نحو منهج في الحوار والتخاطب

نحو منهج في الحوار والتخاطب

 

كثيراً ما يقودنا التحمّس غير الموزون في الدفاع عن متبنّياتنا إلى تجاوز الكثير من الحواجز والضوابط المرسومة لنا معلماً نهتدي به في نقاشاتنا وحواراتنا وتكوين قناعاتنا.

 

وقبل كلّ شيء لا يفوتنا التنبيه إلى أنّ ذلك لا يُعزى بالضرورة إلى سوء في القصد وتبييت في النيّة، إذ قد يجامع النيّة السليمة في الدفاع عن الدين، وأئمّة المسلمين .

 

ولعلّ منشأ المشكلة في أفضل الأحوال يرجع إلى عملية انتقاء مصادر المعرفة وطريقة تكوينها؛ فإنّ المعرفة التي نحن بصدد الحديث عنها تتكوّن من عنصرين أساسيّين: أوّلهما يتمثّل بالمادة، وهي عبارة عن المصادر التي تبنى منها المعرفة. وثانيهما يتمثّل بهيئة هذا البناء الذي يعتمد بشكل رئيس على طريقة بنائه.

 

وبشكل عام، نجد أنّ بناء المعرفة محفوفٌ بمجموعة من المشكلات نذكر منها اثنتين:

 

الأولى: تتعلّق بمادة المعرفة التي نزمع بناء صرحها وتشييد أركانها، وذلك كمّاً وكيفاً: فإنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ تكوين رؤية كونيّة أكثر شمولاً ووضوحاً وصحّة، متوقّف على مدى الإحاطة بأكبر عدد ممكن من مفردات مصادر المعرفة. وقد يكون من نافلة القول الاستدلال على صحّة هذه الدعوى. ولسنا

 

نريد بذلك الدعوة إلى الاعتماد العشوائي على كلّ ما عُثر عليه في التراث، بل المطلوب ـ بعد توسعة دائرة العمل وأخذ مختلف المفردات بعين الاعتبار ـ الوقوف على ما يمكن الاعتماد عليه منها.

 

الثانية: تتعلّق بطريقة البناء، وهنا يأتي الحديث عن ضرورة التوفّر على عنصرين أساسيّين: أوّلهما الدقّة في فهم مصادر المعرفة والتعامل معها، وثانيهما التوفّر على منهج سليم في طريقة البناء. وهذان العنصران ضروريّان لتوفير النجاح لعملية البناء هذه.

 

وهناك بعض الملاحظات الأخرى التي إن ضممناها إلى ما تقدّم، اتّضح لنا أنّ الكثير من المشكلات التي نحن بصدد الإلماح إليها يرجع إلى أمور:

 

1- قصر النظر على مجموعة معيّنة من النصوص، وغضّ النظر ـ عمداً أو غفلةً ـ عن سائر المجموعات التي من شأنها إذا ضمّت إلى الأولى أن تغيّر منحى رؤيتنا إلى الأمور وطريقة التعامل معها. ولعلّ ما نحن فيه يرجع إلى النكتة التي من أجلها قالوا بعدم إمكان التمسّك بالعام قبل الفحص عن المخصّص.

 

2- التساهل ـ عمداً أو غفلةً ـ في فهم مفردات المعرفة وبعض العناوين الواردة فيها، وعدم الوقوف الدقيق على معانيها والمراد منها، بل لوي عنقها وتوجيهها أحياناً إلى حيث المراد، وهو ما يفضي بنا ـ حين إرادة البحث عن مصاديق لهذه المفردات ـ إلى اختلاق مجموعة من القواعد النظريّة التي أقرب ما تكون إلى ((الأصالات)) وما شاكل ذلك.. وغيرُ خفيًّ أنّ هذا الأمر من الخطورة بمكان، خاصّةً إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الآثار المترتّبة على التطبيق العشوائي وغير المنظّم لهذه القواعد التي لا تنهض لها قائمة. وهذا الأمر يستدعي منّا بطبيعته مقداراً معتداً به من الاحتياط والتريّث في تطبيق العناوين على المعنونات.

 

3- وإذا أردنا لكلامنا أن يكون أكثر مساساً بالموضوع، لزمتنا الإشارة إلى ضرورة التنقيح العلمي الرصين لعنوان ((الضروريّات)) وتحديد دائرته، خاصّةً وأنّه قد أصبح أداة طيّعة لكسر الحدود وتجاوزها. ولعلّ أبسط فائدة مرجوّة من وراء تنقيح هذا الموضوع هي إيجاد الحجّة والمعذّر لبعض الفئات من ناحية، وإيجاد الحصانة لآخرين من ناحية أخرى.

 

4- قد لا يختلف اثنان في أنّ لعصر الغيبة الكبرى خصوصيّة ميّزته عن بقيّة العصور.. ليس هذا تمهيداً لتجويز الاجتهادات غير المنضبطة، كما إنّه ليس ملزوماً للقول بنسبيّة الحقيقة.. أبداً، بل هو شجبٌ لظاهرة احتكار مجموعة من المواقع ونفي الوصف عن بقيّة الأطراف بضرس قاطع، خاصةً إذا كانت العمليّة مصحوبة بالتشكيك في النوايا واتّهام الآخرين.

 

هذه مجموعة من الملاحظات المتعلّقة بما نعيشه في أوساطنا، نحسب أنّها لم تشر إلى أمر غائب عن بصيرتنا وباصرنا..

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

* مجلة أصداء - العدد 15-16 ، الصادرة عن الجامعة الإسلامية لأهل البيت.

 

المصدر: مجلة أصداء، العدد 15-16

http://www.alwihdah.com/fikr/adab-hiwar/2010-04-26-1558.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك