التعميم الجائر

التعميم الجائر

علي الحمادي

بعض مثيري الشبهات، بل كثير منهم، لا يلتزمون الدقة عند اتهامهم للآخرين، فليلجؤون إلى التعميم دون التخصيص، وإلى الإطلاق دون التقييد، فتزل ألسنتهم وأقدامهم في ظلم الآخرين.

 

لذا ينبغي للمسلم أن يكون حذراً من هذه التعميمات، فإن اتُّهم شخص ( أو فكرة) أمامه بسوء فقيل أنه شخص منحرف أو هذه فكرة سيئة، فيتوجب عليه أولاً أن يسأل عن سبب هذا الانحراف ووجوهه، وهل هو في السلوك، أم في الاعتقاد، أم في المنهج، أم في اجتهاد أخطأ فيه وهو معذور.

 

ثم عليه بعد ذلك أن يرفض هذا التعميم بأن يكون دقيقاً في وصفه للآخرين، وذلك بأن يقول فلان انحرف في مسألة كذا وفي جزئيه كذا، إذ ربما يكون لهذا الشخص حسنات كثيرة ولكنه اجتهد في هذه المسألة فأخطأه.

 

إن السلف رضوان الله عليهم ( ليتخلصوا من هذا التعميم الظالم) لجأوا إلى الدقة والتخصيص والتقييد في جميع أمورهم، فكانوا إذا اتهموا إنساناً أو مدحوه ذكروا جوانب اتهامهم له أو مدحهم إياه، وكذلك إذا فاضلوا بين الأشخاص أو المناهج أو الآراء فعلوا ذلك.

 

كما أن السلف جعلوا التفضيل بين الناس على وجهين وهما تفضيل مطلق وتفضيل مقيد ( فأما التفضيل المطلق بين الناس، فيكون على أساس التقوى، وقوة الإيمان- ولنا الظاهر والله يتولى السرائر- فمن ظهر لنا أنه ) على تقوى أعظم من غيره كان أحب إلينا.

 

وأما التفضيل المقيد: فهو بحسب قيده، فإن الناس يتفاضلون في أمور ومواهب وقدرات، فالناس يتفاضلون في العلم، وفي الذكاء والفهم، وفي قوة الحفظ، أو في حسن الإدارة والتنظيم، وأمثال ذلك، فهنا المفاضلة تكون بحسب الحاجة إليها، وهي مفاضلة مقيدة لا علاقة لها بالأفضلية عن الله تعالى.

 

فهذا السهروردي يقول عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 21/207): " كان يتوقد ذكاء، إلا أنه قليل الدين ".

 

إن أكثر الناس إذا تكلم أحدهم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل، ولم يوازن بينهما، فيبخس الحق، وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصيب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم.

 

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل فأجاب عنها بالتفضيل الشافي:

 

فمنها أنه سئل عن تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر أو بالعكس، فأجاب بما يشفي الصدور فقال: " أفضلهما أتقاهما لله فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة.

 

ومنها أنه سئل عن خديجة وعائشة أميّ المؤمنين أيهما أفضل ؟ فأجاب بأن سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام، ونصرها وقيامها في الدين لم تشركها فيه عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها".

 

فتأمل هذا الجواب الذي لو جئت بغيره من التفضيل مطلقاً لم تخلص من المعارضة، فعلى المتكلم في هذا ا لباب:

 

1. أن يعرف أسباب الفضل أولاً.

2. ثم درجاتها ونسبة بعضها إلى بعض والموازنة بينها ثانياً.

3. ثم نسبتها إلى من قامت به- ثالثاً- كثرة وقوة.

4. ثم اعتبار تفاوتها بتفاوت محلها رابعاً.

5. فرب صفة هي كمال لشخص وليست كمالاً لغيره، بل كمال غيره بسواها، فكمال خالد بن الوليد بشجاعته وحروبه، وكما ابن عباس بفقهه وعلمه، وكما أبي ذر بزهده وتجريده عن الدنيا.

 

فهذه أربع مقامات يضطر إليها المتكلم في درجات التفضيل، وتفضيل الأنواع على الأنواع أسهل من تفضيل الأشخاص على الأشخاص، وأبعد من الهوى والغرض " (1) نقلا عن : د. علي الحمادي، خفافيش أعماها النهار، ص 118-121

 

الهامش : (1) هشام إسماعيل الصيني ، منهج أهل السنة والجماعة في النقد والحكم على الآخرين، المنتدى الإسلامي، لندن 1992، ص 35-38

 

المصدر: موقع تربوي

http://www.alwihdah.com/fikr/adab-hiwar/2010-04-26-1564.htm

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك