المجتمع الذي يعيش فيه . بينما يرى عالم الاجتماع " رالف لينتون" في الاعتدال بانه اعتبارات تتعلق بالمجتمع وقوله يعرف الاعتدال بتجاوب الشخص مع الاعتبارات الثقافية بدرجة اقتراب تكوين الشخصية ، ويراها بانها قدرة الشخص على تفهم ذاته اولا وتفهم الحقيقة كما هي مفهومة من وجهة نظر المجتمع ، وهو يتصرف تبعاً لذلك الفهم.

 

ان انفعالاتنا هي احاسيس داخلية تتصف بجوانب معرفية خاصه وتحمل ردود افعال فسيولوجية وسلوك تعبيري حتى انها تنزع للظهور فجأة في بعض الاحيان ويصعب التحكم فيها وخصوصاً عندما يكون الموقف الضاغط اكثر من قدرة اي منا على تحمله ، فسماع خبر مفاجئ يفجر بنا الاحساسات دون ان نعي ما هو رد الفعل ، او حدوث موقف مروع في مكان العمل او الشارع العام حتى يجعلنا نفقد السيطرة على انفسنا .. وعند فحصنا لطبيعة الانفعالات الصادرة ازاء الموقف ندرك ثلاث حالات انفعالية هي :

 

- القلق

- الغضب والعدوانية

- الابتهاج والسرور

 

ففي الموقف الاول ، يعد تحريك احد اعضاء الجسم استجابة طبيعية لسماع الخبر السار او المؤلم، ففيه لا يستطيع الانسان التحكم في مشاعره حتى يبدو عليه التعرق او الشحوب او اهتزاز الاطراف السفلى لا شعوريا ، وربما يبدو الارتباك واضحا على ملامحه لشدة الموقف .

 

اما في الغضب والعدوانية فيتحول الانسان ازاء المواقف المفاجئة رد فعل جامح يسترجع افعاله ويرى انه ربما ارتكب خطأ ً جسيما دون ان يعلم ما فعله !! ففي حالات الغضب يتحول الانسان وبرد فعل ازاء الموقف الى وحش دون ان يتحكم بتلك الانفعالات وازاء ذلك يقول عالم النفس "كانون " ان الاستجابات الفسيولوجية للالم والغضب الشديد والخوف تكون متشابهة . ويؤكد علماء النفس ان معدل ضربات القلب وتوتر العضلات ودرجة حرارة الوجه واليدين ومعدل التنفس ووظائف اخرى مماثلة تظهر بسرعة فائقة عند التعرض لمثل حالات الغضب والعدوانية .

 

أما مواقف الفرح والسرور والابتهاج فهي الاخرى ترتبط بنفس الوقت بمكونات فسيولوجية واحساسات معرفية "عقلية" للانفعالات ، فاجهزة الدماغ تعمل برد فعل غير منظم ازاء الموقف وبدون ترتيب واحد ثابت حتى تتحول الانفعالات من الفرح والسرور والبهجة الى البكاء وتختلط معرفة المشاهد لدى الفرد الذي يتلقى الخبر المفرح والمسر ، ويقول علماء النفس تؤثر الخبرة ايضا على تعبيرات الوجه مثل اتساع الابتسامة او ارتفاع صوت الضحك او استخراج اللسان فرحاً كما يحدث في ملاعب كرة القدم عند تسجيل هدف او القيام برقصات مميزة ومثيرة تنطلق لا شعوريا من الشخص الهداف او زملاءه وخصوصا في المواقف الحرجة قرب نهاية المباراة حتى تختلط الابتسامة المفرحة والبكاء والجري السريع ولا يعرف ماذا يريد الهداف في تلك اللحظات !!

 

ان انفعالاتنا هي ما يصدر عن دواخلنا وهي اصدق تعبير للحظات رد الفعل رغم تعقد الانفعالات ، ففي احيان كثيرة يصعب ان نستشف نوع الانفعالات التي تعكسها تعبيرات الوجه حتى بدت لنا صعبة القراءة للوهلة الاولى ومعرفة انفعالات الاخرين في الحياة اليومية وفي احيان كثيرة ، لان المشاعر عادة ما تمتزج بمشاعر اخرى في بعض المواقف التي تستثير عدد من الانفعالات المختلفة وتستدعي انفعالات غير متحكم بها تتراوح بمقادير مختلفة ايضا مثل الغضب ، الخوف ، الحزن ، السعادة والسرور ، لذا يقول علماء النفس لا تمتزج الانفعالات بعضها مع بعض فقط ولكنها ايضا ترتبط بالدوافع ، ونحن نعلم ان الانفعالات تولد الدوافع والسلوك ومثال ذلك عندما يصاحب الغضب رغبة شديدة في الايذاء واحداث الضرر والتهور في السلوك حتى ليصل الى مستوى العدوانية ، ومع ذلك يرى علماء النفس ان عقولنا تحاول المحافظة على وجود توازن انفعالي افضل عن طريق اختزال شدة المشاعر الموجبة والسالبة . * د. أسعد الامارة – السويد : أستاذ جامعي وباحث سيكولوجي

 

المصدر: شبكة أقلام الثقافية

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك