الحكمة من ذكر شعيب عليه السلام

الحكمة من ذكر شعيب عليه السلام
 

الحكم من ذكر شعيب عليه السلام كثيرة في القرآن الكريم منها:

1. دعا شعيب قومه كباقي الرسل والأنبياء إلى عبادة الله الواحد والإيمان باليوم الآخر, ولم يسألهم أجراً, وكان من رهط قريب لهم وعزيز عليهم, وساواهم بنفسه بكل التعاليم فكان قدوة صالحة لهم بكل معنى الكلمة, وجاء بعد نوح وهود وصالح ثم لوط, فكانت آثار دمارهم موجودة وشاهدة على قدرة الله وانتقامه, ومع هذا لم يعتبروا ويتعظوا منها, وهذا حال كثير من الناس يرون الموت بأعينهم وعند أقرب الناس لهم, فلا يعدون العدة له ويأملون بالخلود.

2. أطلق على قوم شعيب أنهم أهل مدين, وأصحاب لئيكة والأحزاب, وكانوا قليلاً فكثرهم الله, ثم أخذ الله الكافرين ولم يبق منهم شيء, وكانوا أغنياء فخسروا كل شيء, وكانوا أقوياء فأصبحوا لا شيء.

3. أمرهم نبيهم أن لا ينقصوا الكيل والميزان لأنهم كانوا جشعين ويفعلون ذلك, وهذا أمر إلهي لكل البشر فالله واحد وتعاليمه واحدة إلى يومنا هذا.

4. أمرهم نبيهم أن لا يبخسوا الناس أشياءهم لأن ذلك فيه ظلم للناس والله لا يحب الظالمين, فلا يجوز أن نقيم ما للناس بأقل من قيمته ونستغل المحتاجين لبيع أشيائهم, وهذا لنتعلم من رسالة شعيب الحق على مر الأجيال.

5. أمر شعيب قومه أن لا يفسدوا في الأرض بعد إصلاحها لأن الله لا يحب الفساد, وكلما زاد الفساد يقتل الناس بعضهم من أجل الإصلاح, وتذهب ضحايا أليس الله بالقائل:

"فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" البقرة: 251

6. نهى شعيب قومه حتى لا يقعدون بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن ويبغونها عوجاً لأن المؤمنين هم الذين يحملون مشعل الحضارة والرقي بسمو الأخلاق, والخوف من الله بارتكاب المعاصي المؤذية للبشرية, فمن لا يخاف من الله يستطيع في السر أن يفعل ما يشاء.

7. ظن قوم شعيب أن الصلاة تأمر شعيب بما يقول, واعتبروا ذلك سحراً لأنهم لم يفقهوا ما يقول, ومن الذي يخبره بهذا حيث أغلقوا عقولهم عن قول الحق لأنهم جشعون فاسدون ولا يريدون التخلي عن صفاتهم الدنيئة التي يكسبون بها المال الحرام, فاستكبر الملأ من قومه, وكذبوه, وآمنت طائفة, وفي كل عصر نجد طائفة مؤمنة صابرة متوكلة على الله تنتظر حكم الله ليفتح بينها وبين الطائفة الكافرة الجشعة, والتاريخ يعلمنا أن الحق سينتصر دوماً ولو بعد حين.

8. طلب قوم شعيب منه أن يسقط عليهم كسفاً من السماء أي تحدوه بتحدي قدرة الله, وأمروا بإخراجه من القرية أي تهجيره, أو يعود في ملتهم ولو بالإكراه بما تحمل هذه الكلمة من معنى العنف, ولكن العودة لملة الكافرين تحمل افتراء الكذب على الله بعدما عرفوا طريق الحق والصواب.

9. دوماً الله تعالى غفور تواب وهذه من صفاته العظيمة في كل الأديان, ولا يوجد هذا في أي قانون دنيوي حيث يعاقب المجرم على فعلته ولا أحد يرحمه, ولكن شعيب طلب من قومه الاستغفار والتوبة وإصلاح الفساد لأنه يعرف أن طريق الإصلاح أفضل للبشر من الحروب والاقتتال حتى يتم هذا الإصلاح الفعلي, وإذا لم يتم إما أن يدفع الناس بعضهم على بعض للاقتتال كما ذكرنا في الآية السابقة, وإما أن يقتص الله منهم بإبادتهم بكارثة من فوقهم أو من تحت أرجلهم كأن تأخذهم الصيحة أو عذاب يوم الظلة والرجفة التي تزلزل الأرض من تحت أقدامهم, ولا يستطيعون ردها أو منعها مهما أوتوا من قوة وأسلحة وحضارة ورقي, كما فعل الله بقوم شعيب الأقوياء والأغنياء, فحق عليهم العقاب والوعيد لأن الله يفي بوعده طال الزمان أو قصر, ولننظر نحن كيف كانت عاقبة المفسدين شديدة.

10. رحمة الله نجت شعيب والذين آمنوا لأن الله رحمن رحيم وعادل لا يساوي المؤمنين بالكافرين, وسيرحمهم عندما يقتص من الكافرين, فلا يقنط أحد من رحمة الله.

11. إبلاغ رسالات الله والنصيحة واجبة وبعد ذلك لا أسى على الكافرين لأنهم بإرادتهم كانوا كافرين, وبإرادتهم كانوا فاسدين ومتكبرين وظالمين, وأعطاهم الله فرصة للتوبة فلم يتوبوا, وقلب المؤمن رقيق العواطف والإحساس ويحزن على أخيه الكافر وما آل إليه من عذاب, حتى أنه يكره القتال ويتردد فيه كما قال تعالى:

" كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " ( سورة البقرة 216 )

ولكن في النهاية لابد أن يتم أمر الله ونوره ولو كره الكافرون.

والله أعلم
 

 

د. هدى برهان طحلاوي
 

المصدر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2012/02/19/251844.html

الأكثر مشاركة في الفيس بوك