مأساة الشعب السوري.. والموقف الدولي.. بين الثعلب والأسد
مأساة الشعب السوري.. والموقف الدولي.. بين الثعلب والأسد
د. خالد هنداوي
لعله قد بات مؤكداً أن سياسة العلاقات بين الدول في هذا العالم الذي نعيش فيه إنما ترتكز على أساسين لا ثالث لهما القوة والمصلحة مع أنها تحاول دوما الظهور بمظهر الدول المحبة للسلام وتسعى بكل جهودها إلى تبرير سياستها اللاإنسانية بإكسابها بُعداً أخلاقيا فتزعم أنها تناهض الإرهاب وتستهدف نشر الديمقراطية وتعزيز قيم حقوق الإنسان، وبهذا فإنها تستخدم الحرب النفسية لقلب الأمور عن مسارها بكل ما تملكه من تقنية واستراتيجية في التخطيط لخدمة هذا الهدف اللاإنساني، ولعل ما يجري في المشهد السوري اليوم من مذابح وفظائع وجرائم ضد الإنسانية والمواقف الدولية منه أكبر دليل على ذلك، حيث يكشف بكل وضوح لعبة تقاسم الأدوار بين الغرب وعلى رأسه أمريكا وبين روسيا والصين وإيران من طرف آخر، حيث يظهر بلا لبس القناع الذي يبدو أن دعامتي العلاقات الدولية تجاه المشهد السوري الرعيب هما القوة والمصلحة ولا قانون سواهما فإذا كانت أمريكا تدفع في اتجاه مفكرها المعروف هانز مورجانثو الذي يرى أن عالم السياسة الدولي هو عالم الصراع من أجل القوة التي هي هدف العالم المباشر وأن المصلحة القومية هي قانونها وإذا كانت فرنسا التي تدفع في اتجاه عالمها السياسي ريمون آرون تسير على رأيه في مفهوم وحدة السياسة الخارجية بشقيه الدبلوماسي والاستراتيجي معتبرة أسلوب مكيافيلي في حيلة الثعلب الدبلوماسية في خطف عنقود العنب التي إذا لم تفلح فلابد من اتخاذ أسلوب الأسد باستخدام القوة والبطش والعنف حتى يسمع زئيره ليبقى الاتجاه الفكري الفرنسي مرتكزا على القوة كحل أخير في العلاقات الدولية لتحقيق الأهداف وإذا كانت روسيا والصين لا تريان إلا مصلحتهما وتسويقها في أي دولة ذات صلة بعلاقاتها، وكذلك إيران من حيث قوتها ومصلحتها الأيديولوجية التي تعمل على تعميقها في سوريا، إذا كان الوضع كما نرى ويرى كل منصف معنا في هذا العالم فإن ما سمعناه وشاهدناه من موقف أمريكي وغربي خلال ستة شهور في مشهد هذه المأساة الأليمة من فرض عقوبات وتجميد أرصدة ومنع للسفر لشخصيات من النظام بمن فيهم بشار الأسد وأخوه ماهر ومن هو مقرب منهما ممن يقترفون كل هذه الجرائم بحق الشعب السوري المسالم في احتجاجاته، لن يفيد على أرض الواقع شيئاً ذا جدوى حيث القتل يستمر والتمثيل والتعذيب والاعتقال والتهجير وانتهاك الحرمات المقدسة كالبيوت والمساجد وحصار المدن والقرى بل الترعيب بالطائرات الحربية التي تخرق جدار الصوت على مستوى منخفض تخويفا للشعب وقمعا له.
حتى إننا قد بتنا على شبه اليقين أن هذا الغرب يلعب علينا في الحقيقة إذ ليست العبرة بالمظهر وما نراه ونسمعه من تصريحات بقدر ما نلمس من التباطؤ العجيب باتخاذ أية خطوة لردع هذا النظام الفاشي ولجمه عن شعبه وإجباره على سحب دباباته وآلياته الثقيلة من المدن والبلدات وإعادته إلى ثكناته ليكون متجهزا فقط للحرب ضد الأعداء إذ هذا مكانه وليس لسحق الشعب سحقا طال النخب من مفكرين وعلماء دين ربانيين معروفين، فضلا عن سائر الناس الذين يتعرضون يوميا وخاصة الشباب إلى القتل المريع والاعتقال والتعذيب الشنيع، ففي أي عالم نعيش نحن اليوم كسوريين مظلومين وماذا سيجدي حتى تشديد العقوبات بما فيها بيع النفط الذي أخره الغرب قرابة شهر ونصف الشهر حتى يبدأ الشروع فيه! إننا كلنا نعلم أن أمريكا وفرنسا والغرب أجمع قد ساندوا الموقف في البلد الشقيق ليبيا بعد أحد عشر يوما ولم يسقط من القتلى إلا القليل في البداية ونحن في سوريا وقد زاد عدد القتلى على خمسة آلاف قتيل لا كما تذكر وسائل الإعلام إنهم ثلاثة آلاف ومع ذلك لم نلحظ الجدية من مجلس الأمن في إدانة العنف ولم تتخذ التدابير الكفيلة بالبدء بلجم هذا النظام الوحشي السادي، فهل يمكننا القول بأن ليبيا إنما جرى التدخل فيها مباشرة نظرا لما تختزنه من النفط الذي يجعل لعاب هذه الدول يسيل من أجله ولعل هذا من الفوارق الجوهرية في التعامل إزاء مواقف الصراع ويسعفنا في ذلك جواب وزير الخارجية الأمريكي الصهيوني كيسنجر عندما سئل وقد تدخلت أمريكا لتحرير البلد الشقيق الكويت: هل لو كانت الكويت تزرع البطاطا والطماطم – أي كحال سوريا – في مجمله اليوم – كنتم تسرعون في حسم التحرير فأجاب باللغة الانجليزية: وي كيم فور أويل، إنما أتينا من أجل البترول وهكذا تكون الشواهد أكبر دليل على أهداف أولئك حفظا لقوتهم مهما كانت عسكرية أو سياسية أو اقتصادية فحيث تكون مصلحتهم في ذلك يكونون ولكن لعل أهم الفوارق كذلك هو الوجود الجغرافي والسياسي لسوريا بجوار إسرائيل التي لم ولن تجد نظاما سياسيا يهادنها وهو يدعي المقاومة والممانعة كالنظام السوري الذي أبقى الهدوء على جبهة الجولان الذي يعتبره اليهود أرضا توراتية منذ عام 1973 ولعل إسرائيل ما زالت تخشى من انهيار وسقوط نظام الأسد شكلا الأرنب حقيقة معها، حيث إنه لو جاء نظام آخر فربما يكلفها تغيير سياستها والخشية من أن تغضب بعض الجماعات في سوريا عليها كما حدث في مصر مع سفارتها وسفيرها وهي في غنى عن ذلك ومن هنا فإن اللوبي الصهيوني لا يفتأ يقنع أمريكا والغرب بعدم التحول حفظا لأمن إسرائيل، وإلا فما الذي يفسر هذا الدلع الذي يتعامل فيه الغرب مع بشار الأسد على وجه الحقيقة، وإن بدت الأمور من حيث الظاهر على خلاف ذلك فأي أخلاق سياسية تلك التي يسلكونها وشلال الدم مازال جاريا وتسلط أجهزة الأمن افقد المواطن صلته بالدولة، حيث أصبح النظام الوحشي فوق الدولة ثم يدعون أنهم يسيرون في طريق الإصلاح والفساد ينخر من قمة الهرم في هذه السلطة الباغية التي وإن صرح أوباما وساركوزي وآلان جوبيه بفقدانها شرعيتها إلا أن الموقف من الثورة السورية مازال خجولا وكسولا ولعلنا ونحن نرى فشل الغرب في إدارة الأزمة السورية لا ننسى ان روسيا لا يهمها الا مصلحتها، فالقاعدة التابعة لها في مدينة طرطوس الساحلية وهي تدعم الظالم كما فعلت في موقفها تجاه حافظ الأسد، حيث شارك خبراؤها العسكريون في قمع الانتفاضة في حماة عام 1982 ثم كيف للدول الأخرى في مجلس الأمن أن تقبل باستدامة استعمال الفيتو الروسي وروسيا بذلك وكذلك الصين التي لها مصالح اقتصادية في سوريا تنتهكان المواثيق الدولية في حماية الشعوب وتتجمدان على مصلحتهما بالعلاقة مع الحاكم وتغفلان مصلحة الشعوب الباقية ثم كيف يؤيد الموقف الروسي وروسيا هي التي زودت إسرائيل باليهود الشرقيين ولها العلاقة الوثيقة معها، أما إذا وقفنا عند موقف إيران الشيعية فهي وان تعدل موقفها بضرورة وقف العنف والاستجابة لمطالب الشعب فهي ما زالت تعتبر النظام الرئة التي تتنفس بها وتحاول ألا تخسر مكاسبها في سوريا، وأما الجامعة العربية فمع تحسن موقفها عن ذي قبل، إلا أنها لا يعول عليها في التغيير، فالكل بين مجامل ومتآمر، ولكن الله معنا.
المصدر: http://syrfuture.com/?p=2137