التعامل مع المنافقين

التعامل مع المنافقين
دراسة موضوعية قرآنيّة

تأليف
د . محمد بن عبدالعزيز المسند

الملخص
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذا بحث في المنافقين مختص بالحديث عن جانب من الجوانب المتعلقة بهذه الفئة الخطرة في المجتمع المسلم، ألا وهو: كيفية التعامل مع هذه الفئة، سواء على مستوى القادة والأمراء، أو على مستوى الأفراد والعامة، وقد قمت باستقراء أساليب التعامل مع المنافقين كما جاءت في القرآن الكريم، وجعلتها على شكل معالم، وقد قسمت البحث إلى مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة.
فأما المقدمة فتشتمل على أهمية هذا الموضوع وأسباب اختياره، ومنهجي في البحث..
وأما التمهيد فقد سميته ( تعريف النفاق وأقسامه ) وقسّمته إلى مطلبين، المطلب الأول بينت فيه تعريف النفاق والمعالم. والمطلب الثاني بينت فيه أقسام النفاق .
وأما المبحثان:
فالمبحث الأوّل خصصته للمعالم الخاصّة بالنبيّ × ومن يقوم مقامه من ولاة المسلمين وقادتهم.
والمبحث الثاني للمعالم العامّة لجميع المسلمين.
ثم الخاتمة ، وذكرت فيها أهمّ النتائج والتوصيات.

المقدّمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد جرت سنّة الله وحكمته البالغة أن يوجد في المجتمع المسلم منافقون، بل إنّ وجودهم في المجتمع المسلم دليل على صحّة هذا المجتمع وسلامته، والشهادة له بالاستقامة في الجملة، إذ إنّ ظهور النفاق والمنافقين يتناسب تناسباً طردياً مع قوّة الإسلام وأهله، فكلّما قوي الإسلام في بلد؛ قوي النفاق واشتدّ، والعكس صحيح، ولهذا لم يكن في مكّة قبل فتحها منافقون، إذ لا حاجة إلى النفاق في مجتمع مشرك كافر يستخفي فيه المؤمن أحياناً، كما يستخفي المنافق في بلاد الإسلام. ولمّا كان الأمر كذلك؛ كان لا بدّ من التعرّف على الطرق والأساليب التي ينبغي أن يُعامل بها هذا العدوّ الخفي الماكر. وهذا ما سعيت إليه في هذا البحث.
أهميّة الموضوع:
إنّ الحديث عن هذا الموضوع أمر في غاية الأهميّة، وذلك أنّ المنافقين في المجتمع المسلم يخفى حالهم ـ كما سبق ـ على بعض الناس، لحرصهم الشديد على إخفاء ما يبطنونه من الكفر والنفاق، وتملّقهم للعامّة لكسبهم في معركتهم ضدّ المؤمنين الصادقين من أصحاب البصائر النافذة الذين لا تخدعهم أساليب المنافقين في التدسّس والخداع، ولذا كان الحديث عن هذا الموضوع أمر في غاية الأهمية.
أسباب اختيار الموضوع:
1. أهمية هذا الموضوع لما سبق من خفاء المنافقين في المجتمع المسلم..
خطورة الدور الذي يلعبونه في محاولة إضعاف دولة الإسلام، بل السعي إلى القضاء عليها، كما نبّه إلى ذلك ربّنا ﻷ في كتابه الكريم في آيات كثيرة.
2. جهل كثير من الناس بالكيفية التي ينبغي أن يُعامل بها هؤلاء المنافقين، لا سيما من ظهرت عليه علامات النفاق أو بعضها.
3. عدم وجود دراسة مستقلّة تتناول هذا الموضوع حسب اطلاعي.
ولذا فإنّ من الشبه التي يثيرها بعض الناس قولهم: كيف نتعامل مع هؤلاء المنافقين، وماذا نصنع بهم في المجتمع المسلم وهم يصلّون ويصومون معنا، لا سيما إذا كانوا من الطوائف المخالفة لأهل السنّة من باطنية أو عصرانية تظهر خلاف ما تبطن! وربّما أثار هذه الشبهة بعضُ أولئك المنافقين دفاعاً عن أنفسهم ووجودهم في المجتمع المسلم، وتلبيساً على العامّة، وترويجاً لفكرهم المنحرف.. وهذا ما دفعني إلى اللجوء إلى القرآن الكريم، لاستقراء الآيات الواردة في التعامل مع المنافقين، والوقوف على التوجيهات الربّانية في أساليب التعامل معهم، وقد قمت بجمعها فبلغ ما جمعته منها: خمسة عشر أسلوباً، وقد جعلتها على شكل معالم لتكون مناراً للسالكين.
خطّة البحث:
وقد قسّمت هذا البحث إلى مقدمة وتمهيد ومبحثين وخاتمة.
فأما التمهيد فقد سمّيته ( تعريف النفاق وأقسامه )، وقسّمته إلى مطلبين، المطلب الأول: بينت فيه تعريف "المعالم" والنفاق. والمطلب الثاني: بيّنت فيه أقسام النفاق.
وأما المبحث الأوّل فقد خصصته للمعالم الخاصّة بالنبيّ × ومن يقوم مقامه من ولاة المسلمين وقادتهم.
والمبحث الثاني للمعالم العامّة لجميع المسلمين.
ثم الخاتمة ، وذكرت فيها أهمّ النتائج التي توصّلت إليها.
منهج البحث:
سلكت في هذا البحث منهج الاستقراء لنصوص القرآن الكريم فيما يتعلّق بهذا الموضوع من التوجيهات الربّانيّة لنبيّ الرحمة × وللمؤمنين من خلال تعايشهم مع المنافقين، ثمّ صياغتها على شكل معالم.
أما منهج الكتابة فقد سلكت فيه ما يلي:
1. أذكر الآية أوّلاً، ثم أقوم بشرحها والتعليق عليها - بعد الرجوع إلى أقوال المفسّرين فيها -. وربّما ذكرت بعض أقوال المفسّرين بنصّها دون تشعّب أو تشتيت.
2. عند اختلاف المفسّرين في معنى بعض؛ الآيات أقوم بالترجيح حسب ما يظهر لي بالدليل والبرهان.
3. عند اشتباه بعض هذه المعالم ببعضها الآخر؛ أبيّن الفرق بينها حسب ما يظهر لي من الدلالات اللغوية والقرآنية، والأدلّة الشرعية الأخرى.
4. عزوت جميع الآيات والأحاديث والآثار إلى مصادرها المعتمدة.
5. استشهدت ببعض أقوال السلف بياناً لمعاني بعض هذه المعالم.
6. شرحت الغريب من الألفاظ.
7. استشهدت ببعض الأخبار والقصص من السيرة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم - ، مما يدعم المعنى ويقويه، وحرصت أن تكون من السيرة النبوية الصحيحة بقدر الإمكان.
8. حاولت بقدر الإمكان ربط هذه المعالم بواقعنا المعاصر، إذ إنّ ذلك من أجلّ مقاصد هذا البحث.
9. ختمت البحث بخاتمة ذكرت فيها أهم النتائج والتوصيات.
هذا وأسأل الله ـ عزّ وجلّ التوفيق والسداد، والإخلاص في القول والعمل.
التمهيد
( تعريف النفاق وأقسامه )
المطلب الأوّل: تعريف النفاق
قال الزبيدي/ في تاج العروس(1): « النِّفاق ككِتاب: فِعْلُ المُنافِق، وهو الدّخولِ في الإسلام من وجهٍ، والخُروج عنه من آخر. وقد نافَقَ مُنافَقَةً ونِفاقاً. وقد تكرّر في الحديثِ النِّفاق وما تصرّفَ منه اسْماً وفِعْلاً، وهو اسمٌ إسلاميٌّ لم تعْرِفْهُ العربُ بالمَعْنى المَخْصوصِ به - وهوَ الذي يسْتُر كُفرَه ويُظْهِرُ إيمانَه ـ وإن كان أصلُه في اللّغة معْروفاً ».
قال ابن منظور في لسان العرب(2): «.. سمي المنافقُ مُنافقاً للنَّفَق وهو السَّرَب في الأَرض. وقيل: إنّما سمي مُنافقاً لأنه نافَقَ كاليربوع(3)، وهو دخوله نافقاءه. يقال: قد نفق به ونافَقَ. وله جحر آخر يقال له القاصِعاء، فإذا طُلِبَ قَصَّع فخرج من القاصِعاء. فهو يدخل في النافِقاء، ويخرج من القاصِعاء. أو يدخل في القاصِعاء، ويخرج من النافِقاء، فيقال: هكذا يفعل المُنافق؛ يدخل في الإسلام، ثم يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه ».
وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط: « ونافَقَ في الدينِ : سَتَرَ كُفْرَهُ وأظْهَرَ إيمانَهُ » (1).
هذا هو معنى النفاق وحقيقته.
وأمّا المعالم فهي جمع مَعْلَم، قال ابن منظور/: « والمَعْلَمُ ما جُعِلَ عَلامةً وعَلَماً للطُّرُق والحدود، مثل أَعلام الحَرَم ومعالِمِه المضروبة عليه»(2).
وقيل: المعلم: الأثر(3). والمعنى متقارب، إذ الأثر لا يعدو أن يكون علامة يستدلّ بها على صاحبه. وهو - على التعريفين - أمر محسوس، واستعير في الأمور المعنوية كما في هذه المعالم القرآنية، إذا هي علامات معنوية ترشد إلى السبيل الأمثل في التعامل مع المنافقين. وقد جرى على ذلك بعض السلف فصنّفوا كتباً، ووسموها بذلك، كالخطّابي في معالم السنن، والبغوي في معالم التنزيل وغيرهما.
المطلب الثاني: أقسام النفاق:
يقسّم العلماءُ النفاقَ إلى قسمين:
• النفاق الاعتقادي، وهو النفاق الأكبر، وحقيقته إضمار الكفر وإظهار الإسلام، وهو المذكور في القرآن. وصاحبه في الدرك الأسفل من النار، ومن أبرز مظاهره: تكذيب الرسول × أو بعض ما جاء به. والمسرّة بانخفاض دين الإسلام، والفرح بما يصيب المؤمنين من المصائب، والسعي إلى إقصاء الشريعة وإسقاط دولة الإسلام، مع مدّ الأيدي إلى الأعداء الخارجيين.
• النفاق العملي، وهو النفاق الأصغر، ومظاهره خمسة وهي المذكورة في الحديث الشريف: (( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ))، وفي رواية : (( وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر ))(1). وهو عمل شيء من أعمال المنافقين؛ مع بقاء الإيمان في القلب، وهذا لا يُخرج من الملة، لكنه وسيلة إلى ذلك، وصاحبه يكونُ فيه إيمان ونفاق، وإذا كثر؛ صارَ بسببه منافقًا خالصًا، والدليل عليه ما جاء في بعض روايات الحديث أنّ النبيّ × : (( أربع من كُنَّ فيه كانَ منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا أؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))(2).
• والحديث في هذا البحث إنّما هو عن القسم الأوّل: ( الاعتقاديّ ). إذ هو المذكور في القرآن كما سبق، وأهله هم الأخطر، ولذا عُني القرآن الكريم بهتك أستارهم ، وكشف خباياهم في مواضع وآيات متعددة من القرآن، ليكون المؤمنون منهم على حذر، وقد كان منهج القرآن الكريم في الحديث عن المنافقين التركيز على أوصافهم دون ذواتهم، حيث لم يذكر أحداً منهم بعينه، لأنّ الذوات قد تتغيّر وتتبدّل مع مرّ العصور، لكنّ الصفات ثابتة لا تتغير(1)، فمهما تغيرت ذوات المنافقين، فإن الصفات باقية تفضحهم حيثما حلّوا وأينما رحلوا، وهذا من لطف الله ﻷ وحكمته.، إذ إنّ النفاق شيء خفيّ في الأصل، والمنافقون متلوّنون وحذرون غاية الحذر، وفتح الباب للحديث عن الذوات قد يؤدّي إلى رمي بريء بما هو منه براء، بل إنّ المنافقين أحياناً ليرمون بعض المؤمنين بالنفاق ليبعدوا التهمة عن أنفسهم، لذا وجب إغلاق هذا الباب درءاً للفتنة، والله تعالى أعلم.

المبحث الأوّل
( المـعالم الخاصّـة )
وهي الخاصّة بالنبيّ × ومن يقوم مقامه من الولاة والقادة وأولياء الأمور.
وهي بإجمال:
المعلم الأوّل: جهادهم.
المعلم الثاني: الإغلاظ عليهم.
المعلم الثالث: ترك الصلاة عليهم أو القيام على قبورهم.
المعلم الرابع: منعهم من الخروج للقتال مع المؤمنين.
المعلم الخامس: إنكار التميّع في الموقف من بعضهم.
المعلم السادس: النهي عن اتّخاذهم بطانة.
المعلم السابع: عدم قبول اعتذارهم إذا اعتذروا.
التفصيل:
المعلم الأوّل والثاني: جهادهم والإغلاظ عليهم..
قال تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﮊ[التوبة: 73].. هذه الآية وردت في موضعين من القرآن، أحدهما في سورة التوبة، وهي من أواخر ما نزل من القرآن. والثاني في سورة التحريم وهي من أوائل ما نزل في المدينة حيث بدأ النفاق.
فأمّا جهادهم فيكون باللسان والبيان(1)، وذلك بنحو الردّ عليهم وإفحامهم وإلزامهم بالحجة، لأنّ المنافق إنّما يتمسّح بالإسلام، ويصبغ حديثه بصبغة الدين تحقيقاً لنفاقه، وتلبيساً على العامّة، فمجاهدته إنّما تكون بفضحه، ومقارعته بالحجّة الواضحة، حتى ينكشف عواره، ولفظ الجهاد أعمّ من القتال، فلا يلزم من كلّ جهاد أن يكون قتالاً. وهذا النوع من الجهاد هو جهاد الخاصّة كما سمّاه الإمام ابن القيّم، قال - رحمه الله تعالى-: « فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل. والقائمون به أفراد في العالم. والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عدداً؛ فهم الأعظمون عند الله قدراً »(1).
وإمّا الإغلاظ عليهم فيكون بالكلام الغليظ كشدّة الانتهار ونحوه كما قال غير واحد من السلف(2). وقال ابن مسعود : « بيده، فإن لم يستطع فليكفهّر في وجهه »!(3).
والسرّ في الإغلاظ على المنافقين -والله تعالى أعلم- ؛ أنّهم قوم في غاية اللؤم والجبن والخسّة، واللئيم إن أحسنت إليه ولاطفته ازداد لؤماً وشرّاً، وإن أغلظت عليه وزجرته، كُفيت شرّه، ولم يجرؤ على إظهار شيء مما يبطنه من الشرّ والفساد والتشكيك في الدين والمؤمنين.
وإنّما جمع الله بين جهادهم والإغلاظ عليهم؛ توجيهاً لمن يرى ضرورة الرفق بهم وملاطفتهم، وإن كان ذلك يختلف باختلاف درجات النفاق، وأحوال المنافقين كما سيأتي، لكن يبقى الإغلاظ عليهم هو الأصل في التعامل معهم، والله تعالى أعلم.
وقد امتثل النبيّ × أمر ربّه في جهاد المنافقين والإغلاظ عليهم، فقد ذكر ابن إسحاق / في سيرته أسماء بعض المنافقين من الأنصار واليهود، ثمّ قال: «فكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد، ويسمعون أحاديث المسلمين، ويسخرون ويستهزئون بدينهم، فاجتمع في المسجد يوماً منهم أناس، فرآهم رسول الله × يتحدّثون بينهم خافضي أصواتهم، قد لصق بعضهم إلى بعض، فأمر بهم رسول الله × فأخرجوا من المسجد إخراجاً عنيفاً، فقام أبو أيوب إلى عمرو بن قيس أحد بني النجار - وكان صاحب آلهتهم في الجاهلية - فأخذ برجله فسحبه حتى أخرجه وهو يقول - لعنه الله -: أتخرجني يا أبا أيوب من مربد(1) بني ثعلبة؟ ثمّ أقبل أبو أيوب إلى رافع بن وديعة النجاري، فلبّبه بردائه ثمّ نتره نتراً شديداً(2)، ولطم وجهه فأخرجه من المسجد وهو يقول: أفٍ لك منافقاً خبيثاً. وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو - وكان طويل اللحية- فأخذ بلحيته وقاده بها قوداً عنيفاً حتى أخرجه من المسجد، ثمّ جمع عمارةُ يديه جميعاً فلدمه بهما لدمة(3) في صدره خرّ منها، قال: يقول: خدشتني يا عمارة! فقال عمارة: أبعدك الله يا منافق، فما أعدّ الله لك من العذاب أشدّ من ذلك، فلا تقربنّ مسجد رسول الله ×، وقام أبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار - وكان بدرياً- إلى قيس بن عمرو بن سهل وكان شاباً - وليس في المنافقين شاب سواه -، فجعل يدفع قفاه حتى أخرجه، وقام رجل من بني خدرة إلى رجل يقال له الحارث بن عمرو- وكان ذا جمّة(1)- فأخذ بجمّته، فسحبه بها سحباً عنيفاً على ما مر به من الأرض حتى أخرجه، فجعل يقول المنافق: قد أغلظت يا أبا الحارث! فقال: إنك أهل لذلك أي عدو الله، لِمَا أُنزل فيك، فلا تقربنّ مسجد رسول الله × فإنّك نجس. وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه زوي بن الحارث، فأخرجه إخراجاً عنيفاً، وأفّف منه، وقال: غلب عليك الشيطان وأمره..(2).
ولمّا بلغ رسول الله × أنّ ناساً من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي..، يثبّطون الناس عن رسول الله × في غزوة تبوك؛ بعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم، ففعل طلحة، فاقتحم أحدهم - وهو الضحّاك ابن خليفة - من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا(3).
ولمّا انصرف × قافلاً إلى المدينة بعد غزوة تبوك، وكان في الطريق ماء يخرج من وَشَل(4) يروي الراكب والراكبين والثلاثة، بواد يقال له وادي المشقق، فقال رسول الله × : (( من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقينّ منه شيئاً حتّى نأتيه ))، قال: فسبقه إليه نفر من المنافقين، فاستقوا ما فيه، فلمّا أتاه رسول الله ×، وقف عليه فلم ير فيه شيئاً، فقال: (( من سبقنا إلى هذا الماء؟ ))، فقيل له: يا رسول الله، فلان وفلان. فقال: (( أو لم أنههم أن يستقوا منه حتّى آتيه! ))، ثم لعنهم ودعا عليهم. ثم نزل فوضع يده تحت الوَشَل فجعل يصبّ في يده ما شاء الله أن يصبّ، ثمّ نضحه به ومسحه بيده ودعا بما شاء الله أن يدعو، فانخرق من الماء كما يقول من سمعه ما أنّ له حسّاً كحسّ الصواعق، فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه(1).
هذا، ولا يلزم من الأمر بالإغلاظ على المنافقين، أن يكون ذلك في كلّ وقت، ومع كلّ منافق، ولهذا كان × يترفق برأس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول، ويحسن صحبته، عملاً بالسياسة الشرعية، فإنّه لمّا قال مقولته المعروفة: ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ) وبلغ ذلك رسولَ الله × وعنده عمر  فقال: ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث ؟ فقال رسول الله ×: (( دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ! ))(2).
ولمّا جاء عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ بن سلول إلى رسول الله × فقال: يا رسول الله، إنّه بلغني أنّك تريد قتل عبد الله بن أُبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلاً فمر لي به فأنا أحمل إليك رأسه فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبرّ بوالده منّي، وإنّي أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أُبيّ يمشي في الناس، فأقتله فأقتل مؤمناً بكافر، فأدخل النار. فقال رسول الله × : (( بل نترفّق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا ))، وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنّفونه، فقال رسول الله × لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم: (( كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم قلت لي لأرعدت له أُنُف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ))، فقال عمر: قد والله علمت لأمرُ رسول الله × أعظم بركة من أمري(1).
ويشير ابن حجر / إلى السر في ذلك بقوله: « قال الخطابي : إنّما فعل النبيّ × مع عبد الله بن أبي ما فعل، لكمال شفقته على من تعلّق بطرف من الدين ، ولتطييب قلب ولده عبد الله الرجل الصالح ، ولتألّف قومه من الخزرج لرياسته فيهم » (2).
والمقصود أنّ جهاد المنافقين والإغلاظ عليهم لا يكون بقتلهم وقتالهم، وإنّما بما دون ذلك ممّا ذُكر.
المعلم الثالث: ترك الصلاة عليهم والقيام على قبورهم:
قال تعالى: ﮋﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [التوبة: 84].
قال الحافظ ابن كثير /: « أمر الله تعالى رسوله × أن يبرأ من المنافقين، وأن لا يصلي على أحد منهم إذا مات، وأن لا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له، لأنّهم كفروا بالله ورسوله وماتوا عليه. وهذا حكم عامّ في كلّ من عُرف نفاقه وإن كان سبب نزول الآية في عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين» (1).
وقد أخرج الشيخان عن ابن عمرب قال: « لمّا توفي عبد الله، جاء ابنه عبدالله بن عبد الله إلى رسول الله × فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلّي عليه، فقام رسول الله × ليصلّي، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله × فقال: يا رسول الله، تصلّي عليه وقد نهاك ربّك أن تصلّي عليه؟! فقال رسول الله × : (( إنّما خيّرني الله فقال: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﮊ ، وسأزيده على السبعين )). قال: إنّه منافق! قال: فصلّى عليه رسول الله × ، فأنزل الله: ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ [التوبة: ٨٤ ] »(2).
قال الرازي / في تفسيره: « اعلم أنّه تعالى أمر رسوله بأن يسعى في تخذيلهم وإهانتهم وإذلالهم، فالذي سبق ذكره في الآية الأولى، وهو منعهم من الخروج معه إلى الغزوات، سبب قويّ من أسباب إذلالهم وإهانتهم، وهذا الذي ذكره في هذه الآية وهو منع الرسول من أن يصلي على من مات منهم سبب آخر قوي في إذلالهم وتخذيلهم. عن ابن عبّاس ب أنّه لمّا اشتكى عبد الله بن أبيّ بن سلول عاده رسول الله × ، فطلب منه أن يصلي عليه إذا مات ويقوم على قبره، ثم إنّه أرسل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يطلب منه قميصه ليكفّن فيه، فأرسل إليه القميص الفوقاني، فردّه وطلب الذي يلي جلده ليكفّن فيه، فقال عمر : لمَ تعطي قميصك الرجسَ النجس! فقال عليه الصلاة والسلام: (( إنّ قميصي لا يغني عنه من الله شيئاً، فلعلّ الله أن يُدخل به ألفاً في الإسلام )). وكان المنافقون لا يفارقون عبد الله، فلمّا رأوه يطلب هذا القميص ويرجو أن ينفعه، أسلم منهم يومئذ ألف، فلمّا مات جاء ابنه يعرّفه فقال عليه الصلاة والسلام لابنه: ((صلّ عليه وادفنه))، فقال: إن لم تصلّ عليه يا رسول الله لم يصلّ عليه مسلم. فقام عليه الصلاة والسلام ليصلّي عليه، فقام عمر فحال بين رسول الله وبين القبلة لئلا يصلّي عليه، فنزلت هذه الآية، وأخذ جبريل عليه السلام بثوبه وقال: ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﮊ » (1).
قال الإمام النووي /: « إنّما أعطاه قميصه ليكفّنه فيه تطييباً لقلب ابنه عبدالله، فإنّه كان صحابياً صالحاً، وقد سأل ذلك فأجابه إليه. وقيل بل أعطاه مكافأة لعبد الله بن أبيّ المنافق الميّت ؛ لأنّه ألبس العبّاس حين أسر يوم بدر قميصاً»(2).
وهذا النهي عن الصلاة عليهم - والله تعالى أعلم - إنّما هو للأئمّة والقادة والعلماء وذوي الفضل، أمّا عامّة الناس فلا حرج عليهم في الصلاة على أمثال هؤلاء ممّن أظهروا الإسلام، ويخفى نفاقهم على كثير من الناس، لكن من ترك الصلاة عليهم من العامّة، فلا حرج عليه. ويؤيّد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده أنّ النبيّ × كان إذا دعي لجنازة سأل عنها، فإن أُثني عليها خير قام فصلّى عليها، وأن أُثني عليها غير ذلك قال لأهلها: (( شأنكم بها )) ولم يصلّ عليها. ولم ينه عن الصلاة عليها(1).
وكان عمر بن الخطاب  - كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره - لا يصلّي على جنازةِ من جُهل حاله حتّى يصلّي عليها حذيفة بن اليمان ، لأنّه كان يعلم أعيان المنافقين، فقد أخبره بهم رسول الله × ، ولهذا كان يقال له صاحب السرّ الذي لا يعلمه غيره، أي من الصحابة(2).
المعلم الرابع: منعهم من الخروج للقتال مع المؤمنين:
قال تعالى: ﮋﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮊ[التوبة: ٨٣].
هذه الآية نزلت في طائفة من المنافقين تخلّفوا عن الغزو بلا عذر، وكان الله قد ثبّطهم عن الخروج لما في خروجهم من إلحاق الضرر بالمؤمنين ووقوع الفتنة، وبيّن ذلك سبحانه بقوله: ﮋ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ [ التوبة: 46، ٤٧ ] (3).
و(لن) في الآية ليست إخباراً عن غيب في المستقبل، وإنّما هي في معنى النهي.
قال الحافظ ابن كثير / في قول الله تعالى: ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮊ [ التوبة: ٨٣ ]: « أي تعزيرًا لهم وعقوبة » (1). فهو إخبار منه سبحانه في معنى النهي، للتعزير والمبالغة(2).
وإلى هذا ذهب القرطبيّ / ، فإنّه قال في بيان معنى النهي في الآية: « أي عاقبْهم بألا تصحبَهم أبداً، وهو كما قال في سورة الفتح :ﮋ ﯷ ﯸ ﯹ ﮊ [ الفتح : ١٥ ] » (3).
ولذا جمع بين ( لن ) و ( أبداً ) للتأكيد على منعهم من الخروج في المستقبل للغزو مع المسلمين(4).
قال الشنقيطي صاحب الأضواء /: « عاقب الله في هذه الآية الكريمة المتخلّفين عن غزوة تبوك بأنّهم لا يؤذن لهم في الخروج مع نبيّه، ولا القتال معه ×، لأنّ شؤم المخالفة يؤدّي إلى فوات الخير الكثير » (5).
وقال الإمام ابن قدامة /: «فصل : ولا يستصحب الأمير معه مخذّلاً، وهو الذي يثبّط النّاس عن الغزو، ويزهّدهم في الخروج إليه والقتال والجهاد، مثل أن يقول: الحرّ أو البرد شديد، والمشقّة شديدة، ولا تؤمن هزيمة هذا الجيش، وأشباه هذا. ولا مرجفاً، وهو الذي يقول: قد هلكت سرية المسلمين، ومالهم مدد، ولا طاقة لهم بالكفّار، والكفّار لهم قوّة ومدد وصبر، ولا يثبت لهم أحد، ونحو هذا. ولا من يعين على المسلمين بالتجسّس للكفّار، وإطلاعهم على عورات المسلمين، ومكاتبتهم بأخبارهم، ودلالتهم على عوراتهم، أو إيواء جواسيسهم. ولا من يوقع العداوة بين المسلمين، ويسعى بالفساد، لقول الله تعالى : ﮋ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﮊ [ التوبة: 46، ٤٧ ]، ولأنّ هؤلاء مضرّة على المسلمين، فيلزمه منعهم. وإن خرج معه أحدُ هؤلاء؛ لم يسهم له، ولم يرضخ، وإن أظهر عون المسلمين؛ لأنّه يحتمل أن يكون أظهره نفاقاً، وقد ظهر دليله، فيكون مجرّد ضرر، فلا يستحقّ ممّا غنموا شيئاً.. » (1).
فإن قيل: إنّ من أبرز صفات المنافقين: التخلّف عن الجهاد، واختلاق الأعذار الكاذبة لذلك، فكيف يَسْتأذنون للخروج، وما وجه منعهم حينئذ؟
فالجواب: أنّهم ربّما استأذن بعضهم للخروج لتثبيط المؤمنين وإيقاع الفتنة بينهم كما فعل رأسهم وكبيرهم عبد الله بن أبيّ في أُحُد لمّا رجع بثلث الجيش..وربّما خرج بعضهم طمعاً في الغنيمة.. لكنّهم لا يخرجون للقتال أبداً، لذا جاء التوجيه الربّاني بمنعهم من الخروج، والله تعالى أعلم.
ومنعهم من الخروج يقتضي - من باب أولى - أن لا يعيّنوا أصلاً في رتب قيادية في الجيش ونحوه، لما في ذلك من الخطر على الدولة الإسلامية.
المعلم الخامس: إنكار التميّع في الموقف من بعضهم:
قال تعالى: ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ [ النساء: ٨٨ ] .
وهذا خاصّ بمن يقيم بين أظهر المشركين من أهل النفاق، ويتّخذ من ذلك ذريعة لحفظ نفسه وماله في حال إقامته، وفي حال خروجه إلى بلاد المسلمين. ففي حال الإقامة يوافق المشركين في دينهم ومذهبهم، وفي حال خروجه للمسلمين يظهر لهم الإسلام تقية، وهذه التقية هي التي جعلت المؤمنين يختلفون في حال هؤلاء المنافقين ما بين مصدّق لهم ومكذّب، فأنكر الله تعالى هذا التميّع في الموقف منهم، وقد ظاهروا الكفّار، وأقاموا بين ظهرانيهم مع قدرتهم على الهجرة، ونهى عن إحسان الظنّ بهم واتّخاذهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، فإن لم يفعلوا؛ فقد أحلّ الله دماءهم وأموالهم، وردّهم إلى أحكام أهل الشرك، وهذا معنى قوله: ﮋ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ (1)، ولهذا قال تعالى: ﮋﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮊ [ النساء: ٨٩ ].
وقيل: « أركسهم في الكفر بأن خذلهم حتى أركسوا فيه. لما علم من مرض قلوبهم » (2).
ولا تعارض بين القولين، فإنّ الأوّل نتيجة للثاني، ومن لوازمه، والله أعلم.
قال ابن عبّاسب: نزلت في قوم كانوا بمكّة قد تكلّموا بالإسلام، وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكّة يطلبون حاجة لهم، فقالوا: إن لقينا أصحاب محمّد فليس علينا منهم بأس، وإنّ المؤمنين لمّا أخبروا أنّهم قد خرجوا من مكّة قالت فئة من المؤمنين: اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم فإنّهم يظاهرون عليكم عدوّكم، وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله - أو كما قالوا -: أتقتلون قوماً قد تكلّموا بمثل ما تكلّمتم به من أجل أنّهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم نستحلّ دماءهم وأموالهم ؟ فكانوا كذلك فئتين، والرسول عندهم لا ينهى واحداً من الفريقين عن شيء، فنزلت: ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ. رواه ابن أبي حاتم(1).
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أخبار أخرى، بعضها لا يبعد عمّا ذكره ابن عبّاس بوعموم الآية يشملها جميعاً، والله تعالى أعلم(2).
ويُلاحظ في هذه الآيات " استنكاراً لانقسام المؤمنين فئتين في أمر المنافقين، وتعجّباً من اتخاذهم هذا الموقف، وشدّة وحسماً في التوجيه إلى تصور الموقف على حقيقته ، وفي التعامل مع أولئك المنافقين كذلك .
وكل ذلك يشي بخطر التميّع في الصفّ المسلم حينذاك - وفي كل موقف مماثل- التميّع في النظرة إلى النفاق والمنافقين؛ لأنّ فيها تميّعاً كذلك في الشعور بحقيقة هذا الدين . ذلك أنّ قول جماعة من المؤمنين: « سبحان الله! - أو كما قالوا- أتقتلون قوماً قد تكلّموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنّهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم ، نستحلّ دماءهم وأموالهم! » . . وتصوّرهم للأمر على هذا النحو ، من أنّه كلام مثل ما يتكلّم المسلمون! مع أنّ شواهد الحال كلّها، وقول هؤلاء المنافقين : «إن لقينا أصحاب محمّد فليس علينا منهم بأس ». وشهادة الفئة الأخرى من المؤمنين، وقولهم : « يظاهرون عدوّكم » ؛ تصوّرهم للأمر على هذا النحو فيه تمييع كبير لحقيقة الإيمان ، في ظروف تستدعي الوضوح الكامل ، والحسم القاطع . فإنّ كلمة تقال باللسان، مع عمل واقعي في مساعدة عدوّ المسلمين الظاهرين؛ لا تكون إلا نفاقاً . ولا موضع هنا للتسامح أو للإغضاء . لأنّه تمييع للتصور ذاته . . وهذا هو الخطر الذي يواجهه النص القرآني بالعجب والاستنكار والتشديد البيّن "(1) .
وقد استثنى الله ـ عزّ وجلّ ـ من هؤلاء المنافقين طائفتين:
• الطائفة الأولى: الذين لجئوا وتحيزوا إلى قوم بينهم وبين المسلمين مهادنة، أو عقد ذمة؛ فيُجعل حكمهم كحكمهم. وهي التي عناها الله بقوله: ﮋ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮊ [ النساء: ٩٠ ].
• والطائفة الثانية: الذين يخرجون مع قومهم وصدورهم حصرةٌ أي ضيقة، مبغضين أن يقاتلوا المسلمين، ولا يهون عليهم أيضاً أن يقاتلوا قومهم مع المسلمين، بل هم لا للمسلمين ولا عليهم، فهاتان الطائفتان لم يبح الله دماءهم وأموالهم(2).
وأضاف الشيخ عبد الرحمن السعدي /طائفة ثالثة، فقال: « الفرقة الثالثة: قوم يريدون مصلحة أنفسهم بقطع النظر عن احترامكم، وهم الذين قال الله فيهم: ﮋ ﯧ ﯨ ﮊ أي: من هؤلاء المنافقين، ﮋ ﯩ ﯪ ﯫ ﮊ أي: خوفاً منكم، ﮋ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﮊ أي: لا يزالون مقيمين على كفرهم ونفاقهم، وكلما عرض لهم عارض من عوارض الفتن أعماهم ونكسهم على رءوسهم، وازداد كفرهم ونفاقهم، وهؤلاء في الصورة كالفرقة الثانية، وفي الحقيقة مخالفة لها، فإنّ الفرقة الثانية تركوا قتال المؤمنين احترامًا لهم لا خوفاً على أنفسهم، وأمّا هذه الفرقة فتركوه خوفاً لا احتراما، بل لو وجدوا فرصة في قتال المؤمنين، فإنّهم مستعدّون لانتهازها، فهؤلاء إن لم يتبيّن منهم ويتّضح اتّضاحًا عظيمًا اعتزال المؤمنين وترك قتالهم؛ فإنّهم يقاتَلون، ولهذا قال: ﮋ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﮊ أي: المسالمة والموادعة ﮋ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﮊ [ النساء: ٩١ ] أي: حجّة بيّنة واضحة، لكونهم معتدين ظالمين لكم تاركين للمسالمة، فلا يلوموا إلا أنفسهم »(1).
المعلم السادس: النهي عن اتّخاذهم بطانة
قال تعالى: ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ [ آل عمران: ١١٨ ] .
وهذا على أحد القولين في الآية.
والقول الثاني أنّ المقصود بالبطانة هنا: الكفّار الصرحاء، من اليهود وغيرهم(1). ولا تعارض بين القولين، فالآية تحتملهما جميعاً بناء على القاعدة المعروفة أنّ الآية إذا كانت تحتمل معنيين ولم يتنافيا؛ جاز حمل الآية عليهما جميعاً(2). ولأنّ المنافقين كفّار في الباطن، فلا فرق بينهم وبين الكفّار الصرحاء إلا في إخفاء كفرهم.
قال مجاهد/: « نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين، فنهاهم الله تعالى عن ذلك »(3).
وقال قتادة /: « نهى الله ﻷ المؤمنين أن يستدخلوا المنافقين، أو يؤاخوهم، أو يتولوهم من دون المؤمنين » (4).
وأصل البطانة في اللغة: ما يلي البدن من اللباس ونحوه(5)، فاستعير هذا المعنى في اتّخاذ الكافرين والمنافقين أولياء وتقريبهم وإطلاعهم على أسرار المسلمين.
قال الإمام ابن جرير /: « وإنّما جعل البطانة مثلاً لخليل الرجل، فشبّهه بما ولي بطنه من ثيابه؛ لحلوله منه ـ في اطّلاعه على أسراره وما يطويه عن أباعده وكثير من أقاربه ـ محلّ ما ولي جسده من ثيابه » (6).
وقد ذمّ الله المنافقين في هذه الآية والآيتين بعدها من وجوه :
• أحدها: أنّهم لا يألون المؤمنين خبالاً، أي " يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكلّ ممكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة "(1).
• الثاني: مودّتهم العنت للمؤمنين، أي: ما يشقّ عليهم ويحرجهم(2).
• الثالث: ظهور البغضاء من أفواههم، بالشتيمة والوقيعة في أعراض المؤمنين، والتشكيك فيما هم عليه من الحقّ. أو بإطلاع المشركين والكفرة على أسرار المؤمنين. ليس هذا فحسب؛ فما تخفي صدورهم من العداوة والغيظ للمؤمنين أكبر مما نطقوا بألسنتهم(3).
• الرابع: أنّهم إذا لقوا المؤمنين أظهروا لهم الإيمان، وإذا خلوا عضّوا أناملهم من الغيظ على المؤمنين الذين يحولون بينهم وبين تحقيق ما يصبون إليه من الكفر والفجور والفساد.
• الخامس: الاستياء مما يمسّ المؤمنين من الخير والنجاح. والفرح بما يصيبهم من الشرّ واللأواء.
وفي هذا دليل على خطورة المنافقين، وخطورة تقريبهم وتوليتهم مناصب حسّاسة، أو اتّخاذهم أعواناً ومستشارين، وإطلاعهم على أسرار الدولة المسلمة، وهل سقطت الخلافة العبّاسية في بغداد، وسارت دماء المسلمين كالأنهار على يد التتار، إلا بتدبير من أحد الوزراء الباطنيين المدّعين للإسلام، الذين اتّخذهم الخليفة بطانة من دون المؤمنين؟!!(1).
قال الإمام الذهبي /: « ثمّ إنّه [ أي الخليفة ] استوزر المؤيّد ابن العلقمي الرافضي، فأهلك الحرث والنسل، وحسّن له جمع الأموال، وأن يقتصر على بعض العساكر، فقطع أكثرهم.. » (2).
ومثل ذلك حدث في الخلافة الإسلاميّة العثمانية، حيث اختار الإنجليز الرجل المناسب لإسقاط الخلافة، بعد مكر كبّار، وصنعوا له انتصارات وبطولات وهميّة، حتّى تمّ إسقاط الخلافة، وتصنيم ذلك الرجل(3).
وقد أثبتت وقائع التاريخ والأحداث أنّه ما من دولة إسلامية سقطت في القديم أو الحديث إلا وكان للمنافقين دور بارز في إسقاطها، بتواطئهم مع العدوّ المحتلّ، ومدّ اليد إليه، إضافة إلى العوامل الأخرى المؤدّية إلى سقوط الدول(4).

المعلم السابع: عدم قبول اعتذارهم إذا اعتذروا:
قال تعالى: ﮋ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮊ [ التوبة: ٦٥، 66 ] .
فأمر الله نبيّه × بألا يقبل اعتذارهم، بل أمره بأن يحكم عليهم بالكفر لإظهارهم ما في قلوبهم من البغض للنبيّ × وأصحابه، واستهزائهم بهم.
وسبب نزول هذه الآيات ما أخرجه ابن جرير وغيره أنّ رجلاً من المنافقين قال لعوف بن مالك  في غزوة تبوك: ما لقرّائنا هؤلاء أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء! فقال له عوف: ولكنّك منافق! لأخبرنّ رسول الله ×! فذهب عوف إلى رسول الله × ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، قال زيد: قال عبدالله بن عمر ب: فنظرت إليه متعلّقاً بحَقَب(1) ناقة رسول الله × تنكبه الحجارة يقول: ( إنّما كنّا نخوض ونلعب )! فيقول له النبيّ ×: (( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ؟ )) ما يزيده(2).
قال أبو حيّان /: « نهوا عن الاعتذار ، لأنّها اعتذارات كاذبة، فهي لا تنفع» (3).
وقال ابن عاشور /: « فجملة ( لا تعتذروا ) من جملة القول الذي أمر الرسول أن يقوله ، وهي ارتقاء في توبيخهم ، فهي متضمّنة توكيداً لمضمون جملة ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ، مع زيادة ارتقاء في التوبيخ وارتقاء في مثالبهم بأنّهم تلبّسوا بما هو أشدّ وهو الكفر ، فلذلك قطعت الجملة عن التي قبلها، على أنّ شأن الجمل الواقعة في مقام التوبيخ أن تقطع ولا تعطف لأنّ التوبيخ يقتضي التعْداد ، فتقع الجمل الموبَّخ بها موقع الأعداد المحسوبة نحو واحد ، اثنان . فالمعنى لا حاجة بكم للاعتذار عن التناجي فإنّكم قد عُرفتم بما هو أعظم وأشنع » (1).
فإن قيل:فإنّ المنافقين لم يكونوا مؤمنين، فكيف قال:ﮋ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮊ؟.
أجاب عن ذلك الخازن / فقال: « قلت : معناه أظهرتم الكفر بعد ما كنتم قد أظهرتم الإيمان، وذلك أنّ المنافقين كانوا يكتمون الكفر ويظهرون الإيمان؛ فلمّا حصل ذلك الاستهزاء منهم - وهو كفر- قيل لهم: قد كفرتم بعد إيمانكم. وقيل: معناه قد كفرتم عند المؤمنين بعد أن كنتم عندهم مؤمنين » (2).
ومن ذلك: عدم قبول اعتذارهم في التخلّف عن الجهاد، مع توبيخهم بقول بليغ كما سبق يصل إلى أعماق نفوسهم، قال تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﮊ أي من الغزو. فقال الله لنبيّه × : ﮋ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ [ التوبة : ٩٤ ]. ولعلّ الحكمة من ذلك: أن يعلم هؤلاء المنافقون أنّ ألاعيبهم لا تنطلي على النبيّ × والمؤمنين، وأنّ خططهم مكشوفة، وأستارهم مهتوكة، فلا يتمادون في غيّهم. والله تعالى أعلم.
وإنّما جمع ضمير المتكلم في الموضعين ﮋ ﭚ ﭛ ﭜﮊ ﮋ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﮊ " للمبالغة في حسم أطماعهم من التصديق رأساً ببيان عدم رواج اعتذارهم عند أحد من المؤمنين أصلاً، فإن تصديق البعض لهم ربّما يطمعهم في تصديق الرسول أيضا × بواسطة المصدّقين. وللإيذان بأنّ افتضاحهم بين المؤمنين كافّة "(1).
هذا ما ظهر لي من المعالم الخاصّة.

المبحث الثاني:
( المعـالم العامّـة )
وهي التي لا تختصّ بالولاة والقادة فقط، بل يشترك فيها جميع المؤمنين.
وهي بإجمال:
المعلم الأوّل: الإعراض عنهم.
المعلم الثاني: موعظتهم.
المعلم الثالث: القول البليغ لهم.
المعلم الرابع: عدم طاعتهم.
المعلم الخامس: ترك أذاهم.
المعلم السادس: الحذر منهم.
المعلم السابع: مقاطعة أوكارهم ومنتدياتهم.
المعلم الثامن: عدم الرضا عنهم مهما حلفوا من الأيمان.
المعلم التاسع: التحذير من السماع لهم، والتأثّر بما يبثّونه من الشكوك والشبهات.
المعلم العاشر: النهي عن المجادلة عنهم.
التفصيل:
المعلم الأوّل إلى الثالث: الإعراض عنهم، وموعظتهم، والقول البليغ لهم:
قال تعالى: ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮊ [النساء: ٦٣ ] .
وقد جاء ذلك كلّه في سياق الحديث عن الحكم والتحاكم، فذكر رغبة المنافقين أصحاب القلوب المريضة في التحاكم إلى الطاغوت - كالكهّان والرؤساء وأشباههم - وإعراضهم عن التحاكم إلى شرع الله، إلى درجة الصدود الشديد، وهم الذين يزعمون الإيمان بما جاء به محمّد × وحين تحلّ بهم مصيبة تلجئهم إلى صاحب الشرع، فإنّهم يحلفون زوراً وبهتاناً أنّهم ما أرادوا إلا الإحسان والتوفيق، وهم ما أرادوا إلا الفرار من الشرع والتلفيق! وهذا هو ديدن المنافقين في كلّ زمان ومكان، فلا شيء أثقل عليهم من أحكام الله التي تحول بينهم وبين ما يشتهون، ولهذا قال الله تعالى معقّباً على ذلك: ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮊ أي من الكفر والزيغ والنفاق(1). ثمّ بيّن الله تعالى لنبيّه طريقة التعامل مع هذا الصنف، فقال سبحانه: ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮊ ..
فأمّا الإعراض عنهم؛ فقيل هو ترك معاقبتهم في الدنيا(2)، اكتفاء بظاهرهم، ولأنّ العقوبات إنّما هي كفّارات لأصحابها، وهؤلاء جرمهم لا كفّارة له، إذ هم كفّار في الباطن كما قال الله تعالى عنهم: ﮋ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮊ [المنافقون: ٣ ]. ويشكل على هذا القول أمور:
• أحدها: أنّ المنافق تجري عليه الأحكام التي تجري على عامّة المسلمين، لإظهاره الإسلام.
• الثاني: أنّ الأمر بالإعراض جاء في موضع آخر في حق المشركين بمكة كما في قوله تعالى: ﮋ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [النجم: ٢٩]، والنبيّ
× كان آنذاك مستضعفاً لا يملك عقابهم.
• الثالث: أنّ الأمر بالإعراض عنهم جاء موجهاً للمؤمنين أيضاً كما في قوله تعالى: ﮋ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮊ [ التوبة: ٩٥ ].
وقال بعض المفسّرين: ( أعرض عنهم )، أي: لا تقبل عذرهم(1). وهو كسابقه، ترد عليه بعض الإشكالات السابقة، وقد سبق الحديث عن عدم قبول عذرهم في معلم مستقلّ(2).
وذهب بعض المفسّرين إلى إنّ الإعراض هنا يحتمل أن يكون إعراضاً قلبياً وهو عدم الحزن من صدودهم عنه، كأنّه قال له: لا تهتم بصدودهم فإنّ الله مجازيهم.. بدليل قوله:ﮋ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮊ [ النساء: ٦٣ ](3). وهو قول حسن ومتوجّه.
وقد سبق قريباً أنّ الأمر بالإعراض عنهم جاء موجهاً للمؤمنين بعد رجوعهم من الغزو كما في قوله تعالى: ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮊ [ التوبة: ٩٥ ].
قال ابن جرير/ في تفسير هذه الآية: « يقول تعالى ذكره: سيحلف أيّها المؤمنون بالله لكم هؤلاء المنافقون الذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ﮋ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ يعني: إذا انصرفتم إليهم من غزوكم لتعرضوا عنهم، فلا تؤنّبوهم، ﮋ ﭻ ﭼﮊ ، يقول جل ثناؤه للمؤمنين: فدعوا تأنيبهم، وخلّوهم وما اختاروا لأنفسهم من الكفر والنفاق.. »(1). ففسّر الإعراض عنهم بترك تأنيبهم، وهو فرع عن الإعراض القلبي، فإنّ إعراض القلب يقتضي ترك التأنيب واللوم الظاهر.
وأمّا الموعظة؛ فهي تذكيرهم بالله باللسان، وتخويفهم من عقابه في الدارين، وترغيبهم في ثوابه إن آمنوا، فلعلّ هذه الموعظة تشفي قلوبهم المريضة(2)..
وأمّا القول البليغ، فهو الذي يبلغ قرارة نفوسهم متغلغلاً فيها(3).
قال الزمخشري/: « أي : قل لهم قولاً بليغاً في أنفسهم، مؤثّراً في قلوبهم، يغتمّون به اغتماماً، ويستشعرون منه الخوف استشعاراً، وهو التوعّد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق، وأطلع قرنه. وأخبرهم أنّ ما في نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند الله، وأنّه لا فرق بينكم وبين المشركين، وما هذه المكافّة(4)إلا لإظهاركم الإيمان وإسراركم الكفر وإضماره، فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف »(5).
ويلاحظ التدرّج في هذه الأساليب الثلاثة؛ فالأوّل مجرّد إعراض بلا قيل. والثاني مجرّد وعظ وتذكير. والثالث: تهديد ووعد بالتنكيل، والله تعالى أعلم.
ويرى بعض أهل التفسير أنّ الموعظة تكون على الملأ، والقول البليغ يكون في حال السرّ، أي: " انصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم "(1). وهو محتمل، والله تعالى أعلم.
المعلم الرابع والخامس: عدم طاعتهم، وترك أذاهم:
قال تعالى: ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ [ الأحزاب: ٤٨ ].
فأمّا عدم طاعتهم فواضح، فإنّهم لا يأمرون - في الغالب - إلا بما فيه ضرر على الإسلام والمسلمين.
وأمّا ترك أذاهم، فيحتمل معنيين كما ذكر المفسّرون، أحدهما: الصبر على أذاهم وتحمّل ما يصدر منهم من أذى. والثاني: ترك مجازاتهم على الأذى الصادر منهم، وأن يكل أمرهم إلى الله فهو كافيه سبحانه. وهذا الثاني هو الأظهر، وهو الذي يدلّ عليه السباق والسياق، فإنّ هذا الأمر جاء بعد الإشارة بأنّه مبعوث بالبشارة قبل النذارة: ﮋ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ [ الأحزاب: ٤٥]، ﮋ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﮊ [ الأحزاب: ٤٧ ] ، وهذا يقتضي الصفح والتجاوز. ثمّ ختم الآية بقوله: ﮋ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ [الأحزاب: ٤٨]، وهو مناسب لترك أذى هؤلاء، فإنّه وإن ترك أذاهم على سبيل المقابلة؛ فلن يضرّوه شيئاً إذا كان الله وكيله وكافيه.
وهذا لا ينافي ما سبق من الأمر بالإغلاظ عليهم، فإنّ ذلك حسب ما يقتضيه الحال أحياناً، لكن يبقى ترك أذاهم هو الأصل والغالب في التعامل معهم.
والفرق بينه وبين الإعراض عنهم؛ أنّ الإعراض عنهم يكون بالقلب كما سبق ترجيحه(1)، فهو عمل قلبيّ. أمّا ترك الأذى فهو عمل ظاهر لا يتعلّق بالقلب، بأن لا يعاقبهم؛ إمّا ابتداءً، وإمّا على وجه المقابلة. قال القرطبيّ/: « أي دع أن تؤذيهم مجازاة على إذايتهم إياك فأمره تبارك وتعالى بترك معاقبتهم... »(2). وهكذا قال غيره(3).
وفسّر مجاهد/(4)تركَ الأذى بالإعراض. وهو على سبيل تقريب المعنى، وإلا فإنّ الإعراض أعمّ من ترك الأذى كما هو ظاهر- والله تعالى أعلم -.
فإن قيل: فكيف يدع أذاهم وهو مأمور بقتالهم لا سيّما الكفّار؟ وهل هذا منسوخ بآية السيف؟
فالجواب: أنّ هذا إعراض خاصّ لا عموم له، وذلك بأن يترفّع عن مؤاخذتهم على ما يصدر منهم في شأنه من مثل السباب والشتائم ونحو ذلك ممّا لا ضرر فيه على الدولة الإسلاميّة. فليست آيات القتال بناسخة له(5).
المعلم السادس: الحذر منهم:
قال تعالى: ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﮊ [ المنافقون: ٤ ].
فحصر العداوة فيهم، مع وجود غيرهم من الأعداء الخارجيين، وليس المراد الحصر التام الذي لا يدخل فيه غيرهم ، وإنّما المراد إثبات الأولويّة والأحقيّة لهم في هذا الوصف. والسـرّ في ذلك - والله تعالى أعــلم - أنّ العدوّ الخارجي لا قدرة له - في الغالب - على النفوذ إلى المجتمع المسلم إلا عن طريق هؤلاء المنافقين، فرتّب على ذلك الحذر منهم ومن كيدهم، وعلاقاتهم المشبوهة مع الأعداء، وهذا يقتضي إبعادهم عن مواطن النفوذ في المجتمع الإسلامي، وعزلهم عن الوظائف الحسّاسة في الدولة الإسلامية..
قال الإمام ابن القيّم / في قوله تعالى: ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﮊ : «ومثل هذا اللفظ يقتضي الحصر أي لا عدو إلا هم، ولكن لم يرد ها هنا حصر العداوة فيهم، وأنّهم لا عدوّ للمسلمين سواهم؛ بل هذا من إثبات الأولوية والأحقية لهم في هذا الوصف، وأنّه لا يتوهم بانتسابهم إلى المسلمين ظاهراً وموالاتهم لهم ومخالطتهم إياهم أنّهم ليسوا بأعدائهم، بل هم أحقّ بالعداوة ممّن باينهم في الدار، ونصب لهم العداوة، وجاهرهم بها، فإنّ ضرر هؤلاء المخالطين لهم المعاشرين لهم وهم في الباطن على خلاف دينهم؛ أشدّ عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم، لأنّ الحرب مع أولئك ساعة أو أياماً ثم ينقضي ويعقبه النصر والظفر، وهؤلاء معهم في الديار والمنازل صباحاً ومساءً، يدلّون العدوّ على عوراتهم، ويتربّصون بهم الدوائر، ولا يمكنهم مناجزتهم، فهم أحقّ بالعداوة من المباين المجاهر، فلهذا قيل ( هم العدو فاحذرهم ) لا على معنى أنّه لا عدوّ لكم سواهم، بل على معنى أنّهم أحقّ بأن يكونوا لكم عدوّاً من الكفار المجاهرين »(1).
وقال الشنقيطي/ موضّحاً حقيقة هذا الحصر في الآية : « فيه ما يشعر بحصر العداوة في المنافقين مع وجودها في المشركين واليهود، ولكنّ إظهار المشركين شركهم، وإعلان اليهود كفرهم، مدعاة للحذر طبعاً، أمّا هؤلاء فادعاؤهم الإيمان وحلفهم عليه قد يوحي بالركون إليهم ولو رغبة في تأليفهم، فكانوا أولى بالتحذير منهم لشدة عداوتهم، ولقوّة مداخلتهم مع المسلمين ممّا يمكّنهم من الاطّلاع على جميع شؤونهم » (1).
وقد امتثل النبيّ × هذا الأمر، فكان شديد الحذر من هذه الشرذمة المندسّة في الصفّ المسلم، ومن ذلك أنّه كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها(2)، حفظاً لأسرار الدولة أن يطلّع عليها أهل النفاق وغيرهم، فتصل إلى العدوّ.
المعلم السابع: مقاطعة أوكارهم ومنتدياتهم:
قال تعالى:ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﮊ[التوبة: ١٠٧ ] ثمّ قال سبحانه وتعالى موجّهاً رسوله تجاه هذه الظاهرة: ﮋ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ [ التوبة: ١٠٨ ] إلى آخر الآيات .
فهذا المسجد الضرار بناه المنافقون في المدينة ليضاهي مسجده × وليكون مقرّاً ووكراً لتجمّعاتهم المشبوهة، وليحدثوا الفرقة بين المؤمنين كما نصّت على ذلك الآية الكريمة، ثمّ إنّهم جاءوا ليستغفلوا رسول الله ×، فطلبوا منه أن يصلّي فيه مفتتحاً له ليكتسب الشرعية بذلك، فيقبل عليه العامّة من المؤمنين من أصحاب القلوب الطاهرة، فيشكّكوهم في دين الله، ويصرفوهم عن مجالس الحقّ والإيمان في مسجده × ولهذا جاء الأمر الحاسم من الله ﻷ بالنهي عن القيام فيه نهياً أبدياً، فما كان منه × إلا أن أمر بهدمه وحرقه على من فيه، فخرجوا منه مولّين هاربين كالجرذان..(1)وكان ممّن بنى هذا المسجد منافق يقال له جارية بن عامر وابناه يزيد ومجمع، وكان مجمع غلاماً حدثاً قد جمع أكثر القرآن، وكان يصلّي بهم فيه، فلمّا خرب مسجد الضرار بعد غزوة تبوك، وكان في أيام عمر سأل أهلُ قباء عمرَ أن يصلي بهم مجمعٌ، فقال: لا والله، أو ليس إمام المنافقين في مسجد الضرار؟ فحلف بالله: ما علمت بشيء من أمرهم. فتركه عمر، فصلّى بهم..(2).
وقد بيّن الله الأغراض التي من أجلها أقيم هذا المسجد، وهي أربعة:
• أحدها: ﮋ ﭔ ﮊ ، أي المضارّة للمؤمنين.
• الثاني: ﮋ ﭕ ﮊ ، أي بالله ورسوله، وطعناً فيهما.
• الثالث: ﮋ ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ، فقد كان الجميع يصلّون في مسجد واحد وهو قباء، فبنوا هذا المسجد ليصلي فيه بعض المؤمنين، فتحدث الفرقة ، هذا مع ما سيبثونه فيه من شكوك وشبهات.
• الرابع: ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ، وهو أن يكون هذا المسجد مكان رصد وانتظار وإعداد وإعانة لكلّ موتور وحاقد ومارق عن دين الله ومحارب له، ليكتمل لهم ما أرادوا من الكيد والمكر لدين الله(1).
فما أحوج العلماء والدعاة اليوم إلى الاقتداء بنبيّهم وامتثال أمر ربّهم بترك القيام في مساجد الضرار العصرية، سواء سميت مساجد أو مدارس أو نوادي أو منتديات أو قنوات فضائية، فهي ما لم تؤسس من أوّل يوم على تقوى من الله ورضوان، لهي أحقّ بأن لا يقوم فيها الدعاة مهما كانت المسوّغات والغايات، والمصالح المرجوة، فإنّ مفاسد القيام فيها أكبر بكثير من المصالح المرجوّة، ودرء المفاسد مقدّم على جلب المصالح كما هو مقرّر في القواعد الشرعية(2).
فإن قال قائل: فقد كان النبيّ × يغشى مجالس الكفّار ومنتدياتهم..
فالجواب: أنّ غشيان مجالس الكفّار ليس كالقيام في مساجد الضرار من وجوه عدّة، منها:
1. أنّ مجالس الكفّار ومنتدياتهم لا يلتبس أمرها على المؤمنين، بخلاف مساجد الضرار، فقد يلتبس أمرها على بعض المؤمنين كما سبق بيانه.
2. أنّ الداعي في مجالس الكفار يقتحمها اقتحاماً فيعرض نفسه، ويطرح ما يريد، في الوقت الذي يريد دون إملاءات أو شروط أو مداهنة، بخلاف القائم في مساجد الضرار، فإنّه له دوراً مرسوماً لا يُسمح له بتجاوزه، وفي وقت محدد قد لا يكون هو الذي يختاره.
3. أنّ القائم في مجالس الكفّار ليس ممّثلاً لها ولا متحدثاً باسمها كضيف شرف، بخلاف القائم في مساجد الضرار، فإنّه يقوم ممّثلاً لها، وضيف شرف فيها ممّا يعطيها الشرعية التي يريدها أصحابها للتلبيس على المسلمين.
هذه أهمّ الفروق بين مجالس الكفّار ومساجد الضرار، ولذا لم ينه الله نبيّه عن غشيان مجالس الكفّار ، ونهاه عن القيام في مســاجد الضرار.. بل إنّ الله ﻷ قـد نهى الله نبـــيّه × عن حضور مجالس الكفّار التي يُسـتهزأ فيها بآيـــات الله، فقال - سبحانه- : ﮋ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﮊ [ الأنعام: ٦٨ ]، وإذا كان هذا في حقّ مجالس الكفّار التي لا التباس فيها على مسلم؛ فكيف بمساجد الضرار وأشباهها التي يخفى حالها على كثير من المسلمين، وقد أسّست -أوّل ما أسّست- للنيل من هذا الدين، وهدمه من أساسه، وربّما تحت لافتات إسلامية ظاهرة، يشارك بعض الدعاة في إرسائها والدعوة إليها وإعطائها الشرعية، إمّا بحسن نيّة، أو طلباً للشهوة الخفية: حبّ الظهور والشهرة!! في غفلة عن كيد المنافقين ومكرهم، وربما خالف في ذلك بعض الدعاة، ويبقى لكلٍّ رأيه واجتهاده، والله تعالى أعلم.

المعلم الثامن: عدم الرضا عنهم مهما حلفوا من الأيمان:
قال تعالى: ﮋ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ [ التوبة: ٩٦ ] .
وقد أخبر الله سبحانه في آية أخرى أنّهم : ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﮊ ، فأنكر الله عليهم ذلك بقوله في تمام الآية: ﮋ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﮊ [ التوبة: ٦٢ ].. وهذه الأيمان في الحالين تدلّ على اضطراب المنافقين في المجتمع المسلم، وسعيهم الحثيث لحماية مصالحهم الشخصية والشهوانية بهذا الأسلوب الرخيص من الأيمان الكاذبة، ذلك بأنّهم يشعرون بالغربة الشديدة في المجتمع المسلم المحافظ، فلا يملكون إلا الكذب والنفاق، وقد كشف الله حقيقتهم بقوله في موضع آخر:ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﮊ[التوبة: 56، ٥٧ ]. أفبعد هذا يرضى المؤمنون عنهم؟!.
قال البيضاوي/ بعد تفسيره لقول الله تعالى: ﮋ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮊ [ التوبة: ٩٦ ] : « والمقصود من الآية النهي عن الرضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم بعد الأمر بالأعراض وعدم الالتفات نحوهم »(1).
وقال ابن عاشور/: « وهذا تحذير للمسلمين من الرضى عن المنافقين بطريق الكناية، إذ قد علم المسلمون أن ما لا يرضي الله لا يكون للمسلمين أن يرضوا به »(2).
وقال ابن أبي السعود /: « والمراد به نهي المخاطبين عن الرضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم الكاذبة على أبلغ وجه وآكده، فإنّ الرضا عمّن لا يرضى عنه الله تعالى ممّا لا يكاد يصدر عن المؤمن. وقيل: إنّما قيل ذلك لئلا يتوهّم متوهّم أنّ رضا المؤمنين من دواعي رضا الله تعالى »(1).
والآية محتملة للمعنيين حسب حال المؤمنين من علمهم بحال أولئك المنافقين أو جهلهم به، ففي حال العلم يتوجّب عدم الرضا عنهم، وفي حال الجهل فإنّ رضا المؤمنين لا ينفعهم، والله تعالى أعلم.
فإن قيل: فما الفرق بين عدم الرضا وبين الإعراض عنهم كما سبق في المعلم الأوّل؟
فالجواب: أنّ عدم الرضا عنهم لا يقتضي الإعراض على المعنى الذي رجّحته وهو عدم الحزن من صدودهم، فقد لا يرضى عنهم، ويظلّ حزيناً من صدودهم وإعراضهم، ومما يدل على الفرق: أنّ الله ﻷ ذكر الأمرين في آيتين متتابعتين، فقال في الأولى: ﮋ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮊ [التوبة: ٩٥ ]، وقال في الثانية: ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮊ [التوبة: ٩٦ ]، ولو كان الإعراض هو عدم الرضا لاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر، والله تعالى أعلم..
المعلم التاسع: التحذير من السماع لهم، والقبول لما يبثّونه من الشكوك والشبهات:
قال تعالى: ﮋ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ [ التوبة: ٤٧ ].
أي: فيكم أيها المؤمنون من يستجيب لهم، ويتأثّر بما يبثّونه من الشكوك والشبهات، ويقبلها. وهذا على أحد القولين في الآية(1)، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية /، فإنّه قال في قوله تعالى: ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﮊ [ التوبة: ٤٧ ]: « وإنّما عـــدّاه باللام؛ لأنّــه متضمّن معنى القبول والطاعة ، كما قـال الله على لســان عبـده (سمع الله لمن حمده) أي: استجاب لمن حمده. وكذلك ﮋ ﯦ ﯧﮊ أي: مطيعون لهم »(2).
وقال الحافظ ابن كثير - عليه رحمة الله-: « ﮋ ﯥ ﯦ ﯧﮊ أي: مطيعون لهم، ومستحسنون لحديثهم وكلامهم، يستنصحونهم، وإن كانوا لا يعلمون حالهم، فيؤدي إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير » (3).
والمقصود: أنّ هذا خبر في معنى النهي، أي: لا تسمعوا لهم، ولا تقبلوا ما يبثّونه من شكوك وشبهات حول الدين والدعوة وخلّص المؤمنين، ليوقعوا الفتنة بينكم.
فإن قيل: كيف يجوزُ ذلك على المؤمنين مع ما علموه من التحذير من المنافقين؟
فالجواب: أنّ ذلك قد يحصل إمّا لحداثة عهد بالإسلام، أو لقرابة توجب حسن الظنّ والتقدير، أو لغفلة وسذاجة وجهل بالواقع من قبل بعض المؤمنين، لا سيما مع تفنّن المنافقين في الخداع والتمويه والتظاهر بالصلاح والتقى ممّا قد ينطلي على بعض المؤمنين الطيبين(1). ومن ذلك أنّهم - أي المنافقون - قد يقسمون الأيمان المغلّظة على أنّهم ما أرادوا إلا الخير كما أخبر الله عنهم بقوله: ﮋ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﮊ [ التوبة: ١٠٧ ] ، فأيّ تلبيس أعظم من هذا التلبيس!.
المعلم العاشر:النهي عن المجادلة عنهم.
قال تعالى: ﮋ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ إلى أن قال سبحانه: ﮋﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ [ النساء: 107، ١٠٩ ] .
نزلت هذه الآيات في رجل من المنافقين، سرق متاعاً ودرعاً، فافتضح أمره بقرينة واضحة رآها بعض القوم، وبلغ ذلك النبيّ ×، فجاء بعض أصحابه فجادلوا عنه، واتّهموا رجلاً بريئاً من اليهود، حتى غضب عليه الصلاة والسلام، وأوشك على تبرئة هذا المنافق عملاً بالظاهر، فنزلت هذه الآيات في بيان حقيقة الأمر، والنهي عن المجادلة عن أهل النفاق.
أخرج ابن جرير بسنده عن ابن زيد في قوله: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﮊ [ النساء: ١٠٥ ] ، قال: كان رجل سرق درعًا من حديد في زمان النبيّ × وطرحه على يهوديّ، فقال اليهوديّ: والله ما سرقتها يا أبا القاسم، ولكن طرحت عليّ! وكان للرجل الذي سرق جيرانٌ يبرِّئونه ويطرحونه على اليهوديّ، ويقولون: يا رسول الله، إنّ هذا اليهوديّ الخبيث يكفر بالله وبما جئت به! قال: حتّى مال عليه النبي × ببعض القول، فعاتبه الله ﻷ في ذلك فقال: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭑ ﭒ ﮊ بما قلت لهذا اليهوديّ ﮋ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﮊ [ النساء:105، ١٠٦ ] ، ثم أقبل على جيرانه فقال: ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮊ فقرأ حتى بلغ: ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮊ [ النساء: ١٠٩ ](1).
ففي هذه الآية العظيمة نهي صريح عن المجادلة عن أهل النفاق، والدفاع عنهم لما جُبلوا عليه من الكذب والخديعة وقلب الحقائق، وخيانة الأمانات، لا سيما في مواجهة المؤمنين الصادقين أصحاب القلوب الطاهرة والسرائر النظيفة، وقد تحمل القرابة أو العصبية القبلية بعض ضعاف الإيمان على الوقوف مع المنافقين والمجادلة عنهم، وذلك قد ينفعهم في الدنيا ؛ لكنّه لن ينفعهم يوم الدين يوم لا تخفى من الناس خافية. ولهذا قال القرطبي /: « قال العلماء: لا ينبغي إذا ظهر للمسلمين نفاقُ قومٍ أن يجادل فريق منهم فريقاً عنهم ليحموهم ويدفعوا عنهم، فإنّ هذا قد وقع على عهد النبيّ × وفيهم نزل قوله تعالى: ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﮊ [ النساء: ١٠٥ ] »(1).
وما أكثر اليوم من يجادل عن أهل النفاق إمّا بحسن نيّة، وطهارة قلب، لما برع فيه أهل النفاق من التلوّن والتمويه والخداع. وإمّا بسوء نيّة وفساد في الطويّة. كفانا الله شرّ النفاق وأهله.
قال الرازي /: « وأعلم أنّ في الآية تهديداً شديداً، وذلك لأنّ النبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ لمّا مال طبعه قليلاً إلى جانب طعمة، وكان في علم الله أنّ طعمة كان فاسقاً؛ فالله تعالى عاتب رسوله على ذلك القدر من إعانة المذنب، فكيف حال من يعلم من الظالم كونه ظالماً ثمّ يعينه على ذلك الظلم، بل يحمله عليه ويرغبه فيه أشدّ الترغيب! » (2).
فإن قيل: لمَ قال: ﮋ ﯴ ﮊ و ﮋ ﭞ ﮊ مع أنّ الخائن واحد فقط ؟
فالجواب: بأنّه جمع ليتناول طعمة وكلّ من خان مثل خيانته. أو ليتناوله وقومه الذين شاركوه في الإثم حين شهدوا على براءته وخاصموا عنه وهم يعلمون خيانته(3).
وفي هذه القصّة تتجلّى عظمة الإسلام دين العدل والإنصاف، فكفر هذا اليهودي - مع ما عُرف عن اليهود من عداوتهم للإسلام وتربّصهم به - لم يمنع أن تنزل هذه الآيات البيّنات في إحقاق الحقّ، وتبرئة هذا اليهودي المظلوم ممّن ظلمه، حتّى ولو كان الظالم منتسباً إلى الإسلام ظاهراً، فلله الحمد والمنّة.
وهكذا ينبغي أن يكون أهل الإسلام، مقيمين للعدل، متحلّين بالإنصاف، ولو مع الأعداء، لا سيّما إذا كانوا في مجتمع واحد، وفي هذا يقول الله ﻷ مؤكّداً هذا المعنى: ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ [ المائدة : ٨ ] .
هذا ما ظهر لي من المعالم القرآنية ( الخاصّة والعامّة ) في التعامل مع المنافقين، وهي كثيرة ومتنوعة. وليس بالضرورة أن يُعمل بها كلّها في جميع الأزمنة والأمكنة، ومع كلّ منافق أو متخلّق بأخلاق أهل النفاق، وإنّما يُسلك فيها مسلك السياسة الشرعية كما سبق، بحسب ما تقتضيه الأحوال والمآلات، والله تعالى أعلم.
وبعد؛ فما كان من هذه المعالم صواباً فهو من توفيق الله تعالى، وما كان منها من خطأ، فهو من نفسي ومن الشيطان، فأسأل الله العفو والمغفرة..

الخاتـمة
في ختام هذا البحث الموجز؛ هذه أهمّ النتائج التي توصّلت إليها:
1. إنّ المنافقين في المجتمع المسلم هم أخطر عدوّ يسعى إلى تقويض هذا المجتمع، وبثّ الفرقة بين أفراده، ومدّ اليد إلى العدوّ المتربّص.
2. ضرورة فقه التعامل مع المنافقين المندسّين في الصفّ المسلم، وأنّ غياب هذا الفقه يؤدّي إلى تمكّن أولئك المنافقين، ونجاح مساعيهم الحثيثة في تقويض المجتمع المسلم كما سبق، وهذا ما تهدف إليه هذه الدراسة.
3. أنّ القرآن الكريم اشتمل على معالم واضحة في التعامل مع المنافقين والتصدّي لهم، وهي مبثوثة في ثنايا الآيات والسور، ولعل أبرزها ما قمت بجمعه وتوضيحه في هذه الدراسة.
4. ضرورة الحذر من المنافقين، وإجراء هذه المعالم في التعامل معهم، بحسب ما تقتضيه السياسة الشرعية.
5. أنّ المسؤولية الكبرى في التصدّي للمنافقين، وكبح جماح أذاهم ومكرهم تقع - في الدرجة الأولى - على عاتق القادة والرؤساء الذين بأيديهم الحلّ والعقد، وإن كان للعامّة نصيب من ذلك، بحسب وعيهم ومراكزهم في المجتمع ومستوياتهم العلمية والفكرية.
6. ضرورة الحزم في التعامل مع المنافقين، واتّخاذ موقف صارم منهم، لا سيما من ظاهروا الأعداء، وأقاموا بين ظهرانيهم، ولم يهاجروا إلى بلاد الإسلام - مع قدرتهم -، وهم يزعمون أنّهم مسلمون، واتّخذوا من النفاق ذريعة للّعب على الحبلين كما يقال.
7. أنّ جـهاد المنـافقين ، وفــضح مخطــطاتهم وأوكارهم من أعظم القربات عند الله، لما فيه من دفع خطر عظيم عن الأمّة.
8. أنّ من جهاد هؤلاء المنافقين: مقاطعة أوكارهم ومنتدياتهم، وهجرها، بل هدمها والقضاء عليها في حال القدرة على ذلك من قبل ولاة الأمر.
9. الحذر من تولية المنافقين مناصب حسّاسة في الدولة الإسلامية، عسكرية كانت أو مدنية، ومنعهم من الخروج للقتال مع المؤمنين في حال وجوب القتال، لما لذلك من آثار سلبية مدمّرة.
10. - وهو في غاية الأهميّة - أنّ التعامل مع المنافقين بهذه الأساليب المتنوعة يخضع للسياسة الشرعية، حسب ما يقتضيه الحال والمآل، والزمان والمكان والأعيان، وليس بالضرورة الأخذ بها جميعاً في آن واحد أو مكان واحد.
هذه أهمّ النتائج التي توصّلت إليها، والله وليّ التوفيق، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد.

قائمة المصادر والمراجع
• القرآن الكريم.
1. الآثار في شمال الحجاز للدكتور حمود بن ضاوي القثامي، الرياض: وزارة المعارف، المكتبات المدرسية، الطبعة الثانية: 1404هـ
2. إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لأبي السعود محمد بن محمد العمادي، بيروت : دار إحياء التراث العربي.
3. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمّد الأمين بن محمد المختار ابن عبدالقادر الجكني الشنقيطي، دار الفكر : بيروت، الطبعة : 1415 هـ - 1995 م.
4. أنوار التنزيل وأسرار التأويل لعبدالله بن عمر البيضاوي، بيروت : دار الفكر ، 1416هـ، تحقيق: عبدالقادر عرفات.
5. البحر المحيط لأبي حيّان الأندلسي، دار الفكر : بيروت.
6. البداية والنهاية لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، بيروت: مكتبة المعارف .
7. تاج العروس من جواهر القاموس: لأبي الفيض السيد المرتضى الزبيدي، دار الفكر: بيروت: 1414هـ ، دراسة وتحقيق: علي شيري.
8. التاريخ الإسلامي، الدولة العباسية، لمحمود شاكر، المكتب الإسلامي: بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ.
9. تاريخ الدولة العثمانية وعلاقاتها الخارجية للدكتور علي حسّون، المكتب الإسلامي: بيروت، الطبعة الثالثة: 1415هـ.
10. التحرير والتنوير لمحمد الطاهر ابن عاشور، مؤسسة التاريخ، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى 1421هـ.
11. تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري لجمال الدين عبدالله بن يوسف بن محمد الزيلعي ، دار ابن خزيمة : الرياض ، الطبعة الأولى: 1414هـ، تحقيق : عبدالله بن عبدالرحمن السعد.
12. تفسير السراج المنير لشمس الدين محمد بن أحمد الشربيني, دار الكتب العلمية : بيروت.
13. تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، 1403هـ.
14. التوحيد للشيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، الطبعة الرابعة: 1423هـ.
15. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان، لعبدالرحمن بن ناصر السعديّ: الرياض: الرئاسة العامّة لإدارات البحوث العلميّة، تحقيق: محمّد زهري النجّار.
16. جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري: الطبعة الأولى؛ بيروت: دار الكتب العلميّة: 1412هـ.
17. الجامع لأحكام القرآن لأبي عبدالله محمّد بن أحمد القرطبيّ: الطبعة الثانية؛ بيروت: دار إحياء التراث العربيّ.
18. الدرر السنية في الأجوبة النجدية لمجموعة من علماء نجد الأعلام، الطبعة السادسة: 1417هـ 1996م ، المحقق : عبدالرحمن بن محمد ابن قاسم.
19. الدر المنثور في التفسير المأثور لجلال الدين السيوطي، بيروت: دار الفكر، 1993م.
20. الدرّ النضيد في تخريج كتاب التوحيد لصالح بن عبدالله العصيمي، دار ابن خزيمة: الرياض، الطبعة الأولى: 1413.
21. زاد المسير في علم التفسير لأبي الفرج عبدالرحمن بن عليّ بن الجوزيّ، بيروت: المكتب الإسلامي، ط1؛ 1423هـ.
22. زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، بيروت : مؤسسة الرسالة – الكويت مكتبة المنار الإسلامية، ط 14 ؛ 1407 – 1986، تحقيق: شعيب الأرناؤوط – عبد القادر الأرناؤوط.
23. سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني، دار الفكر : بيروت، تحقيق : محمد محيي الدين عبدالحميد، مع الكتاب : تعليقات كَمَال يوسُفْ الحوُت.
24. سير أعلام النبلاء للحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، مؤسسة الرسالة: بيروت، الطبعة الثالثة: 1406هـ، تحقيق: بشّار عوّاد ومحيي هلال.
25. السيرة النبوية الصحيحة، للدكتور أكرم ضياء العمري، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، ط6؛ 1415هـ.
26. شرح السنة للحسين بن مسعود البغوي، المكتب الإسلامي : دمشق ـ بيروت ، الطبعة الثانية: 1403هـ - 1983م ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش.
27. صحيح البخاري لأبي عبدالله محمّد بن إسماعيل البخاري، دمشق: دار القلم: ط1؛ 1401هـ. اعتنى به: د. مصطفى ديب البغا.
28. صحيح ابن خزيمة لأبي بكر محمد بن إسحق ابن خزيمة، بيروت: المكتب الإسلامي، ط1؛ 1391هـ، تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي.
29. صحيح مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري: الرياض: مكتبة الرشد: 1422هـ.
30. الصحيح المسند من أسباب النزول لمقبل بن هادي الوادعي، مكتبة المعارف : الرياض، 1400هـ.
31. طريق الهجرتين وباب السعادتين: لابن قيّم الجوزية، القاهرة، المطبعة السلفية ومكتبتها، ط3؛ 1400هـ. عُني بمراجعته وإخراجه: محبّ الدين الخطيب.
32. فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، دار المعرفة : بيروت.
33. قواعد التفسير، جمعاً ودراسة للدكتور خالد السبت، الخبر، دار ابن عفّان، ط1؛ 1417هـ.
34. في ظلال القرآن لسيد قطب، دار الشروق: بيروت، الطبعة التاسعة: 1400هـ.
35. الكشّاف عن حقائق التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لأبي القاسم جارالله محمود بن عمر الزمخشري: بيروت، دار المعرفة.
36. كيف دخل التتر بلاد المسلمين .. الأدوار الخفيّة في سقوط الخلافة العبّاسيّة للدكتور سليمان بن حمد العودة، دار طيبة: الرياض، الطبعة الأولى: 1417هـ.
37. لباب التأويل في معاني التنزيل لعلاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي الشهير بالخازن، دار الفكر : بيروت ، 1399 هـ 1979 م.
38. اللباب في علوم الكتاب لأبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي، دار الكتب العلمية : بيروت ، الطبعة الأولى: 1419 هـ -1998 م، تحقيق : الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض.
39. لباب النقول في أسباب النزول لأبي الفضل عبدالرحمن بن أبي بكر ابن محمد السيوطي، دار إحياء العلوم – بيروت.
40. لسان العرب لأبي الفضل محمّد بن مكرّم بن عليّ ابن منظور: القاهرة: دار المعارف. تحقيق: عبدالله الكبير، ومحمّد أحمد حسب الله، وهاشم الشاذلي.
41. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، بيروت: دار الفكر، 1412 هـ.
42. مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب: عبدالرحمن ابن قاسم.
43. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لأبي محمد عبدالحق بن غالب بن عطية الأندلسي، دار الكتب العلمية : بيروت ، الطبعة الأولى: 1413هـ ـ 1993م، تحقيق : عبدالسلام عبدالشافي محمد.
44. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المكتبة العلمية - بيروت.
45. معالم التنزيل لأبي محمّد الحسين بن مسعود البغوي: الطبعة الأولى؛ الرياض: دار طيبة: 1409هـ. تحقيق وتخريج: محمّد النمر، وعثمان جمعة، وسليمان الحرش.
46. معاني القرآن الكريم لأبي جعفر النحاس، جامعة أم القرى - مكة المكرمة، الطبعة الأولى : 1409، تحقيق : محمد علي الصابوني.
47. المعجم الكبير لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، الموصل: مكتبة العلوم والحكم، ط2؛ 1404هـ ، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي.
48. معركة المصحف في العالم الإسلامي لمحمد الغزالي، مصر: دار نهضة مصر، الطبعة الأولى.
49. المغرب في ترتيب المعرب، لأبي الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بن علي بن المطرز، مكتبة أسامة بن زيد – حلب، الطبعة الأولى: 1979م، تحقيق : محمود فاخوري و عبد الحميد مختار.
50. المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، لأبي محمد عبدالله ابن أحمد بن قدامة المقدسي، بيروت: دار الفكر، ط 1 ، 1405هـ.
51. مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، دار الكتب العلمية : بيروت، الطبعة الأولى: 1421هـ - 2000 م.
52. المفردات في غريب القرآن لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، بيروت: دار المعرفة، ط1؛ 1418هـ، تحقيق وضبط: محمد خليل عيتاني.
53. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج لأبي زكريا يحيى بن شرف ابن مري النووي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة الثانية : 1392هـ.
54. الموافقات في أصول الشريعة للإمام الشاطبي إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي، بيروت: دار المعرفة، ط2، 1395هـ، تحقيق : عبد الله دراز.
55. نظم الدرر في تناسق الآيات والسور لأبي الحسن إبراهيم بن عمر البقاعيّ: ط1؛ بيروت: دار الكتب العلميّة: 1415هـ. تخريج: عبدالرزّاق المهدي.
56. الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي. ط1؛ دمشق: دار القلم: 1415هـ. تحقيق: صفوان عدنان.
• الرسائل العلمية:
1- ( اختيارات ابن تيمية وترجيحاته في التفسير، من أوّل سورة المائدة إلى آخر سورة الإسراء ، جمعاً ودراسة ) لمحمد بن عبدالعزيز المسند. رسالة دكتوراه، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1425هـ.
2- قواعد فقه التعامل مع المخالفين لسليمان الماجد، بحث طرح ورقة عمل في مؤتمر "الاختلاف.. رؤية واقعية..ومعالجة موضوعية"،المنعقد بالرياض يوم الخميس: 24/5/1429هـ الموافق 29/5/2008م

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك