قبل البدء كان الحوار

قبل البدء كان الحوار

إبراهيم غرايبة

 

يقابل الغياب الكبير المفزع للحوار في حياتنا وعلاقاتنا وعملنا حضور كبير في القرآن الكريم ومقاصد الشريعة الإسلامية، حتى يكاد الحوار يكون قضية أساسية في حراك الدعوة والفهم والعلم والبحث عن الحقيقة وإدراكها وفي الصراع الفكري والسياسي والاجتماعي وفي القبول والرفض، وهو تناقض عجيب بين واقعنا وفكرنا.

 

فنجد في القرآن الكريم مواضع لا تعد ولا تحصى للحوار، الحوار بين الله والملائكة، "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" والحوار بين الله وإبليس، والحوار بين الله والأنبياء، وحوار الأنبياء مع قومهم، وحوار الأنبياء والصالحين مع أنفسهم، والحوار بين الأنبياء وقومهم، والحوار بين المؤمنين وغيرهم.

 

ونجد في القرآن دعوة إلى الحوار في العلم والدعوة والحياة، " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" ومنهجا للحياة والإنسان.

 

والحوار ليس فقط لتوضيح القضايا التي يختلف عليها، ولكنه يقرب الناس من بعضهم ويخلق حركة فكرية ومجتمعا متعلما متحركا، وغياب الحوار في مجتمع يجعله مجتمع قهر وعنف، وغيابه في علاقات الأفراد يجعلهم جزراً معزولة عن بعضها، ويحول همومهم إلى الغرق في الذات والدوران حولها حتى درجة المرض والهوس، وغياب الحوار بين الدول يعطل مصالحها ويضر بشعوبها ويجعلها تتحمل جهودا وتكاليف زائدة يمكن الاستغناء عنها وتوفيرها أو استخدامها في المصالح والاحتياجات.

 

ويمكن أن نجعل الحوار منهجا للتربية وتكوين القناعات وأسلوب الحركة الفكرية في التنشئة وتهيئة الروح الموضوعية في مواجهة مسائل الخلاف وفي تقبل الفكرة المضادة بطريقة عقلانية واقعية.

 

وموضوع الحوار يرتبط بالتكوين الداخلي لشخصية الإنسان المسلم الذي يريد له الإسلام أن يفكر كيف يتعلم ويدعو الناس ويفتح قلوبهم وعقولهم على الحق والصواب، ولا بد من الحوار حتى تستمر الحياة في حالة الضعف أو القوة وفي حالة الحرب أو في السلم فلا أحد يستطيع أن يستغني عنه مهما علا شأنه، أو كانت قوته فردا كان أو مجموعة أو مجتمعا او دولة.

 

وقضية الحوار هي إحدى الهموم الكبيرة للعاملين في الدعوة والتربية والتعليم والإعلام والسياسة والدبلوماسية والتجارة والتسويق، وتتزايد الحاجة إليه كأساس للثقافة والعمل والتعليم والعلاقات والتنظيم، ونلاحظ على سبيل المثال ازدهار البرامج الحوارية مع تنامي الفضائيات والإنترنت حتى يكاد الحوار يكون السمة الأساسية للفضائيات والإنترنت، وتعتمد عليه تماما مؤسسات التعليم عن بعد والتعليم المستمر فبدونه تفقد هذه البرامج جوهرها وجدواها.

 

وكان الحوار قبل الإسلام كما في الحضارة والفلسفة اليونانية فنا قائما بذاته، فالمحاورة تحدد موضوعا للدراسة، وليس القصد منها الخروج بنتيجة بصدد المشكلات المعروضة بقدر ما تجعلنا أقدر على الجدل في كل الموضوعات، فهدف المحاورات لم يكن إمداد الناس بالمعلومات والمعارف بقدر ما تقدمه من مساعدة على التدرب على فنون الجدل. ولكن الهدف الأساسي للحوار في الإسلام هو وصول الناس إلى الحق بالطريقة التي تعمق الإيمان في نفوسهم، وتشرح به صدورهم "ماضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون" فالإسلام يرفض الجدل لذاته ويعيب عل فئة من الناس أنهم لم يسلكوا الطريقة الصحيحة في الحوار؛ لأن ذلك لا يلزم من قريب ولا من بعيد بل حاولوا أن يسلكوا طريق الجدل المحض الذي يدفع الإنسان إلى الهروب، وقد يستخدم بعض المؤمنين هذا الأسلوب فهم ليسوا بمنأى عن ذلك "وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون"، فبعض المؤمنين يجدون الحق والصواب ثقيلا مرهقا أويحاولون التخلص من مسؤوليتهم بالأساليب الجدلية القائمة على الهروب من الحقيقة.

 

ويعمل قادة الشر من شياطين الإنس والجن على إذكاء الشقاق والولوغ في الجدل العقيم "وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم" فهم يوحون إلى أوليائهم ويوجهونهم إلى الجدل المحض للتشكيك فقط دون هدف صادق للوصول إلى الحقيقة ومعرفة الصواب.

 

لقد فطر الله الإنسان على الجدل "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا" ليواجه الحياة بكل مافيها من أوضاع وملابسات وأفكار بعقلية منفتحة قلقة لا تستقر على حال فهذا ما يجعله في بحث دائم مستمر عن الحق والأفضل والأكثر صوابا، فثمة ما هو صواب وما هو أكثر صوابا، والشك هو طريق اليقين أو إثبات اليقين ورسوخه، وترى الإنسان لا يستقر على حال فتراه يبحث عن الشيء وضده، عن الحق والباطل، فلا يتيقن إلا ليتململ في رحلة جديدة من الشك، ولا يشك إلا ليبدأ رحلته الطويلة نحو اليقين.

 

وقد رأينا في علاقات الدول والأفراد اضطرابا حين يفشل الحوار أو يفتقد، فقتل قابيل أخاه هابيل عندما فشل الحوار بينهما، ولكن يبقى العقل هو القوة الصالحة للحكم على الأشياء وميزانا يزن به صحة القضايا وفسادها، حتى في يوم القيامة لا يقف الإنسان مكتوف اليدين أمام مصيره، بل يترك له مجال الدخول في حوار وجدال يدافع به عن نفسه على أساس العدالة التي تحترم في الإنسان حقه الطبيعي في الدفاع عن نفسه حتى أمام الله الذي يعلم كل شيء.

 

إن الحوار مطلب إنساني ومدخل للدعوة والإصلاح ينبغي ألا يكون عليه شروط مسبقة، فهو بالنسبة للداعية "كلمة طيبة" يلقيها في أي مناسبة أو موقف أو فرصة لعل الله ينفع بها ولو بعد حين.

 

المصدر: موقع الإسلام اليوم

http://www.alwihdah.com/fikr/adab-hiwar/2010-04-26-1526.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك