تجاوزات الاتجاه المعاكس.. إلى متى؟ ولمصلحة من؟.. د. خالد هنداوي

تجاوزات الاتجاه المعاكس.. إلى متى؟ ولمصلحة من؟

د. خالد هنداوي

 

لعل معظم الجماهير إقليمياً وعالمياً يشتركون في الرأي أن قناة الجزيرة التي تبث من دولة قطر باتت أغنى من أن تعرف بما تتحف به المشاهدين من برامج ناجحة مفيدة تهدف إلى إثارة اليقظة وتجديد الوعي والتنوير الثقافي على مختلف المستويات، خاصة في جانب الأخبار والتحليلات والتغطية المصورة الفريدة التي وصلت إلى أقاصي الدنيا وفي حالتي السلم والحرب وحالة الكوارث الطبيعية بأمر الله.

  وكم يرتاح المتابع لبرامج اللقاءات والحوارات مثل بلا حدود وشاهد على العصر والشريعة والحياة ومثل برنامج في العمق وحوار مفتوح، ولكن الأمر يختلف في الموقف من برنامج الاتجاه المعاكس الذي أرى أن ما يفرزه من الأكدار من خلال التجاوز والتناقض أكثر مما يجلبه من المنافع التي تبهج النفوس ولعل أحدا يقول: إنه اتجاه معاكس فماذا تنتظر منه؟ فأقول ما عن هذا أتحدث بل ثمة العديد من الحلقات في غاية الفائدة موضوعا وأداء ولكنني أرمي إلى الوقوف على كثير من الخلل في انتقاء الموضوعات من جهة وانتقاء الأشخاص الذين يفترض فيهم معرفة، ثم تطبيق أهداف الاتجاه المعاكس أو تذكيرهم بها بل لفت نظرهم إلى عدم المساس بثوابت الأمة وعقيدتها أبدا وأن هناك خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها البتة، فإن حدث خلاف لهذا، فيجب أن يتحمل الضيف تبعته ويجب على القناة أن تتدخل إما بإيقاف البث أو الاعتذار الفوري أو تصحيح الخطأ أو بالوجه الذي تراه مناسبا إرضاء لله والمبادئ والجمهور العريض ولو لم تكترث القلة في ذلك، فنحن أمام ملايين من العرب والمسلمين يتأملون البرنامج وإنني أقول هذا من باب النصح لأن "من نصحك فقد أحبك ومن داهنك فقد غشك" كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولأننا لن نستغني عن النقد الذاتي البناء والمراجعة العقلانية بالسلوك الحكيم والانفتاح الذي لا يكون على حساب الثوابت بل ان نوظف هذه المبادئ ونستثمرها خدمة لأهدافنا والتزاما لحدودنا مع عدم غمط الآخرين حقهم بالإنصاف لا الإجحاف ولعل الذي جرى في برنامج الأسبوع الماضي الذي خصص عن انتخابات الحكومة العراقية وتأخرها في التشكيل إلى أكثر من 220 يوما والتساؤل لم بقيت القائمة العراقية عاجزة عن تكوين الحكومة مع كونها نجحت وما دور العواصم المجاورة، خاصة إيران في ذلك وما الدور الذي تلعبه أمريكا في التشكيل وهل ما زال العراق بلدا ذا سيادة أم ما زال محتلا، وهل سيغدو مثل لبنان طائفيا أم أنه طائفي أصلا أم غير ذلك، وما اللغز الذي يجب فكه لإخراج العراق من أزمته الدائمة التي خنقته في مأساة يشيب لهولها الولدان؟؟ وهكذا أديرت الحلقة وكان ضيفاها الأستاذ صباح الخزاعي عن المعارضة من لندن والأستاذ أحمد حسن الموسوي عن موالاة الحكومة السابقة في العراق والدكتور فيصل القاسم –كالمعتاد-مديرها، وقد سمعت كلام الطرفين وردودهما ما بين مؤكد لخطورة الدور الإيراني في العراق نافٍ أي سيادة للعراق اليوم وأن الحكومة لا تعدو أن تكون أحجارا على رقعة الشطرنج وهي بانتظار ما يتم الاتفاق عليه خلف الكواليس بين أمريكا وإسرائيل وإيران، ويمثل هذا الاتجاه صباح الخزاعي، أما الاتجاه الذي يمثله أحمد الموسوي فهو الذي يعتبر أن لإيران مصلحة في العراق، كما هي لسوريا وتركيا مثلا نافيا أن تكون البلاد محتلة لأحد مثمنا الحرية السياسية اليوم فيها لا كعهد صدام وأن الطائفية لا تحكم فيها مستدلا أنه لا يوجد في الدستور الجديد مادة واحدة تشير إليها.

أقول: ولكن انظر إلى ما وقع فيه الموسوي الذي كان يدافع ويرد على الخزاعي من أمور لا علاقة لها بالطرح السياسي موضوع الحلقة بعد أن سمعها الملايين وامتعض الكثيرون هنا في الدوحة من تناولها لخطورتها البالغة وتعجبوا إلى متى يتجاوز هذا البرنامج حده ولمصلحة من تستمر هذه الخروقات بين حين وآخر كان الخزاعي يرفع بيده علما صغيرا للعراق وطبعا في وسطه عبارة الله أكبر وقد رأيت الموسوي وهو يهاجمه يقول له هذا العلم اللعين الذي تلوح فيه بيدك، فقال هذا العلم الذي يحمل الله أكبر فقال الله أكبر على الظالم، ولعل من غير المناسب الدفاع الكثير عن ذلك، فالله يدافع عن نفسه وهو أدرى بعباده لكن ما الباعث إلى قوله: لعين وقد حوى لفظ الجلالة الكبير بغض النظر عن كونه شعارا لحكومة سابقة يعاديها كون صداما ظالما مع أن الفقهاء يقولون سلطان غشوم خير من فتنة تدوم، فلنقارن بوضع العراق والفواجع والنوازل التي مازالت تعصف به اليوم وما ندري ما المصير؟ ربما لو كان في العلم نجمة إسرائيلية لم يصب عليه اللعنة، أما الأمر الآخر فهو وصفه لسيدنا معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه بالطاغية دون أي موقف وكلام من خصمه يثيره ويدعوه، إلى ذلك ثم لعنه ليزيد بن معاوية دون أن يرد عليه الطرف الآخر ودون أن يتدخل مدير الحلقة الذي كان من الواجب عليه أن يوقفه عند حده أو يتدخل مباشرة كيلا يواصل في الشتيمة وما أدري ما دور المخرج هنا ولكني أقول بكل أسف إن المدير قصر في ذلك ولم يعتبر مما كتبه قبل سنوات عن معاوية من ذم وانبرى له المدافعون من أرباب القلم النظيف وردوا عليه فهو لهذه القرينة أظن أنه لم يتدخل ويكون بذلك قد حمل القناة خطأ وخطرا كان يمكن ألا يحدث ويشغل الناس، فهو لم يتدخل أثناء الكلام عن العلم اللعين الذي فيه اسم الله على وصف الموسوي ولم يسرع في التدارك هنا علما أنه تدخل أكثر من مرة لأمور يناصرها وهي غير صحيحة منها على سبيل المثال حلقة الاتجاه المعاكس التي كانت قبل أربعة شهور تقريبا عن موضوع موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وتركيا اليوم ودورها الإقليمي والدولي، خاصة في القضية الفلسطينية وكان الضيفان الأستاذ عقاب صقر الصحفي والنائب اللبناني والدكتور الباحث فاتح الراوي وكان هذا الأخير يحاور صاحبه في الدفاع عن العثمانيين ويذكر تاريخيا أن السلطان عبدالحميد الثاني قد رفض بشكل قاطع أن يبيع شبرا من فلسطين لليهود لما جاءه وفدهم وعرضوا عليه مليوني ليرة ذهبية وثمانية عشر مليونا أخرى لشراء فلسطين ومساعدة الدولة فرفض فقال الدكتور فيصل هذه الحادثة لم تثبت تاريخيا وبكل سرعة كان منه التدخل.

وأنا أضم صوتي إلى صوت الدكتور فاتح بأنها ثابتة عند الجميع وأوثق له ذلك بالرجوع إلى كتاب وثائق فلسطين من العهدة العمرية حتى وعد بلفور "637-1917م"، (81) وثيقة من تأليف الأستاذ فتحي نصار "ط الدار الثقافية أولى –دار الكتب المصرية ص 54-55 تاريخ 15/6 و19/6-1896م"، في الأولى: نصرف عشرين مليون ليرة ذهبية تركية لنصلح الأوضاع المالية في تركيا ندفع من هذا المبلغ مليونين بدل فلسطين وذلك في كتاب يوميات هرتزل إعداد أنيس صايغ –سلسلة كتب فلسطينية حول قرار فلسطيني من السلطان وفي الوثيقة الثانية في الكتاب نفسه ما نقله نيولنسكي إلى هرتزل حول رأي السلطان عبدالحميد في بيع فلسطين لليهود. قال لي السلطان إذا كان هرتزل صديقك فانصحه أنني لا أستطيع أن ابيع ولو قدما واحدة من فلسطين لأنها ليست لي بل هي ملك شعبي غذوها بدمائهم وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا، إن الامبراطورية التركية ليست لي فليحتفظ اليهود بملايينهم وإذا قسمت الامبراطورية فقد يحصل اليهود عليها دون مقابل ولكن لن تقسم إلا على جثثنا، ولن أقبل بتشريحنا لأي غرض كان! ثم أذكر الدكتور فيصل بأن مسلسل سقوط الخلافة الذي عرض على قناة قطر الفضائية في رمضان الماضي قد جاء فيه المشهد الذي يصور اليهود وهم يطلبون من السلطان بيع فلسطين وكيف رفض والفيلم قد مر على اللجنة الرقابية التاريخية وأخذ فيه رأي محققي العلماء!

فلماذا إذا أردنا شيئا تدخلنا وإذا أردنا أن نغض الطرف سكتنا أو طنشنا ربما يقول الدكتور إنه رد على الموسوي لعنة يزيد واعتبره طائفيا ولكن بعد أن نال من معاوية الذي لم يتدخل بنعته طاغية! أقول: إننا سنلقي الضوء على معاوية ويزيد في الحلقة القادمة ناصحين هذا البرنامج أن يقف عند حده في استضافة المشاركين والتنبه إلى التوازن بدل التناقض والتجاوز مذكرين بالفتنة التي مضت بتحويل حرية الفكر إلى حرية الكفر من قبل المدعوة وفاء سلطان.. فهل من مجيب؟.

المصدر: http://www.yaqen.net/Portal/news.php?action=view&id=12627

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك