الصفح والتسامح بين الناس

الصفح والتسامح بين الناس

أ. د. عبدالله بن محمد الطيار

يجب على المسلمين عامة، والعلماء والدُّعاة والمصلحين منهم خاصة - أن يُسْدوا النصح لبعضهم بالطريقة الشرعية المقبولة، وذلك خير للمجتمع وأصلح لشؤونه، فبذلك تتبدد الظلمة وتزول الفرقة، ويخرج المنافقون من المجتمع، وتجتمع كلمة المسلمين على الحق؛ قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ما رأيت رجلاً أوليته معروفًا إلا أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلاً أوليته سوءًا إلا أظلم ما بيني وبينه".
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "لا يحل لامرئ مسلم يسمع كلمة من أخيه المسلم أو عن أخيه المسلم - أن يظنَّ بها سوءًا وهو يجد لها في الخير محملاً".
ما دامت الكلمة تحمل طوايا الخير في ثناياها، فلماذا نسيء بصاحبها الظنَّ، ونحملها على غير ما ينبغي، وفرق بين مَن يفعل ذلك بقصد سوء النية، وحب أَذِيَّة الخلق، وبين من يبين العيب للآخرين بهدف النصيحة، وعدم الاغترار بالشخص؛ كما فعل سلف الأمة في باب الجرح والتعديل.
هناك فرق بين مَن يبذر الإساءات في طريق المسلمين ليسيء بها إليهم؛ لأنه لم يعرف إلا السخط والضيق، وبين من ينصح للمسلمين ببيان عيوب فلان وفلان، لا على سبيل التنقص والازدراء، وإنما لكشف الحال وبيان المقام، لا حبًّا في الظهور، ولا رغبة في الانتقام ولا تشفِّيًا، وإنما نُصْحًا لله ولرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم – وللمؤمنين.

هناك رؤية قاصرة تنظر بنصف عين فقط، وفي ضوء هذه الرؤية القاصرة تنساق النفس إلى الجدل واللجاجة، فتقع في المحظور الشرعي الذي تجنبه العلماء، وجعلوا بينهم وبينه سدًّا حاجزًا، وبونًا بعيدًا.
وهذا هو الحسن البصري وقد قيل له: نجادلك، فقال: لستُ في شكٍّ من ديني، وكان الإمام أحمد - رحمه الله - لا يعدل بالسلامة شيئًا، فليكن شعارنا التسامح والعفو والصفح، ومحبة الآخرين وعدم الخوض فيما لا ينفع؛ لننال رضوان الله، ونكون من السائرين على درب الصالحين، فلا يُسوَّغ لمسلم أن يتَّهم مسلمًا دون دليل، أو أن ينقل عن أحد دون تثبُّت، أو أن يحمل الكلام غير ما يحتمل، أو أن نحكم على الآخرين دون وقوف على أفعالهم أو سماع لأقوالهم، أو اطلاع على كتاباتهم.

إن الله - جل وعلا - يحاسب الناس على أعمالهم؛ خيرها وشرها، فمن ثقل خيره، فله الثواب، ومن ثقل شره، فعليه العقاب، ولكنَّ بعض الناس لا يرى إلا الخطأ، ولا يتعامل إلا به دون نصيحة أو توجيه.
إننا بحاجة أن نلجم ألسنتنا، فلا نخوض فيما لا فائدة فيه؛ لأن كل كلمة تصدر منَّا سنحاسب عليها، وخيرٌ لنا الأدب مع الآخرين ورعاية حقوقهم، ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة بين الأنام، وإن كانوا ذوي رحم؛ لقد شبَّه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - المؤمن في تعاونه مع أخيه بالبنيان، فقال: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا))، والبنيان لا يزال متماسكًا رفيعًا منيعًا ما دامت أجزاؤه سليمة من العطب، أما إذا دبَّ إليها الفساد، ونخرت في أعوادها الأكلة، فإنه لا يلبث أن ينهار، ثم يصبح عُرضة للرياح،
والبناء القوي الشامخ هو الذي يصمد أمام الرياح العاتية، وتتحطم عليه ضربات الخصوم.
عجيب أمر فئة من الناس إذا أحبوا شخصًا أسرفوا في مدحه، وبالغوا في رفع شأنه، وتناسوا عثراته، بل لا يسمحون للآخرين بذكرها، حتى ولو كانت مثل الجبال، بل ولو كانت تمسُّ المعتقد، وهم يسيرون على قاعدة عين الرضا على حد قول القائل:
وإذا قلت لهم: إن هذه أخطاء يجب أن نبيِّنها للناس؛ لئلا ينخدعوا، قالوا: هذه الأخطاء لا تساوي شيئًا في ميزان حسنات هذا الشخص.
سبحان الله! وهل أصبح منهج الموازنة هو كل شيء، إذًا لماذا أفرد السلف كُتبًا تبلغ عشرات المجلدات؛ لنقد الرجال والحكم عليهم؟! أليس ذلك من الدين؟! أليسوا يتقربون بذلك إلى الله؟! أم أن المعاصرين لنا أرفع قدرًا من أولئك؟!
حقًّا لقد اختلت الموازين عند كثير من الناس وغاب الوعي الشرعي عنهم؛ بسبب قشور الثقافة وسطحية التفكير، والولاء للمناهج والأشخاص.
إن الذي نرفضه ونرده هو أذية الآخرين، والتقوُّل عليهم، وتحميل كلامهم ما لا يُحْتَمل.
أما بيان العيوب ونقد الآخرين بما فيهم، وبيان عيوب المناهج والأشخاص، فهذا من الدين الذي يُؤْجَر المسلم عليه - إن شاء الله - ما دام لا يهدف من وراء ذلك أذية أو انتقامًا أو تشفِّيًا، وهذا ما كان عليه حال سلف الأمة، رزقنا الله حُسن اتباعهم، ووفَّقنا لسلوك طريقهم، وكفانا الله شرَّ أنفسنا والشيطان.
وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/9389/#ixzz1fy3tBDhT

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك