السلام في المشروع الصهيوني

السلام في المشروع الصهيوني

( مصر نموذجاً )

زبير سلطان قدوري

المقدمة:

 السلام غاية وهدف وحاجة إنسانية، تسعى كل شعوب الأرض للوصول إليه، بغية تحقيق الاستقرار والازدهار، والعيش بأمان في محيطها الاجتماعي والجغرافي. إلا أن هذا الهدف السامي بقي بعيد المنال، منذ عرف الإنسان أول تشكيلاته الاجتماعية الاستغلالية، والتي اتسمت بالعدوان والبغي والاستغلال والطمع وغيرها، واغتصاب ما يملك الآخرون من أرض وثروة ووطن، وفرض الثقافة والدين والأيديولوجيا، التي تؤمن بها مجموعة بشرية على مجموعة بشرية أخرى، والسعي لاستعباد الآخرين، وتسخيرهم وفقاً لرغبات القوي وجشعه، واستهداف الرفاهية والسعادة على حساب الشعوب أو الأفراد المضطهدين.

أنتج الطغيان والظلم والعدوان حروباً ودماراً ومآسي واقتلاع شعوب من أراضيها لصالح الغازي والمعتدي، وتعرضت البشرية في القرن الماضي لحربين عالميتين راح ضحيتها عشرات الملايين من الجنود والناس الأبرياء، وذاقت الشعوب كافة مرارة ومآسي الحربين وكوارثهما. واستعمرت أراض، واغتصبت أخرى من أيدي أصحابها، وشردت شعوب من بيوتها وموطنها؛ لتجوب العالم بحثاً عن ملجأ أو مأوى بعيداً عن وطنها. وعقدت اتفاقيات في الخفاء بين الدول العظمى، استهدفت تقسيم الأمم والدول بين الغزاة، فأنتجت هذه الاتفاقات مآسياً وآلاماً، لا تزال كثير من الشعوب تعاني منها إلى يومنا هذا.

وشكلت القوى الكبرى التي خاضت الحرب العالمية الأولى بعد انتهاء الحرب عصبة الأمم، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية منظمة الأمم المتحدة. لخلق مؤسسة دولية قانونية، تسعى لإقامة سلام يعم الأرض، وتمنع أسباب الحرب، وإطفاء نارها، قبل أن تصبح سعيراً، تحرق الأرض والبشر.

إلا أن الحروب المدمرة استمرت بصور مختلفة، تروع البشر، وينتج عنها الويلات والدمار والفقر والمآسي. لتبرهن الدول العظمى للعالم أن المنظمة الدولية وقراراتها، هي غير ما حلمت به الشعوب، فإنها لا تستطيع أن تقيم سلاماً، يخيم على البشرية، ويبني لها مستقبلاً مزدهراً، تنتفي فيه الأمراض والأوبئة والفقر والجوع، وتعمل على تنمية بشرية عالمية، توفر الحد الأدنى من ضرورات الحياة للإنسان على المعمورة.

الغرب يزرع الكيان الصهيوني

أقدم الغرب الاستعماري في بداية القرن العشرين على أبشع الجرائم الإنسانية عبر مراحل التاريخ البشري الحديث، وتمت الجريمة بحق الأمة العربية عامة والشعب العربي الفلسطيني خاصة. حيث وضع مصالحه الاستغلالية والاستعمارية فوق كل القيم والمبادئ والشرائع والقوانين السماوية والأرضية، وهو الذي يُمطر العالم يومياً بكافة وسائل الإعلام والمحافل الدولية بملايين الكلمات عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومحاربة الإرهاب، حين قام باقتلاع شعب من أرضه عاش عليها آلاف السنين، وإحلال أقوام غرباء عن الأرض، تم جلبهم من شتى بقاع العالم، ليحلوا بدلاً عنهم دون النظر لهذا الشعب العظيم، وما قدم للإنسانية، أعظم الشرائع السماوية، وخلف تراثاً تاريخياً خالداً، لا تزال مكتبات العالم تزدهر به.

ومن المأساة إن الهدف من هذا الاقتلاع الإجرامي؛ هو إنجاز المشروع الصهيوني العنصري، الذي استندت مرتكزاته على أوهام وخيالات دينية مؤسسة على عنصرية حاقدة، فهي تعتبر أتباعها من أعلى الأجناس البشرية، متذرعة بدعاية كاذبة صدقتها عقولهم، وأقرتها قلوبهم؛ بأنهم شعب الله المختار. فزوروا التاريخ، وغيروا حقائقه، ونسجوا أساطير؛ لتنسجم مع أكاذيبهم، ولتتفق مع تعاليمهم، ترضي صلفهم، وحقدهم على كل شعوب الأرض، من خلال نظرتهم الدونية لهم، وشعورهم بالاستعلاء والتميز عن البشر جميعاً.

انسجمت تركيبة التكوين العقلي والنفسي من استعلاء وغرور للصهيوني مع الغربي الأبيض، الذي يرى في نفسه التفوق على بقية أبناء البشر من أبناء المعمورة، ويشعر من حقه اغتصاب ثروتهم، واستخدام أرضهم ليقيم فيها ما يشاء، دون أي اعتبار لأصحابها، بل عليهم الرضوخ والطاعة، وحتى وإن كانت نهايتهم، فهو لا يهتم بهم، فمن حقه أن يفعل ما يريد، حتى وإن اتخذهم فئراناً في مختبراته.

ومنذ ما يزيد على مئة عام والأمة العربية والشعب الفلسطيني يعيش مأساة ما زرع الغرب، وما زال يرعي هذا الكيان أشد مما يرعى حتى رعاياه. ولا يقيم أي وزن لما تخلفه هذه السياسة من جرائم ونكبات شعوب المنطقة، بل سخر كل ما لديه من وسائل الدمار من الأسلحة التقليدية، وحتى الذرية وأسلحة التدمير الشامل إلا وحقن بها هذا الكيان، الذي غدا مصدر رعب ومركز تهديد مستمر لشعوب المنطقة والعالم، وبؤرة توتر عالمي يهدد بانفجار حرب لا حدود لنيرانها، ومرضاً سرطانياً فتاكاً للدول العربية، لتخريب كل خططها التنموية الشمولية، الهادفة إلى إخراجها من واقع المتخلف إلى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة.

وتحول تسلح الكيان الصهيوني إلى مبدد لثروات الأمة العربية، فبدلاً من أن تخصص الثروات والناتج القومي لرفاهية الشعوب، ترصد لشراء الأسلحة، وبشكل مستمر، من أجل الدفاع عن الأراضي العربية المهددة من قبل الكيان بالاغتصاب والاستيلاء، وطرد ساكنيها من بيوتهم ومزارعهم وأماكن عملهم.

ولم يكتف الغرب الأوربي والأمريكي بتقديم السلاح للكيان الصهيوني فقط، بل المال الوفير عبر المساعدات الضخمة والقروض وكلها من جيوب دافعي الضرائب. حتى غدا دخل الفرد الصهيوني في الكيان من أعلى معدلات الدخل في العالم.

وسخر الغرب آلته الإعلامية لتغيير الحقائق، وتحويل الأكاذيب إلى حقائق، والأساطير إلى براهين علمية تاريخية، وأن يتحول القاتل إلى ضحية، والمناضل الذي يسعى لإعادة أرضه وكرامته إلى إرهابي متوحش. ويحلل الدم العربي، حتى لم تعد له أية قيمة إنسانية ولا قانونية، في حين يغدو الدم الصهيوني المعتدي إلى درجة التحريم المقدس.

وهكذا أقدم الغرب على ارتكاب هذه الجريمة الإنسانية، ولم يتوقف يوماً عن الاستمرار بالمشاركة بها، أو أن يراجع ذاته عما قام به بحق أبرياء، لم يقدموا يوماً على خطأ أضر بشعوبهم وأرضهم، بل بقي الراعي والحامي والأب لهذا الكيان السرطاني، الذي بات ينثر وباءه في جسد العالم كله.

وما السلام الذي يطرحه الكيان الصهيوني إلا جزء من مشروعه المرعب والمدمر للشعوب ولأرضهم ولحقوقهم، فهو مبني على تدمير المشروع النهضوي العربي، وإلغاء الوجود القومي والتاريخي للأمة العربية. ظاهر مشروعه سلام، وباطنه الموت بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات ومعان.

وهذا الكتاب يسلط الضوء على سلام الموت، الذي تطرحه الحركة الصهيونية من خلال كيانها في فلسطين المحتلة. ويضع الكتاب صوراً عن هذا السلام، من خلال التجربة السلموية بين الكيان ومصر العربية. لعلنا نكون قد ساهمنا من خلاله في تبيان الحقيقة عن زيف هذا السلام.

زبير سلطان قدوري

 

الفصل الأول:
الغــرب والصهيونــية

 التقى المشروعان الغربي والصهيوني لتوافق مصالحهما الاقتصادية والسياسية ضد المشروع القومي العربي، الذي نشأ منذ منتصف القرن التاسع عشر لتحقيق نهوض عربي، يسعى لتحقيق الاستقلال والوحدة والرقي الحضاري، وهذه الأهداف للمشروع القومي أدت إلى أن يتصادم مع المشروعين الغربي الاستعماري والصهيوني الاستيطاني، بسبب التباين والتغاير بينه وبين المشروعين الآخرين. وكان التصادم شمولياً عسكرياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، وخلق صراعاً لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا، وكان الصراع غير متوازن حتماً لاختلال القوة بين الطرفين.

حيث تحالف المشروعان الغربي والصهيوني تحالفاً شيطانياً ضد العرب ومشروعهم النهضوي، وكانت كفة الغلبة لهما حتماً، لما يملكان من أسباب القوة بمختلف أنواعها وأشكالها، والتي لا تقاس حتماً، بما يملك المشروع العربي من قدرات ذاتية، ودعم خارجي ضعيف.

وجاء هذا التحالف في الوقت الذي كان المشروع القومي العربي النهضوي، يبحث في لملمة القدرات القطرية الذاتية المتناحرة، ويسعى لإيجاد حلفاء له في العالم، من المتضررين من استغلال وهيمنة الاستعمار الغربي، ليشكل معهم قوة ردع ودفاع، لما يبيت الغرب من مصائب ونكبات له ولحلفائه في العالم.

وتلاقي المشروع الغربي الاستعماري مع المشروع الصهيوني، المبني على مجموعة من المرتكزات والمصالح، منها مخططات استعمارية رسمت في بداية القرن العشرين، لنهب الثروات العربية والهيمنة الجيوسياسية على أهم مناطق المواصلات التجارية في العالم. إضافة إلى عوامل ثقافية روحية ومادية تاريخية، فقد كونت الثقافة الغربية المسيحية في عقل الإنسان الغربي، تصورات خيالية تحولت بمرور الزمن إلى حقائق في مكوناته الفكرية والعقائدية، حيث تؤمن كنائس ومدارس مسيحية بما تضمنه العهد القديم (التوراة) بما يطلق عليه أرض الميعاد، وحسب هذه العقيدة يؤمن قسم كبير من اتباع هذه الكنائس بحلم اليهود بالعودة إلى فلسطين. وإنها حق شرعي منحهم إياها الله عز وجل كما ورد في العهد القديم.

إضافة إلى الجانب الروحي، ساهم في ذلك الموروث التاريخي لدى الغرب، والذي نتج عن الصراع العربي الغربي في القرون الوسطى، وانتهى بهزيمة الغزو الصليبي على فلسطين. فقد ترك هذا الصراع آثاره على الثقافات الغربية، التي بنت إحدى مكوناتها على الحقد على العرب والمسلمين. كما رسمت صوراً مشوهة للعرب والمسلمين في الثقافة الغربية نتيجة لهذا الصراع. ولا تزال هذه الصور إلى اليوم موجودة في عقول وثقافة القسم الأعظم من الغربيين في أوروبا وأمريكا.

وهذا المعتقد الثقافي الخاطئ نراه يتجسد بعد مرور خمسمائة عام على انتهاء الحروب الصليبية، في إعلان نابليون بونابرت في 4 نيسان 1799، أثناء غزوه لفلسطين، بعد أن احتل مصر يقول فيه: (إن العناية الإلهية التي أرسلتني على رأس هذا الجيش إلى هنا، قد جعلت رائدي العدل وكفلتني بالظفر، وجعلت من القدس مقري العام، وهي التي ستجعله بعد قليل في دمشق التي يضيرها جوارها بلد داود.).

ثم يوجه نداءً بعد ذلك يحمل في مضمونه الحقد والكراهية للعرب، وتبنيه للأساطير اليهودية. كما إن مشروع امبراطوريته الاستعمارية، يظهر أنه كان بحاجة ماسة إلى دعم ومساندة قوة غريبة عن المنطقة والسكان الأصليين، لتنفيذه وتوفير أسباب النجاح له. (كما تم بعد ذلك في النصف الأول من القرن العشرين من قبل بريطانيا).

فما أن وصل نابليون إلى أرض فلسطين حتى وجه نداءً لليهود في العالم قال فيه:

(يا ورثة فلسطين الشرعيين:

إن الأمة العظيمة التي تنجز بالرجال كما فعل أولئك الذين باعوا أجدادكم للشعوب، تناديكم الآن للعمل على إعادة احتلال وطنكم فحسب، وليس بغية استرجاع ما فقد منكم، بل لأجل ضمان مؤازرة هذه الأمة، لتحفظوها مصونة من جميع الطامعين بكم، لكي تصبحوا أسياد بلادكم الحقيقيين.

انهضوا وبرهنوا على أن القوة الساحقة، التي كانت لأولئك الذين اضطهدوكم، لم تفعل شيئاً بسبيل تبسيط همة أبناء هؤلاء الأبطال، الذين كانت محالفة إخوانهم تشرف إسبارطة وروما)(1).

وفي نداء نابليون بونابرت صورة واضحة بدعوة اليهود لاستعمار فلسطين، تحت شعارات تاريخية زائفة مزورة، يسعى لأن يتخذهم كأداة لتنفيذ مشروع امبراطوريته الاستعمارية في الوسط العربي، الذي قاوم مشروعه واحتلاله لبلادهم، بعد أن احتل مصر، وتخيل أن يقيم امبراطوريته على مصر وبلاد الشام، يمكنها أن تسيطر على طريق التجارة الدولية بين أوروبا وآسيا، وخاصة أن طريق التجارة بين الهند وأوروبا، كان يمر في المنطقة العربية.

ولكن هذا المشروع سقط بسبب رفض الدول الأوروبية لـه، خاصة بريطانيا التي شنت عليه وعلى مشروعه حرباً ضروساً، من أجل حماية مصالحها التجارية، وسيطرتها الاستعمارية على الهند. فإن مشروع نابليون يدمر ازدهار تجارتها وخاصة التوابل آنذاك. وكانت نتيجة الحرب هزيمة نابليون ومشروعه، الذي رجع متخفياً إلى فرنسا، وبعد سنين عاد جيشه مهزوماً وعلى سفن أعدائه. وهكذا سقط استخدام نابليون لليهود خدمة لمشاريعه الاستعمارية.

وليس غريباً أن نرى أن مؤسس المشروع الصهيوني تيدور هيرتزل
(1860-1904)، يسوق ذات المشروع بصورة جديدة، حين حدد مهمة الكيان، الذي سيقيمه المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، بما يقدمه من خدمات لصالح المشروع الغربي الامبريالي في المنطقة العربية. وهذا ما جاء في كتابه "الدولة اليهودية": (أشعر.. بأنه لمما يفيد قضيتنا، أن يضطر الانكليز إلى مغادرة مصر. فإنهم سيضطرون آنذاك أن يبحثوا عن طريق آخر إلى الهند بدل قناة السويس، التي ستضيع منهم، أو على الأقل تصبح غير مأمونة. آنذاك تصبح فلسطين اليهودية الحديثة- مناسبة لهم- الطريق من يافا إلى الخليج الفارسي).(2)

هكذا بين مؤسس المشروع الصهيوني وظيفة كيان المشروع، بأنه سيكون مخفراً عسكرياً لحماية مصالح الغرب الاستعمارية في الوطن العربي كمهمة أولى له. ومن ثم العمل على منع إقامة وحدة عربية، تضم شطري الأمة الآسيوي والأفريقي كمهمة ثانية. خدمة لمصالح المشروعين الغربي والصهيوني.

 

وكان هيرتزل يبحث مع أي دولة أوروبية ذات مشروع استعماري في وضع المشروع الصهيوني في خدمتها، وهذا ما يبينه التاريخ، حين قدم عرضاً للقيصر الألماني وليم الثاني، بوضع مشروع الحركة الصهيونية في خدمة الأهداف الاستعمارية الألمانية، معتبراً الدولة الصهيونية الأداة التي تعبر عليها مصالح ألمانيا، حسب قوله: (إقامة دولة نموذجية تكون بمثابة جسر بين الشرق والغرب، ونقطة الانطلاق للمجهود الغربي العظيم في آسيا.)(3).

واقترح هيرتزل على الامبراطور الألماني بأن تكون الدولة الصهيونية المقترحة في حماية ألمانيا، في إشارة بأن تكون حارساً للمصالح الألمانية:
(.. إننا في حاجة إلى حام يصون هذه الدولة اليهودية في فلسطين، ونحن نرحب بالحماية الألمانية أكثر من أي حماية أخرى)(4).

وحين زار الامبراطور وليم الثاني فلسطين في عام 1897، التقى به هيرتزل، وطرح عليه مرة ثانية، أن تكون دولته الصهيونية راس جسر بين آسيا والعالم الغربي، وأن يعبر الاستعمار الغربي إلى الشرق، من خلال الطريق الذي توجده بين البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي.(5)

وإن كانت ألمانيا في ذلك الوقت، لم يتسنَّ لها الوقت؛ بأن تنجز المشروع الصهيوني خدمة لمصالحها الاستعمارية، بسبب انفجار الصراع الاستعماري مع بريطانيا وفرنسا، والذي تحول إلى حرب عالمية. لكن بعد الحرب تبنت الجهة الأخرى عملية إنجاز المشروع الصهيوني.

وبعد أن فشل قادة المشروع الصهيوني في إقناع ألمانيا بتبني مشروعهم، التقى هيرتزل بوزير المستعمرات البريطاني شامبرلين، وعرض عليه مشروع دولته، لتكون في حماية بريطانيا، وستكون في خدمة مصالحها الاستعمارية. وقال له هيرتزل: (حينما يجيء الوقت الذي نعيش فيه تحت ظل العلم البريطاني في العريش، فمن المؤكد أن فلسطين ستقع بدورها في فلك النفوذ البريطاني)(6).

إلا أن بريطانيا في بداية القرن الماضي؛ لم تحسم بعد من هو الحليف لها في المنطقة العربية، الذي يمكن أن ترتكز عليه في تنفيذ مشروعها الاستعماري. لهذا لم يجد هيرتزل آنذاك أذاناً صاغية عند شامبرلين، فبدأ يبحث عن حليف آخر.

وفي عام 1903 عرض هيرتزل مشروعه على وزير داخلية روسيا (بليهف)، على الرغم من معرفة هيرتزل بكرهه لليهود، إلا أنه قدم له مشروعه الصهيوني، وطلب منه التوسط لدى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني؛ للسماح بإقامة كيان يهودي في فلسطين. فوافق بليهف على التوسط، مقابل أن يقوم هيرتزل بإسكات الحملة اليهودية العالمية في الغرب، التي شنت على روسيا، بعد قيام الحملات المعادية لليهود في كيشنيف.

وفعلاً دعا هيرتزل في المؤتمر الصهيوني إلى وقف الحملات اليهودية ضد روسيا، ولاقى معارضة لهذه الدعوة من المؤتمرين، إلا أن هيرتزل استطاع إقناعهم لما فيه خير للمشروع الصهيوني. وبعد انتهاء المؤتمر أرسل إلى بليهف رسالة، قال فيها: (كانت عملية إدارة شؤون المؤتمر أصعب من أي وقت مضى، فإن جميع المندوبين كانوا في حالة توتر، لم أشهد له مثيلاً من قبل، نتيجة للأحداث المؤلمة التي تعرفونها. وعلى كل، فقد نجحت في الحفاظ على النظام وفي إعادة الهدوء.)(7).

ومرة أخرى خاب أمل هيرتزل، بعد فشل روسيا في إقناع السلطان عبد الحميد الثاني، بالموافقة على إقامة كيان صهيوني في فلسطين، مع العلم إن هيرتزل سبق وأن عرض مشروعه مع مغريات مادية وسياسية على السلطان عبد الحميد الثاني من خلال اجتماعين عقدهما معه في عامي 1901 و1902، بعد انتهاء مؤتمر بال عام 1897 الذي قرر الاتصال بالدولة العثمانية للموافقة على إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين، ولكنه لم يجد عند عبد الحميد إلا الرفض والطرد والتصميم على أن تبقى فلسطين للمسلمين، والجميع يعرف المصير، الذي وصل إليه عبد الحميد على أيدي الماسونيين الأتراك واليهود، ومن أبناء يهود الدونمة المتقمصين لباس الإسلام، وكيف أبعد إلى سالونيك!! التي تعج باليهود، بعد الانقلاب العسكري التركي 1908، الذي قاموا به ضده، وما كان اختيار سالونيك إلا للإذلال والتشفي من قبل الصهاينة.

ومات هيرتزل، دون أن يحقق حلمه بإقامة الكيان الصهيوني، وكان في رأيه والمؤتمر الصهيوني بأن يقام بعد خمس سنوات من انتهاء المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897، وفق برنامج زمني قريب وبعيد وضعه المؤتمر؛ على أن يتحقق الكيان خلال خمس سنوات على المدى القريب، أو خمسين عاماً على المدى البعيد.

ولم يبق أمام الصهاينة إلا العمل على تحقيق الكيان وفق خطة تنفذ خلال خمسين عاماً من انتهاء المؤتمر. ولا يتم تحقيق المشروع الصهيوني كما يدرك قادة الصهاينة؛ إلا بحليف استعماري غربي من الدول الكبرى، له مخططاته المتوافقة والمتطابقة مع المشروع الصهيوني في المنطقة العربية.

وخلال الحرب العالمية الأولى وبعدها وجد الصهاينة في بريطانيا الحليف والحامي والراعي، الذي يمكن أن يحقق الحلم الصهيوني في أرض فلسطين، لما تملك من الإمكانات العسكرية والسياسية والاقتصادية، إضافة إلى مشروعها الاستعماري في المنطقة العربية. ففي عام 1914 كتب حاييم وايزمان إلى أحد الصحفيين المقربين للحكومة البريطانية، يعرض لـه المشروع الصهيوني، والفائدة التي ستجنيها بريطانيا منه، لتحقيق مشروعها الاستعماري في المنطقة العربية، وجاء في رسالة وايزمان: (يمكننا القول عن صواب بأنه إذا سقطت فلسطين في فلك النفوذ البريطاني، وإذا ما شجعت بريطانيا إقامة اليهود هناك، سيصبح لدينا بعد 25 أو 35 سنة مليون يهودي أو أكثر. وسوف يقوم هؤلاء اليهود بتطوير البلاد وإنمائها، وسيعيدون إليها الحضارة كما أنهم سيشكلون خير دفاع فعلي لقناة السويس)(8).

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وظهور المشروع القومي العربي كقوة فاعلة بعد انتصار الثورة العربية، ووصولها إلى إقامة حكومة عربية في دمشق عام 1918، كنواة لتنفيذ المشروع القومي العربي. فكان لهذا الحدث انعكاساته الخطيرة على الغرب الاستعماري خاصة، فالطروحات الاستقلالية التوحيدية للمشروع القومي العربي أرعبته، فقد أشعرته بأن مخططاته ومشاريعه أمست في خطر، لتناقض أهداف المشروعين وتضارب في الاستراتيجيات والوسائل، ما أوجد حالة من الصدام بين المشروعين.

فسعى الغرب بكل ما يملك إلى محاربة المشروع القومي، على الرغم من أن الثورة العربية بمشروعها القومي، كانت حليفاً مخلصاً للحلفاء في الحرب، وكانت عاملاً هاماً في ترجيح كفته بالانتصار في الحرب العالمية الأولى. فأعاقت بريطانيا وفرنسا إتمام إنجاز المملكة العربية بزعامة الشريف حسين، خوفاً من إنجاز مشروعها الوحدوي الاستقلالي، المتعارض بشدة مع المشروع الغربي الاستعماري، ومن المعروف تاريخياً ان رسائل حسين- مكماهون أشارت إلى موافقة بريطانيا وحلفائها على تلك المملكة.

لهذا جرى في الخفاء رسم تدمير المشروع النهضوي العربي من قبل بريطانيا وفرنسا، وحتى في فترة الحرب منع قيام المملكة العربية. عبر ما سمي باتفاقية [سايكس-بيكو].

كما ظهرت أولى إنجازات التحالف الصهيوني الاستعماري الغربي في الحرب أيضاً، عبر التصريح المشؤوم الذي أصدرته الحكومة البريطانية في 2 تشرين الثاني عام 1917 على لسان وزير خارجيتها بلفور، والذي وجه إلى المليونير الصهيوني روتشلد، ونص على موافقة الحكومة البريطانية على قيام الكيان الصهيوني في فلسطين العربية.

مما أدى إلى تحول حاد في التحالفات السابقة في المنطقة، فيسقط التحالف العربي/ البريطاني الفرنسي، الذي ظهر في أوائل الحرب العالمية، كحلف مضاد للتحالف التركي- الألماني، ويظهر بدلاً عنه تحالف جديد، هو التحالف الاستعماري الغربي/ الصهيوني، المعادي للمشروع القومي العربي، والذي استمر إلى يومنا هذا.

فعملت القوى الاستعمارية التي انتصرت في الحرب على إنشاء الكيان الصهيوني، وبتقديم كل ما يمكن من أسباب الحياة له. ليظهر على الوجود ككيان دخيل في المنطقة العربية، مؤسس على الأكاذيب المزورة لكل حقائق التاريخ.

وحتماً إن الغرب يعلم حقاً إن ما يقوم به هو جريمة، من أشد الجرائم الإنسانية بشاعة، تم ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني خاصة والأمة العربية عامة، ويعلم أنه قد ضرب بعرض الحائط كل مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي يتشدق بها عبر وسائل إعلامه، ويدعي في المحافل الدولية بأنه قيم عليها.

وعمل الغرب طيلة قرن كامل على حقن الكيان الصهيوني بكل مستلزمات البقاء والاستمرارية، فقدم له كل مستلزمات القوة سواء أكانت مادية أو معنوية ليصبح كياناً قوياً في المنطقة العربية. بعد أن نفذ أكبر جرائم العصر الحديث باقتلاع شعب من أرضه وتشريده خارج حدود وطنه. وحققت الصهيونية مشروعها السرطاني العنصري، ولتحقق عبر مساندة الغرب أبشع جرائمها، والذي أثبتت الأيام خطورته على السلم الدولي، بخلق حالة توتر دائمة، لم يستفد منها إلا الغرب والحركة الصهيونية.

وعن الصهيونية وحليفها الغربي، يقول الكاتب الروسي دادياني في مقدمة كتابه (الصهيونية على حقيقتها): "إن الصهيونية المعاصرة، إنما هي إيديولوجية التعصب القومي البرجوازي اليهودي، والشوفينية والعرقية، التي ترتكز على الموضوعة اللاعلمية القائلة بوجود "شعب" (أمة) يهودي عالمي خاص، مركزه دولة إسرائيل، وسياسة موالية للامبريالية تعرب عن مصالح الأوساط الاحتكارية في الغرب، وفي المقام الأول الولايات المتحدة الأمريكية.

إن ظهور الصهيونية على المسرح التاريخي يتطابق من حيث الزمن مع تحول الرأسمالية المزاحمة الحرة إلى امبريالية.)(9).

ترعرع الكيان الصهيوني منذ ولادته عام 1948 في أحضان الغرب. متنقلاً من راع إلى آخر. من بريطانيا إلى فرنسا. إلى أن غدا الولد المدلل لدى الولايات المتحدة الأمريكية. فأغدقت عليه الأموال، وأنواع شتى من العتاد العسكري الحديث بما فيها مصانع السلاح، إضافة إلى العقول العلمية والعسكرية والمهنية المتطورة، والتي قدمت من أوروبا وأمريكا. ثم أخيراً تدفقت عليه أعداد كبيرة من الأدمغة العلمية من دول المعسكر الاشتراكي السابق. ومن أجل تسمينه وتقوية عضلاته.

لقد لبى الغرب وأمريكا للكيان الصهيوني، كل ما يشتهي، وما يريد من الأموال والأسلحة على مختلف أنواعها، حتى غدا متخماً بها، بما فيها الأسلحة النووية، ليحقق بعد ذلك تفوقاً نوعياً واستراتيجياً على العرب مجتمعين.

عمل مؤسسو المشروع الصهيوني مع حلفائهم الغربيين، ليكون كيانهم كياناً إسبارطياً عسكرياً، يتعاظم باستمرار، ليحقق الوظيفة التي أشار إليها هيرتزل فيما سبق. فبدأت عمليات تحويله منذ بدايات الحرب العالمية الثانية إلى بؤرة إرهاب ورعب مسلح، يخلق حالة رعب متواصلة ضد العرب، من تنامي القوة الصهيونية ذات المخالب النووية، والتي تمنعهم من مواجهة النهب الأسطوري لثرواتهم، وفي مقدمتها النفط. إضافة إلى منع قوى المشروع القومي العربي من تحقيق أهدافها البعيدة المدى، من خلال خلق صعوبات وتحديات متعددة الأشكال، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية. مع حياكة المؤامرات على أنظمتها، وشن الحروب والاعتداءات المستمرة عليها، لمنع دول المشروع القومي من تحقيق أهداف مشروعها الاجتماعي النهضوي.

ويعمل الغرب والكيان الصهيوني لمنع أدنى هدف لدول المشروع القومي، وهو قيام تضامن عربي لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وليس غريباً أن نرى القوى الاستعمارية الغربية قد وجدت في الكيان الصهيوني خير حاجز بين المشرق العربي ومغربه، فقدمت له كل مقومات النجاح لمنع المشروع القومي العربي الوحدوي، فقد جاء في مذكرة لرئاسة الأركان العامة البريطانية بتاريخ 9 كانون الأول 1918 (.. إن إنشاء دولة يهودية حاجزة في فلسطين أمر مرغوب فيه بالنسبة لبريطانيا العظمى من وجهة النظر الستراتيجية..)(10).

ومن خطط الغرب منع إقامة تنمية شمولية عربية، بسبب النزيف المادي والبشري، وعلى الأخص في الدول المحيطة بالكيان الصهيوني مصر وسورية، ومن خلال استمرار حالات التوتر والصدامات العسكرية بين الكيان وهذه الدول. وحقق الغرب هدفه بإشغال العرب عن القيام بإجراء تحولات اجتماعية وتشريعية وخدمية، قادرة على هدم الفجوة الحضارية بين العرب والدول الغربية الصناعية المتطورة.

 

¾¾

 

(1)-الصهيونية- سلسلة الإعداد الحزبي- مطابع الإدارة السياسية- دمشق- 1973- ص15.

(2)-يوميات هيرتزل- إعداد أنيس الصايغ- ترجمة هلدا شعبان الصايغ- مركز الأبحاث- منظمة التحرير الفلسطينية- بيروت- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- الطبعة الثانية- حزيران 1973- ص62.

(3)-هنري بيزيرا- الصهيونية، أداة استعمار- من كتاب عاجلاً أو آجلاً ستزول إسرائيل- إصدار دار الآداب- مطبعة دار العلم للملايين- بيروت- 1968- ص12.

(4)-المصدر السابق- ص 14.

(5)-المصدر السابق- ص 12.

(6)-المصدر السابق- ص 13.

(7)-المصدر السابق- ص 14.

(8)-المصدر السابق- ص 15.

(9)-دادياني- الصهيونية على حقيقتها- موسكو- دار التقدم- 1989- ص3.

(10)-المصدر السابق- ص5.

 

 

الفصل الثاني:
الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية

  

من يعد إلى عام 1789، يرى تحذيراً من (بنيامين فرانكلين)، أحد واضعي دستور الولايات المتحدة الأمريكية، من تبني أساطير وأكاذيب اليهود في حقهم في فلسطين، التي يطلقون عليها (أرض الميعاد). لأنهم سيستخدمون الولايات المتحدة لتحقيق أغراضهم وأهدافهم التي صنعتها تلك الأساطير، ويحذر من أنهم سيقومون بامتصاص مالها، واستخدام سلاحها، لفرض عدوانها وبغيها. وطالب الأمريكيين بمنع هجرتهم إلى الولايات المتحدة، لما يتسمون به من سلوك، يقوم على الخبث والغدر والاستغلال وقد جاء هذا التحذير في مضبطة سجلها فرانكلين أثناء مناقشة دستور الولايات المتحدة، حيث قال: (إن اليهود أيها السادة.. هم مصدر الخطر الكبير على الولايات المتحدة الأمريكية. ففي كل مكان استقروا فيه عملوا على النيل من مستوى الأخلاقيات السائدة، وأضروا بالثقة والشرف في مجال التجارة. لقد ظل اليهود دائماً غير قادرين على الاندماج في المجتمع الذي يعيشون في كنفه، ولا يتورعون عن الإضرار بغيرهم في إطار المعاملات المالية، ولعل الأضرار التي ألحقوها بكل من البرتغال واسبانيا خير شاهد على سلامة هذا القول.

وقد ظل اليهود لأكثر من 1700 عام يبكون مصيرهم المحزن، الذي يعزونه إلى قولهم بأنهم قد طردوا من أرض الميعاد، ومع ذلك فلو قمنا بإتاحة الفرصة لهم للعودة إلى فلسطين، فإنهم سوف يتلمسون الأعذار، وتفضيل البقاء معنا. لأنهم لا يستطيعون العيش بمفردهم، فمثلهم كمثل "مصاصي الدماء" الذين يعيشون على دماء الآخرين.

ولهذا يتعين علينا إبعادهم من الولايات المتحدة الأمريكية، وإلا فإنهم سيتدفقون إلى بلادنا بأعداد كبيرة تمكنهم من السيطرة علينا، وتغيير شكل حكومتها التي ضحينا نحن الأمريكيين بدمائنا وأموالنا في سبيل إرساء نظامها. وإذا تقاعس جيلنا عن اتخاذ هذا الموقف خلال /200/ عام القادمة، فإن أولادنا سيضطرون للعمل في الحقول لإطعام اليهود، بينما هم جالسون في منازلهم الدافئة مرتاحي البال.

إنني أحذركم أيها السادة من بقاء اليهود بيننا إلى الأبد، حتى لا يلعنكم أولادكم وأحفادكم في قبوركم، فسيظل اليهود على عاداتهم، التي عرفت عنهم، لأن الفهود لا تبدل جلودها. إنهم سينقضون على مؤسساتكم وتقاليدكم، ومن ثم فيجب إبعادهم من بلادنا بحكم الدستور.)(1).

إن هذا التحذير الذي أطلقه بنيامين فرانكلين العالم في الفيزياء ومخترع موانع الصواعق وعالم الفلسفة والقانون والسياسة، لم يؤخذ على محمل الجد، فها هي الولايات المتحدة تسخر إدارتها السياسية والإعلامية والمالية لصالح اليهود وأساطيرهم وأكاذيبهم وأطماعهم، لتتحول هذه الدولة الكبرى بإمكاناتها الكبيرة، أداة قمع وإرهاب للأمة العربية وبقية العالم، وتساند الصهاينة على اغتصاب أراضيهم، وتقوم بتسويق السياسة الصهيونية في العالم كله. حتى غدت أمريكا دولة مكروهة ومرفوضة من معظم شعوب الأرض، ومنها الشعب العربي والشعوب الإسلامية.

حيث سخرت كل قدراتها لحماية وتسليح ودعم الكيان الصهيوني، ليتحول إلى ترسانة مدججة بالسلاح، وثكنة عسكرية يمارس قادتها القتل والتدمير في المنطقة العربية كلها. وتقف إلى جانب الكيان الصهيوني رغم كل الجرائم التي يرتكبها، والتي يرفضها العالم كله، وكم من مرة وقفت الولايات المتحدة وحدها في الجمعية العمومية هي والكيان؟. وكم من مرة استخدمت حق النقض (الفيتو) لمنع إدانة الكيان على جرائمه البشعة.

جذور العلاقة الشيطانية

من يبحث عن جذور العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، والمسببات التي دعت الساسة الأمريكيين إلى أن يديروا ظهورهم عن نصائح فرانكلين، ويتبنوا المشروع الصهيوني، يرَ أن كلا الطرفين وجدا نفسيهما في مشروع شيطاني واحد، يخدم أغراض وأهداف كلٍّ منهما. فالصهاينة كما أشرنا يبحثون عن داعم وحام دولي قوي لتنفيذ مشروعهم، والولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن حارس كياني يخدم مصالحها في المنطقة. وخاصة بعد ظهور النفط بكميات استراتيجية وكبيرة في المنطقة العربية، ومن المعروف أن أمريكا حتى يومنا هذا تعتبر، البترول في العالم عامة يجب أن يخضع لهيمنتها، أما البترول العربي فهو ملكية شخصية لها. فالعرب كما يقول سيمسون وزير المال الأمريكي الأسبق (العرب يرقدون على النفط فقط).

منذ عام 1917 بدأ الغرام الصهيوني الأمريكي الشيطاني المضاد للعرب، ومنذ ذلك العام بدأت الحكومة الأمريكية تمول الهجرة الصهيونية إلى فلسطين. وتشير عدة دراسات تاريخية حديثة إلى الضغوط التي مارسها الرئيس الأمريكي آنذاك على الحكومة البريطانية، لتحقيق الحلم الصهيوني بإقامة كيان صهيوني على أرض فلسطين، وتشير تلك الدراسات إلى الدور الأمريكي الرئيس في إنجاز وعد بلفور المشؤوم في نفس العام 1917 نفسه .

حيث استطاعت القوى الصهيونية بزعامة حاييم وايزمن، الذي تزعم الحركة بعد وفاة هيرتزل، أن يجد له مدخلاً إلى الرئاسة الأمريكية، من خلال القاضي اليهودي (لويس براندايس) في المحكمة العليا الأمريكية، وهو من نشطاء الحركة الصهيونية في أمريكا، وذلك باستغلال صداقته للرئيس الأمريكي وودرو ويلسون. فاستطاع براندايس أن يقنع الرئيس ويلسن باستخدام نفوذه لدى الحكومة البريطانية، لتقدم وعداً قاطعاً بإقامة كيان صهيوني في فلسطين. وظهرت بوادر المؤامرة الشيطانية في نيسان 1917، بوعد للصهاينة من خلال بيان بريطاني صدر في ذلك التاريخ، فكان للبيان البريطاني هدفان، الأول مكافأة الولايات المتحدة لدخولها الحرب معها ضد ألمانيا، بعد أن أغرقت الغواصات الألمانية في آذار 1917 سفناً تجارية أمريكية، والثاني لليهود الذين كان لهم الدور الفاعل في إقحام الولايات المتحدة في الحرب إلى جانب بريطانيا.

فكان البيان البريطاني الذي وجه من أجل أهداف الحرب في الشرق الأدنى، يتوجه بمجمله لليهود في الولايات المتحدة، تضمن البيان تملقاً واضحاً لهم، حين اعتبر فلسطين وطناً قومياً يهودياً، وبالسماح لليهود بالهجرة إليها، بغض النظر عن حقوق الشعب العربي الفلسطيني، الذي يقطن الأرض من آلاف السنين، مع وعد بحكم ذاتي إداري لهم. والغريب أن بريطانيا في ذلك الوقت تمنح أراضٍ لم تكن من أراضياً أو مستعمراتها.

واستطاعت الحركة الصهيونية في بريطانيا بقيادة وايزمن، وبمؤثرات براندايس على ولسن في الولايات المتحدة، أن تتم إعداد مسودة وعد بلفور، ويتم إعلانها بعد أن تمت موافقة الرئيس ولسن عليها.(2) ويظهر أن الجانب الخفي لإعطاء وعد بلفور للصهاينة، كونه مكافأة من بريطانيا للحركة الصهيونية، التي عملت على إدخال الولايات المتحدة إلى جانبها في الحرب العالمية الثانية، لقلب المعادلة العسكرية أثناء الحرب لصالحها. وكان الهدف الثاني من الوعد دفع اليهود عامة والصهاينة خاصة، لزج قدراتهم المالية والسياسية ونفوذهم في أمريكا لصالحهم عبر هذا الوعد المشؤوم.

وفي بداية الحرب العالمية الثانية شعرت القوى الصهيونية بضرورة التحول المركزي عن بريطانيا إلى الولايات المتحدة، لتكون الحاضن والراعي والمتبني للمشروع الصهيوني، نتيجة التحولات في موازين القوى الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، فقد تركت الحرب آثاراً سلبية على بريطانيا، إذ خلفت وراءها أعباء مالية وعسكرية واقتصادية، كان من نتيجتها أن تصبح بريطانيا دولة درجة ثانية، تنتظر هي وفرنسا ودول أوروبية مساعدة الولايات المتحدة لإنقاذ الاقتصاد الأوروبي المنهار بعد الحرب، والكل يعرف ما كان لمشروع مارشال الأمريكي من دور في منع سقوط بريطانيا وفرنسا في أحضان الشيوعية.

وبعد الحرب برزت الولايات المتحدة كقوة عظمى في العالم، لهذا بدأت الحركة الصهيونية بالتسارع في فك الارتباط مع بريطانيا كحاضن للمشروع الصهيوني، والانتقال إلى الولايات المتحدة، وتركيز العمل الصهيوني بكل أبعاده فيها. وعبر ديفيد بن غوريون أبرز المؤسسين للكيان الصهيوني في فلسطين عن هذا التحول في عام 1940 بقوله: (أما أنا فلم أكن أشك في أن مركز الثقل بالنسبة لعملنا السياسي، كان قد انتقل من بريطانيا إلى الولايات المتحدة، التي كانت احتلت المرتبة الأولى في العالم كدولة كبرى).(3)

في شهر شباط عام 1940 دعا الرئيس الأمريكي روزفلت زعيم الحركة الصهيونية حاييم وايزمن لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية لمقابلته، ومناقشة مواضيع العلاقة بين الطرفين، ومن المعروف أن وايزمن كان من أنصار إبقاء التحالف الصهيوني البريطاني، ولبى وايزمن الدعوة، والتقى بالرئيس والقيادات الأمريكية. ثم قام بزيارة أخرى في عام 1942، وبقي فيها عدة أشهر، ليتعرف على ميزان القوى الدولي، الذي اختل أثناء الحرب لصالح الولايات المتحدة. ويذكر في كتابه (مولد إسرائيل) أنه قابل الرئيس الأمريكي آنذاك روزفلت، والذي قال عنه: (كان موقف الرئيس روزفلت إيجابياً للغاية. كان بالطبع ملماً بالمسألة العربية إلماماً تاماً، إلا أنه ركز كلامه على ابن سعود، الذي اعتقد أنه متعصب، وأنه ليس من السهل التفاهم معه.. ومن ناحية أخرى، عبر السيد ويلز/ الذي حضر المقابلة/ عن اعتقاده بأن أمريكا على استعداد للإسهام في إقامة الوطن القومي اليهودي، إسهاماً مالياً)(4).

ويظهر أن حاييم وايزمن كان يراهن حتى بعد عودته من الولايات المتحدة على الحصان البريطاني، الذي خرج منهوك القوى بعد الحرب العالمية الثانية، مما أغضب العديد من القادة الصهاينة المناصرين للتحول الأمريكي، ورأت ضرورة إزاحته عن قيادة الحركة الصهيونية. وفعلاً تمت إزاحته في المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرين في عام 1947، بعد تضافر القوى الصهيونية الأمريكية في المؤتمر، وحل بدلاً عنه ديفيد بن غوريون، الذي دعا مبكراً إلى التوجه إلى أمريكا.

علماً أن أمريكا بدأت تساند الهجرة الصهيونية علناً أثناء الحرب العالمية الثانية وذلك عام 1943، ومارست الضغط على بريطانيا بفتح أبواب فلسطين أمامها. ففي حين لم توافق الحكومة البريطانية عام 1945، على السماح إلا لـ 1500 يهودي بالهجرة، دعا الرئيس الأمريكي ترومان إلى السماح بهجرة مئة ألف يهودي، كما يقول بن غوريون في كتابه "سنوات من الكفاح". وكان للضغط الأمريكي دوره الفاعل في دفع بريطانيا لإحالة القضية الفلسطينية عام 1947 إلى الأمم المتحدة، حيث اجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأقرت قيام الكيان الصهيوني، من خلال ممارسة الضغوط القوية الأمريكية، فتمت ولادة الكيان الدموية القاهرية للشعب العربي عامة، وللشعب الفلسطيني خاصة الذي أقتلع من أرضه وشرد ودمر.

ولعب عامل آخر غير العامل الاقتصادي والسياسي والعسكري في الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني، والرعاية التي لا حدود لها، وهو ثقافة ذات موروث تاريخي وروحي لدى الشعب الأمريكي، وتتطور تلك الثقافة، وتتعزز باستمرارية النشاط السياسي والإعلامي للمؤسسات الصهيونية والمراكز الدينية اليهودية داخل الولايات المتحدة، ويرتكز الموروث الثقافي على أساس:
(.. يعتبر إسرائيل المعاصرة المجسدة لدولة اليهود المنشودة هي إسرائيل التوراة.)(5).

ولهذا لا نستغرب أن يشعر الأمريكي أن ما يقدمه للكيان الصهيوني من مساعدات على مختلف أشكالها، يصب في باب إرضاء الله، وتحقيق لما
ورد في الكتاب المقدس العهد القديم، وتعويض لليهود لما أصابهم من مآسٍ وآلام، دون النظر طبعاً إلى المآسي والآلام والتشريد واقتلاع الناس من بيوتهم ومزارعهم وأوطانهم، بدون ذنب ارتكبوه لا بحق اليهود ولا الأمريكيين، فمن أجل إنهاء شقاء واحد إن كان هناك شقاء بالأساس، يتم شقاء شعب وأمة بكاملها.

إضافة إلى ما تقدم، لا بد أن نعرف إن جذر النشوء الواحد لكل من أمريكا والكيان الصهيوني، له أيضاً عامل في تكوين العلاقة الشيطانية بينهما، فكلاهما أقيما على حساب الشعوب الأصلية وأرضها وتاريخها الوطني. فأمريكا أقيمت على حساب الشعب الهندي الأحمر، الذي تعرض لأبشع حالة إبادة وسحق وقتل في التاريخ المعاصر، وكذلك إسرائيل التي أنشئت على حساب الشعب العربي الفلسطيني وأرضه. لهذا يرى الجزء الأعظم من السياسيين ورجال الدين الأمريكيين، أن الكيان الصهيوني ما هو إلا النموذج الثاني لأمريكا في التكوين، والمبني على روح الاستيطان والبطولة الفردية التكساسية، ومغامرات راعي البقر، وإبادة الشعوب الأخرى، التي لا تأخذ النمط السلوكي الأمريكي، وترفض نموذجه الديمقراطي في حياتها الاجتماعية والسياسية.

إلا أن الدكتور إسرائيل شاحاك له وجهة نظر أخرى للعلاقة الشيطانية بين أمريكا والصهيونية، وهو أكاديمي يهودي، عاش في الأرض المحتلة، وعمل أستاذاً في جامعات الكيان الصهيوني. حيث يرى مغايراً لما حذر فرانكلين. فبرأيه أن الولايات المتحدة هي التي تستخدم اليهود وكيانهم، لتحقيق أغراضها وأهدافها في المنطقة العربية. وأن لهذا الكيان دوراً خاصاًَ كما رسمته مصالح أمريكا. ففي مقالة له في الصحيفة البريطانية "الأوبزرفر" تحت عنوان "إسرائيل خولي أمريكا في الشرق الأوسط" أي (الوكيل) قال فيها التالي: (الذي يجعل الخولي مفيداً لسيده الإقطاعي، أنه غالباً مفيد لأنه.. يملك قوة عسكرية مستقلة مخلصة، وحتى إذا لم تستخدم هذه القوة في الحرب، فيمكنها أن تهدد الأتباع الآخرين.)

وأضاف قائلاً: (.. والمصلحة لأمريكا في الشرق الأوسط هي السيطرة البترولية، المهمة أيضاً كحلفائها في أوروبا والشرق الأقصى. وحتى الآن همها هو منع دول الشرق الأوسط الأخرى أو الحركات الشعبية من قلقلة الوضع الملائم لها.)

واعتبر شاحاك إسرائيل وجيشها استثماراً أمريكياً جيداً، من الخسارة أن تضيعه واشنطن أو تغامر في تضييعه. واعتبر القوة العسكرية الإسرائيلية هي التي تجعل أمريكا ترعى إسرائيل، وتغمض أعينها عن مخالفاتها وشرورها في الداخل والخارج. وهذه القوة هي المؤثر في السياسة الأمريكية الموالية لإسرائيل، وليس اللوبي اليهودي في داخل الولايات المتحدة كما يعتقد البعض.

من خلال الآراء التي طرحناها، نرى أن الساسة الصهاينة وعسكرييهم ومفكريهم، يرون أن إسرائيل تقوم بدور فاعل في حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، من خلال ترسانتها العسكرية، وتفوقها النوعي والتكنولوجي على العرب جميعاً. خاصة في بداية القرن الحادي والعشرين، بسبب الخلل الذي أصاب النظام العالمي، بعد أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية سطوتها وهيمنتها على القرار الدولي، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي.

إلا أنني أرى أن وحدة المصالح بين الطرفين في المنطقة، ليست وحدها فقط أساس العلاقة الشيطانية، وإن كان حقيقة واقعة لحجم المصالح الأمريكية في المنطقة العربية. إلا أن هناك عوامل أخرى غير المصالح، منها الثقل المالي والإعلامي والتغلغل الصهيوني في داخل الإدارة السياسية في الولايات المتحدة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والإعلامية. وتركيز اليهود على التغلغل في المفاصل الحساسة في جهاز المخابرات المركزية الأمريكية، للسيطرة بهدف جمع كل المعلومات الأمنية والعسكرية عن الدول العربية والإسلامية من ناحية، ومن ناحية أخرى جمع المعلومات للشخصيات والقيادات الأمريكية، لإرهابهم وفرض الهيمنة عليهم وتسخيرهم لمصالح الصهيونية.

كما أن المال الصهيوني يلعب الدور الأساسي في تشكيل المناصب العليا، بما فيها منصب الرئاسة، ومع كل دورة انتخابية تشريعية ورئاسية، يزداد الثقل السياسي للصهاينة في الولايات المتحدة، حتى غدا متحكماً في مصير الإدارة الأمريكية ومستقبلها.

ولا غرابة أن يقول الكاتب اليهودي الأمريكي/ جويني/ حول القدرة الصهيونية في هيمنتها على القيادة الأمريكية: (إن الرؤساء الأمريكيين ومعاونيهم ينحنون أمام الصهيونية كما ينحني المؤمن أمام قبر مقدس)(6).

وشكلت المنظمات والهيئات الصهيونية ثقلاً سياسياً واضحاً في الانتخابات للرئاسة والكونغرس والنواب، وحتى في الحكام والمجالس التشريعية في الولايات الأمريكية، وهي تربو على ما يزيد على 281 منظمة قومية يهودية و251 اتحاداً يهودياً هذا في بداية السبعينيات(7). واليوم أضعاف مضاعفة عن ذلك، وتلك عوامل لعبت دوراً هاماً في ازدهار العلاقة الشيطانية بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وأصبح يعد الولاية الثانية والخمسين، بل أفضل ولاية أمريكية من بين كل الولايات الأمريكية.

ومع مرور الزمن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية الحاضن الرئيسي للكيان الصهيوني، الذي يوفر له الرعاية الاقتصادية، إلى جانب الرعاية السياسية والعسكرية، فقد بلغت المعونات الأمريكية التي قدمت للكيان الصهيوني، منذ نشوء الكيان عام 1948 إلى عام 1989 حوالي /46.0679 مليار دولار/(8). وهذه المعونات هي شريان الحياة للكيان الصهيوني، ولولا تلك المعونات لما كانت له القدرة على العيش والاستمرار.

وقد كان لهذا الدعم الاقتصادي من قبل الولايات، إضافة إلى ما تقدمه من دعم مالي من خلال القروض، أن أعطى تغييراً ديمغرافياً في الأرض المحتلة، حيث وفر استمرار التدفق البشري الاستيطاني الصهيوني إلى الأراضي العربية المحتلة وانتشار الكتل السرطانية الاستيطانية في تلك الأراضي.

من هنا نقول أن العلاقة ليست مصالح فقط، بل حالة تشابكية من العوامل من ضمنها المصالح المشتركة في المنطقة، لتصل إلى حالة الاندماج في العلاقة الشيطانية. حيث أصبحت السياسة الأمريكية تسوق السياسة الصهيونية، وتتبناها على صحتها وخطئها، دون أي اعتبار في أغلب الأحيان إلى مصالح الولايات المتحدة، وحتى إلى مشاعر الشعب العربي، بما فيهم حلفاؤها في المنطقة، وضاربة عرض الحائط بالحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات المطلوبة بين الحلفاء، مما جعل هؤلاء الحلفاء في موقع الريبة لدى شعوبهم.

 

 

¾¾

 

(1)-د.هشام صادق- اليهود كما يراهم مؤسسو أمريكا- ت مجلة روز اليوسف المصرية- العدد 3588- 17/3/1997- ص68.

(2)-العلاقة بين الثكنة والعسكر- إلياس شوفاني- دار الحصاد- دمشق- 1992- ص19.

(3)-عاجلاً أو آجلاً ستزول إسرائيل- هنري بيزيرا- مصدر سابق- ص19.

(4)-المصدر السابق- ص20.

(5)-جورج المصري- الأمة العربية في مواجهة الكيان الصهيوني اقتصادياً- مجلة الوحدة المغربية- العدد 56- أيار 1989- ص74.

(6)-الصهيونية- مصدر سابق- ص24.

(7)-الصهيونية- مصدر سابق- ص8.

(8)-توفيق المديني- السلام والاقتصاد في الشرق الأوسط- الأسبوع الأدبي الدمشقية- العدد 684- 13/11/1999.

 

 

¾¡¾

 

الفصل الثالث:
أمريكا والكيان الصهيوني ومحكمة الجزاء الدولية

 

 تكاد السلوكيات السياسية والأنماط الثقافية لدى الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني يشكلان وحدة اندماجية، وكأنهما خرجا من رحم واحد، فما يرغب به الأول، يشاطره في الرغبة الآخر. فيشتركان في القبول والرفض والامتناع، ولا غرابة في الأمر، كما أشرنا في عدة فصول من هذا الكتاب. فالولادة والتربية تكاد أن تكون متطابقة، من حيث كلاهما يقيمان على أرض اغتصباها من ساكنيها الأصليين، وارتكبا أبشع جرائم العصر في القتل والاغتصاب والتنكيل والإبادة في حق تلك الشعوب وشعوب أخرى على الأرض. ويربيان أبناءهم وأحفادهم على الغطرسة والاستعلاء والاحتقار للآخر، وإباحة السرقة والنهب والعدوان.

لهذا يرى كل مطلع على تاريخ الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، أنهما استخدما كل وسائل الشر والقوة في منع تحقيق السلام العالمي، وإقرار حق الشعوب في العيش وتقرير مصيرها، وبما ترغب، وما تريد. وخلال قرن واحد هو القرن العشرين المنصرم، يندر أن نرى عاماً بدون حرب وفتنة ومؤامرة، لا يحيكها الطرفان ضد شعوب العالم عامة ودول الجوار خاصة.

في تموز عام 1997 حاولت شعوب العالم عبر هيئة الأمم المتحدة، أن تنشئ محكمة جنائية دولية تابعة للأمم المتحدة ضد الأشخاص، الذين يرتكبون جرائم حرب بحق الشعوب، بعد أن ازدادت الجرائم الإنسانية في النصف الثاني من القرن العشرين، سواء أكانت في فيتنام وكمبوديا ولاوس وفلسطين ولبنان ورواندا وبرواندي والكونغو والشيشان وكوسوفو والبوسنة وغيرها من دول العالم. والتي ذهب ضحيتها مئات الملايين من البشر، إضافة إلى حوادث التفجير الإرهابي، والاغتصاب الجماعي لنساء وقعن في أيدي البغاة والمجرمين، وتجارة الموت والمتمثلة في تهريب السلاح والمخدرات، وازدهار تجارة الرقيق الأبيض، والذي طال بنات الدول الأوربية وخاصة الشرقية، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومعسكره الاشتراكي.

فأجمعت الغالبية العظمى من دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة على ضرورة إنشاء محكمة جزاء دولية لمحاكمة المجرمين بحق الإنسانية، وتمت صياغة مشروع لتلك المحكمة الدولية من قبل رجال قانون دوليين غالبيتهم من الدول الغربية. وبعد عرض المشروع على الجمعية العامة للأمم المتحدة، تم التصويت عليه في 22/7/2000، ونال النظام الأساسي لإنشاء المحكمة الجزائية الدولية /120/ صوتاً. في حين رفضته كل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

وكانت التبريرات التي قدمتها الولايات المتحدة، هي الادعاء بأن إنشاء المحكمة يتعارض مع ما تقوم به القوات الأمريكية من أعمال حربية في مناطق مختلفة من العالم، تحت ذرائع وحجج مختلفة، باسم ما تدعيه الحفاظ على السلام العالمي، وغيرها من الأكاذيب، وفي حقيقتها من أجل مصالحها الاستراتيجية الذاتية.

أما الكيان الصهيوني فكان رفضه، ينبع من مخاوفه من مخالفته للقوانين الدولية في القتل والتهجير للسكان في الأراضي المحتلة، وبناء مستوطناته السرطانية في الجولان والضفة الغربية وغزة، وهي أراض محتلة في العرف الدولي، ومخالفة واضحة لمعاهدة جنيف الرابعة لعام 1949، والتي تنص إحدى موادها: ليس من حق الدول المحتلة ترحيل، أو نقل مواطنيها إلى الأراضي، التي يتم احتلالها.

وهذا ما يخشى منه كلً من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، فجرائم الحرب لا تزال ترتكب من كليهما، في العديد من بقاع الأرض، ومن هنا جاء الرفض لكليهما لمحكمة الجزاء الدولية.

ومن الدلائل على خوف الكيان والولايات المتحدة من هذه المحكمة الدولية، ما جاء على لسان إحدى الصحف الصهيونية وهي صحيفة هاآرتس، والتي كتبت مقالاً تحت عنوان (من يعارض محاكمة مجرمي الحرب) ما يلي: "يتعين على إسرائيل أن تحسم أمرها، وتحدد موقفها النهائي. مثلها مثل الولايات المتحدة من مسألة تشكيل محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب، وخاصة وأن الأول من كانون الثاني المقبل (2001) سيكون الموعد النهائي للدول، التي ترغب بالانضمام إلى الميثاق الخاص بهذه المحكمة. حيث يتوجب عليها البدء فوراً بسن التشريعات القانونية المناسبة التي تتوافق مع بنود الميثاق." وبينت الصحيفة عن انقسام في الرأي بين الساسة الصهاينة، فيوسي بيلين وزير العدل، مع وزير الخارجية بن عامي مع التوقيع على الميثاق، أما الأجهزة الأمنية والعسكرية الصهيونية مع المستشار القانوني للحكومة، فهم مع الامتناع على التوقيع، مهما كانت الظروف والأسباب.

والسبب الذي يراه هؤلاء الساسة بالامتناع عن توقيع الكيان الصهيوني على الميثاق، كما تقول الصحيفة: "إن المبررات الأساسية لوجهة نظرهم، تتمثل في أن إسرائيل لا تزال تعيش حالة حرب، مثلها مثل الولايات المتحدة. بمعنى أن هناك حرباً حقيقية في الأراضي الفلسطينية، ويحتمل أن تمتد إلى لبنان." وتعترف الصحيفة بشعور عداء شعوب العالم لكل من الولايات المتحدة والكيان، لما يقومان به من جرائم بحق الشعوب فتقول: "ومن هنا فإن الجيشين الإسرائيلي والأمريكي باتا محط حقد معظم شعوب العالم. هذا ناهيك عن أن كبار القادة العسكريين والسياسيين في إسرائيل والولايات المتحدة قد يكونون على رأس قائمة المتهمين بارتكاب جرائم الحرب. الأمر الذي يعني محاكمتهم أمام هذه المحكمة." وتقول الصحيفة حول خوف عتاة الصهاينة من المحكمة الدولية: "وتقول بعض أوساط الجيش الإسرائيلي أن ضباطاً كباراً وقادة ألوية إسرائيليين قد يرغمون على المثول أمام قضاة هذه المحكمة، ويتم استجوابهم حول الأوامر التي أعطوها للجنود لمواجهة الانتفاضة الفلسطينية." وتبين الصحيفة أن اجتماع روما عام 1998، قد أقر ميثاق المحكمة الدولية، ومن الجرائم التي يعاقب عليها نقل مواطنين من الدولة المحتلة إلى الأراضي التي تحتلها، معتبرة ان هذا العمل يعد جريمة حرب تعرض مقترفها للمحاكمة."(1).

ومن المفارقات وأنا أكتب هذا الموضوع في نهاية عام 2000 وإذا بوكالات الأنباء العالمية تنقل عن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون موافقة الولايات المتحدة على الانضمام إلى المحكمة الجزائية الدولية في اليوم الأخير للمهلة، التي حددتها المنظمة الدولية وهو 31/12/2000، وبعد موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على الانضمام بساعات قليلة، أعلن الكيان الصهيوني موافقته على التوقيع على ميثاق المحكمة، ونقلت وكالات الأنباء العالمية، منها وكالة الأنباء الفرنسية (1/1/2001) تصريحاً لمسؤول صهيوني بأن الانضمام إلى الموقعين لإحداث المحكمة الجزائية الدولية، تم بعد مشاورات مع الولايات المتحدة، وبضمان منها بعد مشاورات مع الأمين العام للأمم المتحدة، على أن لا يقدم مجرمو الحرب الصهاينة إلى المحكمة الدولية، وكذلك الدويلة الصهيونية لخرقها القوانين الدولية في الاستيطان، وممارسة القتل والعنف ضد المدنيين، وطرد السكان الأصليين من بيوتهم وأراضيهم.

وهو اختراق أولي لميثاق هذه المحكمة، لتمييزها بين مجرم حرب وآخر، وتمييز دولة عن أخرى في التعامل مع قوانين هذه المحكمة، وتبين من خلال الوكالات الإعلامية، وهكذا وقع الكيان الصهيوني على الميثاق، بعد أن ضمن الحماية الأمريكية لجرائمه، وأطلق حريته في ممارساته الدموية والإرهابية ضد سكان الأراضي العربية المحتلة، والتي أنشئت من أجلها تلك المحكمة الدولية.

 

¾¾

 

(1)-صحيفة هاآرتس الصهيونية- 18/12/2000- ترجمة غسان محمد- جريدة البعث السورية- العدد 11385- 25/12/2000.

 

 

¾¡¾

 

الفصل الرابع:
الأمــــــن الصهيونــــي

 تميزت سياسة الكيان الصهيوني بطابع الإرهاب والعدوان والكذب والمراوغة، ونقضها للمواثيق والعهود، وخاصة اتفاقات التسوية التي أبرمت مع الفلسطينيين أو غيرهم، وبشهادة موقعة من الراعي الأمريكي وشهادة عدد من الزعماء الحضور. وبعد التوقيع يعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني أو من هو أدنى منه مرتبة، أمام وسائل الإعلام المختلفة: (ليس هناك تاريخ مقدس لأي اتفاق)، والغريب أن حبر الاتفاقية لم يجف بعد.

ومن أهم المبررات التي يضعها لعدم تنفيذ الاتفاق، ما يسمى بـ"الأمن الإسرائيلي"، ومفهوم الأمن لدى الكيان الصهيوني، يختلف عن كل مفاهيم الأمن في العالم. ويعرف الكاتب الفلسطيني أمين عطايا هذا المفهوم بقوله: (ليس مفهوماً جامداً، بل هو مفهوم متحرك، يواكب السياسة التوسعية الاستعمارية التي تنتهجها إسرائيل. وهذا المفهوم يتبدل باستمرار بتبدل السياسة العسكرية المحيطة. ومن ناحية ثانية فإن مفهوم الأمن لا يعني الدفاع عن أرض محددة، بل يتحقق على أساس ردعي، يمنع بمعطياته نشوب حرب أخرى، إلى أن تحين الظروف المناسبة، التي تقرر فيها القيادة الإسرائيلية، أن الثوب الذي تلبسه ضاق بها، فتخترقه لتحتل أرضاً عربية جديدة.

كما تعتبر إسرائيل أن الأمن لا يعتمد فقط على القوة العسكرية، بل كذلك على الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، وعلى إقامة مستوطنات جديدة في المناطق الخالية والاستراتيجية، وعلى تحسين وتطوير الوضع الصناعي في إسرائيل. بالإضافة إلى كل ذلك فإن الأمن الإسرائيلي، يعتمد على أمن الزمان الناجم عن أمن الملعومات، وعلى التدايبر المتخذة لتفتيت العرب، ومنع وحدتهم السياسية والعسكرية.)

هذا ما يراه أمين عطايا في مفهوم الأمن الإسرائيلي، إلا أن الكيان الصهيوني قد يبدل هذا المفهوم بتطور أعلى، ليصبح شمولياً بحيث لا يقتصر على العرب وحدهم ومواجهتهم، واحتلال المزيد من أراضيهم، وإقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة الجديدة، وجلب أكبر عدد من المهاجرين اليهود من شتى بقاع العالم. بل ليتوسع باستمرار بمفهومه الأمني ليكون شمولياً لمنطقة الشرق بكامله، ثم ينتقل بهذا المفهوم إلى محيط أكبر، بحيث يصل به إلى أوروبا والأمريكيتين، وقد نرى في المستقبل إن لم يوضع له حد، قد يشمل العالم بأسره.

فالكيان الصهيوني خلال العقد الأخير من القرن العشرين المنصرم، اعتبر القنبلة النووية الباكستانية تهديداً خطيراً لأمنه. ومن المعروف أن الباكستان دولة بعيدة جداً عن حدود فلسطين المحتلة، إلا أن أمن الصهانية حسب مفهومهم له، يرى في تطوير أسٍلحة الباكستان وخاصة سلاحها النووي تهديداً أمنياً لكيانهم. وشنت الحركة الصهيونية العالمية حملة إعلامية على مستوى العالم على تفجير قنبلتها النووية، واعتبرتها قنبلة إسلامية موجهة لها ولكيانها، رغم ما لدى الكيان من أسلحة نووية تفوق ما لدى الباكستان مئات المرات، وهي تعرف أن التسابق النووي الذي تقوم به الباكستان هو مع الهند وليس مع الكيان الصهيوني.

ولهذا حاولت أجهزة الموساد عدة محاولات لتدمير المنشآت النووية الباكستانية بحجة الخطر الأمني، ومنها إرسال مجموعات عسكرية سرية للتجسس وللتخريب، عبر منطقة كشمير الهندية، وقد فشلت تلك المحاولات، التي تكررت عدة مرات، بسبب اكتشاف مجموعات التخريب الصهيونية، وإلقاء القبض على بعض المتسللين.

ثم لجأ الكيان الصهيوني أخيراً إلى التعاون الاستخباراتي والعسكري مع الهند، لتشكيل جبهة مشتركة لتدمير القدرات النووية الباكستانية، وقدم الدعم العلمي والتقني للبرنامج النووي الهندي، مستغلاً حالة العداء بين الدولتين. وفي يوم الخميس 23- أيلول- 2000 تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبراً عن وصول وفد من الخبراء الإسرائيليين إلى الهند، بدعوة من وزير داخليتها، بحجة تدريب عناصر هندية، لمواجهة ما يسمى بالعناصر الإرهابية في كشمير. ونقلت وكالات الأنباء عن مصادر للمجاهدين الكشميريين يوم الاثنين 25-9-2000 أنهم قتلوا عدداً من رجال الكوماندوس الإسرائيلي في جبال كشمير.

 

واستكمالاً للشمولية الأمنية طور الكيان الصهيوني علاقاته القديمة مع تركيا، ليقيم تنسيقاً أمنياً على أعلى المستويات، بهدف تطويق سوريا شمالاً وجنوباً، والتجسس عليها، ومراقبة قدراتها العسكرية والاقتصادية. وأيضاً مراقبة التطور العسكري في إيران، بإقامة قواعد تجسسية قرب حدودها مع تركيا، وزرع مواقع أمنية صهيونية أيضاً في شمال العراق. كما تم استغلال التحالف مع تركيا، لتوسيع الدائرة الأمنية الصهيونية بحجة المحافظة على المصالح الاقتصادية الصهيونية، وخاصة البترول في الدول المطلة على بحر قزوين، عبر المراقبة الأمنية للبلدان الإسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق.

وفي بداية القرن الحالي الحادي والعشرين قفز المفهوم الأمني الصهيوني ليشمل أوروبا الغربية، وليتدخل في تشكيلات أنظمتها السياسية. كما حدث في النمسا، بعد الاتفاق بين أحزاب الأغلبية في البرلمان النمساوي على تشكيل حكومة نمساوية جديدة، يشارك فيها حزب الحرية اليميني، فهدد الكيان الصهيوني النمسا، رافضاً إشراك حزب الحرية وزعيمه هايدر في الحكومة النمساوية الجديدة. ولينصب نفسه وصياً على الشعب النمساوي، ويرفض اختيارات الشعب النمساوي في من يحكمه.

وشن حملة إعلامية تحريضية واسعة ضد التشكيلة الحكومية النمساوية في كافة وسائل الإعلام المختلفة في العالم الغربي. مستخدماً الآلة الإعلامية الصهيونية الهائلة ضد الحكومة النمساوية الجديدة. وقام الكيان بسحب سفيره من النمسا. محرضاً الأوروبيين على اتباع خطاه. وهذه الحالة الجديدة التي بدأت في بداية القرن الحالي تظهر امتداد المفهوم الأمني الصهيوني ليمتد على قرارات الشعوب الأوروبية. ويطوعها وفق إرادته ورغباته، واتجاهاته السياسية والأمنية.

إن المخطط الصهيوني في السيطرة على العالم، والتحكم بقراراته السياسية والاقتصادية، لم يكن وليد التطور الذي حدث للحركة الصهيونية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أو حرب الخليج المدمرة التي جعلت من الحليف الرئيسي للحركة الصهيونية الولايات المتحدة الأمريكية، تنفرد بالهيمنة على العالم، مما أفسح للصهيونية في القفز على القرار العالمي، كما يكتب بعض الباحثين في الشأن الصهيوني.

بل هي من أولى أهداف الحركة منذ نشوئها، ولا تزال تسعى لتحقيقه. فمن يراجع ملفات الحركة الصهيونية، سيرى في المؤتمر الصهيوني الذي عقد عام 1923، أحد قادة الحركة الصهيونية/ ناحوم سوكولوف/ قد قال في المؤتمر: (.. أورشليم هي عاصمة السلام العالمي، أما نحن اليهود فسوف نتابع كفاحنا لدى هيئة الأمم، ولن نرتاح قبل السلام النهائي، إن جمعية الأمم تهتم بنجاح قضيتنا، ليس فقط لأنها منحتنا الوصاية. ولكن لأن قضيتنا تتعدى حدود القضايا الدولية لأي بلد كان، هذا لأنها تتضمن بشكل من الأشكال ازدهار العالم بأجمعه وسلامه.. وفي يوم قريب سنحكم العالم رسمياً، وسيكون المنطلق من أورشليم، أي من حيث سيأتينا النصر الكبير)(1).

وليس غريباً أن تقوم مظاهرات في روسيا تهتف بسقوط الصهيونية، التي لعبت دوراً رئيسياً في إسقاط الاتحاد السوفيتي ومنظومته الاشتراكية في أوروبا الشرقية سابقاً. ولم تكتف الصهيونية بإسقاط النظام الشيوعي السابق، بل جرى تدمير القوة الروسية اقتصادياً واجتماعياً، وعملت على إضعافها، وشاركت بخططها الخبيثة، بإنزال روسيا من دولة عظمى إلى دولة تتسول على موائد الكبار، وتتحكم فيها عصابات المافيا، بحيث غدت موسكو خلال عشرة سنوات فقط من سقوط الاتحاد السوفييتي عاصمة المافيا بكل أشكالها.

ولهذا نرى التزايد المستمر في حالات الغضب على الصهيونية في الشارع الروسي، بما أقدمت عليه من جرائم بحق الشعب الروسي، واعتبرت كافة القوى الاشتراكية والقومية الروسية، أن اليهود لعبوا دوراً تخريبياً في إسقاط دولتهم الكبرى، التي اعتبرت خلال خمسين عاماً من النصف الثاني للقرن العشرين من أقوى دول العالم. إضافة إلى روسيا، فإن دول المعسكر الاشتراكي السابق شعرت بما عملت الصهيونية من مؤامرات لتدمير بلادها، ونذكر من غضب شعوب تلك البلدان، حين خرج يوم الثلاثاء 22/9/1998 مئات المتظاهرين في براغ ضد الكيان الصهيوني، وأحرقوا علمه أمام إذاعة أوروبا الحرة، تعبيراً عن غضب الشعب التشيكي على الكيان الصهيوني، وراعيته الولايات المتحدة الأمريكية، اللتين تحاولان فرض الهيمنة السياسية على الجمهورية التشيكية، وكانت هتافات المتظاهرين التشيكيين تصرخ بسقوط الصهيونية التي تعمل على تدمير الجمهورية.(2)

ومن هنا نرى أن مفهوم الأمن الصهيوني، لا يقف عند حدود معينة، بل يتطور باستمرار، وتزداد أبعاده وأهدافه وأشكاله في كل مرحلة زمنية، وفق استراتيجية صهيونية بعيدة المدى. ولا تتورع أجهزة الأمن الصهيونية عن تجنيد عدد من الأمريكيين العاملين في الحقلين العسكري والدبلوماسي، للعمل لديها والتجسس على الولايات المتحدة نفسها، ونذكر هنا قضية الجاسوس بولارد، وفضيحة استجواب السفير الأمريكي لدى الكيان الصهيوني مارتن انديك، من قبل الأجهزة الأمنية الأمريكية، لتسريبه معلومات سرية للكيان الصهيوني. وتم إعفاؤه من قبل الخارجية الأمريكية في 33-9-2000 للاشتباه بتورطه بالتجسس. وعلق ايهود باراك رئيس وزراء الكيان الصهيوني على ذلك، بأن انديك قدم خدمات لإسرائيل. علماً أن انديك يهودي من أصل استرالي، كان يعمل في الأجهزة الأمنية الأسترالية، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة في التسعينيات. وسرعان ما ضمه الرئيس الأمريكي كلينتون إلى طاقمه في الخارجية، وأصبح بسرعة مساعداً لوزيرة الخارجية، ثم سفيراً لدى الكيان الصهيوني. وبعد مؤتمر كامب ديفيد الفاشل بين الفلسطينيين والصهاينة في حزيران 2000، أرسل مبعوثاً لوزيرة الخارجية، ليقوم بجولة على الدول العربي للاطلاع على آرائها تجاه تسوية القضية الفلسطينية. وهي حتماً تصب لصالح المشروع الصهيوني. وقالت وكالات الأنباء أن وزيرة الخارجية الأمريكية، قد أمرت بإعادة النظر في الإجراءات الأمنية لوزارة الخارجية الأمريكية، بعد سلسلة من القضايا المقلقة على صعيدي التجسس، واختفاء وثائق رسمية من وزارة الخارجية في الأشهر الأخيرة.

وعن قضية انديك هذه، ذكرت جريدة هاآرتس الصهيونية(3) أن التحقيق يشمل ملاحظات شخصية لانديك، حول محادثاته مع المسؤولين في الشرق الأوسط خلال فترة طويلة، أعيد طبعها على جهاز الكومبيوتر الخاص به. واعتبرت صحيفة الاندبندت البريطانية أن توقيف انديك واتهامه، يعتبر ضربة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني باراك، لكونه الوسيط الرئيسي بين إسرائيل والبيت الأبيض الأمريكي خلال المفاوضات الإسرائيلية والفلسطينية.(4)

¾¾

 

(1)-فيليب أبو فاضل- المثقف العربي ومخاطر التطبيع- المؤتمر العام العشرون للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب 1997- ص481.

(2)-إذاعة مونت كارلو،22/9/1998.

(3)-صحيفة هاآرتس الصهيونية، /9/2000.

(4)-صحيفة الاندبندت البريطانية، 5/9/2000.

¾¡¾

   

*الفصل الخامس:
تعريف السلام الصهيوني مع العرب

 السلام مع العرب يدخل ضمن البرنامج الأمني الصهيوني، وليس منفصلاً عنه. وهو وسيلة تدميرية للمشروع القومي العربي، كما أنه جزء من حالة الحرب القذرة، التي تشنها الحركة الصهيونية إلا أنه مقنع بقناع السلام. ويشكل في الوقت نفسه حالة تكتيكية لاستمرارية تنفيذ المشروع الصهيوني، من خلال استخدام العامل الزمني لتجميع قواه، وإحداث وسائل جديدة لتدمير الأمة العربية، مستفيدة من اتفاقات التسوية، حيث يتم استغفال الطرف العربي، الذي ظن أن في التسوية نهاية للصراع. كما تقوم الحركة الصهيونية بإعداد نفسي للشعب العربي، بأن الصراع بين الطرفين ولى إلى الأبد، مع خلق مجموعات مشتراة بالمال أو الجنس، أو من الباحثين عن الشهرة، والوقوف أمام عدسات وسائل الإعلام، لتشكيل جمعيات ومنظومات تسمى تطبيعاً أو صداقة أو أنصاراً للسلام، ليكونوا الغطاء في تنفيذ جميع أهداف المشروع الصهيوني، والتي أقرت من قبل مؤتمرات الحركة الصهيونية وبرامج وأحزابها على مختلف تشكيلاتها.

فالسلام إذا هو استمرار للحرب إلى أن تحقق الصهيونية أهدافها، وهو إحدى المحطات التي يتوقف عندها القطار الصهيوني. وقد قال ايهود باراك في خطابه في الكنيست الصهيوني من أجل نيل الثقة لحكومته في 6/7/1999: (..نحن نعلم أن انتصار الصهيونية لن يكون كاملاً إلى حين تحقق سلام حقيقي، وأمن كامل، وعلاقات صداقة وتعاون مع جيراننا جميعاً، لذلك سيكون الهدف الأسمى للحكومة جلب السلام والأمن لإسرائيل، مع الحفاظ على مصالح إسرائيل الحيوية. وعلى الدول العربية أن تعلم، أن إسرائيل القوية الواثقة من نفسها، هي فقط يمكنها جلب السلام.).

ومن هنا فإن السلام المبني على الأمن الصهيوني، يعني تدمير النظام العربي، وتفتيته إلى دول قبلية وطائفية متناحرة ومتصارعة. ومن ثم يبقى الكيان الصهيوني الدولة القوية والعظمى في المنطقة، التي تتحكم بالعرب اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، فيتحول الكيان إلى دولة مرجعية لهم، لما تملك من قدرات كبرى. فلا نستغرب أن يسعى الكيان الصهيوني إلى تدمير الجامعة العربية، آخر مؤسسة قومية تجمعهم، رغم كونها دون الطموح الأدنى للأمل العربي.

ففي المؤتمر الاقتصادي الشرق أوسطي الذي انعقد في المغرب في 31 تشرين الأول 1994، دعا إسحاق رابين رئيس وزراء الكيان الصهيوني المقتول إلى إعادة النظر في مؤسسة الجامعة العريبة، حين سأل الملك الحسن الثاني قائلاً: (جلالة الملك ألا ترى أن مثل هذا المؤتمر يمكن أن يوفر آلية أفضل من مؤسسة الجامعة العربية، ويلغي أسباب وجودها. خاصة أن السلام الذي سوف يسود المنطقة، سوف ينزع أهم أسباب وجودها. كما أن الوضع الجديد لإسرائيل في المنطقة، سوف يفرض وجود مؤسسة مختلفة تكون فيها إسرائيل عضواً مشاركاً، مثلها مثل أي دولة عربية في المنطقة.) ورد عليه الملك الحسن قائلاً: (سبق أن اقترحت عندما كنت ولياً للعهد عام 1958، قبول إسرائيل عضواً كاملاً بالجامعة العربية، مثلها مثل أي دولة عربية أخرى، لكن ذلك لم يتحقق لظروف ذلك الزمان والمناخ.) ونقل هذا الكلام مباشرة التلفزيون الصهيوني(1).

فالصهيونية على مختلف مدارسها وأحزابها، لا ترى في السلام إلا ما يحقق مشروعها الصهيوني. وهذا لا يتحقق إلا بنسف المشروع القومي العربي، ومنعه من تحقيق أي هدف كان له. والعمل باستمرار لتطويع الإنسان العربي للقبول بالمشروع الصهيوني المدمر لوجوده أصلاً.

ولا يتورع الكيان الصهيوني عن استخدام وسائل تخريب وتدمير غير عسكرية ضد الدول العربية التي وقعت معه سلاماً، وعقدت معه اتفاقيات دبلوماسية واقتصادية وثقافية. فاستخدم التجسس العسكري والاقتصادي والاجتماعي، وساند ودعم الاضطرابات الأمنية في داخلها، وسعى لتدميرها اجتماعياً وزراعياً وصناعياً وسياحياً، بل أرسل الفيروسات إلى أشجارها وبساتينها، وخرب تربتها الزراعية من خلال أسمدة فاسدة، وكان من أخطر ما كشف عنه وزير الصناعة الأردني السيد واصف عازر، عن قيام الكيان الصهيوني في حزيران 2000، بإرسال ثمانية شاحنات تحمل مواد سامة، بدلاً من مواد أولية للدهانات تم التعاقد عليها. وقد رد المصنع، الذي اشترى من الكيان تلك المواد التي تعاقد عليها، بعد أن تبين أن مواصفاتها مغايرة لما اشترى، وتم إرسالها إلى التحليل المخبري في المنطقة الحرة في الزرقاء، وعند تحليلها تبين أنها مواد سامة (نفايات كيماوية). وطلب الأردن إعادتها إلى الكيان الصهيوني فوراً. إلا أن الكيان الصهيوني رفض إعادتها، وبقيت الشاحنات عند جسر الشريف حسين ثمانية أشهر، لرفض سلطة الكيان إعادتها إليه(2). وذكر مسؤول من وزارة الشؤون الاجتماعية الأردنية أن الشحنة المفروض أن تصل إلى الأردن (500) طن من المواد الكيماوية السامة إلا أن الذي وصل إلى الأردن (150) طناً.(3)

 

¾¾

 

(1)-سيد نصار- مجلة روز اليوسف المصرية- عدد 3465- 7/11/1994- ص84.

(2)-قناة الجزيرة القطرية الفضائية- يوم الأحد 26/11/2000.

(3)-سانا- البعث السورية- العدد 11365- 1/12/2000.

 

 

¾¡¾



  

الباب الثاني:

السلام الصهيوني فـي رؤية مدارسه المختلفة

 

الفصل الأول:
إســـرائيل الكــــبرى

 في العقد الأخير من القرن الماضي ظهرت مدرستان داخل الكيان الصهيوني، لكل منهما رؤيته الخاصة في تحقيق المشروع الصهيوني، والاختلاف في الرؤيتين لا يكون حتماً على حساب الهدف بل على الوسيلة.

فالمدرسة الأولى تحمل إيديولوجية قادة الفكر الصهيوني، وتعتمد نظريتها على الجغرافيا، من خلال إقامة الامبراطورية الصهيونية من الفرات إلى النيل. وعبر عن هذه المدرسة الشعار المدون في الكنيست، وكذلك ما هو مرسوم على العلم الصهيوني ذي الخطين الأزرقين، واللذين يرمزان إلى نهري الفرات والنيل.

ويتبنى تكتل الليكود اليميني والأحزاب الدينية أفكار تلك المدرسة، التي ترى إقامة الامبراطورية الصهيونية بقوة السلاح، ومن خلال إفراغ الأرض من سكانها العرب، وبناء ترسانة نووية رادعة وقوية. مع الاستمرار بإضعاف الطرف العربي، والعمل بشكل دائم على جلب اليهود من كل أنحاء العالم إلى أرض فلسطين العربية، وإقامة المستوطنات في أي أرض عربية دون النظر لعائدية ملكيتها.

والسلام في نظر هذه المدرسة، يتم وفق مقولة (السلام من أجل السلام)، الذي يعني عدم التراجع عن أي أرض يتم احتلالها من الأراضي العربية، ورفض كل القرارات الدولية التي تطالب بعودتها. وترى أن التنازل عن الأراضي المحتلة جريمة، ما دام الكيان الصهيوني قوياً، والعرب ضعفاء، لا يستطيعون أن يسترجعوها. وتدعو تلك المدرسة بكل صراحة وعلانية إلى إبادة العرب وقتلهم، دون أن تضع لأي موازين أخلاقية أو قانونية أي اعتبار.

وأخر من مثل هذه المدرسة من القادة الصهاينة نتنياهو وشارون وأنصارهما في تجمع الليكود، وكافة الأحزاب الدينية، والحركات الصهيونية المتطرفة كمنظمة كاخ وأنصار الهيكل وغيرها. لمعرفة إيديولوجية المدرسة الجغرافية الصهيونية، لا بد من مراجعة كتب وأفكار نتنياهو، خاصة كتابيه (مكان بين الأمم) والذي عرب بتسمية (مكان تحت الشمس)، وكتابه الثاني (مكافحة الإرهاب)، فهو يعتبر أرض فلسطين أرضاً يهودية، وأن الفلسطينيين هم المعتدون على الكيان الصهيوني. وسنفرد فصلاً خاصاً عن نتنياهو وكتبه وأفكاره.

وقد رفض نتنياهو مشروع الشرق أوسطية، الذي تبناه بيريز وحزب العمل، وسوف نتحدث عنه في الفصول القادمة. ويرى نتنياهو أن الكيان الصهيوني مستقبله في ذاته، وليس مع محيطه العربي والإقليمي المعادي له، وبسبب ما يسوق كونه ينتمي إلى الغرب الديمقراطي، وليس لمحيط غير ديمقراطي يتميز بالكراهية والعداوة للغرب وللكيان.

والمشروع الصهيوني لإسرائيل الكبرى جاء بما سمي بـ(خطة شارون)، والتي أطلقها آرييل شارون عندما كان وزيراً للدفاع في نهاية عام 1981، ووصفتها صحيفة (عال همشمار) في عددها يوم 21/12/1981 بقولها: (.. إن شارون يقيم استعداداً للثمانينات، الامبراطورية الإسرائيلية التي يحدها: في الشرق الصين، وفي الشمال الاتحاد السوفيتي، وفي الغرب الجزائر والمغرب، وفي الجنوب- كما يبدو- كينيا أو أفريقيا الجنوبية.)(1). وترتكز نظرية شارون في "إسرائيل الكبرى"، التي تبتلع الوطن العربي والدول الإسلامية، على ما يدعيه بالأمن، الذي يعتبره أساساً لبقاء الكيان الصهيوني. وعلى الرغم مما يملك الكيان من قدرات عسكرية من أسلحة نووية واستراتيجية وتقليدية، فهو لا يخشى فقط التطورات التقنية العسكرية لدى دول المواجهة العربية، بل الدول العربية الأخرى، التي ستقدم الدعم المادي والعسكري لتلك الدول، وأيضاً الدول الإسلامية والمتعاطفة مع الحق العربي، والتي تستشعر الخطر الصهيوني على كيانها واستقلالها.

ومن مخاطر السلام الصهيوني على وجود الأمة العربية، ما تحدث به المفكر الصهيوني "عوديد ينيون" حول مشروع إسرائيل الكبرى، والتي تقوم على تدمير النظام العربي الحالي، ليتطاير كل نظام عربي إلى شظايا من دول مجهرية وصغيرة، تقوم على أساس طائفي وديني وقبلي. وعلى أن تدور هذه الدول في فلك الكيان الصهيوني كمركز ومحور لها.

وينبه إلى ضرورة الاستفادة التاريخية من سقوط الدويلات الصليبية، من خلال منع العرب من امتلاك أسباب النمو والتطور، حتى لا يستطيعوا مواجهة الكيان الصهيوني، وذلك بالعمل على سحب ما في أيديهم من قوة اقتصادية، والمتمثلة حالياً في النفط. ويطلب من الكيان الصهيوني الاستيلاء على منابع النفط، الذي لا توجد حالياً دولة قوية تحميه، فمن خلال سيطرتها على النفط، تسقط من أيدي العرب أهم مرتكزات اقتصادهم، وإمكانية نموهم العسكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي. ونشر عوديد ينيون هذه النظرية في كتاب صدر في شباط عام 1982، وترجمه إلى الانكليزية الباحث الصهيوني "إسرائيل شاحاك"، وأسميت في حينها (خطة إسرائيل في الثمانينات).

 

¾¾

 

(1)-د.هيثم الكيلاني- الاستراتيجية الإسرائيلية في الجزيرة العريبة- مجلة الوحدة المغربية- العدد 56- أيار 1989- ص 100.

(2)-المصدر السابق- ص 101.

 

 

¾¡¾

 

الفصل الثاني:
الشــــــــرق أوســــــطية

 أما المدرسة الثانية التي بدأت تتبلور في العقدين الأخيرين من القرن الماضي. وظهرت نظريتها في كتاب شيمون بيريز، الذي طبع في نهاية عام 1993 تحت عنوان /الشرق الأوسط الجديد/. وترى هذه المدرسة أن تحقيق الامبراطورية الصهيونية الجغرافية من الفرات إلى النيل بقوة السلاح ضرب من الخيال. وعوائق تنفيذها كبيرة فوق طاقة الصهاينة، على الرغم من امتلاكهم التفوق العسكري الواضح على العرب مجتمعين. لهذا تطرح إقامتها على أساس الامبراطورية الصهيونية الاقتصادية.

ورأى مهندس النظرية، أن إقامة ما أسماه بالسلام مع العرب، يترافق بارتباطات عالية من التنسيق الاقتصادي معهم. مما يجعل الكيان الصهيوني قوة اقتصادية كبرى من خلال قيادتها لاقتصاد المنطقة العربية، وابتلاع ثرواتها المادية، وتسخير قدراتها البشرية لمصالحها.

فتبنت المدرسة المذكورة مشاريع التسوية، بما يخدم نظريتها، على الرغم من معارضة أنصار المدرسة الأولى. وقال شيمون بيريز في كتابه المذكور: (.. إن السلام سيكون أولاً، وقبل كل شيء هندسة معمارية ضخمة، هندسة تاريخية لبناء شرق أوسطي جديد متحرر من صراعات الماضي.)

ودعا بيريز في كتابه (زمن السلام) إلى توقف الحرب، ورصد المبالغ التي تصرف على اقتصاد الحرب، إلى ما أسماه اقتصاد السلام، متناسياً أن الكيان الصهيوني يصرف على آلته الحربية، وما يتلقاه من دعم عسكري من الدول الغربية عامة ومن الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، يعادل عدة مئات المرات ما يصرفه العرب مجتمعين على شراء السلاح. وأن الكيان الصهيوني متفوق من خلال ما يملك من أسلحة أضعافاً مضاعفة لما عند العرب من أسلحة مجتمعين أيضاً.

ومن الغريب ما جاء في كتاب بيريز، بأن يحمل الأصولية الدينية في الوطن العربي مسؤولية الحروب، في حين يعرف المطلع أن المشروع الصهيوني بتكويناته وآلياته وأهدافه أساس كل الحروب، وأسس كيانه على أرض فلسطين، بعد تشريد وتدمير شعبها، وما زالت الآلة الصهيونية تزرع الرعب، وتقتل وتؤجج الحروب في المنطقة كلها. ويدعي بيريز أن السلام وإنهاء النزاع العربي- الإسرائيلي، الذي يعتبر الغطاء الأيديولوجي لسباق التسلح، دون أن يوضح لماذا يتخم الكيان الصهيوني نفسه بالأسلحة على مختلف أنواعها ثمناً لأية اتفاقية سلام مع أي طرف عربي؟ في حين يقتضي السلام إن كان سلاماً حقيقياً، التوقف عن شراء الأسلحة، واستبدال المال المصروف على السلاح ليذهب إلى التنمية.

ويدعي بيريز أن سلام الشرق أوسطية سيوفر الاستثمارات المالية في المنطقة، كما دعا إلى بناء اقتصاد عصري لدول المنطقة، وهذا برأيه يتطلب تقليص موازنات التسليح، وإعادة النظر بأنظمة التربية والتعليم، وأشكال استغلال الموارد الطبيعية، وزرع المنطقة بمراكز إنتاج الطاقة لتحلية المياه، وبناء بنية عصرية للاتصالات والنقل، وفتح الآفاق لتنمية الزراعة والصناعة والسياحة. ولأجل ذلك دعا بيريز إلى بناء نظام إقليمي اقتصادي في الشرق الأوسط، يغني دولـه عن استجداء المساعدات، دون الاستغناء عن التمويل الدولي لمشاريعه. وهذا يعني تشجيع الولايات المتحدة واليابان وأوروبا على استثمار أموالها في المنطقة. ومن المشاريع الاقتصادية التي اقترحها بيريز في كتابه، بما أسماه تعزيز التنمية واتجاهات السلام، كإقامة مصنع للشاحنات، تتوزع فروعه التكاملية بين مصر والكيان الصهيوني والأردن. واقترح مؤسسة مالية مصرية- أردنية- فلسطينية، ذات صلة معينة بالبنك الدولي، لها نظام خاص بها لتنشيط الاستثمارات.

وحول الزراعة دعا إلى تنمية زراعية إقليمية، للحد من خطر الجوع، كما قال. ويتطلب حسب رأيه إقامة منظمة لدول الشرق الأوسط ذات الشأن (المغرب- تونس- مصر- الكيان الصهيوني- سوريا- تركيا- قبرص- إسبانيا) تشرف على مشاريع مشتركة. وفي رأيه ذلك مرهون بتوفر الرغبة بين أهل المنطقة، وإن كان جوابهم الرفض، سيواجهون الجفاف والتصحر والجوع.

وحول المياه دعا بيريز إلى مشاركة جماعية في مياه الشرق الأوسط، وحل مشكلة المياه في المنطقة، سيوفر الأمن والاستقرار. ومن الحلول المائية التي يقترحها أن يعطي من يملك فائضاً من المياه لمن يشكو النقص، فالماء ملك سكان ودول المنطقة. ويقترح نظاماً إقليمياً للمياه، يقوم بالتخطيط، وتقسيم المياه بشكل متوازن، ويتجاوز الاحتكار القطري له. وعلى اعتبار تركيا تملك أكثر دول المنطقة من الماء، ولديها الفائض الكبير منه، يقترح نقل المياه منها عبر أنابيب ضخمة. واستخدام الناقلات الكبيرة لنقل المياه من تركيا إلى غزة وإسرائيل، وعبر الأنابيب إلى الأردن والسعودية، ولا ينسى أن يتم تبادل المياه بالنفط. وهذه المقترحات لشيمون بيريز رددتها كثيراً تركيا، عبر اقتراحاتها بإنشاء أنابيب السلام تمر في الأراضي العربية، ومنها أنبوب لنقل المياه إلى الكيان الصهيوني. واقترح بعض المسؤولين الأتراك مبادلة براميل المياه مقابل براميل النفط.

والشرق أوسطية في نهاية الأمر تتلخص بتغيير هوية المنطقة العربية، وإلغائها نهائياً، وإطلاق هوية جديدة، هي الشرق أوسطية بدلاً عنها. لتضم جغرافيا الوطن العربي والكيان الصهيوني وتركيا وقبرص وإيران والباكستان. وهذا التجمع برأي منظريها، يجب أن يكون تحت قيادة كيان الصهاينة. بالادعاء بأنها تملك العقل المبدع، الذي يستطيع أن يخرج المنطقة من التخلف إلى الرقي والتقدم، ويبني تجمعاً اقتصادياً وسياسياً يحتل مراكز متقدمة في العالم.

وقد شرح هذا الهدف أحد أنصار الشرق أوسطية من القادة العرب الملك الحسن الثاني الراحل، حين رأى أن العقل اليهودي والمال والعمالة العربية قادرة أن تصبح قدرة عظمى. ولم يخف بيريز جوهر ما قاله الحسن الثاني، حين طرح في إحدى المقابلات الصحفية للعرب بقوله: (إن جمال عبد الناصر قادكم زمناً، والسعوديين زمناً، فاتركونا نقودكم زمناً، لنثبت لكم، أننا قادرون على إنهاء مشاكلكم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية). ففي نظر الحسن وبيريز أن العقل اليهودي أقدر وأذكى من العقل العربي، فلماذا لا نتركه يقود العرب؟ لينهض بالتنمية العربية والمنطقة، لأنه يستطيع أن يحقق المعجزات.

ويعود تاريخ الشرق أوسطية، وسوقها، ونظريتها الاقتصادية، وإرهاصاتها الأولى، قبل كتاب منظرها الجديد شيمون بيريز، فتمت ولادتها تاريخياً، منذ تأسيس معهد صهيوني تحت اسم /السلام من أجل الشرق الأوسط/، والذي أنشئ بعد عدوان 5 حزيران 1967، والذي تبناه الملياردير اليهودي /روتشيلد/. وكان الهدف من إنشائه الترويج لاعتراف عربي بالكيان الصهيوني، بعد أن خسر العرب حرب 1967. وأعلن أن الهدف من تأسيسه، هو إقامة أشكال من التعاون الاقتصادي بين الكيان الصهيوني والبلاد العربية، كمقدمة للوصول إلى إنهاء حالة الحرب بين الطرفين، وأن تشكل العلاقات التجارية قاعدة السلام الصهيوني مع العرب.

وفي عام 1968 شكلت في الكيان الصهيوني جمعية خاصة باسم /من أجل السلام في الشرق الأوسط/، قامت بوضع دراسات حول سوق شرق أوسطية، تتركز على السياحة والزراعة والصناعة والمياه والطاقة والمشاريع المختلفة في المناطق غير المأهولة، وتوزيع صناعات على دول المنطقة. وأصدر حزب العمل عام 1970 دعوة في وثيقة تضمنت إقامة مشروع اتحاد بين الكيان الصهيوني والأردن والفلسطينيين ولبنان، على غرار اتحاد البنولكس. ودعت إلى تعاون إقليمي متبادل للسلام في الشرق الأوسط، يقدم المياه والسياحة والطاقة والزراعة والصناعة والتعليم.

 

¾¡¾

  

الفصل الثالث:
بيريز مبشر الشرق أوسطية

 وبعد أن طرح شيمون بيريز مشروع الشرق أوسطية، تجاوب معه رئيس وزراء مصر الأسبق مصطفىخليل، والذي أصبح نائباً لرئيس الحزب الوطني المصري، فأعلن كل من بيريز وخليل إطلاق مشروع شرق أوسطي، وأسموه (مشروع مارشال للشرق الأوسط). وعرف لدى الأوساط السياسية والاقتصادية بمشروع /بيريز- خليل/. واستهدف المشروع استغلال الثروة العربية في الخليج، ومن هنا نرى أطماع الصهاينة بالثروة النفطية العربية، مستخدمين حصان طروادة من دعاة التطبيع أمثال مصطفى خليل. حيث طالب المشروع بدمج الثروة في الخليج مع اقتصاديات الغرب، عن طريق برنامج مشترك يبلغ رصيده /30/ مليار دولار، تشرف عليه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والدول العربية النفطية.

ومنذ عام 1994 ارتفعت أسهم ما يسمى بالشرق أوسطية، فإلى جانب الحسن الثاني كان هناك العديد من أنصارها، وقد تجاهلوا عن دراية، وعن غير دراية مراميها الشريرة. وإنها البديل عما كان يطرح من شعار دولة صهيون من الفرات إلى النيل. ولكنها بإطار مختلف، وأشد خطراً على الأمة العربية، وهي تتوسع لتضم الوطن العربي والجوار الإقليمي له.

وفي المؤتمر الدولي للشرق الأوسط الذي عقد في الدار البيضاء عام 1994، اصطحب شيمون بيريز معه للمؤتمر /150/ خبيراً إسرائيلياً، وبينهم /8/ وزراء، وطرح في المؤتمر المذكور مشروعه الشرق أوسطي، ووضع له برنامج تنفيذي، يطبق وفق أزمنة حددها على مراحل ثلاث هي:

 

 

1- المرحلة الأولى: إقامة اتحاد اقتصادي إسرائيلي- فلسطيني- أردني على غرار دول (البينيلوكس)، وهو تجمع اقتصادي يضم بلجيكا وهولندا ولكسمبورغ، ألغيت بينهم الحواجز الجمركية.

2- المرحلة الثانية: إقامة منطقة للتبادل التجاري الحر من الاتحاد الثلاثي مع مصر وسورية ولبنان.. وتنتهي ترتيبات إقامتها عام 2010.

3- المرحلة الثالثة: إقامة منطقة موسعة للتعاون الاقتصادي، تشمل بالإضافة إلى البلدان العربية السابقة بلدان مجلس التعاون الخليجي، وليتطور ليضم تركيا وإيران وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق..(1)

أظهر مؤتمر الدار البيضاء في المغرب جانباً هاماً من الغزو الاقتصادي للمشروع الصهيوني، فقد حضر إلى جانب نصف الحكومة الصهيونية كبار رجال الأعمال الصهاينة أمثال (شاول ايرنبرج، وشموئيل دانكز، وإسحاق زوتكي، ومائير افتيال، وداني جيلرمان، وعازر ارتول، وديفيد كولتيس، وجاليا البين، وليليان شالوم، وحنان عساف). وكانت مشاريعهم التي حملوها إلى المؤتمر أشبه بغزو اقتصادي للوطن العربي، يريدون ابتلاع الأرض، بما فيها من خيرات وثروات، وأحضروا معهم عقوداً جاهزة للتوقيع وعقد الصفقات.

فالصهيوني (شموئيل دانكز) الذي يملك مجموعة دانكز في الكيان الصهيوني، التي تملك مصانع بتروكيماويات وبلاستك ومصانع ملح، وله نشاط في عمليات استيراد البترول وتسويق منتجاته. استطاع أن يعقد صفقة سريعة مع السلطة الفلسطينية، لتزويد مناطقها بالوقود. وعرض على رجال الأعمال العرب الذين حضروا المؤتمر، الاشتراك بإنشاء مصانع للطاقة ذات حجم صغير أو متوسط. واستطاعت ثلاث نساء صهيونيات حضرن المؤتمر، ويمثلن شركات صهيونية متخصصة في التقنيات والصناعات الالكترونية والتكنولوجية تحقيق عدة صفقات، وعملن على اختراق السوق العربية. فقد تقدمت الصهيونية (جاليا البين) المديرة التنفيذية لشركة /جاليا/ للاتصالات، ومعدات البناء والمعدات الطبية بعدة مشاريع للمؤتمر، تتضمن إنشاء صناعات خاصة بالاتصالات وبرامج الكومبيوتر في الدول العربية، ومشاريع للبناء والطب. وقد حصلت شركتها على اتفاق مبدئي مع المغرب والأردن والسلطة الفلسطينية.

 

 

وحصلت مديرة شركة /مرتولا/ الصهيونية (حنان عساف) على عقود مع المغرب لتنمية الاتصالات، ما بين شركة الصناعات الالكترونية في الكيان الصهيوني مع قطاع الصناعات الالكترونية في المغرب. وكذلك حققت الصهيونية /ليليان شالوم/ عدة صفقات لشركتها مع المغرب، في مجال الطاقة والتكنولوجيا. وعقد رجل الأعمال الصهيوني /شارل أيزن برج/ ثلاث صفقات للمناطق الصناعية، التي تقرر إقامتها على الحدود بين الكيان الصهيوني وغزة. وكذلك رجل الأعمال الصهيوني /مائير افيتال/ حصل على عقد باسم شركته /هارجز/، لتصنيع هياكل الأوتوبيسات، وعربات القطار، والمباني مسبقة الصنع، فقد عقد صفقات لشركته مع الأردن، ومناطق الحكم الذاتي، وتركيا.

ومن مصائب المؤتمر، أن تقدم إحدى الشركات الصهيونية المتخصصة بالأمور الأمنية، وتدعى شركة إسرائيل، ويديرها مجموعة من ضباط الأمن الصهاينة إلى الوفود العربية، التي حضرت المؤتمر، أن تقدم لهم خبراتها الأمنية في الحراسة والنظم الأمنية، وطرحوا عليهم أن يبيعوهم جدراناً أمنية لوضعها على الحدود. والحدود هنا طبعاً ليست بين الدول العريبة والكيان الصهيوني، بل بين الدول العربية بعضها البعض. وأبرمت صفقة بين الكيان الصهيوني مع قطر لنقل الغاز. وعرضت شركات صهيونية وتركية مشتركة لنقل المياه إلى بعض البلدان العربية عبر الأنابيب. وإن كان هذا ما أعلن، فإن ما تم سراً هو الأكثر والأخطر.(2)

وعلى الرغم من انعقاد عدد من المؤتمرات المماثلة، إلا أن مؤتمر الدوحة الذي أصيب بالفشل الذريع، بسبب الجريمة التي ارتكبتها القوات الصهيونية في قانا في لبنان في 18/4/1996، وكانت بأمر رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك، وكان وقتها شيمون بيريز، داعية الشرق أوسطية والسلام. وكشفت الجريمة التي ذهب ضحيتها مئات المدنيين اللبنانيين، الذين لجؤوا إلى قوات الأمم المتحدة، فقتلوا تحت أعين تلك القوات، لتكشف زيف وكذب السلام الصهيوني ودعاته من الصهاينة، وطروحاتهم التي ظاهرها سلام وباطنها الموت والدمار للعرب على مختلف انتماءاتهم.

أدت جريمة قانا إلى وقف حالة الاندفاع المريب تجاه الكيان الصهيوني من قبل عدد من الأنظمة العربية المهرولة للتطبيع، وتجمد مشروع الشرق أوسطية، بعد تولي بنيامين نتنياهو السلطة في الكيان الصهيوني. إلا أن مشروع الشرق أوسطية بقي تحت الرماد، وتحاول قوى دعاتها أن تعيد نفسها من جديد، وكأنها سفينة الإنقاذ للمنطقة، ولإنهاء الصراع العربي/ الصهيوني.

 

¾¾

 

 (1)-محمود عبد الفضيل- مجلة المستقبل العربي اللبنانية- العدد 179- كانون الثاني 1994- ص92.

(2)-وائل الأبرشي- روز اليوسف المصرية- العدد 3466- 14/11/1994.

 

 

 

¾¡¾

  

الفصل الرابع:
حزب العمل.. والسلام

 

منذ نشوء الكيان الصهيوني عام 1948، وحزب العمل الصهيوني يقود السلطة فيه، وهو الذي شن كل الحروب ضد العرب، عدا غزو لبنان عام 1982، الذي تم في عهد الليكود، وشارك في كل المؤتمرات والمخططات المعادية، التي تسعى لتدمير المشروع القومي العربي. ولم يترك أذية مهما كانت إلا واستعملها ضد العرب ووحدتهم ونهضتهم، دون النظر إلى نتائجها الكارثية. في الوقت نفسه يتشدق يومياً أمام العالم بأنه يرغب بالسلام مع العرب، وأنه يمثل اليسار الصهيوني الساعي للسلام، ويواجه اليمين والمتطرفين المتدينين الصهاينة، الذين يرفضون السلام، وإعادة الأراضي المحتلة للعرب، ويدعون إلى الحرب.

ومن الغرائب أن هذا الحزب لا يزال يخدع العالم الغربي، بأنه حزب السلام، وليس له بديل، وأنه يمد يد السلام للعرب إلا أنهم يرفضونها، وأنه لا يستطيع أن يعيد كل الأراضي العربية بحجة الأمن، ويرفض عودة اللاجئين والقدس ونزع المستوطنات. ورغم هذا الرفض للقرارات الدولية، والتي تستحق الإدانة إن صدرت عن غير الكيان الصهيوني، فإن حزب العمل استطاع خلال عشرات السنين من توليه السلطة، أن يزرع في ذهن الغرب بأن جوهر الصراع العربي/ الصهيوني يندرج تحت مقولة أن الكيان الصهيوني ضحية الكراهية والحقد العربي، كونه يمثل واحة الديمقراطية الغربية، وأنه يوجد جغرافياً في محيط استبدادي همجي.

واستغل حزب العمل حتى بداية التسعينات بقوة علاقات بعض الدول العربية وخاصة مصر وسورية مع المعسكر الاشتراكي السابق، الذي كان نداً للمعسكر الغربي في الحرب الباردة، التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، لتحريض المعسكر الغربي ومعاداته للعرب ومشروعهم القومي التنموي النهضوي.

واستغل في عملية التحريض المعادي كذلك رفض مصر وسورية خاصة وعدد من الدول العربية بقوة سياسة الأحلاف العسكرية، التي طرحها الغرب خاصة الولايات المتحدة في الخمسينيات ضد الاتحاد السوفيتي، ومن المعروف أن سبب رفض العرب لهذه السياسة، اتباعهم سياسة الحياد الإيجابي بين المعسكرين، وليس لديهم أية مشاكل سياسية أو اقتصادية، أو تنازع على الأرض مع الاتحاد السوفيتي، حتى يكونوا حلفاً عسكرياً واقتصادياً مع الغرب ضده.

واستطاعت الحملة الإعلامية والسياسية التي قام بها حزب العمل والحركة الصهيونية آنذاك، أن تنجح بتشكيل سياسة غربية معادية ومتآمرة على المشروع القومي العربي وحركته التحررية الوحدوية. تعددت أشكالها وأساليبها ومخططاتها، وكان أبرزها الدعم المطلق للكيان الصهيوني، ليغدو الهراوة التي ترعب العرب، ومشكلاً حالة رعب وخطر مستمرين على الأنظمة والأرض العربية. فاستغل الكيان الصهيوني الذي يقوده حزب العمل هذه السياسة والدعم الغربي المطلق له، ليوقف حركة النهوض القومي بإجراء تنمية شمولية للمجتمع والدولة، من خلال شن الحروب والاعتداءات اليومية والغارات المسلحة، والتحرش المستمر بالقوات العربية خاصة السورية والمصرية. مما فرض على الأنظمة العربية المحيطة بالكيان الصهيوني تخصيص القسم الأعظم من دخلها القومي ذي الأساس الضعيف للإنفاق العسكري، وإشغال قسم كبير من طاقتها البشرية في العمل العسكري.

كان الهجوم الإعلامي المخادع باسم السلام، الذي قاده حزب العمل منذ عام 1948، يرتكز على أنهم يطالبون بالسلام مع العرب، إلا أنهم لا يجدون من جيرانهم العرب من يقبل بالسلام معهم، وهم لهذا مضطرون إلى شن الحروب ضدهم، مرة لردع تنامي القدرات العسكرية العربية، تحت ذريعة أنها تشكل خطراً على وجود الكيان. وتارة أخرى من أجل الأمن الصهيوني، فهي حرب أمنية، تحسباً مما يبيت العرب ضد الكيان. ولهذا شن حزب العمل حروب 1948 و1956 و1967.

وبعد حرب تشرين الأول عام 1973، تغيرت أساليب الخداع في إعلام السلام لحزب العمل، فقد أعلن العرب علانية قبولهم للقرارات الدولية، التي أعقبت الحرب، وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 338، والمتضمن قرار 242 الذي يدعو إلى الانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967. فاستخدم حزب العمل المناورة والخداع، لإجهاض مؤتمر جنيف عام 1974، فرفض دعوة ممثلي الشعب العربي الفلسطيني للمؤتمر، وهو يدرك أن سورية لن تذهب بدون الفلسطينيين. وبذلك أجهض حزب العمل مؤتمر السلام الذي دعت إليه الأمم المتحدة.

وكانت حرب تشرين نهاية استمرارية حزب العمل في الحكم، فظهر له منافس قوي، استطاع أن يسحب من بين قدميه السلطة، هو تجمع الليكود اليميني برئاسة مناحيم بيغن، الذي لم يخف كراهيته للعرب، ورفضه لقرارات الشرعية الدولية بعودة الأراضي المحتلة، بل اتخذ مجموعة من القرارات، التي كرست احتلال الجولان والقدس والضفة الغربية وغزة، واعتبرها أرض إسرائيل التاريخية. وأما اتفاقية كامب ديفيد، التي وقعها بيغن مع السادات، فقد كانت لغايات وأهداف، سوف نبينها في فصل قادم من هذا الكتاب.

وتناوب الحزبان على السلطة بعد حرب تشرين، وفي كل دورة انتخابية داخل الكيان الصهيوني، يرفع حزب العمل شعار السلام مع العرب ليصل إلى السلطة، وأن زعيمه القادم سيكون رجل السلام، الذي سينهي الحروب، ويعيد الحقوق إلى أصحابها، ويهلل العالم، والعديد من العرب، لنجاح حزب العمل في الانتخابات. إلا أن الأيام سرعان ما تخيب آمال المهللين، بعد أن تظهر ممارسات قيادة حزب العمل في الحكم على حقيقتها. والتي تخالف كل ما طرح من كذب على عرب التسوية والعالم، حيث تكون ممارساته في الحكم أشد وبالاً على العرب في الأراضي المحتلة، فتزداد المستوطنات السرطانية انتشاراً في الأراضي العريبة، وتفتح أبواب الهجرة اليهودية الواسعة لفلسطين المحتلة، وتتم مصادرة الأراضي العربية من أيدي أصحابها، ويستخدم القتل والتدمير والقمع الشديد لأية معارضة عربية، تحاول الوقوف أمام هذه الممارسات الوحشية، وابتلاع الأراضي وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية.

وفي عهود حزب العمل واجهت المقاومة اللبنانية والفلسطينية قمعاً وقصفاً وحشياً، وحرباً شرسة دون أي اعتبار لأطفال المدارس ومرضى المشافي، وحتى دور العجزة وحضانات الأطفال لم تنج من الإرهاب الوحشي، الذي انطلق بأوامر من زعيم حزب العمل داعية السلام، فكان قادة حزب العمل أكثر وحشية في قمع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وقد رأى العالم كله جنود اسحق رابين، وقد صورتهم عدسات التلفزيون، يقومون بتكسير عظام الشبان الفلسطينيين، وهم في الأسر. واستخدامهم كل وسائل القتل والترويع والإرهاب لإخماد الانتفاضة، وكلما ازدادت الانتفاضة صلابة وقوة، زاد رابين عنفاً، وتمنى علانية وأكثر من مرة، أن ينام ويصحو صباحاً، وقد وصله خبر بأن غزة ابتلعها البحر.

في عهد رابين وقع مع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو عام 1994، واستهدف منها حزب العمل وقف الانتفاضة، التي أجبرت رابين وقادته العسكريين، أن يصرحوا أكثر من مرة، بأنهم يفكرون بالانسحاب من غزة من طرف واحد، إن لم يتم الاتفاق مع الفلسطينيين، فجاءت اتفاقية أوسلو سفينة إنقاذ للجيش الصهيوني ورابين من انسحاب مذل من غزة وغيرها، كما انسحب زعيم حزب العمل ايهود باراك من الجنوب اللبناني دون التوقيع على اتفاق، حين خرج جيشه تاركاً معداته وأسلحته غنائم للمقاومة وللجيش اللبناني.

فحقق رابين باتفاقية أوسلو بقاء قواته في أقسام من غزة، وكذلك بقاء المستوطنات فيها، وأخرج جيشه من مصيدة المدن الكبرى، وحافظ على بقاء القدس، حيث أجلت الاتفاقية المحادثات بشأنها، ومشكلة عودة اللاجئين إلى محادثات الحل النهائي، الذي يمكن تسويفه، ويسمح الوقت بالتغيير الديموغرافي على الأرض لصالح الكيان الصهيوني. ووفرت الاتفاقية له قوة فلسطينية، تحمل شعارات تحررية وثورية، تقوم باعتقال الفلسطينيين الرافضين للسلام الصهيوني المزيف، وتصادر حريتهم. وأحياناً يتم التنسيق مع أجهزة الأمن الصهيوني ضدهم برعاية المخابرات المركزية الأمريكية.

ورغم السلام المنقوص الذي أنجزه اسحق رابين للحركة الصهيونية وكيانها، في اعتراف علني من منظمة التحرير الفلسطينية بوجود الكيان الصهيوني، وإنهاء أساس الصراع حول القضية الفلسطينية، بعد أن وافقت المنظمة على إلغاء بنود الميثاق الفلسطيني، في حق العودة، وأرض فلسطين التي اغتصبها الصهاينة في عام 1948. ورغم هذا الإنجاز الضخم، الذي حققه رابين للحركة الصهيونية وللكيان الصهيوني، فإن القوى المغالية في الصهيونية والتطرف الديني، قامت بقتل رابين، واعتبرته مرتداً، وأنه تنازل عن أرض إسرائيل المزعومة.

وخلفه في الحزب شيمون بيريز صاحب امبراطورية صهيون الاقتصادية، التي طرحها عبر نظرية الشرق أوسطية، التي تناولها الكتاب في الفصل السابق. وصاحب وصوله ضجة إعلامية غربية ومن عرب التسوية، بأن على يديه سيتم تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، وتم تقديمه للعرب والعالم، بأنه سيد الحمائم في الكيان الصهيوني.

إلا أن الأيام اثبتت عكس ذلك، فلم يستطع أن يحقق أحلام العرب المهرولين، ولا أحلام الغرب، بل ازداد الاستيطان شراسة، وازدادت عمليات الانتقام من المقاومة اللبنانية، وقصفت القرى والمدن والبنى التحتية. وسقطت رهانات المهرولين على بيريز، وخيبة أملهم بسلامه المخادع، حين شنت قواته الصهيونية بأوامره على لبنان حرباً ضروساً من الجو والبر والبحر، أطلق عليها اسم "عانقيد الغضب"، والتي بدأت منذ صباح يوم الخميس 11/4/1996، واستمرت إلى مساء الجمعة 26/4/1996، ليبرهن لعتاة الصهاينة من العسكريين واليمين، بأنه لا يقل عنهم عنفاً وشراسة ودموية.

وكانت نتائجها هلاك المئات من المدنيين اللبنانيين العزل، ودمار لمنشآت مدنية ورسمية، وخطوط المواصلات، والجسور، وغالب البنية التحتية، وتهدم ممتلكات اللبنانيين الشخصية، وكانت قمة الجرائم، تلك العملية الجريمة والمذبحة التي ارتكبها الصهاينة يوم الخميس 18/4/1996 في (قانا) بالجنوب اللبناني. حيث قتل في تلك المذبحة، ما لا يقل عن مئة من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال العزل، وكانوا من الناس المدنيين الابرياء والذين هربوا خوفاً من قنابل الموت إلى قوات الامم المتحدة... وقد اثارت جريمة قانا شعور العالم بأسره من شدة أهوالها وعظمة مأساتها، وتناولتها وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم، لتظهر كذب دعاة السلام الصهيوني، وما يحملونه من حقد دفين تجاه الأمة العربية، وإن تغلف الحقد في جسم طائر السلام.

فكتبت عنها صحيفة هاآرتس الصهيونية (قتل ما لا يقل عن 100 مدني وجرح نحو 100 مدني آخر، كانوا قد هربوا من منازلهم في بداية عملية "عناقيد الغضب"، بناء على أوامر إسرائيل، من جراء قيام الجيش الإسرائيلي بقصف مقر قيادة تابع لقوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة (يونفيل) في قانا في الجنوب اللبناني. فقد أصابت نيران المدفعية مخيماً لللاجئين، أقيم داخل منطقة المقر في قرية قانا الواقعة على بعد 15 كيلو متراً جنوب شرقي صور.)(1).

وبعد مجزرة ما سمي بعناقيد الغضب، سقط شيمون بيريز سياسياً ورجل سلام، وحاول عرب التسوية بدعم غربي كبير، أن يقوموا بعملية إسعافية سريعة، لإنقاذ حمامة صهيون الدموية، وعقدوا مع حلفائهم من الزعماء في شرم الشيخ مؤتمراً دولياً بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن دماء اللبنانيين كانت لا تزال تنزف، من أجل دعم ومساندة بيريز في الانتخابات داخل الكيان الصهيوني. إلا أن الرأي العام الصهيوني، الذي كان مشبعاً بالروح العدوانية ضد العرب، لم يجد في عضلات بيريز القوة المطلوبة لقتل العرب، وإرغامهم على سلام يمليه عليهم. ورغم ما قدم لصهيون من دماء عربية بريئة في عمليته (عناقيد الغضب)، فلم يفلح بيريز، وسقط في انتخابات حزيران 1996. وحل بدلاً عنه بنيامين نتنياهو اليميني، الذي كشر عن أنيابه، وأعلن عن قدرته لسحق العرب الإرهابيين، وقد نشرت الصحف الصهيونية، أنه كان يحض بيريز بعد مجزرة قانا على استمرار العمليات العسكرية.(2)

وفي انتخابات عام 1999، عاد حزب العمل إلى السلطة برئاسة زعيمه ايهود باراك، الذي أمطر العالم بأحاديثه عن السلام، وحصل باسم السلام على أصوات العرب الفلسطينيين في الأراضي العربية المحتلة، وتابع عرب التسوية الانتخابات الصهيونية من خلال وسائل الإعلام بلهفة، ينتظرون فوز فارس السلام الموعود، وفاز رجل السلام الصهيوني الموعود.

ولكن بعد عام فقط من زعامة باراك سقطت أحلام عرب التسوية، وأظهر لهم أنه أِشد بكثير من نتنياهو في معاداته للسلام، ففشلت مباحثاته مع سورية في الولايات المتحدة. واستخدمت الولايات المتحدة بشخص رئيسها بيل كلينتون للضغط على الرئيس الأسد في قمة جنيف في آذار 1999، للتنازل عن الحق السوري في بحيرة طبرية. إلا أن الرئيس الراحل حافظ الأسد رفض أن يتنازل عن شبر واحد من الجولان وخط الرابع من حزيران 1967، وفشلت قمة جنيف. وكذلك لم تنجح مناوراته لجر لبنان إلى اتفاق، يرضي غروره الصهيوني، والمتمثل في الانفراد بلبنان دون سورية، وقبول التنازل عن أراض لبنانية، وإدخال جيش لحد العميل في المؤسسة العسكرية اللبنانية. وصمد لبنان ومقاومته الوطنية، ومن خلال عمق استراتيجي عربي سوري، داعم للمقاومة ولصمود لبنان. وأمام هذه المقاومة البطولية والصمود، خرج من الجنوب اللبناني، تاركاً عملاءه من أفراد ما يسمى بالجيش اللبناني من مليشيات (انطون لحد)، في متاهة الذل بين الاستسلام أو الفرار إلى الكيان الصهيوني. وكانت هزيمة نكراء للجيش الأسطورة كما يدعي قادة الكيان بكل المقاييس، ليسجل التاريخ الحديث للمقاومة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله أروع انتصار، وأول هزيمة لجيش الاحتلال الصهيوني منذ تاريخ الصراع.

وخرج باراك مهزوماً من لبنان، لم يحصل على أي اتفاق كما كان يريد مع لبنان أو سورية. وعلى الساحة الفلسطينية تلاحق الفشل لعمليات التجميل بينه وبين السلطة الفلسطينية. بسبب سياساته، التي كانت أشد تطرفاً وغلواً من سياسة نتنياهو، حيث ازداد الاستيطان في الضفة الغربية، وتسارعت عمليات تهويد القدس، وأفشل مؤتمر كامب ديفيد في صيف عام 2000، والذي تم برعاية الرئيس كلينتون، لرفضه تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. وكان سقوط آخر أوراقه السلامية المخادعة، حين سمح لشارون بدخول المسجد الأقصى محمياً بما يزيد على ثلاثة آلاف جندي صهيوني، متحدياً مشاعر المسلمين في داخل الأراضي المحتلة وخارجها. فتفجرت انتفاضة الأقصى التي أسقطته، وأجبرته على الاستقالة، وأسقطت السلام الصهيوني المزيف، وسياسة الخداع، التي يمارسها حزب العمل وزعيمه باراك.

لكن المصيبة في بعض العرب، أن لديهم ذاكرة سريعة التلف، بحيث يصيبها النسيان، وعدم القدرة على التذكر، ولا يوجد في داخلها أرشيف تاريخي تعود إليه، فتنسى من أراد قتلها واغتصاب شرفها وأرضها ومقدساتها. وإلا لماذا الأعراس في أكثر من عاصمة عربية لنجاح باراك وسقوط نتنياهو؟!! وما قام به باراك ضد العرب من جرائم ومذابح، يعادل آلاف المرات ما مارسه نتنياهو ضدهم، أو من عقليته المتشددة، والتي كانت نتائجها، أن أكسبت العرب والفلسطينيين خاصة، تعاطفاً مع قضاياهم، وعرت الكيان الصهيوني ومرتكزاته المضادة لكل شرائع الأرض. وهنا لإثبات ذلك لا بد من استعراض تاريخ باراك الإجرامي قبل استلامه السلطة. وماذا كان يطرح لحل الصراع العربي/ الصهيوني.

 

¾¾

 

(1)-هاآرتس- 19/4/1996.

(2)-هاآرتس- المصدر السابق.

 

¾¡¾



  

الفصل الخامس:
باراك والسلام المزيف

 تعود اصول الجنرال ايهود باراك إلى أسرة يهودية أوكرانية، استوطنت في فلسطين في مستوطنة "مشمار هشارون" قرب تل أبيب في 15 تموز 1942. أسماه والده باسم (ايهود) نسبة إلى أحد القادة العسكريين اليهود، الذين وردت أسماؤهم في التوراة (ايهود جرا). ويظهر أن التسمية كانت لسببين، الأول ليحمل اسم بطل يهودي، كما تفعل كل الشعوب والطوائف، والثاني تحضيراً من الأسرة، لينتمي إلى المؤسسة العسكرية الصهيونية، التي لعبت، وما زالت الدور الرئيس في صناعة القيادة السياسية للكيان. حيث هدفت الحركة الصهيونية أن تؤسس كيانها على النمط الإسبارطي اليوناني، بغية إرهاب العرب، لمنعهم من استعادة أراضيهم التي اغتصبتها بقوة السلاح والمقاومة، إضافة إلى أن المشروع الصهيوني يحتاج إلى القوة للتنفيذ، إضافة إلى ما يقدم من خدمات عسكرية للمخططات الغربية.

وأبدل باراك، اسم عائلته من "بروج" إلى "باراك"، والتي تعني بالعبرية " البرق" للتفخيم والعظمة. ثم دخل الحياة العسكرية وعمره (16) في كتائب الشبيبة العسكرية الإسرائيلية (الجد ناع)، ثم تطوع بالجيش الإسرائيلي سلاح المدرعات في 10/11/1959، وأجرى العديد من الدورات العسكرية في هيئة الأركان وقيادة ضباط المشاة.

من الأعمال العسكرية والجرائم التي قام بها ضد العرب، وما زال يفتخر بها في كل مناسبة، كانت أولاها دخوله إلى الجولان عام 1962، بمهمة تجسسية ضد الجيش السوري، لاستطلاع مواقع جغرافية في الجولان، ولنجاحه في هذه المهمة منح أول وسام صهيوني. وارتكب أبشع الجرائم في حرب حزيران 1967 بحق الجنود المصريين، حيث اشترك في الهجوم على الجبهة المصرية. وما زال يتفاخر بالجرائم التي ارتكبها فيها. من أنه قتل ببشاعة الأسرى العسكريين العرب المصريين، دون أن يهتز ضميره، ولم يقدم على فعلتها حتى المغول والنازيون.

هذه الجريمة يتحدث بعد سنوات من ارتكابها متفاخراً فيقول: (كنت آنذاك ضابطاً صغيراً في الجيش، وكان الجنود والقادة الإسرائيليون يتفننون في التعذيب والتنكيل بالأسرى المصريين قبل قتلهم، وتجريدهم من السلاح، ولم أرحم قرابة الألفين من الأسرى، وأبقيتهم يومين في الصحراء، حيث كانت الشمس ملتهبة، وأمرت قوات الجيش التابعة لي بتجميع الأسرى في مجموعتين كبيرتين، وطلبت منهم خلع ملابسهم والنوم على بطونهم ساعة القيلولة، وأمرت بإطلاق النار، وحددت لهم إحدى عشرة ساعة للتخلص من الألفي أسير، كانوا يقفون وأحذيتهم فوق رؤوسهم أو صدورهم، وكل من يصرخ كان يقتل في الحال، وتلقى جثته بمساعدة جنديين إسرائيليين إلى الصحراء.)(1).

ونذكر جريمة أخرى يعتز بها باراك إلى يومنا هذا، حين اقترف جريمة قتل ثلاثة من قادة الفلسطينيين (الشاعر كمال ناصر ويوسف النجار وكمال عدوان)، في عملية غادرة ليلة 10 نيسان 1972، حين فاجأ القادة الفلسطينيين على حين غرة، وهم آمنون في غرف نومهم، فغدر بهم وقتلهم أمام أعين أسرهم. وتمت الجريمة حين قاد مجموعة من الجنود الصهاينة، وتسلل بهم إلى بيروت، ونفذ جريمته، مع نسف عدد من المؤسسات الفلسطينية، وعاد إلى فلسطين المحتلة، متباهياً بمجزرة غادرة. وظل يتفاخر بهذه العملية البشعة، حتى في حملته الانتخابية عام 1999، ويقول متباهياً: (عندما أطلقت النار على رأس كمال ناصر، تطاير جزء من دماغه على قبعتي العسكرية)(2).

كما تفاخر أثناء تلك الحملة الانتخابية أيضاً بقيامه باقتحام الطائرة التي اختطفها الفدائيون الفلسطينيون، والذين قادوها إلى تل أبيب للتفاوض لإطلاق الأسرى الفلسطينيين من السجون، فقاد باراك مجموعة من العسكريين الصهاينة، واقتحم الطائرة، وقتل الفدائيين الخمسة الذين اختطفوها، ومن بشاعة وحقد باراك على العرب، فقد وزع صوراً لـه، وهو يحمل مسدساً مشهراً، ويدوس بقدمه جثة أحد الفدائيين الفلسطينيين(3). ليدلل على قوته وجبروته في ذبح العرب وتصفيتهم.

وبين عامي 1983-1985 كان يرأس شعبة الاستخبارات العسكرية، ووجه اهتمامه في تلك المرحلة لقتل رموز منظمة التحرير الفلسطينية، فأوصى حكومته بضرب مقر المنظمة في تونس، وحين حصل على الموافقة، شارك في غرفة العمليات المتقدمة التي شكلت لقصف مقر المنظمة في "حمام الشط" في تونس.

وفي بداية الانتفاضة الأولى عام 1987 كان يتولى قيادة المنطقة الوسطى، ثم أصبح نائباً لرئيس الأركان، واقترح أن يبنى سجناً في النقب للفلسطينيين المنتفضين، وعلى اقتراحه بني سجن (أنصار 3). واقترح تشكيل كتائب الموت والمستعربين، التي تتشكل من جنود صهاينة مدربين، يرتدون اللباس العربي، ويندسون بين الجماهير الفلسطينية، لتقوم بمساعدة القوات الصهيونية بإلقاء القبض على المنتفضين، وكشف قيادتهم، وتصفية كوادر الانتفاضة.

وطور عمل المستعربين، حين شكل شبكة قوية ضمتهم مع مجموعة من كبار ضباط الجيش والأمن، قامت بتطوير أدائها في إلقاء القبض على نشطاء الانتفاضة. وكان صاحب فكرة الإغلاق التام للضفة الغربية، وإطلاق يد وحدات المستعربين وأفراد الشاباك عام 1992 ضد أبناء الانتفاضة.

ولا غرابة أن تطبق معظم أفكاره القاتلة والإرهابية ضد انتفاضة الأقصى، التي انطلقت في 28 أيلول 2000، بعد اقتحام شارون وجنود باراك الحرم القدسي، فقام باراك بتقطيع أوصال الضفة وغزة، ومارس التجويع، واستخدام آلة الرعب كالطائرات والدبابات ومختلف الأسلحة ضد المدنيين، الذين يعبرون عن رفضهم للاحتلال الصهيوني، ولم يتورع عن قتل الأطفال حتى الرضع منهم، وأن يستخدم المستوطنين في تدمير مزارع الفلسطينيين، وقتل الأطفال الآمنين، كما لم يتورع عن استخدام أية وسيلة لذبح الفلسطينيين.

ومن أعماله الإرهابية التخطيط والإعداد لعملية اغتيال الشهيد "خليل الوزير" عضو اللجنة المركزية في حركة فتح ومسؤول الأرض المحتلة، وأن يشارك شخصياً في تنفيذ العملية. وكان الشهيد (الوزير) الرأس الأول في إدارة حركة الانتفاضة الأولى، والمخطط لعملياتها، ويقود أنشطتها وهو في تونس، لهذا سعى باراك لتصفيته جسدياً في منفاه، ظناً منه أن قتل الوزير سينهي الانتفاضة إلى الأبد(4).

ومن الغريب أن يأتي باراك عبر شعارات السلام رغم كل هذه الجرائم، رغم أنه كان في وزارة رابين وزيراً للداخلية، ممن يطلق عليهم صقور العمل الرافضون للسلام مع الفلسطينيين، وقد رفض التوقيع على اتفاقية أوسلو رغم مساوئها للعرب الفلسطينيين، وتقديمها اعترافاً للكيان من قبل أصحاب الأرض. وتعمد إعطاء المستوطنين ترخيصاً لبناء مستعمرة لهم في رأس العمود إحدى ضواحي القدس الشرقية.

وبعد مرور سنة وتسعة أشهر على تولي باراك الحكم في الكيان الصهيوني، كان من نتائج سياسته المخادعة والمظللة للسلام، أن تفجرت انتفاضة فلسطينية أخرى، هذه السياسة الخادعة، لم تحقق أي سلام كما كان يطرح في برنامجه الانتخابي، الذي جاء به على رأس السلطة الصهيونية في انتخابات عام 1999. فقد تضاعف الاستيطان الصهيوني في الأراضي العربية المحتلة عام 1967، عما كان عليه في عهد نتنياهو، ومارس الحصار والتجويع ضد القرى والمدن الفلسطينية، أكثر من سلفه، ولم ينفذ ما وقع عليه مع السلطة الفلسطينية، رغم ضمانة الشهود الأمريكان والعرب. وسعى لفرض استسلام عربي لكل شروطه الصهيونية، ورفض إعادة الأراضي المحتلة عام 1967، وهدد السلطة الفلسطينية، إن أعلنت دولتها المستقلة، بمصادرة ما لدى الكيان الصهيوني من أراضي فلسطينية، لم تسلم بعد إلى السلطة، وهي تزيد على نصف أراضي الضفة الغربية وغزة.

وأثبت أنه لا يقل حماسة للمشروع الصهيوني المعادي للسلام عن رؤساء الحكومات، الذين سبقوه، وقد أشارت صحيفة (ها آرتس) الصهيونية إلى سياسة السلام المخادع، التي اتبعها منذ توليه الحكم بقولها: (.. بدلاً من أن يسلك باراك الطريق الصحيح، أصر على مطلبه المتمثل بإنهاء الصراع دون اعتراف إسرائيل بحدود عام 1967، وزاد على ذلك، أن واصل سياسة الاستيطان، حيث تم خلال سلطته الحالية بناء أكثر من 11000 وحدة استيطانية جديدة. وها هو يدفع ثمن سياسته هذه على الأرض، حيث أحداث العنف الدامية التي تهدد إسرائيل من الداخل)(5).

فشعاراته بتحقيق السلام مع سورية ولبنان في فترة وجيزة، نراه يهددها ولبنان بالحرب، للخروج من أزمته الداخلية الخانقة، التي أنتجتها تفاعلات الانتفاضة. وبدلاً من شعار إنهاء الصراع مع الفلسطينيين، ها هو جيشه يرتكب المجازر الوحشية ضد الأطفال والمدنيين العزل، في قمعه لرفض الشارع الفلسطيني للاحتلال. وكلما أوغل في الترويع والإرهاب في الأراضي المحتلة، لقي ردة فعل غاضبة من الرأي العام العربي والإسلامي ، وامتعاضاً من الرأي الغربي، الذي يعول عليه الكثير في مساندة الكيان الصهيوني، وانهياراً مستمراً في حكومته، وانحسار شعبيته في الداخل، وانفراط أغلبيته البرلمانية التي تكونت بعد استلامه السلطة.

ولم يرَ العالم من تلك الشعارات الانتخابية إلا الكذب، فبعد عام ونصف من الحكم، يدعو شارون زعيم الليكود المرفوض دولياً لممارساته الوحشية ضد العرب، وبطل مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان، ليكون شريكاً له في حكومة واحدة، يطلق عليها حكومة طوارئ، وحتى شارون لم يرغب أن يتعاون معه تحت شروطه الخاصة، ومنها ما زعم عن عدم تقديم تنازلات للفلسطينيين باسم السلام، الذي يرفضه شارون بالأساس.

وكتبت جريدة ها آرتس الصهيونية حول هروب باراك إلى شارون للمحافظة على كرسيه، بعد أن هشمت الانتفاضة الفلسطينية حكومته، هو فشل واضح لشعاراته، وأن الصهاينة يفضلون شارون ونتنياهو، على تحالف باراك وشارون. فقالت: (باراك رجل واقعي كما وصفه أحد وزرائه.. فهو يعرف تمام المعرفة أن إدخال شارون إلى الحكومة، يعني بالتأكيد إلقاء قضية السلام جانباً، واستبعادها كلياً من برنامج عمل الحكومة. لقد سبق لباراك أن أوضح غير مرة، أن حكومة نتنياهو لعدم تمكنها من وضع برنامج عمل سياسي واضح لذلك.. وإذا ما كان الهدف الأساسي للسياسة الإسرائيلية إعطاء الأولوية للغة الحرب، فلا شك أن الإسرائيليين سيفضلون تحالفاً بين نتنياهو وشارون، على تحالف بين باراك وشارون.. ثم إن الإسرائيليين سوف يتساءلون عن الأسباب التي تدفعهم للتصويت لصالح باراك، وهم الذين أملوا أن يخلصهم من ظل نتنياهو إلى الأبد)(6).

باراك والانتفاضة وعرب التسوية

وعلى الرغم من الوحشية والقتل والقصف لإخماد الانتفاضة الثانية، التي مارسها باراك وجنوده المستوطنون، فإن عرب التسوية لا يزالون يعلقون عليه الآمال في تسوية الصراع العربي الصهيوني. وتجري حالة خداع إعلامية وفق التخويف والترهيب من استلام شارون أو نتنياهو الحكم، حيث تسقط عملية التسوية برمتها. لهذا سعوا إلى إنقاذه كما فعلوا مع بيريز عام 1996، وسقط رغم عملية الإسعاف السريعة، فتم عقد مؤتمر في شرم الشيخ مرة أخرى في تشرين الأول عام 2000، دعا إليه الرئيس المصري حسني مبارك، وحضره إلى جانب باراك وعرفات، الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، والملك الأردني عبد الله الثاني، وممثل الاتحاد الأوروبي خافير سولانا، ووزير خارجية روسيا، وكوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة. وخرج بمقررات أذاعها كلينتون، إلا أنها ماتت في مهدها، لعدم جدية باراك وحكومته في تنفيذها، مع رفض الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي لها.

واستمرت الانتفاضة تقدم كل يوم قافلة من الشهداء والجرحى وخسائر مادية مستمرة، حيث وضعت هدفاً لها هو تحرير الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها الأقصى والقدس. ولم تنجح أيضاً الجهود الغربية في إنقاذ باراك وحكومته من الانهيار الداخلي، وفقدان الثقة به من عرب فلسطين المحتلة والصهاينة معاً، فقد سقط هو شعاراته والسلامية، التي عرت زيفها ممارساته ومناوراته. فأعلن في 9-12-2000 استقالة حكومته، ودعا إلى انتخابات سريعة بعد شهرين، ورشح نفسه في الانتخابات، وأظهرت الاستطلاعات التي تجريها وسائل الإعلام الصهيوني تفوق نتنياهو وشارون عليه وحتى كتابة هذا الفصل.

واستطاعت أجساد الفلسطينيين وحجارتهم وأطفالهم، أن تهزم باراك الجنرال القاتل والإرهابي الذي غير جلده وخطابه في الانتخابات والتصريحات، وعاد إلى آلته الحربية ليحصد أرواح العرب الفلسطينيين، باسم السلام. ومن غرائب السلوكية الصهيونية أن يترك الصهاينة صاحبهم، حين تسقط أوراقه السياسية، وكذلك فعل من دخل وزارته، التي رفعت شعار (إسرائيل واحدة). فخرج وزراء ميرتس وشاس وحزب ديفيد ليفي وغيرهم من الأحزاب، بحثاً عن صهيوني يستطيع أن يخدع العرب والعالم بسلام صهيوني خادع كسباً للزمن، فيبقى العالم بانتظار تحقيقه. وفي نفس الوقت يتكرس الاحتلال، من خلال انتشار الاستيطان الصهيوني كالسرطان في الأراضي العربية المحتلة، وجلب اليهود إليها من كل أنحاء العالم.

ثمانية عشر شهراً من حكم باراك، تبين للعرب جميعاً وللعالم أن السياسة الصهيونية معادية للسلام مهما كانت الحكومة، ومهما طرحت من شعارات، وأن قادة المشروع الصهيوني صورة طبق الأصل، مهما كانت انتماءاتهم الحزبية. وفي عودة لصحف العدو، نجد أن الإعلام الصهيوني يقول ما أشرنا إليه، فقد كتبت صحيفة ها آرتس تقييماً لسياسة باراك، أظهرت فيه أن شعاراته زائفة وكاذبة، فكتبت تقول: (.. من خلال محاكمة موضوعية للفترة الماضية، أي منذ وصول باراك إلى السلطة، أن هذا الرجل زاد من خيبة أمل الإسرائيليين وعمق إحساسهم بالمرارة والإحباط. وتفوق على نتنياهو كثيراً في هذا المجال، فبدلاً من تحقيق السلام مع سورية، كما وعد وتعهد؛ ها هي إسرائيل تعيش نزاعاً شرساً مع جميع الدول العربية، في وقت تشير فيه كل الدلائل، إلى أن سورية لا تزال متمسكة بالخط الذي رسمه الرئيس حافظ الأسد. من جانب آخر تشهد العلاقات مع الولايات المتحدة توتراً يعيد إلى الأذهان، صورة العلاقات التي كانت سائدة خلال حكومة نتنياهو. أما مقولة الإصلاح، التي أطلقها باراك وخاصة ما يتعلق منها بالثورة العلمانية على حد قوله، فقد ماتت هي الأخرى قبل أن تبصر النور، فيما تتفاقم أزمة البطالة في إسرائيل، لتصل إلى مستويات تعكس طبيعة الصراعات السياسية والاجتماعية في الشارع الإسرائيلي).

وأضافت الصحيفة: (إن باراك يهودي واقعي، لأنه يدرك أن التحالف مع شارون معناه عدم التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، وهذا يعني بدوره أنه لن يستطيع أن يسوق للإسرائيليين أي شيء يذكر في أي انتخابات جديدة)(7).

وبقدر ما أصاب بعض الصهاينة في الأراضي العربية المحتلة من خيبة الآمال من باراك، في تحقيق سلام مع سورية ولبنان والفلسطينيين، بما يريد هو وهم، كذلك خابت أحلام وآمال عرب التسوية، التي بنوها عليه، وسقط رهانهم على بطل السلام المزيف، رغم محاولات الغزل التي أطلقوها والاجتماعات العلنية والسرية معه، وإطلاق الألقاب الرنانة عليه، إلا أن باراك كشف عن حقيقته المتجذرة بالمشروع الصهيوني المعادي للوجود العربي برمته.

ويحاول عرب التسوية تسويف وإلغاء ذاكرة العرب خاصة، والعالم عامة، بأن باراك وشارون وبيريز ورابين وشامير وبيغن كلهم خريجو المدرسة الصهيونية العنصرية الاستيطانية، الساعية لتحقيق أهداف مرسومة عبر برتوكولات مرسومة، وأيديولوجية عنصرية، ومشروع معادٍ وحاقد ومدمر. وتلتقي كل الحكومات الصهيونية بمختلف ألوانها ومشاربها، على تدمير الأمة العربية، وإسقاط مشروعها النهضوي الوحدوي، والاستيلاء على أرض العرب وثروتها، وحتى إنسانها أين ما كان.

ومن الطريف الصهيوني، أن البضاعة السلامية الصهيونية من نتانتها، لا يمكن للمراقب السياسي والباحث التاريخي، أن يجد فرقاً بين دعاتها من الليكود أو العمل. فهم جميعاً من خريجي تلك البضاعة، وإن اختلفت الشعارات والأحزاب. ويبدو جلياً هذا في كل انتخابات نيابية أم رئاسية في الكيان الصهيوني، ومن خلال تحالفات زعمائه. فباراك القادم على حصان السلام، والمنتقد لسياسة الليكود وزعيمه نتنياهو، ومن ثم شارون، نراه يدعوه للتحالف معاً في حكومة طوارئ، ثم ينسقان معاً بدعوة لانتخاب رئيس حكومة للكيان دون حل الكنيست، قاطعين الطريق على نتنياهو، الذي يتحمس له (عوفاديا يوسف) الزعيم الروحي لشاس، وصاحب دعوة قتل العرب أبناء إسماعيل.

فيطرح في الكنيست مشروعاً، يسمح بترشيح نتنياهو دون حل
الكنيست(8).

أما شارون فيرد الجميل لباراك، فيقول في كلمته التي ألقاها أمام أعضاء حزب الليكود، أنه سيعين باراك إن فاز في الانتخابات وزيراً للدفاع، ونتنياهو وزيراً للخارجية/(9).

هؤلاء الذين راهن عليهم عرب التسوية، وهم من عتاة المجرمين الصهاينة، ومن الذين ما زال الدم العربي يقطر من أيديهم. ولو قرأ عرب التسوية، وأنصار التطبيع، صحافة العدو لوقفوا ساعات مع أنفسهم، يفكرون بالذنب الكبير، الذي ألحقوه بأمتهم، ولو قرؤوا ما تكتب صحافة العدو عنهم على الأقل، لتمت مراجعة ما قاموا به، وما سيقومون مستقبلاً. ولنقرأ ما كتبت صحيفة معاريف الصهيونية عن باراك وشارون وبقية قادة الكيان الصهيوني، بعد أن قدم باراك استقالته عن رئاسة الحكومة الصهيونية، فقالت: (هناك ثمة مرض خطير يفتك بجسد قادة إسرائيل، إنه أشبه بمرض التدرن الرئوي. والمدهش في أمر هذا المرض، أن أحداً لا يعرف الأخطار التي يسببها، ولا حتى الأضرار التي يلحقها بالجسم. بل إن أحداً لا يعرف طريقة العلاج المناسب، والأخطر من هذا كله، هو أن هذا الداء يستطيع تدمير الجهاز المناعي في جسم الإنسان بسرعة قياسية، بحيث لا يقوى على المقاومة.

وأول المصابين بهذا المرض كان باراك وشارون، اللذين أثبتت تصرفاتهما والسياسات، التي يتبعانها أن هناك خللاً واضحاً في تفكيرهما وذهنيتهما السياسية، وأنهما على علم بالمرض الخطير…) وتصل الصحيفة إلى النتيجة التالية حول المرض الذي يصيب قادة الصهاينة في الكيان فتقول: (..من المؤسف أن الطب لم يستطع حتى اليوم ابتكار الدواء المناسب لهذا المرض، ومع ذلك فإن باراك وشارون يعتقدان أن بإمكانهما التعاون معاً لمواجهة الذئب الذي يكمن لهما في الزاوية.. وهكذا يسارع باراك إلى تقديم استقالته، فاتحا الباب أمام انتخاب رئيس حكومة جديدة خلال شهرين. في حين يحافظ
الكنيست على تركيبته الحالية. أما نتنياهو فإنه لا يستطيع خوض
الانتخابات باعتباره ليس عضواً في الكنيست.. وحتى يكتمل هذا السيناريو، يتعهد باراك وشارون بالتعاون معاً، أياً كان الفائز منهما، ويشكلان معاً الحكومة الجديدة.)(10).

 

¾¾

 

(1)صحيفة نضال الشعب السوري 15/7/1999.

(2)المصدر السابق.

(3)المصدر السابق.

(4)المصدر السابق.

(5) ها آرتس الصهيونية- 27/11/2000.

(6) ها آرتس الصهيونية- 27/11/2000.

(7) المصدر السابق.

(8) وكالة الصحافة الفرنسية- 12/12/2000.

(9) قناة الجزيرة الفضائية- الدوحة- 12/12/2000.

(10) صحيفة معاريف الصهيونية 11/12/2000.

 

¾¡¾

 

الفصل السادس:
اليمين الصهيوني والسلام

 

رفضت الأحزاب اليمينية الصهيونية تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي/ الصهيوني، كقراري مجلس الأمن الدولي (242 و 338)، واللذين يدعوان إلى انسحاب القوات الصهيونية من الأراضي العربية المحتلة بعد عدوان 5 حزيران 1967. وظهر هذا التوجه السياسي خاصة، بعد وصول التجمع اليمني (الليكود) إلى السلطة في الكيان الصهيوني بزعامة مناحيم بيغن، والمعروف بحقده الشديد على العرب، والذي مارس الإرهاب الدموي بحقهم في الأربعينيات من القرن الماضي، كان أحد قادة أبرز التنظيمات الإرهابية الصهيونية (شتيرن)، ولم يسلم من شره حتى البريطانيون، الذين شاركوا الحركة الصهيونية في اغتصاب فلسطين، وتشريد شعبها. وكان من الذين قادوا وخططوا لنسف فندق الملك داود في القدس عام 1947، ومن خطط ونفذ عملية اغتيال المبعوث الدولي برنادوت. ولا يزال اسمه على قائمة المطلوبين للبوليس الدولي، بسبب جرائمه الإرهابية. ومن تابع وقائع مؤتمر التسوية في مدريد 1991، شاهد حتماً وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، وهو يرفع بطاقة البوليس الدولي، التي تدعو لإلقاء القبض عليه بتهمة الإرهاب.

وحول الإجابة على السؤال القائل، إذا كان ضد السلام والقرارات الدولية إذا لماذا وقع اتفاقيات كامب ديفيد؟ إن اتفاقات كامب ديفيد التي وقعها بيغن مع الرئيس المصري أنور السادات بشهادة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، قد كان لها أهداف أبعد من مفهوم السلام، الذي لا يؤمن به أصلاً، ومن بينها:

أولاً- إخراج أكبر دولة عربية من دائرة الصراع مع الكيان الصهيوني، وهذا وحده إنجاز تاريخي للمشروع الصهيوني.

ثانياً-إن سيناء بالنسبة للمشروع الصهيوني، ليست جزءاً مهماً فيه، بقدر ما للقدس والضفة الغربية وغزة والجولان.

ثالثاً- إن التوراة تعتبر الضفة والقطاع، من الأرض الموعودة لليهود كما تزعم، كما أن سيناء في أساطيرهم، ليست جزءاً من ما يسمونه يهود والسامرة.

ورفض إسحاق شامير رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك في مؤتمر مدريد 1991، الذي خلف بيغن على زعامة الليكود، أن يستعيد العرب أراضيهم المحتلة عام 1967، مقابل السلام. كما نصت عليه دعوة الرئيس الأمريكي جورج بوش لعقد مؤتمر مدريد، وأقرته قرارات الشرعية الدولية وفق قراري مجلس الأمن 242 و 228. وتذرع في كلمته بالمؤتمر بأن الأراضي التي اغتصبها الصهاينة صغيرة، في حين يمتلك العرب أراضياً واسعة. ورفض في الكلمة التي ألقاها في مؤتمر مدريد، حتى الشعار الذي انعقد تحت لافتته، الأرض مقابل السلام، وعلى أساسه أصلاً عقد مؤتمر مدريد. فقد جاء في تلك الكلمة: (إننا نعد أربعة ملايين، وتعد الدول العربية من المحيط الأطلسي حتى الخليج 170 مليوناً، و نحن نسيطر على ثمانية وعشرين ألف كيلو متر مربع.

إن القضية ليست قضية الأرض، بل قضية وجودنا. وسيكون من المؤسف أن تتركز المحادثات أولاً وقبل كل شيء على الأرض. فهذا أسرع إلى الجمود، في حين أن ما نحتاج إليه أولاً وقبل كل شيء، هو بناء الثقة وإزالة خطر المواجهة، وتطوير العلاقات في مجالات عدة، بقدر الإمكان)/(1).

ورفضت أحزاب اليمين، سواء أكانت في الحكم أو خارجه، أي شكل من أشكال إقامة دولة فلسطينية في الضفة وقطاع غزة. بل طرحت فقط إدارة حكم ذاتي للفلسطينيين محددة الصلاحيات، وتحت الرعاية الصهيونية الاقتصادية والأمنية، واعتبرت القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، ورفضت حتى المناقشة في مصيرها. ورفضت عودة اللاجئين الفلسطينيين، سواء أكانوا من الذين هجروا وطردوا عام 1948 أم عام 1967. ورفضت إعادة هضبة الجولان إلى سورية.

ودعا اليمين الصهيوني، أن يتم توطين اللاجئين في الأماكن المتواجدين فيها، أو في أي مكان يرغبونه، إلا أراضيهم التي طردوا منها. على الرغم من القرار الدولي رقم /181/، الذي يطالب بعودتهم إلى ديارهم وبيوتهم، التي طردوا منها. وكذلك بقية القرارات الدولية. واقترح بدلاً عن ذلك على المتفاوضين العرب، مشروع الليكود الذي يقدم السلام بدون الأرض، والذي سمح كرماً صهيونياً فقط للفلسطينيين المتواجدين في الأراضي المحتلة إدارة محلية، اسماها /الحكم الذاتي/. ورفض قبول منظمة التحرير الفلسطينية مفاوضاً عن الشعب العربي الفلسطيني في الأرض المحتلة، بل التفاوض يتم مع السكان المحليين في الأراضي المحتلة لإدارة سلطة الحكم الذاتي.

ورفضت الأحزاب اليمينية بشدة اتفاق أوسلو عام 1994، الذي أبرم ما بين الحكومة العمالية الصهيونية التي كان يرأسها اسحق رابين، و منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات. رغم مساوئه الكبيرة بحق الفلسطينيين، والذي لم يخرج إلا قليلاً عن مشروع بيغن وشامير في إعطاء الحكم الذاتي للفلسطينيين. سوى أنه أبدل إعطاء السلطة من فلسطيني الداخل إلى منظمة التحرير. واعتبرتها أحزاب اليمين كارثة على المشروع الصهيوني، وكيانه، لما يحمل الاتفاق من هدف مستقبلي، يتمثل في إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية. التي يعتبرها اليمين الصهيوني بشقيه العلماني والديني أرضاً يهودية لا يمكن التفريط بها.

لهذا حارب اليمين الاتفاقية، ودعا إلى تكفير اسحق رابين بالذات. ولم يتورع اليمين الصهيوني عن تصفية رابين نفسه، عندما قتله أحد المنتمين لليمين (حركة غوش إيمونيم) في تشرين الثاني عام 1995. هذه الحركة العنصرية الإرهابية، التي خرج من صفوفها المجرم غولد شتاين في عام 1994، ليحصد برصاصات رشاشته المصلين في المسجد الإبراهيمي في الخليل، وهم يؤدون صلاة الفجر فيه، وقتل وجرح العشرات من المصلين المسلمين، قبل أن يقتل نفسه. وتم ذلك تحت نظر وسمع القوات الصهيونية، التي تحيط بالمسجد. وبمرور الزمن تحول غولد شتاين إلى قديس يهودي، يحج إلى قبره المئات من اليهود الصهاينة، واعتبروه بطلاً من أبطال اليهود، لقتله العرب المسلمين العزل وهم في الصلاة.

 

¾¾

(1)-العلاقة بين الثكنة والعسكر- د. إلياس شوفاني- دمشق- دار الحصاد- الطبعة الأولى عام 1992- ص 266.

¾¡¾

 

الفصل السابع:
نتنياهو والسلام الصهيوني

 

سلام الردع.

بعد سقوط حكومة شيمون بيريز العمالية في انتخابات 1996، تولى الليكود مرة أخرى السلطة في الكيان الصهيوني بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي طرح قبل الانتخابات مفهوماً جديداً للسلام اسماه (سلام الردع)، الذي يتم من خلال تحقيق تفوق عسكري واقتصادي للكيان الصهيوني على العرب جميعاً، مما يمنعهم حتى من التفكير باستعادة أراضيهم، أو طرح عودة القدس والجولان واللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم. وطرح شعاراً للسلام يقول (السلام مقابل الأمن) بدلاً من شعار مؤتمر مدريد (السلام مقابل الأرض).

فكتابه /A Place Among Nations / "مكان بين الأمم، إسرائيل والعالم"، والذي ترجم إلى العربية بعنوان/ مكان تحت الشمس/، والذي يمثل مفهومه للسلام وللصراع العربي/ الصهيوني. فهو يرى بالأساس أن لا وجود لأرض للفلسطينيين يحق لهم المطالبة بها، وإن الأرض هي أرض إسرائيلية، ينازعهم العرب والفلسطينيون عليها. وبذلك يكون الكيان الصهيوني ضحية لهذا الطمع العربي والفلسطيني، تحت ذريعة ما أسماه أرض اليهود التاريخية، التي وعدهم الرب بها. ويعود إلى الأساطير والخرافات، التي تقوم عليها الحركة الصهيونية منذ وجودها، ليثبت صحة أكاذيبه على التاريخ والناس.

ويزور الأسباب الحقيقية التي يناضل العرب من أجل حقوقهم في السيادة والأرض، وسعيهم في كل السبل من أجل تحرير أراضيهم المحتلة من قبل العدو الصهيوني. ومن هذا التزوير إدعاء نتنياهو إن سبب معاداة العرب للكيان الصهيوني، لا يعود فقط إلى الطمع في أرض إسرائيل، بل هناك عامل آخر، هو حقد العرب على الغرب وكراهيتهم له، ويرجع سبب الكراهية والحقد إلى أسباب تاريخية ولديمقراطية الغرب. وعلى اعتبار الكيان الصهيوني هو جزء من هذا الغرب، فإن العرب يعادونه ويحقدون عليه ويحاربونه(1).

أليس في هذا تزوير للحقائق بعينها؟!!!، والوقاحة لدى نتنياهو والصهاينة بلغت إلى حد، أن يتم التزوير وشهود الغزو الاستيطاني الاستعماري الصهيوني، من رجال الفكر والتاريخ والبحوث، من الذين عايشوا تاريخ الصراع والغزو الصهيوني، ولا يزالون أحياء. فكيف لا يتم تزوير التاريخ والحقيقة في غابر الزمان؟ وقد أصبح شهوده من المندثرين من آلاف السنين.

ويرفض رفضاً مطلقاً مبدأ (الأرض مقابل السلام)، الذي انعقد مؤتمر مدريد تحت شعاره عام 1991، ويطرح بديلاً عنه مبدأ (الأمن مقابل السلام). ويتمسك بالأراضي العربية المحتلة، ويرفض التنازل عنها. وترجم نتنياهو أفكاره على الواقع من خلال وجوده في الحكم ما يزيد على عامين، فأظهر المضمون الحقيقي للمشروع الصهيوني المعادي للسلام العادل، وأبرز للعالم مضمونه التدميري الإجرامي، من خلال حكمه بسياسة التطرف والغلو الصهيوني، والعداء للعرب والمسلمين. ومكوناته العدوانية الحاقدة على العدل والمشروعية الدولية.

وكان بحق نتنياهو الممثل للصهيونية العنصرية دون أية أستار وأقنعة.

ودعا إلى سلام أسماه سلام الردع الذي يقوم على عدم التكافؤ بين العرب والكيان الصهيوني بل يقوم على قوة الكيان وضعف العرب، فالكيان القوي يردع العرب من القيام بالهجوم على الكيان أو التفكير به. ففي قوة الكيان الصهيوني يكون ضمان السلام وتحافظ على الديمقراطية، لهذا يجب أن يحقن الكيان الصهيوني بكل الأسلحة المتطورة ومن مختلف الأنواع في حين يمنع ذلك على العرب، ويكتب عن مفهومه لسلام الردع قائلاً: (ليس هناك أدق من هذا التعريف لنوعي السلام، فالسلام بين الدول الديمقراطية، هو انسجام بين شعوب وجماعات تعتمد على قيم ثقافية مشتركة، يكون أمن جميع الأطراف معتمداً على هذه الشراكة في القيم. في حين أن سلام الديكتاتوريات هو "سلام الردع"، وهو الوضع الذي لا تكون فيه حرب، حتى لو لم يسنده أي انسجام ولا أمن، باستثناء الأمن الذي يعتمد على ردع المعتدي. وهذا هو السلام الوحيد الممكن تحقيقه حالياً بين إسرائيل والعرب، سلام مسلح، وحذر، يوفر لإسرائيل درجة كافية من القوة القادرة على ردع الجانب العربي عن التفكير في استئناف الحرب)(2).

¾

(1) انظر- بنيامين نتنياهو- مكان تحت الشمس- ترجمة محمد عودة الدويري- عمان- دار الجليل للنشر- 1995.

(2) زئيف شيف- خطة نتنياهو للسلام- صحيفة ها آرتس الصهيونية 25/11/1997.

¾

*العداء المطلق للإسلام.

لم يخف نتنياهو حقده وعداءه للإسلام وللمسلمين، وأورد ذلك في كتبه الثلاثة، والتي جاءت تحت عناوين الإرهاب. وتعتبر تلك الكتب من أخطر الأسلحة الثقافية، التي تستعملها الحركة الصهيونية العالمية في تزوير الحقائق، وإعادة تركيب الذهنية الغربية للإنسان والمؤسسات وفقاً لرغبة صهيونية، تجعلها ترى في الإسلام والعروبة ليس خطراً على الغرب وحده، بل يشكل خطراً قاتلاً للحضارة العالمية الراهنة.

فهي تصور الإسلام مستودعاً للإرهاب الموجه للديمقراطية الغربية وللولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، وكل عملية إرهابية تحدث في بقاع الأرض هي من صناعة الإسلام والمسلمين.

يحرض نتنياهو الغرب لمواجهة الإسلام والمسلمين، حتى لا تكون الحضارة الغربية في خطر الإرهاب الإسلامي المدمر. ويقدم لهم مجموعة من النصائح والأساليب الخبيثة لمواجهة ما زعم عن الإرهاب الإسلامي. فهو يدعو الولايات المتحدة الأمريكية إلى قيادة العالم الغربي، لشن حرب ضارية ضد المسلمين، ودعاها إلى استخدام قوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية ضد المسلمين، حتى يرضخوا للنمط السياسي والثقافي والاجتماعي الأمريكي الصهيوني. ولا يكتفي بالمسلمين في الدول والأقطار الإسلامية، بل يشمل وجود المسلمين في أوروبا وأمريكا، ويحذر من كونهم بؤرة لنمو الإرهاب ضد الغرب وأمريكا، ويدعو إلى إبعادهم عن أوروبا وأمريكا.

وكتب نتنياهو التي أشرنا إليها هي:

1-الإرهاب الدولي: تحد واستجابة، وقائع مؤتمر القدس حول الإرهاب الدولي. وصدر عام 1981.

2-الإرهاب: كيف يمكن للغرب أن ينتصر؟ وصدر عام 1986.

3-محاربة الإرهاب: كيف تستطيع الديمقراطيات هزيمة الإرهابيين المحليين والدوليين؟ وصدر عام 1995.

ومن المعروف أن بنيامين نتنياهو قد أنشأ معهداً خاصاً باسم أخيه، الذي قتل في عملية إرهابية ضد المناضلين الفلسطينيين، الذين كانوا يحتجزون طائرة صهيونية في مطار عينتيبي في أوغندا عام 1976. وقد طالبوا يومها الكيان الصهيوني، بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الصهيونية. إلا أن الكيان الصهيوني أرسل مجموعة من الجنود الصهاينة بقيادة ايهود باراك، لتقوم بعملية غزو لمطار عينتيبي، حيث توقفت الطائرة. وجرت معركة دامية بين الصهاينة الغزاة والفدائيين الفلسطينيين، كان من نتائجها استشهاد المناضلين الفلسطينيين، وقتل عدد من الجنود الصهاينة من بينهم جوناثان شقيق بنيامين نتنياهو. لهذا قام الأخير بإحداث معهد جوناثان لدراسة الإرهاب.

ولا بد من أن يكتشف الباحث والمطلع على تاريخ الصراع العربي/ الصهيوني، من خلال ما كتب نتنياهو حول الإرهاب في كتبه الثلاثة، أن ما أورده أكاذيب وخداع. وأن نتنياهو أراد فيها تزوير التاريخ، وقلب الحقائق، ليغدو الضحية قاتلاً والمجرم الضحية. ومحاولة خبيثة لتبرئة الصهاينة من الجرائم، التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني خاصة والعربي عامة. ولطمس جريمة الاغتصاب والتشريد والاستيطان البديل، وتسليط سيف الحرب والإرهاب على رؤوس شعوب المنطقة، بإعطاء الرأي العام العالمي جملة من الثقافات المزورة عن الإسلام.

كما استهدف إيقاظ الكامن التاريخي في العقل الغربي الموروث المعادي للإسلام، بتصوير أن الإسلام سيبقى العدو الدائم للغرب وحضارته، وأن عدم اجتثاثه من خلال توجيه ضربة قاصمة له، سيكون الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة في دائرة الخطر المميت، وهذا ينطبق أيضاً على مصالحه في المنطقة وكل أنحاء العالم.

وتحدث في كتبه أن الإرهاب في الإسلام، يعود إلى ما يحمل من أيديولوجية غير عقلانية. كالشيوعية التي تحمل أيديولوجية غير عقلانية، ولكن الاختلاف بينهما، أن الشيوعية ذات أسلوب عقلاني، في حين أن الإسلام ذو أسلوب غير عقلاني.

ولا شك أن القارئ لا بد أن يتساءل لماذا الجمع بين الإسلام والشيوعية في العداء للغرب؟ فيصل حتماً إلى أنه نوع من الخبث الصهيوني.

كون الصراع الغربي مع المعسكر الشيوعي صراعاً أيديولوجياً، فيه التناقض السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مما يتطلب الصراع أن يتشكل معسكران عسكريان، هما حلفا وارسو والأطلسي، وخلال الحرب الباردة بين المعسكرين، والتي دامت خمسين عاماً تقريباً، كاد الاصطدام النووي المرعب أن يقع بين الطرفين.

أما الإسلام فهو دين سماوي، وليس حلفاً عسكرياً، ولا أيديولوجية حزبية سياسية اقتصادية، قامت من أحشاء الرأسمالية الغربية كالشيوعية، بل عقيدة دينية توحيدية، تدعو إلى القيم السلوكية العالية للإنسان والمجتمع للحاكم والمحكوم، لم تستطع أي قيمة سلوكية ظهرت على الأرض أن تماثلها. والناس سواسية سواء الغربي أو الشرقي، ويرفض الإسلام الظلم والحقد والاستغلال بكل صوره، ويدعو إلى السلام والتسامح والمحبة، في نفس الوقت يحارب البغاة والطغاة والمعتدين مهما كانت انتماءاتهم. وطروحات الإسلام ذروة الفلسفات العالمية المطالبة بالعدالة والإنصاف.

ونتنياهو الصهيوني الحاقد والخبيث حين ينزع عن الإسلام أهم مرتكزاته وهو العقلانية والفكر، ففيه الظلم للإسلام الذي بدأت أولى كلماته العقلانية بكلمة (اقرأ). ولكن ماذا تريد من نتنياهو؟ أن يقول الحقيقة عن الإسلام فينسف المشروع الصهيوني برمته المؤسس على الكذب والتزوير والبغي والعدوان.

وقد يلتقي الإسلام والشيوعية في بعض الرؤى الدنيوية، في رفض الظلم الاجتماعي، والاستغلال، والاحتكار، والعدوان والبغي بكافة صوره، والدعوة إلى مجتمع العدل والمساواة وكل له طريقته في نوعيتها. ويختلفان جذرياً في المؤسس الفكري، ففي حين تنطلق الشيوعية من فكر مادي، بينما الإسلام مؤسس على الروح ولا يغفل المادة، وهو دين ودنيا.

وكتب نتنياهو هي جزء من حملة صهيونية حاقدة على العروبة والإسلام، وإن بدأت منذ ظهور الحركة الصهيونية، فإنها اشتدت بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، وانتهاء الحرب الباردة، تحقيقاً لجملة من الأهداف والغايات، التي تخدم المشروع الصهيوني. كما وجد الغرب حاجته في استمرارية وحدة مصالحه أمام عدو حتى وإن كان وهمياً، فلا غرابة أن نجد توافقاً بين ما يسوق نتنياهو من أضاليل، وما صرح به جورج بوش بأن الشيوعية انتهت، ولم يبق إلا الإسلام عدواً للغرب.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال يقول: هل لعب نتنياهو والصهاينة في الكيان والغرب دوراً في تشكيل ما يسمى بالإرهاب الإسلامي في الذهنية الغربية وخاصة لدى السلطات الحاكمة؟ والإجابة على هذا التساؤل، هو ما قاله نتنياهو، حين يعترف أنه أقنع الرئيس الأمريكي بوجود الإرهاب الإسلامي وبضرورة مواجهته (أن الرئيس رونالد ريغان قرأ كتابه الإرهاب: كيف يمكن للغرب أن ينتصر؟ عندما كان في طريقه لحضور قمة طوكيو حول الإرهاب، وبناء على توصياته باتخاذ إجراءات عسكرية ضد الدول الإرهابية، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا تعاونتا في عملهما العسكري ضد ليبيا عام 1986. ومن طرائف كتابه أنه يتأسف لأن حرب الخليج عام 1991 لم تعاقب سوريا وإيران اللتين أصبحتا قوة محركة وراء الإرهاب الدولي)(1).

وبخبث واضح يتحدث نتنياهو في كتبه الثلاثة، إن الإسلام السني والشيعي اخترق أوروبا، وخطورة هذا يكمن في تجاهل الحكومات الأوروبية له، ويبرر أسباب هذا التجاهل إلى خشيتها من الصدام معه. وأنها لا تقف في وجهه، إلا إذا حدث عنف شديد بها. ويدعو الحكومات الغربية إلى منع انتشار الإسلام في بلادها، لأنه سيكون تدميراً لمجتمعاتها.

ويدعو القوى الصهيونية وكل القوى المعادية للعروبة والإسلام إلى جر الغرب بأية وسيلة لمواجهة ما أسماه الإرهاب الإسلامي. وفي نظره لن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، لضرب الإسلام في معاقله، وشن الحرب عليه، إن لم يشعروا أنه يهدد مصالحهم. وهنا يتساءل المرء كيف يتم الإحساس بالخطورة من الإسلام، إن لم تصنع عمليات إرهابية كبيرة تستدعي أن يقوم الغرب بحملة عسكرية وأمنية واسعة ضد القوى الإسلامية، والحركات التحررية المضادة للصهيونية؟

وهنا من يصنع تلك العمليات الإرهابية سوى الصهيونية، والتصنيع يحتاج قوى ظاهرها الإسلام وباطنها الصهيونية وخدمة مصالحها. وما كشف عنه نتنياهو في التحريض الغربي لمواجهة الإسلام، يتطلب من الباحث العربي مراجعة تاريخية لأحداث إرهابية اتهم بها الإسلام، والكل يعرف أن الإسلام بعيد عنها عقيدة وممارسة، بل يحاربها ويشدد على مواجهتها. فالقتل للأطفال والنساء والرعاة والفقراء في الجزائر، وذبح السياح في مصر، وحتى نسف السفارات وقتل الأبرياء، ما هي إلا صناعة صهيونية مغلفة بقناع إسلامي. تمت صناعتها لتشويه صورة الإسلام، وتحقيقاً لما رسم نتنياهو والحركة الصهيونية.

ودعا نتنياهو إلى توجيه الإعلام الغربي للقيام بحملة ظالمة ضد الإسلام والمسلمين، وإلى محاربة المسلمين الموجودين في البلدان الأوروبية والأمريكية، بحجة أنهم قنابل إرهابية موقوتة داخل تلك البلدان، تهدد السلم والأمن فيها، ويوحي باضطهادهم والتضييق عليهم حتى يعودوا إلى بلادهم. وبذلك تتحقق أهداف نتنياهو والحركة الصهيونية بخلق معسكر أمريكي أوروبي معاد للإسلام، والمشروع الصهيوني إحدى استراتيجياته هي حشد الغرب في عداء للعرب والإسلام.

وقدم بنيامين وصايا عشراً للحكومات الغربية لمواجهة الإرهاب الإسلامي المخيل في ذهنه العنصري الصهيوني، وهي من الخبث بحيث لا تخرج عن مكونات المشروع الصهيوني، وهذه الوصايا:

1-فرض عقوبات على الدول التي تزود الدول الإرهابية الإسلامية بالأسلحة والتقنية النووية.

2-فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية على الدول الإرهابية نفسها.

3-تحييد المعاقل الإرهابية.

4-تجميد الأرصدة المالية الموجودة في الغرب للمنظمات والأنظمة الإرهابية.

5-تبادل المعلومات الاستخبارية.

6-مراجعة التشريعات لإتاحة حرية أكبر للعمل ضد المنظمات الإرهابية.

7-المتابعة النشطة للإرهابيين.

8-عدم إطلاق سراح هؤلاء الإرهابيين.

9-تدريب قوات خاصة لمحاربة الإرهاب.

10-تدريب وتنوير وتوعية المواطنين بهذا الخصوص)(2)

ومن يراجع فكر هذا الصهيوني المعادي للعرب والإسلام، يستشف الروح العدوانية لليمين الصهيوني، والمطالبة بالاستسلام الكامل للصهيونية، ونزع الكرامة والشرف والحق من العرب جميعاً، فكتب مرة عن السلام الذي كانت تطرحه أمريكا في المنطقة بعد حرب الخليج والتحضير لمؤتمر مدريد في صحيفة (يديعوت احرنوت) الصهيونية: (وما دام العالم العربي يتسلح، وما دام يوجد فيه نظم وحكام من نمط الأسد والقذافي- اللذين هما أسوأ من صدام حسين، وعلى الأقل الأسد أخطر منه –فإنه ليس من المنطق، ولا يجوز إعطاء أية قيمة لوضع سياسي قائم على سلام رسمي)(3).

نتنياهو وشارون وجهان حقيقيان للصهيونية.

أظهر بنيامين نتنياهو خلال سنوات حكمه الوجه الحقيقي للصهيونية، بعيداً عن الخداع  والكذب اللذين تغلفت بهما الأنظمة السياسية الصهيونية، وخاصة في السنوات التي كان بها حزب العمل على مختلف زعمائه على رأس الحكم. فهو لم يُخفِ عداءه للسلام، ورفضه لكل دعوات الغرب لتنفيذ ما اتفق عليه أسلافه مع الفلسطينيين، وهي ميزة نشكره عليها، لأنه كشف قناع السلام الصهيوني على حقيقته أمام العالم.

فأحرج الغرب المساند له، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يتورع حتى عن إهانة رئيس فرنسا، حين زار القدس المحتلة، وأحرج العرب اللاهثين نحو التطبيع، وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني. بحق كان نتنياهو الصهيوني الحقيقي، والمعبر عن المشروع الصهيوني العدواني، دون أي اعتبار للمتضرر من سياسته.

وقد تزعم أريئيل شارون المعارضة اليمينية وتجمع الليكود، بعد سقوط حكومة بنيامين نتنياهو في آذار 1999. وهو المعروف بحقده الأعمى على العرب، وهو بطل مجازر صبرا وشاتيلا، والداعي لسحق العرب، وقتلهم، وطردهم خارج حدود فلسطين التاريخية، والرافض لعودة الجولان والضفة والقدس للعرب. والذي رفض أي لقاء مع منظمة التحرير الفلسطينية، حتى بعد اتفاقات (أوسلو) السيئة الصيت، والتي كانت في أغلب بنودها لصالح الكيان الصهيوني. إلا أنه بقي رافضاً لأي سلطة فلسطينية، وحتى وإن كانت لا حول لها ولا قوة، ولصالح مفهوم الأمن الصهيوني.

وقد كان آخر جرائم آرييل شارون ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين، حين تحدى مشاعرهم وكرامتهم، وقام بالدخول إلى المسجد الأقصى، في يوم الخميس 28-9-2000 مدججاً بالجنود والشرطة. وكان من نتائجها أن أشعل ناراً في القدس والمدن العربية الفلسطينية الأخرى، ذهب ضحيتها في الأيام الثلاثة الأولى عشرات القتلى ومئات من الجرحى. وكان سبب هذه الزيارة تفقد جبل الهيكل، الذي تدعي أساطير اليهود، أنه كان مبنياً مكان المسجد الأقصى، وأن الرومان قاموا بهدمه في سنة 70 ميلادية. وقد أثبتت التنقيبات التي أجراها الصهاينة، منذ احتلالهم للقدس في حزيران 1967، زيف هذا الادعاء، حيث نقبوا تحت المسجد، وفوقه، وحوله، ولم يجدوا إلا آثاراً إسلامية عربية تعود إلى العصر الأموي والأيوبي. ورغم ذلك ما زال الصهاينة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، يتمسكون بهذه الأكذوبة التاريخية، ويدّعون أن المسجد الأقصى بني على أنقاض الهيكل. والسبب أن الصهاينة لو أقروا بالحقيقة التاريخية العلمية، بأن ما جاء في كتبهم أساطير نسجتها خيالات كاتبيها؛ لنسفت كل الأسس التي بنت عليها الصهيونية ادعاءاتها في أرض فلسطين. وتبين للعالم أنها حركة عدوانية إرهابية، اغتصبت أرض شعب، وطردت ملايين منهم من بيوتهم ووطنهم، ولا تزال تزرع الرعب والدمار في أرض فلسطين والأراضي العربية.

 

¾

(1)- سعد الشلماني- نتنياهو ونظرية الإرهاب الإسلامي- مجلة المستقبل العربي- بيروت- العدد 262- 12/ 2000- ص202.

(2) المصدر السابق ص 203-204.

(3)- يديعوت احرنوت 8/3/1998.

 

¾¡¾

 

الفصل الثامن:
المهاجرون الروس والسلام.

 

 ظهر في داخل الكيان الصهيوني تيار صهيوني جديد في بداية التسعينيات من القرن الماضي، لا يختلف كثيراً عن توجهات المدرستين اللتين أشرنا إليهما من قبل. وقد بدأ يتبلور بشكل فاعل على الساحة السياسية، من خلال الأعداد الكبيرة التي هاجرت إلى الأراضي العربية المحتلة من يهود الاتحاد السوفيتي السابق. وكانوا يتقاطرون على شكل جماعات كبيرة، وبأعداد هائلة للاستيطان في الأراضي المحتلة، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشيوعي السابق.

ومع مرور الزمن ازداد عددهم على مليون نسمة، فأصبحوا يشكلون قوة بشرية وسياسية واقتصادية فاعلة في الكيان الصهيوني، لما تتميز به هذه التشكيلات المهاجرة من قدرات فكرية وعلمية متطورة ومتقدمة. ودخلوا معترك العمل السياسي في الكيان، وشكلوا حزبين سياسيين، ضما عدداً كبيراً من المهاجرين الروس. وبدأ تأثيرهم يزداد بعد كل دورة انتخابية، لما يحصلون عليه من مقاعد في الكنيست، والذي يرتفع مع كل دورة، بسبب تزايد الهجرة. حتى بلغ عدد مقاعد الحزب الرئيسي (يسرائيل بعلياه) ستة مقاعد في الكنيست الصهيوني في انتخابات عام 1999، وغدا الحزب المذكور في كثير من الأحيان الكفة المرجحة في الكنيست الصهيوني، في أي تشكيل وزاري كما تمثل في عدة وزارات صهيونية سابقة سواء كانت ليكودية أم عمالية.

شكل التيار الروسي الصهيوني من خلال مواقعه في البرلمان الصهيوني، والأعداد المتزايدة من الروس القادمين إلى الأراضي العربية المحتلة، حضوراً سياسياً فاعلاً ومؤثراً على توجهات المشروع الصهيوني المستقبلية، ثم ليكون إحدى المدارس المؤثرة في الشارع السياسي الصهيوني.

ونتيجة لتطوره المتسارع في الحياة السياسية في الكيان، ظهرت معارضة له، خاصة في الوسط الديني الروسي، لشكه بأصولهم الحقيقية، فلم يعترف بقسم كبير من المهاجرين كيهود، فمنهم بالأساس ليسوا من أصول يهودية، وجاؤوا أما بهويات يهودية مزورة، أو كانوا متزوجين من نساء يهوديات، أو أنهم من آباء يهود وأمهات غير يهوديات. ومن المعروف أن الديانة اليهودية لا تعترف على الأصل اليهودي، إذا لم تكن أمة يهودية. ولا تزال أزمة الهوية لهؤلاء قائمة في الكيان.

وحول رؤية المهاجرين الروس للسلام، فقد عبر عنها حزب يسرائيل بعليا في برنامجه الانتخابي لعام 1996، انطلاقاً من الهجرة الصهيونية التي كانت سبباً في استيطانهم للأرض العربية المحتلة. فأكد على استمرار الهجرة لتشكل عاملاً ديمغرافياً حاسماً في التخطيط الاستراتيجي البعيد المدى، لتوفير أغلبية يهودية صهيونية فيها، يوازي النمو السكاني الفلسطيني، إضافة إلى ما سمي بالحق اليهودي في فلسطين المحتلة، والقدس لتكون عاصمة أبدية للكيان الصهيوني. ويعترف بحكم ذاتي للفلسطينيين. ولكن يضع الأمن الكلي بيد قوات الكيان الصهيوني في مناطق الحكم الذاتي، حتى لا يكون الحكم الذاتي الفلسطيني ملاذاً للإرهابيين، مع التأكيد على رفض الحزب لقيام دولة
فلسطينية(1).

وبرهنت الأحداث السياسية بعد الانتخابات الصهيونية عام 1999، ان حزب (يسرائيل بعلياه) أقرب إلى الأحزاب اليمنية الصهيونية في رؤيتها للسلام، وشكل معها تحالفاً معادياً للسلام. كما شارك في وزارة نتنياهو عام 1996، ووقف إلى جانب الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة داخل الكنيست في كل القرارات المعادية للعرب والفلسطينيين. وبعد تشكل حكومة باراك عقب انتخابات 1999، والتي شارك فيها، ووقف إلى جانب باراك في رفض تطبيق الشرعية الدولية، وحتى في عدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع السلطة الفلسطينية، بل انسحب من حكومة باراك، مدعياً أن باراك تنازل عن بعض الأراضي العربية للفلسطينيين. ومع مرور الزمن تبين أن التيار اليهودي المهاجر من روسيا والدول الشرقية الأخرى، أصبح يمينياً أكثر من أحزاب اليمين نفسها. وهذا ما نراه في تصويت الحزب في الكنيست الصهيوني إلى جانب اليمين الديني المتطرف.

وتاريخ هجرة اليهود الروس إلى الكيان الصهيوني بدأ في السبعينيات من القرن الماضي، لأسباب يقول عنها الباحث الاستراتيجي اليهودي الأمريكي (إيليوت كوهين):

(هاجر نحو 160 ألف يهودي سوفيتي في السبعينيات، و700 ألف آخرين أثناء وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق. كانت الهجرات مصدر ضخ الدماء في الجسد الإسرائيلي، وبوصول عدد سكانها إلى 4.6 مليون مواطن يهودي في منتصف التسعينيات، أصبحت إسرائيل أكثر ديمومة، مما كان يتسع عليه هذا الرقم قبل 50 عاماً.

لكن الهجرات كان لها مغزاها النفسي العميق، وفي الوقت الذي كانت إسرائيل تحصن نفسها من وابل الصواريخ العراقية، أثناء حرب الخليج 1991 تدفق فيض قليل، وإن كان مطرداً من اليهود السوفييت بثيابهم الرثة على مطار بن غوريون. فيما كان السياح يفرون عبره. وقبل قيام إسرائيل كرست المخابرات الإسرائيلية جهدها لإنقاذ اليهود، وفي سياق هذا التقليد هجرت إسرائيل يهود الفلاشا الأثيوبيين أوائل التسعينيات، وأنقذت يهود سراييفو من ويلات الحرب الصربية…)(2).

ثم يقول عن هؤلاء الروس المهاجرين: (فالروس يضمون فئات متعددة، تتراوح من العاملين في الشركات المتقدمة تكنولوجيا إلى عازفي الموسيقى في الشوارع، لكن على خلاف أسلافهم، فمعظمهم ليسوا من اليهود. وربما لا يحق لربع المهاجرين الروس بموجب قانون العودة الإسرائيلي، الذي يضمن منح الجنسية الإسرائيلية للزوجات والأطفال والأحفاد اليهود وزوجات الأحفاد. لكن وفقاً للمعايير الأكثر تشدداً للشريعة اليهودية يكون أربعون في المائة أو أكثر منهم غير يهود)(3).

¾

 

(1)انظر إلى الملاحق.

(2)-إيليوت كوهين- أستاذ الدراسات الاستراتيجية في معهد بول أتس نيتز للدراسات الدولية بجامعة جونز هوبكنز، مجلة الهلال المصرية العدد- 107- تاريخ كانون الأول 1998- ص180.

(3) المصدر السابق.

¾¡¾

 

الفصل التاسع:
السلام من خللا رؤيا الأحزاب الدينية

  

للأحزاب الدينية الصهيونية مفهوم خاص عن السلام هو أقرب منه للإذعان عن السلام، وينبع من عقيدة دينية، تتسم بالتزمت المبني على أسس أسطورية خرافية، بنتها كتب التوراة المزورة والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون. وغيرها من أساطير تشبعت بها عقولهم الاستيطانية، المبنية على اقتلاع الشعب العربي الفلسطيني من أرضه، بكل السبل دون النظر إلى أخلاقياتها، كالقتل والذبح والإرهاب وحتى الإبادة وأية وسيلة متاحة، ومن ثم إحلال اليهود من شتى بقاع العالم بدلاً عنهم. دون النظر لأي قانون دولي يمنع ذلك، أو قرارات دولية فهي مرفوضة ما دامت القوة إلى جانبها.

في استطلاع لآراء عدد من زعماء الأحزاب الدينية، حول تسوية المسألة الفلسطينية، وعن حقوق الشعب العربي الفلسطيني. كان رأي نائب رئيس حزب المفدال التالي: (إن الأصولية الدينية التي نعتنقها، تقول إن أرض فلسطين هي الأرض الخاصة بالشعب اليهودي.. هي وطنهم الذي قامت عليه دولتهم في الماضي البعيد، ومفروض أن يواصلوا السعي، حتى يعودوا إليها من الشتات الذي أجبروا عليه… يبقى أن نحدد ما هي أرض فلسطين؟ إن التاريخ يحدثنا إنها تشمل فلسطين، التي كانت تحث الانتداب البريطاني) وقال: (إننا نعيش على 23% فقط من مساحة إسرائيل. إذا ما ضممنا يهودا والسامرة (الضفة الغربية) والباقي 77% هي أرض الأردن. وهي في الحقيقة أرض فلسطينية، لأنه لم يكن هناك طول التاريخ شي اسمه الأردن.. كان هناك فلسطين فقط.. يعني أن يعيش الفلسطينيون في الأردن.. في 77% من مساحة أرضنا فلسطين)(1).

هذا هو السلام كما يراه حزب المفدال مع الفلسطينيين والأردنيين. فليس للشعب الفلسطيني شيء من أرضه، التي سكنها عبر ملايين السنين، بل عليهم أن يذهبوا ويسكنوا في الأردن. أما الأردن الذي عقد صفقة سلام مع الكيان الصهيوني، فهو في نظرهم جزء من أرضهم الموعودة، وتم التنازل عنها بطيب خاطرهم. وأنهم سيعيدونه مستقبلاً كونه جزءاً من الحلم الصهيوني.

وتتطابق هذه الرؤية مع أغلب الأحزاب الدينية الصهيونية، فيوسف بورغ وزير الداخلية الأسبق ومن زعماء حزب توراة، كانت إجابته: (نحن نتخذ موقفنا من رفض إعادة الضفة الغربية، كما تسمونها إلى الأردن، أو تأسيس دولة فلسطينية عليها. ومن واقع إيماننا الصميم بالعدل فعلاً، إننا أقمنا الدولة الإسرائيلية على جزء محدود من أرض إسرائيل).(2) يرفض هذا الحزب كسابقه إعادة الضفة الغربية.

أما القدس فجميع الأحزاب من أقصى اليسار الصهيوني إلى أقصى اليمين يرفض إعادتها للعرب، بل الكل يقول إنها العاصمة الموحدة للكيان الصهيوني.

أما التنظيم الديني المتطرف /كاخ/، الذي أسسه الصهيوني الحاخام مئير كاهانا في نيويورك عام 1968، عقب عدوان حزيران عام 1967. والذي أثار حقده الشديد على العرب العالم كله، فلم تتحمل السلطات الأمريكية تصريحاته الدموية، والتي تثير الاشمئزاز والحرج لأنصار الحركة الصهيونية، مما اضطرها إلى اتخاذ عدة إجراءات بحقه، رغم مساندتها وانحيازها لإسرائيل.

وانتقل كاهانا إلى الكيان الصهيوني عام 1971. وأصبحت (كاخ) تنظيماً سياسياً داخل الكيان الصهيوني قبل انتخابات عام 1973 يتبنى أيديولوجية عنصرية تقوم على الأسس التالية: (

1-  إن الشعب اليهودي فريد ومتميز ومقدس، لا شعب ولا أمة تضاهيه في الماضي والحاضر والمستقبل.

2-  أرض إسرائيل مقدسة. وعلى الدولة الصهيونية أن تطبق سيادتها على أرض إسرائيل الموعودة. ورفض كاهانا إعادة أي أرض تحت السيطرة الصهيونية، بما فيها سيناء والجولان.

3-  إن الخلاص للشعب اليهودي وظهور المسيح الذي تنبأت به كتب اليهود أصبحا قريبين، ولكن بشرط إزالة كل عبادة غير يهودية على جبل الهيكل.

4-  الديمقراطية فكرة غريبة عن اليهودية، نبتت في عقل الأغيار، وقد تصلح لهم، لكنها لا تصلح لليهود. هؤلاء يخضعون لشريعة التوراة فقط. وإذا أطاعت حكومتهم المنتخبة ديمقراطياً الشريعة فلا ضرر منها فإذا لم تفعل فإن قوانينها وسياستها غير صحيحة، وينبغي رفضها.

5-  إن تعاسة إسرائيل، وجميع متاعبها ناجمان عن الفلسطينيين العرب، واليهود المتغربين عن يهوديتهم. فالفلسطينيون خطر على الشعب اليهودي ودولة إسرائيل (إذ إنهم كمجموع يتكاثرون كالبراغيث- حسب تعبير كاهانا). وإذا لم يعالج أمرهم فسيصبحون بمرور الوقت أكثرية في البلد، فسيسيطرون على الكنيست، ويغيروا القوانين لينهوا إسرائيل كدولة يهودية. وهم كأفراد يلوثون نقاء الشعب اليهودي بملاحقتهم الفتيات اليهوديات ومضاجعتهن، وينتزعون لقمة العيش من فم أبنائه بمنافستهم إياهم على أماكن العمل بأجورهم الرخيصة.

6-  العنف لتحقيق الأهداف. وأن يتصرفوا بعنف ضد العرب
كالوحوش)(3).

وطرح شعارات عنصرية تقول: (بأن فلسطين هبة الله لليهود الذين اختارهم الرب خالصين له)، ولذلك فلا قيمة لأي قوى بشرية أخرى، ورفض وجودها، وطردها. بل وصف العرب بأقذع الصفات. ففي إحدى خطبه، يصف سيدنا إسماعيل بأنه متوحش، ويعتدي على الآخرين، والجميع يعتدون عليه. ويعني بذلك العرب الذين هم من نسل إسماعيل. أي أن العرب متوحشون يعتدون على العالم، لذلك فالعالم يعتدي عليهم.

ودعا إلى قتل العرب حين قال عنهم: (العرب هم سرطان. سرطان. سرطان في وسطنا. وليس هناك رجل واحد يقوم ويعلن ذلك صراحة. إنهم يتكاثرون كالبراغيث! فلنرمهم في البحر! إنهم يمصون دماءنا. هؤلاء العلق! تعايش؟ أنا والسرطان الذي أشكو منه أتعايش؟ السرطان تستأصله وتقذف به إلى الخارج. أنا أقول لكم ما يشعر به كل واحد في قرارة نفسه.. اجعلوني وزيراً للدفاع. ولن يبقى منهم صرصور واحد هنا!).(4).

وشن تنظيم كاخ بزعامة كاهانا حرباً إرهابية ضروساً ضد العرب الفلسطينيين دون استثناء، سواء من العرب الذين بقوا في فلسطين بعد احتلال عام 1948، أو من يعيش منهم في الضفة الغربية والقطاع. ودعا الصهاينة إلى قتل وحرق مزروعات الفلسطينيين، وحتى بالاعتداء الشخصي عليهم وعلى ممتلكاتهم. وغايته إرغام العرب الفلسطينيين إلى الهجرة خارج وطنهم.

وخلقت دعوات وشعارات كاهانا حالة من هيجان عنصري صهيوني ضد العرب، وجرت مصادمات عنيفة بين تنظيم كاخ والمواطنين العرب في الأرض المحتلة. وخوفاً من انفجار أزمة وثورة فلسطينية تهدد نظام الكيان الصهيوني، قامت السلطات الصهيونية بتوقيف عدد من عصابة كاخ. كما تم توقيف زعيمها كاهانا توقيفاً إدارياً من قبل وزير الدفاع عام 1980. وتبين أن السبب الحقيقي وراء توقيفه التخطيط من قبل جماعة كاخ وزعيمها، للقيام بعملية تخريبية ضد المسجد الأقصى، تم اكتشافها من قبل الشرطة الصهيونية.

استطاع كاهانا استقطاب المئات من المستوطنين واليهود المتطرفين لحركته العنصرية المتطرفة، وأن توصل حركة كاخ مؤسسها كاهانا إلى الكنيست الصهيوني في انتخابات عام 1984، حيث حصل على 26 ألف صوت. ولكنه في انتخابات عام 1988، لم يستطع العودة إلى الكنيست، بسبب القوانين الجديدة للانتخابات، التي حظرت إدخال القوى العنصرية المتشددة إلى الكنيست، والتي تثير العداء والكراهية ضد العرب.

وسبب إصدار هذه القوانين، كان اشمئزاز الرأي العام الأوروبي والأمريكي خاصة والعالمي عامة، من التصريحات التي تثير التقزز والاستنكار، التي كان يطلقها كاهانا، والغلاة الصهاينة في منظمته كاخ العنصرية.

وفي تشرين الثاني من عام 1990 أقدم عربي مصري يقيم في نيويورك على قتل كاهانا، بعد أن أثارته تصريحات كاهانا، التي تدعو إلى ذبح العرب، وطرد الفلسطينيين من وطنهم، مستبيحاً دماءهم إن لم يتركوا بلادهم، ووصف العرب بأبشع الصفات. فلم يستطع هذا المناضل الأصيل، أن يتحمل الإهانات التي يلحقها كل دقيقة هذا العنصري بأمته وشعبه فأخرسه إلى الأبد.

وبعد قتل كاهانا، بدأ تنظيم كاخ يضعف دوره السياسي في الكيان الصهيوني. ثم انقسم إلى تنظيمين رئيسيين وعدة تنظيمات صغيرة، الأول حافظ على تنظيم كاخ القديم، أما الثاني فقد أطلق عليه اسم (كاهانا حي)، وكلا التنظيمين يستمدان أفكارهما من كاهانا المؤسس. ولكل من التنظيمين مؤسسة عسكرية سرية، تدعيان باسم (لجنة الأمن على الطرق) و (منظمة دولة يهودا). وغالبية العاملين في التنظيميين السريين من غلاة المستوطنين العنصريين، والذين يحملون مشاعر الحقد الأعمى ضد العرب. ومن مهام المنظمتين الأولى والأساسية قتل العرب، وتصفيتهم جسدياً، ونهب أرضهم وممتلكاتهم.

وأقدم التنظيمان على ممارسة العديد من الجرائم بحق العرب، وحتى بحق اليهود من دعاة السلام والتعاون مع العرب. ولم تتورع التنظيمات الصغيرة، التي تفرعت عن كاخ، أن تقوم بأي أعمال إجرامية بشعة جداً ضد العرب، بل وبدون حياء يفتخرون بكل عملية إرهابية من هذا النوع ضد العرب، كمذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل في 25 شباط 1994. التي أقدم عليها الصهيوني /باروخ غولد شتاين/، علماً أنه طبيب، وليس مجنوناً كما ادعت وسائل الإعلام الصهيونية، وقام بالجريمة النكراء بكامل وعيه. وتمت الجريمة عندما جاء من مستعمرة كريات أربع، والتي تعتبر من أهم معاقل كاخ، وأطلق النار من رشاشه الحربي على عشرات المصلين العرب المسلمين، وكانوا في حالة السجود لصلاة الصبح.

وقد مجد الجريمة البشعة أمين سر منظمة كاخ (باروخ مرزيل) حين قال مفتخراً (.. أعتقد أنه يجب محاكمة هذه الحكومة، التي دفعت رجلاً صديقاً إلى الإقدام على مثل هذا الأمر، إنه ليس مجنوناً، إنه رجل عظيم. رجل
صديق.)(5). وكذلك اعتبره العديد من العنصريين الصهاينة، أنه أصبح في مرتبة الشهداء القديسين.

ولا تزال منظمة كاخ تشكل خطراً شديداً على العرب ومقدساتهم، حيث يسعون باستمرار إلى إزالة المسجد الأقصى نهائياً. ولديهم شعور دائم بتحقيق بناء الهيكل. على أنقاضه. فهم يعتبرون كمعظم الصهاينة واليهود، أن المسجد الأقصى بني على أنقاض الهيكل المزعوم، على الرغم من أن كل التنقيبات أثبتت كذب هذا الادعاء(6). وهذا ما سنبينه في فصول هذا الكتاب.

الحركات والأحزاب الدينية وعملية التسوية.

بعد قبول حكومة الكيان الصهيوني بعقد مؤتمر مدريد عام 1991، اندفعت الأحزاب الدينية في مظاهرات هائجة ضد الحكومة، واتهمتها بالخيانة، وأعلنت بعنف رفضها لأي سلام مع العرب، وعدم التنازل عن الأراضي العربية المحتلة. واستغربت كيف يقبل شامير بالسلام؟ وهو المتصف لديهم بالرجل اليهودي التوراتي المتزمت دينياً، يقوم بالتفاوض مع العرب! ولم تتقبل عقولهم المتحجرة، أن يفاوض شامير العرب على الانسحاب من أرض وعدهم الله بها، كما تقول التوراة لديهم.

ومن الأوهام الخرافية التي تحولت في أذهانهم إلى حقيقة قريبة المنال، بأن أموالاً طائلة سيخسرونها إن تخلوا عن الأرض الموعودة، والتي ستصلهم من كافة الشعوب في الأرض!! وهذا الاعتقاد مصدره التلمود الذي قال لهم، إن المسيح المخلص سيأتي إليهم، ويزحف الناس من كل أنحاء الدنيا إليه، يحملون الهدايا، فيغرق اليهود بها، حتى يصبح لكل واحد نصيب من الأموال، ما يعادل حمل 300 حمار من الذهب والفضة(7). فأي خسارة ما بعدها خسارة، سيضيعها شامير عليهم، إن عقد صفقة تسوية مع العرب.

فهاجمت حشود كبيرة من اليهود المتدينين بيت شامير، وألقوا عليه الحجارة، وكذلك دار الحكومة. وصبوا على شامير اللعنات، وأحرقوا صوره. فهو لا ينفذ أوامر الرب فقط، بل فرط بأرواح اليهود، الذين في زعمهم حرروا الأرض، فأرواح اليهود في نظر ربهم عزيزة عليه. أما باقي البشر من غير اليهود، كما يقول التلمود (أرواح شيطانية شبيهة بأرواح الحيوانات)(7). وكانت الهتافات تكيل اللعنات على شامير فقط، لأنه قبل حضور مؤتمر مدريد، وكانت الهتافات التي تردد في مظاهرات المتدينين تقول: (نصف القدس أيضاً.. لقد نسيت أورشليم يا شامير.. ستشل يمناك.. وسيلتصق لسانك بحلقك إذا لم تتذكرها.. إن لم تفضلها عن أعظم أولادك.)(9). وهي كلمات من توراتهم.

ولم تقتصر التظاهرات على الصهاينة المحتلين في فلسطين، بل خرج المتدينون اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية، ينددون بانعقاد مؤتمر مدريد، ويطالبون الرئيس الأمريكي أن لا يضغط على إسرائيل، لتقدم تنازلاً عن الأراضي العربية التي احتلتها، حيث اعتبروا أي تنازل عما أسموه أرض الميعاد كفراً، وأعلنوا الصلاة في المعابد اليهودية للدعاء لربهم، بأن لا يتحقق السلام. وأنذروا أمريكا أن السماء ستمتنع عن تقديم البركات لها، إن قام السلام واستعاد العرب أراضيهم. فالتلمود يقول (لو لم يخلق الله اليهود لانعدمت البركة من الأرض، ولما خلقت الأمطار والشمس، ولما أمكن لباقي المخلوقات أن تعيش(10).

والأغرب أن بعض القساوسة في الولايات المتحدة الأمريكية، يؤمن بهذه الخرافات، ويسوقها لرعاياه، ويملؤون عقولهم بالأكاذيب والأضاليل فالقس الأمريكي /جيري فالويل/ يقول لإتباعه: (إن الله لم يكرم أمريكا إلا لأنها كريمة تجاه اليهود). ويدعو أن تستمر الحماية الأمريكية للكيان الصهيوني فيقول: (إننا إذا فشلنا في حماية إسرائيل، فلن نعود مهمين في نظر الله) ومصير أمريكا متوقف على مصير الكيان فيقول (إن مصير الأمريكيين يعتمد على الموقف الذي يقفونه من إسرائيل.. لأن وجودها من عند الله.. والله هو الذي أعطى الضفة الغربية لليهود.. فلا ينبغي أن يستردها العرب)، وأخطر ما يردد: (إن الرب يتعامل مع الشعوب بقدر ما تتعامل هذه الشعوب مع اليهود… أو من يؤذي اليهودي كأنه يضع إصبعه في عين الله.. إن إسرائيل اليوم هي إسرائيل الله)(11).

وكانت أغرب العمليات الإرهابية الصهيونية، التي مارستها التنظيمات الدينية المتشددة، والرافضة للسلام مع العرب، وغرابتها كأول تصفية قيادية سياسية صهيونية عالية، وهي اغتيال إسحاق رابين رئيس الوزراء الصهيوني في تشرين الثاني عام 1995. على يد صهيوني متدين (إيجال عامير) خريج المدارس الدينية اليهودية المتطرفة، التي عبأته حقداً على العرب، وعلى كل يهودي في تصورهم، يتنازل عن أرض إسرائيل المزعومة.

لقد اعتبرت القوى الدينية اليهودية الصهيونية، أن المباحثات التي تجري بين الحكومة الصهيونية والأطراف العربية، ستؤدي إلى تنازلات عن أرض إسرائيل التوراتية على حد زعمهم. وحملوا رابين رئيس الحكومة مسؤولية تلك المباحثات. وقبل مقتله بأيام، شنت الأحزاب الدينية وتجمع الليكود حملة عنيفة عليه. وسيروا المظاهرات الغاضبة ضده، وكانت آخرها التي سارت في شوارع القدس، وهي تنادي بالموت له، وتدعو الصهاينة بالعمل ضده، وقاموا بتوزيع منشورات تصفه بـ (القاتل السفاح، وبالموت للخائن، ويجب قتله، حتى لا تغرق سفينة اليهود). ووزعت صور له يظهر فيها راس رابين على جسد كلب، وكتب تحتها (رابين كلب عرفات). وصورة أخرى وهو يرتدي العقال الفلسطيني، وفي واحدة وهو يضع في عينيه علم فلسطين، بل إن نساء صهيونيات حملن على صدورهن عبارة (نحن على استعداد للقتل والسجن)، وشباب ارتدوا قمصاناً كتب عليها (مرحباً بالعودة للصهيونية)(12).

ومن خلال التحقيقات الأولية حول هوية قاتل رابين، تبين أن القاتل عامير، ينتمي إلى منظمة يهودية متطرفة تدعى (إيال) أي (القتال)، ومن نفس بلدة جزار الحرم الإبراهيمي (غولد شتاين)، وهي المستوطنة الصهيونية (كريات أربع). وتبين أيضاً من التحقيقات التي أجريت في الكيان الصهيوني، أن وراء القتل التطرف الديني العنصري، وتذكر روز اليوسف في خبر نقل لها، أن عدداً من الحاخامات اجتمعوا في تشرين الأول عام 1995، قبل مقتل رابين بشهر في المعبد الكبير في القدس المحتلة. ورأوا أن رابين، يعرض الكيان الصهيوني للخطر، وأن العرب سيطروا على عقله، وأنه يقود اليهود إلى نهايتهم، لهذا قرروا قتله، باعتباره كافراً، وخائناً لليهود(12).

ومن هنا يتبين لنا، إن عملية قتل رابين وتصفيته، تمت بناءً على فتوى مجمع الخامات، الذي أشرنا إليه. وكان التنفيذ قد أوكل إلى القوى الدينية، التي سخرت أحد المنتمين لها بتنفيذ عملية القتل.

مع العلم أن نصوص الشريعة اليهودية، تشير (إذا قتل يهودياً يهودي آخر، يصبح مرتداً، ويحشر في جهنم مع الحيوانات 12 شهراً، ثم يحشر 12 شهراً أخرى مع الجماد. عندئذ تصبح روحه طاهرة، وتعود لها يهوديتها، وبالتالي يدخل مرحلة التناسخ، أي تحل روحه في جسم يهودي)(14).

إن إسحاق رابين الصهيوني لم يكن أبداً صديقاً للعرب كما صورته القوى المغالية اليهودية، ولم يفكر لحظة واحدة حتى في أحلامه، أن يعيد الأراضي العربية المحتلة عام 1967. بل بقي عدواً للعرب، ومخلصاً للصهيونية حتى الرمق الأخير، وما تم من اتفاقات تسوية، رآها رابين وحزبه، وعدد من الأحزاب الصهيونية، أنها شكل من الاستسلام العربي، واعترافاً بالدولة الصهيونية رغماً عنهم، بعد أن فشلت إزالتها بقوة السلاح.

وكان حتى مقتله من أشد العاملين لتحقيق المشروع الصهيوني. ولم يبخل يوماً في تنفيذ المجازر والحروب والنكبات ضد العرب. فهو جندي شرس ضد العرب على مختلف أشكالهم وألوانهم، وكان له الدور الأكبر في تنفيذ عدوان الخامس من حزيران 1967، حين كان رئيساً لأركان الجيش الصهيوني. وكم مجزرة ومذبحة جرت للآلاف من الأسرى المصريين تحت سمعه. ولم يترك وسيلة إلا واستخدمها ضد شباب الانتفاضة، بما فيها تكسير العظام، وقد نقلت شاشات التلفاز العالمية صوراً لجنوده، وهم يقومون بتكسير عظام أذرع وأرجل عدد من شبان الانتفاضة.

ولكن رابين وجد العرب بعد حرب الخليج الثانية، في وضع يسمح له باختراقهم، وفرض شروطه عليهم، وأن يحقق للمشروع الصهيوني ما لم يستطع تحقيقه في كل الحروب، وهو اعتراف عربي رسمي بوجود الكيان الصهيوني، ويتنازلون نهائياً عن الأراضي العربية التي احتلت في عام 1948، و يعلنون سقوط الخيار النضالي المسلح وحتى السلمي باستعادتها، وهذا نصر كبير للمشروع الصهيوني. كما تبنى نظرية الشرق أوسطية، التي تفرض هيمنة صهيونية على العرب والمنطقة بكاملها.

ولماذا إذاً قتل رابين بعد هذا الإنجاز؟ الإجابة تتلخص، بأن اختلاف الرؤى بين المدرستين التوراتية الجغرافية و الاقتصادية  التي أشرنا إليها سابقاً، كان سبباً رئيسياً في حقد الأولى على رابين، الذي أسقط في اتفاقية أوسلو حلم دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل. وسقوط الحلم وحده كافياً لتصفيته، وإنهاء مشروع التسوية المعادي للحلم.

وطال الإرهاب الديني المتطرف عدداً من الصهاينة، الذين يعترفون بحق العرب في جزء من أراضيهم. واعتبروهم قد خانوا الصهيونية ومشروعها. ومن أمثلة ذلك الحملة الإعلامية، التي شنها المتطرفون الدينيون على (شولاميت ألوني) وزيرة العلوم والتكنولوجيا في حكومة رابين، والسبب أنها صرحت في أوائل شهر نيسان 1994 لراديو الكيان الصهيوني، بأن الجولان المحتلة هي أرض سورية، وعلى مستوطني الجولان، أن يعرفوا ذلك، وأن يستعدوا لإخلائه ويتركوا أراضيه. فكان جزاء هذا الكلام، أن تلقت سيلاً من الشتائم من قبل أعضاء الكنيست لتصريحها هذا.

وقال عنها زميلها الوزير أفيجادور كهلاني رئيس مستوطنات الجولان بالكنيست، إنها امرأة ضارة جداً بالشعب الإسرائيلي، وقال عنها وزراء المفدال إن حديثها يقطرسماً لليهود، كما ذكرت صحيفة معاريف الصهيونية. وكانت السلطات الصهيونية قد أجرت تحقيقات مع الوزيرة المذكورة، لأنها قالت كلمة حق. وكانت قد صرحت من قبل ، أن مغارة الأنبياء في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، هي مسجد إسلامي، وليس معبداً يهودياً. فأثارت كلماتها التي اعترفت بها، ثائرة المتدينين الصهاينة(15).

ومن خلال ما تم عرضه من رؤى، سنجد أن السلام الصهيوني كما تراه الحركة الصهيونية بكافة مدارسها وتياراتها المختلفة، كذب وخداع يصب في تحقيق المشروع الصهيوني. وما نراه من اختلاف في الآراء ما هو إلا إحدى الخدع الصهيونية للعرب، وقد كتبت المجلة الفرنسية (أفريقيا- آسيا)، عن هذا الخداع وتبادل الأدوار بين حزب العمل والليكود، وأن هدفهما واحد تجاه العرب، فكتبت تقول (.. إن بيغن وشارون اللذين لا يريدان أن يصبحا كبشي الفداء، يقترفان في لبنان والأراضي المحتلة في البلدان العربية الأخرى جرائم، كالتي اقترفها حزب العمل الذي حلا محله في الحكم، والذي يأمل العودة إلى حكم البلاد، على موجة الاستياء التي شملت قسماً من الرأي العام الإسرائيلي والعالمي) وتابعت تقول (إنهما يناديان بسياسة واحدة، ويبتغيان أهدافاً واحدة. ومتفقان في الأمر الرئيسي، وهو بناء إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، مع حرمان الشعب الفلسطيني من جميع الحقوق. أما الخلافات؟ فإنها تتعلق بأشكال وطرائق بلوغ هذا الهدف، والوقت الضروري لذلك، والأحلاف التي يجب تأييدها. إن حزب بيغن يتصرف بخشونة، وبدون تلاوين، وبدون تمويه، بينما حزب بيريس أكثر رقة وجاذبية. الأول يتسلح بالسيف، والثاني يفضل المبضع. ولكن كلاً منهما يسعى إلى الهدف نفسه، وهو تقسيم المنطقة إلى أقسام، وإنشاء أو المساهمة في إنشاء دول –مصدات- تبني عليها إسرائيل بأسها)(16).

أما قرارات المجتمع الدولي فهي تطبق إن كانت توافق مصالح الكيان الصهيوني. وتلقي إسرائيل وراء ظهرها كل قرارات الأمم المتحدة التي تعارض عدوانها واحتلالها للأراضي العربية الأخرى. وليس الأمر جديداً في عهد الحكومة الصهيونية الحالية بل من مؤسسي الكيان نفسه ففي كانون الثاني من عام 1957 أعلن بن غوريون عن رفضه لقرارات هيئة الأمم المتحدة. وقالت غولدا مائير (قرارات هيئة الأمم المتحدة لا أهمية لها البتة بنظرنا)(17).

أما السلام الذي تتشدق به الحركة الصهيونية اليوم، ومن قادة الكيان، وكم مرة سمعنا من بعضهم بأن الكيان الصهيوني، قد مد يده سنوات طويلة من السنين للعرب، إلا أنها لم تلقَ إلا الرفض؟. وهذا ما يكذبه مؤسس الكيان الصهيوني بن غوريون عن رفضهم للسلام العادل والشامل فقد قال: (إن أكبر مقلب يمكن أن يدبره العرب لنا هو عقد الصلح معنا)(18). فالسلام العادل والشامل الذي تقره كل الأمم، فإنه آخر ما تفكر به الحركة الصهيونية وقادة كيانها.

 

¾

 

(1)-عبد الستار الطويلة- روز اليوسف المصرية- العدد 3344- 23/7/1992-ص40.

(2)المصدر السابق.

(3)-أحمد خليفة- حركة كاخ في المشهد السياسي الإسرائيلي مجلة دراسات فلسطينية- بيروت- العدد 18- ربيع 1994- ص 187-188.

(4)ها آرتس 16/11/1990.

(5) ها آرتس 4/3/1994.

(6)-أحمد خليفة- حركة كاخ في المشهد الإسرائيلي- مجلة دراسات فلسطينية-بيروت- العدد 18- ربيع 1994-ص186.

(7)- مجلة روز اليوسف المصرية- العدد 3518 13/11/1995-ص15.

(8)المصدر السابق.

(9) المصدر السابق.

(10) المصدر السابق.

(11) عادل حمودة- روز اليوسف- العدد 3521-4/11/1995.

(12) روز اليوسف- العدد 3518-13/11/1995-ص16.

(13)المصدر السابق.

(14) المصدر السابق.

(15)مجلة روز اليوسف- العدد 3436-18/5/1994-ص17.

(16) دادياني- الصهيونية على حقيقتها- موسكو- دار التقدم- 1989-ص 298.

(17) المصدر السابق ص 300.

(18) المصدر السابق ص 300.

 

¾¡¾

 

الفصل العاشر:
رؤية الحزب الشيوعي الإسرائيلي للسلام.

 

 استطاعت الحركة الصهيونية أن تظلل الكثير من الأحزاب في أوروبا الشرقية والغربية، بتلون جلدها السياسي والعقائدي، تحقيقاً لأهدافها البعيدة، فهي اشتراكية أمام الاشتراكيين، ورأسمالية أمام الرأسماليين، وقومية اشتراكية وبرجوازية ودينية إلى آخره من الأشكال والصور، تتبدل ألوانها كالحرباء. المهم لديها، هو الوصول إلى غايتها، دون النظر إلى الوسيلة المستخدمة لتحقيقها. ومن خداع الألوان كانت نظرة العديد من الاشتراكيين الأوروبيين إلى الكيان الصهيوني حلماً اشتراكياً، لما كان يقدم للإعلام الغربي من دعايات كاذبة عنه، بأنه النموذج الاشتراكي، من خلال ما أوحى لهؤلاء، بأن التجمعات الجماعية (المستعمرات)، التي يقيمها في فلسطين المغتصبة، نموذج تطبيقي للاشتراكية، من خلال العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تجري فيها. وما أوحت به الأحزاب الاشتراكية الصهيونية للرأي العام الأوروبي من أكاذيب وأضاليل.

وتعود النشأة الأولى لما يسمى بالأحزاب الاشتراكية الصهيونية، منذ نهايات القرن التاسع عشر، حين بدأت الحركة الصهيونية تطرح نفسها، بأنها تقف إلى جانب مصالح الفقراء والعمال اليهود المضطهدين في أوروبا وخاصة في روسيا. علماً كما بينا في الفصول الأولى من الكتاب، أن الصهيونية وضعت نفسها، منذ ولادتها الأولى في خدمة القوى الاستعمارية الكبرى. لهذا بدأت تتشكل منظمات وأحزاب يهودية عمالية خاصة في روسيا، والتي بدأت تظهر مع التحولات الاجتماعية والسياسية فيها، تبدو أوضاعها السياسية مرشحة للتغيير، وتتجه القوى الكبيرة في المجتمع نحو النظام الاشتراكي. كانت تلك الأحزاب والتنظيمات اليهودية الروسية والبولونية أيضاً البذور الرئيسية، التي شكلت في ما بعد الأحزاب الاشتراكية والشيوعية في الكيان الصهيوني.

البدايات الأولى لما يسمى بالاشتراكية الصهيونية، جاءت تقريباً مع نشأة الاتحاد العام للعمال اليهود (البوند)، الذي تأسس في أيلول عام 1897، في نفس العام الذي انعقد فيه المؤتمر الصهيوني الأول. ثم تحول اتحاد العمال اليهود الروس (البوند) والحرفيين والمثقفين اليهود، إلى تجمع شكل بؤرة للتعصب القومي اليهودي، الذي كان حليفاً للصهيونية.

كما كانت بذورها الأولى أيضاً الحزب الاشتراكي البولوني في نفس الوقت، الذي أدى دوره في نمو التعصب اليهودي الصهيوني. ومن البذور حزب العمال الاشتراكي- الديمقراطي اليهودي (بوال صهيون)، الذي نشأ في روسيا عام 1906. والاتحاد العمالي الاشتراكي اليهودي العالمي الذي تشكل في لاهاي في عام 1907. والحزب الشيوعي اليهودي الذي تشكل في آب 1919 في روسيا، والاتحاد الشيوعي اليهودي العالمي (فلت فاربند الشيوعي) الذي ظهر في عام 1920. وتلك هي البذور الأولى، لتشكيل ما سمي بالاشتراكية الصهيونية.

وقد كشفت القوى الشيوعية في الاتحاد السوفيتي، زيف الحزب الشيوعي اليهودي، الذي تستر بالماركسية، ويعمل لصالح أهداف الصهيونية، واستغلال العمال اليهود من أجل تلك الأهداف، وقد كتب المؤرخ السوفييتي (مالاشنكو) عن تشكيل الحزب الشيوعي اليهودي المزيف قائلاً: (قد عكس من جهة، ميل الجماهير اليهودية إلى اليسار، صوب السلطة السوفيتية، وصوب الشيوعية، لإبقاء الجماهير تحت نفوذهم، وشل انتقاد النزعة الفلسطينية، واستعمال آلية الكومنترن إلى الشرق الأدنى) .(1)

ونشأ في تلك الفترة في فلسطين الحزب الاشتراكي- الصهيوني (بوال صهيون) أي عمال صهيون، الذي غير اسمه عدة مرات، فكان عام 1919، باسم (احدوت هآفودا) أي اتحاد العمل، ثم في عام 1930 أصبح حزب (ماباي) أي حزب العمال في فلسطين. وكان له الدور الرئيسي في زعامة الصهاينة في فلسطين، وأغلب قيادة المنظمة الصهيونية العالمية، والوكالة اليهودية من زعماء حزب ماباي. ثم أصبح حزب العمل الإسرائيلي عام 1968، بعد اتحاد ثلاثة أحزاب صهيونية اشتراكية(2).

وفضحت الأممية الشيوعية الاشتراكية- الصهيونية في مؤتمرها الثاني، المنعقد صيف 1920، في قرارها حول مسألة القومية، ومسألة المستعمرات فيما يلي: (إن مشروع الصهاينة الفلسطيني، وكذلك على العموم الصهيونية التي تضحي فعلاً، وراء ستار بناء دولة يهودية في فلسطين، على مذبح الاستثمار الإنجليزي، بالسكان الكادحين العرب في فلسطين، حيث الشغيلة اليهود لا يشكلون سوى أقلية تافهة هما مثال ساطع على خداع الجماهير الكادحة في الأمة المظلومة، بتضافر جهود إمبريالية دول الانتات (الوفاق) وبرجوازية الأمة المعنية)(3).

وفي آذار 1919 تأسس حزب العمال الاشتراكي، الذي تحول اسمه إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني (حشف). الذي واجه حرباً من الاشتراكيين الصهاينة، فقد قال كاتسنلسون من قادة حزب احدوت هآفودا: (علينا أن نستنهض ثورة ضد الثورات التي سبقتنا.. تواجهنا مهمة إعداد شبيبتنا للثورة.. ضد أولئك اليهود، الذي صاروا عبيداً للثورة الروسية.. بمن فيهم الحزب الشيوعي الفلسطيني)(4).

وانتقل الحزب الشيوعي الفلسطيني إلى العمل السري منذ أيار 1921، وشكل داخل الهستدروت (الاتحاد العام للعمال اليهود) كتلة خاصة به، أسماها الكتلة العمالية في أيلول 1923. ولكن سرعان ما تم طردهم من قبل قادة الهستدروت في نيسان 1924، ولم يعودا إليه إلا في سنة 1944(5).

وتغير اسم الحزب الشيوعي الفلسطيني منذ أيار 1948 إلى اسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وقد حاربته الأحزاب الصهيونية، بسبب طروحاته المخالفة لتوجهات الصهيونية، ومعارضته لممارساتها داخل الكيان، إلا أن البعض من أفراده من اليهود، كان متأثراً بالصهيونية، وقد قال الأمين العام للحزب ميير فلنر حول ذلك في عام 1969 في ذكرى تأسيسه الخمسين ما يلي: (رغم أن أيديولوجية حزب العمال الاشتراكي، لم تكن بعد ماركسية تماماً، كان ذلك خطوة ثورية جريئة في ظروف البلد آنذاك. وقد هاجمته الأحزاب الصهيونية بضراوة ونعتته بالحزب المعادي للصهيونية. وبالفعل أعلن حزب العمال الاشتراكي نفسه أنه من المشكوك فيه أن يكون بقي عندهم شيء من الأيديولوجية الصهيونية، رغم أنهم احتفظوا ببعض الصلة مع بقايا النظريات والمصطلحات الصهيونية)(6).

في آب عام 1965 ظهر في الكيان الصهيوني حزبان شيوعيان، الأول يتزعمه موشي سنيه، والثاني يتزعمه ميير فلنر. ولكل منهما رؤية مختلفة تجاه السلام مع العرب، على الرغم من أن الطرفين يتفقان بالدفاع عن الكيان الصهيوني بشرعية وجوده.

أما رؤية حزب سنيه وأمينه العام شموئيل ميكونيس، فهي لا تختلف عن حزب العمل، فهو يعتبر أن الكيان الصهيوني حق إلهي منحه الله إلى اليهود، باعتبارهم شعب الله المختار. ويبرر الحروب العدوانية، التي شنتها قوات الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين والبلدان العربية، باعتبارها حرباً دفاعية. على الرغم من معرفته بأنها حرب عدوانية، استهدفت احتلال أراض عربية واغتصابها.

ويبرر موشي سنيه عدم إعطاء الحقوق للفلسطينيين، في حديث له لمجلة الأزمنة الحديثة الفرنسية العدد 253 مكرر في حزيران 1967 بقوله: (لم تقم أية قوى سياسية فلسطينية، لتتحمل أعباء السلطة في القطاع العربي من فلسطين، بعد جلاء القوات البريطانية). وهو يعرف حتماً الظروف التاريخية، التي حالت دون الإعلان عن دولة فلسطينية في حينها. ويقترح في نفس المجلة، إقامة دولة فلسطينية عميلة، وتابعة للكيان الصهيوني، لتكون مانعاً بشرياً بين الكيان والدول العربية(7).

واستمر الحزب الذي يطلق عليه مجموعة ميكونيس في مناصرة المشروع الصهيوني، وانضم إلى بقية الأحزاب الصهيونية في معاداة الأمة العربية، واغتصاب الأراضي العربية. وناصر الحكومات الصهيونية في عدوانها المستمر على الأمة العربية. وقد فقد الحزب مشروعيته أمام الأحزاب الشيوعية في أغلب دول العالم، بعد قطع الأحزاب الشيوعية علاقاتها معه بعد حرب حزيران 1967، نتيجة تأييده الحميم لها.

الجناح الثاني من الحزب الشيوعي الإسرائيلي، والذي يتزعمه ميير فيلنر، والذي تحول إلى اسم "الشيوعية الجديدة". ضم عدداً من الشيوعيين العرب، إلى جانب الشيوعيين اليهود. ويختلف حزب فيلنر عن مجموعة ميكونيس، من مواقفه المعتدلة تجاه قضايا الصراع العربي/ا لصهيوني، حيث أدان عدوان حزيران عام 1967. وتعرض للمضايقات من قبل السلطة الصهيونية، والمتشددين في اليمين الصهيوني، حتى أن فلنر تعرض للضرب شخصياً داخل الكنيست، بسبب دعوته للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وحل المشكلة الفلسطينية.

إلا أن هذا الموقف من فيلنر، لا يعني أنه مضاد للوجود الصهيوني وكيانه، بل أنه من المدافعين عن وجوده. رغم أنه قام على اغتصاب أراضي الآخرين فيقول: (نسمع أحياناً تصريحات، تؤكد أن دولة إسرائيل ليست دولة شرعية، وأنها لا تتمتع بحق البقاء. نحن نرفض هذا القول بشدة، فإن دولة إسرائيل قد دخلت اليوم مسرح الواقع)(8). وحزب ميير فيلنر يعتبر الحزب الشيوعي المعترف به من معظم الأحزاب الشيوعية في العالم. وعن رؤيته للسلام، فإنه مع الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وحل مشكلة اللاجئين وإقامة دولة فلسطينية.

 

¾

 

(1)–دادياني- الصهيونية على حقيقتها- مصدر سابق- ص 122.

(2)-المصدر السابق- ص11.

(3)-المصدر السابق-ص 124.

(4)-المصدر السابق-ص141.

(5)-المصدر السابق-ص145.

(6)-المصدر السابق-ص156.

(7)-جان كلود ساج-تواطؤ الشيوعيين المزعومين في إسرائيل- من كتاب ستزول إسرائيل عاجلاً أو آجلاً- مصدر سابق- ص 94/95.

(8)-مجلة الأزمنة الحديثة الفرنسية- العدد 253 مكرر- حزيران 1967.

 

 

¾¡¾

 

الفصل الحادي عشر:
السلام في برامج بعض الأحزاب الصهيونية

 

 

من يطالع برامج الانتخابات الحزبية في الكيان الصهيوني في موضوع التسوية مع الأنظمة العربية، لا يرى أية اختلافات أساسية على المسلمات الأولى في جوهر الصراع العربي/ الصهيوني، وهي القضية الفلسطينية. من حيث رفض حق العودة لنازحي عام 1967 ولاجئي عام 1948 إلى أرضهم وبيوتهم التي طردوا منها، أو التعويض عما أصابهم من خسائر مادية وروحية. أما القدس فهي بكافة برامج الأحزاب يجب أن تبقى موحدة. وبضم القدس الشرقية العربية إلى الكيان الصهيوني، واعتبارها عاصمته الأبدية. أما باقي أسباب النزاع، فتتوزع أشكال الاختلاف حسب مساحة الخداع والمراوغة، التي تسمح بها اللعبة السياسية الداخلية والخارجية.

فبرنامج الليكود الانتخابي عام 1996 يؤكد أن من حق ما أسماه الشعب اليهودي في أرض فلسطين العربية، والتي دعاها باسم أرض إسرائيل، فهي حق أزلي له وغير قابل للطعن. ويرفض الحزب من الأساس الوجود التاريخي للشعب العربي الفلسطيني، الذي عاش على هذه الأرض آلاف السنين، والتي تؤكدها كل شرائع وقوانين وتاريخ وأوابد تلك الأرض.

واعتبر الليكود الصهيونية حركة تحرر الشعب اليهودي ورغم أن الغالبية العظمى من شعوب العالم اعتبرتها حركة عنصرية استعمارية، وتلغي تلك الأكذوبة كل ما يرى العالم ويسمع من الفظائع والجرائم التي ترتكبها وارتكبتها وسترتكبها في حق البشرية عامة والعرب والفلسطينيين خاصة. ويعلن التجمع عن تعزيز الاستيطان والهجرة اليهودية على أرض فلسطين.

أما السلام في البرنامج الانتخابي لتجمع الليكود: يقوم على الأمن الصهيوني، وليس على عودة الأرض والحقوق لأصحابها. ويجب أن يقتصر الحكم الذاتي للفلسطينيين على الشؤون الخدماتية والمرافق، أما الشؤون الخارجية فهي للكيان الصهيوني، والأمن يتطلب تنسيقاً معه، ويرفض الليكود مطلقاً إقامة دولة فلسطينية.

ويدعو إلى برنامج يقوم على تقليص العمالة الفلسطينية في الكيان الصهيوني، وعلى إطلاق أيدي الجيش والأجهزة الأمنية في مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني بحجة ملاحقة الإرهاب. وعن المياه في الضفة الغربية وغزة ستكون مصادرها بيد الكيان، وله الحق في استغلال مصادر المياه، ويرفض المس بهذا الحق من قبل الفلسطينيين. ويطالب بأن تغلق كافة المؤسسات الفلسطينية بما فيها بيت الشرق في القدس، فلا وجود لمؤسسات غير صهيونية في القدس، كونها العاصمة الموحدة للكيان. ويرفض وجود حدود بين الأردن والكيان لدولة ثالثة. أما عن الجولان في برنامج الليكود، فإنه يبقى جزءاً من الكيان الصهيوني، وله السيادة عليه، وأن تطبق عليه قوانين الكيان، وإدارته، كما أقر الكنيست العاشر(1).

ولم يحدث تغيير في برامج الليكود في انتخابات عام 1999. وأيضاً في عام 2000. حيث أعلن شارون (وحتى نتنياهو قبل انسحابه من سباق رئاسة الحكومة الصهيونية) عن رفضه للدولة الفلسطينية، ووعد علناً ناخبيه، أنه إذا انتخب، فإنه سيستخدم القوة العسكرية في إخماد انتفاضة الأقصى. واعتبر حكومة باراك متراخية تجاه المنتفضين، رغم مذابحها اليومية للفلسطينيين على مختلف أعمارهم وجنسهم، بل كان غالبية الضحايا من الأطفال. واعتبر ما قدمه باراك في محادثات كامب ديفيد الثانية في تموز عام 2000، من تنازلات في القدس جريمة، على الرغم من عدم أهميتها، بل فيها كل الخداع والخبث الصهيوني. وأيضاً ما أسماه تنازلات في الأراضي المحتلة وغزة فهي مرفوضة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، بأن اعتبر اتفاقية أوسلو 1994 بما فيها من هدر لحقوق الفلسطينيين، واعتبرها ملغية، وأنها ماتت (2).

وفي يوم الأحد 21/1/2001 نقلت وكالات الأنباء تصريحاً لشارون، بأنه يعطي للفلسطينيين حكماً ذاتياً، وسيطرة على 45% من أراضي الضفة الغربية، مع الرفض المطلق لإزالة المستوطنات، التي زرعت في الضفة الغربية وغزة، ويرفض إعادة الجولان لسورية. والطالب بسحق المنظمات الفلسطينية الأخرى، على اعتبارها إرهابية تهدد الأمن الصهيوني، ولا تنازل مطلقاً عن أي جزء من القدس، أو ما أسماه جبل الهيكل(2). ونقلت وكالات الأنباء عن مساعديه تهديده بضرب السد العالي ولبنان وإيران(3).

وكان برنامج حزب العمل في انتخابات عام 1996. لا يختلف كثيراً عن الليكود في القدس، والحدود مع الأردن، وسيادة الكيان على غور الأردن، وشمال غرب البحر الميت، وغوش عتسيون، ومناطق حيوية يختارها الكيان، بما أسماه لصالح أمن إسرائيل. وأن تحل مشكلة اللاجئين خارج الكيان الصهيوني. مع إبقاء معظم المستوطنين وغزة تحت السيادة الصهيونية.

وعن الجولان، بالرغم مما يدعي أن مباحثات التسوية مع سورية حول الجولان، سيتم على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338. إلا أنه وضع شروطاً تعرقل التوصل إلى تنفيذ القرارين. فبدلاً من انسحاب كامل من كل الأراضي العربية السورية المحتلة عام 1967، نجد حزب العمل، يقول: إن الاتفاق المنشود سيبنى على أساس حدود أمنية وترتيبات أمنية، وضمان المصادر المائية الحيوية للكيان الصهيوني، وقيام تطبيع كامل بين البلدين. مع التأكيد على أن يقام تعاون اقتصادي بين الكيان وسورية. ورغم هذه الشروط المجحفة، فإنه أخضع الاتفاق، إن تم بين الطرفين إلى استفتاء للصهاينة في الكيان للتصويت عليه(5).

ولم تتغير طروحات البرنامج الانتخابي لحزب العمل في عام 1999، عن برنامجه الانتخابي عام 1996. بل استغل الإحباط الداخلي والعالمي من سياسة زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، التي هددت مسيرة التسوية لتطرفها، والحق يقال: إن نتنياهو كان صهيونياً صادقاً، فأظهر وجه الصهيونية البشع دون قناع، كما كان يفعل زعماء العمل دائماً، فأعلن باراك المرشح لرئاسة الحكومة، أنه سيقيم السلام، ولكن سلام صهيون، لا سلام الحق والعدل. ولكن بعد سنة ونصف كانت سياسته، كما أشرنا في الفصول السابقة أسوء من نتنياهو. ومن يقرأ كلمته التي وجهها إلى الصهاينة في الأراضي العربية المحتلة، قبل توجهه إلى محادثات كامب ديفيد الثانية مع السلطة الفلسطينية في 9/7/2000، يجدها تعبر عن برنامجه وعقليته وأفكاره في السلام، فجاء فيها: بأنه لن يتنازل عن القدس، بل ستبقى عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، ولن تنسحب قواته المحتلة أبداً عن الأراضي الفلسطينية عام 1967، وأن المستوطنات الرئيسية التي يعيش فيها نحو 80% من المستوطنين، ستضم إلى الكيان، وأنه لن يسمح بجيش أجنبي (فلسطيني) بالانتشار غرب نهر الأردن، ولن يقبل بعودة اللاجئين(6).

أما الحزب القومي الديني (المفدال)، فإن برنامجه العنصري الديني الاستعماري عام 1996 واضح، حيث جاء تحت فقرة السلام والأمن بند بعنوان: (تكامل التوراة والشعب والأرض) لينسف مشروع التسوية المنقوصة، فيقول: (يؤيد المفدال المبدأ الذي وجه الصهيونية الدينية منذ نشأتها. أرض إسرائيل من أجل شعب إسرائيل في هدي توراة إسرائيل، وسيعمل من أجل التحقيق الكامل للمبدأ). ففلسطين للصهاينة وحدهم حسب خرافاتهم وأساطيرهم، وليس هناك وجود لشعب آخر لـه أرضه وحقوقه التاريخية فيها. ويدعو البرنامج الديني ببند خطوط موجهة لاتفاقات السلام، من خلال مبادئ وضعها للتسوية، ضمان الأمن الكامل، وحرب لا هوادة فيها لما أسماه بالإرهاب داخل البلد وعلى امتداد الحدود.

ويقول بوضوح كامل أنه يرفض إعادة الأراضي العربية المحتلة، فجاء في المبدأ الثاني التالي: (إسرائيل وحدها ستكون موجودة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، ولن تؤسس دولة فلسطينية، أو أي كيان أجنبي آخر ذي سيادة في هذه المساحة). وكذلك مرتفعات الجولان السورية يقول عنها: هي جزء لا يتجزأ من الكيان الصهيوني، وستبقى تحت السيادة الإسرائيلية في زمن السلم أيضاً. والاستيطان اليهودي في جميع أنحاء الكيان الصهيوني حق مشروع في نظر الحزب، لأنه هو الضمانة الأمنية للكيان، ويرفض الحزب إزالة أية مستوطنة صهيونية من الأراضي العربية المحتلة.

ويقول عن الاستيطان: (هو أساس سيطرتنا على البلد، وأساس أمن إسرائيل، ولذلك يجب تعزيزه. وينبغي لأي اتفاق سياسي، ضمان عدم اقتلاع أية مستوطنة يهودية). ويرفض الحزب في البرنامج حق العودة للسكان العرب، ويشترط أن يضمن عودة الجنود الأسرى والمفقودين. ويعتبر اتفاق أوسلو اتفاقاً مشؤوم النتائج، ويضع العديد من الوسائل، لمواجهة النتائج التي أسفرت عنه. ونذكر منها، أن يعطى الجيش الصهيوني الحرية الكاملة بالتحرك في الضفة الغربية، التي أسماها يهودا والسامرة وغزة. وأكد على مسألة الاستيطان اليهودي في القدس العربية. ومن المطالب التي يطرحها المفدال إزالة المسجد الأقصى، وبناء هيكل يهودي بدلاً عنه، وإلى تشجيع الاستيطان اليهودي في الأراضي العربية المحتلة(7).

ولا يختلف برنامج حزب الطريق الثالث الانتخابي عام 1996، عن بقية الأحزاب الصهيونية في القدس والاستيطان، بل يصر على حق الكيان الصهيوني بالاحتفاظ بالمناطق العربية المحتلة، تحت ذريعة أنها احتلت نتيجة حرب دفاعية. ويمنح حكماً ذاتياً للفلسطينيين، وبعنصرية فجة، يطرح فصل العرب والصهاينة في الضفة الغربية وغزة، ويدعو إلى: (تطوير المستوطنات، وبذل مجهود مكثف لجعل "السلسلة الفقرية" الشرقية لإسرائيل بأكملها آهلة بالسكان (من مرتفعات الجولان إلى إيلات)(8).

أما حزب الروس المهاجرين، الذين كان تفاؤل بعض القوى اليسارية بهم كبيراً، لترجيح كفة اليسار الصهيوني، أمام المد اليميني الديني الصهيوني في الكيان. كونهم عاشوا في النظام الاشتراكي السابق /الاتحاد السوفيتي/، فإن الآمال سرعان ما تبخرت، وتلاشت رويداً رويداً، حيث ظهر أنهم أشد صهيونية من غيرهم من الصهاينة الآخرين.

ففي برنامج يسرائيل بعلياه الروسي، يطلب أن تستند التسوية على حق ما أسماه الشعب اليهودي في الأرض العربية، التي يحتلها الكيان الصهيوني، وأنه غير قابل للتصرف فيه. والقدس غير قابلة للتفاوض، ووضع شرطاً مضافاً مختلفاً عن بقية الأحزاب الصهيونية، هو أن يفرض النمط السياسي في الكيان الصهيوني على عرب التسوية، باعتباره الديمقراطي الوحيد في المنطقة، وعلى الدول الموقعة على التسوية، أن تسير على النمط الصهيوني في الديمقراطية وحقوق الإنسان(9).

وكذلك لم يختلف حزب ميرتس الصهيوني عن بقية الأحزاب الصهيونية، على الرغم من أنه معروف في الوسط الإعلامي العربي والدولي، بأنه حزب السلام الصهيوني، ومن الأحزاب العلمانية في داخل الكيان. فمن برنامجه حول القدس، فهو يعتبرها عاصمة الكيان، ولن تقسم بعد الآن. ولكنه يتقدم على البقية حول الدولة الفلسطينية، فيدعو إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، إلى جانب الكيان الصهيوني. ضمن إطار التسوية الدائمة، ولكن أيضاً يضع للأمن الصهيوني دوراً في المرحلة الانتقالية. تحت ذريعة ما أسماه الضمان الشخصي للمواطنين الصهاينة. ويتقدم في مسألة الاستيطان الصهيوني في الأراضي العربية المحتلة، حيث يعارض سياسة الاستيطان معارضة مطلقة، ويدعو إلى تفكيك المستوطنات الصغيرة والمنعزلة أثناء المفاوضات، التي تجري من أجل الحل الدائم. وينصح بعدم إبقاء صهاينة تحت الحكم الفلسطيني، ولا فلسطينيين تحت حكم الكيان. وعن التسوية مع سورية، لا يدعو إلى العودة إلى خطوط الرابع من حزيران عام 1967، بل الانسحاب إلى الحدود الدولية، ويعني ضم قسم من الجولان إلى الكيان الصهيوني بما فيها بحيرة طبرية، التي يرفض الجانب السوري التنازل عنها(10).

¾

 

(1)-انظر إلى ملحق وثيقة البرامج الانتخابية- الوثائق.

(2)-إذاعة مونت كارلو- النشرة الأخبارية- يوم الجمعة 15/12/2000.

(3)- وكالات الأنباء- رويتر- الأحد 21/1/2001.

(4)-إذاعة مونت كارلو الفرنسية- نشرة الأخبار- الخميس 25/1/2001.

(5)-انظر إلى ملحق وثيقة البرامج الانتخابية- الوثائق.

(6)-جريدة النهار البيروتية- 10/7/2000.

(7)-انظر إلى ملحق وثيقة البرامج الانتخابية- الوثائق.

(8)-ملحق وثيقة البرامج الانتخابية.

(9)-ملحق وثيقة البرامج الانتخابية.

(10)-ملحق وثيقة البرامج الانتخابية.

 

¾¡¾

 

الفصل الثاني عشر:
القدس والمسجد الأقصى.. والسلام الصهيوني

 

 

من أهم ما واجهته التسويات، التي تمت بين الأنظمة العربية عامة والسلطة الفلسطينية خاصة والكيان الصهيوني، منذ زيارة السادات للكيان عام 1977، هي مسألة القدس. فقد سمع المتفاوضون من عرب التسوية كلاماً واحداً من كافة قادة الكيان الصهيوني على مختلف انتماءاتهم الحزبية، إن القدس هي العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني. وكان هذا الكلام علنياً وواضحاً في المباحثات والاجتماعات السرية والعلنية. مما أوقع الكثير من زعماء التسوية العرب بالحرج أمام شعوبهم. وتحت ذريعة القرار الفلسطيني المستقل، تهرب زعماء التسوية من مسألة القدس، فألقيت معالجة حل هذه المسألة الشائكة على الفلسطينيين. ومن المؤسف أن معاهدات التسوية بين الأنظمة العربية والصهاينة لا تشير إلى عودة القدس العربية أو حل مأساتها لا من قريب ولا من بعيد، فتركت جزءاً من حل المسألة الفلسطينية، رافعين أيديهم عنها وكأنها ليست ثالث مقدساتهم، ولها خصوصيتها العربية والإسلامية، بل أداروا لها ظهورهم، وأوحوا بأن لا علاقة لهم بها، لأنها ليست جزءاً من أراضي بلادهم. كان هذا تبرير ناجح في نظرهم، وتغافلوا بأن الشعوب لا ترحم من يفرط بمقدساتهم.

وهكذا بات حل مسألة القدس مؤجلاً، إلى تتمة التسوية النهائية مع الفلسطينيين، والحقيقة أن الطرف الصهيوني هو الذي رفض بحث هذه المسألة، التي اعتبرها أمراً محسوماً لصالحه، ولا يمكن البحث فيها، وأن مجرد البحث فيها، يعني قلب طاولة المفاوضات على الطرف العربي، فهي (القدس) موحدة عاصمة الكيان ، ولن يتنازل عن ذلك، حتى وإن فشلت عملية التسوية برمتها.

 

تركت مسألة القدس للفلسطينيين كما أشرنا، لتبحث بينهم وبين الكيان الصهيوني. وعلى الرغم مما جاء في اتفاقية أوسلو من تأجيل لمسألتي القدس واللاجئين إلى المفاوضات النهائية، فإن ذلك تم بعد أن عرف المفاوض الفلسطيني، أن المفاوض الصهيوني يرفض البحث في هذه المسألة، التي يعتبرها قد أصبحت من المسلمات في سياسة التسوية في المنطقة. والصهاينة يقولون: إن القدس قد توحدت منذ حرب حزيران عام 1967، ولا يمكن تقسيمها من جديد، وهي اليوم العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني. ولو لم يكن هذا قناعة مؤكدة لدى المفاوض الصهيوني، لما كان هناك اتفاق تم في أوسلو.

ومن أخطر ما ترمي إليه سياسة السلام الصهيونية، هو إجبار العرب على الاعتراف بهذا الأمر الواقع للقدس، بأن تبقى تحت السيادة الصهيونية، وعاصمة للكيان. خاصة بعد الإجراءات الديمغرافية والجغرافية، التي قامت بها الحكومات الصهيونية منذ انتهاء حرب حزيران 1967، لهذه المدينة المقدسة. ليصبح اليهود الأكثرية السكانية من خلال المصادرات المستمرة لأراضي وبيوت المقدسيين العرب. مع منع العرب فيها من البناء، وفرض سياسة التضييق الاقتصادي والاجتماعي عليهم، مع ممارسة الإرهاب والتخويف. وكل ذلك يصب في خانة سياسة التهجير القسرية للعرب من القدس. لإفراغها من العرب، وتبقى يهودية خالصة.

ومن الأخطار المحدقة بالمدينة المقدسة، ما أشرنا إليه من أهداف وسياسات الصهيونية، وأخطرها خطط الأحزاب الدينية والحركات المتطرفة مثل أنصار الهيكل، وهو السعي لهدم المسجد الأقصى، وبناء هيكل سليمان المزعوم والمزور تاريخياً. وكما قلنا إن الكيان الصهيوني منذ انتهاء حرب حزيران عام 1967 قد جند كل مؤرخي وعلماء الآثار، وأجرى حملة تنقيب واسعة على سطح المسجد، وتحته، وفتح أنفاق تحت الأرض، إضافة إلى تنقيب واسع في القدس وما حولها، ولم يجد هذا الحشد من العلماء الصهاينة، أثراً يهودياً يتوافق مع أساطيرهم المزعومة، وكل ما وجدوه آثاراً عربية ورومانية فقط.

فقد اعترف فريق من علماء الآثار اليهود، الذي يعملون في دائرة الآثار الصهيونية في تموز 1998، بعد أن قام بالحفريات في القدس العربية مدة عامين، أن القدس كانت مدينة هامة، وعاصمة قبل الملك داود. وأشاروا إلى اكتشافهم نظام ري للمدينة، وهو من الأنظمة المعقدة والمتطورة، ويعود بناء هذا النظام إلى ما قبل 1800 ق. م.(1). أي أنه تم بناؤه في العهد الكنعاني، وهذا العهد سبق داود بثمانية قرون. إلا أن الإصرار الصهيوني بقي على مزاعمه وأكاذيبه، على الرغم من نفي الأرض والحقائق وعلمائه الصهاينة من العاملين بالآثار لتلك المزاعم.

وبينت المفاوضات الصهيونية مع السلطة الفلسطينية، أن الأحزاب الصهيونية على اختلاف ألوانها وسياساتها، تعتبر مسألة هدم الأقصى، والاستيلاء عليه، من مسلمات تلك الأحزاب، وإن تقمصت ثوب السلام، والإدعاء بالبحث عن نهاية للصراع العربي الصهيوني. والشاهد على ذلك زيارة آرييل شارون إلى المسجد الأقصى في 28 أيلول 2000، والتي تمت بالاتفاق ما بين زعيم حزب العمل اليساري ورئيس الكيان الصهيوني ايهود باراك. علماً أن باراك كان قد انتخب من أجل بناء السلام مع العرب، وعلقت عليه آمال عرب التسوية والغرب والولايات المتحدة. فإذا به يتفق مع زعيم الليكود اليميني لتجربة إعادة بناء الهيكل، فيسمح لشارون بدخول المسجد الأقصى مدججاً بثلاثة آلاف جندي صهيوني، أرسلهم باراك معه، لاختبار ردة الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية على الزيارة، وعلى بناء الهيكل، وكانت من نتائجها انفجار انتفاضة الأقصى الجبارة.

وحين سألت مجلة (لوفي جارو) الفرنسية شارون: (لماذا قررت فجأة أن تقوم بزيارة إلى ساحة مسجد القدس، والذي يعتبر ثالث المساجد المقدسة في الإسلام؟) كانت إجابته تدل على ما يبيت الصهاينة للمسجد الأقصى، فقال: (أي مسجد تتحدث عنه؟. أنا لم أقم بزيارة إلى مسجد. ولكن قمت بزيارة إلى "جبل المعبد" وهو أكثر الأماكن المقدسة لدى اليهود. إن كل الذين يعرفون التوراة يعرفون ذلك، ويعرفون أيضاً أننا نتكلم عن أرض تحت السيادة الإسرائيلية).

ويدعي في نفس المقابلة، أن البابا يوحنا الثاني قد قال له: إن القدس هي هبة الله لليهود، وإنها عاصمتهم عادت إليهم بعد آلاف السنين، حيث قال شارون: (.. في مارس أو أبريل 1994 عندما كنت وزيراً للشؤون الخارجية، تقابلت مع البابا يوحنا الثاني بابا الفاتيكان. قام بدعوتي للتحدث سوياً. وأنا عرفت من حديثنا، أن القدس كانت عاصمة لنا منذ ثلاثة آلاف عام ودائماً. وقد حدد لي بوضوح الفرق بين الأرض المقدسة والأرض الموعودة. وهو أن أرض إسرائيل مقدسة للمسيحيين والعرب واليهود. ولكنها موعودة فقط لليهود)(2).

وهذا كذب وافتراء، لأن ما قاله شارون يناقض ما تم الاتفاق عليه بين السلطة الفلسطينية والفاتيكان في 15 شباط/ فبراير/ 2000.

فإنهما اتفقا على ضرورة إيجاد حل دولي لقضية القدس، لا كما جاء على لسان شارون، بل ورفض الطرح الصهيوني بأن تكون موحدة وعاصمة أبدية للكيان الصهيوني.

وقد جاء في الاتفاق الثنائي ما يلي: (وإذ يصرحان أن حلاً متكافئاً لقضية القدس على أساس القرارات الدولية أساس لسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، وأن أية قرارات أو أعمال أحادية الجانب تغير الطابع المميز للقدس ووضعها القانوني. وإذ يدعوان بناء على ذلك، إلى وضع خاص لمدينة القدس، وتحميه ضمانات دولية)(3). وهذا الاتفاق يدحض ما جاء على لسان شارون من أكاذيب، واعتبر الفاتيكان من خلاله أن القدس فلسطينية(4).

القدس عاصمة قبل العبرانيين وبعدهم

والقدس عربية النشأة، وسكنها العرب منذ خمسة آلاف عام، وتشير الكتب والدراسات التاريخية، أن العموريين أسسوها في الألف الثالث قبل الميلاد، وأسموها (أورو شالم)، وتعني في لغة العموريين (أسسها سالم) وسالم هو إله عموري. ثم سكنها اليبوسيون، وهم من الكنعانيين في الألف الثاني قبل الميلاد، واسموا القدس (يبوس) وبنوا فيها هيكلاً للإله شالم، الذي يعبدونه، وهو أحد آلهة العموريين كما أشرنا. وبنوا قلعة أسموها (قلعة صهيون)، وكلمة صهيون تعني في لغة كنعان (المرتفع).

ثم غزا العبرانيون بقيادة النبي يشوع أرض فلسطين في أواسط القرن الثالث قبل الميلاد، واحتلوا أرض كنعان. ولكن القدس استعصت عليهم، كما يقول المؤرخ هنري كتن مدة 250 عاماً، بعد إقامة مملكة إسرائيل في الشمال ويهودا في الجنوب. حتى استولى عليها النبي داود في 1000 ق. م. وانتهى حكم العبرانيين بين عامي 723-721ق. م.(5) حيث دمر الآشوريون العرب مملكتهم، وأعادوا القدس للعرب.

ولم يعد لليهود أي وجود بها منذ ذلك التاريخ، حتى كان الغزو الصهيوني، والذي أثبتت كل الدراسات التاريخية والأثرية، أن لا علاقة للصهاينة الحاليين والمستوطنين المهاجرين من كل أنحاء الأرض، باليهود الأقدمين، فالغالبية العظمى من مهاجري أوروبا الشرقية ينتمون إلى شعب الخزر، الذين اعتنقوا اليهودية بعد مئات السنين، بعد تدمير مملكتي العبرانيين بآلاف السنين، الذين اغتصبوا فلسطين من أصحابها الكنعانيين. كما ورد آنفاً.

ورغم كل الوقائع التاريخية والأثرية التي أشرنا إليها، بقي الغزاة الصهاينة يدعون بالقدس وبالمسجد الأقصى، أنها جزء من التراث اليهودي كما جاء في كتبهم الدينية. وهي بالنسبة للصهاينة مرتكز أساسي في ادعائهم أرض فلسطين كأرض موعودة لليهود من إلههم، كما يزعمون. وإذا تخلوا عنها، سقط أبرز مرتكزات المشروع الصهيوني، وهوت كل ادعاءاتهم من كذب وتضليل للعالم.

وليس غريباً أن يقول أبرز مؤسسي الكيان الصهيوني (ديفيد بن غوريون) قائلاً (لا معنى لفلسطين دون القدس. ولا معنى للقدس دون الهيكل)(7). فالقدس في نظر المتدينين والعلمانيين واحدة، فهي في الفكر الصهيوني واحد تقريباً، هي تاريخ ودين من خلال أساطيرهم كما أشرنا، وتزوير للحقائق، يتمسك بها الطرفان العلماني والديني، فهي كما ورد في توراتهم، حائط المبكى، وقبلة الصلاة، وهيكل سليمان. وتاريخهم كما يدعون فيها مملكة داود وسليمان، ومزاعم وأباطيل بأن الله اختارهم شعباً له، ووعدهم بها وبأرض فلسطين.

القدس والتهويد.

منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897، وحتى إعلان الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948، استمرت المحاولات الصهيونية في الاستيلاء على القدس، والسعي لتهويدها. من خلال تشجيع الهجرة إليها، وشراء البيوت والأراضي فيها، وبناء المستوطنات على هضابها. وكانت أولى المستعمرات مستعمرة (رومينا) عام 1921. إلا أن عمليات التهويد الضخمة والحادة، انطلقت بعد انتهاء حرب الخامس من حزيران عام 1967 وإلى يومنا هذا.

ومنذ الساعة الأولى لاحتلال القدس العربية الشرقية، بدأت عمليتان، أولهما ضم القدس، وتغيير طابعها العربي إلى مدينة يهودية، والثانية السعي لهدم المسجد الأقصى، وبناء هيكل يهودي بدلاً عنه، طبقاً لرغبات أساطيرهم التوراتية المزورة. ففي حين سار الهدف الأول بسرعة تتزايد عاماً بعد عام، كان الهدف الثاني يتعثر للمقاومة العربية الفلسطينية والرفض العربي والإسلامي والدولي. وقد صدرت عن الجمعية العامة، ومجلس الأمن عدة قرارات، تعتبر القدس جزءاً من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، ويجب إعادتها للعرب وفقاً للقرار الدولي الشهير 242. ولكن لا القرارات الدولية ولا الأنظمة العربية تخشاها السلطات الصهيونية لتهويد المسجد الأقصى، بل الخوف الحقيقي من ردة فعل الشارع العربي والإسلامي، الذي لا يمكن لأي قوة أن تسيطر على ردة فعله، ولا يمكن أيضاً السيطرة على نتائجها. إلا أن الصهاينة سيسعون بكل السبل للوصول إلى هذا الهدف متى تمت الغفلة العربية عنه.

ولتهويد القدس، فقد صدر أول قرار صهيوني من قبل الكنيست في 28/6/1967 بعد حرب حزيران، ينص على ضم القدس الشرقية المحتلة إلى الكيان الصهيوني، من خلال سريان القوانين الصهيونية عليها وعلى القرى المحيطة بها. وفي 23/1/1970 أعلن الكيان الصهيوني عن توحيد القدس الشرقية والغربية واعتبار القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني. وأكد عليه القانون الأساسي الصادر عن الكنيست في 30/7/1980(7).

ومن الغرائب أن يأتي هذا القانون في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني، ليعرف القارئ الكريم زيف السلام الصهيوني، فبدلاً من أن يقوم الكيان الصهيوني بعد الاتفاقية، بتقديم دلائل على جديته في السلام مع العرب بالتنازل عن الأراضي العربية المحتلة، تدل على أنه يسعى للسلام العادل فعلاً، إلا أنه أظهر لعرب التسوية، أن سلامه لم ولن يكون إلا وهماً ودعاية، ليستمر في تنفيذ مشروعه السرطاني، إن كان حرباً أو سلماً. وأنه لا يحترم عرب التسوية، ولا حتى أن يبقي القليل من الحياء على وجوههم.

وسعى الصهاينة منذ اللحظات الأولى لاحتلال القدس إلى هدم المسجد الأقصى، ففي أثناء معمعة زلزال النكبة، وعند صدمة العرب باحتلال المدينة المقدسة، طلب رئيس حاخامي الجيش (شلومو غورين) من القائد العسكري للقدس، أن يستغل فرصة حالة الفوضى والإرباك، الذي أنتجته الحرب، بأن يقوم بهدم المسجد الأقصى وتدميره(8). ولم يكن شلومو وحده الذي يفكر في هدم المسجد، بل كانت هناك خطط لدى بن غوريون، تقوم على مسح المدينة من البشر والبيوت بحيث تمحا كلياً. وهذا ما اعترف به المهندس المعماري الصهيوني ديفيد كرولينكر، والذي يضيف، وكان هناك خيار آخر هو تحطيم السور، الذي كان يقسم القدس الشرقية والغربية، وهدم البيوت العربية، ثم بناء هيكل اليهود، بعد أن يتم تدمير المسجد الأقصى(9).

وبدأ المسلسل الصهيوني لهدم المسجد الأقصى بعد نكبة حزيران، فقام يهودي أسترالي يدعى (مايكل دينيس روهان) بإشعال النار في المسجد الأقصى في عام 1968، والتي أثارت العالم الإسلامي، ونتج عن الحريق انعقاد المؤتمر الإسلامي. وعلى الرغم من أن قراراته، لم تكن على مستوى طموح الرد المطلوب على المؤامرة الصهيونية. إلا أن ردة الفعل التي شكلها الحريق، أوقفت خطة هدم المسجد، وادعت الحكومة الصهيونية أن الفاعل كان رجلاً معتوهاً.

وحاول صهيوني آخر يدعى (يهودا عتصوبي) تفجير قبة المسجد، حين وضع متفجرات تحتها، ثم قامت مجموعة من الصهاينة كان عددهم (46) صهيونياً باقتحام المسجد الأقصى، ووضعوا داخله متفجرات لنسفه(10).

وسعت منظمات صهيونية عديدة إلى العبث بالمسجد الأقصى، وكانت من أهم الجرائم التي ارتكبت في حق المسجد، هو ما قام به ما يسمى بأنصار الهيكل، في إقدامهم على مذبحة بحق المصلين في المسجد صبيحة يوم 8 أيلول 1990، حين فتح المتطرفون الصهاينة النار عليهم، وهم في المسجد، وذهب عشرات الضحايا من أبناء القدس، والهدف من ذلك زرع الرعب والخوف في قلوبهم، ليتركوا المسجد للصهاينة، وليقوموا بهدمه وإقامة هيكلهم المزعوم عليه.

وحتى في البرامج الحزبية الانتخابية التي تجري في الكيان الصهيوني، نشاهد علانية وبوقاحة، بعض الأحزاب الصهيوني تطرح بوقاحة هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل اليهودي بدلاً عنه. فقد جاء في برنامج الحزب القومي الديني (المفدال) في تعديله لاتفاق أوسلو ما يلي:

د-ينبغي ضمان مكانة جبل الهيكل. بصفته أقدس مكان لدى الشعب اليهودي، وحيث قام هيكلنا في الماضي. وينبغي تقنين الحقوق الدينية والقومية للشعب في إسرائيل في هذا المكان المقدس)(11). في حين نرى أن بقية الأحزاب غير الدينية لا تشير بشكل واضح لإزالة المسجد الأقصى، بل تأتي مسألة إزالته في سياق تهويد القدس وزيادة الاستيطان اليهودي فيها، وتخفيض نسبة السكان العرب الأصليين بها، وحتى إبعادهم عنها إن أمكن، والعمل بسرعة لإغلاق كل المؤسسات الرسمية الفلسطينية في القدس.

 

¾

 

(1)-وكالة رويتر 8/7/2000.

(2)-مجلة روز اليوسف المصرية- العدد 3775- 14/10/2000-ص52.

(3)-وكالة وفا الفلسطينية- غزة- 15/2/2000.

(4)-انظر إلى الملاحق.

(5)-د. كامل عمر- البعث السورية- العدد 11359- 14/10/2000-ص8.

(6)-المصدر السابق.

(7)-بيان نويهض الحوت- القدس هي القضية- مجلة المستقبل العربي- العدد 254-3/
2000، ص55.

(8)-المصدر السابق- ص72.

(9)-المصدر السابق- ص72.

(10)-المصدر السابق- ص73.

(11)-انظر إلى الملاحق- وثيقة البرامج الانتخابية.

 

¾¡¾

 

الفصل الثالث عشر:
ديمقراطية السلام الصهيوني

 

 

من الأكاذيب التي تطلقها آلة الدعائية الصهيونية بأن السلام الحقيقي، لا يمكن أن يتم بصورته الحقيقية المطلوبة، إلا إذا كانت الدول العربية دولاً ديمقراطية- ليبرالية. مسوقة بصورة مغلوطة جوهر الصراع العربي/ الصهيوني، وكأنه بين دولة ديمقراطية تعيش في وسط محيط من الأنظمة الاستبدادية والمتخلفة، ومجتمعات بدوية متخلفة ترفض الديمقراطية بسبب موروثها الثقافي والفكري والأيديولوجي.

فالصراع في المنطقة كما تسوقه الآلة الصهيونية الدعائية، هو صراع بين الديمقراطية الصهيونية، والاستبداد العربي المؤسس على التخلف. كما تطرح أن الأنظمة العربية التي حاربت الكيان الصهيوني منذ عام 1948 وحتى الآن، هي أنظمة عسكرية استبدادية غير ديمقراطية، ترفض أن توجد إلى جوارها دولة ديمقراطية، تنتمي إلى الغرب نظاماً وأسلوباً.

وهذا ما عبر عنه بنيامين نتنياهو في كتابه (مكان بين الأمم) أو مكان تحت الشمس، كما تم تعريبه. بأن سبب الصراع، هو كراهية العرب للغرب. ولأن إسرائيل تنتمي للغرب، فهي ضحية للكراهية العربية(1).

وهذا قمة الكذب والتزييف للحقائق، ومحاولة خبيثة لقلب الحقيقة، لتبدو وكأنها تمشي على رأسها بدلاً من قدميها. وإن كان هذا ما ندركه نحن العرب، من أنه كذب وتزوير لحقيقة الصراع وجوهره، إلا أن الفرد في الغرب، سواء أكان في أوربا وأمريكا، قد انطلت عليه هذه الأكذوبة الكبرى، ويعود السبب للقوة الإعلامية للصهيونية وأنصارها في الغرب، ومساندة القسم الأعظم من الإعلام الغربي للكيان الصهيوني. فالإعلام الغربي يناصر الصهيونية في عدائها للعرب، لتراكم نتائج النضال العربي الطويل ضد القوى الاستعمارية الغربية، وإلى الموروث التاريخي للعرب والمسلمين منذ العصور الوسطى والحروب الصليبية. إضافة إلى قصور الإعلام العربي والإسلامي في الدفاع عن الحق العربي، بالرغم من أن لدينا أعدل قضية، ولكن يترافع عنها أفشل محامي، وهو صاحب القضية.

فالحرب الأولى عام 1948 التي سببها نشوء الكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه وكيانه، فمن المعروف أن غالبية الدول العربية المشاركة فيها، كانت دول مؤسسة على النمط الديمقراطي الغربي. وأن الأنظمة العسكرية التي أعقبتها، جاءت نتيجة تلك الحرب ومفرزاتها.

ولم تستطع الدبلوماسية العربية والإعلام العربي، أن يقنع الأوروبي والأمريكي بأن الكيان الصهيوني الديمقراطي، قام باغتصاب أراضي الفلسطينيين، وأنه شن حرب إبادة بشعة ضد الشعب العربي الفلسطيني. هذه الجريمة الديمقراطية الصهيونية أدت إلى إجبار مئات الألوف منهم إلى النزوح عن بيوتهم وأراضيهم. حين استخدمت قوات الكيان وعصاباته القتل والخوف والترويع والإرهاب بكل صنوفه وأشكاله، للقيام بتطهير عرقي وعنصري وديني، لم يعرف له في التاريخ العالمي الحديث مثيلاً.

وما يطرح قادة الكيان الصهيوني اليوم، من أن السلام في منطقة الشرق الأوسط، لا يتم إلا إذا كانت الأنظمة العربية أنظمة ديمقراطية ليبرالية. كما طرح بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق في كتابه (مكان بين الأمم)، بالادعاء أن السلام الحقيقي بين الكيان الصهيوني والعرب، لا يتم إلا إذا أصبح العرب ديمقراطيين، معتبراً الكيان الصهيوني الدولة الديمقراطية الوحيدة.

ولتسويق أكذوبة أخرى بأن الحروب التي شنها جيش الكيان هي دفاعاً عن الديمقراطية. وأن الأنظمة العربية العسكرية قد شنت الحرب على الكيان الصهيوني، باعتباره الكيان الديمقراطي الوحيد. نتيجة خوفها من العدوى الديمقراطية لدى الكيان الصهيوني. وهذا استخفاف بعقول العالم من ناحية، ومن ناحية أخرى شعوره بالقدرة على تزوير التاريخ، وقلب الأكاذيب إلى حقائق، مستخدماً آلة الغسيل الدعائية للذاكرة الإنسانية. والتي يوظف لها إمكانات مادية وإعلامية هائلة في الغرب خاصة والعالم عامة.

فمن المعروف أن الحروب العربية/الصهيونية، لم تشن في أعوام 1956 و 1967و 1982 من قبل العرب، بل الذي شنها، وبدأها الكيان الصهيوني الديمقراطي. ولا تزال حروبه مستمرة على العرب في داخل الأراضي العربية المحتلة ولبنان، تشهد على عدوانيته الوحشية على السكان المدنيين. ويعرف الباحثون والمؤرخون في الغرب والشرق حقائق هذه الحروب الصهيونية، التي كانت تتم من أجل التوسع والسيطرة، ونهب الأراضي العربية.

وأن الترسانة العسكرية الصهيونية المتضخمة والمزينة بالأسنان الذرية المرعبة، مع استمرارية الكيان بتكديس الأسلحة على مختلف أشكالها وأنواعها، وتعادل ما لدى العرب مجتمعين أضعافاً، هل من أجل حماية الديمقراطية المزيفة؟. أم من أجل إرهاب العرب؟. وإجبارهم على التسليم بما استلب من أرضهم، ومقدساتهم، وأن يقوموا بالتصديق على ما تم اغتصابه من أراضي العرب.

والسؤال كيف مارس الكيان الصهيوني ديمقراطيته بالعرب الذين يحملون جنسيته منذ عام 1948؟ وكيف مورست تلك الديمقراطية في تشرين الأول عام 2000؟ كيف قتلوا الأطفال والشيوخ والشباب؟ كيف هوجم منزل النائب العربي عزمي بشارة ليلاً من قبل قطعان المستوطنين بتشجيع ومساندة الشرطة والجنود الصهاينة؟ هذه هي الديمقراطية التي يسوقها الصهاينة. الديمقراطية التي تقلع عيون الأطفال في داخل الأراضي المحتلة، والتي توجه الرصاص الديمقراطي على النساء والشيوخ والشباب العزل، والتي تقصف بالدبابات والطائرات من الجو السيارات والبيوت والناس العزل في الأراضي المحتلة، وتقلع أشجار الزيتون بالجرافات الديمقراطية.

وتتحدث صحيفة صهيونية (معاريف) في عددها الصادر في 14/11/2000 حول كذب ساسة الكيان المتشدقين بالديمقراطية، وهمهم فقط البقاء في مناصبهم وكراسيهم، وهذا ما فضحته انتفاضة الأقصى فكتبت تقول: (.. ولو حدث هذا كله في أي دولة ديمقراطية في العالم، لكان كافياً لإجبار رئيس حكومتها على الاستقالة، وعدم ممارسة العمل السياسي بأي شكل من الأشكال. لكن الوضع يختلف في إسرائيل كما هو واضح، حيث لا تتوفر الشجاعة الكافية والمطلوبة، ليعترف سياسيوها بالخطأ).

وهكذا يسوق الكيان الصهيوني سلامه الكاذب، الذي هو شكل من أشكال الحرب على الأمة العربية عامة، والفلسطينيين خاصة، إنه سلام المشروع الصهيوني المدمر والساحق والقاتل، فوسائل تنفيذ المشروع الصهيوني تأتي بأشكال وصور مختلفة وألوان متباينة إلا أنها ذات أهداف وغايات واحدة، فنراها تارة على شكل حرب، وتارة أخرى بسلام مزيف، أو تطبيع من خلال علاقات تجارية واقتصادية. إنه سلام الحرب بكل أشكالها وصورها البشعة.

 

¾

 

(1) نيفين عبد الخالق مصطفى فكر نتنياهو السياسي وأزمة السلام العربية- الإسرائيلية- المستقبل العربي اللبنانية- العدد 238- 12/1998-ص37.

(2) صحيفة معاريف الصهيونية -/ترجمة: غسان محمد- البعث السورية- العدد 11367-4-12-2000-ص3/.

 

¾¡¾



  

الفصل الرابع عشر:
السلام الصهيوني المزيف
باعتراف صحف صهيونية

 

 

كشفت انتفاضة الأقصى مدى الثقوب والشروخ في اتفاقية أوسلو عام 1994، والتي تم التطبيل والتهليل لها، كونها أنهت جوهر الصراع العربي/ الصهيوني والقضية الفلسطينية. حين حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على اعتراف رسمي بها من قبل الكيان الصهيوني باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، وحصلت على سلطة محدودة تحت بند الحكم الذاتي. ولكن الأخطر كان اعتراف المنظمة بالكيان الصهيوني وشرعية اغتصابه للأرض الفلسطينية. كما قامت المنظمة بإسقاط الميثاق الفلسطيني، الذي ينص على حق العودة إلى كامل الأرض الفلسطينية، وحقه في تقرير مصيره، وحقوق أخرى تشكلت عبر سنوات الكفاح الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه المشروعة بكل أشكال النضال التي أقرتها الشرعية الدولية. تحت ذريعة السلام وتسوية الصراع مع العدو الصهيوني.

وقد كشفت الأيام زيف هذا السلام الصهيوني، الذي يريد الأرض والمقدسات، ويضع الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع في سجون كبرى، موزعة عبر المستوطنات الصهيونية السرطانية، والخطوط الالتفافية التي تسور القرى والمدن. وشهدت على زيف هذا السلام صحيفة صهيونية هي صحيفة معاريف الصهيونية، بمقالها الذي جاء تحت عنوان (لن نستطيع الادعاء بعدم معرفتنا) كتبت تقول: (لن نستطيع الادعاء بعدم معرفتنا، بهدف تكوين فكرة شاملة لما يجري في الأرض الفلسطينية. وللوقوف على حقيقة الوحشية التي يجسدها الجنود الإسرائيليون في محاولاتهم المستمرة لقمع الانتفاضة الفلسطينية. لا يكفي أن نحصي عدد القتلى الفلسطينيين فقط، إذ لابد من إحصاء عدد الجرحى أيضاً)..(1). بهذا الوصف الذي تشهد به صحيفة معاريف الصهيونية، يتضح للقارئ مدى هشاشة، وحتى أكذوبة السلطة الفلسطينية التي صنعتها اتفاقية أوسلو.

وتكشف زيف أوسلو وعملية السلام الكاذب، الذي استباح الدم العربي وأرضه، والحقد الصهيوني الذي يوجه جنوده رصاصاتهم إلى صدور وعيون ورؤوس الأطفال بغية قتلهم، ومن الخداع السلام الصهيوني، أن تكون الأوامر الصادرة من رسول السلام المنتظر باراك فتقول: (لو أخذنا الإحصائية التي صدرت عن معهد (بوستن غلوب) في الرابع من هذا الشهر (تشرين الثاني 2000)، لوجدنا أن الأطباء الأمريكيين الذين تابعوا عن كثب استخدام الجيش الإسرائيلي للرصاص الحي ضد الفلسطينيين، أكدوا أن الجنود الإسرائيليين، كانوا يوجهون نيران أسلحتهم إلى رؤوس الفلسطينيين وأرجلهم مباشرة، وحتى حين لا تكون هناك حاجة لاستخدام الرصاص الحي. ويؤكد الأطباء أيضاً أنه كان بإمكان الجنود تجنب إصابة المتظاهرين لو أرادوا ذلك فعلاً. لكنهم تعمدوا إصابتهم. وهذا ما تؤكده أيضاً حقيقة وجوهر الاستراتيجية القاتلة، التي يتبناها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين)(2).

أكاذيب القادة الصهاينة حول السلام، وخاصة ايهود باراك الذي جاء عبر زفة إعلامية صهيونية وعالمية، وحتى عربية. بأنه رجل السلام وصانعه، وعلقت عليه آمال كبرى في المنطقة. كتبت معاريف تحت عنوان (مناورات للبقاء في السلطة) ما يلي: (الحقيقة أنه لا باراك، ولا حتى أي مسؤول آخر في حكومته أو حزب العمل يجرؤ على القول، إنه أخطأ وضلل الناس. وأن حكام إسرائيل هم المسؤولون عن الثمن الباهظ، الذي يدفعه الإسرائيليون في هذه الأوقات، جراء السياسة السلبية التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، التي كانت السبب المباشر لنشوء هذا الوضع الحرج والخطير).

ومن المثل الشعبي الذي يقول "من فمك أدينك"، كتبت جريدة معاريف الصهيونية تحت عنوان (أدعياء السلام الأربعة). عن السلام الذي يطرحه المتسابقون على رئاسة الوزراء في الكيان الصهيوني، لانتخابات 6 شباط 2001، بأنه أكذوبة لدى هؤلاء. فما يطرح في وسائل الإعلام، تكذبه الممارسات على الأرض. بل تعري الصحيفة مرشحي الرئاسة، حيث يدعون السلام وأيديهم ملطخة بدماء الفلسطينيين والعرب الآخرين، ولا تزال الدماء تسيل في كل قرية ومدينة فلسطينية، فتقول: (منذ أعلن ايهود باراك عن استقالته، وهو لم يكن يعني ما يقول. حدثت وتحدث في إسرائيل أمور غريبة، فالمؤسسة السياسية وعلى اختلاف تركيبتها تتحدث دون انقطاع عن السلام.

علماً أن السلام لا يعني ساسة إسرائيل، لا من قريب ولا من بعيد، وكل ما يعنيهم، هو استخدام كلمة السلام حجة لبلوغ أهداف محددة يتطلع هؤلاء إلى تحقيقها. والأمثلة على ذلك كثيرة جداً).

وتقدم الصحيفة الصهيونية القادة الصهاينة الأربعة، الذين تطرحهم وسائل الإعلام كمرشحين للرئاسة من قادة حزبي الليكود والعمل. ونقدم للقارئ ما تذكره الصحيفة، وهو غني عن أي تعليق عن السلام الصهيوني فتقول: (..بداية سنأخذ على سبيل المثال بنيامين نتنياهو إبان وجوده في السلطة، فقد كان هذا الرجل بمثابة الريح التي تحمل الشؤم. جراء البلبلة التي أحدثها في إسرائيل، في وقت أكثر فيه من الحديث عن السلام، دون أن يقدم على أرض الواقع ما يثبت صدقه وحسن نواياه عن السلام. وهكذا مضى إلى حيث جاء، دون أن يترجم أقواله ومزاعمه السلمية إلى واقع ملموس.

أما شارون فقد غطى إسرائيل بشعار مضحك يقول "إن شارون هو وحده القادر على تحقيق السلام". وهذا يعني حسب زعمه أن السلام مرتبط به، وغير ممكن من دونه..!! والمدهش في الأمر أن بعض الأغبياء صدقوا شارون، زاعمين أنه يمتلك الخبرة والمؤهلات لصنع السلام، لكن فات هؤلاء تاريخ هذا الرجل الدموي والإجرامي. فهو مرتكب مجزرة قبية، وقتل المئات من الفلسطينيين في غزة، وعند اندلاع حرب لبنان، ومهندس مجزرة صبرا وشاتيلا. وهذه مجرد أمثلة وشواهد تؤكد أن شارون هذا لا يحمل في فكره وذهنيته إلا خبرة القتل والإرهاب، أما السلام فلا وجود له أبداً في عقلية رجل السلام المزعوم هذا..

وبالنسبة لحديث شيمون بيريز المتكرر عن السلام، فمن البديهي القول، إن بيريز سبق له أن تسلم السلطة في إسرائيل، ولم يقم بأي عمل من شأنه أن يدفع عجلة السلام إلى الأمام، بل على العكس تماماً. ارتكب الحرب في لبنان إبان سلطة حكومته، واغتالت أجهزته الأمنية العديد من الفلسطينيين، نذكر منهم يحيى عياش الأمر الذي أدى كما هو معروف إلى تطورات خطيرة في المنطقة.

ويمكن من خلاله محاكمة السياسة التي انتهجها بيريز، القول أيضاً عن مقولة السلام التي طالما رددها، وفي جميع المناسبات، كانت ذريعة أو دافعاً أراد من خلاله الانتقام من خصمه اللدود باراك.

وأخيراً وليس آخراً، يأتي باراك الذي لا يختلف عن دور أسلافه من حيث المضمون، وإن اختلف عنهم شكلاً.. إن بارك يردد بشكل شبه يومي، أن وقته وجهده وفكره مكرسة جميعها، لإنجاز عملية السلام في المنطقة على حد قوله، لكن ممارساته الفعلية أثبتت عدم صدقه. بدليل أنه أضاع سنة ونصف سنة في محاولات محمومة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني، وبدد فرصاً ذهبية لتحقيق السلام. وبالتالي فإن السلام بمعناه الحقيقي وأبعاده الواقعية، لا يجد مكاناً له في عقلية هذا الرجل، وهو ليس أكثر من وسيلة يريد باراك من خلالها الوصول إلى السلطة)(3).

وتحدثت صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية عن ممارسات السلام الصهيوني، والمؤسس على الانتقام والقتل والعنصرية والهمجية البربرية. وذلك في مقال لها تحت عنوان (عواقب الانتقام). وذكرت ما ترتكب الأجهزة الأمنية الصهيونية والمستوطنين من جرائم قتل ضد قادة الانتفاضة والفلسطينيين العاديين. وكيف تستخدم أسلحة متطورة بما فيها الحوامات لاصطياد هؤلاء المناضلين، وحتى من هم أنصار اتفاقية أوسلو السلموية، وتشير إلى دعاة السلام الصهيوني، الذين يدفعون بغلاة الصهاينة لقتل الفلسطينيين، وخاصة بعد قتل كاهانا الابن. وقد دعت حركته الصهيونية إلى قتل مواطن عربي مقابل كل شعرة من يهودي يقتل، كما أوصى كاهانا الأب.

وكتبت الصحيفة حول ممارسات السلام الصهيوني قائلة: (..المهام التي قامت بها وحدات الأمن الإسرائيلية والأجهزة المنفذة لعمليات التصفيات الجسدية بحق كوادر وقادة فلسطينيين، والتي شكلت مع بعضها جبهة واحدة، غطت بأعمالها مجمل الأفق الذي يفصل بين إسرائيل وبين الشريك الآخر في عملية السلام. ويأتي في مقدمة هذه الأجهزة وحدات الجيش الإسرائيلي النظامية وبعض وحدات الشرطة، التي تستخدم الطائرات والدبابات والقناصة لقتل الفلسطينيين بشكل يومي. ويكفي أن نشير هنا إلى أربعة فلسطينيين يقتلون يومياً بنيران هذين الجهازين المتعطشين دائماً لسفك الدم الفلسطيني، ويحظيان بدعم رسمي من الحكومة الإسرائيلية.

ويأتي "الشين بيت" وشرطة الأمن الداخلي بالمرتبة الثابتة، من حيث تنفيذ الاغتيالات بناء على أوامر عسكرية صادرة عن وزير الحرب (ايهود باراك). وتتجاهل كافة الشرائع والقوانين الدولية، ويقوم هذان الجهازان بقتل الفلسطينيين بموجب قوائم اسمية معدة سلفاً، تتضمن أسماء المطلوب قتلهم. ويتم تنفيذ عمليات القتل هذه، إما من خلال العبوات الناسفة، أو عبر القنص، والحوامات، أو من خلال رصد الهواتف المحمولة. وما يمكن قوله بهذا الصدد هو أن جهاز "الشين بيت" يحيط نشاطاته بالسرية التامة، ولا يوجد مثيل لـه إلا في أنظمة الحكم المستبدة، حيث لا تستطيع الأجهزة القضائية مناقشة ممارساته أو حتى الاعتراض عليه)(4).

كما أشارت الصحيفة إلى المستوطنين الصهاينة، الذين لا يطالهم القانون الصهيوني بارتكابهم القتل ضد الفلسطينيين، وبوحشية تفوق ممارسات الجيش الصهيوني وأجهزته الأمنية.

فدعاة السلام الصهيوني هؤلاء لم يقفوا، ويعلنوا رفضهم لقتل الأطفال الفلسطينيين، وقصف البيوت الآمنة بالدبابات والطيران، والقيام بنصب الكمائن العسكرية الإرهابية لقتل الشباب الفلسطيني بدم بارد، ودون أن يكون هؤلاء الضحايا قد قاموا بأي فعل إجرامي، فقط كونهم فلسطينيين. جرائم تقشعر لها الأبدان، وهذا ليس مستغرباً من دعاة السلام الصهاينة، فكبيرهم شيمون بيريز قد سبقهم في عام 1996 بقتل العشرات من الأطفال والنساء في مجزرة قانا اللبنانية. فلا حاجة لتعرية زيف سلام هؤلاء، فالممارسات الإرهابية والعنصرية اليومية، والقتل من أجل الإبادة، التي جرت وتجري على الأرض الفلسطينية تبين ماهو مفهوم السلام الصهيوني!!..

¾

 

(1)-معاريف- 14/11/2000.

(2)-المصدر السابق.

(3)-صحيفة معاريف- 26/11/2000- عن البعث السورية- العدد 11393- 7/1/2001- ترجمة غسان محمد.

(4)يديعوت أحرنوت- 2/1/2001.

 

 

¾¡¾



 

 

 

 

 

الفصل الخامس عشر.
سـلام قادة الكيان الصهيوني واحد

 

 

بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى)، تبين للعرب وللعالم أن السلام، الذي يطرحه قادة الكيان الصهيوني واحد في أهدافه وغاياته. ولكن يختلف في أشكال طروحاته والمغريات الخادعة التي تنمق السلام. فيدعي الزعيم الصهيوني في فترة الانتخابات بأنه المسيح المنتظر، الذي سيمنح السلام العادل. فيعطي الأرض والحقوق إلى أصحابها، ويسقط كل خيارات الحروب في المنطقة كلها. ليعم بعدها الرخاء والسعادة لكل الشعوب. ومن وسائل الديماغوجية الصهيونية الإعلامية، طرح مشاريع اقتصادية واجتماعية وثقافية لخير المنطقة. وتحقيقاً لهذه الأساليب الخادعة، يبدأ الإعلام الصهيوني المسيطر على معظم وسائل الإعلام الأوروبي والأمريكي مالياً وإدارياً، بقصف إعلامي مكثف، لتشكيل صورة مزيفة للزعيم الصهيوني القادم. ومن الغرابة أن تنساق خلف الجوقة الإعلامية الصهيونية بعض وسائل الإعلام العربية، رغم معرفتها بما رسمته الدوائر الصهيونية من خبث لخداع الرأي العالمي والعربي، بالقائد الصهيوني الذي يريد أن يكفر عن جرائمه بتقمصه للسلام، ولم تخل حالة الخداع الصهيوني حتى العرب في الأرض المحتلة أيضاً.

إلا أن الأيام سرعان ما تكشف زيف الادعاء، ومدى الخداع الذي وقعت به وسائل الإعلام العربية والعالمية. فبعد وصوله إلى كرسي الحكم يلقي رجل السلام بكل وعوده في البحر، ويظهر صهيونية أشد من سابقه. فيرفع وتيرة الاستيطان في الأراضي المحتلة. ويصادر مزارع وبيوت العرب لصالح المستوطنين وبطرق التفافية، ويغرق المنطقة بدماء الفلسطينيين والعرب.

وتظهر خيبة الأمل ليس على عرب التسوية فقط، بل على الصهاينة في الأراضي المحتلة أنفسهم، الذين بنوا آمالاً على الزعيم الجديد في الاستقرار والأمن. فإذا بتلك الآمال تتهاوى، والشعارات السلامية تتساقط. وعن مخيبات الأمل تلك جاء مقال لجريدة معاريف الصهيونية تحت عنوان (إسرائيل بحاجة إلى معجزة) قالت فيه ما يلي: (..وفي ضوء المعطيات المتوفرة على أرض الواقع، من حقنا أن نطرح السؤال التالي: هل هناك ثمة فرق بين باراك ونتنياهو؟. لقد آن الأوان كي تتوقف اللعبة المتعددة الألوان والوجوه، والتي تتمحور حول اختيار واحد من اثنين.. أي إما باراك أو نتنياهو، فالحقيقة هي أنهما وجهان لعملة واحدة.. ولو توقفنا قليلاً أمام سياسة باراك خلال الأشهر الثماني عشر الأخيرة، لوجدنا بمنتهى البساطة، أنها كانت صورة طبق الأصل لسياسة سلفه..)(1).

وهذا ما قالته عدد من الصحف العربية ومنها السورية، بأن القادة الصهاينة هم وجوه متعددة، ولكنهم من عملة واحدة. إلا أن الكثير من العرب، لا يزال يبني أماله على هذا الحزب، أو هذا الزعيم، متغافلين عن كل الحقائق والشواهد، التي يقدمها تاريخ الصراع العربي/الصهيوني.

وعلى الرغم من أن الساسة العرب من أنصار التسوية، يقرؤون ما تكتب الصحف وبقية وسائل الإعلام عن أساليب الخداع والمراوغة، التي يستخدمها قادة الكيان. فيظهر أنهم أيضاً لا يتابعون وسائل الإعلام الصهيونية، التي تشير إلى أن قادة الكيان الصهيوني لا يتحلون بالصدق وتنفيذ المواثيق، بل تؤكد تلك الوسائل بأنهم يتسمون بالخداع والكذب والمراوغة، وفقاً تلك الديمقراطية الصهيونية المزيفة.

فقد كتبت صحيفة هاآرتس الصهيونية عن ديمقراطية صهيون، وما يتسم به قادة تلك الديمقراطية من أكاذيب ومراوغة وتضليل وخداع وفق النمط الديمقراطي الصهيوني. وذلك ما ظهر في داخل المؤسسة الصهيونية (الكنيست)، بعد إعلان باراك عن استقالته من رئاسة مجلس الوزراء، وما كان من قبلها، وما بعدها من زيف مخادع للعالم، عن وجود حمائم وصقور، ويسار ويمين. فهم جميعاً يمارسون الخداع والكذب والتضليل، دون النظر إلى الانتماءات السياسية، التي سرعان ما تتبدل من خلال تحالفات بين حزب يميني متطرف ويساري متطرف في نظر الرأي العام العربي والدولي، الذي يراهن عليهم عرب التسوية. فجاء في مقالة للصحيفة المذكورة: (..أثبت تصويت الكنيست الأخير على تقديم موعد الانتخابات الإسرائيلية، أن ساسة إسرائيل يقولون الشيء، ويفعلون العكس تماماً. وهذه الصفة ليست جديدة ولا مستجدة في السياسة الإسرائيلية. وبالتالي فإن المشكلة التي نعيشها اليوم، تتمثل بعدم إمكانية تصديق ما يقوله هؤلاء الساسة، لأن ممارساتهم سواء منها اللفظية أو العملية، باتت عبارة عن سلسلة طويلة من التناقضات والأكاذيب، التي ترتدي كل يوم قناعاً جديداً، سرعان ما يتبدل طبقاً للظروف الناشئة في محيط أصحابها)(2). ووصفت الصحيفة ساسة وقادة الكيان الصهيوني بقولها في ختام مقالها ما يلي: (..الحقيقة أن سياسة الوجوه المتقلبة هذه تؤكد خطأ مقولة الصقور والحمائم، أو أنه يوجد في إسرائيل سياسيون صادقون وآخرون غير ذلك. بل إن الساحة السياسة الإسرائيلية عبارة عن جهاز متكامل، يتقن لغة الكذب، وعدم قول الحقيقة للناس. الأمر الذي يؤكده التحالف الذي أبرم بين حركتي شينوي وميرتس من جهة، وشاس من الجهة الثانية. بخصوص عدم الموافقة على تغيير أسلوب الانتخابات، رغم العداء الدفين بين الطرفين. لهذا كله يحتمل أن تشهد الانتخابات القادمة إحجام الناخبين عن التوجه إلى صناديق الاقتراع)(3).

وكشفت صحيفة (يديعوت أحرنوت) كذب قادة الكيان الصهيوني حول السلام ومتطلباته، على الجمهور الصهيوني منذ بن غوريون وحتى باراك. حيث اعتمدت سياستهم على التضليل والكذب، ومن ثم تحريض الجمهور ضد حقوق العرب الفلسطينيين، تحت ذرائع كاذبة. وتشير الصحيفة، أن الكذب قد انطلى في السابق على الشارع داخل الكيان، أما اليوم فإن هذه الأكاذيب لم يعد يصدقها كالسابق، مما أفقد الشارع الصهيوني ثقته بقادته. فكتبت تحت عنوان (الكذب الذي أضاع السلام) تقول: (في أحسن الأحوال كانت لغة الكذب، التي استخدمتها مختلف الأجهزة الإسرائيلية السياسية والعسكرية وحتى الأمنية، عبارة عن بكاء سيء. وبالتالي فإن هذا الأسلوب يستخدم اليوم عندنا من قبل حكامنا بشكل لا يقل عما كان عليه في السابق، وهو عبارة عن نهج متواصل وراسخ، يربط بين الحكومات الإسرائيلية السابقة والموجودة حالياً.

ولو عدنا إلى الماضي البعيد لأمكننا القول: إن بن غوريون كان كاذباً، والجيش وحتى أجهزة الأمن ووسائل الإعلام. وقد ساهم الكذب آنذاك في زيادة حدة غليان وتطرف الشارع الإسرائيلي، الذي انساق خلف مقولات حكامه، دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن الحقيقة. وهاهو السيناريو ذاته يتكرر اليوم مستخدماً الأسلوب نفسه، هو أن كذبهم لم يعد ينطلي على الناس، كما كان الأمر في السابق. لسبب جوهري هو أن هؤلاء باتوا يعرفون الحقيقة، ويدركون أن حكامهم فقدوا مصداقيتهم وشعبيتهم، ولم يعد بإمكانهم تضليل الناس والتعتيم على الحقائق).

¾

 

(1)معاريف 4/12/2000.

(2)هاآرتس 6/12/2000.

(3)هاآرتس-6/12/2000.

(4)يديعوت أحرنوت- 14/1/2001.

 

¾¡¾



  

الفصل السادس عشر:
الســــلام والعمـــلاء

 

 

خلال سنوات الصراع المستمر بين العرب والحركة الصهيونية، وكيانها المؤسس على أرض فلسطين العربية، لم يعرف العرب والعالم، أن العدو الصهيوني جلا من أرض عربية، من أجل تحقيق إقامة سلام عادل مع العرب، أو تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة، أو انصياعاً للشرعية الدولية، بل تم ما يخدم المشروع الصهيوني وأهدافه واستراتيجيته البعيدة المدى، من خلال اتفاقيات التسوية التي تمت مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية. لأنها كلها جاءت خدمة لمصالحه، في تحييد دول عربية وإخراجها من دائرة الصراع، والعمل على تفكيك الجبهة العربية المقاومة للمشروع الصهيوني.

إلا أن الانسحاب الصهيوني الذي تم في 24 أيار 2000، كان انسحاباً مذلاً لجيش يعتبر نفسه من أقوى جيوش العالم في المنطقة. حين ترك عتاده وآلياته. وجيشه العميل المسمى (جيش لبنان الجنوبي) حائراً بين الاستسلام والاختباء أوالفرار إلى الكيان الصهيوني، تاركاً مواقعه المحصنة وسجونه السوداء المسورة بالإسمنت والحديد والدماء، واستشهاد وعذابات والآم أبطال المقاومة اللبنانية.

كان الخروج الصهيوني من الجنوب اللبناني هزيمة أولى للمشروع الصهيوني، ولغطرسة قادته، التي راهنت أكثر من 22 عاماً على استسلام الشعب العربي في لبنان للشروط الصهيونية. ولكن شعب الجنوب اللبناني والقوى الإسلامية والوطنية اللبنانية وعلى رأسها حزب الله، اختارت أسلوباً جديداً من الحوار مع الصهاينة، هو القوة. وتبين بعد الانسحاب أن القوة هي الأسلوب الوحيد لرد المشروع الصهيوني السرطاني عن الأمة العربية، وإيقاف أخطاره المتعددة الأشكال والمضامين.

وكان الانسحاب بقدر ما شكل من انتصار للقوى الرافضة للتسوية مع العدو الصهيوني، لأنها تعتبر الصراع مع العدو الصهيوني، صراع وجود لا صراع حدود. فاحتلال الأراضي العربية كانت نتيجة لهذا الصراع، ولم تكن سبباً. والتسوية ماهي إلا هدنة مؤقتة، فرضت على الأمة العربية من قبل أنصار التسوية في الداخل، والضغط الغربي المؤيد باستمرار للمشروع الصهيوني الحليف والخادم له.

شكلت هزيمة العدو الصهيوني في جنوب لبنان، انتكاسة لأنصار التطبيع من عرب التسوية، وعشاق التواقيع مع قادة الكيان، والمصابين بهوس الثناءات، والجوائز الصهيونية والغربية، تحت عنوان أنصار السلام وأبطال التوقيع عليه.

لقد جاء الدرس اللبناني المقاوم إحراجاً لهؤلاء، ولتيارهم الاستسلامي، حين تخيلوا بأوهامهم، أن الشعوب ستنسى مع مرور الزمن أرضها المغتصبة ومآسي أبنائها، الذين طردوا من أرضهم وبيوتهم، وللدماء التي سكبت، ولا تزال في معارك الأمة مع العدو الصهيوني، منذ ظهور مشروعه الاستيطاني على الأرض العربية في فلسطين.

وأكبر الخاسرين في هذه الهزيمة، كان العملاء، الذين جندهم العدو الصهيوني، وقدم لهم كل أسباب الدعم العسكري والمادي، ليتحولوا إلى أداة له. يقاتلون أهاليهم، ويتصدون للمقاومة اللبنانية، وكانوا أشد ظلماً وقسوة من العدو الصهيوني. وظن هؤلاء العملاء أن العدو الصهيوني سيكون وفياً لهم، وابتلعوا طعم الطمأنينة. فبنوا السجون لأشقائهم وأبناء وطنهم، وقدموا كل ما يستطيعون له من قوتهم وتفكيرهم وشبابهم.

ولكن العدو الصهيوني حين أسرع بالانسحاب، لم ينتظرهم، بل تركهم يتخبطون بين الاستسلام والفرار والاختباء، ونسي الوعد الذي كان يصرح به علناً، أنه لن يتركهم، ولن ينسحب من جنوب لبنان، قبل أن تقبل الحكومة اللبنانية انضمامهم إلى القوات اللبنانية. وتفرض عليها أن تعاملهم معاملة جيشها، وأن تصدر عفواً عن خيانتهم لوطنهم. ولكن تلك الطلبات والوعود ذهبت هباء مندثراً، ووقعوا في مصيدة الخداع الصهيوني.

كانت مصيبة العملاء كبيرة جداً، فتحدث قائد الجيش العميل أنطون لحد، عما حدث من خيانة الكيان الصهيوني له ولجنوده، ناسياً بالطبع خيانته لوطنه. فصرح لصحيفة "يديعوت أحرنوت" بأن رئيس الحكومة الصهيونية ايهود باراك غشه، ويتجنب اللقاء به، وأنه قد خدعه، وقال في المقابلة: (.. قلتم لنا دائماً إننا حلفاؤكم، ولكنني أدركت أن إسرائيل لا تبحث إلا عن نفسها. سافرت إلى باريس قبل أسبوعين. وقلت مسبقاً كم من الوقت سأغيب، كنت أريد متابعة قضية رجالي وموضوع قوات الطوارئ الدولية، مع اقتراب موعد الانسحاب، وكنت أتصل كل بضع ساعات وكانوا يردون: الأمور تحت السيطرة، وكل شيء على ما يرام، وإلى أن غادرت باريس لم يكن لدي أدنى فكرة أن الجيش الإسرائيلي بدا انسحابه. حتى حين اتصلت من مطار باريس، قالوا لي: كل شيء على ما يرام. فقط عندما استقللت الطائرة فهمت أن كل شيء انهار.

إن خبراءكم محرجون من انهيار "الجنوبي". سمعتهم يقولون، إن الجنوبي يمكنه الصمود أكثر، إلا أن أتباعي ما أن بلغهم، وسط الدهشة، تفكيك موقع إثر موقع، بدأت شكوك كبيرة تنتشر، لم تكن هناك أي خطة منظمة. لم يتحدث معهم أحد، لم يكلف أحد نفسه عناء إبلاغهم مسبقاً، وأنا كنت بعيداً، وكان على كل واحد أن يتدبر أمر عائلته ونفسه، لا شيء عندي ضدهم. ماذا كان يمكن أن تفعل لو كنت مكانهم، واكتشفت أن ثمة من خان الوعد؟ لقد أحس جنودي أنه لم يبق من يثقون به فهربوا).

وتابع يقول في تصريحه للصحفي الصهيوني: (إن حكومتك وجيشك ضدي. لقد تركتم الشريط الحدودي من دون وضعي في الأجواء، وتركتمونا خلفكم مثل الحيوانات. الناس تركوا أقاربهم ومنازلهم وأرضهم الزراعية وممتلكاتهم وحياتهم). ثم بدأ يتكلم من جراء ما شعر به من خيانة العدو الصهيوني: (لقد خدعوني. الآن أنا غاضب ومصاب بخيبة أمل. كل شيء انتهى، وبما يعنيني لا تنادوني "الجنرال" بعد الآن)(1).

 

¾

 

(1) /صحيفة الحياة اللندنية 26/5/2000.

 

¾¡¾

 

الباب الثالث:

السلام الصهيوني.. مصر نموذجاً

 

الفصل الأول:
إخراج مصر من دائرة الصراع العربي/ الصهيوني

  

إن مصر في نظر الحركة الصهيونية قلب الأمة العربية ومركزها، وهي القائد الرئيسي في الصراع العربي/ الصهيوني. وهي التي تملك مفاتيح المواجهة العسكرية مع الكيان الصهيوني. لذلك سعت الحركة الصهيونية إلى تحييد مصر، وتجميد دورها الأساس في هذا الصراع الوجودي. خاصة بعد أن أصبحت مصر تقود الأمة العربية منذ أوائل الخمسينيات في القرن العشرين، ومنذ تولي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مقاليد السلطة. حين تحولت مصر في عهده قائدة المشروع القومي العربي النهضوي، الذي يتناقض في طموحاته واستراتيجيته وأهدافه مع المشروع الصهيوني الاستيطاني.

وأثبتت الأحداث التاريخية وإشكاليات الصراع بين المشروعين، أن وجود المشروعين في المنطقة مستحيل، ويجب إزالة أحدهما. لهذا بدأت الحركة الصهيونية بكل ما تملك لإخراج مصر من دائرة الصراع، إما بالقوة العسكرية، وهذا ما أقدم عليه الكيان الصهيوني في الحربين اللتين شنهما على مصر عامي 1956 و 1967. أو بفرض حالة استنزاف واسعة تؤدي إلى إنهاك الاقتصاد المصري، من خلال إجبار القيادة المصرية على توجيه القسم الأعظم من اقتصادها القومي، للبحث المستمر عن أسلحة جديدة، لمواجهة ما يملك الكيان الصهيوني من أسلحة، تتطور باستمرار، سواء من إنتاجه، أو ما يقدم له من المعسكر الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة من أسلحة مختلفة متطورة، تجعل الأسلحة المصرية مختلفة عنها. وكلا الخيارين مران ومنهكان للاقتصاد القومي المصري المحدود الموارد، فلابد إذاً من البحث عن تسوية مع العدو الصهيوني. وهذا ما سعى إليه الكيان الصهيوني، وهو إخراج مصر من الصراع العربي/الصهيوني.

ما تكنه الحركة الصهيونية لمصر نابعاً من حقدها على الدور المصري الأساسي في الصراع العربي مع المشروع الصهيوني، لكنه ليس وحده فقط، بل إن الحقد اليهودي على مصر قديم، منذ التكون الوجودي للدين اليهودي على الأرض. ويزداد الحقد تراكماً عبر مراحل التاريخ. والتوراة وبقية الكتب الدينية والأساطير اليهودية، تشير إلى عداء مطلق لمصر ولشعبها. فالتوراة تشير نصوصها إلى النوايا العدوانية تجاه مصر وشعبها، ويقول حسنين هيكل حول هذا الحقد في النصوص التوراتية مايلي: (..فالبلد (مصراييم) هي أرض الفراعنة، ومعقل الطغاة الذين أخرج ملوكهم شعب إسرائيل وطاردوه. وكادوا يصلون إلى إبادته، لولا معجزة حلت في اللحظة الأخيرة، أنقذت شعب الله المختار. "والشعب في مصر كالبهائم، سواء في الشكل أو في الخلق. فإذا ارتقى أفراد هذا الشعب المصري عن البهائم فهم وحوش. وهم أقذار الأرض ووسخها")(1).

*ومنذ بدايات تحول المشروع الصهيوني إلى واقع عملي بعد انفضاض مؤتمر بال 1897، توجهت أنظار  القيادة الصهيونية إلى تطويق مصر، من أجل عزلها ومنعها، من تولي قيادة مواجهة المشروع الصهيوني. وبدأ التوجه الصهيوني منذ البداية إلى الاستيطان في سيناء، وجرت عدة محاولات مع الإدارة البريطانية المستعمرة لمصر آنذاك، لتحقيق مشروع الاستيطان في سيناء. وهذا ما ورد في مذكرات هيرتزل، ونذكر منها رفضه اقتراح روتشلد الاستيطان في أوغندا، وأصر على الاستيطان في سيناء، فيقول في مذكراته في 4 تموز (يوليو) 1902: (وأصر على الاستيطان في شبه جزيرة سيناء، فلسطين المصرية)(2).

*وفشل مشروع هيرتزل في الاستيطان في سيناء. وتابع حاييم وايزمن بعد صدور وعد بلفور عام 1917، السعي إلى ضم سيناء إلى الدولة الصهيونية، وقال: (لابد من ضم سيناء بالكامل للدولة اليهودية، لأن لليهود حقوقاً في سيناء من الناحيتين التاريخية والدينية). وفي 24 آذار (مارس) 1919 التقى بالكولونيل مايزهيمن الصديق الشخصي للويد جورج رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، وطلب منه إقناع رئيس الحكومة البريطانية بضم سيناء. وشرح له الخطورة المحتملة من مصر تجاه المشروع الصهيوني في فلسطين، وفعلاً طرح مايزهيمن الأمر على لويد جورج، والذي كلفه بإعداد مذكرة تتضمن مقترحات وايزمن. وأعدت المذكرة وقد جاء فيها مايلي: (إن السيادة على سيناء على جانب كبير من الأهمية ليس الآن، بل لسنوات قادمة. إن الوطن القومي سيتطور عاجلاً أم آجلاً.. إنني اعتبر مصر العدو المحتمل للدولة اليهودية). ومن المكاسب التي تراها المذكرة في ضم سيناء: (إذا ضمت بريطانيا سيناء ستكون قد حققت المكاسب التالية:

*1- خلق منطقة عازلة بين مصر والدولة اليهودية.

*2- حصول بريطانيا على نقطة قوية في الشرق الأوسط تربط البحر الأبيض بالبحر الأحمر.

*3-إفساد أية محاولة لإغلاق مصر لقناة السويس في وجه البواخر البريطانية)(3).

*وبعد أن اغتصبت فلسطين عام 1948، وظهر الكيان الصهيوني. بدأت القوى الصهيونية بالتخطيط لإخراج مصر عن مواجهة المشروع الصهيوني، لإدراكها بأن مصر هي الثقل والمركز والقائد في عملية المواجهة العربية في تدمير المشروع الصهيوني الاستيطاني. ولا يتم ذلك كما يعتقد الصهاينة إلا عبر تسوية بين الكيان ومصر. وهذا ما قاله دافيد بن غوريون أهم المؤسسين للكيان الصهيوني: (لقد بات واضحاً، أنه ما لم تكن مصر، لكونها أكبر دولة عربية، على استعداد لتوقيع اتفاقية هدنة مع إسرائيل، فإن الدول العربية الأخرى لن تجرؤ على القيام بذلك)(4).

*واستخدم العدو الصهيوني أسلوب الترهيب والترغيب مع القيادات المصرية، للوصول إلى هدفه، وهو تحييد مصر عن دائرة الصراع العربي/الصهيوني. وشنت القوات الصهيونية في 22 كانون الأول (ديسمبر) 1948 هجومها الأول، بعد انتهاء الحرب الأولى العربية الصهيونية في نفس العام، على القوات المصرية المتواجدة على طريق غزة ورفح. وتوالت الاعتداءات الصهيونية على مصر، حتى العدوان الثلاثي في تشرين الثاني عام 1956. وفي هذه الفترة لم تتبع الحركة الصهيونية فقط، وسيلة الإرهاب والعنف مع مصر، لإجبارها على التسوية. بل استخدمت أيضاً الترغيب، ففي أواخر عام 1955 كان هناك مبعوث أميركي يدعى روبرت أندرسون وكان نائباً لوزير الدفاع، يسعى لعقد تسوية بين الطرفين، وانتهت مهمته حين أصر بن غوريون على الاجتماع مع عبد الناصر دون وسيط ثالث بينهما. حين قال بن غوريون لاندرسون: (وظيفتك أن تعمل على عقد اجتماع بيني وبين عبد الناصر، وإذا كنت سأقدم أية تنازلات، فإنني سأقدمها له، وليس لأي شخص آخر)(5).

*وفي أيار من عام 1956 زار صحفي مصري يدعى إبراهيم عزت الكيان الصهيوني، وبقي مدة أحد عشر يوماً فيه. وقابل خلالها رئيس الوزراء الصهيوني بن غوريون، الذي حمله رسالة شفوية إلى الرئيس جمال عبد الناصر، حيث قال له: (إذا ذهبت إلى مصر، واستطعت أن تقابل الرئيس جمال عبد الناصر، قل لسيادته أنني على استعداد لمقابلته، في أي مكان يحدده هو، لمناقشة أي مسألة يحب أن يثيرها، سواء كانت المسألة الخاصة باللاجئين أو الحدود، أو كانت مسألة اقتصادية أو سياسية أو عسكرية بدون وسيط، وبدون إذاعة أي شيء عن هذا الاجتماع أو نتائجه. قل له إنني على استعداد لمقابلته ولو في القاهرة)(16).

*وكان من نتائج حرب السويس عام 1956، انتهاء أمل اتفاقية تسوية مع مصر، فقد تحول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، من زعيم مصر إلى قائد قومي على امتداد الساحة العربية. تتطلع إليه الجماهير العربية، ليقود صراعها مع العدو الصهيوني ومشروعه السرطاني. وبتفاعل الجماهير مع القائد عبد الناصر سقطت أوهام التسوية، التي سعى إليها الكيان الصهيوني في عامي1955 و 1956.

*واستمرت وسيلة الإرهاب والتآمر الخيار الوحيد لدى الحركة الصهيونية، لإرغام مصر على التسوية مع العدو الصهيوني. وبلغت ذروتها في العدوان الذي شنه العدو الصهيوني في 5 حزيران 1967 ضد مصر وسورية والأردن. ورغم العديد من المحاولات الدولية، التي جرت بعد الحرب، لإنهاء الصراع بين مصر والكيان الصهيوني، إلا أنها باءت بالفشل أمام إصرار عبد الناصر، لاستعادة شرف الأمة وفق شعاره التاريخي (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة). واستشهد القائد جال عبد الناصر، دون أن يحقق الحلم الصهيوني، بإخراج مصر من مواجهة المشروع الصهيوني. إلى أن تولى السادات الحكم، وانتج اتفاقية كامب ديفيد، التي حلم الصهاينة بها كثيراً.

*نقدم للقارئ العربي نماذج من سلام صهيون مع مصر العربية. التي أقامت أول معاهدة سلام مع الكيان الصهيوني، فمصر التي قادت النضال العربي ضد المشروع الصهيوني منذ نشوء الكيان الصهيوني، وحتى زيارة أنور السادات الرئيس السابق لمصر، الذي أنهى ما أسماه حالة الحرب والعداء مع الكيان الصهيوني. لكن هل أنهت الحركة الصهيونية الحرب كما أعلن حكامها مع السادات وبعد توقيع كامب ديفيد؟ أم أن الصراع العربي الصهيوني استمر بأشكال أخرى؟ وهذا ما تجيب عنه النماذج المقدمة لأشكال الحرب المستمرة المضادة لمصر العربية تحت ستار السلام، التي تشنها القوى الصهيونية على مصر، وكل البلاد العربية التي أقامت سلاماً مع الصهاينة، أو ارتباطاً اقتصادياً أو تجارياً أو أقامت شكلاً من العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني.

هذه الصور الحاقدة على مصر العربية وعلى العرب والمسلمين. تصدق ما أشرنا إليه في الفصول السابقة من أن السلام الصهيوني، ما هو إلا شكل من أشكال الحرب، تقوم بها الصهيونية، لتنفيذ مشروعها الشمولي الأبعاد والاتجاهات والخطط. وهذه بعض نماذج الحرب التي يشنها الصهاينة على مصر، التي اخترناها نماذج لتلك الحرب الصهيونية القذرة. للاستدلال على خطورة المشروع الصهيوني في سلامه، وأن حربه أهون ألف مرة من سلامه.

 

¾

 

(1)/انظر محمد حسنين هيكل- العروش والجيوش- الحلقة 15- جريدة الثورة السورية- العدد 11155- تاريخ 23-4-2000-ص13).

(2)Herzl Year Book .Vol. TED. By. Raphael Patai, Herzl Press –New York. 1968, P 115.

(3)حزب البعث العربي الاشتراكي القيادة القطرية السورية- استراتيجية الصهيونية وإسرائيل تجاه المنطقة العربية والحزام المحيط بها- منشورات مكتب الإعداد القطري- دمشق- 1983- ص80-81/.

(4)/المصدر السابق- ص83/.

(5)شؤون فلسطينية العدد 22- حزيران 1973-ص95/.

(6)إبراهيم عزت أنا عائد من إسرائيل- منشورات دار مكتبة الحياة- بيروت 1958- ص75-76/.

 

¾¡¾

 

الفصل الثاني:
الحـــرب القــــذرة

 

تحدثت مجلة روز اليوسف في عددها الصادر في آب 1995 عن الحرب التي تشنها الصهيونية على مصر، على الرغم من اتفاقية كامب ديفيد، التي أنهت الحرب، وأحلت السلام بين الكيان الصهيوني ومصر. ومن أشكال تلك الحرب، ما أطلقت عليه الحرب الاجتماعية، فتشير أن الحرب الاجتماعية، لا تزال تقودها إسرائيل ضد مصر حتى بعد توقيع السلام.

فهي تحارب مصر بالجنس بعد الهرويين والدولارات المزيفة. فإسرائيل ترسل دولارات مزيفة، وسائحين من نوع خاص، لنشر الأيدز،، وأمراض أخرى سرية من نوع خطير. وأحدثها ما يسمى بأسلاك التلفون الساخن، والإعلانات الجنسية المنشورة في الصحف. وذكرت أن المخابرات الإسرائيلية إضافة إلى ما تقوم به من أشكال التجسس العسكري، تعمل على جمع المعلومات عن أمراض المجتمع المصري. لاستثمارها وتوظيفها، وعن العيوب التي تنتشر فيه، لتقوم بتنميتها، وتوسيع دائرتها، مما يؤدي إلى تفكك الشعب العربي المصري.

ومن قذائف السلام الصهيوني البشع، الذي يقصف به شعبنا العربي في مصر، نشر المخدرات في صفوف الجماهير على مختلف انتماءاتهم الطبقية. ومن المعروف لدى القارئ ما يفعل سلاح المخدرات، في تدمير الشعب والدولة معاً. وقد استخدمته بريطانيا في حربها مع الصين في القرن التاسع عشر، وأطلق المؤرخون على تلك الحرب اسم (حرب الأفيون)، وكان نتيجتها انتصار بريطانيا على الصين.

وإسرائيل استخدمت هذا الأسلوب ضد الشعب العربي المصري مباشرة بعد اتفاقية كامب ديفيد. وللدلالة على تلك الحرب، فقد بلغ عدد قضايا المخدرات (4520) قضية تهريب مخدرات، التي ضبطتها وزارة الداخلية المصرية ما بين أعوام 1979 إلى 1989، وكلها مهربة من الكيان الصهيوني إلى مصر. وتبين من التحقيقات التي جرت مع المهربين، أن المخابرات الإسرائيلية جندت عدداً من بدو سيناء، من أجل نقل كميات كبيرة من المخدرات إلى مصر.

ومن الخطورة الأمنية على القطر العربي المصري، هو تطور عصابات التهريب، التي تم تجنيدها من قبل العدو الصهيوني، حيث هذا التطور، يزداد أفقياً وعمودياً داخل المجتمع والمؤسسات المصرية. فقد تمكنت المخابرات الصهيونية في مرحلة متقدمة من العمل المافيوي للمخدرات، أن توصل أحد زعماء مافيا التهريب إلى عضوية البرلمان المصري. لينفذ إلى مؤسسة التشريع، ويخدم الأهداف الصهيونية. فقد انتخب (عايد سليمان) عضواً في مجلس الشعب المصري. وهو من كبار زعماء مافيا تهريب المخدرات المشهورين في سيناء. وبعد أن اكتشفت الأجهزة الأمنية المصرية أمره، تم إلغاء عضويته وطرده من مجلس الشعب المصري(1).

وسلاح تهريب المخدرات إلى مصر، استخدمته الأجهزة الأمنية العسكرية الصهيونية طبعاً ما قبل اتفاقية كامب ديفيد، حين كان الصراع بكل الوسائل بين الطرفين. وكانت تلك الأجهزة تعمل على نشر هذا السلاح الفتاك ضد الشعب المصري، إلا أن القذارة أن يستمر بعد معاهدة، تفترض أن تتوقف فيها كل أسلحة الحرب، إن كان الطرف الصهيوني حقاً من طالبي السلام كما يدعي.

وعن حرب الحشيش التي كانت تشن ضد القطر العربي المصري قبل كامب ديفيد، فقد كتبت صحيفة /صنداي تايمز/ الأسبوعية في النصف الأول من شهر كانون الأول عام 1996، بأن ضباطاً إسرائيليين باعوا مخدرات (حشيش الكيف) لمئات الآلاف من الجنود المصريين، طيلة /20/عاماً.

وقد تم نقل تلك الكميات الكبيرة من المخدرات، ضمن إطار خطة وضعتها قيادة الجيش الصهيوني، أطلق عليها /لاهاف/ أي الحشيش. والهدف منها إضعاف القدرة القتالية للجيش المصري. وذكرت إنها كانت تباع ما بين سيناء والقاهرة. وقد حاول عدد من القادة العسكريين المصريين السابقين، تكذيب رواية الصنداي تايمز، ومنهم الفريق الأول محمد فوزي، والفريق أمين هنيدي، واعتبراها نوعاً من الدعاية الكاذبة للموساد ضد الجيش المصري(2).

وإن كنا نميل إلى رأي الفريق الراحل محمد فوزي، إلا أن الحقيقة أن العدو الصهيوني، لا يتورع عن استخدام أبشع الوسائل، لتدمير الأمة العربية بكاملها، وليست مصر فقط. وما يقوم به من نشر المخدرات بعد السلام المزيف دليل على أنه استخدم هذا السلاح قبل اتفاقية كامب ديفيد.

وإلى جانب الجنس والحشيش، استخدم الكيان الصهيوني نشر أوراق نقدية مزيفة، لتدمير الاقتصاد المصري في السوق المصرية، مما يخلق إرباكاً، وفوضى في سوق العملات في مصر. فقد هربت السلطات الصهيونية عبر نفق تحت الأرض، يمر تحت الأسلاك الشائكة المقامة على الحدود مع مصر، الآلاف من الدولارات المزيفة والتي وصلت إلى الأسواق المصرية. وكانت تلك الدولارات مزيفة بدقة بالغة، يصعب اكتشافها، حتى على أجهزة كشف التزييف. وللدلالة على قوة التزييف، استطاع أحد مديري المصارف الإسرائيلية، أن يستبدل كميات كبيرة من الدولارات المزيفة من أحد المصارف المصرية، دون أن تكتشفها الأجهزة الموجودة في المصرف الخاصة بتزييف العملة.

¾

 

(1)صحيفة الشرق الأوسط لندن-11/2/1992.

(2)صحيفة الحياة لندن- 25/12/1996.

 

¾¡¾



  

الفصل الثالث:
الأيدز الصهيوني

 

 

من أبشع الأسلحة التي استخدمتها أجهزة المخابرات الصهيونية لمحاربة مصر، هو نشر مرض الأيدز سواء أكان على البشر أم على التربة. ففي عام 1978 نشرت الصحف المصرية خبراً عن اكتشاف مؤامرة من نوع خاص، قام بالتخطيط لها وتنفيذها جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، لنشر مرض الأيدز في مصر.

وقد نشرت الصحف المصرية تفاصيل المؤامرة الصهيونية، حيث تروي الصحف، أن الموساد الصهيوني، أرسل مجموعة من الداعرات اليهوديات المصابات بمرض الأيدز إلى مصر. وحتى لا تثير المجموعة ريبة الأجهزة الأمنية المصرية، فقد قدمن من عدد من البلدان الأوروبية وأمريكا والكيان الصهيوني. ونزلن متفرقات في عدة فنادق في القاهرة، ثم قمن بجولات سياحية في بعض المدن المصرية.

وخلال وجودهن في القاهرة أو غيرها، كن يقدمن أجسادهن، لأي طالب لذة من الشباب المصري. وفي بعض الأحيان يستخدمن الإغراء الجسدي، لجذب الشباب المصري، حتى يمارسوا معهن الجنس. مما أثار من تلك التصرفات ريبة وشك بعض الأجهزة الأمنية المصرية، فقامت بالتحري والمراقبة، ثم ألقت القبض عليهن، بعد أن تبين لها أن في الأمر سراً. وأثناء التحقيق معهن، وإجراء الكشف الطبي، والفحص المخبري، تبين أنهن مصابات بمرض الأيدز.

وأثناء التحقيق اعترفن أنهن مكلفات بمهمة من جهاز الموساد الصهيوني، والمهمة هي نشر هذا المرض الخطير بين الشباب المصري. وحسب ما جاء في جريدة الشعب المصرية المعارضة، أن الموساد أقنع هؤلاء الفتيات اليهوديات المصابات بالأيدز، بأن ما يقمن به من عمل، إنما هو لصالح إسرائيل الكبرى، ومن ثم فهو عمل قومي. ولهذا كانت الشبكة تقوم باستدراج بعض الشباب المصري، لممارسة البغاء في بعض أماكن اللهو.

أيدز النبات بعد الإنسان.

ومن القذائف غير العسكرية التي يقوم بقذفها الكيان الصهيوني على مصر، قذيفة أيدز جديد، وهذه المرة لا تصيب الإنسان بل النبات والتربة. ففي عام 1989 اكتشف أحد خبراء الزراعة في مديرية الزراعة بالإسماعيلية، أسباب انخفاض إنتاج الأراضي الزراعية من الخضراوات والفواكه منذ خمس سنوات على التوالي، حين اكتشف أنها تعود إلى استيراد بعض بذور الخضار والفواكه، وبعض أجهزة الري من إسرائيل. وظهر لهذا الخبير بعد إجراء العديد من الفحوصات والتجارب على البذور الإسرائيلية، بأنها تحتوي على فيروسات دقيقة، تنمو وتتكاثر بعد اختلاطها بالماء. وأن هذه الفيروسات تعمل بعد هذا، على تخريب التربة الزراعية، من خلال القضاء على خصوبتها، وإتلاف المواد العضوية وغيرها فيها. إضافة إلى تدمير التربة الزراعية، فقد أثبتت التجارب على الخضار، التي تنتجها تلك البذور، بأنها تؤدي إلى الإضرار بصحة مستهلكها.

أما عن الأسمدة الصهيونية فإنها أيدز آخر. فقد استوردت مصر من إسرائيل كميات من الأسمدة الزراعية، إلا أنها أحالت التربة الزراعية، التي غذيت بها إلى أرض بور أشبه بالصحراء. وزيادة في الإجرام الصهيوني بحق العرب المصريين، أثبتت الفحوص التي أجريت على مستخدمي هذه الأسمدة، أنها تعرضهم للإصابة بالسرطان.

وبلغت الدعاوى التي أقامها المزارعون المصريون، من الذين استخدموا تلك الأسمدة، خلال ثلاثة أعوام /725/ قضية، قدمت إلى القضاء المصري. وكل تلك القضايا تشتكي من البذور الصهيونية، التي دمرت أراضيهم الزراعية.

ومن الأسلحة الصهيونية، التي استعملت ضد الزراعة المصرية، ما عرف بأيدز النخيل، أو مرض /الفارو/. وهذا المرض يقضي على شجرة النخيل تماماً، وقد تعرض عدد كبير من أشجار النخيل في مصر، لهذا المرض الخطير. وبعد البحث والتقصي من قبل وحدات المكافحة الزراعية المصرية، تبين أن أسباب إصابة النخيل بهذا المرض في منطقة العريش، ناتج عن وصول أسراب من النحل الحامل للمرض من الكيان الصهيوني.

وفي بداية عام 2000 اشتكت السلطات السعودية من إتلاف ما يزيد على /35/ ألف شجرة نخيل، بسبب هذا المرض على حدودها الشمالية، والقريبة من الأراضي المحتلة.

وكانت الأردن قد أصيبت زراعتها هي الأخرى بالمرض، بسبب فيروسات الأيدز الصهيوني. فقد أعلنت وزارة الزراعة الأردنية في 26-آب 1998، بأنها اكتشفت فيروسات في مجموعة من بذور المحاصيل الزراعية، التي قدمت هدية إلى الأردن من إحدى الشركات الهولندية متعددة الجنسيات، والتي يمتلكها إسرائيلي.

 

¾¡¾

 

الفصل الرابع:
تدمير السياحة المصرية

 

 

بعد حادث الأقصر عام 1997، والذي ذهب ضحيته العديد من السياح الأجانب على مختلف جنسياتهم الأوروبية. بدأت مجموعة من الأسئلة، تطرح في الأوساط الأمنية والإعلامية، عن صاحب المصلحة في ضرب السوق السياحية في مصر، ومن المستفيد منها؟ والمعروف أن السياحة قد بنت عليها الدولة المصرية آمالاً كبرى، في سبيل تطوير وإنماء الاقتصاد المصري. خاصة وأن مصر غنية جداً بالآثار العظيمة، وتتمتع بمناخ معتدل جميل، وتملك العديد من الشواطئ الدافئة. إضافة إلى رخص أسعار أسواقها مقارنة بالدول الأخرى. وهذه الموصفات قادرة على أن توجد لها الأسس، التي تستطيع أن تبني صناعة سياحية عظيمة قادرة، على منافسة أية دولة سياحية على البحر الأبيض المتوسط. ومن المفروض أن يضيف السلام مع الكيان الصهيوني، جواً من الاستقرار الأمني، الذي يزيد من جاذبية السياح إلى مصر. ونعود مرة أخرى للأسئلة المطروحة، والتي تتحدد في سؤال واحد، من هو صاحب المصلحة في ضرب السياحة المصرية؟ ومن خلال البحث عن المستفيد، نرى أن ليس لدى المحيط الإقليمي لمصر من مصلحة لضرب الاقتصاد المصري سوى الكيان الصهيوني. وأثبتت الأحداث ذلك أن الكيان الصهيوني، كان وراء رعاية عدد من التنظيمات الإرهابية ضد مصر، التي نفذت مسلسلات إرهابية بغية ضرب وتدمير السياحة في مصر.

كتبت مجلة روز اليوسف عن حادثة الأقصر ما يلي: (عقب حادث الأقصر الأثيم، أمر الرئيس مبارك بتشكيل لجنة فنية أمنية على أعلى مستوى من عدة أجهزة، للتحقيق فيما حدث في ساحة معبد الملكة حتشبسوت بالبر الغربي.

وقد توصلت هذه اللجنة في اجتماعاتها المشتركة لعدة نقاط جديدة، ظهرت في العملية الشرسة البشعة لأول مرة، أهمها يشير إلى حصول مرتكبي الحادث، على فرقة كوماندوز قتالية متطورة للقتل نفسه. وهي الفرقة التي اتضح أنها، لا تعطى سوى لرجال القوات الخاصة والكوماندوز في جيوش دول معدودة بالعالم، أولها جيش الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها إسرائيل التي تدرب عليها المرتزقة والمتمردون في عدد من الدول الأفريقية، بالإضافة إلى عملائها في الدول العربية)(1).

وبعد الدراسة والتدقيق في ملابسات العملية، تبين لها أن الموساد من المرجح، أنه كان وراء تلك العملية. من خلال القدرة القتالية العالية لديهم، وهذا لا يكون إلا لدى قوات خاصة، أو عناصر أجنبية.

ومن الصيحات التي كانوا يرددونها أثناء تنفيذ الجريمة، بإطلاق كلمة /الله/ فقط. ومن المعروف أن الجماعات الدينية تصرخ بكلمة (الله أكبر)، وإلى السرعة في استبدال اللباس، وتغيره من أسود إلى أبيض، وهذا لم يتم استخدامه من الجماعات الإرهابية من قبل. ثم محاولة تلك المجموعة إلى خلق بلبلة وفتنة في آن واحد، حين وضعت تلك المجموعة على محيط رأسها خرقة من القماش، كما يفعل مجاهدو حزب الله في لبنان.

وتوصلت اللجنة أن وراء الحادث جهاز مخابرات كبير، وانحصر الأمر ما بين المخابرات الأمريكية والموساد الصهيوني، وتم استبعاد الأولى، والاتفاق أن وراء المجزرة في الأقصر جهاز الموساد.

لماذا خرجت اللجنة بالاتفاق أن الموساد وراء عملية الأقصر؟ تجيب مجلة روز اليوسف المصرية قائلة: (ووسط كل هذه الأفكار، التي فكر فيها الأمن المصري، لا يبقى سوى المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، حتى يبدأ التفكير فيهما. غير أن الأولى لديها دائماً فرص أقوى إن أرادت، حتى تكون أكثر قسوة، دون اللجوء إلى العنف، إن كان المقصود من البداية إحراج القاهرة فقط.

وهنا نجد أنفسنا أمام شبح الموساد في العملية. لأننا لو سلمنا بأن وراء كل جريمة هدفاً، ودافعاً قوياً، كما يقول علم النفس الإجرامي. فإن الدافع لدى الموساد لا يحتاج إلى تفسير طويل، خاصة بعد إصابة الموساد بالغباء المزمن، خلال الفترة الأخيرة كما شاهدنا. مما جعل الجهاز يتصرف بشراسة وجنون في بعض الأحوال. الموساد جهاز عاش على الشهرة الزائفة، فهو ينفذ العمليات، ويختفي وراءها، حتى يزيد من حجم الشائعات فيها)(2).

ومن الدلائل على رعاية الكيان الصهيوني للإرهاب في مصر، ففي أوائل شهر نيسان عام 1999 استطاعت الأجهزة الأمنية المصرية، أن تصادر كميات كبيرة من الأسلحة الإسرائيلية، وخاصة مدافع /عوزي/، التي أرسلتها إسرائيل إلى الجماعات الإرهابية. وقد تم ضبط هذه الأسلحة في جزيرة بوسط النيل بمحافظة سوهاج.

وقد جاء اكتشاف تلك الأسلحة من خلال الحملة التفتيشية، التي قامت بها الأجهزة الأمنية المصرية، في حملة استمرت أسبوعاً كاملاً. تمت فيها مصادرة: (221) قطعة سلاح. منها /2/ مدفع رشاش عوزي و /36/ بندقية آلية. و /3/ نصف آلية. و23 بندقية مخشنة وعدد من البنادق الأخرى والمسدسات.

ومن الخطط الصهيونية لضرب السياحة، إقامة مشاريع سياحية بديلة عن المنشآت السياحية المصرية وخاصة الموجودة على البحر الأحمر. فالكيان الصهيوني يعد مشروعاً سياحياً قرب منطقة طابا، تحت عنوان (الريفيرا) الإسرائيلية، تم إعداده من قبل عالمين صهيونيين هما شيلفا وتسيملس مع عشرين عالماً، وتحديداً في إيلات، والهدف منه، شن حرب سياحية على مصر في تلك المنطقة.

كما أعلنت الجريدة الرسمية الإسرائيلية الصادرة في 10 تشرين الأول 1994، أن شركة كول وارلد الدولية المملوكة لشركة (موريس كهان) صاحب مركز المراقبة البحري في إيلات، يستعد لبناء مركزين للمراقبة البحرية في منطقتي شرم الشيخ والغردقة المصريتين. وأن مدير بنك العمال الإسرائيلي ونائبه، زارا المنطقة لأجل بحث تمويل المشروع بمبلغ 20 مليون شيكل.

وكتبت مجلة روز اليوسف المصرية موضوعاً حول المشروع، جاء تحت عنوان (الريفيرا.. خطة إسرائيلية للقضاء على السياحة المصرية). ذكرت فيه أن المركزين صمماً على أن يكونا مركزي تجسس على السياحة المصرية، للوقوف على أخطائها، أو ضعفها، فيتم استغلالها لصالح السياحة الصهيونية.

وأن خطة الحرب السياحية، تقضي تقديم مغريات للسائح، مثل تقديم الوقود لسيارة السائح مجاناً، من قبل بلدية إيلات مع هدايا مختلفة. وقدمت فنادق إيلات هدايا، لكل سائح يدخل المدينة، مثل كراتين بيض، حتى على من يمر أمام الفندق بعربته على حد قول المجلة.. وذكرت عن الإغراءات التي يجري تقديمها للسائح، الذي يقيم في بعض الفنادق لمدة سبعة أيام، إعفائه من أجرة ليلتين إضافيتين. والبعض يقدم جزءاً من الأطعمة مجاناً. في حين تقول المجلة إن الفنادق المصرية في جنوب سيناء، تقف عاجزة أمام الهجمة الصهيونية، فهي تواجه ارتفاع أسعار الخدمات والضرائب وعدم جاهزية المشافي(3).

وبالعودة إلى مشروع الريفيرا الصهيونية المقرر إقامتها في إيلات، وتحت إشراف وزارة الداخلية الصهيونية، يشابه من حيث الشكل الريفيرا الفرنسية، حيث سيقام على جزء منه على مساحة 6500 فدان في شمال إيلات. والجزء الآخر على الساحل مباشرة، بحيث يضيف لمساحة إيلات الحالي 650 فداناً. وسيتخلى الكيان الصهيوني عن ميناء إيلات، ويستخدم ميناء العقبة الأردني، ويسمح ذلك له بإغراق 650 فداناً بمياه البحر الأحمر، وبعد إغراقها يقيم الكيان ريفيراه الموعودة في البر والبحر، بشكل أعلى من مستوى البناء الحالي، فتطل المنشآت على الأراضي المصرية والأردنية.

ويقول الخبير الهندسي الصهيوني /جارتنر/ عن المشروع السياحي الصهيوني: (لا يوجد خيار آخر لإيلات. ولو أرادت الضرب في العمق سياحياً ومنافسة مصر لمدة مائة عام قادمة، فعليها البدء في المشروع فوراً). ورغم التكاليف الباهظة للمشروع، فإن مجلس الوزراء الصهيوني وافق عليه. حيث تبلغ تكاليف الإغراق 115 مليون دولار، وكلفة خدمات المتر المربع الواحد 100 دولار، في حين أن البناء يتم على مساحة تقدر بـ 900 ألف متر مربع. وأودعت الحكومة في عام 1994 مبلغ مليار دولار في بنك العمال الصهيوني، لتنفيذ المشروع(4).

ومن خلال هذا المشروع الصهيوني، يتبين لنا مدى الحرب السياحية ضد مصر، مستهدفة منعها من تطوير هذه الصناعة، التي ستقدم دخولاً عالية للدخل القومي المصري. والذي نرى من الغرابة تعاون الأردن فيه، حيث أصبحت العقبة ميناءً ومطاراً للوافدين من السياح وغيرهم لإيلات، رغم أنها خططت لضرب السياحة المصرية، وتستهدف تدميرها.

¾

 

(1)-روز اليوسف المصرية- العدد 3624- 24/11/1997.

(2)-المصدر السابق.

(3)-توحيدي مجدي- روز اليوسف-العدد 3466- 14/11/1994.

(4)المصدر السابق.



  

الفصل الخامس.:
سفارة؟. أم مقر للموساد؟

 

 

لعب الموساد دوراً تخريباً في مصر، منذ الأيام الأولى للسماح بوجود السفارة الصهيونية في مصر. فقد زرع تواجداً محمياً لـه في داخل السفارة المذكورة. فلم يرسل الكيان الصهيوني إلى مصر دبلوماسيين، كما تقتضي الأعراف الدبلوماسية بين بلدين أنهيا الحرب، وانتقلا إلى السلام، والتبادل السياسي والاقتصادي، كما تنص اتفاقيات كامب ديفيد الموقعة بين الطرفين.

بل نجد أن الكيان الصهيوني، قد عين أول قنصل له في السفارة الصهيونية في القاهرة، من رجال المخابرات الصهيونية، هو /يعقوب بيري/. وللتأكيد على ما نقول، نرجع إلى كتاب أول سفير صهيوني في القاهرة /إلياهو بن اليسار/، والذي نشر في كانون الأول عام 1995 في تل أبيب تحت عنوان /لن تكون هناك حرب أخرى/. قال الياهو فيه ما يلي: (.. وفي 26 فبراير –شباط- 1980 جاء موعد تبادل السفراء. وسافرت قبل هذا الموعد بعثة دبلوماسية من الخارجية الإسرائيلية، كانت مهمتها إعداد كافة الترتيبات لقدوم السفير، واختيار مقر دائم للسفارة التي تبدأ عملها الرسمي.

وكان من بين أعضاء البعثة يعقوب بيري قنصل إسرائيل العام الأول بالقاهرة، والذي كان قد أرسل متخفياً تحت هوية قنصل دبلوماسي، في حين أنه كان ساعتها رئيس فرع العمليات الخاصة في الأراضي العربية بجهاز الشين بيت الإسرائيلي /الأمن القومي/).

ولم يقدم بيري وحده من جهاز المخابرات، فقد وصل معه كما يقول الياهو بن اليسار عدد كبير من ضباط وعملاء المخابرات الصهيونية. ودخلوا مصر على أساس، أنهم عمال فنيون إسرائيليون، قدموا لإصلاح السفارة وتجهيزها. وكانت تلك المجموعة هي وحدة من الموساد الصهيوني، المخصصة لجمع المعلومات التابعة للموساد من الفرع، الذي يضم شبكات الجواسيس في مصر –الجزائر- قبرص- -تركيا- المغرب. وأنهم كلفوا مع ضباط آخرين من المخابرات الحربية الإسرائيلية، ليعملوا في مصر تحت عباءة السفارة الصهيونية كدبلوماسيين، وفي الوقت ذاته عليهم، أن يقوموا بإعمال التجسس لصالح الموساد الصهيوني.

-من هو يعقوب بيري القنصل العام الأول لإسرائيل في القاهرة...؟

يعقوب بيري كان أصغر ضابط بجهاز الشن بيت، يتسلم رئاسة فرع العمليات الخاصة في الدول العربية، حيث كان عمرن /34/ عاماً في عام 1978 حين استلم المنصب المذكور. وبعد عامين انتدب إلى مصر، ليعمل كقنصل عام في السفارة الصهيونية. ومكافأة لعمله التجسسي الناجح في مصر، رفع إلى مرتبة متقدمة في جهاز الشن بيت الصهيوني. فقد ذكرت جريدتا معاريف ويديعوت أحرنوت الصهيونيتان في عددهما يوم 10 من آذار 1995، أنه رقي إلى منصب نائب رئيس الأمن القومي (الشن بيت). وهذه الترقية لنجاحه في عمله الدبلوماسي والجاسوسي في مصر، حتى رفع إلى هذا المنصب الكبير في الشن بيت.

ومن يراجع سجل الدبلوماسيين الصهاينة، الذين أرسلوا إلى سفارة التجسس في القاهرة، سيصاب حتماً بالدهشة، لهذا السلام المزيف، الذي يقدمه الصهاينة للعرب. فالسفير الأول إلياهو بن اليسار كان رئيساً لفرع العمليات بجهازالموساد، وأحد كبار العاملين في الجهاز حين تم إرساله إلى مصر. وهذا ما كشفته أوراقه الرسمية بعد الانتهاء من عمله.

أما أول ملحق إعلامي التحق بالسفارة الصهيونية، كان /أهرون بارتياع/. فقد نشر في مستندات ديوان عام رئيس الدولة الصهيونية في تشرين الأول عام 1993، أنه أحد ضباط المخابرات الحربية الإسرائيلية برتبة رائد. وقد التحق بالسفارة في شباط 1980 وبقي عاماً. وفي عام 1981 بعد عودته إلى الأراضي المحتلة، أصبح من كبار المذيعين المتخصصين في الشؤون المصرية في القناة الثانية الصهيونية. ومن موقعه الجديد أجرى العديد من اللقاءات التلفزيونية مع قيادات مصرية.

واستلم نفس المنصب الإعلامي بعد ذلك /يعقوب سيتا/، وبعد انتهاء مهمته، عمل في قسم تحليل المعلومات المصرية التابع لوزارة الدفاع الصهيونية. وكذلك السفير الصهيوني شيمون شامير، الذي عمل في مصر سفيراً للكيان الصهيوني من عام 1988 إلى عام 1990، كان يعمل في قسم تحليل المعلومات التابع لجهاز المخابرات الحربية الصهيونية كضابط عامل. وكان شامير هذا، هو مؤسس معهد شيلواح، الذي أنشأته المخابرات الصهيونية، وبقي رئيساً له من عام 1966 إلى عام 1973.

إضافة إلى كل ذلك فإن العدو الصهيوني، قد جعل من سفارته الصهيونية في القاهرة، بيتاً للجواسيس تحت مظلة الدبلوماسية. وليس في الأمر غرابة إذا علمنا أن الكيان الصهيوني، قد اعتبر مصر عدوة الصهيونية الأولى في الوطن العربي. فقد جاء في كتاب صدر في تل أبيب تحت عنوان /الدبلوماسية السرية والمخابرات/، والذي صدر في عام 1995، ما يلي: (العدو رقم واحد للشعب اليهودي هو مصر.. الذي يتعين اختراق مجتمعها من جانب عملاء دبلوماسيين محترفين). وبهذا المنظار الأسود يرى الصهاينة مصر، رغم التوقيع على معاهدة ما يسمى بالسلام بين الطرفين.

 

¾

 

(1)(انظر روز اليوسف عدد 3620-تاريخ 27-10-1997).

 

¾¡¾

 

الفصل السادس:
رعاية الإرهاب المتخفي باسم الإسلام

  

من يرى المجازر التي ترتكب باسم الإسلام، والإسلام حتماً ويقيناً بريء منها، كما يجري في بلاد كالجزائر ومصر وغيرها. لابد للباحث أن يدقق بين بشاعة المذابح الوحشية، وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وبين سماحة الإسلام وقيمه وشريعته وتعاليمه العالية في السلوك الإنساني. الإسلام الذي رفض أن تقتل أو تحبس هرة، وتوعد فاعلها بالعذاب والخلود في الجحيم، كيف يقبل أن يقتل بريء بدون ذنب ارتكبه، والقرآن الكريم في قوله تعالى كأنه قتل الناس جميعاً، وحرم ذلك تحريماً مطلقاً.

إن ما يرتكب من قتل وإرهاب ضد الآمنين والأبرياء، هو من قبل قوى حاقدة ومعادية للإسلام حتماً وأكيداً، وإن ارتدت لبوس الإسلام، فإنها معادية ومستأجرة من أعداء الإسلام، لترتكب هذه الأعمال المشينة بغية تشويه صورة الإسلام أولاً، ومن ثم الأمة العربية، فلا تعارض بين المفهومين.

وسيجد الباحث والمدقق، أن صاحب المصلحة في التشويه هي الصهيونية، وقد أشرنا إلى كتب نتنياهو حول الإرهاب الإسلامي في الفصول الأولى من هذا الكتاب. إن أصابع الأجهزة الأمنية الصهيونية الموساد وغيره غير بعيدة بالمرة عن صناعة تلك الجرائم. وإنها هي التي تخطط، وترسم، وتستأجر العملاء والسذج لارتكابها.

ومن الأدلة القليلة المتوفرة بين أيدينا، نضعها بين يدي القارئ، ليتأكد من تغلغل الموساد بين تلك الجماعات الإرهابية، التي تلبس لبوس الإسلام، وكما قلنا هو بريء منها. فقد كتبت جريدة /افيننج ستاندارد/ البريطانية عن العلاقة السرية بين الموساد والجماعات الإرهابية، بأن عشرين ضابطاً من الموساد الصهيوني، شاركوا في المؤتمر، الذي أقامته تلك الجماعات الإرهابية في لندن في شهر آب 1994. والذي حضره ما يقارب /12/ ألف من اتباع تلك الجماعات في الوطن العربي والعالم الإسلامي.

وكان الضباط الصهاينة يرتدون اللباس الإسلامي، ويطلقون اللحى من أجل التخفي، وإبعاد الشبهة عنهم. وقد أقامت المخابرات الأمريكية التي هي الأخرى، وضالعة من قدميها إلى رأسها في تلك المسألة، حواراً بين الموساد الصهيوني، وبين قادة تلك الجماعات الإرهابية. من حيث التعاون المشترك، والتخطيط، والتمويل، إلى جانب المخابرات المركزية الأمريكية(1).

والغريب أن المؤتمر المذكور عقد تحت يافطة جماعة تدعي الإسلام، وتطلق على نفسها اسم (منظمة التحرير الإسلامية المناهضة لإسرائيل والصهيونية)(2). فتصور يا رعاك الله على حد قول الدكتور البجيرمي، كيف تتم التغطية والتستر الصهيوني بلباس الجماعات الإرهابية، والتي تقتل وتذبح باسم الإسلام.

وقد كشفت صحيفة معاريف الصهيونية، أن الكيان الصهيوني أصبح ملجأ لرجال الجماعات الإرهابية. وتحدثت عن لجوء /8/ أسر لإفراد من الجماعات الإسلامية من مصر والجزائر، وأنهم دخلوا إلى الكيان الصهيوني بجوازات سفر صهيونية (إسرائيلية)، قام بتزويدهم بها جهاز الموساد، على أنهم مهاجرون يهود جدد، وقد منحت تلك الأسر حق اللجوء للكيان الصهيوني(3).

نشرت مجلة /سجنون/ الصهيونية خبراً عن أحد زعماء الجماعات الإسلامية لجأ إلى الكيان الصهيوني، حيث وافقت السلطات الصهيونية على لجوء السوداني صالح اسماعيل سري، وهو من أسرة تتبوأ مكانة كبيرة في التنظيمات الإسلامية في السودان(4). ويتضح أنه كان يعمل لصالح الموساد، وحين كشف أمره لدى السلطات، هرب إلى سادته، حيث هرب عن طريق طابا المصرية.

كما نشرت جريدة يديعوت أحرنوت الصهيونية، عن هروب قياديين من قادة الجماعات الدينية في المغرب، هما حسن عبد القادر جميل، ونجيب لورميلي إلى الكيان الصهيوني. وتمت إعادتهما إلى المغرب، في اتفاق سري بين الطرفين(5).

ولم يقتصر التغلغل الصهيوني المخابراتي في الجماعات الإسلامية العربية، بل امتد إلى الدول الإسلامية الأخرى. فقد أشارت صحيفة معاريف الصهيونية إلى لقاءات تمت ما بين الموساد الصهيوني، وأحد قادة الجماعات الإرهابية الباكستانية في تل أبيب. كما اجتمع به سراً آنذاك إيلي دايان، الذي كان نائباً لوزير الخارجية(6). وغاية تلك اللقاءات كانت حتماً التجسس والتخريب والإرهاب في الباكستان وإيران وغيرها. كما كشفت صحيفة /هاآرتس/ الصهيونية عن التعاون الذي يتم ما بين بعض ممثلي التنظيمات الدينية الأفغانية المتطرفة وجهاز الموساد. وكشفت عن الاجتماعات السرية، التي جرت في تل أبيب، بين قادة الموساد وهؤلاء الممثلين، للتنسيق وتحديد المهام لتلك التنظيمات، التي ستكون زرع الإرهاب في البلدان العربية والإسلامية(7).

وفي الوقت نفسه يتم تشويه صورة الإسلام عالمياً خدمة للمشروع الصهيوني، من خلال إرسال عدة أشخاص من الموساد، يقومون بإعمال إرهابية تحت اسم الإسلام. فقد عممت عدة أجهزة أمنية في المنطقة العربية في 11 تموز من عام 1997، على أجهزتها بضرورة إلقاء القبض على رجل أعمال صهيوني يدعى /أيلي بيرس/ من مواليد المغرب، ويحمل الجنسية الإسرائيلية. حيث قام المذكور بالاتصال بالعديد من ممثلي التنظيمات الدينية الإسلامية المتواجدة في أوروبا. وكان المذكور يتقن اللغة العربية ويحمل جنسية مغربية، كتبت فيها الديانة الإسلامية، علماً بأن الجنسية المغربية، لا توجد فيها خانة، تشير إلى نوع ديانة حاملها.

وعن دور الموساد الصهيوني في دعم الإرهاب في مصر، من خلال تقديم كافة المساعدات لها بما فيها الأسلحة، فقد تم في عام 1994، إلقاء القبض على مجموعتين صهيونيتين، الأولى في شهر آب /أغسطس/، حين تم ضبط الضابط الصهيوني (إسحق ديموند)، وهو يحاول نقل أسلحة تفجيرية إلى داخل مصر. والثانية في شهر تشرين الثاني من نفس العام على شبكة برئاسة جنرال سابق، كان يعمل في الجيش الصهيوني يدعى (بول مزراحي)، وهي تقوم بنقل الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية، التي تدعي الإسلام في صعيد مصر.

وفي الوقت الذي تقوم به الحركة الصهيونية بمساندة الإرهاب المتخفي بلباس الإسلام، تسعى في نفس الوقت لتفجير الوضع الطائفي داخل مصر بين المسلمين والأقباط. فهي لا يمكن أن ترتاح للوحدة الوطنية، التي تجمع الشعب العربي المصري بكافة طوائفه، ومن الموقف القومي والوطني، الذي وقفته الكنيسة ممثلة بالبابا شنودة، الرافضة للتطبيع، وبعدم زيارة القدس إلا بعد تحريرها. لذلك تسعى الحركة الصهيونية باستخدام أية وسيلة ممكنة، في سبيل شق الصف الوطني المصري.

ومن الشواهد على ذلك، ما قامت به الحركة الصهيونية، في التحريض على الحكومة المصرية. ففي بداية الشهر الثاني من عام 2000، دعا ما يسمى /الاتحاد القبطي/، إلى تظاهرة في واشنطن ضد الحكومة المصرية، لتشويه الوحدة الوطنية في مصر، فكانت المصادفة وحدها هي التي كشفت دور الصهيونية في المظاهرة. فقد تأخر المشاركون بها من الأقباط، فقام صهيونيان بفتح حقيبة بها مكبرات صوت، وبدأا بالتنديد بالحكومة المصرية، والمصريين العرب المسلمين، واتهم الجميع بالنازية، وأنهم يسعون لذبح الأقباط، كما جرى في محرقة اليهود(8). وهذا التشويه المقصود من قبل الحركة الصهيونية، يرمي أولاً إلى تشويه صورة مصر العربية. وثانياً إلى إحداث انقسام طائفي داخل مصر، وإلى توتر في العلاقات بين الطائفتين، وبذلك تحقق الصهيونية أحد أهدافها، وهو ضرب العمق الاجتماعي المصري في وحدته الوطنية.

 

¾

 

(1)صحيفة افيننك ستاندار البريطانية –4/8/1994.

(2)المصدر السابق.

(3)معاريف الصهيونية – 18/5/1995.

(4)مجلة سجنون الصهيونية- 2/4/1997.

(5)يديعوت أحرونوت الصهيونية –2/10/1994.

(6)-معاريف الصهيونية- 28/8/1997.

(7)هاآرتس الصهيونية- 28/8/1997.

(8)مجلة روز اليوسف المصرية- العدد 3741- 25/2/2000.

 

¾¡¾

 

الفصل السابع:
دس كتاب حاقد لسيرة الرسول (ص).

 

 

إن الدعم الصهيوني للجماعات الإرهابية المتسترة بلباس الإسلام، التي هي أشد عداوة له من مسانديهم الصهاينة، لأنهم يرتدون رداءه، ويفسدون في الأرض باسمه ويشوهون قيمه، وتراثه، وفكره وعقيدته. وهو من أطهر وأنزه ما عرفت الإنسانية من قيم روحية ومادية عالية على مر الدهور والأزمان.

وبسبب قيم الإسلام، كان الحقد اليهودي على الإسلام شديداً، منذ بداية البعثة المحمدية إلى يومنا هذا. لأنه يشكل تعارضاً بين عقيدة أسست على الغدر والقتل والاستعلاء والمكر والخديعة والاستغلال، وبين الإسلام المؤسس على المحبة والتسامح الإنساني والصدق والوفاء ونصرة الضعيف والعدل والمساواة وغيرها من قيم رفيعة.

ويبرز فوراً الحقد الصهيوني العلني على الإسلام، في أول مناسبة تصادمية أو حادثة ما، يكون لبعض المسلمين دور فيها، فيظهر الحقد الدفين التراكمي الوراثي المضاد للإسلام جلياً. ومن الحوادث التي لا تزال في الذاكرة الحالية للقراء، الفتوى التي أصدرها الحاخام /موشى تاتيبليوم/ في حزيران ضد الإسلام والمسلمين، حيث طلب من اليهود قتل ياسر عرفات، وحرق القرآن الكريم، وقتل حافظيه وغيرها من الفتاوى الإرهابية ضد المسلمين.

كما حوكم في 26 أيار (مايو) 1995 بنيامين زئيف كاهانا زعيم حركة كاخ الإرهابية، وابن مؤسسها الشهير بحقده على العرب والمسلمين مئير كاهانا. وكانت أسباب محاكمته قيامه بتمزيق القرآن الكريم وحرقه.. ومعروف سلفاً الحكم الصهيوني على من يسيء للإسلام ويقتل العرب فإنه لا يعاقب. وسعى هذا الإرهابي حتى مقتله في بداية عام 2001، مع منظمته إلى تدمير المسجد الأقصى، وإقامة الهيكل المزعوم بدلاً عنه.

ولا تزال عالقة في أذهان العرب والفلسطينيين، تلك المظاهرات المتطرفة من الصهاينة اليهود في الكيان الصهيوني في 19 تشرين الأول (أكتوبر)
1995، وهي تقوم بحرق ما يزيد على /200/ من نسخ القرآن الكريم، على مرأى السلطات الصهيونية، وكانت تهتف بقوة لقتل العرب والمسلمين.

ولم يستح التلفزيون الصهيوني في 29/ حزيران (يونيو) /1997 أن ينقل للعالم مظاهرة صهيونية، تقوم بحرق نسخ من القرآن الكريم. ولم تتخذ السلطات الصهيونية إجراءً رادعاً لصهيوني حاقد على الإسلام من أشدود، قام بتصميم ماخور على شكل الكعبة المشرفة، وكتب بكل وقاحة عليها بالعربية والعبرية (قبلة)، ولا يزال موجوداً في مستعمرة أشدود.

وفي حزيران من عام 1997 رسمت إحدى الصهيونيات، وتدعى /تاينا سوسكند/ خنزيراً، يقرأ في كتاب، وكتبت على الخنزير اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى الكتاب القرآن. وعلى الرغم من أن المسلمين على مختلف الدهور والعصور، لم يمسوا المقدسات اليهودية بأي سوء، حتى التوراة الذي يعلمه المسلمون وغيرهم، أنه كتاب مزور، وليس التوراة الذي أنزل على النبي موسى عليه السلام، لأنه كتب بعد موسى بسبعة قرون. إلا أن العرب يحترمونه، ولم يذكر التاريخ أية حادثة قام بها العرب أو المسلمون بحرق التوراة أو إهانته. بل أن التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام، تعتبر مقدسة بنظر المسلمين، لها مكانة القرآن الكريم، فهي منزلة من الله تعالى، كما هو القرآن الكريم والإنجيل.

ومن الوسائل الصهيونية القذرة التي استخدمت في مصر، وغيرها لتشويه الإسلام ومحاربته، ما يحاول المركز الأكاديمي الإسرائيلي التجسسي، الذي يستخدم كل الوسائل في محاربة العروبة والإسلام على كافة الصعد، التي شرحناها في فصول هذا الكتاب. ومن تلك الوسائل ما كتبه الصحفي المصري توحيدي مجدي، والذي يستحق كل تقدير واحترام، لما قام به من كشف عظيم لمعظم الهجوم الصهيوني باسم السلام على مصر الحبيبة، فقد كشف عن كتاب يهودي قديم، تعمد المركز الأكاديمي الصهيوني إبقاءه في معبد يهودي، من أجل تشويه صورة الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

فما هي قصة هذا الكتاب؟.

تعود القصة إلى وجود معبد يهودي في القاهرة، يقع في شارع سبيل الخازندار بالعباسية منذ زمن بعيد. وبعد خروج اليهود من القاهرة، بعد ثورة تموز (يوليو) 1952، وخاصة بعد العدوان الثلاثي تم تخزين كتبهم في مخزن المعبد. وبعد اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر والعدو الصهيوني، وظهور المركز الأكاديمي الصهيوني في القاهرة، بدأ المركز يسعى لإعادة الروح لهذه الكتب.

طرح شمعون شامير أول مدير للمركز على السلطات المصرية، بعد أن زار المعبد، إعادة تصنيف الكتب الموجودة في مخزن المعبد، تحت ذريعة حماية التراث اليهودي في مصر. فوافقت السلطات المصرية على اقتراحه، شرط أن يقوم به مصريون، بإشراف هيئة الآثار المصرية، وقسم الآثار اليهودية بالهيئة، التي يرأسها النبوي سراج.

وأثناء عمليات التصنيف، وجدت هيئة الآثار عدداً من الكتب اليهودية، تسيء للإسلام ولنبيهم، فجرت مصادرتها من قبل الهيئة. بعد تنقية ما يزيد على 60 ألف كتاب، وانتهاء عمليات التصنيف والتنقية. أقام المركز الأكاديمي حفلاً لافتتاح مكتبة المعبد اليهودي (شاعار هاشامايم) أي بوابة السماء، والذي يقع في شارع عدلي بالقاهرة. وحضر الافتتاح في 24 كانون الأول 1989 شيمون بيريز، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية آنذاك.

وعلى أساس أن المكتبة خالية من الكتب كما جاء من قبل لجنة التنقية، التي تسيء للمسلمين وللرسول محمد عليه الصلاة والسلام، إلا أن ما جبل عليه الصهاينة من غدر وخداع ونقض للعهود، ظهر حتى في هذا الأمر، حين اكتشف، أن المركز الصهيوني قد أخفى عدداً من الكتب القذرة التي تسيء للإسلام وللنبي ولنساء المسلمين.

فقد استطاع المركز أن يغذي عدداً من الباحثين والدارسين المصريين، الذين زاروا مكتبات المعابد اليهودية بمصر بالمعلومات الكاذبة والمزورة عن الإسلام والمسلمين. ومنها كتاب جاء تحت عنوان (محمد.. قصة حياته وبداية ولادة الإسلام) لكاتب يهودي يدعى /الدكتور ش برينفلد/.

ما يتضمن هذا الكتاب من دس على رسول الله (ص)؟ هذا ما يجيب عنه الصحفي توحيد مجدي بقوله: (.. وهو من 152 صفحة اشتملت على عشرة فصول. وهي على التوالي محمد قبل أن يكون نبياً –محمد كنبي- محمد قبل هروبه للمدينة- محمد يعقد صلحاً مع أهل يثرب- الأيام الأولى- التآمر ضد محمد- طرد بني قريظة- آخر يهود خيبر، واحتلال مكة- أيام محمد الأخيرة ودين الإسلام. ومن الصفحة الثانية نقرأ ازدراء اليهود للإسلام، والهجوم على الإسلام وتشويهه.

يقول المؤلف اليهودي كذباً: "تقريباً كل أسس الديانة الإسلامية، أخذت من اليهودية، بداية من الأيام إلى الأفكار، وحتى قصص القرآن مأخوذة من التوراة. وقصص محمد كان قد سمعها من أفواه اليهود، أو من أناس كان لهم جدال وحديث مع اليهود، الذين تعلم منهم، وتأثر بهم، وتأثرت ديانته. ويتهم المؤلف الإسلام في الفصل الأول بأنه دين التطرف على حد زعمه، وأن العرب كانوا يعيشون في هدوء قبل ظهوره، ثم يبدأ في عمليات لغوية مغلوطة، لإثبات أن الإسلام أخذ معانيه الدينية من اليهودية. ثم ينفي المؤلف اسم محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعي أنه سمى نفسه كنبي باسم محمد، لكن اسمه كان على حد تعبير المؤلف (كثيب)(1)...).

من خلال الرواية التي يوردها الصحفي المصري توحيدي مجدي، يظهر إلى أي مدى بلغ الكذب والتزوير التاريخي للحقائق الدينية، بين ما جاء به الإسلام، وما هو بين أيدي اليهود من كتب دينية مزورة.!! فلا تشابه، ولا تطابق بين القصص القرآني، وحكايات الكذب اليهودي. فالله عز وجل في القرآن المطلق والمنزه عن الولد والمرأة والشهوات. فالخالق لدى الإسلام غير المخلوق، كالفرق بين المنضدة والنجار (من غير تشبيه للعزة الإلهية). في حين إله اليهود يكذب، ويشتهي، ويفعل حتى الموبقات، وكذلك يفعل كافة أنبيائهم من فواحش وموبقات، ترفضها حتى الحيوانات. في حين الأنبياء من بني إسرائيل عند الإسلام موضع قداسة، وطهارة، ولديهم العصمة البدنية والروحية، وهذا ما يبين كذب، هذا الدعي الأفاق. ومن أين جاء باسم كثيب لمحمد عليه الصلاة والسلام!؟. وكل كتب التاريخ المتواترة لا يعرف للرسول الأعظم، إلا اسم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آله الكرام.

ويكتب الصحفي المصري توحيد مجدي عن فصول الكتاب، التي تظهر التزوير والكذب والتشهير، بحق النبي صلى الله عليه وسلم، والإسلام، ونساء النبي. فيروي الكاتب اليهودي الصهيوني حول زواج الرسول عليه الصلاة والسلام من السيدة خديجة رضي الله عنها، بقالب من الدس التاريخي، والكذب الواضح، فيدعي أنها سقت والدها خمراً، ولما سكر، وافق على زواجها من الرسول. وهذا كذب واضح لمن يقرأ التاريخ، أو من درسه، ومن باحثي المرحلة التاريخية التي جرى فيها زواج الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى آله الكرام من السيدة خديجة. فأصلاً حين تزوجت، لم يكن والدها حياً، وكانت من أنبل نساء قريش خلقاً وسلوكاً وعظمة، والرسول كان سلوكه الأخلاقي مركز الاحترام من قبل سادة قريش، وإلا كيف ارتضوا به ليرفع بيديه الشريفتين الحجر الأسود، حين وصفوه بالصادق الأمين. فكل الوقائع التاريخية تشهد على الدس الرخيص والفاسق بحق رسول الإسلام.

ومن الأكاذيب التي يسوقها مؤلف الكتاب قوله إن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، كان مصاباً بالصداع الدائم، وأنه يقع مغشياً عليه مثل المرضى بالصرع. وأنه عندما يفيق، يروي لأصحابه عن رؤياه، التي شاهدها وهو في حالة الغشيان. وهي كما يقول الكاذب تلك نبوءة محمد (ص). أليس هذا تسويقاً كاذباً؟ وهو المعروف بالصادق الأمين قبل البعثة، ومستودع أموال أهل مكة لأمانته، كان على هذا حاله قبل بعثته ونبوته. فلو كان على ما يقول هذا الكذوب، لما وصفه أعداؤه من أهل قريش بالصفات، التي تشير إليها معظم كتب التاريخ بصدقه وأمانته ورجاحة عقله، وأنه اختير ليحكم ما بين القبائل، التي اختلفت على الحجر الأسود. وكافة المصادر التاريخية لم تذكر مطلقاً أنه يعاني من مرض، وهل كان الصحابة من الغباء، أن يؤمنوا به وهو المصاب بالصرع؟ وهل هم من الغباء أن يقبلوا قول من يستفيق من غيبوبة الصرع، بأن الوحي قد جاءه؟ وهل هم من الجهل المطلق بحيث لا يعرفون مريض الصرع حتى يصدقوا ما يقول؟ وهم الذين أسقطوا امبراطوريتي فارس والروم، وشهد لهم العالم بالحكمة والعلم.

ويسوق الكتاب أكاذيب باطلة أخرى، تتناول العقيدة الإسلامية، وغزوات الرسول عليه الصلاة والسلام، وحروبه مع قريش والمنافقين واليهود، في سرد من الكذب، ولا يتورع من النيل من نساء النبي عليهن السلام. ويتهم الرسول بطرده لبني قريظة دون أي اتهام، وأنهم لم يرتكبوا أية جريمة، مزوراً كل الحقائق التاريخية على غدرهم وكذبهم.

وفي نهاية الكتاب بعد أن يتهم الإسلام بالإرهاب منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام. يدعو المؤلف، والذي كتب في عام 1899 إلى قتل مسلمي أوروبا، لأنهم على حد قوله بقايا الفتوحات الإسلامية، وأن الإرهاب والقتل قابع في قلوبهم تجاه أوروبا(2). ومن هنا على الدارس للأحداث الجارية، أن يرى أن ما يلحق بالمسلمين في أوروبا، ماهو إلا نتيجة تحريض وفتنة اليهود، تنفيذاً لوصايا كثيرة ضد الإسلام والمسلمين. وأشرنا إلى تحريض تنتياهو في كتابه الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية، لشن حرب على المسلمين في أوروبا وأمريكا.

¾

(1)توحيدي مجدي- روز اليوسف- 3604- 7/7/1997.

(2)المصدر السابق.              ¾¡¾



  

الفصل الثامن:
مركز أكاديمي. أم وكر للجواسيس؟

 

 

تقرير خطير هام نشرته مجلة روز اليوسف المصرية عن الدور التجسسي، الذي يقوم به المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة، وهو إحدى ثمرات السلام بين مصر والكيان الصهيوني. فقد تم إنشاء هذا المركز في 25 شباط /فبراير/ عام 1982، وخلال مدة وجوده، استطاع أن يحصل على معلومات هامة عن المجتمع العربي المصري، في مكوناته الداخلية واتجاهاته الدينية والاجتماعية والفكرية وغيرها.

وتذكر المجلة أن السلطات المصرية، قد ألقت القبض على أحد الجواسيس الصهاينة، من العاملين في المركز المذكور، في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني عام 1996. وبينت أن الاتفاق الذي جرى ما بين الكيان الصهيوني والحكومة المصرية، لإحداث المركز المذكور، يقتضي بأن يقدم المركز إلى وزارة الثقافة ووزارة التعليم العالي المصريتين تقريراً نصف سنوي عن عمل المركز وأبحاثه، التي قام بها، إلا أن المركز لا يقدم إلا تقارير صورية فقط. وقد اختفى من المركز المذكور ملف بني اللون، كان يخص مدير المركز يوسف جينات. اتضح أن فيه عشرات من خطابات ومراسلات مع المصريين هدفها جمع معلومات عن مصر(2).

وأشار صاحب التقرير الصحفي /توحيد مجدي/، وهو من الصحفيين العاملين في المجلة، ومن الذين تابعوا بجد مفاعيل السلام الصهيوني المزيف مع مصر وغيرها، ويستحق كل الاحترام والتقدير كما أشرنا من قبل، من كل عربي غيور على أمته. فقد بين أن ما كان داخل هذا الملف المضيع، كان خطيراً على الأمن القومي المصري والعربي.

ويعطي الصحفي نماذج مما كان يحتوي هذا الملف. ونورد منها التالي، يقول: (.. إن ما فقد مدير المركز الصهيوني بلغ /95/ خطاباً موجهاً إلى /12/ شخصاً، منهم سبعة موزعون على محافظات الإسكندرية، أسيوط، الشرقية، السويس، المينا، الإسماعيلية. والباقي طبعاً في القاهرة. وتطلب الرسائل الموجهة لهؤلاء الأشخاص معلومات، ليس عن مصر وحدها، بل عن بلدان عربية مثل السعودية والعراق والأردن وليبيا)(2). ويقدم المركز لكل باحث من هؤلاء مبلغ ألف دولار ثمناً للمعلومات التي سيقدمها. أما عن نوعية المعلومات المطلوبة، التي تتم باسم البحث العلمي والأكاديمي، فيتبين ما يلي:

*(جاء في رسالة موجهة إلى شخص في الإسكندرية اسمه .ح.ع بتاريخ 30/ يناير –كانون الأول- 1987. حسب ما ورد في المجلة ما يلي (تحية طيبة وبعد. سعدت جداً بالتعامل معك وبمعرفتك، وحقاً أنك باحث كبير. ونظراً للخبرة التي اكتسبتها من خلال تجاربك الكثيرة معي. فأنا الآن مطمئن على سير العمل معك. وعلى حسن تصرفك في كل الظروف. وبعد أن تعرفت على البرفسور /اشير عوفاديا/ تأكد أنه رجل علم. يحب مساعدة الباحثين والأبحاث العلمية مثلي تماماً. وتأكد من عدم وجود أي تغيير في طريقة التعامل. بل ربما يكون أفضل مني شخصياً. وهو بالطبع يقدر المجهود المبذول في الأبحاث المطلوبة. ولذا فكلي أمل في أن تكون مخلصاً له، مثلما كنت مخلصاً لي. أرسل إليكم الآن مكافأة مني شخصياً، على حسن تعاونك معي في الفترة الماضية، مع تمنياتي لك بالنجاح والتوفيق في التعاون مع د.اشير عوفاديا المدير الجديد)(3). وبتوقيع مدير المركز /جابي واربورغ/، وهو ثاني مدير للمركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة.

*ومن الرسائل التي أرسلت إلى من يسمى /ح.ع./، كما تشير مجلة روز اليوسف المصرية، نرى رسائل تجسس، وليس من أجل خدمة بحث أكاديمي، كما هو مفروض لوجود مثل هذا المركز.

*ولنرى ما تريد تلك الرسائل من هذا الباحث، رسالة في 5-1-1989 تقول: (تحية جميلة إلى الأخ /ح/ الكريم. لا أطيل عليك الحديث. فكنت معي البارحة.. أرجوك أن ترسل إلي برنامج الجماعات الدينية المختلفة. وتطورات الأمور بينها وبين الحكم). ويكتب ملاحظة تقول: (انتبه لطريقتك في إخراج المعلومة هذه المرة. فنحن لا ندري ما سوف يكون لو حدث خطأ كالسابق + نرجو السرعة)(4).

*من يقرأ تلك الرسالة، حتى وإن كان غبياً، فإنه سيقول إنها من جهاز أمني إلى جاسوس. ولنتابع قراءة عدد من الرسائل، التي توردها المجلة المصرية للجاسوس (ح) عميل المركز الأكاديمي الصهيوني. في رسالة مؤرخة في 30-5-1989، يطلب منه مدير المركز ما يلي (بعد التحية.. لقد سمعت في الفترة الأخيرة عن مظاهرات طلابية ضد إسرائيل تضامناً مع الانتفاضة الفلسطينية.. أرجو منك شرح هذا الموضوع. تفصيلياً. ولك مني كل التقدير.. التوقيع /أشير عوفوديا/).

*الأول كان عن الجماعات الدينية. أما الثاني فكان موضوعاً سياسياً، يبحث في التنظيمات الطلابية المعادية للكيان الصهيوني. والمساندة لقضية الشعب العربي الفلسطيني وانتفاضته الباسلة.

*وتأتي بقية الرسائل على نفس النمط، لسبر كل الإشكاليات في المجتمع المصري. ففي رسالة للباحث العميل بتاريخ 26-9-1989 يطلب منه بحثاً شاملاً عن مشكلة الإسكان، والزحام في الإسكندرية، خلال الثلاث سنوات الماضية.

*وفي رسالة مؤرخة بتاريخ 29-10-1989 يطلب منه بحثاً عن: (مدى تأثير مشكلة الريان على المجتمع في الإسكندرية. وما هي التوقعات المحتملة الحدوث؟ إن لم تحل تلك المسألة. وتعود الأموال إلى أصحابها.مهم جداً السرعة مع الحرص الشديد في إلقاء السؤال) ويطلب منه في رسالة مؤرخة في
31-12-1989 إرسال بحث عن (انتشار المخدرات والسموم البيضاء بين الشباب في الإسكندرية. وهل نجح رجل الأمين تبعكم من الحد من انتشارها بين الطبقة الراقية في مدينتكم) ويطلب منه الحذر والسرعة مع سرعة البديهة طبعاً.

*أما ما يلفت الانتباه هو مقدمة الرسالة المذكورة، والمرسلة من مدير المركز /يوسف جينات/، والتي بدأت بقوله: (السلام عليكم. شكراً شكراً جداً على بحثك الغني بالمعلومات. ولن أسألك طبعاً كيف حصلت على هذه البيانات الهامة). فهي تظهر فرح مدير المركز، بما حصل عليه من معلومات ثمينة، تخدم مركزه التجسسي.

*ومن الرسائل التي تؤكد أن هذا المركز، وكر تجسسي صهيوني، ما أرسل إلى باحث عميل في أسيوط. ويدعى كما أسمته المجلة المصرية بحرفية (ز.س) الرسالة المؤرخة في 30-1-1987، يطلب من المدير المنقول /جابي واربورج/، أن يعرف على المدير الجديد /اشير عوفاديا/.

*وتذكر المجلة أن رسائل مشابهة، أرسلت إلى عدد من المتعاملين مع المركز المذكور، تطلب التعرف على المدير الجديد. أما رسالة المدير الجديد للباحث (ز.س) بتاريخ 17-1-1989 يقول له فيها التالي: (تحية طبية.. أرجو منكم عمل بحث شامل وسريع، عن حركة الأمن في محافظتكم. وحركة التيار الديني. ورأي الجماعات الدينية بالوزير السابق. والموضوع عندكم +نرجو السرعة لا يوجد وقت للتأخير). ولا نحتاج إلى تعليق لتبيان هل هذا بحث علمي أم تجسسي.

*وفي 27-2-1989 يطلب من الباحث (ز.س) طلباً يظهر أن باحثه عميل رسمي، يقوم بالتجسس على وطنه، فبدل أن يطلب منه تقديم بحث، يطلب منه تقريراً. وهذا لا يكون إلا للعميل. فيقول في رسالته (تحية طيبة.. الأمر لم يتضح بعد.. تقريرك. لم أفهم منه شيئاً. أرجو إعادة كتابة التقرير مع التوضيح أكثر. وبسرعة. ومع الشكر).

*ثم في 20-4-1989. يعود إلى الطلب منه بتقديم تقرير عن الجماعات الدينية، والشرطة في أسيوط. والمعروف لدى القراء الكرام، أن منطقة أسيوط في تلك الفترة، تعيش حالة من المواجهات الدامية بين الجماعات الدينية والأجهزة الأمنية المصرية. وكانت المواجهات بين تلك الجماعات والشرطة أشبه بحرب يومية، يتساقط فيها العديد من القتلى من الطرفين. فيطلب مدير المركز الأكاديمي الصهيوني اشير عوفاديا من العميل. التالي. حسب نص الرسالة (تحية طيبة.. سعدت كثيراً من نشاطك غير العادي في الأيام الأخيرة.. من فضلك أرسل تفصيلاً شاملاً، بكل الأحداث والتطورات بين الجماعات الدينية والشرطة في محافظتك في الآونة الأخيرة.. مهم جداً السرعة). وفي
11-6-1989 يعيد الطلب منه، لإجراء بحث شامل عن حركة التطورات الدينية في محافظة أسيوط /محافظة العميل/. وفي 15 تموز 1989 يطلب منه أيضاً حسب ما جاء في الرسالة: (أن يفسر للمركز الحوادث الدامية بين الجماعات الدينية، وأفراد الشرطة المصرية في أسيوط. ومدى كراهية أهل أسيوط لقوات الأمن). وقبل أن ينهي عوفاديا خطابه يخبره بأن حقه سيصل كالمعتاد. وأعلمه بأن إدارة المركز على وشك التغيير.

*ومن أعمال المركز التجسسية سبر الحالة النفسية للمجتمع وللأسرة المصرية. فيطلب مدير المركز من أحد عملاء المركز، في عدة رسائل حول هذه المواضيع. ففي رسالة مؤرخة يوم 25-10-1989 يطلب إعداد بحث عن (الأثر النفسي لدى الفتاة المصرية بعد عملية الطهارة المتبعة مع الفتيات في مصر).

*وآخر في 31-12- عن (ازدياد حالات المرض النفسي في المدينة في السنوات الأخيرة، بسبب مشاكل الحياة. وأهم الأسباب التي تؤدي إلى المرض عند الشباب الريفي).

*وفي 23-1-1990 عن (مشكلة ترك الفلاح المصري لأرضه. والسفر للدول البترولية العربية وتقلص مساحة الأرض المزروعة في محافظة الشرقية).

*وفي 24-5-1989 يطلب من عميل في السويس، جمع وإرسال نشرات جامعة قناة السويس العلمية، لعدم وجودها في الكيان الصهيوني. وفي 30-5-1989 يطلب منه تقريراً عن: (المظاهرات الطلابية التي حدثت في جامعة قناة السويس تأييداً للانتفاضة الفلسطينية. وتأثير هذه المظاهرات على الطالب العادي).

*ويطلب منه في 29-6-1989 تقريراً عن تفشي ظاهرة المخدرات والسموم البيضاء في مجتمع السويس. وأن يحاول إحضار النشرات العلمية لكافة الكليات الموجودة في بور سعيد.

*وفي 30-9-1989 عليه أن يعد بحثاً عن عدد الوفيات بسبب الإدمان في مدن القناة المصرية. وأثر التجارة الحرة على ازدياد وتفاقم المشكلة.

*وفي 30-12-1989 يطلب بحثاً عن (مدى معرفة الشباب والطالب الجامعي من أبناء مدن القناة لتاريخ مصر الفرعوني القديم) ويعلمه أن أسئلة قد أعدها المركز في هذا الموضوع، ليلقيها على بعض الطلبة. ولكنه يحذره في نفس الوقت، عند إلقاء تلك الأسئلة، أن يتوخى الحذر الشديد. وهذا التحذير، يتكرر من قبل مدير المركز، لما يسمى بالباحثين المتعاونين مع المركز الصهيوني. وهو ما يبرهن أن المركز مركز تجسسي، وإلا لمَ الحذر، إن كان الأمر طبيعياً وعلمياً؟

*ورسالة إلى سيدة هذه المرة ويرمز لها، بمجلة روز اليوسف (م.ع). يبعثها مدير المركز يوسف جينات في 11-11-1989. يقول فيها: (لقد سعدت كثيراً للقائي معك في الإسكندرية. ولك مني كل الشكر على رغبتك الجميلة، للانضمام إلى الكادر الأكاديمي لنا في مصر. ولكن في البداية يجب أن تعلمي بصعوبة عملنا. وعلى ما يبدو لي أنك منغلقة جداً وخجولة. وأنت تعلمين مدى العلاقات والصداقات، التي سيكون عليك، تكوينها بين شباب الجامعة لديك. ولذلك يجب عليك إعادة حساباتك، فربما عدلت عن رأيك. وفي هذه الحالة لن يضرك أي شيء، وسنبقى أصدقاء. وإذا كنت مصممة. فعليك إرسال تقرير شامل عن حياتك. وأهلك. وعلاقاتك. وبالمناسبة لي سؤال محرج. وهو كيف ستتركين منزلكم لأوقات طويلة؟ وهل أنت بكر أم امرأة؟ ومشكلة الأهل كيف ستحلينها؟ أرجو أن تخبريني بكل السرعة. وعندئذ سأحدد لك كل التفاصيل. وأرجو منك أن تحددي لي موعداً قريباً للقائي معك. فمن الأفضل أن يكون حديثنا في لقاء. وليس على التلفون شكراً). يوسف جينات.

*هل تحتاج هذه الرسالة إلى تأكيد، بأن ما يقوم به مدير المركز لمصلحة العلم مع الباحثة، ولأجل  خدمة البحث الأكاديمي، كما وجد المركز لهذه الغاية. أم لتطبيق جاسوسة يتم تدريبها لعمل تجسسي ضد وطنها؟

*ولم يتوقف عمل المركز فقط على التجسس على الأوضاع السياسية والاجتماعية والسيكولوجية للشعب العربي المصري. بل أيضاً لسرقة آثاره وتاريخه. ففي رسالة مؤرخة 30-10-1989 لعميل ولص أثار في منطقة المنيا، يرمز إلى اسمه بأحرف هي /ع.ع/. يقول فيها يوسف جينات بعد استلامه إدارة المركز من سلفه: (يشرفني أن أخبرك باحترامي الشديد الذي أكنه لك. وكما حدثني الدكتور اشير عنك فأنت فعلاً العون الكبير لنا. لكي نستطيع جمع شتات آثارنا المفقودة. أما بالنسبة للمخطوطات الهامة التي تملكها. فأنا مستعد كل الاستعداد لشرائها فوراً. هذا وسيصلك بعد غد الأربعاء 1 نوفمبر خبير في هذه المخطوطات. ويمكنك عندئذ إخباره بالثمن الذي يناسبك. ولا تقلق على طريقة التصرف في خروج هذه المخطوطات)(5).

 

¾

 

*(1)انظر توحيدي مجدي- روز اليوسف- العدد 3573- 2/12/1996.

*(2)المصدر السابق..

*(3)المصدر السابق.

*(4)المصدر السابق.

*(5)المصدر السابق.

¾¡¾

 

الفصل التاسع.:
ومركز للتجسس على البلدان العربية أيضاً.

  

*لم يقتصر عمل المركز الأكاديمي الصهيوني فقط على مصر، في شراء الجواسيس، والذمم والعملاء ولصوص الآثار والشعوب. بل امتدت أصابعه القذرة لزرع عملاء له في عدد من البلدان العربية للتجسس عليها. فنشرت روز اليوسف في عددها /3573/ تاريخ 2-12-1996، عدداً من الرسائل الموجهة من عملاء في بعض البلدان العربية إلى المركز الصهيوني الأكاديمي، وقد تم زرعهم في أوطانهم، ليتجسسوا لصالح الكيان الصهيوني عن طريق المركز المذكور.

*ونذكر هنا أحد العملاء الذين تم زرعهم في السعودية، وكما تقول المجلة، بأنه أرسل خمسة خطابات في عام 1989. وأن مدير المركز يوسف جينات، أرسل له رسالة في 30-9-1989 يقول فيها: (لقد سعدت كثيراً بالتعرف عليك، من خلال ملفك الكبير الحافل بالأبحاث. وطبقاً لحديثنا التلفوني فلسوف نكون عند حسن ظنك. وسيسعدني العمل معك خلال الفترة القادمة. وهذه المرة نرجو منك كتابة بحث عن (متوسط مرتبات العاملين المصريين بالسعودية، خلال العامين الماضيين بالتفصيل الدقيق).

*وفي 28-10-1989 يرسل جينات للعميل في السعودية، أن يقدم تقريراً عن (الترابط بين المصري وصديقه المصري أثناء العمل في الدول العربية). والغريب في الطلب هذه المرة، بأنه يطلب منه إرسال التقرير إلى إسرائيل.

*وفي 30-12-1989 يطلب مدير المركز منه تقريراً آخر، على أن يتضمن (نظرة المصري العامل بالسعودية إلى مصر، أثناء فترة إعارته. ورأيه الأوضاع السياسية لبلده كنظرة من الخارج). ويطلب منه تقريراً آخر 15-1-1989. حول موضوع المناطق، التي يتركز فيها المصريون. وأماكن تركز العمالة المصرية في السعودية. مع ذكر الأعمال الهامة التي يقوم بها المصريون بالسعودية.

*وينتقل تجسس المركز الأكاديمي الصهيوني أيضاً إلى الأردن، بعد أن يزرع عميلاً هناك. وترمز إليه مجلة روز اليوسف بحرفي /ع.ع/. ومن خلال الرسائل التي حصلت عليها المجلة، تظهر لنا المهام التجسسية، التي كلف بها العميل في الأردن، للقيام بها لصالح المركز التجسسي وهي:

*فقد كلف في 1-1-1989 أن يرسل لهم نشرات الجامعة الأردنية. العلمية والنظرية لكافة الكليات. ثم يكلف في 1-5-1989 أن يعد تقريراً حول الترابط بين الشعب الفلسطيني خارج إسرائيل. والتعاون الذي يتم بين أبناء هذا الشعب في أوجه الحياة المختلفة. ويكلف في 13-6-1989 أن يرسل تقريراً عن تحركات المجموعات الفلسطينية الموجودة في الأردن، وعن أفكارهم في العودة إلى إسرائيل. وهل بلغ بهم اليأس مبلغه؟ أم ما زال لديهم أمل؟

*وعن العمالة المصرية المتواجدة في الأردن، وتم إرسال عدة طلبات للعميل في الأردن، ففي الرسالة المؤرخة 27-9-1989 يطلب منه تقريراً دقيقاً عن العمالة المصرية، التي تعمل في المجالات الهامة والحيوية في الأردن، مع الشرح الدقيق. وفي 26-10-1989 عن أماكن تمركزها. ومدى تحقق المساواة بين العمالة المصرية والعمالات الأخرى في الأجور المدفوعة خلال عامي 1987 و 1988. وفي 24- 11-1989 يطلب منه تقريراً عن مشكلة العمالة المصرية في الأردن، وكيفية الحل الأردني لها؟ وتقرير خبيث طلب فيه عن نظرة العامل المصري لوطنه أثناء عمله في الأردن.

 



 

 

 

 

 

*الفصل العاشر
*والمركز التجسسي يمتد إلى العراق وليبيا.

 

*كما في الأردن، تم زرع عميل في العراق لصالح المركز الأكاديمي التجسسي في مصر. وتشير إلى اسمه مجلة روز اليوسف المصرية(1) بحرفين /ط.ح/. ولكن التقارير المطلوبة من العميل، تتركز هنا على الأوضاع السياسية والعسكرية. فيطلب من العميل في 31-12-1989، أن يقدم تقريراً عن الحرب النفسية الدائرة بين العراق وإسرائيل. وأثر هذه الحرب على الإنسان العراقي البسيط.

*وفي 20-1-1990 يرسل مدير المركز يوسف جينات إلى العميل المذكور رسالة، يقول فيها: (لا أستطيع حقاً إيفاءك حقك. ولكن لك مفاجأة سارة. نريد منك كتابة بحث أكاديمي عن نظرة العامل المصري لمصر، أثناء فترة عمله في العراق. مع بحث الظروف الخفية التي أدت إلى تطوع بعض المصريين في الجيش العراقي. في حربه ضد إيران.) وتذكر المجلة، أن جينات طلب من عميله، أن يكون حريصاً جداً في طرح أسئلة البحث المطلوبة.

*ويكشف جينات حقيقة دور هذا المركز بأنه وكر جواسيس، حين يرسل إلى عميله رسالة في 10-2-1990 يقول فيها: (.. لقد أرسلت إليك تقريرنا الفائق والخاص. وابعث إليك بتحيات رجال سفارة إسرائيل في القاهرة. كما نرجو منك التزام الحرص هذه الأيام. ولا تخف. فأبحاثك تسافر إلى إسرائيل في نفس يوم وصولها إلى القاهرة. واكتب لنا بحثاً عن موقف الشعب العراقي من مجلس التعاون العربي، بالشرح الدقيق، عن قبول هذا الاتحاد عند رجل الشارع البسيط). لا تعليق طبعاً فالرسالة تكشف أن هذا المركز يخدم عمليات التجسس الصهيوني. ولكن لنتعرف من خلال ما نشرته مجلة روز اليوسف عن هذا المركز ولبلد عربي آخر.

*المركز الأكاديمي الصهيوني يمتد إلى ليبيا.

*استطاع المركز التجسسي في القاهرة، أن يجند أحد العاملين في جامعة بنغازي. ويبدو من المهام التي كلف بها، بأنه إما من المصريين العاملين في ليبيا، حيث أن عدداً من الرسائل، تطلب من العميل سبر العمالة المصرية، وردة فعلها تجاه بعض القضايا الاجتماعية والسياسية. وهذا لا يتوفر إلا من كان قريباً منها. أو ليبياً قريب من العمال المصريين.

*فقد جاء في رسالة صادرة من مدير المركز إلى الجاسوس في 17-1-1989، يطلب منه إرسال أسماء كل المدرسين العاملين في جامعة بنغازي، مع كتابة الأقسام التي يعملون بها. ورسالة أخرى في 30-3-1989 يطلب منه إرسال نشرات جامعة بنغازي.

*ورسالة في 12-5-1989 ينتقل التكليف إلى مستوى آخر، حيث يطلب منه إرسال تقرير عن تذمر الرأي العام الليبي من حكومته. ويرد على طلب سابق للعميل بإرسال أحد العاملين في المركز إلى ليبيا، بأن الأمر في هذه الأيام متعذر وصول أحد من المركز. وأنه سيرسل إليه المطلوب في أقرب فرصة.

*وبعد وصول يوسف جينات إلى القاهرة، لاستلام إدارة المركز، تظهر طلبات الأخير تتركز على العمالة الليبية، وتأثرها بالأحداث الجارية بين مصر وليبيا، بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين. وأن يسبر ردود أفعال العمال المصريين هناك. والتركيز على العلاقة بين الفرد الليبي العامل العادي، والمنافس له العامل المصري.

*وفي رسالة مؤرخة في 20-9-1989 يطلب منه تقديم تقرير عن نظرة الإنسان الليبي العادي تجاه العامل المصري (الدخيل عليه). حيث يعتبر جينات أن العامل المصري دخيل، متغاضياً عمداً أن المصري هو شقيق الليبي. وفي 27-10-1989 يطلب منه إرسال تقرير عن (تمسك العامل المصري بالعادات والتقاليد المصرية أثناء وجوده في ليبيا).

*وفي 24-11-1989 يطلب منه تقريراً عن (مدى تأثر الإنسان الليبي العادي بعودة تطبيع العلاقات المصرية الليبية. ودور العمالة المصرية في تقوية هذه العلاقات) وفي 15-1-1989 يطلب مدير المركز من العميل إعداد بحث عن (دور وسائل الإعلام الليبية في تقوية العلاقات بين مصر وليبيا في بداية عام 1990م).

¾

*(1)انظر مجلة روز اليوسف- العدد 3573- 2/12/1996.

¾¡¾



 

 

 

 

 

الفصل الحادي عشر.:
المركز التجسسي ودعاة التطبيع

 

*كتب وائل عبد الفتاح تحقيقاً في مجلة روز اليوسف عام 1996(1). كشف فيه المهام القذرة التجسسية التي يمارسها المركز الأكاديمي الصهيوني في مصر الحبيبة. ومدى العلاقات الحميمة بين هذا المركز ودعاة التطبيع، من الذين سقطوا في المستنقع الصهيوني، ولا أريد أن أتحدث أكثر عن الشواهد، التي يقدمها كاتب التحقيق في المجلة المذكورة.

*أولاً –رسالة من يوسف جينات مدير المركز الصهيوني، إلى أحد رموز دعاة التطبيع هو الدكتور عبد العظيم رمضان عام 1990، فيبدأ بوصفه (بالصديق العزيز). ومن باب الصداقة طبعاً، يطلب جينات من صديقه العزيز رمضان التالي: (أن تساعدنا في مواجهة هجمات صحافة الأحزاب السوداء في مصر. كما وعدتنا في آخر لقاء معنا)(2).

*وتحدد رسالة جينات ماهي المهمة المطلوبة من الصديق العزيز، وهذه المهمة كما جاءت حرفياً من جينات فبين مكان العمل: (إن هناك جريدة حزبية جديدة (الشعب أو مصر الفتاة)، تعد الآن لحملة ضدنا. نخشى من آثارها السلبية على الرأي العام لدى المتعاملين معنا). وثم يحدد طريقة العمل المطلوبة منه، كما يرجو المركز الأكاديمي الإسرائيلي من شخصية بحجم الدكتور عبد العظيم رمضان.. ويقول بالنص (.. لذا نرجو منكم استغلال، كل ماهو متاح، لأجل تحييد تلك الأقلام المسمومة، التي تعمل جاهدة على تقويض صرحنا العظيم في مصر)(3).

*أليس هذا تجنيداً صهيونياً لأحد زعماء دعاة التطبيع الصهيوني؟ وما هي المهمة؟ الدفاع عن وكر الجواسيس!!

*إن زعماء التطبيع، ورسله، ودعاته، قد غرقوا في أوحال التجسس تحت اسم التطبيع، سواء بعلمهم أو بعدم علمهم. ويكفي أن نشير إلى هذه الرسالة الواضحة، لنبين إلى أي مستوى وصل دعاة التطبيع. أليس من العار أن يكلف عبد العظيم رمضان من قبل مدير المركز التجسسي الصهيوني؟ ليدافع عن وكر الجواسيس، أمام الصحف الوطنية والقومية في مصر العروبة، التي كشفت خطورة هذا المركز التجسسي الصهيوني؟ ليدافع عن وكر الجواسيس، أمام الصحف الوطنية والقومية في مصر العروبة، التي كشفت خطورة هذا المركز على مصر والعرب وبلاد الإسلام الأخرى.

*وننتقل إلى رمز آخر من رموز التطبيع (الدكتور علي عبد الرحمن عطية)، أستاذ اللغة العربية في جامعة عين شمس. الذي يطلب من مدير المركز التجسسي الصهيوني عام 1987 (شيمون شامير)، وهو أول مدير لوكر الجواسيس، أن يمول أحد كتبه الجامعية، فيطلب الأستاذ عطية من مدير المركز، أن يموله بالمال ليطبع له كتابه. فيرسل شامير رسالة إلى الجامعة العبرية بالقدس، وإلى جامعات حيفا، وتل أبيب بتاريخ 10 كانون الأول 1987 يدعوها إلى جمع مبلغ /3500/ دولار، من أجل الدكتور عطية ليستطيع طبع كتابه(4).

*وهكذا نرى دور دعاة التطبيع مع العدو الصهيوني. فيتم استغلال عبد العظيم رمضان، ليكون أداة بيد وكر التجسس، ليتصدى للقوى الوطنية والقومية وصحافتها المناضلة. التي قامت بتعرية المركز الأكاديمي الصهيوني التجسسي وفضح دوره المخرب. وغيره من البؤر الصهيونية السرطانية في أرض مصر الكنانة. وتكشف زيف التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي يعمل باستمرار لتحقيق المشروع الصهيوني، المدمر لوجودنا ومشروعنا القومي العربي التحرري.

*أما الدكتور عطية يطلب بلا حياء تمويلاً مادياً لكتابه. والله أعلم قد يطلب مالاً لبيت أو سيارة.. أو غير ذلك. والمركز التجسسي كما تقول المجلة المصرية، وضع قائمة تصل إلى أكثر من /70/ اسماً من زعماء ورموز التطبيع. لدعوتهم إليه، إلى ما يسمى بالاستماع إلى المحاضرات، التي تلقى فيه، ومن بين هؤلاء كما تقول المجلة. الدكتور محمد شعلان وأنيس منصور. الدكتور عبد العظيم رمضان. المستشار سعيد العشماوي.

ومن الغريب أن المركز التجسسي الصهيوني، قد استأجر من الفنانة المصرية /ماجدة/ شقتها في شارع النيل بالجيزة، وحولها مقراً له. وأن الجمهور العربي في كل مكان أحب تلك الفنانة، ووضعها موضع التقدير والاحترام من خلال أفلامها العظيمة، وفي مقدمتها فلم /جميلة بو حيرد/ إلا أنه أصيب بالصدمة، لسقوط هذه الفنانة الكبيرة أمام حفنة من المال. ولكنها لم تحسب، بأنها سوف تخسر جمهورها وأحباءها، وهي في نهاية عمرها. وتشير المعلومات الصحفية عن أسباب اختيار المركز لبيتها، تعود إلى الفنانة ماجدة، وهذا اسمها الفني، أما الحقيقي (عفاف علي كامل الصباحي)، بأنها درست في طفولتها في مدرسة يهودية في القاهرة، تدعى مدرسة /حابيس/، وأول ما قرأته التوراة، وإنها ذكرت في كتاب (عصير حياتهم) بأنها كانت ترطن بالعبرية كل صباح.

وعلى ذمة جريدة العربي المصرية، بأنها اعتادت أن تؤدي طقوس صلاة اليهود بالعبرية. وأنها مغرمة باليهود، ففي شقتها المستأجرة من قبل المركز التجسسي، تجد أن المصابيح الكهربائية والثريات والنجف تحمل شكل نجمة داود. (كما ورد في عقد الإيجار). ولدى مواجهة أحد الصحفيين المصريين لماجدة بنسخة العقد، ثارت ثائرتها بطريقة هستيرية وقالت: (أيوه.. أنا باتعامل مع اليهود، وها تعامل مع اليهود.. مش حايهمني حاجه.. خلاص)(5).

 

¾

 

(1)-وائل عبد الفتاح- روز اليوسف- العدد 3535- 11/3/1996.

(2)-المصدر السابق.

(3)-المصدر السابق.

(4)-المصدر السابق.

(5)-مجلة فتح الفلسطينية- العدد 443-24-7-1999، ص38.

 

 

¾¡¾

 

الفصل الثاني عشر:
الموساد بين زرع الجواسيس والتخريب

  

رغم وجود سفارة صهيونية في القاهرة، التي زرعت بأعضاء الأجهزة التجسسية الصهيونية، منذ أول يوم لوجودها، كما أشرنا من قبل، وأيضاً وجود مركز للتجسس العلمي والاقتصادي والاجتماعي، تحت اسم المركز الأكاديمي الإسرائيلي. إلا إن كل ذلك، لم يكن كافياً في نظر الكيان الصهيوني، للتجسس والتخريب في مصر، ومن ثم البلاد العربية. فلا بد من زرع جواسيس مباشرين داخل مصر، وإدخال رجال الموساد الصهيوني إليها، تحت حجج السياحة والتجارة وغيرها، وخير دليل فضيحة الجاسوس عماد عزام.

ومن أشكال التجسس التي يقوم بها رجال الموساد، هي الزيارات التي تتم باسم إبرام عقود تجارية، أو من أجل السياحية. نذكر من تلك الأشكال الجاسوسية، ما كان يقوم بها /يعقوب نمرودي/ رجل الأعمال الصهيوني، وهو عقيد سابق في جهاز الموساد الصهيوني، حيث يجري الصفقات مع مصريين وعرب، للقيام بمشاريع وخاصة العسكرية. ونذكر أنه زار مصر في تشرين الأول عام 1994، حيث التقى فيها بصديقه وشريكه في الأعمال المشبوهة الملياردير السعودي عدنان خاشقجي، وكان غاية هذا اللقاء، كما ذكرت الصحف المصرية آنذاك، أنها للاتفاق على بعض الأعمال المشتركة مع الخاشقجي، وخاصة في مجال التقنية الحديثة المستخدمة في الصناعات العسكرية(1). والتقنية طبعاً للتصنت.

ومن المعروف أنه في نهاية تشرين الأول 1994. عقد مؤتمر المغرب الاقتصادي، الذي يستهدف إقامة مشاريع اقتصادية مشتركة بين العرب والكيان الصهيوني. وفي هذا المؤتمر كانت أولى الصفقات التي تمت من هذا النوع، ما قام به الخاشقجي الصديق الحميم للصهيونية، وقبل اتفاقات التسوية، وزيارة السادات. حيث أعلن عن مشروع مشترك له مع الصهاينة، يقضي بإنشاء شبكة معلومات تجارية، ومجلة اقتصادية، مركزها الكيان الصهيوني، وأسماها الخاشقجي /تلغراف/. واستثمر في المشروع مبلغ /600/ ألف دولار.

وهدف المشروع المعلن، هو جمع المعلومات التجارية والاقتصادية عن كل دول المنطقة، وعن المشاريع التي ستقام، وعن رجال الأعمال الذين سيقومون بها. تجسس تجاري واقتصادي واضح على العرب ودول المنطقة جميعاً، يقام بمال رجل يدعي أنه عربي. ومن خلاله يستطيع الكيان الصهيوني، أن يعرف ما يجري في الوسط العربي والمحلي. ولا غرابة أن الخاشقجي صاحب الفضائح العديدة من فضيحة لوكهيد، وتهريب يهود الفلاشا إلى الكيان الصهيوني، وسفر الحجاج الليبيين إلى القدس المحتلة، وغيرها من الفضائح التي لا يخجل منها.

وهو يعتبر الوجود الصهيوني مشروعاً، بل أن الصهاينة شركاء العرب، وقدموا لهم خدمات أكثر من 500 عام!!

انظر ما يقول في مقابلة لـه مع أحد الصحفيين عن الصراع العربي/ الصهيوني: (لا توجد مشكلة لنا معقدة مع اليهود.. لا تنس أن اليهود كانوا يعملون لحسابنا لأكثر من 500 سنة من أيام الحكم العربي الإسباني. وكان كل حكام العرب يثقون فيهم. إذن ليست لنا أزمة ثقة مع اليهود. ولازم ننظر إلى التاريخ كويس.. المشكلة إن واحداً أخذ شقة بجوارك، ثم بدأ يتوسع، ويأخذ حتة من الصالون بتاعك

وحتة أخرى من الشقة.. بالتأكيد هاتزعل. هذه هي المشكلة مع إسرائيل اللي جت، وقفزت على شقتنا لتأخذ من هنا شوية. ومن هنا شوية. هذا هو اللي أزعجنا.. هذه هي القضية ببساطة.)(2). هل أعجبك تحليل الخاشقجي؟. هذا ما يفكر به هؤلاء الذين سرقوا المال العربي، ووظفوه لصالح أعدائهم.

في أحد شوارع المهندسين في حي الجيزة بالقاهرة، أقيم مركز تجاري مصري إسرائيلي عام 1994، تشرف عليه إحدى الصهيونيات البارزات في حقل العمل التجاري الصهيوني، وهي (دبورا جناني إلعاد). بعد أن قدم لها شريكها رجل الأعمال المصري (م. الشناوي) مبلغاً من المال قدر بـ/2/ مليون دولار، مع طابقين لعرض البضاعة الصهيونية في بناء /مركز الشناوي الدولي/، تبلغ مساحة كل طابق /300/ متر مربع.

ولكن من هي دبورا هذه؟. إنها ليست سيدة أعمال صهيونية، بل شخصية صهيونية لعبت أدواراً هامة في الحياة السياسية في الكيان، فقد عملت مدة عشرين عاماً في مكاتب وزراء الحكومات الصهيونية المتعاقبة، على اختلاف ألوانها السياسية في داخل الكيان. وكان الوزراء يتغيرون، وهي وحدها لا تتغير، دليلاً على ثقة الأجهزة الأمنية العسكرية والسياسية الصهيونية بها. فكانت ناطقة باسم الوزير شيم طوق، والوزير شوستك وزيري الصحة. ثم عملت مع وزير المالية السابق /ايدور سارير/، ثم عملت معه في حكومة أخرى بصفة وزير سياحة. وعملت مع إسحاق رابين في عام 1971. وعملت متحدثة باسم زوجة رئيس الكيان الصهيوني إسحاق نافون. أسماها الصهاينة بالمرأة الحديدية، وأيضاً المرأة البلدوزر. تملك علاقات واسعة بالأوساط الحاكمة الصهيونية. وكلفت بعد اتفاقات كامب ديفيد، أن تقوم بالعمل في مصر تحت ستار التجارة. أما الشناوي فهو من أهم رجال الأعمال المصريين اللاهثين وراء الربح مع الكيان الصهيوني، وأول المطبعين مع الكيان الصهيوني، وقام بزيارته عدة مرات، وعقد عدة صفقات تجارية وصناعية، واجتمع مع وزراء ورجال أعمال.(3) ما هي مهمة هذه المرأة الصهيونية في مصر؟ ستكون حتماً اصطياد الكثير من رجال الأعمال الصناعيين والتجاريين من المصريين، لإقامة مشاريع مشتركة تصب في النهاية لصالح الكيان الصهيوني.

في أوائل شهر كانون أول عام 1995 أعلنت السلطات الصهيونية، أنها ستقوم بتشديد مراقبتها على أسطولها الجوي (العال)، خشية عمليات انتقامية ضد طائراتها، وركاب تلك الطائرات، وخاصة المسافرين إلى الكيان الصهيوني. وتحت ذريعة واهية، وهي خوفها أن يقوم أحد أنصال قاتل رابين باختطاف طائرة إسرائيلية، ويقوم بالمساومة معها، حول القاتل لإطلاق سراحه من السجن. ولهذه الأسباب أرسل جهاز /الشاباك/ المتخصص في مكافحة ما يسمى بالإرهاب، في سبعة ضباط من ذلك الجهاز إلى القاهرة برئاسة نقيب. وأقاموا في مطار القاهرة، بحجة تفتيش الركاب المسافرين إلى الكيان الصهيوني قبل صعودهم إلى الطائرة.(4) هل راقب الضباط الصهاينة فعلاً المسافرين بطائرات العال الصهيونية؟ أم راقبوا شيئاً آخر؟ هذا ما لا يعرفه إلا الشاباك الصهيوني.

*من قصص التجسس الصهيوني

أما الحديث عن التجسس والجواسيس، الذين تم استخدامهم من قبل الموساد، بعد التوقيع على اتفاقية التسوية بين الكيان الصهيوني ومصر، فإليكم حفنة صغيرة من أشكال التجسس الصهيوني طبعاً.

بعد أيام من التوقيع على اتفاقات كامب ديفيد، ألقت السلطات المصرية القبض على جاسوس مصري، تم تجنيده من قبل الموساد الصهيوني، ويحمل دكتوراه في العلاج الطبيعي، ويدعى (علي خليل عطيفي). وتبين للسلطات المصرية، أن شهادة الدكتوراه التي يحملها مزيفة. وقد تم تزويرها من قبل جهاز الموساد الصهيوني. وقدمت للسلطات المصرية على أنها صادرة من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أشيع وقتها، أنه كان يعالج الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعلاج طبيعي على شكل كريمات. وأن الموساد كلفه بوضع سم في الكريم، وخلال التدليل يتشربه الجسم ببطء مما يؤدي إلى موته، دون أن تشعر الأجهزة الأمنية المصرية بالمؤامرة.

وفي مطلع عام 1980 ألقت السلطات الأمنية المصرية القبض على  خمسة مصريين، تم تجنيدهم من قبل الموساد للتجسس على مصر، وهم، شاكر فاخوري وجمال حسين. وإبراهيم فهمي. ومحمد حمودة. ورجب عبد المعطي.

وفي نفس العام ألقت القبض على جاسوسين لصالح الموساد، هما: فتحي الفار. وهاشم سليمان عزت. وكانا مكلفين من قبل الموساد بالتجسس على الأحوال الحياتية والمنشآت في مصر.

وفي عام 1983 وقع الجاسوس سيد هاشم، الذي كان يقوم بنقل المعلومات للموساد، من خلال تنقلاته ما بين مصر واليمن ولبنان.

وفي العام 1985 ألقي القبض على الجاسوس عبد الحميد اللباد.

كما ألقت السلطات الأمنية في عام 1986 على شبكة جاسوسية، تضم عبد الحميد محمد صبح، وإبراهيم مصباح، وعوض موسى ثابت. كما ألقي القبض على ثلاث مصريات جندهن الموساد الصهيوني ما بين أعوام 1986و 1994و 1996.

وفي عام 1990 ألقي القبض على أول جاسوس يعمل لصالح الموساد من غير المصريين، وهو /وليم تشارلز/، الذي تم تسفيره إلى خارج مصر،دون أن تعرف الأسباب، التي أدت إلى تسفيره دون أن تتم محاكمته.

وفي نفس العام ألقي القبض على جاسوس، يحمل الجنسية الصهيونية يدعى (إبراهيم السواركة) مع رفيقه عوض زغرب.

 

وكان عام 1991 مثيراً، حين ألقت السلطات الأمنية القبض على مجموعة صغيرة، تضم الجاسوس الصهيوني فارس مصراتي وابنته فايقة وديفيد أوفيتس. وقد شن الكيان الصهيوني حملة سياسية وإعلامية هجومية على مصر، حتى أفرجت عنهم في العام التالي، تحت ضغوط العدو الصهيوني ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي عام 1992 اصطادت السلطات المصرية الجاسوس دومنيك نتوبي، والذي دخل مصر على أنه مراسل صحفي، يعمل لصالح إحدى الصحف الأمريكية. وكان يقوم بجمع المعلومات عن القدرات العسكرية المصرية. وقد قامت كل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بممارسة الضغط على السلطات المصرية لإطلاق سراحه.

*تهريب السلاح الصهيوني لإرهابيين.

ومن أبشع العمليات، التي كان يقوم بها الموساد الصهيوني، تهريب الأسلحة للمتطرفين المسلحين في صعيد مصر. في الوقت الذي كانوا يمارسون العمليات الإرهابية ضد المنشآت المصرية، ويمارسون القتل والترويع ضد الشعب العربي المصري. فقد ألقت السلطات المصرية في حزيران 1994 على الجاسوس الصهيوني (إسحق ديموند) وهو ضابط في جيش الكيان الصهيوني. وقد ألقي القبض عليه، وهو يحاول تهريب أجهزة تفجير إلى داخل مصر.

وفي تشرين الثاني من نفس العام، اصطادت السلطات الأمنية المصرية شبكة موسادية برئاسة الجنرال الصهيوني المتقاعد (بول مزراحي) وهي تحاول تهريب أسلحة للعصابات الإرهابية في الصعيد.

وما بين أعوام 1994 و 1996 عمل الموساد الصهيوني على تجنيد عدد من المصريين من العاملين سابقاً في القوات المسلحة، ليقوموا بالتجسس على القوات المسلحة المصرية. واستطاعت الأجهزة الأمنية المصرية إلقاء القبض عليهم، وكان من بينهم بحار تم تكليفه بالتجسس على المنشآت الهامة في الإسكندرية وتصوير تلك المنشآت. وعسكري آخر تم تجنيده من مدينة رفح. ورقيب بحري يدعى عثمان، كان يتجسس على البحرية المصرية، وكان ينقل المعلومات من خلال استخدام عملية الغطس، التي يتقنها من طابا إلى إيلات.

وألقي القبض على عسكري يدعى عبد الملك عبد المنعم حامد تم تجنيده، بعد تعاقده عام 1978. كما ألقي القبض على طبيب صهيوني كان يقوم بالتجسس في أيلول عام 1996.(5)

وفي نيسان (أبريل) 1998 كشف السفير المصري في تل أبيب محمد بسيوني، عن تقرير نصف سنوي، أعدته أجهزة المخابرات الإسرائيلية، حول القوى العسكرية المحيطة بالكيان الصهيوني، ومنها مصر، والذي يناقش من قبل مجلس الوزراء المصغر برئاسة رئيس الوزراء ووزيري الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات. وبين السفير المصري، أن التقرير قد تضمن الأخطار، التي ستلحق بالكيان الصهيوني وأمنه من تنامي القدرات العسكرية المصرية وتطويرها وتحديثها.(6). ومن التقرير يتبين استمرارية التجسس العسكري على مصر، وأن اتفاق السلام ما هو إلا وسيلة وهدف، هدف زرع الطمأنينة عند العرب المصريين بانتهاء الحرب، وبتوقف الاستعداد للمواجهة، ووسيلة لاستمرار تدمير القوة المصرية بكل أشكالها.

ومن أحدث مسلسلات التجسس الصهيوني على مصر، كانت إحالة النائب العام المصري ماهر عبد الواحد مواطناً مصرياً، يدعى شريف فوزي الفيلالي يعمل مهندساً، ويبلغ من العمر /34/ عاماً، إلى محكمة أمن الدولة المصرية بتهمة التجسس لصالح الكيان الصهيوني، مع شريك روسي له كان قد فر خارج البلاد ويدعى جريجوري جيفنس. وجاء في قرار النائب العام اتهامه مع زميله، بالتخابر مع دولة أجنبية بقصد الإضرار بالمصالح القومية للبلاد (7).

 

¾

 

(1)-روز اليوسف- العدد 3465- 7/11/1994- ص30.

(2)-روز اليوسف- العدد 3466- 14/11/1994.

(3)-روز اليوسف- العدد 3465- 7/11/1994- ص26.

(4)-روز اليوسف- العدد 3522- 11/12/1995.

(5)-محمد علام- مجلة الوسط اللندنية- العدد 298- 12/10/1997- ص18/19.

(6)-روز اليوسف- العدد 3646- 27/4/1998- ص16.

(7)-وكالة الأنباء- سانا- 28/11/2000.

 

¾¡¾

 

الفصل الثالث عشر:
محاولة سرقة تاريخ مصر القديمة

 

 

الصهيونية تعرف عين اليقين أنها فاقدة السند التاريخي، وأن كل ما قدمته من دلائل حول تاريخ اليهود، وحتى كتبهم هو تزوير للحقيقة، وللدلائل الأثرية والتاريخية. حتى التوراة هناك اليوم من يشكك في صحتها، أنها غير التوراة الحقيقية التي أنزلت على سيدنا موسى عليه السلام. بل التوراة الحالية، هي من صناعة أحبار اليهود بعد أن أطلعوا على تاريخ المنطقة العربية في بلاد الرافدين والشام ومصر القديمة. ولذا يستدل نزيه الشوفي في كتابه (كشف الحقائق التاريخية) ما يلي: (.. فإن التوراة (هذا)، هو كتاب صنعه أحبار اليهود، بعد أن أطلعوا على تاريخ المنطقة... لذا فهي أنواع..) ويقول: منها التوراة الهيروغليفية التي أنزلت على موسى، فمن المعروف أن موسى لم يعرف العبرانية، فهي لغة جاءت بعده. وتوراة يونانية، وسامرية وأسفار خفية وتلمود.. الخ(1).

ويتذكر الباحثون والسياسيون، أن المحاولات الصهيونية لإثبات الوجود التاريخي القديم والحضاري في مصر، بدأت منذ أيام اللقاءات الحميمة، التي تمت بين السادات ومناحيم بيغن رئيس وزراء الصهاينة آنذاك. ففي زيارة بيغن الأولى للقاهرة بعد توقيع الاتفاقية، أعلن وهو يزور الأهرامات الفرعونية، أن العقل اليهودي هو الذي اخترع الأهرامات. وقال متفاخراً أن اليهود هم الذين بنوها. وأثارت تلك التصريحات في حينها عاصفة سياسية وثقافية في مصر، وخاصة من قبل علماء التاريخ العرب والأجانب.

وأعلن العلماء صراحة، أن ما تحدث به رئيس وزراء الكيان الصهيوني، أكاذيب، وتزوير للتاريخ المصري القديم. ولكن الصهاينة حتى بعد رحيل بيغن، تمسكوا بالإدعاء، بأنهم صانعو الحضارة المصرية القديمة. وحاك الصهاينة العديد من المؤامرات تحت ذرائع شتى، لإثبات الأكذوبة، وتحت شعارات مختلفة، كان آخرها ما تم في منتصف عام 1998. حين أحبطت جامعة القاهرة إحدى تلك المحاولات، التي تسترت بشعار البحث العلمي، وتم استخدام منظمة اليونسكو لتزوير التاريخ المصري القديم لصالح الادعاء الصهيوني. حيث طلبت منظمة اليونسكو من إدارة الجامعة، إعداد دراسة حول موضوع (الجنيزة اليهودية)، وهو الاسم العبري للوثائق اليهودية القديمة في مقابر الفسطاط، والمعبد اليهودي في القاهرة. وهي محاولة من اليونسكو من أجل خلق تطبيع بين الكيان الصهيوني ومؤسساته البحثية وجامعاته وبين جامعة القاهرة والمؤسسات الجامعية في مصر.

وقد ذكر الدكتور فاروق إسماعيل، بأنهم حاولوا جَرَّ الجامعة للتطبيع عن طريق اليونسكو. وقال أيضاً: (قد أبلغت الدكتور حسنين ربيع أستاذ تاريخ الشرق الأوسط، لإخطار اليونسكو بأن الجامعة لا ترحب بمثل هذا النشاط وترفضه. ولن تشترك في أي نشاط علمي مع الإسرائيليين).

وعن غاية الصهاينة من ذلك قال الدكتور إسماعيل: (.. لقد كان واضحاً من العرض أن الإسرائيليين، يسعون لسرقة وثائق مصرية مهمة. ويدشنونها بأبحاث، وأيد مصرية لإثبات حقائق تاريخية معينة، على غرار أكاذيبهم بأنهم بناة الأهرامات. وهم يركزون جهودهم الآن على وثائق الجنيزة. لاختراق حائط الصد المصري ضد الأكاذيب. وكان الهدف هو إثبات الدور اليهودي الحضاري في العصر الفرعوني.)

وبين الدكتور حسنين ربيع أستاذ تاريخ الشرق الأوسط، أن سر السعي الصهيوني لسرقة الآثار، هو محاولة إثبات تاريخي، عن طريق التزوير، بأنهم موجودون من آلاف السنين في مصر وفلسطين، وأنهم أصحاب حضارة، وقال: (هذا هو سر المحاولات الإسرائيلية للبحث عن الجنيزة. وتكليف عصابات سرقة الآثار بالتنقيب عنها. أو التسلل تحت عبارة الأبحاث العلمية لسرقة ما تبقى منها)(2).

ومن أهم الإشكاليات التي تعانيها هيئة الآثار المصرية، هي مشكلة أمناء مكتبات المعابد اليهودية في مصر. فهناك ازدواجية في الإشراف ما بين الهيئة، والمركز الأكاديمي التجسسي الصهيوني في القاهرة، فالهيئة هي التي تقوم باختيارهم من خريجي كليات الآداب- قسم اللغة العبرية، إلا أن راتبهم والتمويل المالي من قبل مركز التجسس، والذي يدعي أنه يحصله من تبرعات اليهود، مما يفقد السيطرة الكاملة لهيئة الآثار على كثير من الأمور التي تجري في المكتبات في المعابد اليهودية. أما عن الهدف من هذه المكتبات كما يدعي الصهاينة، تعريف زوار المعابد عما يسمونه بالتراث اليهودي ليطلعوا
عليها.(3) وبذلك يستخدم المركز التجسسي من خلال اشرافه المال، على تزوير الحقائق التاريخية، ويقوم بالدعاية للصهيونية ومشروعها المتعدد الجوانب.

ومن المؤسف حقاً، أن يترك أمناء مكتبات المعابد اليهودية في مصر، تحت رحمة المركز الأكاديمي الصهيوني في مصر والذي بينا مخاطره كمركز تجسس وتحريف وتخريب. وإن كانت القوانين تقول بأن تقوم هيئة الآثار المصرية بتعيينهم، وتختارهم من خريجي قسم اللغة العبرية. إلا أنهم يتقاضون رواتبهم من المركز الأكاديمي الصهيوني في مصر. وتعتمد تلك الرواتب على حسنات الصهاينة وتبرعاتهم.(4) ومن هنا يجري الابتزاز من خلال لقمة العيش. وإن كان الادعاء بأن مكتبات المعابد اليهودية بنيت بأموال اليهود المتبرعين، إلا أنها أقيمت على أرض مصر العربية، وللدولة السيادة عليها فمن المفروض أن يتم ربطهم بالهيئة مالياً درءاً لكل خطر صهيوني خبيث متستر.

 

¾

 

(1)-نزيه الشوفي-كشف الحقائق التاريخية- مطبعة زمردة- صلخد- سورية- الطبعة الثانية- 1998- ص12.

(2)-انظر إلى- مجلة روز اليوسف- الصادرة في 10-8-1998.

(3)-روز اليوسف- العدد 3646- 27/4/1998- ص16.

(4)-المصدر السابق.

 

¾¡¾

 

الفصل الرابع عشر:
سـرقة أطفــال العــــرب

  

من الحرب التي يشنها الصهاينة ضد العرب، ما عرف بسرقة الأطفال، عبر عصابات صهيونية تخصصت في هذه المهنة القذرة. مستفيدة من اتفاقات التسوية، التي تمت مع أقطار عربية. والغريب أن أغلب الجرائم، التي قامت بها العصابات الصهيونية، تقوم بالكشف عنها وسائل الإعلام الصهيونية، ثم تتناقلها الصحف ووسائل الإعلام العربية. والأغرب من ذلك حقا، أن جرائم الصهيونية سرعان ما تتلاشى، وتتبخر من الذهن العربي، والإعلام العربي، ولا تجري متابعتها وكأن هناك من يمنع متابعة الجرائم الصهيونية، ثم يحاول غسلها من الذهن العربي. ولا تمضي أيام ولا شهور أو سنوات، حتى تندثر، وتصبح كما يقولون في خبر كان.

في حين لا يمكن نسيان أي حدث مس اليهود أو الصهاينة. بل يجري في الكثير من الحالات تضخيمه، والتأكيد على ضرورة الإبقاء على ذكره، وإلزام العالم كله بالبكاء عليه، والدعاء بالويل، والثبور، واللعنة على مرتكبيه، وما يسمى بالمحرقة لليهود غير بعيدة عما نقول، فقد أجبرت أوروبا، وحتى البابا أن يعتذر عما اقترفه هتلر.

فقد ذكرت مجلة تسمى /نهاية الأسبوع/ تصدر في الكيان الصهيوني، في عددها الصادر في 5-7-1996، إن العصابات التي تعمل داخل الكيان بالاتجار بالأعضاء البشرية، والمنوية، وبيع الأطفال إلى الأسر اليهودية، التي لا تنجب، كانت تجلب تجارتها البشرية من البلاد العربية والإسلامية، ثم تجري عملية تغيير صفة، وخداع في البرازيل، أو غيرها في أمريكا اللاتينية. ثم تعاد إلى السوق داخل الكيان الصهيوني، لتباع بأثمان مختلفة. إلا أن اللافت للنظر، أن نسبة الأطفال التي يجري الاتجار بهم، بلغت من مصر والأردن ومناطق السلطة الفلسطينية (80%)، على ذمة المجلة الصهيونية. ومن المعروف أن تلك الدول، قد وقعت على سلام مع الصهاينة. وحددت المجلة نسبة (9%) من الأطفال العرب الذين يختفون عن أهاليهم، يجري بيعهم في سوق الكيان الصهيوني البشري.

بعد عام ونصف، اعترفت مجلة الشرطة الصهيونية، في عددها الصادر يوم الاثنين الأول من شهر كانون الأول 1997، بتورط العصابات الصهيونية بسرقة وخطف الأطفال العرب، وبيعهم في الكيان الصهيوني. وحددت الدول التي وقعت فيها الجرائم الصهيونية، وهي مصر والأردن والمغرب وتركيا والبرازيل والسلطة الفلسطينية. وذكرت المجلة إن هذه العصابات متخصصة في الاتجار بالأعضاء البشرية والحيوانات المنوية والأطفال.

أما كيف تجري عمليات سرقة الأطفال، أو خطفهم، وحتى إجراء اتفاق مع أسر فقيرة، أو مع نسوة من المتسولات وفقيرات. فهذا يتم عبر وسيط من أهالي البلد.

ففي مصر هناك وسيط مصري، أسمته مجلة نهاية الأسبوع الصهيونية في عددها 5 تموز 1996 /إسماعيل شلبي/، وقالت بأنه يقيم في القاهرة، وله عصابة مكونة من عدة أفراد، يتوزعون في القاهرة. ويتصلون مع ممثلي العصابات الصهيونية في أماكن عامة، يتواجد فيها الصهاينة، مثل مقهى قرب سينما ريفولي. حيث تجري عملية العرض والطلب. ثم تتم الصفقة بين الطرفين، التي تتراوح قيمتها ما بين العشرة آلاف دولار، والعشرين ألف دولار.

وتتم الصفقة على طفل، أو أحد الأعضاء البشرية، قد تم شراؤها من أحد الفقراء. ثم يقوم وسيط صهيوني، بالإجراءات القانونية التي تتم تحت بند التبرع بالكلية مثلاً. وبعدها يأتي أحد الأطباء من الكيان الصهيوني، فيقوم بإجراءات الفحص الطبي، وعند ظهور صلاحيتها، تجري عملية الاستئصال، وتنقل الكلية، أو غيرها إلى الكيان الصهيوني.

ومن حوادث عمليات الاتجار الصهيوني بالأطفال العرب، كشفت صحيفة معاريف الصهيونية الصادرة في 3- شباط- 1997 عن وجود ما يقارب /5000/ طفل مسلم، يتبناهم يهود. حيث قاموا بتغيير ديانتهم، وتحويلهم إلى يهود. وقد جلبتهم العصابات الصهيونية من البلاد العربية التالية: /مصر. والأردن. والسلطة الفلسطينية/ المجاورة للكيان الصهيوني، وقامت ببيعهم إلى الأسر اليهودية، التي لا تنجب.

والذي أثار حفيظة الحاخامات اليهود ليست قذارة العمليات غير الإنسانية، بل أن الذي يجب أن يمنح الصفة اليهودية، يجب أن يكون من أم يهودية، حتى يعتبر حقاً يهودياً، كما هو معروف لدى المتدينين اليهود.

وكشفت مجلة نهاية الأسبوع الصهيونية، في عددها الصادر في 2-أيار-1997، كيف يتم خطف الأطفال العرب من بلادهم؟ ثم يرسلون إلى البرازيل، وهناك تقوم عصابة صهيونية تقودها /أرات هيلو/، وهي محامية إسرائيلية بالتزوير القانوني للجنسية العربية المختطفة، فيتم نقل الأطفال بعد ذلك من البرازيل إلى الكيان الصهيوني.

وقد سبب كشف هذه العملية، تزايد اختطاف الأطفال البرازيليين من قبل عصابة /أرات هيلو/، وشريكتها /مريبل بريرا/. وأبرز تلك الحوادث، كانت حادثة اختطاف الطفلة البرازيلية /برونا كرولين/ من أمها، وبيعها لأسرة /يعقوب تورجمان/ الإسرائيلية. وقد قامت المحكمة العليا الصهيونية، بإصدار قرار برد الطفلة إلى أمها. وقد أثارت تلك الحادثة أزمة بين الكيان الصهيوني والبرازيل، حيث أرسلت البرازيل المحقق العام /فلامير بيتو/ للتحقيق بالحادثة، وبخطف الأطفال البرازيليين، ونقلهم إلى إسرائيل. ومع الأسف رغم نشر أنباء خطف أطفال عرب، لم يقم أحد بالبحث عنهم، أو بمحاولة إعادتهم، فلا أهمية للأمر، لأن الإنسان العربي أرخص شيء.

وتجارة الأطفال لم تقتصر على أبناء مصر والفلسطينيين، أو بقية العرب، وبلدان العالم الثالث، بل وصلت إلى يهود من الدرجة الثانية، وخاصة اليهود العرب، الذين استخدمتهم الصهيونية أسوأ استخدام، فهم في نظر الصهيونية وليدة الغرب الاستعماري، يأتون قبل العرب مباشرة في السلم البشري.

كما كان هتلر يصنف البشر حسب أجناسهم، فإن الصهيونية النازية الأخرى، ولكن بلون جديد، وإن كانت تدعي أنها إحدى ضحاياه. ففي عام 1998 اكتشف اليهود اليمنييون، أنهم ضحايا المافيا الصهيونية، التي سرقت أطفالهم من مشافي الولادة، ثم قامت ببيعهم إلى يهود أمريكيين وأوروبيين، ممن لا ينجبون أطفالاً. وقد تم البيع من قبل عمال المشافي، وبعلم سلطة الكيان الصهيوني في الخمسينيات من القرن الماضي. وكانت عصابات المشافي الصهيونية، تكذب على اليهود اليمنيين من أبناء دينهم وصهاينة مثلهم، حيث يخبرونهم بأن أطفالهم ماتوا بعد ولادتهم. وزيادة في التضليل والكذب، اصطحبوا أسر الضحايا إلى قبور وهمية، تم تصنيعها مسبقاً. إلا أن الأيام كشفت الكذب الصهيوني، فبعد نبش تلك المقابر، تبين للأهالي أنها مجرد خدعة، فأثارت الخديعة الرأي العام العالمي، وغضب اليهود اليمنييون فأقاموا الدعوى ضد سلطة الكيان الصهيوني، طالبوها بالبحث عن أنائهم وإعادتهم إلى ذويهم.(1).

أما فضيحة الاتجار بالحيوانات المنوية من الشباب العربي، وبيعها إلى الكيان الصهيوني. فقد نشرت مجلة نهاية الأسبوع الصهيونية في عددها الصادر في 28 شباط 1997، أن طبيباً صهيونياً يدعى /أبراهام مور/، يتاجر بالحيوانات المنوية، التي يحصل عليها من شباب عرب في مصر والأردن مقابل 300 دولار. ومن ثم يقوم الطبيب الصهيوني بتلقيح النساء اليهوديات بها، في عيادته في تل أبيب.

وفي عودة إلى الاتجار بالأطفال المصريين، لم يعد الأمر مقتصراً على بيع الصهاينة، بعد أن تعلم أثرياء السلام مع العدو الصهيوني، كيف يتم استخدام الأطفال الأيتام والفقراء  والمشردين قطع غيار لأعضائهم البالية والمعطوبة. ففي آذار عام 1999 نشرت الصحف المصرية، أن (25) طفلاً قتلوا في الميتم الحكومي في مدينة المنوفية، وتم بيع أجزاء من أجسادهم إلى المستشفيات الخاصة في القطر المصري، ليجري بعد ذلك زرعها في أجساد الأغنياء، الذين هم بحاجة إليها. وقد أثيرت هذه الجريمة البشعة أمام مجلس الشعب المصري. حيث اتهم عدد من النواب المسؤولين في محافظة المنوفية، بالمشاركة بالجريمة من أجل جني الثروات من أجساد هؤلاء الأبرياء. وبينوا أنهم قد جنوا أرباحاً كبيرة من وراء المتاجرة بأجساد الأطفال. فكانت إدارة الميتم والمسؤولو فيها، يبيعون العضو البشري ما بين /9/ آلاف دولار و /330/ ألف دولار. حسب أهمية العضو الذي يتم استبداله بالعضو التالف من الأثرياء. وبررت وزيرة الشؤون الاجتماعية تلك الجريمة، أمام مجلس الشعب، حسب ما نقلته وكالة الشرق الأوسط المصرية: (إن وفاة هؤلاء الأطفال الخمسة والعشرين، كانت ناجمة عن إهمال كبير من جانب أولئك المشرفين على الميتم.).(2) وإذا كان سلام صهيون قد نشر الموبقات في القطر المصري، فلا عجب من جرائم سوف تتالى، وتكون أشد بشاعة وأكثر تقززاً.

 

¾

(1)-جريدة الغارديان البريطانية- الاثنين 18-8-1997.

(2)-صحيفة نضال الشعب السورية- العدد 667- 25-3-1999

¾¡¾

 

الفصل الخامس عشر:
صناعة الجواسيس.

  

من الوسائل القذرة التي تشنها الحركة الصهيونية ضد مصر، سرقة قوة العمل لدى بعض الشباب المصري، من خلال استغلال الحاجة المادية، التي تفرض على الشاب، أن يغادر بلده، ويتجه إلى بلدان تتوفر فيها سوق العمل. وقد تجري حالات  استغلال لهؤلاء العمال البسطاء، من خلال سرقة قسم من أجورهم، أو التلاعب في العقود التي أبرموها، فلا يعطى المسكن، ولا يقدم له الطعام، وحتى نوعية العمل قد تختلف عما جرى التعاقد عليه. وقد تصل درجة الاستغلال إلى مشاطرة العامل بما يكسب من المال، هذا يتم في بعض بلدان سوق العمل.

إلا في الكيان الصهيوني يجري الاستغلال لأغراض دنيئة، تصل إلى درجة الخيانة، في استخدام وسيلة الحاجة، أو باستغلال الغرائز الجنسية، فتعمل أجهزة الأمن الصهيوني إلى تحويل قسم من العمال المصريين، الذين خرجوا بحثاً عن عمل يدر عليهم بعض الأموال، التي يستطيعون من خلالها بناء مستقبلهم داخل وطنهم إلى جواسيس لمصلحة العدو الصهيوني.

فقد كشف مؤخراً عن وجود الآلاف من الشباب المصري يعملون داخل الكيان الصهيوني، بعد إلقاء القبض على الجاسوس شريف الفيلالي في مصر، الذي كان يعمل لصالح الموساد. والخطورة في وجود هؤلاء الآلاف في داخل الكيان، من استغلال العدو الصهيوني لحاجة هؤلاء إلى أجور مجزية، تمكنهم من توفير قسم من الأجور، يدخرونها أثناء عودتهم إلى بلادهم. حيث يحصلون على رواتب زهيدة، أمام مستوى المعيشة المرتفع في داخل الكيان. وإن معظم الأعمال التي يقومون بها، تكاد تنحصر في الأعمال الشاقة، والمتدنية كعمال للنظافة وورشات البناء وغيرها. وهذه لا تسمح للعامل بالادخار، ولا بالعيش في الحدود الدنيا.

من هنا بدأت لعبة الشيطان الصهيوني، برمي شباكه حول هؤلاء العمال الفقراء، واصطيادهم في شبكته العنكبوتية، ليستخدمهم في حربه ضد وطنهم مصر، من خلال التجسس عليه أو استغلال طاقتهم الجنسية في إنجاب أعداد من الصهاينة، من خلال عقد صفقات زواج من يهوديات. والمخيف في الأمر أن الأعداد هي بالآلآف من الشباب المصري، الذين ذهبوا إلى الكيان الصهيوني بعد اتفاقية السلام.

وقد قدرت الأعداد ما بين العشرة آلاف والخمسة عشر ألفاً. في حين أكدت الدكتورة ميرفت التلاوي، أمين عام المجلس القومي للمرأة المصرية (أن 14 ألف شاب مصري تزوجوا من إسرائيليات، وأنجبوا منهن أطفالاً يحملون الجنسية الإسرائيلية، وفقاً للقوانين الإسرائيلية، ويحملون الجنسية المصرية بموجب القانون المصري.)(1)

أما قصة مصيدة الإغواء الصهيوني، تبدأ أولى بداياتها من استغلال الجهل المعرفي. من حيث عدم القدرة على التفريق بين العدو، الذي يتربص به الدوائر، وبين دولة شقيقة أو صديقة، ليست لها مصلحة في زعزعة الأمن الداخلي لوطنه. فالعامل هنا قد غرست في ذهنه، أن الكيان الصهيوني ما هو إلا دولة مجاورة كبقية الدول، كانت في حرب مع مصر، وانتهت الحرب، وحل السلام والود بين الدولتين.

كما أن ما يسمى بثقافة السلام، نزعت من الكثير من عامة الشعب والبسطاء، حقيقة المشروع الصهيوني وكيانه المدمر. وأن الصراع بين الأمة العربية وهذا الكيان، هو صراع وجود. صراع بين لص وصاحب حق، وبين مغتصب دخيل وبين صاحب أرض يملك كل مواثيق الأرض بأنه مالكها. وأن الكيان الصهيوني أخطبوط سرطاني شيطاني، لا يملك قيم سلام، ولا يعرف ميثاقاً، وخطورته تكون أشد في السلام معه من حربه.

فالعامل المسكين الذي زين له العمل في الكيان الصهيوني، لا يملك بالأساس الحصانة الفكرية والمعرفية، التي تجنبه الوقوع في المصيدة الصهيونية، ولو كانت لديه تلك الحصانة، لما ذهب إلى الكيان ليعمل فيه. ولعرف بما يكن هذا العدو، له ولوطنه وأمته من مصائب ونكبات، وبما يرسم من الخطط التآمرية المتلاحقة لتدميره، وتدمير أمته. وأمام الضعف المعرفي جرىاستغلاله، من خلال الإغواء الجنسي بالنساء الصهيونيات، ليتزوج منهن، وكذلك ما عرض عليه من إغراء مادي، الذي يتوفر له بعد الزواج، كالإقامة والعلاج وفرص العمل.

وتقول الصحفية المصرية تهاني تركي، في مقالة لها في الأسبوع المصرية تحت عنوان: (المتزوجون من إسرائيليات.. قنبلة تهدد المجتمع المصري).

ما يلي: (ولأن علاقات العمل والزواج تؤدي إلى تغيير مدركات الإنسان بمعنى طريقة فهمه للآخر خاصة إذا كانت هناك حالة عداء سابقة وبالتالي نتوقع أن يصبح الشباب المصريون جواسيس المستقبل أو تربة خصبة لإفراز الجواسيس لأن درجة الولاء والانتماء للوطن تتأثر دون شك بهذه العلاقة العائلية وعلاقات العمل..)(2).

فمن الطبيعي بعد أن يتم توثيق العامل توثيقاً محكماً بواسطة الزوجة والأبناء والعمل، وكذلك يتم بسهولة انتزاع المعلومات المطلوبة منه عن طريق الزوجة أو صاحب العمل وهذا في أحسن الحالات. أما في أسوئها هو السقوط الخطير في أحضان الموساد الصهيوني، فيدخل في عش التجسس والخيانة فيكون عميلاً رسمياً.

ومن هذه الأرضية التي تزداد يوماً بعد يوم، من تدفق العمالة إلى الكيان الصهيوني، وبأعداد تتجاوز عشرات الآلاف، يستفيد منها العدو في حربه ضد مصر والأمة العربية. فمن جهة توفرت لديه مناخات اختبارية، يتمكن من خلالها رصد ضعاف النفوس، ليكونوا جواسيس له. ومن جهة أخرى أوجد له من بينهم أنصاراً، من الذين يحملون الجنسيتين المصرية والصهيونية في داخل مصر. إضافة إلى أبناء من أب مصري صهاينة في التربية والثقافة والسلوك، وحتى في الدين، لأنهم يتربون في أحضان الصهاينة أسرة وشارعاً ومدرسة وكنيساً، ويتلقون معارفهم من ألد أعداء الأمة العربية.

وينبه الدكتور محمد سعيد أبو عامود أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، إلى خطورة ما يقوم به الكيان الصهيوني في هذا المجال، فيقول: (إن إسرائيل تحاول بكافة السبل اختراق المجتمع المصري، ولكن الوقفة المشهودة لقوى المجتمع، الرافضة لأي شكل من أشكال التفاعل والتطبيع مع إسرائيل. جعلتها تركز على منافذ أخرى، وهي المنافذ المتعلقة بالعلاقات الإنسانية المباشرة، التي تستغل فيها جوانب الضعف الإنساني، والحاجة إلى المال والعمل والزواج. وهذا الأمر يتطلب التوعية بخطورة هذا الاختراق الإسرائيلي، خاصة في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل.)(3)

ومن المحافظات المصرية التي يتدفق أبناؤها إلى الكيان الصهيوني للعمل في داخله، تشير صحيفة الأسبوع، أن محافظة الدقهلية التي بدأت منها أولى المجموعات، كما تقول الصحيفة من عدد محدود إلى أن تحولت إلى ظاهرة غير طبيعية، إضافة إلى الدقهلية التي احتلت أكبر المجموعات العمالية من أبنائها، فقد تدفق إلى الكيان عمال من محافظات أخرى مثل الشرقية وسيناء(4).

وعن أسباب السفر إلى الكيان الصهيوني، أغلبها يكون من عدم توفر فرص العمل في الوطن الأم، أو ما يشير إليه الخبير الاستراتيجي عبد الفتاح محسن بدوي بقوله: (إن حالات الفساد، التي يشهدها المجتمع من تهريب لأموال البنوك، والاختلاسات واستغلال النفوذ، تنعكس بلا شك بآثارها السلبية على الشباب. فينمي لديهم القيم المادية على حساب القيم الوطنية والدينية. ومن ثم يدفع بهؤلاء الشباب إلى السفر إلى دولة مثل إسرائيل، دون أي وعي بخطورة ذلك. ويقعون فريسة لجهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد"، ويرتكبون جريمة خيانة الوطن.)(5).

إن ظاهرة الأعداد المتزايدة من العمالة المصرية في الكيان الصهيوني، وما يتبعها من زواج من الصهيونيات، وحمل جنسية الكيان. من الخطورة التي تستدعي نهوضاً شعبياً، وخاصة من المثقفين المصريين، الذين كانوا سيوفاً تقطع شرايين التطبيع المشبوه، والذي يحمل الموت والهلاك لمصر وللأمة العربية، ويخدم بالتالي المشروع الصهيوني السرطاني المدمر.

فالموساد استغل كثيراً من نقاط الضعف لدى العديد من الشباب المصري، فجندهم لصالحه في التجسس على بلادهم، فهو يرسل شبكة تجسس، وما أن تنكشف، حتى يرسل شبكة. كما أنه يكون في الوقت نفسه, يعد شبكة أخرى ضد مصر العربية. فخلال السنوات الأخيرة تم إلقاء القبض على تسع شبكات تجسسية تعمل لصالح العدو الصهيوني.

والحرب الجاسوسية مستمرة ضد مصر من قبل الكيان ولا تتوقف، ففي حين استطاعت الأجهزة الأمنية المصرية، أن تمسك خلال 25 عاماً العديد من الخلايا التجسسية. كانت كلها تعمل لصالح العدو الصهيوني عدا واحدة كانت لصالح الولايات المتحدة الأمريكية (6). وهذا يدل على كثافة أسلحة الحرب الجاسوسية الصهيونية ضد مصر، لتدمير بنيانها الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي. ومن هنا جاء السعي لفتح الأبواب الصهيونية للعمالة المصرية مشروعة أو غير مشروعة، المهم بناء أرضية واسعة من الجواسيس، الذين يخدمون المشروع الصهيوني.

¾

 

(1)-تهاني تركي- الأسبوع المصرية- العدد 201- السنة الرابعة-18 كانون الأول "ديسمبر" 2000- ص19.

(2)-المصدر السابق.

(3)-المصدر السابق.

(4)-المصدر السابق.

(5)-المصدر السابق.

(6)-المصدر السابق.

 

¾¡¾

الفصل السادس عشر:
قتل العلماء العرب

 

 

من أهداف المشروع الصهيوني منع العرب من امتلاك التكنولوجيا المتقدمة. حتى وإن كانت هناك اتفاقات سلام بين الكيان، وأي بلد عربي أبرم معاهدة تسوية معه. والكيان الصهيوني مستعد للإقدام على أبشع الجرائم، في سبيل أن لا يمتلك العرب التكنولوجيا النووية، لأنها في استراتيجيته الأمنية خطر شديد، واختلال في موازين القوى بين الطرفين. فالكيان الصهيوني وفق استراتيجيته العسكرية والأمنية، ينبغي أن يستمر في تفوقه العسكري على العرب جميعاً، وخاصة في المجال النووي.

لهذا يسعى باستمرار، وبكل الطرق مشروعة وغير مشروعة، لمنع العرب من امتلاك هذا السلاح، الذي يعتبره البدايات في خلق التوازن الاستراتيجي بين الطرفين، ووفق هذه الاستراتيجية، قام بتدمير المفاعل النووي العراقي، واستمر بالمراقبة عليه، لمنعه من إحياء برنامجه النووي.

وكذلك استمرت محاولات تصفية العلماء المصريين، وغيرهم من علماء الذرة العرب وحتى الأجانب، بهدف إيقاف البرنامج النووي المصري، والذي بدأه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وتوقف العمل به بعد رحيله. ورغم توقف البرنامج النووي المصري، إلا أن الكيان الصهيوني استمر في ملاحقة العلماء العرب المصريين العاملين في هذا الحقل. ولا يتورع الكيان عن استخدام أقذر الوسائل بما فيها التصفية الجسدية للعلماء العرب، حتى وإن كانوا طلاباً

ونذكر من العمليات الإجرامية للكيان وأجهزته الأمنية، عملية التصفية الجسدية للطالب المصري، الذي كان يدرس في بريطانيا. /محمد أحمد الجمال/، الذي كان يحضر رسالة الدكتوراه في المجال النووي في بريطانيا. فقد تمت تصفية هذا الطالب جسديا، من قبل الموساد الصهيوني، بالتعاون مع عملائه من الشرطة البريطانية.

وقد جرت حادثة التصفية في داخل قسم شرطة لينون في لندن، حين استدعي في شهر آب عام 1996 إلى القسم المذكور وحضر الجمال إلى القسم وهو يعلم أنه بريء من أية تهمة بسبب انشغاله في برسالته الجامعية، التي تمنعه من الاحتكاك بأحد، إلا أن الطالب لم يخرج حياً من القسم بل قتل على أيدي شرطة القسم بأبشع الصور. ومن غريب الأمور في الحادثة المدبرة، اعلمت الشرطة البريطانية أهل المذكور في مصر بوفاته، ولكنها امتنعت عن تسليم الجثة إليهم، إلا بعد أن تعهدوا بعدم إثارة مقتله قضائياً. وشرط آخر يطالب بعدم فتح التابوت، وأن يتم دفنه بتابوته المنقول من لندن.

وأمام الوضع النفسي لأهل الشهيد، والمبررات الكاذبة التي قدمتها الشرطة لهم، وافق الأهل على الشروط البريطانية، وتم دفنه في قريته كفر الجمال بالمنوفية.

وكادت الجريمة الصهيونية أن تنجح، ولا يكشف عن سرها، فالأحداث لم تسر وفق الشروط التي اتفق عليها. فالأستاذ المشرف البرفسور /بول مارتن/ على رسالة الدكتوراه للطالب القتيل، اكتشف أن موت طالبه، كما أشار بيان شرطة ليون غير مقنع له، فطالب السلطات البريطانية بالكشف عن أسباب وفاته المفاجئة. وأمام إلحاح الدكتور مارتن في معرفة حقيقة وفاة طالبه، ومتابعاته للكشف عن الحقيقة، عندها ظهرت الجريمة بكل بشاعتها، وتبين أن عملية قتل قذرة جرت بحق هذا الطالب، وظهرت أصابع الموساد جلية في هذه الجريمة القذرة.

لماذا قتل الطالب محمد أحمد الجمال؟ وهذا ما اكتشفه وكشفه الدكتور /بول مارتن/، أن الطالب جمال قد أعد رسالة دكتوراه من النوع الخطر، فهي تتضمن اختراع نهج جديد في الميكانيكا الإحصائية، التي تدخل في صلب صناعة الأسلحة النووية. واعتبر البرفسور مارتن أن اكتشاف الطالب العربي الجمال لهذا الاختراع في المجال النووي، إنجاز باهر في المجال النووي، سيؤدي إلى إحداث تحول في صناعة الأسلحة النووية(1).

كان هذا الاختراع الهام في مجال الأسلحة النووية، كافياً في نظر الموساد والقيادة الصهيونية الإقدام على قتل الشهيد محمد أحمد الجمال، فقط لأنه عربي تجاوز الخطوط الحمراء، التي يرسمها الصهاينة. وهكذا قتل هذا العالم العربي المصري، دون أن يجد في أمته العربية، من يأخذ بثأره، أو من يبكيه، أو من يحيي ذكراه، لتعلم الأجيال العربية، ما تكن لها الصهيونية من حقد وضغينة وموت.

ومن جرائم الصهاينة وأجهزتهم الإجرامية، اغتيال آخر سبق قتل العالم الجمال، فقد تم قتل عالم الذرة المصري (الدكتور يحيى المشد) بأبشع الصور في 13 حزيران 1980. فقد تم اغتياله داخل غرفته في فندق ميرديان في باريس، حيث نزل في باريس للاستراحة، وكان في طريق عودته إلى القاهرة، عائداً من جزيرة سيشل، حيث توقفت الطائرة في باريس، التي تقله بعد 12 ساعة طيران متواصل. ونزل على حساب شركة الطيران الفرنسية، كما هي العادة في النقل الجوي، الذي يحتاج لطيران طويل الزمن.

وكان وفق برنامج الشركة أن يبيت ليلته، ثم يطير إلى القاهرة. إلا أن الموساد الصهيوني الذي كان يترصده، وقد يكون وراء التوقف في باريس. قام بقتله بصورة بشعة جداً، تدل على حقد أسود، تجاه كل عالم عربي خاصة من يعمل في الحقل الذري. دون أن يضع الصهاينة أي اعتبار لاتفاقية السلام التي وقعت في كامب ديفيد، والتي لم يمض على توقيعها سنة واحدة.

وعن سير أحداث الجريمة، استخدم الموساد الصهيوني وسيلة رخيصة، لتشويه سمعة هذا العالم الكبير، حين استخدمت إحدى الجاسوسيات العاملات في جهاز الموساد الصهيوني، ووظيفتها في الموساد أن تستخدم جسدها، لتحقيق أهدافه الدنيئة، وهذه المومس تدعى /ماري كلود ماجال/ فرنسية الجنسية من بائعات الهوى.

كان الدكتور المشد عائداً إلى غرفته يحمل بعض الهدايا لأطفاله في القاهرة وفي الممر اعترضته العاهرة الموسادية، وحاولت إغراءه، فطردها، ودخل غرفته، وأغلق بابها، وكان في الغرفة من ينتظره، ليصفي الحساب الصهيوني معه. وبعد قتله بطريقة بشعة، هربت العاهرة من الفندق، بعدما سمعت من خارج الغرفة العراك الدامي بين الدكتور المشد والقتلة الصهاينة. وبعد مقتله خرج القتلة من غرفة الدكتور المشد، بعد أن علق على بابه، لوحة تقول /الرجاء عدم الإزعاج/ على مقبض الباب.

وبعد ساعات تم اكتشاف حادثة الاغتيال، وتبين لشرطة التحقيق الفرنسية، أن الشهيد المشد تم اغتياله بآلة حادة، تم ضربه بها على رأسه، ثم تم خنقه بمنشفة الفندق، بعد أن قاوم الشهيد قتلته، بدت آثار المقاومة على جسده الطاهر.

ومن أجل تضليل الشرطة الفرنسية، والحيلولة دون اكتشاف الحقيقة، جرى تلويث منشفة الحمام بمساحيق نسائية. وقد وقعت الشرطة الفرنسية في بداية التحقيق في شراك تضليل الموساد الصهيوني، خاصة أن الشاهد الوحيد للجريمة الصهيونية، قد تم تصفيتها هي الأخرى زيادة في التضليل، فقد دهست بعد شهر الغانية الجاسوسة في أحد شوارع باريس. ولكنها اكتشفت وقوعها في الخطأ بعد سنين.

من هو الدكتور يحيى المشد؟ ولماذا قتله الصهاينة؟ إنه عالم بارز في علم الذرة، وأشرف على البرنامج النووي العراقي. وقد حاولت الصهيونية إغراءه بالمال، ليبيح لها بأسرار البرنامج النووي العراقي، فرفض رفضاً شديداً عندها. قررت إعدامه، والتخلص منه(2).

 

وهكذا قتل المشد، كما قتل الجمال وغيرهم من علماء العرب. كانت المؤامرة الصهيونية.

 

¾

 

(1)-صحيفة المجد الأردنية الأسبوعية-3/2/1988.

(2)-عادل حمودة- الموساد واغتيال المشد- القاهرة- الطبعة الأولى عام 1989/

 

¾¡¾



  

الفصل السابع عشر:
القمار والجنس

 

 

لم تكتف الصهيونية بإرسال أطنان من المخدرات، ونشر الإيدز على البشر والنبات، وبرعاية الإرهاب، وزرع مركز للتجسس في القاهرة. بل لم تدع وسيلة إفساد إلا واستخدمتها ضد الشعب العربي المصري، ومنها تجارة القمار والجنس، لسحب أكبر كمية من المال من مصر. فقد ذكرت بعض وسائل الإعلام المصرية في حزيران 1997، عن وجود إحدى عشرة سفينة إسرائيلية، تبحر بانتظام بالقرب من السواحل المصرية، وليست طبعاً سفناً تحمل مواد صناعية أو زراعية، ولا أية مواد غذائية وحيوانية، بل سفن مخصصة للقمار، تنتظر زبائن مصريين وعرباً لينتقلوا على ظهرها. ليمارسوا في داخلها الجنس، ولعب القمار. ففي كل سفينة منها توجد العديد من صالات القمار، إضافة إلى عدة عاهرات يقمن بعروض خلاعة كالجنس الحي (الاستربتيز)، والرقص الشرقي المبتذل.

والغاية من تواجد هذه السفن، نهب المال المصري عن طريق القمار والجنس. فرسم الدخول إلى السفينة يبلغ (839) دولاراً للفرد الواحد، عدا ما يدفع على مائدة القمار، أو ممارسة الجنس.

تذكر المصادر المصرية والإسرائيلية، أن أرباح سفن القمار الصهيونية بلغت خلال عام 1995، ما يزيد على /600/ مليون دولارا فقط، لرحلات تلك السفن في البحر الأحمر. إن معظم تلك الأعمال القذرة ضد مصر، يتم الكشف عنها من قبل المؤسسات الصهيونية المتنافسة أو وسائل إعلامها. فقد كشفت وزارة السياحة الصهيونية عن وجود سفن القمار الإحدى عشرة، التي تبحر بانتظام في المياه القريبة من الشواطئ المصرية. وكشفت أن ستاً منها، تقوم بالإعلان عن رحلاتها بشكل تجاري عبر الصحف الصهيونية، ودون أية سرية، مما يدل على عدم احترام مشاعر الشعب العربي المصري. أو عن استغفال السلطات العربية، التي لا تقرأ ما يكتب في صحف الصهاينة. أو من باب حسن نية بالصهاينة. وهكذا يتم تدمير القيم والأخلاق، وتنتشر الرذيلة الصهيونية علانية، إضافة إلى سرقة المال العربي من خلال سفن السلام الصهيوني، وليس مدهشاً أن تعلن وزارة السياحة الصهيونية، أن ما حصلت عليه تلك السفن، قد بلغ ملياراً من الدولارات(1)، التي شعبنا في مصر والأمة العربية بأمس الحاجة إليها.

ومن وسائل حرب السلام الصهيوني القذرة، التي استخدمت ضد المجتمع المصري، الإثارة الجنسية لدى الشباب، عبر تهريب أنواع من اللبان (العلكة)، والتي تتميز بأشكالها المثيرة والجذابة، فتغري الشبان والشابات بشرائها، خاصة وأن أسعارها رخيصة عن مثيلاتها.

ففي شهري حزيران وتموز من عام 1996 ضبطت السلطات الأمنية المصرية، كميات كبيرة من اللبان، والمنشطات الجنسية، في أنحاء مختلفة من مصر، بعد أن ظهرت العديد من الحوادث والجرائم الجنسية، وخاصة عقب حوادث الاغتصاب المثيرة للشك. وقد أجرت السلطات المصرية تحريات واسعة عن مصادر تلك العقاقير، التي بلغ تعداد أنواعها ثلاثة عشر نوعاً، والبحث عن مكان تصديرها، وكيفية وصولها إلى مصر.

وصرح مصدر أمني مصري لجريدة السفير اللبنانية، أن مصدرها الكيان الصهيوني. وأن عملية التصنيع لهذه المواد الخطرة، يجري تحت إشراف أحد العلماء اليهود الروس، الذين هاجروا إلى الكيان الصهيوني، ويدعى (توردي إسحاق مناسيان)، المتخصص في مجال المركبات الكيميائية ذات التأثير الفيزيولوجي على جسم الإنسان.

وبعد تحليل تلك المركبات من قبل السلطات المصرية المختصة، تبين لها أن التركيب الكيميائي لهذه المواد في غاية التعقيد. إذ تبين بعد إجراء الدراسات عليها، بأنها تحتوي على منشطات جنسية عالية التأثير، ومركبات اكتئاب، وعقاقير للهلوسة. وأوضحت التحاليل المصرية لتلك المواد، أنها تؤدي على المدى الطويل إلى الإصابة بأمراض خطيرة، مثل الصرع والتهاب أنسجة وخلايا المخ، وتهتك الأنسجة المنوية عند الرجال، وأورام الرحم والمبيضين عند النساء(2).

ومن خلال التحريات الواسعة، التي قامت بها الأجهزة المصرية على الصيدليات وبعض المحال، التي تبيع العقاقير، تمت مصادرة كميات كبيرة من تلك العقاقير الصهيونية المدمرة، إضافة إلى أنواع من الشكولاته الصهيونية، المركبة موادها من تلك المواد الكيميائية المثيرة للجنس.

وفي تصريح لبعض المسؤولين في مباحث آداب الدقهلية لجريدة السفير اللبنانية، جاء فيه أن كل هذه العقاقير مصنعة، ومستحضرة من إسرائيل. وبعض الأنواع توجد على مغلفاتها صور جنسية فاضحة. وأن التحريات بالتنسيق مع إدارات أخرى  على مستوى  الجمهورية، أكدت أن منطقة الدقهلية، لم تكن إلا البوابة، وأن السلع والعقاقير بدأت تظهر في الإسكندرية والقاهرة وبعض محافظات الصعيد. وأدلى المسؤولون المصريون، أن هذه العقاقير تهدد بكارثة أخلاقية حقيقية، وتعمل على ارتفاع معدلات جرائم الشرف والاغتصاب، وهتك الأعراض. ووصفوا إدخالها إلى الأراضي المصرية، بأنه جزء من مؤامرة إسرائيلية محبوكة، شهدت مصر بعض فصولها، في تهريب المخدرات وشبكات التجسس(3). وكتبت روز اليوسف في شهر تشرين الثاني عام 1994، عن وجود /25/ نوعاً من المنشطات الجنسية، تباع حالياً في بوتيكات ومحلات شارع السكة الجديدة بالمنصورة، ومعظم هذه المنشطات مهربة من إسرائيل(4).

 

¾

 

(1)-روز اليوسف المصرية- العدد رقم- 3602- تاريخ 23 حزيران 1997.

(2)-جريدة السفير اللبنانية –2-7-1996.

(3)-المصدر السابق.

(4)-روز اليوسف- 7/11/1994 العدد 3465.

 

¾¡¾



  

الفصل الثامن عشر:
ضرب بوابة مصر الجنوبية

 

يعتبر السودان البوابة الجنوبية لمصر، وتمزيقه يهدد مصر في القلب، وقد يكون قاتلاً، فنهر النيل مصدر الحياة الوحيدة لها. فإذا تم سلخ الجنوب السوداني، وإقامة كيان سياسي مستقل فيه، سيكون معادياً حتماً للعرب عامة ولمصر والسودان خاصة.

لهذا سعت كل القوى المعادية للعرب بدعم التمرد في الجنوب السوداني، وتغذيته دون النظر إلى السلطة الحاكمة. وهذا ليس تمرداً كما يتصور البعض معادياً للنظام السوداني الحالي، بل إن التمرد يمتد عمره أربعين عاماً، وما بعد استقلال السودان. والهدف إقامة دولة في الجنوب شبيهة بالكيان الصهيوني، ليتم السيطرة على الجنوب السوداني الغني بالمياه والبترول والثروة الطبيعية. ومن يتحكم بالجنوب، يتحكم بمصادر نهر النيل شريان الحياة للسودان ومصر.

ومن هنا جاء الدعم الصهيوني للمتمردين الانفصاليين في الجنوب السوداني، وتقديم كل أسباب الاستمرار القتالي لهم، في محاربة الأنظمة السودانية على مختلف توجهاتها السياسية. والمشكلة أن يجتمع كل المعادين للعرب ومشروعهم النهضوي في دعم المتمردين، بدءاً من أمريكا إلى بريطانيا، وبقية القوى الأوروبية الاستعمارية السابقة. وتلعب الصهيونية من خلال كيانها الدور الرئيس في استمرارية التمرد، والسعي لخلق الكيان الجنوبي الانفصالي حليفاً لها.

والهدف ضرب مصر أولاً قبل السودان في أمنها المائي. لهذا نشرت إسرائيل قواعد جاسوسية، حول الجنوب السوداني لتغذية التمرد، إضافة إلى زرع الجواسيس في السودان ومصر. وقد كشفت نشرة فورين ريبورت العسكرية البريطانية، في عددها الصادر في الأسبوع الأخير من شهر حزيران 1998 قالت فيه: (.. إن قواعد الموساد تنطلق من جزيرة دهلك الإرترية في البحر الأحمر، القريبة من ميناء مصوع الإرتري، وهي قاعدة متخصصة في التجسس على اليمن والسعودية، أما القاعدة الثانية فهي جزيرة حنيش المتنازع عليها مع اليمن، وتسمح بمراقبة مضيق باب المندب، وبالتالي كل حركة في البحر الأحمر. وهاتان القاعدتان مهمتان في تحريك غواصات نووية إسرائيلية). وأشارت النشرة البريطانية، إلى القاعدة الثالثة في إرتريا، وتقع على الحدود مع السودان. وهدف إسرائيل من هذه القاعدة التجسس على السودان، وتقديم الدعم والتدريب والمعلومات للمتمردين السودانيين. وتوجد القاعدة الرابعة في أثيوبيا في العاصمة أديس أبابا، وهي تركز على خدمة الأهداف الإسرائيلية في المنطقة.

¾

 

(1)-جريدة البعث تاريخ 29-6-1998.

 

¾¡¾

 

الفصل التاسع عشر:
الفن المصري واللص  الصهيوني.

  

حتى الفن الموسيقي المصري تعرض إلى سرقة صهيونية، من خلال عمليات الاحتيال والتحريف والتغيير والتبديل. والهدف من ذلك غايتان:

*الأولى-

تزوير التاريخ القديم لمصر وبلاد الشام، حيث يؤكدون بالكذب طبعاً، أن لليهود حضارة قديمة في المنطقة، لا تزال آثارها باقية إلى يومنا هذا، والدليل عليها هذا الفن اليهودي أحد معالمها لا يزال شاهداً حياً عليها. حيث يفتقر الصهاينة لأي دليل، يثبت أي وجود أثري وتاريخي لحضارتهم المزعومة.

فكل الأبحاث والتنقيبات كما أشرنا سابقاً، والتي قام بها الباحثون الأثريون الصهاينة في أرض فلسطين وغيرها، فشلت في تقديم دليل أثري، أو فن قديم، يثبت مزاعمهم وأساطيرهم لهذا لجؤوا إلى سرقة الفن المصري والعربي، ثم تسويقه للعالم على أنه فن يهودي قديم، لا تزال آثاره في المنطقة دليلاً على تلك الحضارة المزعومة.

*الثانية-

استمرار الحرب الصهيونية لتدمير ما يملك العرب من ثقافات، كحقائق لعراقة حضارتهم، التي بدأت منذ عشرات آلاف السنين، ومازالت إلى يومنا هذا، تعطي وتقدم للإنسانية من فن وإبداع.

ولم تكن السرقة الصهيونية وليدة اتفاقية السلام فقط، بل بدأت منذ عهد الملك فؤاد والد الملك فاروق. حين استغل عدد من الصهاينة حسن نية الملك، وسعيه نحو التقدم والتطور لبلاده، حين استغل تطلعات الملك برفسور يهودي ألماني، يدعى /كورت زاكس/، فقام بسرقة الألحان المصرية والعربية. من خلال حيلة قذرة حين أوحى للملك فؤاد، بضرورة عقد مؤتمر عربي في القاهرة للموسيقى العربية. وتم ذلك حين زار مصر عام 1929،بدعوة من تلميذه محمود الحفني، الذي عرفه على الملك فؤاد. فعرض عليه فكرة المؤتمر. ثم أعد تقريراً لمعهد فؤاد للموسيقى، يؤكد فيه على أهمية المؤتمر.

وفي عام 1932 أصدر الملك فؤاد أمراً ملكياً، بتشكيل لجنة لتنظيم المؤتمر، وضع فيه محمود الحفني سكرتيراً عاماً لها. مع تشكيل لجنة أخرى لتسجيل الألحان، التي ضمت مجموعة من أساتذة يهود مختصين بموسيقى الشعوب، ومنهم: المؤلف الألماني /بول هند منت/ الأستاذ بمدرسة الموسيقى العليا ببرلين، والدكتور /هارتييز/ من جامعة برلين، والدكتور /كورت زاكس/ مدير متحف الآلات الموسيقية، والدكتورة/ بريجيت شفر/ عميدة معهد المعلمات للموسيقى بمصر.

وقامت لجنة الألحان المذكورة بتسجيل /178/ اسطوانة شمعية، ضمت العديد من الألحان المصرية، إضافة إلى ألحان شعبية لفرق عربية كالسودان وسورية والمغرب والعراق وتونس والجزائر.

وأرادت الحكومة المصرية أن توثق تلك الأسطوانات بطبعها على أسطوانات بلاستيكية، وقد يكون ذلك تم بإيحاء من قبل لجنة الألحان. وبدلاً من أن تقوم الحكومة بذلك، أو تكلف عربياً مصرياً بها، كلفت أحد اللصوص الصهاينة الألمان من أعضاء اللجنة، ليقوم بهذه المهمة. وصرفت الحكومة المصرية له سلفة بلغت /500/ جنيه مصري، وهذا المبلغ في تلك المرحلة الزمنية، يعتبر ثروة، حيث أن راتب الموظف الكبير آنذاك لا يتجاوز بضعة جنيهات. إلا أن الصهيوني المؤتمن بدلاً من أن يطبع الألحان، ويرسلها إلى مصر، فقد طبع الألحان، وأخذها معه في عام 1935، إلى إحدى المستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة.

وبعد قيام الكيان الصهيوني، أسس قسماً للموسيقى الشرقية في الجامعة العبرية في القدس المحتلة. ومن الغريب أن يرسل إليه الدكتور الحفني برقية تهنئة لإنشاء المعهد المذكور، بدلاً من أن يطالبه بالاسطوانات التي سرقها.

من تلك الأيام والكيان الصهيوني يسعى إلى تزوير الموسيقى العربية وخاصة المصرية والفلسطينية، ليدعي بأنها تراث يهودي. وباعتبار مصر أكبر البلدان العربية، توجهت إليها السهام الصهيونية في هذا الجانب الفني الموسيقي، استمرت حالات السرقة واللصوصية للألحان. فبعد حرب عام 1967 تجولت في سيناء بعثتان صهيونيتان، بغرض جمع التراث الموسيقي الشعبي في سيناء، بأشراف مركز البحوث الموسيقية بالجامعة العبرية، وأرشيف الصوت القومي. وترأس البعثة الأولى البرفسور الصهيوني /عمنون شيلوه/، وترأس الثانية البرفسور/دونف نوى/ مؤسس أرشيف إسرائيل. وسجلت البعثتان على شريط مدته عشرون ساعة، ألحاناً من الفلكلور البدوي المصري. ثم قامتا ببيعها إلى شركة أمريكية، التي أنزلتها إلى الأسواق، بعد أن طبعتها على اسطوانات حديثة، وبيعت على أنها فلكلور صهيوني.

من الطرق الخبيثة التي يستخدمها الكيان الصهيوني لهذا الغرض، استخدام الجواسيس والعملاء بغية اختراق الثقافة المصرية، وحتى بعد توقيع اتفاقات التسوية فقد اكتشفت الأجهزة الأمنية المصرية جاسوساً يوغسلافياً، يعمل لصالح الجامعة العبرية لسرقة الألحان المصرية وكان هذا الجاسوس، واسمه /سفاني بوربيتان/ جاء إلى مركز الفنون الشعبية في القاهرة، ليقوم بأجراء بحوث في المركز المذكور. وبقي ثلاثة أشهر فيه، إلى أن اكتشف أمره.(1)

 

¾

 

(1)-خالد أبو جلالة- روز اليوسف- العدد 3485- 27-3-1995-ص62.

 

¾¡¾

 

الفصل العشرون :
قناة السويس والتآمر الصهيوني

 

 

سعت ومازالت سلطة الكيان الصهيوني، في تنفيذ رغبة مؤسس الصهيونية تيودور هيرتزل كما أشرنا في الفصول الأولى من الكتاب، إلى أن يكون الكيان الصهيوني جسراً للغرب إلى الشرق العربي والآسيوي وبالعكس. ففي أدراجهم مشروع مستقبلي في أن يتحول الكيان إلى أهم عقدة للمواصلات والتجارة بين أوروبا والشرق العربي والآسيوي. وهذا لا يتم إلا من خلال تهميش دور قناة السويس، كممر هام للتجارة الدولية بين آسيا وأوروبا.

وهذه المشاريع ظهرت على السطح بعد اتفاقات التسوية، وطرح مشروع الشرق أوسطية وانعقاد مؤتمرات دولية حول الشرق أوسطية.

فخلال تلك المؤتمرات طرح الكيان الصهيوني عدة مشاريع اقتصادية وتجارية وخدمية، تهدف في البعض منها إلى تهميش دور قناة السويس، ومن المشاريع التي طرحت في تطوير المواصلات، وخطوط الاتصالات، أبرز الكيان الصهيوني مشروعاً لشق قناة ما بين البحر الأبيض المتوسط مع البحر الميت، ثم يتم شق قناة من البحر الميت إلى البحر الأحمر. وهذا المشروع كما يراه القارئ الكريم، سيؤدي حتماً إلى إلحاق الضرر بقناة السويس كممر للسفن التجارية، من خلال وجود قناة منافسة لها.

ومن المعروف علمياً وجغرافياً أن قناة بين البحر الأبيض والبحر الميت، لا تستطيع أن تلغي دور قناة السويس لمرور السفن والناقلات، لذلك اتبع مشروع القناة بمشروع آخر، يستطيع أن يكون منافساً قوياً لقناة السويس، هو ما أسماه بمشروع /قطار السلام/، والذي ظهر للوجود بعد حرب حزيران عام 1967، وعرضه الكيان الصهيوني على المجموعة الأوروبية. ولكنه ظهر بقوة في عام، 1995 بعد أن وافقت عدة شركات هولندية وأمريكية، على مشاركة الكيان الصهيوني في إقامة شبكة من القطارات العملاقة والسريعة، تقوم بنقل بضائع آسيوية وخليجية عبر الأردن إلى الكيان الصهيوني، ومن هناك تقوم السفن التجارية الصهيونية بنقلها إلى أوروبا. ومن أجل إنجاح هذا المشروع عرضت شركة /زيم/، الذي يملك الكيان الصهيوني 98% من أسهمها، أن تقوم بنقل البضائع الخليجية والآسيوية. وتتحكم هذه الشركة بـ /21/ خطاً بحرياً وتملك /40/ سفينة نقل عملاقة.

وفي مؤتمر الشرق الأوسط المتعدد الجنسيات، الذي عقد في تشرين الأول عام 1994 في المغرب، والذي كان للوفد الصهيوني حضوره المكثف، فقد حضر ما يزيد على نصف الوزارة الصهيونية، مع رجال أعمال صهاينة يمتلكون مؤسسات اقتصادية كبيرة في أمريكا وأوروبا. وتقدم الوفد الصهيوني بعدة مشاريع نفطية ومائية وسياحية وإنشاء خطوط من الطرق في المنطقة. ومن بين المشاريع مشروعان مهمان، يؤثران على قناة السويس، الأول الطرق البرية، التي أسماها الصهاينة خداعاً بطرق السلام.

والثاني مد خطوط الغاز من الخليج إلى شواطئ فلسطين المحتلة. أما مشروع الطرق الذي تقدم به الوفد الصهيوني، فيقترح ربط مصر بالكيان الصهيوني، ثم سوريا ولبنان، وصولاً إلى الحدود التركية، ومنها إلى أوربا. ويبلغ طول الطرق المقترحة (1700)كم. على أن يتم ربط الطريق من مصر عبر الشمال الأفريقي العربي إلى المغرب، وبطول (5564)كم. والهدف البعيد من كل ذلك، تهميش دور قناة السويس، وتخفيض عائداتها، لتتحول تلك العائدات إلى الكيان الصهيوني. وإن كان هذا المشروع لم ينفذ بعد، فإن هذا لا يعني إلغاءه، بل تم تأجيله لفترة زمنية يستطيع الكيان الصهيوني، أن يحققه، حين تتوفر له الظروف والمتغيرات الدولية.(1)

من المشاريع المؤثرة على قناة السويس الاتفاق الذي عقد ما بين الكيان الصهيوني ودولة قطر في المؤتمر الاقتصادي المذكور، والذي ينص على تمديد خط لنقل الغاز القطري إلى الكيان الصهيوني ومنه إلى أوروبا. وهذا الخط يحرم قناة السويس من عائدات مرور ناقلات الغاز القطري، والخشية بعد ذلك، أن يتم إقامة مشاريع أخرى لدول خليجية لنقل البترول والغاز وغيرها. وهذا ما يؤثر فعلاً على قناة السويس كممر للمواصلات بين الخليج وآسيا وأوروبا.

¾

(1)-روز اليوسف-العدد 3465- تاريخ 7-11-1994.

¾¡¾

 

الفصل الواحد والعشرون:
محاولات تطبيعية في السينما المصرية

 

 

لم تمض أشهر معدودة على التوقيع على اتفاقات كامب ديفيد، حتى جرت عدة محاولات من قبل الكيان الصهيوني، للقيام بإنتاج أفلام مشتركة مع مصر، وخاصة التي تتحدث عن أساطير اليهود حول هجرتهم من مصر إلى فلسطين منذ أربعة آلاف عام. وبهدف إثبات ما عجزوا عنه علمياً وتاريخياً وأثرياً، بعد التنقيبات الواسعة في كل شبر من أرض فلسطين بعد احتلالها. ففي 24 أيلول عام 1979 تقدم (ديفيد جولد شتاين) مدير ما يسمى باستوديوهات إسرائيل المتحدة، بطلب إلى رئيس الوزراء الصهيوني بيغن، عن طريق مستشاره (دان باتير)، لمساعدته في تنفيذ فلم مشترك مع شركات التلفزيونات الغربية، يتحدث عن هجرة اليهود من مصر منذ أربعة آلاف عام بقيادة النبي موسى، إلى فلسطين كما أشرنا أعلاه. ويطلب من بيغن، أن يتدخل لدى السلطات المصرية للمساعدة خلال زيارته إلى مصر، وقد أرفق جولد شتاين ملخصاً للفلم.

وكان ملخص الفلم يتضمن النص التالي: (في الزمن القديم منذ حوالي 4000 عام، كانت توجد علاقات طيبة بين عائلات اليهود من فلسطين والمصريين. وأثناء الجفاف كان اليهود، يذهبون إلى مصر، والتي كانت في هذا الوقت بلداً زراعياً متطوراً طالبين الطعام. وبمرور الوقت تلقوا الموافقة على بقائهم في الجزء الشرقي من البلاد، والمسماة بأرض جوشين. هذه المنطقة هي المعروفة حالياً بالمنطقة بين غرب القناة وغرب الإسماعيلية، وكان فرع من النيل يمر بها جالباً المياه، مما يجعلها أرضاً مثمرة.

وقد استقرت الأسر اليهودية هناك وعاشوا في سلام مع المصريين. وهناك أصبح جوزيف (يوسف) واحداً من أهم الوزراء في ساحة الملك المصري. وبعد مئات السنين، وفي القرن الثالث عشر بدأت المشاجرات الثقيلة بين قوتين عظميين في العالم: مصر (القوة الجنوبية) ومملكة الحثيين (في الشمال). وأثناء تولي رمسيس الثاني، بدأت حروب ضارية بين هاتين القوتين العظميين. وكانت نفقات الحرب هائلة، مما تسبب في وجود ضرائب كثيرة فرضت على الناس. وكانت المعاناة من نصيب هؤلاء الذين بقوا في جوشين من اليهود. وكان الحمل الذي دفعوا به إليهم عن طريق العمل الصعب والضرائب الثقيلة، هو ما وضعهم أمام القرار بالرحيل من مصر، والعودة إلى أرض كنعان، مع قائدهم موسى أول الأنبياء، والذي ترعرع في ساحات الفرعون. وتوجهت القبائل اليهودية شمالاً إلى أرض كنعان، مروراً بصحراء سيناء، حيث أعطوا التوراة على جبل سيناء(1)

يتبين لنا من نص الفلم أن تزويراً واضحاً في الحقائق التاريخية، فلم يكن بنو إسرائيل بتلك القوة، التي تجعلهم يتحملون تكاليف الحرب. كما أن القبائل من بني إسرائيل لم تكن موجودة بحجم قبائل. وعندما اختير يوسف وزيراً، والذي تم في عصر الهكسوس وليس في عصر رمسيس الثاني أولاً، وثانياً أن يوسف وأباه وأخوته في ذلك الوقت هم كل بني إسرائيل. أي بيت واحد مؤلف من أم وأب واثنى عشر أخاً، لم يكونوا قبائل، لا يشكلون قوة، وليس لديهم المصدر الاقتصادي للتبادل بينهم ودولة مصر العظيمة آنذاك. بل جاؤوا إلى مصر للاستجداء وطلب العون، والإغاثة بعد ما أصابهم القحط، والدولة كانت توزع المعونات على كل الفقراء، ومنهم أبناء يعقوب. إلا أن إشارة أوقعت المؤلف في زلة لسان، لإظهار الحقيقة، حين يعترف أن فلسطين هي أرض كنعان، والكنعانيون هم عرب فلسطين.

ونعود إلى الفلم المذكور، فكان غايته، نشر دعاية كاذبة، تسوق أساطير نسجها الخيال اليهودي، ويريد أن يقدمها للعالم عبر السينما، وباعتراف مصري. واستطاع بعض الغيورين المصريين كشف هذا الفخ الصهيوني، أمثال المرحوم سعد الدين وهبة، وكان وقتها يشغل منصب وكيل وزارة الثقافة المصرية. وأيضاً الدكتور آدم شحاته رئيس هيئة الآثار المصرية. وبناء على مذكرة الدكتور شحاتة، تم الاعتذار من قبل الوزير المصري آنذاك /منصور حسن/.

وللأهمية نورد بعض ما جاء في مذكرة رئيس هيئة الآثار المصرية:

(.. أولاً- إن منطقة جوشن أو جاسان لم يتفق الأثريون عليها.. هل هي وادي طميلات بين الزقازيق والإسماعيلية، كما يرى الفلم، أم منطقة الصالحية، كما تشير بعض البحوث الحديثة؟

ثانياً-إن هذا الموضوع قطعاً سيتناول فرعون. موسى. من هو فرعون؟ والإسرائيليون أو اليهود عامة يعتقدون أنه رمسيس الثاني. وهو خطأ أثبتته مؤخراً بما لا يدع مجالاً للشك الدراسات الخاصة بعلاج مومياء هذا الملك.

ثالثاً- إن الحديث حول الصداقة بين مصر وإسرائيل في الماضي، قد تظهرها أعمال أخرى بعيدة عن خروج بني إسرائيل. الذي هو موضوع حساس للغاية. إذ يصور غرق ملك مصري. يصوره اليهود على أنه اضطهدهم في مصر، وعذبهم وذبح أبناءهم. ويصفه القرآن بأنه طغى. وأنه غرق، وأن الله نجاه ببدنه. إلى غير ذلك. مما لا مجال له الآن. ومما نعتقد أنه يسيء إلينا. ولا يمكننا أن نشارك فيه.

رابعاً-لا يزال خروج بني إسرائيل يكتنفه الغموض. ولا يوجد في الآثار ما يدل حتى على وجود موسى. وإنما تشير لوحة النصر لمرنبتاح إلى ضربه شعب إسرائيل. وهزيمته لهم. وتعقبهم حتى فلسطين، التي أخضعها كما ثبت أن كثيراً من العلماء قد وقعوا في الخطأ، حين اعتمدوا في بحوثهم على إثبات ما ورد في التوراة. فأثبتت الكشوف الأثرية بعد ذلك وقوعهم في هذا الخطأ.)(2)

وعلى أثر مذكرة رئيس هيئة الآثار المصرية، تم رفض وزارة الثقافة لهذا الفلم الصهيوني. الذي يرمي لإثبات أساطير وأكاذيب صهيونية، بغية تزوير حقائق التاريخ، لتصب في مصلحة المشروع الصهيوني.

ولم تنته المحاولات الصهيونية عند إنتاج هذا الفلم، بل استمرت المحاولات الصهيونية لاختراق الفن المصري، وخاصة في المشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي. الذي كانت أهم أهدافه، الرد على ما يسمى بمهرجان القدس السينمائي الدولي، الذي يقيمه الكيان الصهيوني. وقد نجح الصهاينة في المشاركة في مهرجان القاهرة، بعد اتفاقات كامب ديفيد عام 1978 بمنتجين. ثم مرة أخرى عام 1979، حين وجهت الدعوة إلى الممثلة الصهيونية /إليزبيت تايلور/ لحضور المهرجان. وبعد ذلك العام كان لعدد من الفنانين المصريين ووزارة الثقافة، دور قومي فاعل في وقف المشاركة الصهيونية في المهرجان.

واستمرت المحاولات الصهيونية لاختراق السينما المصرية، فبعد اتفاق التسوية مع مصر سعت لسرقة الأفلام المصرية، وتسويقها، دون أذن مسبق من المنتجين المصريين. وكتب الصحفي المصري حلمي هلالي مقالة في مجلة روز اليوسف بعنوان /ثلاث طرق لسرقة أفلامنا في إسرائيل/ أشار فيها إلى تلك السرقات فقال:

(.. لا تحتاج إسرائيل إلى خطط سرية، ولا وسائل صعبة لسرقة أفلامنا السينمائية. وهي لا تخجل بالطبع من ارتكاب فعل السرقة، لأنه فعل مكشوف بالصوت والصورة، أمام ملايين المشاهدين داخل إسرائيل وخارجها، عبر قنواتها الفضائية المتعددة. وإذا كنا لم نستطع حتى الآن، الحصول على حقوقنا المسروقة مادياً وفنياً، فلنحاول على الأقل أن نكشف طرق السرقة. ربما يستطيع مسؤولونا مواجهتها)(3)، وكشف الصحفي عن قيام تلفزيون الكيان الصهيوني بسرقة آلاف الأفلام المصرية، والتي تتواجد في مكتبة التلفزيون الصهيوني في القدس، وهي مخزنة في مكتبة إلكترونية. وأن الكيان الصهيوني حقق أرباحاً جمة من تلك السرقات، بلغت كما قدر الصحفي سبعة عشر مليون دولار في عام 1994.

وبين كيف تتم عمليات سرقة الأفلام المصرية، ومنها تسجيل الفلم عن طريق القناة المصرية الفضائية، أو عن طريق إرسال مجموعة صهيونية إلى القاهرة، تقوم بشراء الأفلام من السوق. ويحدد الصحفي مكاناً، يكاد أن يكون هو الوحيد، الذي يبيع الأفلام للصهاينة، والذي يقع في شارع الشواربي في وسط القاهرة. وكشف عن طريقة ثالثة خبيثة، حيث يتم شراء بعض الذمم الضعيفة من العاملين البسطاء في مدينة السينما، أو في التلفزيون المصري، ليقوم بسرقة نسخة من الفلم، وينسخها ويبيعها للعصابة الصهيونية.

وكما يقول الصحفي هذا ما تم لفلم /أرض الأحلام/ لفاتن حمامة. حين قام التلفزيون الصهيوني بعرضه، قبل أن يعرض في دور السينما بمصر. وإلى جانب بشاعة السرقة، هناك عملية سرقة وهج الفلم، الذي يعرض لأول مرة. ثم إلى إلحاق الخسائر به، بسبب رؤية المشاهد للفلم، الذي يعرض عبر القناة الفضائية. كما يسقط أسبقية العرض من قبل دار السينما المصرية.

ويصف الصحفي حلمي هلالي مكاسب اللصوصية الصهيونية من الأفلام المصرية، التي تمت سرقتها، بقوله (.. والأفلام المصرية بالنسبة للتلفزيون الإسرائيلي، هي الدجاجة التي تبيض ذهباً. فهي المادة الأكثر رواجاً بين المشتركين، الذين بلغ عددهم مليوناً و 714 ألفاً و 791 مشتركاً عام 1994. دفعوا نظير المشاهدة 17 مليون دولار. وازداد عددهم إلى مليونين و 200 ألف عام 1995. ومن المتوقع أن يدفعوا 21 مليون دولار، طبقاً لإحصائيات التلفزيون الإسرائيلي.).(4)

وهكذا تتم سرقة جهد الأخوة المصريين في القطاع السينمائي، من قبل اللصوص الصهاينة، الذين يقومون بالسطو في وضح النهار على صناعة السينما المصرية.

ومن أساليب الخداع والتضليل التي تستخدمها الصهيونية، لاختراق السينما المصرية، أن أرسلت رسائل من داخل الكيان الصهيوني إلى المنتجين المصريين، تحت اسم (استوديوهات روم) في تل أبيب، لتقديم خدمات لمنتجي الأفلام المصرية في الترجمة والتصوير. وبأسعار مغرية، ووقع على تلك الرسائل مدير تلك الاستوديوهات /عانات راشانسكي/. والهدف من كل ذلك، أن يتحول المنتجون المصريون لاستخدام الاستوديوهات الصهيونية، بدلاً من المصرية، مما يعني تدمير الصناعة السينمائية المصرية، وإشراك الأخطبوط الصهيوني في صناعتها(5).

وعن نص الخطاب الصهيوني، الذي أرسل من قبل ما يسمى استوديوهات روم في تل أبيب، فقد تضمن ما يلي: (.. استوديوهات الـ(روم)، هي الاستوديوهات الوحيدة في إسرائيل، التي تقدم خدمات الترجمة للسينما والفيديو.. منذ إقامتها قبل عشرة أعوام، اكتسبت استوديوهات الروم شهرة كبيرة، كأفضل معامل لترجمة وطباعة أفلام السينما والتلفزيون في إسرائيل.. تتم الترجمة في استوديوهات الروم من وإلى جميع اللغات، ومن ضمنها من وإلى اللغة العربية.. تشمل قائمة زبائننا أشهر موزعي الأفلام في إسرائيل والعالم.

تتم ترجمة أفلام السينما (35مم) بطريقة الليزر المحسوبة، والتي تضمن أحرفاً واضحة ومقروءة أفضل من أي طريقة أخرى. معمل ترجمة الفيديو مجهز بأحدث الأجهزة المتقدمة. وبتجهيزات مختلفة.. قسم متخصص بإنتاج أفلام الإعلانات التجارية والأفلام الوثائقية. والأفلام السياحية. والأفلام الرياضية وغيرها.

يسرنا أن نقيم علاقات تعاون عمل. وتعاون معكم. والرجاء عدم التردد في التوجه إلينا لطرح أي أفكار عملية مع الشكر. والتمنيات بعمل مثمر.)

ووقع عليها مدير استوديوهات روم /عانات راشانسكي/.(6)

ولقد وقفت نقابة الفنانين العرب موقفاً مشرفاً، تجاه محاولة الاختراق السينمائي المصري، فقد وجه تحذيراً يومها المرحوم سعد الدين وهبة لكافة المنتجين المصريين، من التعامل مع استوديوهات الكيان الصهيوني المشبوهة، أو التعامل السينمائي معه. حيث لن يجدوا فناناً يعمل معهم.(7).

ومن المحاولات الصهيونية الأخرى لاختراق السينما المصرية، اعلان الكيان الصهيوني عن تقديم منحتين لدراسة مؤثرات الفيديو والأدب والشعر للشباب المصري عن طريق اليونسكو. وجاء في الإعلان الصهيوني، أن مدة المنحة الواحدة ثلاثة أشهر. وجاء في الإعلان أن المنحة الأولى لدراسة مؤثرات الفيديو، والثانية لدراسة الأدب بكافة فروعه النثر والشعر، وأيضاً منحة أخرى لدراسة التأليف والتوزيع الموسيقي. واشترط الكيان الصهيوني للمتقدمين على المنح، أن يتوفر فيهم شرطان هما: الأول أن يكون المتقدم للمنحة يتحدث اللغة العربية، والشرط الثاني ألا يزيد عمره على(35) سنة (8). ومن خلال تلك المنحة يتم زرع مسمار لجحا الصهيوني في السينما المصرية.

 

¾

 

(1)-محمد هاني- روز اليوسف- العدد 3475- 16/1/1995- ص67

(2)-المصدر السابق.

(3)-حلمي الهلالي-ثلاث طرق لسرقة أفلامنا في إسرائيل- روز اليوسف- العدد 3494- 2/5/1995- ص58.

(4)-المصدر السابق.

(5)-(انظر إلى الوثائق)/ وحيد حامد- روز اليوسف- العدد 3487- 10/4/1995.

(6)-المصدر السابق.

(7)-المصدر السابق.

(8)-وائل لطفي. روز اليوسف- العدد 3487- 10-4-1995-).

 

¾¡¾



 

  

الفصل الثاني و العشرون:
أنصار السلام الصهيوني

 

 

بدأت طلائع الغزو الصهيوني الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والتجسسي.. الخ، لمصر منذ بداية زيارة السادات للقدس المحتلة عام 1977، واندفعت بقوة بعد التوقيع على اتفاقات كامب ديفيد. وكانت أولى اهتماماته لإنجاح الغزو، ولابد من ترتكز على تشكيل قوة إسناد داخلي، تتكون من مجموعة من المثقفين داخل مصر، يناصرون مشروع سلامه المزيف، يقومون بتسخير أقلامهم وعقولهم لصالح أهداف غزوه، تحت شعار السلام والتطبيع.

فتم افتتاح المركز الأكاديمي العلمي الإسرائيلي التجسسي لهذه المهمة كما أشرنا في فصل سابق. ولم تتوقف الحملة الثقافية الصهيونية فقط على المركز، بل قاد المسؤولون الصهاينة هذه الحملة، ومنهم من كان على أرفع الدرجات في السلم السياسي في الكيان الصهيوني. من أجل كسب مثقفين مصريين، يسخرون عقولهم وأقلامهم لصالح المشروع السلمي، وشارك في الحملة الصهيونية قيادات صهيونية بما فيهم رئيس الدولة آنذاك إسحاق نافون.

فخلال زيارة إسحاق نافون رئيس دولة الكيان الصهيوني إلى مصر في 26/ تشرين الأول/ عام 1980، طلب بشكل علني، أن يتم تسخير أقلام عدد من المثقفين المصريين، لصالح مشروع التسوية مع الكيان الصهيوني، وتحدث أثناء الزيارة فقال:

(إن الشعبين بحاجة الآن إلى سلسلة متواصلة الحلقات، من لقاءات التفاهم، والتعاون في المجالات الثقافية الواسعة. أكبر من عقد المزيد من صفقات الاستيراد والتصدير.)(1)

ومن ضمن كلمته تلك، ذكر أن الدكتور طه حسين قام بزيارة الكيان الصهيوني، وأنه رافقه في زيارة إحدى (الكيبوتس)، حيث انبهر طه حسين للعلاقة الاجتماعية، التي يعيشها سكانه(2). وقد كذبت ابنة طه حسين هذه الحادثة، وذكرت إن الأديب الكبير الراحل كان في طريقه بالسيارة إلى لبنان، فأحب زيارة القدس والمسجد الأقصى. وفعلاً زار الأراضي الفلسطينية، إلا أنه لم يلبث فيها سوى بضع ساعات فقط. ونفت الحادثة التي أوردها نافون. ومن المعروف أن الأوضاع العربية والمصرية خاصة آنذاك، لا تسمح لأي كان، أن يقوم بزيارة الكيان الصهيوني. حيث كانت تعتبر من أشد أشكال الخيانة، وخاصة أن مصر والكيان وقتها، لا يزالان في حالة حرب. والدكتور طه حسين من الاستحالة بمكان أن يقوم بهذا العمل.

وحاول نافون خلال زيارته إلى مصر أن يتقرب إلى المثقفين المصريين، فأعلن عن رغبته في حضور إحدى المسرحيات، التي كانت تعرض في القاهرة. فرفض الفنانون المصريون، أن يقوموا بالعمل المسرحي، بحضور رئيس الكيان الصهيوني، مما أدى إلى إلغاء تلك الرغبة.

ثم دعا إلى مقر إقامته عدداً من الكتاب والأدباء المصريين، فرفض غالبية من وجهت إليهم الدعوة، عدا نفراً قليلاً منهم: (ثروت أباظة، ويوسف جوهر، والدكتور أحمد هيكل، والدكتور زكي نجيب محمود، والدكتورة سهير القلماوي، والدكتور إبراهيم البحراوي، والدكتور عبد الحميد يونس، والدكتور محمد عبد المنعم خفاجي. وقد طرح نافون عليهم تغيير صورة الصهيوني في أذهان الرأي العام المحلي والعربي، وقال بالحرف الواحد: (المرسوم عنا في أدبكم ووسائل إعلامكم لم يكن له أساس من الواقع)(3).

وبعد فترة من زيارة نافون إلى مصر، وقيام المركز الصهيوني الأكاديمي بنشاطاته الواسعة، ظهرت تشكيلة صغيرة قياساً لعدد من المثقفين، تدعو للتطبيع مع العدو الصهيوني، وتدافع عنه، وتشكل الجمعيات الخاصة بالتطبيع، وتعقد المؤتمرات والندوات الإقليمية والدولية من أجل تسويق السلام الصهيوني، بل وصل البعض إلى الغرام بالكيان، وأشهر قلمه وفكره في الدفاع عنه، وهكذا ظهرت مجموعات التطبيع في مصر العربية، منها من خدع ومنهم من باع نفسه للصهاينة.

ومن الغرابة أن تظهر طبقة من المثقفين تروج للمشروع الصهيوني، وتخون بلدها، وتدعو لتصالح الحمل والذئب، والمغتصب والضحية. وتروج لبضاعة صهيون الفاسدة، التي تدعو إلى تدمير منهجي للأمة العربية، وتغيير هويتها بهوية شرق أوسطية، تكون فيه تابعة للحركة الصهيونية، ذليلة ومستعبدة، فقد تحطم مشروعها القومي النهضوي، وقبلت بهزيمتها التاريخية أمام المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي. والغرابة في الأمر أن معظم هؤلاء المثقفين من دعاة التطبيع، يعرفون الخطر الصهيوني، وكتب البعض منهم حولـه. ويدركون حجم المأساة في هزيمة الأمة العربية ومشروعها أمام المشروع الصهيوني. وتأتي الغرابة أيضاً أن بعضهم كان يحمل لواء النضال ضد المشروع الصهيوني، ويعتبر البعض الآخر من الأقلام التي يعتز بها كل عربي. إلا أن سقوطهم في شبكة العنكبوت الصهيوني، كان لكل واحد منهم أسبابه، منهم من حلم بجائزة عالمية بتزكية صهيونية، والآخر بحث عن المال والشهرة من خلال الصهاينة.

وعبر الضجيج الإعلامي عن السلام الصهيوني، وتدفق سيل هائل من الدعايات المزيفة له، عقد في كوبنهاغن العاصمة الدانمركية، في كانون الأول عام 1995، لقاءٌ ضم لفيفاً من المثقفين والسياسيين العرب المصريين، من أمثال لطفي الخولي ومحمد سيد أحمد واللواء المتقاعد أحمد فاخر والنائبة في مجلس الشعب المصري منى مكرم عبيد، مع مجموعة من المثقفين الصهاينة، بدعوة من وزارة الخارجية الدانمركية.(4) وفي اللقاء الأول تم الاتفاق على عقد لقاء ثان، على أن يحضره عددٌ من المثقفين العرب من سورية ولبنان والأردن وفلسطين. وفعلاً عقد اللقاء الثاني في شباط عام 1996. ثم عقد لقاء ثالث في تشرين الثاني عام 1996 في السفارة الدانمركية في القاهرة. ورابع في كوبنهاكن، الذي أنهى أعماله في 31 كانون الأول عام 1997، وشارك فيه بعض الأردنيين.

وكان هذا أخطر لقاء تطبيعي لمجموعة كوبنهاكن، حيث أعلن الحضور تحالفاً خبيثاً، لتسويق السلام الصهيوني في الأسواق العربية السياسية والثقافية والشعبية. ويدعون إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني في كافة المجالات التربوية والثقافية والسياسية... الخ.

وترأس مجموعة كوبنهاكن في مصر كاتب مصري حسب سنوات طويلة على الخط القومي والتقدمي هو /لطفي الخولي/، الذي انتقل إلى دار الحق والحساب. وترأس مجموعة الصهيونية /ديفيد كيمحي/، أحد أبرز قادة الموساد، الجهاز الاستخباراتي الصهيوني السيئ الصيت. وديفيد كيمحي الذي تحول في كوبنهاكن إلى حمامة سلام، له تاريخ حافل في الإجرام الموسادي، قاتل ضد العرب في حرب عام 1948. وشارك في مذبحة كفر قاسم، وأصيبت قدمه فيها، بسبب شظايا المتفجرات التي لفها حول بيت عربي من أهل قرية كفر قاسم. وكلف بقسم أفريقيا في جهاز الموساد منذ عام 1953. ومن المهام الخطيرة التي كلف بها، ترصد زيارة سرية، كان يقوم بها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى أفريقيا، وأمر باغتياله، ولكنه فشل في مهمته.

وخلال عمله كرئيس للقسم الأفريقي في الموساد، أغاظه وجود دولة عربية في القرن الأفريقي، مع حاكم عربي عليها. فأسهم إسهاماً جيداً في دفع قيادة تنجانيقا إلى حياكة انقلاب دموي ضد العرب، في الجزيرة العربية زنجبار، راح ضحيته آلاف العرب قتلاً، وانتهى الحكم العربي فيها بعد عدة قرون طويلة. ولم يأل جهداً بعد الانقلاب في تدمير وسرقة العرب في جزيرة زنجبار، فدخل قصر سلطان زنجبار الذبيح، وسرق منه الوثائق، وما تحتويه من مستندات. وفي عام 1981 شارك مع القوات الصهيونية في اجتياح لبنان، وما أعقبه من مجازر بحق الفلسطينيين واللبنانيين. حين كلف كيمحي بمسؤولية الاتصالات مع القوى اللبنانية الحليفة للقوات الصهيونية..(5).

كما ضمت المجموعة الصهيونية لتحالف كوبنهاكن عدة أحزاب وجمعيات في الكيان الصهيوني، بلغت /30/ حزباً وجمعية إضافة إلى مركزي رابين وبيريز للسلام حتى نيسان 1998، إضافة إلى عدد من الزعماء السياسيين في الكيان الصهيوني مثل /ديفيد ليفي/ وزير خارجية حكومة أيهود باراك السابقة، وصاحب الكلمات النازية والعنصرية، والتي فاقت عشرات المرات خطب هتلر وموسليني، حين هدد علانية بقتل أطفال لبنان وشبابه ونسائه. بل هدد علانية، ومن وسط الكنيست حرق لبنان، وهدر دماء أبنائه. كلمات لا يجرؤ أي سفاح اليوم أن يتلفظ بها. فتصور أن يكون ديفيد ليفي من جماعة تحالف كوبنهاكن للسلام.

ومن رحم تحالف كوبنهاكن ولدت في القاهرة جمعية أخرى سميت /جمعية القاهرة للسلام/ في آذار 1998. أسسها لطفي الخولي وعدد من جماعة كوبنهاكن، وبلغ عدد مؤسسيها /30/ مؤسساً، ثم انضم إليها /72/ من مرتزقة الموائد الصهيونية. وأصبح السفير صلاح بسيوني رئيساً لمجلس إدارتها، وكان سفيراً لمصر في الكيان الصهيوني.

وفي لقاء صحفي مع لطفي الخولي نشر في نيسان 1998، سأله الصحفي عن برنامج الجمعية القادم فأجاب: (اتفقنا على ثلاث خطوات: الاتصال بمراكز القرار السياسي بدول العالم، حيث يسافر الشهر القادم وفد التحالف إلى أوروبا، ووفد آخر إلى أمريكا. ولأول مرة يذهب العرب والإسرائيليون معا.)

وعن الخطوة الثانية كانت عقد مؤتمر دولي في القدس الشرقية في 21 حزيران 1998. وعن الخطوة الثالثة التي قال عنها الخولي: (التجهيز لمؤتمر دولي كبير يعقد بعد سنة للإعداد لموقف عربي إسرائيلي من أجل السلام).

وعن سؤال عن مصدر التمويل للجمعية، ذكر أنها من معونات داخلية، ومن تبرعات الأعضاء، وحين سأله الصحفي عن التمويل الخارجي أجاب: (أي تبرعات دولية ستكون تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية. وعندنا لجنة مالية يترأسها علي الشالفي. وأترأس أنا لجنة الاتصالات الدولية، ولدينا مركز دراسات وأبحاث خاص بالواقع الإسرائيلي، وتطوره، وتحركه، ويترأسه الدكتور عبد المنعم سعيد)(6).

واستطاعت الحركة الصهيونية أن تجد لها في مصر العربية، بعد الهجوم المكثف تحت عباءة السلام، قوى خرجت عن أمتها والشعب العربي المصري الأصيل، الذي قدم تضحيات جساماً وما زال في تصديه للمشروع الصهيوني. ومن المؤسف أن تلك الحفنة الصغيرة، أصبحت تنعق بالنشيد الصهيوني، وتقوم بتسويق المشروع الصهيوني في الساحة السياسية والثقافية العربية، وبدون حياء أو خجل. فيخرجون على الأقنية الفضائية العربية والعالمية، يعلنون بيعهم للقضية العربية، وتحت شعار الواقعية، يطلبون من الأمة الاعتراف بالكيان الصهيوني، وبما استلب، وما سيستلب من الأرض والكرامة والحقوق العربية

وليس غريباً من تلك الحفنة أن تضرب بعرض الحائط تضحيات الأمة العربية، في تصديها للمشروع الصهيوني العنصري الاستيطاني، وفي مقدمة المضحين كانت وما زالت مصر العروبة والإسلام. ورافضة توجهات ورغبات وآمال الشعب العربي المصري بكل فئاته، وعلى كافة المستويات الفكرية والعلمية والشعبية. لقد خرج دعاة الاستسلام للصهيونية يكفرون كل من يتصدى لهم، ويعرضون استسلاماً، يبقي الهيمنة والأرض والمياه والإنسان تحت سيطرة العدو.

ومن المضحك المبكي أن يقوم رجل متصهين يدعى سعيد كمال، يعيب على سوريا رفضها لقبول تسوية مع العدو الصهيوني، تبقي للعدو الصهيوني الأرض، وشاطئ طبريا، والتنازل عن الكرامة والحق، الذي تعترف به كل المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة. أو يكتب مطبع مسرحي يدعى علي سالم مستهجناً عدم هرولة سوريا إلى الكيان الصهيوني، والرضوخ لشروطه من أجل أن يعطيها سلاماً وأرضاً منقوصتين. أو شاعر مثل مصطفى حسن نصار، يكتب بفخر أنه صديق يوسف جينات رئيس المركز الأكاديمي التجسسي، وبفخر يقول أنه ألقى قصيدة وداع له، ويقول بالحرف الواحد: (إنني لا أخجل من أن أصف جينات بأنه كان رجلاً دمث الخلق. حلو اللقاء.. ولقد أحببت هذا الرجل وأغلقت معه صفحة عداء طويلة....) ويتابع قائلاً: (ثم ما هو الخطأ في أن يحضر شاعر حفل وداع صديقه..؟ وأن يقول في وداعه شعراً. ولماذا يعترض محرر المقال على هذا؟)(7).

ويوسف جينات هو الذي زرع الجواسيس من خلال مركزه المشبوه، والذي كشفته الصحف والمجلات المصرية، بما فيها المجلة، التي رد فيها على كاتب عاتبه في وداع جاسوس، ولكن المستنقع لا يخرج إلا ما يحتويه.

والحقيقة أن تلك الحفنة القليلة لا تشكل شيئاً أمام شعبنا العظيم في مصر الكنانة، فقد رفض ابن الشارع البسيط التطبيع مع العدو الصهيوني. بل أن الصهاينة يعرفون ذلك، فهم يلاقون من كل أوساط الشعب العربي في مصر بكل شرائحه وانتماءاته رفضاً في التعامل، والكره، يحس ويلمس الفرد العربي الخطر الكبير، الذي يحمله الصهاينة للأمة العربية والإسلامية، كما عبرت الغالبية العظمى من المثقفين وأساتذة الجامعات ورجال الدين والصحفيين عن موقف قومي صلب في مواجهة التطبيع، وباتوا يشكلون سداً منيعاً أمام الاختراق الصهيوني، ويكشفون كل زيف السلام الصهيوني، وغاياته المدمرة للأمة، ولمستقبلها وحاضرها. والقارئ يسمع ويقرأ ويشاهد كل يوم النضال اليومي، الذي يخوضه هؤلاء في مواجهة المد الصهيوني المدمر.

ومن يبحث عن دوافع بعض المطبعين، واللاهثين وراء سراب السلام الصهيوني، سيجد أن منهم من باع نفسه أمام حفنة من الدولارات، ليتحول بوقاً للمشروع الصهيوني، ومما كشفت عنه بعض وسائل الإعلام، يدعنا نفكر ملياً عن هذا اللهاث غير الطبيعي من قبل بعض المطبعين، والدفاع المستميت عن المشروع الصهيوني، والحملات الظالمة ضد من يتمسك بالثوابت القومية والأرض والحقوق.

فقد نشرت وسائل الإعلام أن الكونغرس الأمريكي رصد مبلغ خمسة مليارات دولار عام 1980، من أجل التعاون الثقافي المصري- الإسرائيلي(8)، مبلغ مغر لمن باع ضميره وأمته وحقوق وطنه. فكتبت روز اليوسف حول هؤلاء المطبعين، والأهداف التي تريدها الصهيونية فقالت ما يلي:

(حين زارت مجموعة فنانين على شاكلة حسام الدين مصطفى ومدحت صالح، وآخرين أقل شهرة إسرائيل بحثاً عن مساحة ضوء كانت غابت عنهم.. وحفنة مال سريع، يتحولون مقابلها إلى آلة دعاية، تطمئن المهاجرين اليهود إلى نجاح حلمهم في أرض الميعاد..!!

أرض أوسع، حتى من وهم يحاول كاتب مثل علي سالم أن يقنعنا به. وهو إن رحلته إلى إسرائيل (مغامرة مثقف)، يريد أن يكشف عدوه لكي يمحو تاريخاً من الصراع..!!.. هي الأرض التي أدى فيها كل منهم دوره، في التأكيد أن إسرائيل هي (الجنة الموعودة). كما تردد دعايتها دائماً.

لا لتدعوك لزيارتها، بل لتؤكد تفوقها، وكونها الدولة (السوبر)، التي تحولت من تجمع (مهاجرين) من شتات العالم، إلى (أستاذ في الحضارة)، يعلم (العرب المتخلفين) كيف يعبرون إلى سماء التقدم!! وانظر إلى هدف إسرائيل، وهو يتحقق منذ اللحظة الأولى، التي كسرت فيها حاجزاً مستحيلاً (هو الوجود الطبيعي في أكبر عاصمة عربية).

إنه توفيق الحكيم، أحد أشهر كتابنا، يقرر في 6 مايو/أيار/ 1979 إرسال برقية إلى الرئيس السادات، يقول فيها (تحية لموقفكم الراسخ أمام الأقزام.. لقد أفزعهم صلح الفئتين المتحضرتين، بعد اطمئنانهم إلى ضعف مصر، لتذل تحت أقدامهم..) ويبدو من نص البرقية إنها تأييد للسادات في مواجهة الدول العربية على خطوة "الحل المنفرد" وها هو الحكيم يصر (..إلى الأمام نحو الكرامة والحضارة.. وخطوة من المتحضرين نقابلها بخطوتين. ولن ترجع مصر مع المتخلفين للوراء).(9)

بهذا التصور خرج كاتب، كان العرب يكنون له الاحترام والتقدير من المحيط إلى الخليج. وأعطوه لقباً رفيعاً حين أسموه (رائد المسرح العربي)، إلا أن هذا الأديب، الذي بدا ينظر إليه الكثير من المثقفين العرب، منذ كتابه (عودة الوعي)، حين أراد به التقرب إلى السادات، بسبب مرحلة الرئيس الراحل الزعيم جمال عبد الناصر، الذي لم يبخل عليه بالتكريم والاحترام. فمن يقلب على من أكرمه واحترمه.؟ كيف لا ينقلب على أمته، التي وضعته في مصاف رواد نهضتها.؟ فباع كل شيء من أجل التزلف إلى الصهيونية، لعلها ترشحه إلى إحدى الجوائز العالمية، مثل نوبل وغيرها. وكم من أديب زلت كتاباته وأقواله، مثلما زل الحكيم، فانحدروا في هاوية الاشمئزاز الشعبي، وخسروا كل رصيد قومي لهم.

ورد أبناء مصر المثقفون دفاعاً عن وطنهم وأمتهم على الحكيم وغيره. حين شكلوا (لجنة الدفاع عن الثقافة القومية) في نيسان 1979، من أجل التصدي للهجمة الثقافية الصهيونية بعد اتفاقات كامب ديفيد، وأنصارها من الراكضين على موائد وبركات الصهيونية وأمريكا. فردوا على توفيق الحكيم في برقية قالوا فيها:

(إن منطق الحكيم يلتقي ومنطق عتاة الصهيونية. فالحكيم يقسم المنطقة إلى معسكرين: معسكر الإسرائيليين المتحضرين. ومعسكر العرب المتخلفين. ويجعل حضارة مصر مرهونة باقترابها من الإسرائيليين وانفصالها عن العرب) وتابعت البرقية تقول (.. بتقسيم المنطقة إلى معسكر تقدم. ومعسكر تخلف يفرغ الحكيم الصراع العربي- الإسرائيلي من كل محتوى سياسي وطني تحرري. ويفرغ السياسة الإسرائيلية الصهيونية من كل محتوى عدواني عنصري. وكأن إسرائيل لم تغتصب أرض فلسطين. ولم تحتل. ومازالت الأرض العربية)(10)

 

¾

 

(1)-روز اليوسف- العدد 3535- 11/3/1996.

(1)-روز اليوسف- العدد 3535- 11/3/1996.

(2)-المصدر السابق.

(3)-المصدر السابق.

(4)-جريدة الشرق الأوسط اللندنية- 17/2/1997.

(5)-مجلة فتح الفلسطينية- دمشق- العدد 386- 9/11/1996-ص48.

(6)-روز اليوسف- العدد 3646- 27/4/1998- ص11.

(7)-روز اليوسف- العدد 3537- 25/11/1996- ص66.

(8)-روز اليوسف- العدد 3535- 11-3-1996.

(9)-المصدر السابق.

(10)-المصدر السابق.

 

¾¡¾



 

 

 

 

 

الفصل الثالث والعشرون:
هجوم تطبيعي بعد وصول باراك

 

 

تعرض العقل العربي لهجوم تطبيعي متعدد الأشكال عام 1999، لإجباره على قبول المشروع الصهيوني، والخضوع لتوجهاته وأهدافه. كما شهد العام المذكور هجمة إعلامية من القوى الصهيونية، وحلفائها في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وتم تصوير الانتخابات التي جرت في الكيان الصهيوني، ووصول زعيم حزب العمل الصهيوني إيهود باراك، بأنه انتصار للسلام في المنطقة. وأن الصهاينة في الأرض المحتلة، قد منوا على العرب والعالم باختيارهم للسلام، وتنازلوا عن حقوقهم المزعومة باختيار إيهود باراك رئيساً لحكومتهم.

وفي ظلال تلك الزفة الإعلامية الكبيرة التي عمت أوساط الغرب والعرب اللاهثين وراء الكيان الصهيوني، وجوقة المطبعين الذين شنوا هجوماً على العقل العربي. تم عقد العديد من المؤتمرات التطبيعية، لترويض الإنسان العربي وعقله، ولوي حقائق التاريخ باتجاه أكاذيب وأباطيل صهيون.

ومن الهجمات التطبيعية التي شنت في عام 1999، الهجوم الذي شنه الأمير طلال بن عبد العزيز على كل الرافضين للتطبيع مع العدو الصهيوني عبر تصريحه لصحيفة الرأي العام الكويتية، ووصفهم بالغباء، والسبب لأنهم يرفضون زيارة الكيان الصهيوني. ثم أكد ما جاء في تصريحه للتلفزيون المصري.(1)

ولقد كان لتصريح الأمير طلال وقع الصدمة لدى الكثير من المثقفين، العرب، لما عرفوا عن الأمير، وتاريخه النضالي الطويل إلى جانب قضايا الأمة العربية، خاصة خلال تصديها للغزو الصهيوني والغربي في الستينيات. وأرجو أن تكون زلة لسان، أو تحريف في القول، حتى لا تتشوه هذه الصورة الجميلة لدى المناضلين العرب.

ومن أنواع القصف التطبيعي الصهيوني عام 1999، عقدت في جنيف في أواخر شهر نيسان جماعة كوبنهاغن (المؤتمر الدولي للسلام بين العرب وإسرائيل) مؤتمرها الرابع. بحضور عشرين شخصية صهيونية ومصرية وفلسطينية وأردنية. وتم تغطية الاجتماع المذكور من قبل مؤسسات صهيونية، تتستر وراء هيئات بحثية وسياسية دولية، مثل معهد (ودور ويلسون) الأمريكي، ومقره في واشنطن. ومؤسسة (بياجو)، ومعهد دراسات البحر الأبيض المتوسط بجامعة (لوجانو) السويسرية(2).

وفي أواخر شهر نيسان من نفس العام، عقدت ندوة خطيرة في فندق شيراتون بالقاهرة، أقامتها المراكز البحثية الأوروبية والمتوسطة (اليوريوميسكو). شارك فيها مركز موشي دايان للدراسات، مع مركز صهيوني أخر. واستهدفت الندوة، التي أقامها مركز اليورميسكو، فرض التطبيع على النخبة الثقافية العربية. ولعب أحد رموز التطبيع في مصر الدكتور عبد المنعم سعيد دوراً هاماً في الندوة، كونه يدير مركز الأهرام للبحوث والدراسات، من خلال الإسهام الكبير في تسويق الندوة، التي شبهت بأنها إحدى اجتماعات المحافل الماسونية. وقد كافأ القائمون على الندوة الدكتور سعيد، بأن عينوه عضواً في مجلس استشاري لدورية معهد الشؤون الدولية في روما. وقد أثارت هذه الندوة الصهيونية موجة غضب عاصفة في صفوف المثقفين المصريين. وأدانوها ورفضوا كل ما خرجت به من نتائج(3).

أما المؤتمر الذي انعقد في مدينة لاهاي في قصر المؤتمرات، ما بين 11 إلى 15 أيار/ مايو/ 1999، فقد كان من أضخم المؤتمرات، بسبب ما حشدت له الحركة الصهيونية من دعايات وشخصيات عالمية كبيرة. فقد حضر المؤتمر ما يقرب الثمانية الآف، من العاملين في الحقل السياسي والأكاديمي. وقد عقد المؤتمر تحت شعار /نداء لاهاي من أجل السلام/. وقد قامت بتسديد تكاليفه مؤسسات صهيونية معروفة، مثل الملياردير اليهودي المعروف (جورج سورس). المشهور عالمياً بتدمير المؤسسات المالية للعديد من دول العالم، وعلى رأسها الدول الإسلامية كإندونيسيا، وشارك في التمويل الصندوق القومي اليهودي سيئ الصيت، والذي لعب دوراً تأسيسياً للكيان الصهيوني منذ أوائل القرن العشرين، وكان وراء طرد الفلسطينيين من أراضيهم. وكذلك مؤسسة (فورد) الشهيرة، إلى جانب وزارة الشباب، ووزارة الخارجية السويسرية، وهيئة التنمية السويدية، ووزارة الخارجية البريطانية.

وقد ترأست المؤتمر المذيعة التلفزيونية اليهودية الأمريكية (كوراوايز)، زوجة الملياردير اليهودي الأمريكي (بيتر وايز). وترأس اللجنة الشرقية شيمون بيريز رئيس وزراء الكيان السابق، والوزير في حكومة باراك المعروف بنظرية الشرق أوسطية. كما شاركت مؤسسات معروفة بولائها للصهيونية، مثل لجنة السلام الفرنسية، ومنظمة إسرائيل الأخرى.

وقد خرج المؤتمر بعدة مقررات لتطبيع العلاقات العربية الصهيونية. ومنها مقترح بإقامة شبكة من العلاقات بين المنظمات العربية والصهيونية. وكلفت أحد رموز التطبيع (بهيج نصار)، الذي يدير مركزاً وهمياً باسم (المركز العربي للتنسيق)، كمنسق لإقامة شبكة الاتصالات المقترحة. والمعروف عن نصار، أنه يقيم علاقات مشبوهة مع عشرات المنظمات الصهيونية. كما دعا المؤتمر إلى عقد مؤتمر للتطبيع في إحدى المستعمرات الصهيونية/تشافي زيون/، في داخل الأراضي المحتلة بتاريخ 28 حزيران 1999(4).

ولم تتأخر مجموعة كوبنهاكن عن المشاركة في الهجوم التطبيعي الصهيوني، فعقدت مؤتمراً لها في القاهرة، في فندق /ماريوت/، حيث سمي المؤتمر باسم الفندق المذكور. ومن عوامل فقدان الحس القومي والوطني لدى هؤلاء، أن تشرفت بأن يفتتح المؤتمر التطبيعي بحضور شيمون بيريز الوزير في حكومة باراك، التي كانت تقصف لبنان وتدمر منشآته الكهربائية والجسور والطرق في نفس أيام انعقاد المؤتمر، في 25 حزيران 1999.

ففي حين كان يستقبل الوزير الصهيوني بالأحضان من قبل جماعة كوبنهاكن، كان في نفس الوقت عشرات القتلى والجرحى يتساقطون نتيجة القصف، الذي تقوم به حكومته. ومن سقوط الحياء والخجل عنهم، لم يعلن التطبيعيون على الأقل وقف المؤتمر، وتأجيله على الأقل، استنكاراً لما يجري من انتهاكات لحرمة لبنان وأهله. فانظر إلى أي مدى وصل الانحدار، لدى الغارقين في وحل المستنقع الصهيوني الآسن، الذي غرقوا فيه حتى طمى رؤوسهم.

ومن المؤسف أن يقف رئيس المؤتمر مصطفى خليل، الذي كان أحد أكبر رموز الانهيار لوحدة الصف العربي، والشريك الحميم لشيمون بيريز، في تسويق ما يسمى بالشرق أوسطية، ليساوي بين المعتدي والمعتدى عليه، فيدعو في كلمة الافتتاح إلى وقف ما أسماه بالعدوان المتبادل ما بين الشمال الإسرائيلي، والجنوب اللبناني. فأصبح الجنوب اللبناني المحتل شمالاً للكيان الصهيوني. وساوى ما بين المقاومة اللبنانية الباسلة، والكيان المحتل، فكلاهما يشنان الحرب على بعضهما. فانظر إلى أي انحدار خلقي وسلوكي، وصل إليه المطبعون المتصهينون.

والأبشع أن يطالب الوفد الصهيوني في المؤتمر، برحيل من أسماهم بالغرباء عن لبنان. ومنهم الغرباء على أرض لبنان، الذين يقصدهم المؤتمرون؟ السوريون والفلسطينيون.

ولاقى المؤتمر رفضاً وامتعاضاً شعبياً من كافة الفئات داخل المجتمع المصري، وتمثلت في ردة فعل القوى والأحزاب الوطنية والقومية على المؤتمر التطبيعي، حين عقد مؤتمران للقوى الوطنية والقومية والشخصيات العلمية والثقافية، رداً على مؤتمر ماريوت التطبيعي، وأكد المؤتمران بأنهما يرفضان التطبيع مع العدو الصهيوني.

كما غابت السلطة الرسمية عن حضور هذا المؤتمر، فلم يحضره الرئيس حسني مبارك، كما كان متوقعاً، كما أنه لم يرسل رسالة إلى المؤتمر كما جرت العادة.. أو كما صرح من قبل، صلاح بسيوني أحد زعماء التطبيع، وأبرز دعاته، والذي يرأس ما يسمى بجمعية القاهرة للسلام. ولم يحضر وزير الخارجية السيد عمرو موسى، الذي قدم اعتذاراً عن حضوره بسبب متابعته للتطورات السياسية.

وكان من أخطر نتائج هذا المؤتمر التطبيعي، الفقرة التي وردت حول القدس العربية المحتلة، فقد جاءت كما أراد الصهاينة، وما يعلنون بوحدة القدس، وأنها ستكون عاصمتهم الأبدية. فقد جاء في نص المؤتمر حول القدس ما يلي: (ضرورة إيجاد حل في المفاوضات النهائية، تضمن الاحتفاظ بها كمدينة موحدة غير مقسمة. والاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين.). وهكذا باع المتطبعون القدس، واعترفوا بها عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، قبل كل العالم الرافض لهذا الطرح، وفق قرارات الأمم المتحدة الشهيرة 242 و 338. فلا غرابة أن ينحدر هؤلاء إلى هذا الدرك المخزي.(5)

وتبقى حفنة صغيرة تركض مهرولة إلى موائد العدو الصهيوني، على الرغم من اكتشاف معظم مخططاته التدميرية للأمة العربية. حفنة من خارج الشعب العربي المصري تتسول على أبواب حاخامات صهيون، لا يملكون أي إحساس وطني وقومي وروحي. ففي الوقت الذي يدمر الكيان الصهيوني البنى التحتية في لبنان، ويقصف جنوبه وشماله ووسطه. ويعلن وزير خارجية الكيان ديفيد ليفي عن استعداده لقتل أطفال لبنان، وحرق أرضه وسكانه. في نفس الوقت تخرج علينا مجموعة منبوذة من الشعب المصري بالتقدم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بالترخيص لإقامة جمعية للصداقة المصرية- الإسرائيلية. وتضم مجموعة يرأسها مخرج فاشل يدعى نبيل فوده، وتقابل السفير الصهيوني.

والغريب حقاً أن تمارس هذه الجمعية المتصهينة نشاطها، على الرغم من عدم الترخيص لها من قبل الوزارة المذكورة. ويقف رئيسها نبيل فودة في قناة الجزيرة القطرية في مساء يوم الثلاثاء 25-5-2000، متبجحاً بجمعيته. رغم ما أصابه من مقابلة الكاتب الوطني والقومي مصطفى بكري، وعدد من المصريين والعرب، مما يستحق لخيانته لأمته وتاريخها وشهدائها.

 

¾

 

(1)-عبد الله الحسن- مجلة فتح- دمشق- العدد 443-24/7/1999.

(2)-الكفاح العربي اللبنانية- 8/5/1999.

(3)-جريدة العربي الأسبوعية- العدد- 235-20/5/1999.

(4)-عبد الحليم قنديل جريدة العربي المصرية- 8-و9/6/1999.

(5)-عبد الله الحسن- مجلة فتح- العدد 443-24/7/1999.

 

¾¡¾



  

الفصل الرابع والعشرون:
مقاومة التطبيع والمطبعين

 

 

منذ الأيام الأولى لاتفاقية كامب ديفيد، والشعب العربي المصري بكل فئاته، يقاوم التطبيع مع الكيان الصهيوني. واحتل المثقفون دوراً طليعياً ونضالياً بارزاً في الدفاع عن عروبة مصر، وعن دورها الريادي لأمتها في مواجهة المشروع الصهيوني. الذي يستهدف العرب جميعاً، ويضع في أولياته تدمير العقل العربي، واستلابه من خلال تغييره لصالح المشروع.

وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد مباشرة، شن الصهاينة هجوماً مكثفاً على العقل العربي المصري، من أجل إجراء غسيل لـه، لتزال منه ثقافة عربية وحضارة امتدت آلاف السنين، وتدمير بنية الثقافة الحاضرة، التي تراكمت عبر التصدي للمشروع الصهيوني أولاً، ولمشروع الهيمنة الغربية والأمريكية ثانياً، وما نتج عن هذا التصدي من ضحايا واحتلال للأرض.

وإن استطاع الهجوم الصهيوني أن يحقق مآربه في مجموعة صغيرة من أبناء مصر، وأن يغسل عقولها. حين كون من البعض جماعات، لتسوق غاياته وأهدافه. فإنه بالتأكيد فشل فشلاً ذريعاً في كسب الغالبية العظمى من العرب المصريين. بل كما أشرنا كسب حفنة صغيرة وضحنا في الفصل السابق مراميها من هذا التطبيع.

بدأت عمليات التصدي للهجمة الصهيونية على العقل العربي المصري، في كل المحافل والندوات وحتى في الأحياء والقرى والأسواق والمدارس والجامعات. وانعقدت المؤتمرات الحزبية والشعبية المناهضة للتطبيع مع العدو، وخرجت مسيرات جماهيرية كبرى، تعلن رفضها للتطبيع والمطبعين مع العدو الصهيوني. كما شهدت ساحات مصر وشوارعها ومساجدها وجامعاتها ومدارسها، مسيرات الرفض المطلق للكيان الصهيوني وممارساته ضد اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين. وحرق العلم الصهيوني مئات المرات ومعه أعلام القوى المساندة له. وجرى تشكيل لجان عديدة على مستوى مصر، ومن مختلف شرائح المجتمع العربي المصري، لرفض التطبيع ومقاومته بكل الوسائل المتاحة، وشجب المطبعين، ونبذهم من صفوف الشعب العربي المصري.

والدلائل على رفض التطبيع كثيرة لا تحصى، بدءاً من الامتناع عن زيارة الكيان الصهيوني، وصولاً إلى رفض كل الجمعيات والمؤتمرات التي انعقدت من أجل التطبيع، ومن ثم التصدي للمطبعين في كل المحافل الثقافية والإعلامية والسياسية والاقتصادية وحتى الدينية.

فصدرت الفتاوى الإسلامية المضادة للتطبيع، وأفتى البابا شنودة الثالث بمنع الحج إلى القدس، مادام محتلاً من قبل الصهاينة، وترجم الشرطي سليمان الخاطر رفضه للوجود الصهيوني بإطلاق النار على السواح الصهاينة في سيناء، والذي استشهد  في سجنه على يد الصهاينة الجبناء بصورة حاقدة وغريبة...

وتقدم عدد من المحامين المصريين تطالب بحل ما يسمى (جمعية القاهرة للسلام)، التي أقامتها مجموعة كوبنهاكن في حزيران (يونيو) 1998. واعتبرها المحامون المصريون جمعية تهدد الأمن القومي المصري، لأنها تدعو إلى التطبيع مع العدو الصهيوني. ورفعوا قضية ضد وزيرة الشؤون الاجتماعية ميرفت التلاوي، لأنها وافقت على تأسيس الجمعية، وبأنها خالفت القانون الصادر عام 1964. الذي يحظر على الجمعيات والمؤسسات الأهلية الاشتغال بالعمل السياسي. وبين المحامون في دعواهم حول حل الجمعية التطبيعية، بأن في دعواها إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، فهي تهدد السلام الاجتماعي. وهذا التهديد سيشمل الأمن القومي المصري، من خلال المعلومات المتبادلة مابين الجمعية والكيان الصهيوني(1).

كما رفع الدكتور عبد الحليم رمضان عريضة ضد رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس الشعب، ورئيس مجلس الشورى، ووزيري الخارجية والشؤون الاجتماعية. متهماً إياهم بأن (جمعية السلام المصرية ـ الإسرائيلية)، تمارس الخيانة، والعمالة لصالح العدو الصهيوني. وطالب المسؤولين بوقف نشاط هذه الجمعية المشبوهة. وبين الدكتور رمضان أن أهداف قيام هذه الجمعية مشبوهة، فهي تسعى لتحقيق أغراض سياسية، مخالفة لقانون الجمعيات، وطالب أن يقوم القضاء بحلها وتصفيتها. والعمل على إلزام رئيس الجهاز المركزي للحسابات بالتصفية. وأن يقدم تقريراً كاملاً عن أموالها، والمساعدات الخارجية التي تلقتها، ومعرفة الجهات الأجنبية    التي قامت بتمويل نشاطها. وذلك تمهيداً لتقديم أعضائها ومؤسسيها إلى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، والتخابر مع سفارات الأعداء، بما يضر مصالح الوطن العليا.

وأعلن الكاتب فهمي هويدي من خلال تضامنه في دعوى الدكتور رمضان، بأن الجمعية تعد اختراقاً لأوساط المثقفين المصريين، وتضليلاً للرأي العام المصري. ففي الوقت، الذي يلتف فيه الصهاينة، حول مشروعهم الصهيوني المعادي للعرب، يتعرض العالم للخداع عن طريق هذه الجمعية، ودلل على ذلك بأن أحد أهداف الجمعية، هو تنحية الليكود عن الحكم في الكيان الصهيوني. وكأن هدف هذه الجمعية ينصب فقط على هذا الحزب، أو ذاك داخل الكيان الصهيوني. وليس وجود الكيان ذاته.(2).

وكان لمواقف نقابة الفنانين العرب العظيمة، دورها الفاعل في منع الاختراق الصهيوني للسينما، والفن العربي. ونذكر هنا المواقف القومية والوطنية للكاتب والفنان الراحل سعد الدين وهبة، في مواجهة أعاصير التطبيع، والاختراق الصهيوني حتى آخر يوم في حياته. فقد رفض اتحاد الفنانين باجتماع مشترك مع مجلس غرفة صناعة السينما، توصية عام 1995، برفض أي شكل من أشكال التعاون الفني أو السينمائي مع إسرائيل..

وكذلك وقفت غرفة صناعة السينما في وجه المد الصهيوني لاختراق السينما المصرية، والإغراءات التي قدمها للمنتجين. وقال السيد عمرو الليثي رئيس شعبة الإنتاج في غرفة صناعة السينما، عن المغريات الصهيونية وأساليبها الخبيثة ما يلي: (.... الغرفة ضد التطبيع على خط مستقيم سواء، كان هذا بحسابات المبادئ. أوحتى بحسابات المصلحة... ومستحيل  أن نسمح بخروج المنتج  المصري خارج مصر.  وصناعة السينما مثل صناعة الكتاب، يمكن أن تسرق في إسرائيل. ولكنها لا يمكن أن تصنع في إسرائيل. وأعتقد من الغباء، أن يحاول الإسرائيليون إغراءنا بماكينة حديثة، أو تسهيلات ضريبية. فهذه الأشياء لا تصنع فناً، قد يحاول الإسرائيليون استغلال الظروف الحرجة، التي تمر بها السينما المصرية، مثل غياب التمويل وارتفاع الأجور وقلة الإيرادات، ولكن هذه الظروف لا تعني موت السينما المصرية.). (3).

وقفت النقابات الفنية نفس الموقف الرافض للتطبيع، والمعلن للتصدي للهجمة الصهيونية ضد العقل العربي المصري وإبداعاته الفكرية والفنية فقال السيد يوسف عثمان نقيب السينمائيين: ..(.... من المعروف إن هناك قراراً منذ أوائل الثمانينات، يحظر على أعضاء النقابات الفنية التعامل مع إسرائيل، ويفرض عقوبات تتراوح بين لفت النظر والفصل، ومن جانبنا كنقابة سينمائيين، نرى أن الفصل هو العقوبة الملائمة.)(4).

وقال السيد حامد محمود الأمين العام المساعد  للحزب العربي الديموقراطي الناصري في مصر، عن رفض الجماهير العربية المصرية للتطبيع والمطبعين(.. إن اتحاد الغرف التجارية المصرية، اتخذ موقفاً صارماً في مواجهة الاختراق الصهيوني. برفضه التعامل مع إسرائيل. القاعدة العريضة من الشعب المصري في كل القطاعات. اتحاد الصناعات. اتحاد الفنانين العرب. اتحاد العمال العرب. كل الاتحادات والنقابات والمنظمات، تقف الموقف نفسه في مواجهة التطبيع. والدليل على ذلك ما تعرض له المخرج المصري علي سالم، الذي زار إسرائيل حيث نبذ من قبل الفنانين المصريين. كذلك العمال الذين زاروا إسرائيل، وتروضوا بفكرة السلام عبر مغريات المال والجنس وغيره. فصلوا وعوملوا بقسوة من نقابة العمال، والشارع المصري إن الشعب  المصري أقام حاجزاً نفسياً في داخله، انطلاقاً من تاريخه وانتمائه
ضد محاولة التطبيع. ونحن بدورنا نحصن موقع الشارع المصري، ونشد أزره..)(5)..

ورداً على دعوات التطبيع، وعلى مؤتمرات التطبيع، التي تعقد في مصر، انتقلت مواجهات القوى الحية داخل المجتمع العربي المصري من المقاطعة شبه التامة، إلى إقامة مؤتمرات تضادية لمؤتمرات التطبيع. ففي الوقت الذي انعقد فيه مؤتمر ما يسمى التحالف الدولي للسلام العربي ـ الإسرائيلي)، الذي عقد في القاهرة في 25 حزيران 1999، بدعوى ما يسمى /جمعية القاهرة للسلام/. دعا الحزب العربي الديمقراطي الناصري إلى عقد مؤتمر وطني مضاد لمؤتمر ماريوت التطبيعي...

وعقد المؤتمر الوطني القومي في 6حزيران 1999،  تحت شعار /تحرير لا تفريط/.. وكانت رسالة المؤتمر للمطبعين، إن مصر ستبقى قلب العروبة، ومحرك نضالها، وقيادتها للتصدي للمشروعين الغربي والصهيوني... وأن الشعب العربي المصري، يرفض التطبيع والاستسلام  للصهيونية وأهدافها الخبيثة. وقد تحدث في المؤتمر عدد من الشخصيات المصرية المشهود لها بالوطنية والمواقف النضالية القومية. أمثال الفريق أول المرحوم محمد فوزي، الذي أوضح أن الصهاينة يسعون إلىكسب التطبيع، لعلمهم أن المعركة لم تنته معها، وبين في كلمته (إنَّ الصراع يدور الآن، حول اختراق الجسد العربي، لاهزيمة قواته المسلحة)...

ودعا رئيس حزب الأحرار إلى توحيد الصف الوطني والعربي لمواجهة التطبيع. أدان الأستاذ فاروق أبو عيسى رئيس اتحاد المحامين العرب التطبيع، مؤكداً على أن الصراع مستمر مع العدو الصهيوني، وطالب الجامعة العربية، بإعادة مؤسسة المقاطعة للعدو الصهيوني. وكانت كلمتي الفنان نبيل الحلفاوي، والمحامي أحمد سيف الإسلام قوية بحيث اتهمت المطبعين بخيانة وطنهم وأمتهم...

وكانت الجماهير المحتشدة داخل  قاعة الحزب الناصري، تردد هتافات حماسية ضد التطبيع، ومؤتمراته الخيانية، رافضين أن تعقد على أرض مصر العربية. وأكدت الجماهير المصرية، على موقفها القومي الثابت ضد المشروع الصهيوني وأنصاره من المطبعين(6).

وفي تموز 1999 أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري بياناً خطيراً، أعلنت فيه طرد عدد من الشخصيات القيادية في الحزب،  من دعاة التطبيع مع العدو الصهيوني، وذكر البيان أن هؤلاء شكلوا مجموعة صهيونية داخل الحزب مرتبطة بالموساد، وأنها تلقت أموالاً من جهات صهيونية مشبوهة من أوروبا، وبتزكية من مجموعة باريس الصهيونية...

وحدد البيان أسماء كل من الدكتور رفعت السعيد. وحسين عبد الرزاق. وصلاح عيسى. وفريدة النقاش. وبين اتصالات المجموعة بالحركة الصهيونية قائلاً: (إن أبعاداً جديدة قد بدأت تنكشفت، أولها واقعة الصحفيين بجريدة الأهالي، الذين تربطهم علاقات مع ضابط الموساد /يوسي عميتاي/، ثم تكشفت علاقة حسين عبد الرزاق، وفريدة النقاش، ورفعت السعيد مع هذا الضابط في مقر مجلة أدب ونقد بشارع عبد الخالق ثروت.) وأشار البيان إلى اعتراف يوسي  عميتاي  في صحيفة الحياة في مقال له يوم 6 حزيران/يونيو/1999، بعلاقته التاريخية مع رفعت السعيد منذ عام 1973.

وأكد الحزب الشيوعي المصري في بيانه، أنه لا يسمح لهؤلاء بتشويه سمعة الحزب، وضربه من الداخل، من خلال تعاملهم مع الصهاينة، والحصول على تمويل من الحركة الصهيونية عبر مجموعة باريس، أو الكيان الصهيوني عبر جهاز الموساد. وأن الحزب لا يسمح لهؤلاء بالبقاء  في صفوفه، لأنهم يشكلون خطورة على الحزب والوطن...

وقال البيان: (لقد كرسنا كل حياتنا، ومستقبلنا من أجل الوطن والشعب والأمة... ولا زلنا، وسنظل نناضل مابقي من عمر ضد الامبريالية والصهيونية. وضد رأس المال ووحشيته. ومن أجل التحرر الوطني والتوحد القومي. ولم يعد من اللائق ولا من الواجب النضالي، أن نجلس مع مجموعة صهيونية، تمثل امتداداً لجهاز المخابرات الصهيوني.)...

 

¾

 

الهوامش:

(1)ـ مجلة فتح ـ دمشق ـ العدد 421 ـ تاريخ 22/8/1998 ـ ص 26.

(2)ـ مجلة فتح ـ دمشق ـ العدد 425 ـ تاريخ 17/10/ 1998 ـ ص 23.

(3)ـ روز اليوسف ـ العدد 3487 ـ 10/4/1995 ـ ص 71.

(4)ـ المصدر السابق.

(5)ـ مجلة صباح الخير اللبنانية ـ العدد ـ 842 ـ آذار ـ 1997 ـ ص61.

(6)ـ صحيفة العربي المصرية ـ العدد 393 ـ 7/7/1999ـ وصحيفة الأهالي المصرية العدد 929 ـ 7/7/1999.

(7)ـ  مجلة فتح ـ العدد 443 ـ 24/7/1999 ـ ص 21.

 

 

¾¡¾



  

الفصل الخامس والعشرون:
الصهيونية وتدمير  القيم الروحية..

 

 

من الحرب التي تشنها الحركة الصهيونية تحت غطاء السلام الصهيوني على مصر، إضافة إلى ما أشرنا إليه في الفصول السابقة. إحلال قيم فاسدة بدلاً من الروحية العالية، التي يتمتع بها الشعب العربي المصري بمختلف دياناته وطوائفه. حيث احتل الدين الإسلامي مركزاً موجهاً للقيم الروحية، منذ أن وصل إلى مصر. وحمل العرب المصريون عبر قرون طويلة، راية الدفاع عن العروبة والإسلام. كما شكل الدين الإسلامي إلى جانب الدين المسيحي سياجاً منيعاً، أمام الهجمة الصهيونية لإفساد القيم الروحية والسلوكية الإنسانية الرفيعة، و عاملاً أساسياً في مواجهة الغزو الصهيوني..

فكما حذر علماء المسلمين وعلى رأسهم شيخ الأزهر، من الوقوع في مخططات المشروع الصهيوني الخبيثة، ودعا إلى مقاومة المشروع الصهيوني، ودعوات التطبيع المشبوهة، وساندوا نضال الشعب العربي الفلسطيني، وأصدروا العديد من الفتاوى  المضادة للتطبيع، ووصلت  الفتوى من قبل عدد من علماء الأزهر أثناء انتفاضة الأقصى إلى الدعوات إلى الجهاد ضد الوجود الصهيوني، وإلى مساندة المناضلين الفلسطينيين في تصديهم للطغيان الصهيوني.

وقفت الكنيسة القبطية ممثلة بالبابا شنودة الثالث، تصد أيضاً الهجمة الصهيونية الشرسة. وكان لمواقف هذا البابا العظيمة تجاه الكيان الصهيوني، ومسألة القدس، أكبر الأثر في منع التآمر الصهيوني، من تنفيذ العديد من أهدافه المدمرة ضد الوحدة الوطنية في مصر، فموقف البابا الجليل من عدم زيارة القدس، مادامت في ظلال الاحتلال الصهيوني، لها وقعها  السيئ على قادة الكيان الصهيوني...

ولكون المسلمين  والأقباط يقفون سداً أمام المخططات الصهيونية المدمرة، ولأثر الديانتين على أتباعهما، استخدمت الصهيونية أسلوباً قذراً وعدائياً تجاه الإسلام والمسيحية. فاخترعت للشباب المصري ديانة جديدة، تتلاءم وأهدافها الخبيثة، أطلقت عليها (عبادة الشيطان). فما هي تلك الديانة الصهيونية المصدرة للشباب العربي في مصر.؟؟..

هي ديانة أنتجتها الحركة الصهيونية، ونشرتها في أوروبا وأمريكا، مستغلة عوامل الانهيار الروحي في الغرب المادي، وانتشار الإباحية، والمخدرات والفوضى الاجتماعية، وتزعزع قيم الأسرة، والانفلات الاجتماعي، والجنسي، وسيادة الخلاعة، والموسيقى الصاخبة، وغيرها.... من العوامل الكثيرة، التي استغلتها لتدمر القيم الروحية في الغرب الأوروبي والأمريكي  وهذا ليس لعدائنا  للصهيونية، بل ما أقرته بروتوكولات صهيون. وأتمنى من كل عربي وكل إنسان على الأرض قراءتها. فأخرجت الصهيونية بعد أن دمرت في الغرب القيم الروحية، عبادة الشيطان، التي تتلاءم والغرائز الجنسية والمادية، التي تم غرزها في الوسط الشبابي في الغرب...

أما عن ماهية تلك الديانة، فقد وضع قواعدها الأمريكي (انطوني ساندرو)، الذي أوجد له كتاباً روحياً خاصاً بها؛ أسماه/ الإنجيل الأسود/، ووضع كلمات وأغانياً تمجد الشيطان اللعين.وورد في إنجيله هذا وصايا أساسية هي:

*ـ الشيطان يمثل الانغماس الذاتي للإنسان في شهواته، بدلاً من الامتناع والتغيب.

*ـ الشيطان يمثل الوجود الحيوي، بدلاً من الأمل الكاذب الوهمي..

*ـ الشيطان يمثل الحكمة غير المشوهة، بدلاً من خداع النفس بأفكار زائفة..

*ـ الشيطان يمثل الشفقة لمن يستحقونها، بدلاً من مضيعة الحل للمعاقين وجاحدي الجميل.

*ـ الشيطان يمثل الانتقامية، بدلاً من إدارة الخد الآخر.

*ـ الشيطان يمثل السفولية تجاه الشخص المسؤول، بدلاً من الاهتمام بمصاصي الدماء والمعتوهين.

*ـ الشيطان يمثل حيواناً، وبسبب روحانيته الرائعة، أصبح أعنف حيوان على الإطلاق..

*ـ الشيطان يمثل كل ما يطلق عليه خطايا، لأنها تؤدي إلى الإشباع العضوي والعقلي والعاطفي..

*ـ الشيطان يمثل أعزَّ صديق للمعبد، لأنه أبقى المعبد نشيطاً كل هذه السنوات.(1).

أما طقوس عبادتهم فهي تدل دلالة واضحة على الأصابع الصهيونية وراء تلك العبادة، وأنها هي صانعتها. وهي تدعمها وتروجها في الغرب والعالم كله، فمن يرجع إلى بروتوكولات حكماء صهيون، سيرى كيفية إحداث أنواع من الفساد، وطريقة نشرها. ومن الدلائل  التي تثبت أنها صناعة صهيونية، هي الشعائر والطقوس، التي يمارسها أتباع تلك العبادة...

فالقيام بطقوس العبادة يتطلب أن تتألف المجموعة، التي تقيم شعائر عبادتها من ثلاثة عشر فرداً من بينهم فتاة واحدة. فيشكل الاثنا عشر نجمة سداسية هي نجمة داود اليهودية، وهذا رمز يهودي واضح.  ثم تقف الفتاة في وسط النجمة السداسية، حيث تبدأ الطقوس الشيطانية، فتتعرى تماماً، وتبدأ العبادة بذبح حيوان، ويلطخ عبدة الشيطان أجسادهم بدم الحيوان المسكين، وتعزف الموسيقى الصاخبة، مع نشيد يمجد   الشيطان، أطلقوا عليه (المفاتيح السبعة). وهي على غرار الأعمدة السبعة، ويتضمن هذا النشيد في بعض فقراته كلمات من الديانة اليهودية مثل: (يهوا. هرمجدون. السبت.).

وخلال التراتيل بالنشيد الشيطاني، والمقصود إحضار الشيطان، تتم الممارسة الجنسية مع الفتاة، التي تقف وسط النجمة السداسية. وكثيراً ما تقام تلك الطقوس في المقابر، وفي ليالٍ محددة. أما النشيد المسمى  الأعمدة السبعة، فهو يتضمن التالي:

(المحاربون المقاتلون يجتمعون بهدوء حول المدينة المقدسة. وشيطان الجحيم يصرخ. وملائكته تسقط الانتقام على الأرض...

الطغاة يحققون الخراب على أرض الحب.

الشياطين تتآمر لتقلب الجنة إلى رماد

حامل العلم يختار من جماهير الشيطان، ليحمل علم الجحيم إلى أعلى.

الشيطان يعبر عن كلمات الحرب ضاحكاً، ترتعد الجنة من الخوف.

هرمجدون الموضوع، الذي ستجري فيه المعركة الفاصلة بين قوى الخير وقوى الشر.

ينشد أغنية المعركة قريباً جداً، فلنبدأ احتفالات يهوا بالجحيم، من الذي سيحمل مفتاح البوابات السبع؟.. ضحكة شيطانية.

الذي يخدم السيد يتحرر من الجحيم.

يقول الكاهن: ـ يوم السبت (يوم الراحة) الهجوم.

توجوا أرواح الشيطان. أظهروا أنفسكم متولين الحكم /خوف الملائكة يقاوم/. لا شيء يوقف العاصفة.

أخبروا رئيس الجحيم... اقتحموا البوابات حرروهم من قوة الجحيم. من الجبل ينبثق العبيد... سوف نحطم الفردوس...

للعون تتقدم الجيوش القوية، تحطم البوابات. وتدخل حرة.

إن ملكنا ملك الجحيم، يجب أن يأخذ عرش الآلهة... سماوي جهنمي.

بنشر الرسالة إلى بعيد، يأخذها إلى السماء الشياطين المسعورة.

الملائكة تبكي... الشيطان يأمر باللهو والعربدة).(2).

وتعتمد تلك العبادة على إثارة الغرائز، والرغبات الجنسية والعاطفية البهيمية والحيوانية، وتعتمد على المخدرات والجنس، ثم على موسيقى الإثارة، وهي موسيقى، لا تقوم على العفوية، بل تبنى على أسس علمية دقيقة. فقد أوضح أحد أعمدة الموسيقى الشيطانية، ويدعى (أوزي أسيون)، بأنهم  يعملون للسيطرة على عقول مستمعيهم. فموسيقاهم تسمى (هارد روك). وترتكز عليها تلك العبادة. فيطلبون من مستمعيهم حقن أنفسهم بالمخدرات عبر الجلد.

واضعو موسيقى هارد روك من علماء نفس، وشعراء، وملحنين يبثون من خلال الموسيقى تناول المخدرات، وممارسة الجنس الجماعي، ثم يعزفون ألحاناً، تبث رسائل خفية إلى المستمعين بواسطة ذبذبات موسيقية، تخرق حالة اللاوعي عند الإنسان، فتقوم بإثارة غرائزه الحيوانية، التي تتطلبها عبادة الشيطان.

من خلال ما عرضناه، يتبين للقارئ مدى خطورة هذه العبادة، على بعض الشباب العربي غير المحصن بالقيم الروحية. والمنبهر بالحضارة الغربية، ويحاول تقليد كل ما يصدر عنها دون تدقيق لما يأخذ. وتستغل العاطلين عن العمل، أو المصابين بأمراض نفسية، بسبب عوامل اجتماعية واقتصادية مختلفة.

هذا ما قامت به الصهيونية حين استغلت أوضاع بعض الشباب المصري، فنشرت (عبادة الشيطان)،  في وسط بعض الشباب في مصر، والخطورة إن علمنا، أن تلك العبادة   قد انتشرت بشكل يثير الدهشة، فقد انتمى إلى تلك العبادة خلال ثلاث سنوات فقط من عام 1994، إلى عام 1997، ما يقارب (1300) شاب وشابة...

أنشَؤُوا  نادياً خاصاً بعبادة الشيطان أسموه /دوم كلوب/. وقد بدأت تلك العبادة، كما تشير الصحف والمجلات  المصرية بتاريخ 15/1/1994. حين التقى شاب مصري يدعى (عماد شحاته)، الذي أصبح كاهن ديانة الشيطان، وأطلق عليه اسم (خادم الشيطان)، مع زميل له يدعى خالد مدني مع مجموعة صهيونية قادمة من الكيان  الصهيوني، كانت تقيم بالقرب من شاطئ العسلة على البحر الأحمر في مصر.. ودفعهم حب الاستطلاع لرؤية ما يقوم به هؤلاء الصهاينة، الذين يمارسون المجون في مخيمهم. فدعاهم زعيم الجماعة الصهيونية ويدعا /ارييل حاييم/ إلى مخيمه، فلبوا دعوته، وشاركوهم بما يقومون به من أفعال شائنة.

وتكرر اللقاء مرة أخرى، فعرض عليه حاييم الانضمام إلى جماعة عباد الشيطان، فقبل المذكور، فتم تنسيبه إلى جماعتهم، ووعده بسفرة إلى الكيان الصهيوني، ثم إلى أمريكا، إلى المعبد الشيطاني هناك، ثم انضم إليهم خالد المدني. وعرض حاييم عليهما، إنشاء نادٍ لعبادة الشيطان في مصر، وستموله مادياً الصهيونية باسم الموسيقى السوداء.

ومن بعدها لقن حاييم مريديه المصريين كتاب الجماعة الظلام المقدس. ويقول عبد الله الحسن: ..(... وراح حاييم يشرح لهم مبادئ جماعته... والتي يتضمنها الكتاب المقدس أو الظلام المقدس حسب تسميته. وهذه المبادئ: كل إله ذاته. والدين هو ما تعتقده أنت. بما يحقق سعادة الجسد. بعيداً عن الأفكار الأسطورية من وجود جنة أو نار. ولابد أن ينتصر الشر في النهاية. ويظهر ابن الشيطان الذي سيخلص  العالم من البشر. وتحريم الزواج وممارسة الجنس والشذوذ. وقتل الضعيف للإيمان أن البقاء للأقوى.... وفي مساء ذلك اليوم دعا حاييم عماد  شحاته وخالد مدني وأصدقاءهما المصريين  إلى حفل خاص مزقت فيه المصاحف والأناجيل. واشتعلت الشموع.)(3).

واستطاع عماد شحاته وخالد مدني مع عبد الله عبد الحليم، من تكوين  خلايا لشباب تتراوح أعمارهم مابين (16ـ 22سنة)، وضمهم إلى خلايا، وكل خلية تتكون من (13) فرداً، وفيهم أنثى واحدة. وبلغ عددهم (1300) شاب. وكانوا يوشمون أنفسهم بوشم، أحضروه من الكيان الصهيوني.

 

¾

   الهوامش:

(1)ـ الدستور الأردنية 8/2/1997.

(2)ـ روز اليوسف العدد 5381 ـ 27/1/1997.

(3)ـ عبد الله الحسن ـ مجلة فتح ـ دمشق ـ العدد  385 ـ تاريخ 1/3/1997.

 

¾¡¾

 

الفصل السادس والعشرون:
غزو عقول الطلبة

 

 

لم يترك الصهاينة محفلاً مصرياً استطاعوا اختراقه، إلا واستخدموا وسائل التخريب فيه، والميدان الطلابي في مصر وغيرها من البلدان العربية، هم ضمير الأمة ونبضها المرهف، الذي يحس عن بعد بالخطر، وينفعل ويؤثر في الحدث. وكانت قضية فلسطين أهم قضايا الطلبة على الإطلاق.

من هنا سعى الكيان الصهيوني عبر السلام المخادع إلى الاستيلاء على عقول الطلبة في بلدان التسوية، أو تحييدهم على الأقل. واستخدم وسائل الخداع ومنها، استدراجهم إلى الكيان الصهيوني، عن طريق فتح باب المنح الدراسية في جامعات الكيان. وتقديم التسهيلات للقبول في الجامعة أو الفرع المرغوب. وخلال وجودهم داخل الكيان تجري عملية غسيل الدماغ، ثم برمجته وفقاً لأهداف المشروع الصهيوني...

وقد تم اصطياد العديد من الطلبة وعدد من أساتذة الجامعة، وقد أعلن الكيان الصهيوني في عام 1996،  عن مشروع أسماه (تعليم المصريين في إسرائيل) وأعلن عن رصد مبلغ (2) مليار دولار تمول من قبل رئاسة الوزراء، ووزارة الخارجية الصهيونية وأقسام علم النفس الاجتماعي في  الكيان الصهيوني. وكلف المركز الأكاديمي الصهيوني في مهمة دراسة طلبات الطلاب للدراسة، وسبر الطلبة الذين يترددون عليه، لمنح (24) طالباً منحة دراسية في الجامعات الصهيونية، على أن يكونوا من الذين يؤمنون بالتطبيع مع الكيان الصهيوني.(1).

علماً أن نشرات دعائية تقدم للطلبة، لإغرائهم بالدراسة في جامعات الصهاينة، وأعلنت النشرات عن مبالغ يقدمها الطالب الراغب بالدراسة من طلبة أقسام اللغة العبرية، منها (3638) دولاراً للدراسة  التي مدتها (3) أسابيع و
(6310) للدراسة التي مدتها  24 أسبوعاً، بما فيها الإقامة والطعام، إلا أن النشرات الدعائية سمحت للمركز الأكاديمي الصهيوني في القاهرة بمنح دراسات مجانية.

علماً أن المركز الصهيوني يرسل عشرة طلاب سنوياً منذ عام 1987 للدراسة في الجامعات الصهيونية، إضافة إلى البعثات الدراسية العلمية في مجالات تعليم اللغة العبرية، والزراعة، والطب وغيرها، وتشير الصحافة المصرية عام 1996، أن (1700) مصري سافروا إلى الكيان الصهيوني من طلبة كلية الزراعة، لدراسة نظم الزراعة الصهيونية وتطبيقها في مصر. وتقول مجلة روز اليوسف أن التطور الآخر هو بدعوة الأسرة الأب والأم والأخوة للسياحة التعليمية للكيان الصهيوني. وتقول بالحرف عن المشروع الصهيوني لتعليم المصريين: (... والمشروع يأتي كخطوة في سلسلة محاولات إسرائيل اختراق نظام التعليم بمصر، بعد أن رفض وزير التعليم المصري الدكتور حسين كامل بهاء الدين مشروعاً إسرائيلياً. عرض عليه في العام الماضي
(1995)، لتطبيق نظام الكومبيوتر الإسرائيلي في المدارس المصرية. مع بعض المناهج الإسرائيلية الأخرى، الخاصة بدور حضانات الأطفال المصريين، بل واقترحت أيضاً إدخال نظام ألعاب وكتب تعليم الأطفال. ولما رفضت وزارة التعليم، تم إعطاء توكيل هذه الألعاب لرجل أعمال مصري).(2)..

ومن الطرق الصهيونية الخبيثة، ما جرى في الشهر الأخير من عام 1994، حين أرسلت السفارة الصهيونية مجموعة من الأشخاص إلى حرم جامعتي القاهرة وعين شمس، يوزعون منشورات صادرة من السفارة الصهيونية، تدعو الطلبة إلى زيارتها، للحصول على مجموعة من الكتب المجانية. وقد قام عدد من الطلبة بتلبية دعوة السفارة الصهيونية، وكان العدد كما تشير المصادر الصحفية المصرية ما يقارب العشرين طالباً يومياً. ويقول بعض الطلبة الذين وقعوا في المصيدة الصهيونية،  إن حرس السفارة من المصريين، يدلونهم على القسم الجامعي في السفارة، ثم تستقبلهم إحدى الصهيونيات العاملات في السفارة، وتقوم بإطلاعهم على القسم الجامعي، ثم تقدم لهم مجموعة من الكتب مجاناً، وتطلب منهم زيارة الكيان الصهيوني.

ولكن ماهي نوعية الكتب التي يتم توزيعها للطلبة؟... إنها كتب صفراء تتضمن تزويراً للحقائق التاريخية، وتبث سماً ثقافياً واضحاً ضد العرب وحقوقهم، فتلك الكتب المجانية كان عددها (12) كتاباً، على شكل سلسلة تحت عنوان (حقائق عن إسرائيل). وتضم مجموعة من الكتب مثل (التاريخ ـ إسرائيل بين الشعوب ـ الأرض والشعب ـ الاقتصاد ـ الدولة ـ العلم والتكنولوجيا ـ الصحة ـ المجتمع ـ الثقافة ـ التربية والتعليم ـ إسرائيل الآن ـ جغرافية إسرائيل) . إضافة إلى ثلاث مجلات باسم (قوس قزح)، صادرة عن المركز الأكاديمي الصهيوني التجسسي، وكتاب سياحي يرغب الطالب بزيارة الكيان الصهيوني...

وعن ما تحتويه هذه الكتب، ففيها السم الزعاف من أجل غسل العقل العربي كما أشرنا سابقاً، بهدف قلب الحقائق وتزويرها، فتتغير النظرة ويتحول الغاصب إلى ضحية، وينقلب الباطل إلى حق، وهنا يبدو للطالب المغسول عقلياً، أن العرب مجرد غزاة، ولم يكن لهم يوماً أي حق في فلسطين، بل اغتصبوها  واستعمروها. وكان اليهود دائماً ضحايا ذلك العدوان.

فكتاب التاريخ الصهيوني يقلب الحقائق رأساً علىعقب، فيدعي أن تاريخ إسرائيل يعود إلى أربعة آلاف سنة، وأن حقها في الأرض، حق تاريخي. ويتسلسل في تزوير الحقائق منذ فجر التاريخ، وحتى زيارة السادات المشؤومة. التي يراها الكتاب جاءت بعد الهزائم المتلاحقة للعرب. وإن السلام تم بعد الانتصارات الإسرائيلية على العرب.  وكأنه يوحي للطالب، أن السلام جاء رغم أنف العرب، بعد أن عجزوا عن هزيمة الكيان الصهيوني...

والكتاب الخطير الثاني، والذي وزع على الطلبة الجامعيين المصريين، من الذين زاروا السفارة الصهيونية، وهو بعنوان (الأرض والشعب)، فهو مكتوب من مقدمته إلى نهايته بالكذب والدس والتزوير، ونذكر منه التالي: (إن الشعب اليهودي يمتد إلى 15 قرناً، وكان الشعب اليهودي شعباً سيادياً مرتين في القديم على أرضه، في عهد الكتاب المقدس/القرن 12 قبل الميلاد. حتى 586ق.م/. وفي عهد الهيكل الثاني/516ق.م ـ إلى 70 بعد الميلاد/. لدى إقامة دولة إسرائيل في 14 مايو 1948. ا ستعاد اليهود سيادتهم. وفي خلال تاريخها الطويل كانت الأرض تحت حكم بلدان أجنبية عديدة ـ كالآشوريين والبابليين والفرس واليونانيين والرومان والبيزنطيين والعرب والصليبيين والمماليك والعثمانيين والأتراك والبريطانيين). وأن أسماء الأرض، أطلق عليها أسماء مختلفة، مثل أرض إسرائيل. صهيون. وأن اسم فلسطين مشتق من (فيلستيا)، وقد أطلقه الرومان اشتقاقاً، وتعني أرض الميعاد. الأرض المقدسة...

أما كتاب الجغرافيا، فإنه يرسم حدود الكيان الصهيوني، لتشمل فلسطين بالكامل مع الجولان وأراض من الأردن، ويتم تكريس القدس كعاصمة أبدية للكيان، فهي في كتابهم، يهودية عبر التاريخ، حتى أنها لم تسكن من قبل من غير اليهود. أما العلاقة مع الشعوب فهو يعرض العلاقة الحميمة مابين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، ويؤكد أن مصالح أمريكا هي مصالح الكيان، ومن يعادي أحدهما يعادي الآخر. وكتب السياحة تعرض دليلاً للأماكن التي يمكن الإقامة فيها. والعبارات العبرية، التي تستخدم وما يقابلها من مفردات اللغة العربية..

وتحدث عدد من الطلاب الذين قاموا بالزيارة، وقالوا إنهم كانوا يبحثون عن الكتب العلمية الغالية الثمن، إلا أنهم لم يجدوها، وقد وعدتهم السفارة أن تؤمن لهم الكتب العلمية، من خلال زياراتهم المتكررة للسفارة الصهيونية...

ولكن من أخطر ما قاله الطالب محمد صلاح، وهو طالب في السنة النهائية في جامعة القاهرة (في عام 1995)، إن الطلبة يزورون السفارة الصهيونية منذ فترة طويلة، وقال: (فمنذ أربع سنوات إلى خمس سنوات، كان معروفاً لدى طلبة المدينة الجامعية بالقاهرة. أن من يريد مجلات فاضحة، يمكن الحصول عليها من السفارة الإسرائيلية. وكان هناك من يذهب، ويحصل على ما يريد.)(3).

ومن هنا تنبع خطورة إمكانية التأثير علىعدد من الشباب، غير المحصن روحياً وقومياً ووطنياً من الاختراق الصهيوني لعقولهم، وبتكرار الزيارات إلى السفارة تنجح الخطة الصهيونية، في غسل عقل الشباب وتغييره، وفق خططها الخبيثة. والدليل على ما نقول، أن أحد الطلبة كان يكرر زيارته للسفارة الصهيونية، وحصل على الكتب المجانية السامة، فقد صرح لمجلة روز اليوسف، واسمه رضا عبد العزيز، وكان وقتها طالباً في السنة الثالثة بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة مايلي: (إنني ذهبت إلى السفارة، بعد أن حصلت على إعلان من أحد الطلبةعن وجود كتب مجانية بالسفارة الإسرائيلية للطلبة. وعندما ذهبت قابلوني بترحاب، وأخبروني أن أتردد عليهم كل أول شهر. وأنني قرأت الكتب، ولم أشعر بغرابتها.). هذا ما قاله طالب آخر من كلية التجارة، واسمه علاء أحمد: (إنني ذهبت مع عدد من زملائي إلى السفارة على سبيل المرح، بعد معرفتنا بوجود هذه الكتب من زملائنا. وحصل كل منا على نسخة من الكتب. ولم يكن لدينا ما يمنع من القيام بذلك.. ولم نقابل أي مشاكل في السفارة.)(4).  وهكذا وقع هؤلاء الطلبة في المصيدة الصهيونية.

لقد لعبت الاتفاقية الثقافية (المصرية ـ الإسرائيلية) التي وقعت في 18/5/1980(5) دوراً تخريبياً في العقل العربي المصري، فتحول الكيان الصهيوني إلى دولة عادية في المنطقة، لاغية وجودها غير الشرعي على حساب الشعب العربي الفلسطيني، وأنه كيان إرهابي مغتصب للأرض وللحق الوجودي للعرب، كما شطبت الاتفاقية سنوات طويلة من الصراع مع هذا العدو الصهيوني، وأضاعت دماء ملايين من الشهداء العرب. وأخطر ما في الاتفاقية ما جرى بعد التوقيع عليها، حيث جرى تغيير المناهج الدراسية ما قبل الاتفاقية لتتناسب والسلام الصهيوني، ويتحول الكيان الغاصب إلى جار تاريخي، وأن السلام الذي حققته كامب ديفيد جلبت لمصر الخير والسعادة وأنهت الحروب دون أن تشير أن الأرض العربية لا تزال مغتصبة، وأن الشعب العربي الفلسطيني لا يزال مشرداً...

ومن خطورة الاتفاقية كما يقول الدكتور سيد البحراوي: (وخطورة هذه المفاهيم أنها تزرع في أذهان التلاميذ منذ مراحلهم المبكرة فتكون وعيهم تكويناً مزيفاً، بحيث أنني إذا سألت طالباً في الجامعة من الأجيال الجديدة التي تربت على هذه المفاهيم عن رأيه في ضرب  إسرائيل لجنوب لبنان ـ مثلاً ـ وما إذا كان يعتبر عدواناً علينا أم لا... فإنه لا يستطيع الإجابة، ويتعجب حين توصف إسرائيل بأنها دولة معادية...).

 

¾

   الهوامش: 

(1)ـ توحيد مجدي ـ تعليم المصريين في إسرائيل ـ روز اليوسف ـ العدد 3570 ـ 11/11/1996 ـ ص 22 و23.

(2)ـ المصدر السابق.

(3)ـ صلاح الجاوزى ـ روز اليوسف ـ العدد 3474 ـ 9/5/1995.

(4)ـ المصدر السابق.

(5)ـ انظر إلى الوثائق.

(6)ـ الكفاح العربي 6/9/2000 ـ ص 14.

 

¾¡¾



  

خاتمة:

 

 

المشروع الصهيوني لا يتوقف كما يتوهم البعض عند حدود مشاريع التسوية، التي يسوقها النظام العالمي الحالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وارتضاها النظام العربي الرسمي كحل لمشكلة الصراع (العربي/ الصهيوني). ولكل من الغارقين في مشاريع التسوية أهدافه ومصالحه فيها...

فأمريكا يهمها  أولاً هزيمة المشروع القومي النهضوي، الذي يتصادم مع مشروعها في المنطقة، والمبني على الهيمنة ونهب الثروات العربية، وإبقائها سوقاً، ومصدراً للطاقة والمواد الأولية. والنظام العربي وجد فيها مخرجاً لإحدى أزماته التراكمية، ويحاول إقناع نفسه وشعوبه، بأن ما يقدم على مائدة التسوية ترياق الحياة الأخير. فاستمرار الصراع المسلح سيؤدي إلى المزيد من الفقر والتخلف، وأنه لن يحسم الصراع المسلح القضية  التي أتعبت النظام. ويسوقها على أساس الواقعية والظروف الدولية الإقليمية المحيطة، وكذلك إلى المتغيرات الدولية...

أما الحركة الصهيونية وكيانها السرطاني، فرأت في التسوية وسيلة من وسائل التدمير الصهيوني للأمة العربية، فالمتخيل الصهيوني رأى في قبول  العرب بالتسوية، والتنازل عن حقوقهم وأرضهم،  هزيمة للجانب العسكري العربي، وإدراكاً من قبل العرب، بأنهم لا يستطيعون هزيمتها عسكرياً. لهذا لابد من تدمير بقية الجوانب الأخرى المتبقية عند العرب، ويتم هذا مباشرة بعد التوقيع على اتفاقية التسوية، فالتسوية وسيلة  لتدمير العرب ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وزيادة في تفتيت الوطن العربي وتدميره...

إن الخطر في مشاريع التسوية مع العدو الصهيوني محدق  بالعرب شعوباً وأنظمة، لأنه يدمر كل تراث وقيم الماضي والمستقبل. فالمخطط الصهيوني لن يتوقف عن متابعة تحقيق كل أهدافه، كما ظنت الأنظمة العربية، وما زالت تظن وتعتقد. وهذا ما سقناه من مفاعيل التسوية في مصر، وما قدمناه من شواهد وأدلة، يكفي أن ينبه من كان غافلاً، ويوقظ من كان حالماً...

إن الأمة التي  لا تموت هي الأمة التي لا تتنازل عن حقوقها وتبقى صامدة  كالجبال أمام الرياح العاتية، وأمة العرب التي قاومت كافة الغزاة منذ فجر التاريخ، (الرومان والفرس والمغول والصليبيين والأتراك والإنكليز والفرنسيين والإيطاليين).

لا نظن الامة تتعب في سنوات قصيرة من عمر الشعوب في مواجهة المشروع الصهيوني، مهما كانت ركائزه والقوى الداعمة لــه. فسيسقط كما سقطت من قبله جحافل الغزاة...

 

 

¾¡¾



  

الباب الرابع:

الوثــائـــق

 

 

الوثيقة رقم (1).
اتفاقية كامب ديفيد

 

 

اجتمع الرئيس أنور السادات ـ(رئيس جمهورية مصر العربية) ومناحيم بيغن ـ(رئيس وزراء إسرائيل) مع جيمي كارتر (رئيس الولايات المتحدة الأمريكية)، في كامب ديفيد من 5-17 سبتمبر (أيلول) 1978. واتفقا  على الإطار التالي للسلام في الشرق الأوسط، وهما يدعوان أطرافاً أخرى في النزاع العربي الإسرائيلي إلى الانضمام إليه:

المقدمة:

إن البحث عن السلام في الشرق الأوسط، يجب أن يسترشد بما يلي:

إن الأساس المتفق عليه لتسوية سلمية للنزاع بين إسرائيل وجاراتها، هو قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 بجميع أجزائه. بعد أربعة حروب نشبت خلال 30عاماً، ورغم جهود إنسانية مكثفة، فإن الشرق الأوسط هو مهد الحضارة، ومهبط ثلاثة أديان عظيمة، لم يتمتع بعد بنعم السلام.

إن شعوب الشرق الأوسط، تتلهف إلى السلام، لكن يمكن توجيه الموارد البشرية والطبيعية الهائلة في المنطقة، إلى أغراض السعي إلى السلام. ولكي يمكن لهذه المنطقة، أن تصبح نموذجاً للتعايش والتعاون بين الأمم.

إن المبادرة التاريخية التي اتخذها الرئيس السادات بزيارته للقدس، والاستقبال الذي لقيه من إسرائيل برلماناً وحكومةً وشعباً، وزيارة التبادل التي قام بها رئيس الوزراء بيغن إلى الإسماعيلية، وكذلك مقترحات السلام التي تقدم بها الزعيمان، والترحيب الحار لتلك البعثات من شعبي البلدين، كل ذلك أوجد فرصة للسلام لا سابق لها، وهي فرصة يجب ألا يفرط بها. إن كان لهذا الجيل والأجيال القادمة، أن تتجنب مآسي الحرب.

إن نصوص ميثاق الأمم المتحدة، وغيره من الأعراف المقبولة في القانون الدولي والشرعية الدولية، توفر مقاييس مقبولة لسير العلاقات بين جميع الدول. ولكي يتم تحقيق علاقة من السلام تمشياً مع روح المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، فإن إجراء مفاوضات مستقبلاً بين إسرائيل وأية دولة من جيرانها، تبدي استعدادها للتفاوض بشأن السلام والأمن معها، لهو أمر ضروري لتنفيذ كل أحكام ومبادئ القرارين 242، 338.

إن السلام يتطلب احترام سيادة كل دولة في المنطقة، ووحدة أراضيها واستقلالها السياسي، وحقها في العيش بسلام، ضمن حدود آمنة ومعترف بها، بمأمن من التهديد أو أعمال القوة. إن التقدم نحو هذا الهدف؛ من شأنه أن يعجل الحركة نحو عهد جديد من المصالحة في الشرق الأوسط... عهد يتسم بالتعاون في تعزيز التنمية الاقتصادية، وفي الحفاظ على الاستقرار وضمان الأمن...

إن الأمن يتوطد نتيجة قيام علاقة من السلام، وقيام تعاون بين الأمم التي تدعم بوجود علاقات طبيعية. وعلاوة على ذلك فإنه يمكن للطرفين بموجب معاهدة السلام، أن يتفقا على أساس تبادلي على ترتيبات أمن خاصة، مثل إقامة مناطق منزوعة السلاح، ومناطق محدودة التسليح، وإنشاء محطات إنذار مبكر، ووجود قوات دولية واتصال، وتطبيق إجراءات يتفق عليها الطرفان على أنها مفيدة...

الإطار:

إن الطرفين إذ يأخذان هذه العوامل بعين الاعتبار، عازمان على التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة ودائمة لنزاع الشرق الأوسط، عن طريق معاهدات سلام على أساس قراري مجلس الأمن 242، 338  بكل أجزائهما.  والهدف الذي يتوخاه الطرفان، هو تحقيق السلام، وإقامة علاقات حسن الجوار، وأن الطرفين يدركان، أنه لكي يدوم السلام لابدَّ من أن يشمل جميع أولئك الذين تأثروا بالنزاع أعمق  تأثير، لذلك فإنهما متفقان على أن هذا الإطار بشكله المناسب، يقصد به تشكيل أساس للسلام ليس بين مصر وإسرائيل فحسب، بل  وكذلك بين إسرائيل وكل من جاراتها الأخريات، التي تبدي استعداداً للتفاوض على السلام مع إسرائيل على هذا الأساس. وانطلاقاً من هذا الهدف فإنهما اتفقا على المضي قدماً على النحو التالي:

آ ـ الضفة الغربية وغزة:

أولاً ـ ينبغي أن تشترك مصر وإسرائيل والأردن وممثلو الشعب العربي الفلسطيني، في مفاوضات بشأن حل المشكلة الفلسطينية بكل جوانبها. وتحقيقاً لهذا الهدف فإن المفاوضات المتعلقة بالضفة الغربية وغزة ينبغي أن تسير في ثلاث مراحل:

أ ـ أن توافق مصر وإسرائيل على أنه بغية ضمان حل سلمي ومنظم للسلطة، مع الأخذ بعين الاعتبار الاهتمامات الأمنية لجميع الأطراف.  ينبغي أن تكون هناك ترتيبات انتقالية فيما يتعلق بالضفة الغربية وغزة لفترة لا تتجاوز خمس سنوات. وبغية توفير حكم ذاتي كامل للسكان، فإنه سيتم بموجب هذه الترتيبات سحب الحكم الإسرائيلي وإدارته المدنية، حالما يقوم السكان في المنطقتين بانتخاب سلطة حكم ذاتي انتخاباً حراً للحلول محل الحكم العسكري القائم. وللتفاوض على تفاصيل هذا الترتيب الانتقالي، فسوف توجه الدعوة إلى حكومة الأردن للمشاركة في المفاوضات على أساس  هذا الإطار، وينبغي أن تولي هذه الترتيبات الجديدة اعتباراً ملائماً لمبدأ الحكم الذاتي لسكان المنطقتين واهتمامات الأمن المشروعة للأطراف المعنية..

ب ـ اتفاق مصر وإسرائيل والأردن على تفاصيل إقامة سلطة منتخبة للحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة، ويمكن لوفدي مصر والأردن أن يضما فلسطينيين من الضفة الغربية وغزة، أو فلسطينيين آخرين حسبما يتم الاتفاق عليه بصورة مشتركة، وتتفاوض الأطراف على اتفاقية تحدد صلاحيات ومسؤوليات سلطة الحكم الذاتي، التي ستمارس في الضفة الغربية وغزة، وسيتم انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية، كما ستتم إعادة توزيع للقوات الإسرائيلية المتبقية بحيث ترابط في مواقع أمنية معينة. وتشتمل الاتفاقية أيضاً على ترتيبات لضمان الأمن الداخلي والخارجي والنظام العام، ويتم إنشاء قوة شرطة محلية قوية يجوز أن تضم مواطنين أردنيين، إضافة إلى ذلك تشارك قوات إسرائيلية وأردنية في دوريات مشتركة وفي تقديم أفراد مراقبة لضمان أمن الحدود...

ج ـ وعندما تقوم سلطة الحكم الذاتي ـ المجلس الإداري ـ في الضفة الغربية وغزة، ويتم تنصيبها، ستبدأ فترة السنوات الخمس الانتقالية، وفي أسرع مايمكن ، ولكن في موعد لا يتجاوز السنة الثالثة. بعد بدء الفترة الانتقالية ستجري مفاوضات لتقرير الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة، وعلاقته بجيرانه، ولإبرام معاهدة سلام بين إسرائيل والأردن بحلول نهاية الفترة الانتقالية. وتدور هذه المفاوضات بين مصر وإسرائيل والأردن والممثلين المنتخبين لسكان الضفة الغربية وغزة، وستشكل لجنتان منفصلتان، ولكنهما مترابطتان. تضم الأولى ممثلي الأطراف الأربعة التي ستفاوض وتتفق على الوضع النهائي في الضفة الغربية وغزة، وعلاقته بجيرانه. وتضم اللجنة الثانية ممثلين عن إسرائيل والأردن، وينضم إليهم الممثلون المنتخبون من سكان الضفة الغربية وغزة، وذلك للتفاوض على معاهدة سلام بين إسرائيل والأردن. مع الأخذ بعين الاعتبار الاتفاقية التي يتم التوصل إليها حول الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة. وستستند المفاوضات على جميع أحكام ومبادئ  قرار مجلس الأمن رقم 242. ومن بين الأطراف الأخرى سوف تقرر المفاوضات موقع الحدود وطبيعة ترتيبات الأمن، ويجب أن يعترف الحل الناتج عن المفاوضات أيضاً بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومتطلباته العادلة. وهكذا فإن الفلسطينيين سيشاركون في تقرير مستقبلهم من خلال مايلي:

1 ـ المفاوضات بين مصر وإسرائيل والأردن وممثلي سكان الضفة الغربية وغزة للاتفاق على الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة، وغير ذلك من القضايا المعلقة بحلول نهاية الفترة الانتقالية.

2 ـ طرح الاتفاق الذي يتوصل إليه من قبل الممثلين  المنتخبين لسكان الضفة الغربية وغزة.

3 ـ إتاحة المجال أمام الممثلين المنتخبين لسكان الضفة الغربية وغزة، كي يقرروا الكيفية  التي سيتولون بها حكم أنفسهم، تمشياً مع نصوص اتفاقهم...

4 ـ الاشتراك كما ورد أعلاه في عمل اللجنة المكلفة بالتفاوض  على معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن.

ثانياً ـ ستتخذ كافة الإجراءات الضرورية والأحكام لضمان أمن إسرائيل وجيرانها خلال الفترة الانتقالية وبعدها. وللمساعدة على توفير مثل  هذا الأمن، ستشكل سلطة الحكم الذاتي قوة قادرة من الشرطة المحلية من بين سكان الضفة الغربية، وستحافظ هذه القوة على اتصال مستمر حول قضايا الأمن الداخلي مع ضباط تعينهم كل من إسرائيل والأردن ومصر.

ثالثاً ـ خلال الفترة الانتقالية يشكل ممثلو مصر وإسرائيل والأردن وسلطة الحكم الذاتي لجنة دائمة، لتقرر بالاتفاق الخصوصيات والتفاصيل علاوة على الإجراءات الضرورية، لمنع الإخلال بالأمن والنظام، ويمكن لهذه اللجنة أ يضاً أن تعالج مسائل أخرى ذات اهتمام مشترك...

رابعاً ـ تعمل مصر وإسرائيل معاً، بالتعاون مع الأطراف المعنية الأخرى على وضع إجراءات متفق عليها، كفيلة بتنفيذ حل مشكلة اللاجئين تنفيذاً سريعاً وعادلاً...

ب ـ مصر وإسرائيل:

1 ـ تتعهد مصر وإسرائيل بعدم اللجوء إلى التهديد بالقوة، أو باستخدام القوة لتسوية النزاعات، وستتم تسوية أية نزاعات بالطرق السلمية طبقاً  لنصوص المادة رقم (33) من ميثاق الأمم المتحدة.

2 ـ سعياً وراء تحقيق السلام بينهما، يوافق الطرفان على التفاوض بنية حسنة بهدف إبرام معاهدة سلام بينهما خلال ثلاثة أشهر من التوقيع على هذا الإطار، مع دعوة أطراف النزاع الأخرى للبدء في نفس الوقت بالتفاوض وإبرام معاهدات سلام مماثلة  بغية تحقيق سلام شامل في المنطقة. وستحكم إطار إبرام معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل مفاوضات سلام بينهما، ويتفق الطرفان على الشكليات والجدول الزمني لتنفيذ التزاماتهما بمقتضى المعاهدة.

ج ـ مبادئ مرافقة:

1 ـ تعلن مصر وإسرائيل أن المبادئ والأحكام المبينة أدناه، ينبغي أن تنطبق على معاهدات السلام بين إسرائيل وكل من جاراتها مصر والأردن وسورية ولبنان.

2 ـ تقيم الأطراف  الموقعة فيما بينها علاقات طبيعية  كتلك التي تتم
مابين الدول، التي يوجد سلام فيما بينها، وتوخياً لذلك ينبغي أن تتعهد بالتقيد بكل أحكام ميثاق الأمم المتحدة. وتتضمن الخطوات التي يلزم اتخاذها في هذا المجال مايلي:

آ ـ الاعتراف الكامل.

ب ـ إلغاء المقاطعة الاقتصادية.

ج ـ الضمان في أن يتمتع مواطنو الأطراف الأخرى في ظل صلاحية الدول الموقعة بالحماية. التي يوفرها مبدأ التكافؤ والإنصاف في المعاملة القانونية...

3 ـ على الأطراف الموقعة استقصاء إمكانيات التنمية الاقتصادية في نطاق معاهدات سلام نهائية، وذلك بغرض الإسهام في تعزيز جو السلام والتعاون والصداقة الذي هو الهدف المشترك...

4 ـ يجوز تشكيل لجان لتسوية جميع الدعاوى المالية على نحو متبادل.

5 ـ تدعى الولايات المتحدة إلى المشاركة في المحادثات المتعلقة بشكليات وخصوصيات تنفيذ الاتفاقيات، ووضع جدول زمني لتنفيذ التزامات الأطراف.

6 ـ يطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المصادقة على معاهدات السلام، وضمان عدم انتهاك نصوصها، ويطلب  من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ضمان معاهدات السلام وضمان احترام أحكامها. كما يطلب منهم أن يجعلوا  سياساتهم وأعمالهم مطابقة مع التعهدات التي يحتويها هذا الإطار..

عن حكومة جمهورية مصر العربية محمد أنور السادات

عن حكومة إسرائيل مناحيم بيغن

شاهد التوقيع: جيمي كارتر

رئيس الولايات المتحدة الأمريكية

 

إطار إبرام معاهدة سلام بين مصروإسرائيل

بغية تحقيق السلام بين إسرائيل ومصر، توافق الدولتان على التفاوض بحسن نية بهدف إبرام سلام بينهما في غضون ثلاثة أشهر من توقيع هذا الإطار، وقد تم الاتفاق على مايلي:

يكون موقع المفاوضات تحت علم الأمم المتحدة، في موقع أو مواقع يتم الاتفاق عليها بصورة متبادلة. تطبيق جميع قرار الأمم المتحدة رقم ـ 242 ـ لحل النزاع بين إسرائيل ومصر. مالم يتم الاتفاق بصورة متبادلة خلافاً. فإن بنود معاهدة السلام توضع موضع التنفيذ خلال مدة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات بعد توقيع معاهدة السلام، وقد تم الاتفاق بين الطرفين على المسائل التالية:

آ ـ ممارسة السيادة المصرية الكاملة حتى الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وبين فلسطين، التي كانت تحت الانتداب.

ب ـ انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من سيناء.

ج ـ استخدام المطارات التي يتخلى عنها الإسرائيليون بالقرب من العريش، ورفح ورأس النقب، وشرم الشيخ، لأغراض مدنية فقط، بما في ذلك احتمال استخدامها تجارياً من قبل جميع الدول...

د ـ حق حرية مرور السفن الإسرائيلية عبر خليج السويس وقناة السويس على أساس اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، الذي ينطبق على جميع الدول، وفتح مضيق تيران وخليج العقبة بوصفهما ممرين مائيين دوليين أمام جميع الدول لممارسة حرية الملاحة، وتحليق الطائرات فوقهما دون عائق أو منع..

هـ ـ إنشاء طريق رئيسي بين مصر والأردن بالقرب من إيلات مع ضمان المرور بحرية وسلام من جانب مصر والأردن.

و ـ مرابطة قوات عسكرية حسبما هو مدرج أدناه...

ـ مرابطة القوات:

آ ـ ترابط قوات مصرية لا تزيد عن فرقة واحدة (آلية أو مشاة)، ضمن منطقة تمتد إلى ما يقرب من خمسين كيلو متراً من الشرق من خليج السويس وقناة السويس..

ب ـ تقوم قوات الأمم المتحدة والشرطة المدنية المزودة  بأسلحة خفيفة وحدها بتأدية مهام الشرطة العادية، وترابط ضمن منطقة تمتد إلى الغرب من الحدود الدولية، وخليج العقبة ويتراوح عرضها بين عشرين وأربعين كيلو متراً...

 

ج ـ في المنطقة التي تقع في حدود ثلاثة كيلو مترات إلى الشرق من الحدود الدولية، تتواجد قوات عسكرية إسرائيلية محدودة لا تتجاوز كتائب مشاة ومراقبين من الأمم المتحدة.

د ـ تقوم وحدة دوريات للحدود التي لا تتجاوز ثلاث كتائب برفد الشرطة المدنية في المحافظة على النظام في المنطقة غير المشمولة أعلاه، يحدد التخطيط الدقيق للمناطق المذكورة أعلاه أثناء مفاوضات السلام، ويجوز تواجد محطات للإنذار المبكر لضمان التقيد ببنود الاتفاقية...

ـ ترابط قوات الأمم المتحدة:

آ ـ في جزء من تلك المنطقة في سيناء التي تمتد ضمن حوالي عشرين كيلو متراً من البحر الأبيض المتوسط ومجاورة للحدود الدولية.

ب ـ في منطقة شرم الشيخ لضمان حرية المرور عبر مضيق تيران..

ولن تنسحب هذه القوات، مالم يوافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على هذا السحب بقرار جماعي من الأعضاء الخمسة الدائمين.

بعد توقيع معاهدة السلام، وبعد انتهاء الانسحاب المرحلي تقام علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل تشمل:

الاعتراف الكامل بما في ذلك إقامة  علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية. إنهاء المقاطعات الاقتصادية والحواجز، التي تعيق حرية تحرك السلع والناس.

ـ الانسحاب المرحلي:

خلال مدة تتراوح بين ثلاثة وتسعة أشهر بعد توقيع معاهدة السلام، تنسحب جميع القوات الإسرائيلية إلى الشرق من خط يمتد من نقطة تمتد شرق العريش إلى رأس محمد، ويعين موقع هذا الخط على وجه التحديد باتفاق متبادل.

 

عن حكومة جمهورية مصر العربية محمد أنور السادات

عن حكومة إسرائيل مناحيم بيغن

شاهد التوقيع: جيمي كارتر

رئيس الولايات المتحدة الأمريكية

  

الوثيقة رقم (2)
إعلان المبادئ الفلسطيني ـ الإسرائيلي
إعلان المبادئ بشأن ترتيبات الحكومة الذاتية الانتقالية

 

 

(المسودة النهائية المتفق عليها في 19 آب/ أغسطس/ 1993)...

إن حكومة دولة إسرائيل والفريق الفلسطيني (في الوفد الأردني ـ الفلسطيني إلى مؤتمر الشرق الأوسط) و(الوفد الفلسطيني) ممثلاً الشعب الفلسطيني يتفقان على أن الوقت قد حان لإنهاء عقود من المواجهة والنزاع، والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة، والسعي للعيش في ظل تعايش سلمي وبكرامة وأمن متبادلين، ولتحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة وشاملة، ومصالحة تاريخية من خلال العملية السياسية المتفق عليها. وعليه فإن الطرفين يتفقان على المبادئ التالية:

ـ المادة (1): هدف المفاوضات:

إن هذه المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في الشرق الأوسط، هي من بين أمور أخرى إقامة سلطة حكومة انتقالية فلسطينية، المجلس المنتخب، للشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات. وتؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338.

ـ المادة (2): ـ إطار الفترة الانتقالية:

إن الإطار المتفق عليه للفترة الانتقالية مبين في إعلان المبادئ هذا..

ـ المادة (3): ـ الانتخابات:

1 ـ من أجل أن يتمكن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من حكم نفسه وفقاً لمبادئ ديمقراطية، ستجري انتخابات سياسية عامة ومباشرة وحرة للمجلس، بإشراف ومراقبة دوليين متفق عليهما، بينما تقوم الشرطة الفلسطينية بتأمين النظام العام...

2 ـ سيتم عقد اتفاق حول الصيغة المحددة للانتخابات وشروطها، وفقاً للبروتوكول المرفق كملحق (1) بهدف إجراء  الانتخابات في مدة لا تتجاوز التسعة أشهر من دخول إعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ.

 3 ـ هذه الانتخابات ستشكل خطوة تمهيدية انتقالية هامة نحو تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومتطلباته العادلة.

ـ المادة (4):  الولاية:

سوف تغطي ولاية المجلس أرض الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء القضايا التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع الدائم. يعتبر الطرفان الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة ترابية واحدة، يجب المحافظة على وحدتها وسلامتها خلال الفترة الانتقالية.

ـ المادة (5): ـ الفترة الانتقالية ومفاوضات الوضع الدائم:

1 ـ تبدأ فترة السنوات الخمس الانتقالية فور الانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا.

2 ـ سوف تبدأ مفاوضات الوضع الدائم بين حكومة إسرائيل وممثلي الشعب الفلسطيني في أقرب وقت ممكن، ولكن بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية.

3 ـ من المفهوم أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس واللاجئون والمستوطنات والترتيبات الأمنية والحدود والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين ومسائل أخرى ذات الاهتمام المشترك.

4 ـ يتفق الطرفان على أن لا تجحف أو تخل اتفاقات المرحلة الانتقالية بنتيجة مفاوضات الوضع الدائم.

ـ المادة (6): ـ النقل التمهيدي للصلاحيات والمسؤوليات:

1ـ فور دخول إعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ والانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا، سيبدأ نقل للسلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية إلى الفلسطينيين المخولين هذه المهمة  كما هو مفصل هنا. سيكون هذا النقل للسلطة ذا طبيعة تمهيدية إلى حين تنصيب المجلس.

2ـ مباشرة بعد دخول إعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ بالانسحاب من قطاع غزة ومنطقة أريحا. وبقصد النهوض بالتنمية الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، سيتم نقل السلطة للفلسطينيين في المجالات التالية: التعليم والثقافة والصحة والشؤون الاجتماعية والضرائب المباشرة، والسياحة.

سيشرع الجانب الفلسطيني في بناء قوة الشرطة الفلسطينية كما هو متفق. وإلى أن يتم تنصيب المجلس، يمكن للطرفين أن يتفاوضا علىنقل الصلاحيات ومسؤوليات إضافية حسبما يتفق عليه.

ـ المادة (7): ـ الاتفاق الانتقالي:

1 ـ سوف يتفاوض الوفدان الإسرائيلي والفلسطيني على اتفاق حول الفترة الانتقالية.

2 ـ سوف يحدد الاتفاق الانتقالي من بين أشياء أخرى هيكلية المجلس وعدد أعضائه ونقل الصلاحيات والمسؤوليات من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية إلى المجلس. وسوف يحدد الاتفاق الانتقالي أيضاً سلطة المجلس التنفيذي وسلطته التشريعية طبقاً للمادة (9)  المذكورة أدناه والأجهزة القضائية الفلسطينية المستقلة.

3 ـ سوف يتضمن الاتفاق الانتقالي ترتيبات سيتم تطبيقها عند تنصيب المجلس، لتمكينه من الاضطلاع بكل الصلاحيات والمسؤوليات التي تم نقلها إليه سابقاً، وفقاً للمادة (6) المذكورة أعلاه.

4 ـ من أجل تمكين المجلس من النهوض. بالنمو الاقتصادي سيقوم المجلس فور تنصيبه إضافة إلى أمور أخرى بإنشاء سلطة فلسطينية للكهرباء للتنمية ومجلس فلسطيني لتشجيع الصادرات. وسلطة فلسطينية للبيئة. وسلطة فلسطينية للأراضي. وسلطة فلسطينية  لإدارة المياه، وأي سلطات أخرى يتم الاتفاق عليها، وفقاً للاتفاق الانتقالي الذي سيحدد صلاحياتها ومسؤولياتها.

5 ـ بعد تنصيب المجلس سيتم حل الإدارة المدنية، وانسحاب الحكومة العسكرية الإسرائيلية.

ـ المادة (8).:  النظام العام والأمن:

من أجل ضمان النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ستستمر إسرائيل في الاضطلاع  بمسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية، وكذلك بمسؤولية الأمن الإجمالي للإسرائيليين بغرض حماية أمنهم الداخلي والنظام العام.

ـ المادة (9):  القوانين والأوامر العسكرية:

1 ـ سيخول المجلس سلطة التشريع وفقاً للاتفاق الانتقالي في مجال جميع السلطات المنقولة إليه.

2 ـ سيراجع الطرفان بشكل مشترك القوانين والأوامر العسكرية السارية المفعول في المجالات المتبقية.

ـ المادة (10):  لجنة الارتباط المشتركة الإسرائيلية الفلسطينية:

ـ من أجل تطبيق هادئ لإعلان المبادئ هذا ولأية اتفاقات لاحقة تتعلق بالفترة الانتقالية، ستشكل فور دخول إعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ لجنة ارتباط مشتركة إسرائيلية فلسطينية، من أجل معالجة القضايا التي تتطلب التنسيق وقضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك والمنازعات...

ـ المادة (11):  التعاون الإسرائيلي الفلسطيني في المجالات الاقتصادية:

إقراراً بالمنفعة المتبادلة للتعاون من أجل النهوض بتطور الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، سيتم إنشاء لجنة إسرائيلية فلسطينية للتعاون الاقتصادي، من أجل تطوير وتطبيق البرامج المحددة في البروتوكولات المرفقة كملحق (3) وملحق (4). بأسلوب تعاوني وذلك فور دخول إعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ.

ـ المادة (12):  الارتباط والتعاون مع الأردن ومصر:

سيقوم الطرفان بدعوة حكومتي الأردن ومصر للمشاركة في إقامة المزيد من ترتيبات الارتباط والتعاون بين حكومة إسرائيل والممثلين الفلسطينيين من جهة و حكومتي الأردن ومصر من جهة أخرى للنهوض بالتعاون بينهم. وتتضمن هذه الترتيبات إنشاء لجنة مستمرة، ستقرر بالاتفاق أشكال السماح للأشخاص المرحلين من الضفة الغربية وقطاع غزة في 1967 بالتوافق مع الإجراءات الضرورية، لمنع الفوضى والإخلال بالنظام. وستعطى هذه اللجنة مع مسائل أخرى ذات الاهتمام المشترك...

ـ المادة (13) :  أعادة تموضع القوات الإسرائيلية:

1 ـ بعد دخول إعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ، وفي وقت لا يتجاوز عشية انتخابات المجلس، سيتم إعادة تموضع القوات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية الذي تم تنفيذه وفقاً للمادة 14.

2 ـ عند إعادة تموضع قواتها العسكرية، ستسترشد إسرائيل بمبدأ وجوب إعادة تموضع قواتها العسكرية خارج المناطق المأهولة بالسكان.

3 ـ وسيتم تنفيذ تدريجي للمزيد من إعادة التموضع في مواقع محددة بالتناسب، مع تولي المسؤولية عن النظام العام والأمن الداخلي من قبل قوة الشرطة الفلسطينية وفقاً للمادة أعلاه...

ـ المادة (14):  الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ومنطقة أريحا.:

ـ ستنسحب إسرائيل من قطاع غزة ومنطقة أريحا كما هو مبين في البرتوكول المرفق في الملحق الثاني.

ـ المادة (15): تسوية المنازعات:

1 ـ سيتم تسوية المنازعات الناشئة عن تطبيق أو تفسير إعلان المبادئ هذا ، أو أي اتفاقات لاحقة تتعلق بالفترة الانتقالية، بالتفاوض من خلال لجنة الارتباط المشتركة، التي ستشكل وفقاً للمادة العاشرة أعلاه.

2 ـ إن المنازعات التي لا يمكن تسويتها بالتفاوض، يمكن أن تتم تسويتها من خلال آلية توفيق، يتم الاتفاق عليها بين الطرفين.

3 ـ على الطرفين أن يتفقا على عرض المنازعات المتعلقة بالفترة الانتقالية، والتي لا يمكن تسويتها من خلال التوفيق على التحكيم، ومن أجل هذا الغرض، وبناء على اتفاق الطرفين سينشئ الطرفان لجنة تحكيم..

ـ المادة (16): التعاون الإسرائيلي الفلسطيني في ما يتعلق بالبرامج الإقليمية:

يرى الطرفان أن مجموعات العمل في المتعددة أداة ملائمة للنهوض بـ"خطة مارشال" وببرامج إقليمية وبرامج أخرى بما فيها برامج خاصة للضفة الغربية وقطاع غزة، كما هو مشار إليه في البروتوكول المرفق في الملحق الرابع.

ـ المادة (17):  بنود متفرقة:

1 ـ يدخل اتفاق المبادئ هذا حيز التنفيذ بعد شهر واحد من توقيعه.

2 ـ جميع البروتوكولات الملحقة بإعلان المبادئ هذا والمحضر المتفق عليه المتعلق به، سيتم اعتبارها جزءاً لا يتجزأ من هذا الاتفاق.

 

أبرم في واشنطن العاصمة يوم 13/9/1993

عن حكومة إسرائيل  عن الوفد الفلسطيني 

الشاهدان:

الولايات المتحدة الأمريكية   الفيدرالية الروسية.

 

 

الوثيقة رقم (3)
سينما مصرية صنعت في إسرائيل

 

 

(العقلاء كانوا يعرفون أن ذلك سوف يحدث. وهاهي إسرائيل تزحف نحونا. وهي كالأفعى السامة من تعجز عن ابتلاعه في جوفها تقتله بسمها. وهي تكمن للفريسة أحياناً... وتهجم عليها أحياناً ... وتقتل بقذف السم من بعد... كلنا يعرف ذلك... ومع هذا لن يوقفها أحد... بل ستجد من يرحب بها.. ويلبي دعوتها. إسرائيل أيها السادة تزحف نحو العقل المصري من خلال الثقافة والإعلام وأيضاً الإعلان... وهذه السطور القليلة أتوجه بها إلى رجال الفكر والثقافة وصناع الفن وجموع الفنانين حتى يدركوا الخطر القادم.

الوقت مناسب تماماً لابتلاع الفريسة فهي منهكة للغاية... السينما المصرية تعاني من الهزال والهوان معاً... وكل ما تفعله عقد مؤتمرات الكلام وندوات المهاترات والتشنجات.. ثم الخروج بتوصيات لا يلتفت إليها أحد، ولأن السينما ذبحت بسكين الحكومة أولاً... من خلال الإهمال  المتعمد وغياب الفهم الحقيقي لرسالة السينما كفن، له تأثيره الجماهيري على كافة المستويات... والحكومة هي صاحبة القوانين المعطلة  لعجلة الإنتاج، وأيضاً القوانين المقيدة لحرية الإبداع. والحكومة هي التي فرضت على السينما كل أنواع الضرائب الثقيلة، التي تجهض الحامل. ولسوء الحظ أن أغلب أعضاء الحكومة. ولسنوات طويلة تعاملوا مع السينما على اعتبارها، إنها من المنكرات المباحة قانوناً شأنها شأن الخمر تماماً...

وفي موت السينما المصرية مصالح سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية. يسعى إلى تحقيقها الأعداء من مختلف الجنسيات... ودون الدخول في التفاصيل... فقد تحركت إسرائيل وأرسلت الخطابات والدعوات للعمل داخل الاستوديوهات الإسرائيلية، ولتكن البداية بالترجمة والطباعة والتوزيع، وتنفيذ الإعلانات، وطبقاً لسياسة إسرائيل التوسعية يتم إنتاج البرامج، ثم الأفلام. والمسلسلات وغيرها...

والحق أقول: إن العمل هناك سيكون أفضل من هنا عشرات المرات. وسوف يتم توفير كل سبل الهناء والراحة وستكون الجودة عالية.  والتكلفة قليلة. ويرتاح صناع السينما في مصر من المعدات المستهلكة ومن البيروقراطية المتأصلة في نفوس السادة الكبار. كل شيء سيكون  سهلاً وعلى الطريقة الإسرائيلية. وستكون النتيجة أن تتحول الاستوديوهات عندنا إلى خرابات، ومأوى للزواحف والقوارض أكثر مما هي عليه الآن.

ويتشرد المئات من العاملين في الحقل السينمائي. أما الكارثة الكبرى فإن الثقافة المصرية والفن المصري سيتم صنعهما في إسرائيل. وعندما تصنع إسرائيل فإنها تصنع على هواها. ولخدمة مصالحها وأهدافها. وفرض سيطرتها على العقول...

وإذا كانت المعدة المصرية قد هضمت  الدجاج الإسرائيلي والبيض. فإن العقل المصري لو هضم واستوعب الفن المصنوع عندهم، فستكون نهاية كل شيء بالنسبة لنا... ستكون أول خطوة فعالة في تدمير الشخصية المصرية... والقضاء على التركيبة الشعبية التي تحمي أبناء الوطن على مر الأزمان.. وإذا كانت الدعوات الإسرائيلية جادة وصارمة والعبارات شديدة الوضوح والجرأة.. وكأنها تقرر واقعاً لابدَّ منه حيث يقول نص العبارة الأخير في خطابهم..."يسرنا أن نقيم علاقات عمل وتعاون معكم... الرجاء عدم التردد في التوجه إلينا، لطرح أية أفكار عملية... مع الشكر والتمنيات بعمل مثمر...". وبالطبع هوعمل مثمر بالنسبة لإسرائيل... وليس لنا... ولن يكون لنا في يوم من الأيام...!..

وفي ظل سياسة الدولة الحالية تجاه السينما وغيرها من الفنون... فلا أستبعد أنا وغيري أن يتم  شراء الاستوديوهات المصرية لحساب إسرائيل.. وتحت أي غطاء أو ستار... وساعتها لن تجد سوى التصريحات الحكومية... والندوات النقابية... والثورة الصحفية... وكل الحناجر تنطلق... ويكون حالنا كحالة عشة الفراخ... وعندها يدخلها ثعلب.. صياح لا نهاية له... ولكن النتيجة الحتمية.... هي الدمار...).

(ـ وحيد حامد ـ روز اليوسف ـ العدد 3487 ـ 10/4/1995 ـ ص 68).

 

 

وثيقة رقم (4)
بيان إلى شعب مصر  والأمة العربية
من مؤتمر "تحرير لا تفريط".

 

 

يعلن مؤتمر "تحرير لا تفريط". المنعقد في 5/يونيو ـ تموز ـ 1999 ـ بمقر الحزب العربي الديموقراطي الناصري، رفضه التام لانعقاد لقاء التطبيع المنعقد تحت اسم جماعة القاهرة للسلام. ويعلن احتجاجه لاستقبال صهاينة من الدولة العبرية وغيرها، الذين شاركوا فعلياً في قتل شهداء أمتنا، أو شاركوا ضمنياً بالتخطيط والانتساب للحركة الصهيونية في تدمير سياق نهوض أمتنا...

إن مؤتمر "تحرير لا تفريط". وهو يضم أبناء الحركة الوطنية المصرية. وفيهم من شارك بالقتال في معارك الشرف الوطني والقومي في 1956 و1967، والاستنزاف و1973. ومعهم ممثلون لأسر الشهداء الأبرار. فضلاً عن ممثلين للفلاحين والعمال والمهنيين والمثقفين من أدباء وفنانين وكتاب وشخصيات عامة وممثلين للقوى السياسية الفاعلة من كل المواقع النقابية والحزبية المستقلة. يوجه نداءه لجموع شعب مصر وشعوب أمتنا العربية. ولكل المسؤولين ممن لديهم أية درجة من درجات الإحساس بالمسؤولية الوطنية والقومية ليؤكد:

أولاً ـ رفضه لأي نشاط تطبيعي مع الدولة العبرية. باعتبار أن التطبيع هو كل عمل أو سلوك أو تصرف، يكون من شأنه تثبيت المكاسب التي حازها العدو الصهيوني بقوة السلاح أو بتواطؤ قوى الطغيان العالمي معه. أو نتيجة عجز الأنظمة العربية عن أداء دورها في الحصول على حقوق الأمة. ومن ثم رفضه لأية مناورات سياسية أو غير سياسية، تحاول أن تروج لوهم وجود اختلاف بين التطبيع وبين الحوار...

ثانياً ـ يرفض المؤتمر ويستنكر ما تزعمه تلك الشرذمة، التي انخرطت فيما يسمى جماعة القاهرة للسلام أو حركة السلام المصرية أو جماعة كوبنهاكن من أنها تمثل شعبنا أو حتى اتجاه منه. فهم لا يمثلون إلا أنفسهم. كما يحتج مؤتمر (تحرير لا تفريط)  على سماح الحكومة المصرية باجتماع تلك الشرذمة مع الصهاينة على أرض مصر العربية..

ثالثاً ـ يطالب مؤتمر (تحرير لا تفريط) الحكومة المصرية بإعلان الخطوات، التي اتخذتها للتحقيق في وقائع القتل الجماعي للأسرى المصريين على يد الصهاينة. والمواقف التي تتخذ إزاء تلك الجريمة. ومعها جريمة استنزاف موارد مصر في المناطق التي خضعت للاحتلال..

رابعاً ـ يعلن مؤتمر (تحرير لا تفريط) أنه لا سلام إلا السلام العادل الشامل، الذي يتم فيه تحرير الإرادة العربية من أية ضغوط، تجبرها على قبول ما يتصادم ويتعارض مع مبادئ السيادة الوطنية. وفي المقدمة من هذا سيادة شعب فلسطين على ترابه الوطني من النهر إلى البحر. كما يرفض المؤتمر  أية محاولات  أو ضغوط خارجية تجبر مصر والنظام العربي ككل، لتقديم مزيد من التنازلات  للعدو الصهيوني، الذي  لم يتنازل بأي قدرعن ثوابته الصهيونية العدوانية الاستيطانية العنصرية سواء في ظل الليكود أو العمل...

باسم شهداء أمتنا العربية.

باسم الأبطال الذين قتلوا وصمدوا وافتدوا الوطن.

باسم كل القوى التي تعمل من أجل إعلاء شأن مصر وقوتها وعزتها وسيادتها على إرادتها وقرارها وترابها.

باسم مستقبل أطفالنا وشبابنا المرهون بدور مصر الفاعل العربي التحرري المتقدم، الذي يصون ولا يبدد ويحمي ولا يهدد... باسم الشرف الوطني والقومي. باسم المقدسات الوطنية والدينية مسيحية وإسلامية.

نقول: أوقفوا التطبيع...

امنعوا الصهاينة من أن يحققوا بالاختراق، ما لم يحققوا بالسلاح. اليوم لا مكان للسماسرة ولا للمتقاعسين ولا للذين يخلطون الأوراق ولا للذين يريدون شق الإرادة الوطنية الصلبة بدعوى الحوار والتحضر واللعب بالأوراق...

إن كل يد صافحت صهيونياً على أرض مصر أو خارجها... وكل تهاون في توظيف طاقته لأجل العزة الوطنية... ورد العدوان محكوم عليها بالمصير الذي عرفه تاريخ كل الأمم..

 

عاشت مصر. وعاش شعبها حراً كريماً سيداً...



  

وثيقة رقم (5)
اتفاقية سيناء بين مصر وإسرائيل عام 1975

 

 *وافقت حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة إسرائيل على ما يلي:

ـ المادة الأولى: إن النزاع بينهما وفي الشرق الأوسط لا يتم حله بالقوة المسلحة، وإنما بالوسائل السلمية. وقد شكلت الاتفاقية المعقودة ما بين الطرفين في 18 يناير  (كانون الأول) 1974 في إطار مؤتمر جنيف للسلام،  خطوة أولى نحو سلام عادل ودائم، وفقاً لأحكام قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 1973. وإذ يعتزمان  التوصل إلى تسوية نهائية وعادلة عن طريق المفاوضات، التي دعا إليها قرار مجلس الأمن رقم 338، فإن الاتفاقية خطوة هامة نحو تحقيق هذا الهدف...

ـ المادة الثانية: يتعهد الطرفان بعدم استخدام القوة أو التهديد بها أو الحصار العسكري في مواجهة ا لطرف الآخر..

ـ المادة الثالثة:

1 ـ سوف يستمر الطرفان في أن يراعيا بدقة وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو، والامتناع عن أي أعمال عسكرية أو شبه عسكرية ضد الطرف الآخر.

2 ـ ويقر الطرفان أيضاً، أن الالتزامات الواردة في ملحق هذه الاتفاقية والبروتوكول الخاص بها عند عقده، سيكونان جزءاً لا يتجزأ من هذه الاتفاقية.

ـ المادة الرابعة:

(أ)ـ يتم تحريك القوات المسلحة للطرفين وفقاً للمبادئ التالية:

1 ـ تنسحب جميع القوات الإسرائيلية إلى شرق الخط المشار إليه بخط (ي) على الخريطة المرفقة.

2 ـ تتقدم جميع القوات المصرية إلى غرب الخط المشار إ ليه بخط (هـ) على الخريطة المرفقة.

3 ـ تكون المنطقة الواقعة بين الخطين المشار إليهما في الخريطة المرفقة  بخطيه،  وكذلك  المنطقة الواقعة بين الخطين المشار إليهما في الخريطة المرفقة بخطي ي، ك، محددة السلاح والقوات...

4 ـ  يتم الاتفاق على التحديدات الخاصة والقوات في المنطقتين المشار إليهما في الفقرة 3 وفقاً لما هو في الملحق المرفق...

5 ـ ستكون المنطقة الواقعة بين الخطين المشار إليهما في الخريطة المرفقة بخطي هـ، ي منطقة عازلة، وسوف تستمر قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة في القيام بوظائفها على النحو الوارد في الاتفاقية المصرية ـ الإسرائيلية   في 18/يناير ـ 1974.

6 ـ المنطقة الواقعة بين الخط (هـ) والخط المنتهي على الساحل جنوب أبو رديس المبين في الخريطة المرفقة، سوف لا تكون هناك قوات عسكرية كما هو موضح في الملحق المرفق..

(ب) ـ التفاصيل المتعلقة بالخطوط الجديدة، لإعادة تحريك القوات، وتوقيت ذلك، والتحديد الخاص بالأسلحة والقوات والاستطلاع الجوي، وتشغيل منشآت الإنذار المبكر والاستكشاف، واستخدام الطرق ومهام الأمم المتحدة وغير ذلك من الترتيبات، ستكون كلها وفقاً لأحكام الملحق والخريطة الذين يكونان جزءاً لا يتجزأ من هذه الاتفاقية، وللبروتوكول الذي يتم الوصول إليه عن طريق مباحثات طبقاً للملحق، الذي سيصبح عند عقده جزءاً لا يتجزأ  من هذه الاتفاقية.

ـ المادة الخامسة: تعتبر قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة أساسية، وسوف تستمر بالقيام بعملها، وستجدد مدتها سنوياً.

ـ المادة السادسة: ينشئ الطرفان لجنة مشتركة أثناء سريان هذه الاتفاقية، وتعمل تحت رئاسة المنسق العام لعمليات الأمم المتحدة للشرق الأوسط. وذلك لتنظر في أية مشكلة تنجم عن هذه الاتفاقية، وبمعاونة قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة في تنفيذ مهمتها. وستعمل اللجنة المشتركة وفقاً للإجراءات الواردة في البروتوكول...

ـ المادة السابعة:  سيسمح بمرور الشاحنات غير العسكرية المتجهة إلى إسرائيل ومنها بالمرور في قناة السويس.

ـ المادة الثامنة: يعتبر الطرفان هذه الاتفاقية خطوة هامة نحو سلام دائم وعادل، وهي ليست اتفاقية سلام نهائي.

2 ـ ستواصل الأطراف بذل الجهود للتوصل بالتفاوض إلى اتفاق سلام نهائي في إطار مؤتمر جنيف للسلام، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 338.

ـ المادة التاسعة: تسري هذه الاتفاقية بعد توقيع البرتوكول، وتبقى سارية المفعول حتى تحل محلها اتفاقية جديدة...

 

حررت في أول سبتمبر (أيلول) 1975 من 4 نسخ أصلية...

 

ملحق الاتفاقية بين مصر وإسرائيل:

يجتمع خلال خمسة أيام من توقيع الاتفاقية بين مصر وإسرائيل ممثلون للجانبين في مجموعة العمل العسكرية المنبثقة عن مؤتمر السلام للشرق الأوسط في جنيف، للبدء في إعداد برتوكول مفصل لتنفيذ الاتفاقية. وستنتهي مجموعة العمل من البروتوكول خلال أسبوعين.

ولتسهيل إعداد البرتوكول وتنفيذ الاتفاقية  وللمعاونة في المراعاة الدقيقة لوقف إطلاق النار وباقي عناصر الاتفاقية، وافق الطرفان على المبادئ التالية لتسترشد بها مجموعة العمل..

*وكجزء لا يتجزأ من الاتفاق:

1 ـ تحديد الخطوط والمناطق: الخطوط التي تفتح عليها القوات والمناطق المحدودة في القوات والأسلحة والمناطق العازلة والمنطقة الواقعة جنوب الخط (هـ) وغربي الخط (م) والمناطق الأخرى المحددة، وقطاعات الطرق المستخدمة استخداماً مشتركاً والنواحي الأخرى المذكورة في المادة الرابعة من الاتفاقية، ستكون كما هي على الخريطة المرفقة (1) إلى (100000) طبعة أمريكية...

2 ـ المناطق العازلة:

أ ـ سيكون الدخول إلى المناطق العازلة تحت إشراف قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة، طبقاً للإجراءات التي يتم الاتفاق عليها بواسطة مجموعة العمل العسكرية وقوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة.

ب ـ يسمح لطائرات كل طرف بالطيران بحرية حتى خطه الأمامي، ويمكن أن تطير طائرات استطلاع  كل طرف حتى الخط المنصف للمنطقة العازلة بين الخطين (هـ) ولجدول يتفق عليه.

ج ـ سينشأ في المنطقة العازلة طبقاً للمادة الرابعة من الاتفاق بين الخط (هـ) والخط (ي) نظام إنذار مبكر، يوكل إلى أفراد مدنيين من الولايات المتحدة كما هو موضح في خطابات متبادلة، والتي هي كجزء من هذه الاتفاقية...

د ـ يكون للأشخاص المصرح لهم بدخول المنطقة العازلة حق المرور العابر إلى ومن نظام الإنذار المبكر...

     وسوف يحدد الأسلوب، الذي يتم به ذلك بواسطة مجموعة العمل العسكرية وقوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة.

3 ـ المنطقة جنوب الخط (هـ) وغربي الخط (م):

أ ـ سوف تتحقق قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة  من عدم وجود قوات عسكرية أو شبه عسكرية من أي نوع أو تحصينات أو إنشاءات  عسكرية في المنطقة، وستقيم نقطة مراجعة، وسيكون لها الحركة اللازمة للقيام بهذه المهمة.

ب ـ المدنيون المصريون والعاملون الفنيون في حقول البترول من رعايا الدول الأخرى غير الأطراف في هذه الاتفاقية، سيكون لهم الحق في الدخول والخروج والعمل والإقامة بالمنطقة المشار إليها، عدا المناطق العازلة ومراكز الأمم المتحدة، ويكون بتواجد الشرطة المدنية المصرية في هذه المنطقة، للقيام بمهام الشرطة المدنية العادية بين المواطنين المدنيين بالإعداد والتسليح والمعدات، التي سوف تحدد في البروتوكول.

ج ـ سوف يكون الدخول والخروج من المنطقة براً وبحراً عن طريق نقطة مراجعة قوة الطوارئ للأمم المتحدة فقط. وسوف تقيم هذه القوات كذلك نقطة مراجعة على الطريق وعلى الخط الفاصل ونقطة أخرى في الأماكن وبالأعداد، التي تحدد في البروتوكول.

د ـ سيقتصر الدخول في المجال الجوي والمنطقة الساحلية على السفن المدنية المصرية غير المسلحة وطائرات الهليوكوبتر المدنية غير المسلحة وطائرات النقل، التي تقوم بخدمات مدنية في المنطقة، طبقاً لما يتفق عليه بواسطة مجموعة العمل.

هــ تلتزم إسرائيل بأن تترك كافة الإنشاءات المدنية والمرافق الأساسية القائمة بحالة سليمة وعاملة.

وـ سوف تحدد تفصيلاً في البروتوكول إجراءات استخدام القطاعات المشتركة من الطريق الساحلي على طول خليج السويس بواسطة مجموعة العمل.

4 ـ المراقبة الجوية: سوف تستمر مهام الاستطلاع الجوي بواسطة الولايات المتحدة  فوق المناطق التي يغطيها هذا الاتفاق". المنطقة بين الخطوط و،ك" وتتبع نفس الإجراءات المطبقة حالياً. وستنفذ المهام  بمعدل مهمة كل 7 إلى 10أيام. مع حق الطرفين أو قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة في طلب مهمة مبكرة. وستجعل الولايات المتحدة الأمريكية نتائج هذه المهام متاحة بسرعة إلى إسرائيل ومصر والمنسق العام لعمليات الأمم المتحدة في الشرق الأوسط.

5 ـ القيود على القوات والتسليح:

أ ـ سوف تكون القيود الرئيسية  في المناطق محدودة القوات والتسليح "المناطق بين الخطوط ي،هـ، و" كما يلي: 1 ـ ثماني كتائب مشاة 2 ـ (75)دبابة . 3 ـ (72) قطعة مدفعية  بما فيها الهاونات الثقيلة "عيار أبر من 120 مم"، التي لا يزيد مداها عن 12 كيلو متراً.

4 ـ سوف يتجاوز المجموع الكلي للأفراد ثمانية آلاف...

5 ـ  وافق الجانبان على عدم وضع أو تمركز أسلحة في المنطقة يمكنها الوصول إلى خط الطرف الآخر.

6 ـ وافق الجانبان على أنه في المناطق بين الخطوط (ن،ك) وبين الخط الخاص (1) باتفاقية فض الاشتباك الموقعة في 18 يناير 1974، والخط (هـ) سوف لا تقام تحصينات جديدة، أو منشآت لقوات يزيد حجمها عما اتفق عليه في هذا الاتفاق...

ب ـ ستكون القيود الرئيسية خارج المناطق محددة القوات والتسليح كالتالي:

1 ـ لا يضع أي من الطرفين أو يمركز أي سلاح في مناطق يمكن منها الوصول  إلى خط الطرف الآخر.

2 ـ لا يضع أي من الطرفين صواريخ مضادة للطائرات في منطقة تبعد 10 كيلو مترات شرق الخط (ك) وغرب الخط (و)على التوالي.

ج ـ قوات الأمم المتحدة سوف تجري تفتيشاً للتحقيق في مراعاة القيود المتفق عليها في هذه المناطق.

ـ إجراءات التنفيذ:

ـ للتنفيذ التفصيلي، وتوقيتات إعادة توزيع القوات وتسليم حقول البترول، والترتيبات الأخرى، التي نصت عليها الاتفاقية بالملحق  والبروتوكول تحدد بواسطة مجموعة العمل، التي سوف يتفق عليها على المراحل الخاصة بهذه العملية، بما فيها مراحل تحرك القوات المسلحة إلى الخط (هـ) والقوات الإسرائيلية إلى الخط (ي)، وستكون  المرحلة الأولى، وهي تسليم آبار البترول والمنشآت المصرية.

وهذه العملية سوف تبدأ خلال أسبوعين من توقيع البروتوكول، بوصول الفنيين اللازمين، وسوف تتم في موعد أقصاه ثمانية أسابيع من بدئها. وتحدد مجموعة العمل العسكرية المراحل التفصيلية، وينتهي التنفيذ النهائي للاتفاقية خلال خمسة شهور من البروتوكول.

ـ اقتراح:

ـ فيما يتعلق بنظام الإنذار المبكر المشار إليه في المادة الرابعة من الاتفاقية المعقودة بين مصر وإسرائيل اليوم، و كجزء من هذه الاتفاقية والمشار إليها فيما بعد بالاتفاقية الأساسية فإن الولايات المتحدة الأمريكية، تقترح مايلي:

1 ـ سيكون إنشاء نظام  الإنذار المبكر الذي يقام تطبيقاً للمادة الرابعة في المنطقة الموضحة على الخريطة المرفقة بالاتفاقية الأساسية موكلاً إلى الولايات المتحدة، وسوف يقوم على العناصر التالية:

أ ـ سوف تكون هناك محطتان للاستكشاف للقيام بالإنذار الاستراتيجي المبكر، يقوم بتشغيل إحداهما أفراد مصريون، والأخرى أفراد إسرائيليون. مرتبين على الخريطة المرفقة موقع هاتين المحطتين. وسوف تدار كل محطة بما لا يزيد عن 250 من الفنيين والإداريين. وسيقومون بأداء واجباتهم في المراقبة البصرية والإليكترونية في نطاق محطة كل منهما..

ب ـ وتدعيماً لهاتين المحطتين ولتوفير إنذار مبكر تكتيكي وللتحقق من الوصول إليهما، تقيم الولايات المتحدة ثلاث محطات مراقبة في ممر الجدي ومتلا. كما هو موضح على الخريطة المرفقة بالاتفاقية الأساسية. وسوف تدار هذه المحطات بواسطة أفراد مدنيين من الولايات المتحدة. وتدعيماً لهذه المحطات سوف تنشأ ثلاث مواقع استشعار إليكترونية،  يكون تشغيلها ذاتياً دون أفراد في نهايتي كل ممر. وفي المنطقة المحيطة بكل محطة والطرق المؤدية إلى هذه المحطات ومنها.

2 ـ سيقوم أفراد الولايات المتحدة المدنيون بأداء واجباتهم فيما يتعلق بإدارة وصيانة هذه المحطات على النحو التالي:

أ ـ في محطتي الاستكشاف المشار إليهما في الفقرة (ا ـ آ) سوف يتحقق أفراد الولايات المتحدة المدنيون من طبيعة العمليات التي تقوم بها المحطتان، وإلى كل محطة، ويقومون فوراً بإخطار أطراف الاتفاقية عن أي خرق يكتشفونه، وعن دورهما المتفق عليه فيما يتعلق بالرقابة البصرية والإليكترونية.

ب ـ في كل محطة مراقبة مشار إليها في الفقرة (آ ـ ب) سيقوم أفراد الولايات المتحدة المدنيون بإبلاغ أطراف الاتفاقية الأساسية وقوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة على الفور عن أية تحركات للقوات المسلحة، عدا قوة الطوارئ التابعة للأمم إلى داخل أي من الممرين، وكذا عن أية استعدادات للتحرك يمكن ملاحظتها.

ج ـ وسوف لا يتزايد العدد الإجمالي للأفراد المدنيين للولايات المتحدة المكلفين بواجبات تطبيق هذا الاتفاق عن مئتين (200). وسوف يعهد إلى إدارة مدنيين فقط بالمهام الواردة في هذا الاتفاق.

3 ـ سوف لا تتواجد أسلحة في المحطات والمواقع المشار إليها في هذا الاتفاق، باستثناء الأسلحة الصغيرة اللازمة لحمايتهم.

4 ـ سوف يسمح لأفراد الولايات المتحدة المدنيين العاملين في النظام المبكر بالتنقل بحرية داخل منطقة هذا النظام.

5 ـ سوف تخول الولايات المتحدة  لأفرادها  المدنيين الخدمات والمساعدة المعقولة  والضرورية لأداء مهمتها.

6 ـ سيتمتع أفراد الولايات المتحدة المدنيون بالحصانة من الاختصاص المحلي الجنائي والمدني والضرائبي والجمركي، كما يتمتعون بأية مزايا وحصانات محددة منصوص عليها في اتفاقيات قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة المعقودة في 13 فبراير (شباط) 1957..

7 ـ مع مراعاة الأحكام الأخرى للاتفاق، فللولايات مهامها المشار إليها، وذلك أثناء سريان الاتفاقية الأساسية.

8 ـ مع مراعاة الأحكام الأخرى للاتفاق، فللولايات المتحدة أن تسحب قوتها فقط، في حالة ما إذا قررت أن سلامتهم مهددة، أو استمرارهم في أداء عملهم لم يعد ضرورياً. وفي الحالة الأخيرة فإن أطراف الاتفاقية الأساسية سوف يخطرون  مسبقاً، لإعطائهم فرصة لاتخاذ تدابير بديلة. وإذ طلب أطراف الاتفاقية الأساسية من الولايات المتحدة إنهاء دورها وفقاً لهذا الاتفاق، فإن الولايات المتحدة سوف تعتبر هذا الطلب قاطعاً..

9 ـ سوف تعالج المشاكل الفنية بما في ذلك مواقع محطات المراقبة مع الولايات المتحدة.

(جريدة الأهرام المصرية ـ العدد 320407 ـ تاريخ 2/9/1975).

  

وثيقة رقم (6)
*الاتفاقية الثقافية المصرية ـ الإسرائيلية:

 

 

تضمنت تلك الاتفاقية التي وقعت مابين الحكومة المصرية والكيان الصهيوني في18/5/1980، عدة بنود تمهيداً لتطبيع ثقافي وتربوي وتعليمي، قصد منه الإجهاز على العقل العربي المصري، ليرضخ لمتطلبات المشروع الصهيوني، ويتقبله على مخاطره الكبيرة في وجوده الإنساني والوطني، وتقبل الكيان الصهيوني المغتصب، وقد جاء في تلك الاتفاقية البنود التالية:

ـ تشجيع التعاون في المجالات الثقافية والعلمية والفنية، وتشجيع الاتصالات، وتبادل زيارات الخبراء في المجالات الثقافية والفنية والتكتيكية والعلمية والطبية.

ـ  يسعى الطرفان إلى فهم أفضل لحضارة وثقافة كل طرف، من خلال تبادل المنتوجات التكنيكية والأثرية. تبادل الأعمال الفنية  وتشجيع إقامة المعارض العلمية والتكنولوجية ومعارض الفنون البصرية.

ـ تبادل برامج الإذاعة والتلفزيون والتسجيلات والأفلام الثقافية والعلمية.

ـ تسهيل  زيارة العلماء والدارسين والباحثين إلى المتاحف والمكتبات والمؤسسات التعليمية والثقافية والتكنيكية.

ـ الاتفاق علىعمل برتوكول خاص، يتناول المتطلبات الضرورية لمعادلة الشهادات والدرجات، التي تمنحها المؤسسات التعليمية لدى الطرفين.

ـ تشجيع الأنشطة الرياضية بين الشباب والمؤسسات الرياضية لدى الطرفين.

*المصدر  ـ د.سعيد البحراوي ـ مجلة الكفاح العربي اللبنانية ـ
6/9/2000/.



 وثيقة رقم (7)

*/مشروع السلام والأمن الإقليمي/
لحزب العمل الصهيوني.

 

 

1 ـ مقدمة:

1 ـ يدعو حزب العمل إلى استغلال الفرصة المؤاتية، من أجل التقدم نحو السلام، بين إسرائيل والدول العربية والفلسطينيين. إذ يجوز أن يستمر النزاع الإسرائيلي ـ العربي، ذلك بأن استمراره سيحرض على إقامة تحالفات معادية، بتراكيب سابقة أو جديدة.

سيؤدي النزاع إلى سباق تسلح جديدة... يشمل أنواعاً متعددة المدافع المتطورة والرؤوس الحربية غير التقليدية.

وكلما تطورت تكنولوجيا الحرب ازداد خطر أن يلحق العدو بنا دماراً وخسارة أكثر فداحة، حتى في حرب تنتهي في انتصارنا.

إن نزاعاً مفتوحاً سيهيء لإمكان نشوب حرب جديدة (ومع أن إسرائيل ستنتصر فيها، إلا أنها ستدفع ثمناً باهظاً). وسيكون ثمن تسابق التسلح المستمر تراجعاً وتدهوراً في اقتصاد إسرائيل.

2 ـ يجب البدء بعملية السلام في أقرب وقت.  وحتى ولو تطلبت إدارتها زمناً. وكلما تأجل البدء بها اضمحلَّ تأثير الانتصار في الخليج، وتفشى الشعور  بالإحباط العام، المقترن بتطرف ديني وإيديولوجي، في العالم العربي، وحتى في المناطق الإسلامية خارج العالم العربي. ينبغي لإسرائيل أن تكون الطرف، الذي يضع مبادرة السلام أيضاً، كي تستبق مبادرات معادية لإسرائيل...

3 ـ من المهم أن يشمل السلام في الشرق الأوسط بكامله، كي يغطي مجال السلام مجال الخطر، الذي يهدد إسرائيل. وستتم عملية السلام بمفاوضات مع كل طرف، وفي سبيل جلب الازدهار الاقتصادي إلى دول المنطقة. يجب بناء اقتصاد إقليمي. إن موضوعات مثل المياه والسياحة، يجب معالجتها في إطار إقليمي لا في إطار قومي، فمصادر المياه والمراكز السياحية لا تقتصر على الحدود القومية.

4 ـ لا يجوز رفض المفاوضات الفلسطينية بسبب المفاوضات مع الدول العربية. إن إمكان التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين مرهون، بإمكان التوصل إلى تسوية متبادلة معهم.

5 ـ تجري المفاوضات مع ممثلي سكان المناطق [المحتلة] على أساس التقدم  نحو السلام على مرحلتين:

ـ المرحلة الأولى تسوية مرحلية.

ـ والمرحلة الثانية مفاوضات  في شأن حل دائم بمشاركة الأردن.

وفي حال إجراء  مفاوضات مشتركة مع وفد أردني ـ فلسطيني، يتم التباحث في إمكان حل وسط في شأن أراض، أو في شأن مدة زمنية، أو في شأن سلطة.

ب ـ الأهداف:

1 ـ تحقيق سلام كامل وشامل ودائم على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 و338، والاعتراف  بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني  والحاجات الأمنية لإسرائيل، وعدم سيطرة شعب على آخر. سلام يتم إحرازه على أساس مبادلة الأرض بالسلام.

2  ـ المحافظة على القدس تحت السيادة الإسرائيلية، وكعاصمة لإسرائيل.

3 ـ التوصل إلى حدود أمنية ومناطق أمنية، وأيضاً ترتيبات أمنية تستند إلى ما يلي:

ـ تجريد المناطق التي ستتم إعادتها من السلاح.

ـ نهر الأردن كحدود أمنية.

ـ ترتيبات إنذار ملائمة.

ـ ترتيبات أمنية مع الولايات المتحدة .

 

ـ ترتيبات أمنية جغرافية واضحة فيما يتعلق بضمان حرية الملاحة والطيران.

4 ـ إقامة إطار (فدرالي أو كونفدرالي)، يشمل سكان الأردن والضفة الغربية وقطاع غزة شرط ألا تقام دولة فلسطينية.

5 ـ رسم حدود دائمة.

6 ـ حل مشكلة اللاجئين خارج منطقة السيادة الإسرائيلية.

7 ـ ترتيبات اقتصادية في إطار تعاوني إقليمي، وصولاً إلى إقامة سوق إقليمية مشتركة.

8 ـ حماية البيئة في المنطقة.

ج ـ السياقات:

1 ـ في الإمكان بدء المفاوضات خلال فترة قصيرة. وستنضم إليها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، عندما يقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

     سيضم الوفد الفلسطيني مندوبين عن الضفة الغربية وقطاع غزة، ويتم الاتفاق على تركيبته مسبقاً (إذا لم يتم الاتفاق على انتخابات).

     يُدعى الأردن إلى الانضمام إلى المفاوضات، سواء عن طريق وفد منفصل أو عن طريق وفد مشترك مع الفلسطينيين، في حال تم الاتفاق على ذلك فيما بينهم...

2 ـ لدى افتتاح المفاوضات مع الفلسطينيين، أو مع الأردنيين والفلسطينيين، تدعى الدول المتاخمة لإسرائيل براً وبحراً، ودول أخرى موجودة في حالة حرب مع إسرائيل، إلى المفاوضات  السلمية من دون شروط مسبقة. وترسل مصر مراقباً إلى هذه المفاوضات.

3 ـ تستند عملية السلام إلى قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338.

4 ـ توجيه الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لإقامة بنية اقتصادية جديدة للشرق الأوسط. ويدعى إلى هذا المؤتمر مندوبون عن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وأوروبا واليابان وكندا، وأيضاً مندوبون عن صندوق النقد الدولي وعن البنك الدولي. وتدعى إلى المؤتمر أية دولة ترغب في أن تكون عضواً في هذه المنظمة.

5 ـ يعالج المؤتمر الجوانب الإقليمية لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من إيمان بأن الاقتصاد المزدهر يمكن أن يضمن الاستقرار السياسي، وتبني أساليب تكنولوجية متقدمة في منطقتنا.

6 ـ يقر المؤتمر مبدأ اقتصادياً للمنطقة. وينشئ مؤسسات دائمة أو مؤقتة في سبيل:

أ ـ إقامة منطقة تجارية مؤقتة.

ب ـ إنشاء بنك لتنمية الخدمات والصناعة والزراعة.

ج ـ إعداد خمسية لتطوير مصادر المياه، الموجودة منها وتلك القابلة للتطوير بواسطة وسائل علمية وتكنولوجية (تحلية مياه البحر، والتكرير، وبناء السدود، وأساليب الري الحديثة)...

د ـ إعداد خطة خمسية لتطوير سياحة إقليمية.

هـ  ـ إقامة نظام لتطوير الصحة والتعليم والخدمات على مستوى إقليمي.

7 ـ يقام جهاز لمكافحة التهديدات الإرهابية وتهريب المخدرات.

8 ـ يقام جهاز لاقتراح سبل لوقف ا لتسلح، وخفض حجم الجيوش، وخلق ميزان قوى متفق عليه في المنطقة.

 

*المصدر ـ مجموعة قرارات مؤسسات حزب العمل الإسرائيلي أيلول/ 1990 ـ آذار 1991/ ـ العدد رقم (5)ـ صادر عن شعبة الإعلام في حزب العمل/ ـ مجلة دراسات فلسطينية ـ بيروت ـ العدد 6 ـ ربيع 1991 ـ
ص 176 ـ 178.

 

 

الوثيقة رقم (8)
معاهدة السلام الأردنية ـ الإسرائيلية

عمان 17/10/1994

 

 

الديباجة

إن حكومة المملكة الأردنية الهاشمية وحكومة دولة إسرائيل، إذ تأخذان  في عين الاعتبار إعلان واشنطن، الموقع من قبلهما في 25 تموز (يونيو) 1994، وتتعهدان بالوفاء به. وإذ تهدفان إلى تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط، ومبني على قراري مجلس الأمن  242 و338 بجوانبها كلها. وإذ تأخذان بعين الاعتبار أهمية المحافظة على السلام وتقويته، على أسس من الحرية والمساواة والعدل واحترام حقوق الإنسان الأساسية، متخطيتين  بذلك الحواجز النفسية ومعززتين للكرامة الإنسانية. وإذ تؤكدان إيمانهما بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتعترفان بحقهما وواجبهما في العيش بسلام بينهما ومع الدول كافة، ضمن حدود آمنة ومعترف بها. وإذ ترغبان في تنمية علاقات صداقة وتعاون بينهما  بحسب مبادئ  القانون الدولي، التي تحكم العلاقات الدولية في وقت السلم. وإذ ترغبان أيضاً في ضمان أمن دائم لدولتيهما، وعلى نحو خاص بتجنب التهديد بالقوة، واستعمالها في ما بينهما. وإذ تأخذان في عين الاعتبار،  أنهما أعلنتا انتهاء حالة العداء بينهما بموجب إعلان واشنطن الموقع في 25 تموز (يوليو) 1994. وإذ تقرران إقامة سلام بينهما بموجب معاهدة السلام هذه، فقد اتفقتا على مايلي:

المادة (1) : إقامة السلام

يعتبر السلام قائماً بين المملكة الأردنية الهاشمية ودولة إسرائيل (الطرفين) اعتباراً  من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.

المادة (2): المبادئ العامة:

سيطبق الطرفان في ما بينهما، أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، التي تحكم العلاقات بين الدول وقت السلام وبصورة خاصة:

1 ـ يعترفان بسيادة  كل منهما  وسلامته الإقليمية  واستقلاله السياسي وسيحترمهما.

2 ـ يعترفان بحق  كل منهما بالعيش وبسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها؛ وسيحترمان ذلك الحق.

3 ـ سينميان علاقات حسن الجوار بالتعاون بينهما لضمان أمن دائم، وسيمتنعان من التهديد بالقوة ومن استعمالها. وسيحلان جميع النزاعات بينهما بالوسائل السلمية.

4 ـ يحترمان ويعترفان بسيادة كل دولة في المنطقة وبسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي.

5 ـ يحترمان ويعترفان بالدور السياسي للتنمية والكرامة الإنسانية في العلاقات الإقليمية والثنائية.

6 ـ ويعتقدان أيضاً أن تحركات السكان القسرية ضمن نفوذهما بشكل قد تؤثر سلباً في أي من الطرفين، ينبغي ألا يسمح بها.

المادة (3): الحدود الدولية

1 ـ تحدد الحدود الدولية بين الأردن وإسرائيل على أساس تعريف الحدود زمن الانتداب، كما هو مبين في الملحق  I (أ) المشار إليها في المواد الخرائطية المضافة والإحداثيات (المحددة فيه).

2 ـ تعتبر الحدود كما هي محددة في الملحق 1/I (أ) الحدود الدولية الدائمة والآمنة والمعترف بها دولياً بين الأردن وإسرائيل، من دون المساس بوضع أية أراض دخلت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي سنة 1967.

3 ـ يعتبر الطرفان أن الحدود الدولية. بما في ذلك حدود كل منهما، والمياه الإقليمية والمجال الجوي لكل منهما حدود لا يجوز اختراقها، وسيحترمانها ويتقيدان بها.

4 ـ سيتم ترسيم الحدود بحسب ماهو منصوص عليه  في الملحق الفرعي  (I) لملحق I ، وسيتم الانتهاء منه في فترة لا تزيد عن 9 أشهر بعد توقيع المعاهدة.

5 ـ  من المتفق عليه، أنه حيثما تبعت الحدود مجرى نهر، فإنه إذا تغير مسيل مجرى النهر تغيراً طبيعياً، كما موضح في الملحق I  (أ)  فإن الحدود تتبع المجرى الجديد للمسيل، وأنه في حالة حدوث أية تغييرات أخرى، فإن الحدود لن تتأثر، إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك.

6 ـ مباشرة عند تبادل  وثائق التصديق على هذه المعاهدة، سيعيد كل طرف الانتشار إلى جهته من الحدود الدولية بحسب ماهو معرف في الملحق I  (أ).

7-مباشرة عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة، سيدخل الطرفان مفاوضات للوصول إلى اتفاق خلال 9 أشهر على تحديد حدودهما البحرية في خليج العقبة.

8-آخذين في عين الاعتبار الأوضاع الخاصة بمنطقة الباقورة /نهارايم/، والتي هي تحت السيادة الأردنية، وفيها حقوق امتلاك خاصة إسرائيلية، يقر الطرفان تطبيق المواد المنصوص عليها في الملحق(ب).

9-في ما يتعلق بمنطقة الغمر /تسوفار/ تطبق المواد المنصوص عليها في الملحق (ج).

المادة (4)- الأمن:

1-أ-يتقبل الطرفان، أن التفاهم المشترك والتعاون بينهما في المسائل المتعلقة بالأمن، سيكونان جزءاً مهما من علاقتهما في مجال الأمن، على الثقة المتبادلة وتطوير المصالح المشتركة والتعاون، وأن يهدفا إلى إقامة بنيان إقليمي من الشراكة في السلام.

ب-نحو ذلك الهدف يعترف الطرفان بمنجزات المجموعة الأوربية والاتحاد الأوربي في تطوير مؤتمر الأمن والتعاون في أوربا، ويلتزمان إقامة مؤتمر الأمن والسلام في الشرق الأوسط. ويعني هذا الالتزام، تبني أطر إقليمية على النحو الذي تم تنفيذه بنجاح في فترة ما بعد الحرب العالمية (على الخطوط نفسها التي سار عليها مؤتمر هلسنكي). بما يتوج بمنطقة أمن واستقرار.

2-لا تمس الالتزامات المنصوص عليها في هذه المادة الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس بموجب ميثاق الأمم المتحدة.

2-يتعهد الطرفان بمقتضى هذه المادة بما يلي:

أ-الامتناع عن التهديد بالقوة واستعمالها، أو استعمال الأسلحة التقليدية أو غير التقليدية، أو من أي نوع آخر ضد بعضهما، ومن الأعمال والأنشطة الأخرى التي تضر بأمن الطرف الآخر.

ب-الامتناع عن تنظيم الأعمال والتهديدات العدائية أو المعادية، أو ذات الطبيعة التخريبية أو العنيفة (ومن التحريض عليها والمساهمة، أو المشاركة فيها ضد الطرف الآخر).

ج-اتخاذ الإجراءات الضرورية والفاعلة للتأكد من أن الأعمال أو التهديدات بالعداء أو المعاداة أو التخريب أو العنف، لا ترتكب من أراضيهما (وحيثما وردت كلمة أراض بعد هذه الفقرة فإنها تشمل المجال الجوي والمياه الإقليمية) أو من خلال أو فوق أراضيهما.

4-بما يتماشى وحقبة السلام، ومع الجهود لبناء أمن إقليمي، وما يمنع ويحول دون العدوان والعنف، يتفق الطرفان، أيضاً على الامتناع عمّا يلي:

أ-دخول أي ائتلاف أو تنظيم أو حلف ذي صفة عسكرية أو أمنية مع طرف ثالث، أو مساعدته بأي طريقة من الطرق أو الترويج له، أو التعاون معه، إذا كانت أهدافه أو أنشطته، تتضمن شن عدوان أو أية أعمال أخرى من العداء العسكري ضد الطرف الآخر، بما يتناقض مع مواد هذه المعاهدة.

ب-السماح بدخول أو إقامة أو عمل قوى عسكرية أو عسكريين أو معدات، تعود إلى طرف ثالث على أراضيهما، في أحوال يمكن أن تخل بسلامة الطرف الآخر.

5-سيتخذ الطرفان إجراءات ضرورية وفعالة، وسيتعاونان على مكافحة الإرهاب بأشكاله كلها، ويتعهد الطرفان:

أ-اتخاذ إجراءات ضرورية وفعالة لمنع أعمال الإرهاب والتخريب والعنف، من أن تشن من أراضيهما أو من خلال أراضيهما، واتخاذ إجراءات ضرورية فعالة لمكافحة هذه الأنشطة ومرتكبيها.

ب-من دون المساس بالحريات الأساسية للتعبير عن الرأي والتنظيم، اتخاذ إجراءات ضرورية وفعالة، لمنع دخول ووجود وعمل أية مجموعة أو منظمة وبنيتهما الأساسية على أراضيهما، إذا كانت تهدد أمن الطرف الآخر، باستعمال وسائل العنف أو التحريض على استعمال وسائله.

ج-التعاون على أمن ومكافحة التسلل عبر الحدود.

6-إن أي مسألة تتعلق بتنفيذ هذه المادة، تتم معالجتها ضمن آلية للتشاور، تضم جهاز الارتباط والتحقق والإشراف، وحيثما كان ذلك ضرورياً آليات للتشاور أخرى ومشاورات على مستوى أعلى، وسيضم اتفاق، سيجري الانتهاء منه، ضمن مدة 3 أشهر من تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة، والتفصيلات المتعلقة بآلية التشاور.

7-العمل على أساس الأولوية، وبالسرعة الممكنة، ضمن المجموعة المتعددة الطرف، المتعلقة بضبط التسلح والأمن الإقليمي وبصورة مشتركة لما يلي:

أ-إيجاد منطقة خالية من التحالفات والائتلافات العدائية في الشرق الأوسط.

ب-إيجاد منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، سواء منها التقليدية وغير التقليدية في الشرق الأوسط (ضمن سلام شامل ودائم ومستقر)، يتصف بالامتناع عن استعمال القوة، ويتصف بالتوفيق والنيات الحسنة.

المادة 5: العلاقات الدبلوماسية والعلاقات الثنائية الأخرى.

1-يتفق الطرفان على إقامة علاقات دبلوماسية وقنصلية كاملة، وتبادل السفراء المقيمين، وذلك خلال شهر واحد من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.

2-يتفق الطرفان على أن العلاقة الطبيعية بينهما، تشمل أيضاً العلاقات الاقتصادية والثقافية.

المادة 6: المياه:

بهدف تحقيق تسوية شاملة ودائمة لجميع مشكلات المياه القائمة بين الطرفين:

1-يتفق الطرفان بالتبادل على الاعتراف بتخصيصات عادلة لكل منهما، وذلك من مياه نهر الأردن واليرموك ومن المياه الجوفية لوادي عربة، وذلك بموجب المبادئ المقبولة والمتفق عليها وبحسب الكميات والنوعية المبينة في الملحق 11، والتي يصار إلى احترامها والعمل بموجبها على الوجه الأتم.

2-انطلاقاً من اعتراف الطرفين بضرورة إيجاد حل عملي وعادل ومتفق عليه لمشكلاتهما المائية، إذ يشكل موضوع الماء أساساً لتطوير التعاون بينهما، فإن الطرفين يتعهدان معاً العمل على ضمان عدم تسبب إدارة وتنمية الموارد المائية لأحدهما في الإضرار بالموارد المائية للطرف الآخر بأي شكل من الأشكال

3-يعترف الطرفان بأن مواردهما المائية غير كافية للإيفاء بحاجاتهما، الأمر الذي يتوجب من خلاله تجهيز كميات إضافية، بغية استخدامها، وذلك عبر وسائل وطرق مختلفة، بما فيها مشاريع التعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي.

4-في ضوء أحكام الفقرة (3) أعلاه، وعلى أساس أن التعاون في الموضوعات المتعلقة بالمياه، يكون لمنفعة الطرفين، الأمر الذي من شأنه التخفيف من حدة ما يعانيانه من شح في المياه، وأن قضايا المياه على امتداد الحدود بينهما، لا بد أن تتم معالجتها بوصفها وحدة كاملة، بما في ذلك إمكان نقل كميات المياه عبر الحدود الدولية، فإن الطرفين يتفقان على القيام بالبحث عن وسائل التخفيف من حدة شح المياه، وعلى العمل ضمن أطر المجالات التالية:

أ-تنمية الموارد المائية، الموجودة منها والجديد، والعمل على زيادة وفرة كميات المياه، بما في ذلك تحقيق التعاون على المستوى الإقليمي، كما هو ملائم، وجعل ما يهدر من الموارد المائية بالحد الأدنى، وذلك عبر مراحل استخدامها.

ب-منع تلوث الموارد المائية.

ج-التعاون المتبادل في مجال التخفيف من حدة النقص في كميات المياه.

د-نقل المعلومات والقيام بأنشطة البحث والتطوير المشتركة في عرض إمكانات تعزيز عملية تنمية الموارد المائية واستخدامها.

5-يضم الملحق 11 جميع التفصيلات المتعلقة بتنفيذ التزامات كلا الدولتين بموجب أحكام هذه المادة.

المادة 7: العلاقات الاقتصادية:

1-انطلاقاً من النظر إلى التنمية الاقتصادية والرفاهية باعتبارهما دعامتين للسلام والأمن والعلاقات المنسجمة في ما بين الدول والشعوب والأفراد من بين البشر، فإن الطرفين، في ضوء أوجه التفاهم التي تم التوصل إليها، يؤكدان رغبتهما المتبادلتين في ترويج التعاون الاقتصادي لا بينهما فحسب، وإنما أيضاً ضمن الإطار الأوسع للتعاون الاقتصادي الإقليمي.

2-لتحقيق هذا الهدف، يتفق الطرفان على ما يلي:

أ-إزالة جميع أوجه التمييز، التي تعتبر حواجز ضد تحقيق علاقات اقتصادية طبيعية، وإنهاء المقاطعات الاقتصادية الموجهة ضد الطرف الآخر، والتعاون في مجال إنهاء المقاطعات الاقتصادية المقامة ضد الآخر من قبل أطراف ثالثة.

ب-اعترافاً من الطرفين بأن العلاقات بينهما، ينبغي لها أن تسير على مبادئ انتقال السلع والخدمات بحرية، يدخل الطرفان مفاوضات بهدف التوصل إلى عقد اتفاقيات تتعلق بالتعاون الاقتصادي، بما في ذلك التجارة وإقامة منطقة تجارة حرة والاستثمار والعمل المصرفي والتعاون الصناعي والعمالة، وذلك لأغراض ترويج علاقات اقتصادية مفيدة، تقوم على مبادئ يتم الاتفاق بشأنها. كما تقوم على اعتبارات إقليمية خاصة بالتنمية البشرية. وسيتم اختتام هذه المفاوضات في موعد لا يتجاوز فترة 6 أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على المعاهدة.

ج-التعاون ثنائياً وفي المجالات المتعددة الطرف كذلك، على ترويج اقتصادياتهما وكذلك تعزيز علاقات الجوار الاقتصادية مع أطراف إقليمية أخرى.

المادة 8: اللاجئون والنازحون:

1-اعترافاً من الطرفين بالمشكلات البشرية الكبيرة، التي يسببها النزاع في الشرق الأوسط بالنسبة إلى الطرفين، وبما لهما من مساهمة في التخفيف من شدة المعاناة الإنسانية، فإنهما يسعيان لتحقيق المزيد من التخفيف من حدة المشكلات الناجمة على الصعيد الثنائي.

2-اعترافاً من الطرفين بأن المشكلات البشرية المشار إليها أعلاه، التي يسببها النزاع في الشرق الأوسط، لا يمكن تسويتها بصورة كاملة على الصعيد الثنائي، يسعى الطرفان لتسويتها في المحافل والمنابر الملائمة، وبمقتضى أحكام القانون الدولي، بما في ذلك ما يلي:

أ-في ما يتعلق بالنازحين، في إطار لجنة رباعية، وبالاشتراك مع مصر والفلسطينيين.

ب-في ما يتعلق باللاجئين:

1-في إطار عمل المجموعة المتعددة الأطراف بشأن اللاجئين.

2-من خلال إجراء حوار ثنائي، أو غير ذلك يتم إطار يتفق عليه، ويأتي مقترناً بالمفاوضات الخاصة بالوضع القانوني الدائم، أو متزامناً معها، وذلك في ما يتعلق بالمناطق المشار إليها في المادة الثالثة من هذه المعاهدة.

ج-من خلال تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها والبرامج الاقتصادية الدولية الأخرى المتعلقة باللاجئين والنازحين، بما في ذلك المساعدة في مضمار العمل على توطينهم.

المادة 9: الأماكن ذات الأهمية التاريخية والدينية:

1-سيمنح كل طرف لمواطني الطرف الآخر حرية دخول الأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية.

2-وفي هذا الخصوص، وبما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس. وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي، ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.

3-سيقوم الطرفان بالعمل معاً لتعزيز حوار الأديان التوحيدية الثلاثة، بهدف العمل باتجاه تفاهم ديني، والتزام خلقي وحرية العبادة والتسامح والسلام.

المادة 10: أوجه التبادل الثقافي والعلمي:

انطلاقاً من رغبة الطرفين في إزالة حالات التمييز، التي تراكمت عبر فترات الصراع، فإنهما يعترفان بمرغوبية أوجه التبادل الثقافي والعلمي في الحقول كلها، ويتفقان على إقامة علاقات ثقافية طبيعية بينهما. وعليه، فإنهما يقومان في أسرع وقت ممكن، على ألا يتجاوز ذلك فترة 9 أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة، باختتام المفاوضات بشأن الاتفاقات الثقافية والعلمية.

المادة 11: التفاهم المتبادل وعلاقات حسن الجوار:

1-يسعى الطرفان لتعزيز التفاهم المتبادل في ما بينهما، والتسامح القائم على ما لديهما من القيم التاريخية المشتركة. وبموجب ذلك فإنهما يتعهدان ما يلي:

أ-الامتناع عن القيام ببث الدعايات المعادية القائمة على التعصب والتمييز، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية والإدارية الممكنة، التي من شأنها منع انتشار مثل هذه الدعايات، وذلك من قبل أي تنظيم أو فرد موجود في المناطق التابعة لكل منهما.

ب-القيام في أسرع وقت ممكن وفي فترة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة، بإلغاء كل ما من شأنه الإشارة إلى الجوانب المعادية، وتلك التي تعكس التعصب والتمييز والعبارات العدائية في نصوص التشريعات الخاصة بكل منهما.

ج-الامتناع عن مثل هذه الإشارات أو التعابير في جميع المطبوعات الحكومية.

د-تأكيد تمتع مواطني كل طرف بالمعاملة القانونية للطرف الآخر، وأمام محاكم ذلك الطرف.

2-تطبيق الفقرة 1 (أ) بما لا يتعارض مع الحق في حرية التعبير المنصوص عليه في المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية.

3-تأليف لجنة مشتركة لدرس الحوادث التي يدعي أحد الطرفين فيها حدوث انتهاك لهذه المادة.

المادة 12: مكافحة الجريمة والمخدرات:

سيتعاون الطرفان لمكافحة الجريمة، ولا سيما التهريب، وسيتخذان جميع الإجراءات الضرورية لمكافحة ومنع أنشطة إنتاج المخدرات المحظورة والاتجار بها، وسيقومان بتقديم مرتكبي مثل هذه الأنشطة إلى المحاكمة. وفي هذا الخصوص سيأخذان في عين الاعتبار مجالات التفاهم، التي توصلا إليها، مثل 111 من هذه المعاهدة. كما يلتزم الطرفان، إتمام الاتفاقات المرتبطة بهذا المجال في فترة لا تزيد عن 9 أشهر من تاريخ تبادل وثائق تصديق المعاهدة.

المادة 13: النقل والطرق

يأخذ الطرفان بعين الاعتبار التقدم في مجال النقل، ولهذا يعترفان بالاهتمام المتبادل في إقامة علاقات جوار طبيعية في مجال النقل. ولتعزيز العلاقات في هذا المجال يتفق الطرفان على ما يلي:

1-سيسمح كل طرف لمواطني الطرف الآخر ووسائل نقلهم بحرية الحركة في أراضيه وفقاً للقواعد المطبقة على مواطني الدول الأخرى ووسائل نقلهم. ولن يفرض أي طرف ضرائب تمييزية أو قيوداً على حرية الحركة للأشخاص ووسائل النقل من أراضيه إلى أراضي الطرف الآخر.

2-سيقوم الطرفان بفتح وإقامة طرق ونقاط عبور بين بلديهما. وسيدرسان إمكان إقامة اتصالات برية واتصالات بالسكك الحديدية بينهما.

3-سيستمر الطرفان في التفاوض بشأن اتفاقات النقل المتبادل في المجالات السابقة وفي مجالات أخرى، مثل المشاريع المشتركة والأمان على الطرق (المروري) ومعايير النقل وترخيص المركبات وممرات برية وشحن البضائع والأحمال والقضايا المتعلقة بالأرصاد الجوية، على أن تتم هذه الاتفاقات في ما لا يزيد عن 6 أشهر من تاريخ تبادل الطرفين وثائق تصديق هذه المعاهدة.

4-سيستمر الطرفان في التفاوض لإقامة طريق سريع يربط بين الأردن ومصر وإسرائيل بالقرب من إيلات.

المادة 14: حرية الملاحة والوصول إلى الموانئ.

1-بما لا يتعارض مع الفقرة 3، يعترف كل طرف بحق سفن الطرف الآخر في المرور البحري في مياهه الإقليمية، وفقاً لقواعد القانون الدولي.

2-سيمنح كل طرف سفن الطرف الآخر، وأحمالها منفذا عاديا إلى موانئه. وكذلك السفن والبضائع المتوجهة إلى الطرف الآخر، أو التي تأتي منها. وسيمنح هذا المنفذ وفقاً للشروط نفسها المطبقة عادة على سفن وبضائع الدول الأخرى.

3-يعتبر الطرفان مضيق تيران وخليج العقبة ممرين مائيين دوليين مفتوحين لجميع الأمم، للملاحة فيها والطيران فوقها من دون إعاقة أو توقف.وسيحترم كل طرف حق الطرف الآخر في الملاحة والمرور الجوي للوصول إلى إقليم أي من الطرفين من خلال مضيق تيران وخليج العقبة.

المادة 15: الطيران المدني

1-يعترف الطرفان بتطبيق الحقوق والامتيازات والالتزامات المنصوص عليها في الاتفاقات المتعددة الأطرف، التي يكونان طرفين فيها، لا سيما اتفاقية الطيران المدني الدولي لسنة 1944 (اتفاقية شيكاغو) واتفاقية خدمات المرور الجوي الدولي (ترانزيت) لسنة 1944.

2-في حال إعلان حالة الطوارئ الوطنية في أي طرف وفقاً للمادة 89 من اتفاقية شيكاغو، فلن يطبق هذا الإعلان على الطرف الآخر على أساس تمييزي.

3-يأخذ الطرفان في عين الاعتبار  المفاوضات بينهما لافتتاح ممر جوي بين بلديهما وفقاً لإعلان واشنطن. وبالإضافة إلى ذلك، وبعد التصديق على هذه المعاهدة . سيدخل الطرفان مفاوضات تهدف إلى الوصول إلى اتفاقية نقل مدني بينهما، وسيجري إتمام هذه المفاوضات خلال فترة لا تزيد عن 6 أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.

المادة 16: البريد والاتصالات

يأخذ الطرفان في عين الاعتبار افتتاح خطوط الهاتف والفاكس بينهما طبقاً لإعلان واشنطن. أما في ما يتعلق بالربط البريدي، والذي اختتمت جولة المفاوضات في شأنه، فسيجري تشغيله عند توقيع هذه المعاهدة. كما يتفق الطرفان على إنشاء اتصالات سلكية ولاسلكية عادية، وإنشاء خدمات الربط التلفازي بالأسلاك والراديو والأطباق اللاقطة (ساتيلايت) وفقاً للمعاهدات والأنظمة الدولية في هذا المجال. وسيجري إتمام المفاوضات في هذه الموضوعات في فترة لا تزيد عن 9 أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.

المادة 17: السياحة

يؤكد الطرفان رغبتهما المتبادلة في تعزيز التعاون بينهما في حقل السياحة. وبغية تحقيق هذا الهدف –ويأخذ الطرفان هنا في عين الاعتبار التفاهم المشترك الذي توصلا إليه في ما يتعلق بالسياحة- يتفق الطرفان على التفاوض في أسرع وقت ممكن، والتوصل إلى اتفاق في فترة لا تزيد عن 3 أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة، وذلك بغية تسهيل وتشجيع السياحة المتبادلة والسياحة مع الدول الأخرى.

المادة 18: البيئة

يتعاون الطرفان في الموضوعات المرتبطة بالبيئة –وهو مجال يوليه الطرفان أهمية كبرى- ومنها موضوعات المحافظة على البيئة، ومكافحة التلوث كما هو وارد في الملحق IV وسيدخل الطرفان مفاوضات للتوصل إلى اتفاق نهائي بهذا الشأن، في فترة لا تزيد عن 6 أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.

المادة 19: الطاقة

1 -سيتعاون الطرفان على تنمية موارد الطاقة. بما في ذلك تنمية المشاريع المتعلقة بالطاقة، كاستخدام الطاقة الشمسية.

2-نظراً إلى إتمام التفاوض بشأن الربط المشترك لشبكات الكهرباء في منطقة إيلات –العقبة، سيقومان بتنفيذ هذا الربط عند توقيع هذه المعاهدة. ويعتبر الطرفان هذه الخطوة جزءاً من مفهوم ثنائي وإقليمي واسع. ويتفق الطرفان على استئناف المفاوضات بينهما في أسرع وقت ممكن، لتوسيع مجال الربط المشترك للشبكات الكهربائية.

3-سيتوصل الطرفان إلى اتفاقات مشتركة في مجال الطاقة خلال 6 أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.

المادة 20: تنمية أخدود وادي الأردن

يولي الطرفان أهمية كبرى للتنمية لمنطقة أخدود وادي الأردن، ويشمل ذلك مشاريع مشتركة في المجالات الاقتصادية والبيئية، والمشاريع المتعلقة بالطاقة والسياحة، آخذين في عين الاعتبار الإطار المرجعي الذي وضع ضمن اللجنة الاقتصادية الثلاثية الأردنية – الإسرائيلية – الأمريكية، بهدف الوصول إلى خطة رئيسية لتنمية أخدود وادي الأردن، وسيبذل الطرفان قصارى جهدهما لإتمام التخطيط والسير في التطبيق.

المادة 21: الصحة

سيتعاون الطرفان في مجال الصحة، وسيقومان بالتفاوض بهدف التوصل إلى اتفاق خلال فترة لا تزيد عن 9 أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.

المادة 22: الزراعة

سيتعاون الطرفان في مجال الزراعة بما في ذلك الخدمات البيطرية ، وحماية النباتات، والتقنية الحيوية، والتسويق. وسيقومان بالتفاوض بهدف التوصل إلى اتفاق في غضون 6 أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.

المادة 23: العقبة وإيلات

يتفق الطرفان على دخول المفاوضات في أقرب وقت ممكن، وفي مدة لا تتجاوز شهراً واحداً من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة، على الترتيبات التي ستمكنهما من تحقيق التنمية المشتركة لمدينتي العقبة وإيلات، في مجالات تتعلق بتنمية السياحة المشتركة، والرسوم الجمركية المشتركة، ومنطقة تجارة حرة، والتعاون في الطيران، ومكافحة التلوث، والأمور البحرية، والرسوم الجمركية، ويقوم الطرفان بإتمام هذه الاتفاقات في غضون 9 أشهر من تاريخ تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة.

المادة 24: التعويضات

يتفق الطرفان على إقامة لجنة تعويضات لحل جميع المشكلات المتعلقة بالتعويضات المالية على أساس متبادل.

المادة 25: الحقوق والواجبات

1-لا تؤثر هذه المعاهدة، ويجب ألا تفسر على أنها تؤثر بأي شكل من الأشكال، في حقوق وواجبات الطرفين المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

2-يتعهد الطرفان بتنفيذ التزاماتهما بموجب هذه المعاهدة بحسن نية، ومن دون الالتفات إلى الأفعال، أو الامتناع عن الأفعال من قبل أي طرف آخر، وعلى نحو مستقل عن أي وثيقة لا تتماشى مع المعاهدة. ولأغراض هذه الفقرة، يبين كل طرف للآخر أنه بحسب رأيه وتفسيره لا يوجد أي تعارض بين التزاماته التعاقدية القائمة وبين هذه المعاهدة.

3-يتعهد الطرفان أيضاً اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتطبيق مواد المعاهدات المتعددة الطرف، التي هما طرفان فيها، في إطار علاقاتهما، بما في ذلك تقديم إشعارات ملائمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة وغيره، ممن يمارسون مهمات المؤتمنين على المعاهدات الدولية.

4-سيتخذ الطرفان جميع الإجراءات اللازمة لإزالة الإشارات المسيئة إلى الطرف الآخر في المعاهدات الدولية، التي هما طرفان فيها، في حال وجود هذه الإشارات.

5-يتعهد الطرفان عدم دخول أي التزامات تتعارض مع هذه المعاهدة.

6-مع مراعاة المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة، في حال التعارض بين التزامات الطرفين بموجب هذه المعاهدة، وأي من التزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات الواردة بموجب هذه المعاهدة ستكون ملزمة ويتم تنفيذها.

المادة 26: تشريعات

يتعهد الطرفان خلال 3 أشهر من تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة، اعتماد التشريعات الضرورية لتنفيذ هذه المعاهدة، ولإنهاء أية التزامات دولية أو أية تشريعات تتناقض مع هذه المعاهدات.

المادة 27 : التصديق والملاحق

1-يتم التصديق على هذه المعاهدة من قبل الطرفين، كل بحسب إجراءاته الوطنية، وتدخل حيز التنفيذ بتبادل وثائق التصديق.

2-تعتبر الملاحق والمرفقات والإضافات لهذه المعاهدة جزءاً لا يتجزأ منها.

المادة 28: الإجراءات المؤقتة

سيطبق الطرفان في بعض المجالات، يتم الاتفاق عليها، إجراءات مؤقتة ستنفذ عند عقد الاتفاقات ذات العلاقة المنصوص عليها في هذه المعاهدة بموجب الملحق vo.

المادة 29: حل المنازعات

1-تحل النزاعات الناتجة من تطبيق هذه المعاهدة أو تفسيرها بالتفاوض.

2-أية نزاعات لا يمكن حلها بواسطة التفاوض، ستحل بالتوفيق، أو تحال على التحكيم.

المادة 30: التسجيل

ترسل هذه المعاهدة إلى الأمين العام للأمم المتحدة لتسجيلها بموجب المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة.

أبرمت [المعاهدة] عند نقطة عبور عربة/ عرافاه. اليوم 21 جمادى الأول 1415، حشفان 5755، الموافق في 26 تشرين الأول 1994. باللغات العربية والعبرية والإنكليزية، والنصوص كلها أصلية بصورة متساوية، وفي حال وجود اختلاف في التفسير، يعتمد النص الإنكليزي.

 

عن المملكة الأردنية: عبد السلام المجالي – رئيس الوزراء

عن دولة إسرائيل: يتسحاق رابين – رئيس الحكومة

شهد على ذلك: وليم ج. كلنتون- رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

المصدر –مجلة الدراسات الفلسطينية – العدد 20- خريف 1994- بيروت –ص183- إلى 193.

  

وثيقة رقم (9)
رؤى السلام من خلال البرامج الانتخابية لبعض الأحزاب الصهيونية في انتخابات 1996.

 

 

السلام في برنامج الليكود /غيشر – تسومت/

السلام والأمن

-إن حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل حق أزلي غير قابل للطعن فيه، وهو مندمج في الحق والسلام والأمن.

-الصهيونية حركة تحرر الشعب اليهودي. وسيوضع تجسيدها في صدارة سلم أولويات الحكومة الإسرائيلية. ستعزز الهجرة، وسيدعم الاستيطان، وسيلغى قرار تجميد الاستيطان.

-السلام سيكون هدفاً مركزياً في سياسة إسرائيل. ستعمل الحكومة الإسرائيلية على التوصل إلى اتفاقات سلام مع جميع جيرانها.

-الأمن الأساس، الذي لا يمكن أن يحل من دونه سلام قابل للبقاء في منطقتنا. ستشدد إسرائيل في المحافظة على الأمن شرطاً رئيسياً في أية تسوية سلمية.

1-ستحترم الحكومة الإسرائيلية الاتفاقات الدولية، وستواصل العملية السياسية لتحقيق سلام عادل وقابل للبقاء في الشرق الأوسط، وستعترف بالحقائق التي نشأت على الأرض بموجب الاتفاقات المختلفة، وستعمل من أجل تقليص الأخطار الناجمة عن هذه الاتفاقات على مستقبل إسرائيل وأمنها.

2-ستجري الحكومة الإسرائيلية مفاوضات مع السلطة الفلسطينية، للتوصل إلى تسوية سلمية دائمة، شرط أن ينفذ الفلسطينيون جميع تعهداتهم بصورة كاملة، لا سيما أن يلغوا بصورة قاطعة بنود الميثاق الفلسطيني، التي تدعو إلى تدمير إسرائيل وأمنها.

3-ستفسح الحكومة الإسرائيلية المجال أمام الفلسطينيين لإدارة حياتهم بصورة حرة، في إطار حكم ذاتي، غير أن شؤون الخارجية والأمن والموضوعات التي تتطلب التنسيق، ستبقى من مسؤولية دولة إسرائيل، وستعارض الحكومة إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

4-ستطور مصادر عمالة للفلسطينيين داخل مجال الحكم الذاتي من أجل تقليص عدد الفلسطينيين في المرافق الاقتصادية الإسرائيلية، وستشجع الحكومة سياسة اقتصادية تهدف إلى تقليص اعتماد الاقتصاد على العمال الأجانب.

5-سيتمتع الجيش الإسرائيلي وقوى الأمن الإسرائيلية الأخرى، بحسب ما تدعو الحاجة، بحرية عمل كاملة في كل مكان في كفاحها ضد الإرهاب.

6-ستبقى المناطق الأمنية الحيوية للدفاع عن إسرائيل، والاستيطان اليهودي تحت حكم إسرائيلي كامل.

7-ستحافظ إسرائيل على مصادر المياه الحيوية بالنسبة إليها في يهودا والسامرة، إن مصالح إسرائيل وحاجتها في جميع ما يتعلق باستغلال مصادر المياه واستخدامها، لن تمس بأي شكل من الأشكال.

8-القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل. وستحظر الأنشطة التي ترمي إلى التآمر على مكانة القدس هذه. وبالتالي ستغلق مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في المدينة. بما في ذلك بيت الشرق.

9-سيكون نهر الأردن الحدود الشرقية لدولة إسرائيل جنوبي بحيرة طبرية، وسيكون هذا الخط حدوداً دائمة بين دولة إسرائيل والمملكة الأردنية، ومن الممكن أن تكون المملكة الأردنية شريكاً في التسوية الدائمة بين إسرائيل والفلسطينيين، في مجالات سيتفق عليها في المفاوضات.

10-لقد أقر الكنيست العاشر بناء على اقتراح الحكومة برئاسة الليكود. تطبيق قانون الدولة وقضائها وإدارتها على هضبة الجولان. وبذلك تقررت سيادة إسرائيل الكاملة على هذا الجزء من البلد.

العالم العربي

ستواصل إسرائيل الجهود الرامية إلى التوصل إلى اعتراف متبادل بينها وبين الدول العربية، التي ليس لها علاقات معها، وستبذل قصارى الجهد لإنشاء علاقات كاملة مع دول عربية، لا تزال تقيم معها علاقات أولية فقط. وسيولى اهتمام خاص لدول شمال أفريقيا:

المغرب الذي له دور كبير في جهود إسرائيل الرامية إلى إحلال سلام في الشرق الأوسط.

تونس، وربما الجزائر. ومن الممكن أيضاً أن تقيم دول الخليج علاقات مع إسرائيل، تستند إلى مصالح مشتركة ذات طابع سياسي وأمني. وستواصل إسرائيل مكافحة المقاطعة الاقتصادية العربية، ولا سيما المقاطعة القومية والثقافية لإسرائيل.

مصر كبرى الدول العربية وأول دولة توقع معاهدة سلام مع إسرائيل. إن علاقات إسرائيل معها يمكن أن تتطور فقط على أساس التبادل والتعامل بالمثل. وستعمل إسرائيل على تعميق علاقاتها السلمية مع مصر.

الأردن ثاني دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل. هناك شبكة كاملة من المصالح المشتركة بين إسرائيل والأردن، وستعمل الحكومة على تعميق التعاون بين البلدين. إن إسرائيل معنية بأردن هاشمي قوي.

برنامج حزب العمل

سياسة السلام والأمن

المفاوضات بشأن التسويات السلمية:

على أساس الانطلاقة التي حدثت في عملية السلام خلال الأعوام الأخيرة، ستجري إسرائيل مفاوضات بشأن اتفاقات سلام دائمة مع السلطة الفلسطينية وسورية ولبنان..

-التسوية الدائمة مع الفلسطينيين:

ستبنى المفاوضات على المبادئ التالية:

1-القدس الموحدة عاصمة إسرائيل، تحت سيادة إسرائيل.

2-لن تسيطر إسرائيل على الشعب الفلسطيني.

3-سيكون نهر الأردن الحدود الأمنية الشرقية لإسرائيل، ولن يكون هناك جيش آخر إلى الغرب منه.

4-فصل [بين الإسرائيليين والفلسطينيين] يلبي حاجات الأمن والهويتين القوميتين.

5-سيادة على غور الأردن وشمال غرب البحر الميت، وغوش عتسيون، ومناطق حيوية لأمن إسرائيل.

6-تعاون اقتصادي فلسطيني – أردني- إسرائيلي.

7-تسوية مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج دولة إسرائيل من خلال رفض حق العودة

8-إبقاء معظم المستوطنين الإسرائيليين تحت السيادة الإسرائيلية (لن تقام مستوطنات جديدة).

وستطرح التسوية الدائمة، التي ستبلور في المفاوضات، لاستفتاء عام للمصادقة عليها.

اتفاق سلام مع سورية

يعتبر حزب العمل الجولان منطقة ذات أهمية قومية بالنسبة إلى دولة إسرائيل. ستستمر مفاوضات السلام مع سورية على قاعدة قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338. وسيبنى الاتفاق المنشود على أساس حدود أمنية وترتيبات أمنية راسخة. ضمان المصادر المائية الحيوية لإسرائيل، وقيام علاقات تطبيع كامل بين البلدين، مع تأكيد التعاون الاقتصادي.

وسيقترن الاتفاق مع سورية بشبكة اتفاقات مع معظم الدول العربية. وستطرح التسوية الدائمة التي ستبلور في المفاوضات لاستفتاء عام للمصادقة عليها.

اتفاق سلام مع لبنان

سيبنى الاتفاق على أساس المحافظة على المصالح الأمنية للدولة بصورة عامة، وللسكان من الشمال بصورة خاصة، من خلال ضمان القضاء على الإرهاب.

لا يوجد لدى إسرائيل مطامع إقليمية أو سياسية في لبنان، وهدفها تنمية علاقات تطبيع وتعاون اقتصادي بين البلدين.

إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق السلام، ستواصل إسرائيل حماية حدودها الشمالية، عن طريق شريط أمني في الجنوب اللبناني بواسطة قوات محلية يدعمها الجيش الإسرائيلي، وعن طريق ترتيبات أمنية حيوية أخرى.

في إطار اتفاق السلام، سيضمن دمج جيش لبنان الجنوبي في الجيش اللبناني.

استفتاء عام

عند انتهاء المفاوضات السلمية مع سورية، والمفاوضات بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين. وبعد أن تقتنع الحكومة بأنه تم إنجاز أفضل الاتفاقات بالنسبة إلى دولة إسرائيل، اتفاقات تحفظ مصالحها الحيوية، وتضمن لها السلام والأمن، ستطرح هذه الاتفاقات على الجمهور الإسرائيلي للحسم بشأنها عن طريق الاستفتاء العام.

إن إجراء الاستفتاء العام سيمنح الحكومة قدرة أكبر على المناورة خلال المفاوضات، من دون كشف مواقفنا أمام زملائنا في المفاوضات وعليه فإن انتهاج هذه الخطوة يشكل في آن واحد، استراتيجيةً قائمة بذاتها وموقفاً خلقيا لحزب العمل، الذي يعتبر الجمهور الإسرائيلي شريكاً في قرارات حاسمة تتعلق بمسائل استثنائية تمس مستقبل الدولة وتكوينها.

سلام إقليمي

يعتبر حزب العمل التوصل إلى سلام إقليمي ركناً مركزياً في مسعاه الشامل، لتشكيل شرق أوسط جديد.

وفي هذا الإطار ستعمل الحكومة على مواصلة تعزيز العلاقات السلمية [بين إسرائيل] وجارتيها مصر والأردن. وفي موازاة ذلك، ستعمل إسرائيل على تعزيز شبكة علاقاتها القائمة مع المغرب وتونس وموريتانيا وعمان وقطر، ورفع مستوى العلاقات مع هذه الدول. كما ستعمل على إقامة علاقات مع باقي الدول العربية التي تنشد السلام.

ستعمل إسرائيل بالتعاون مع جيرانها، على خلق مناخ إيجابي مشترك بين الجماهير وفي وسائل الإعلام، من أجل تعميق التقارب بين الشعوب وإفساح المجال أمام استنفاذ ثمار السلام، وستعمل الحكومة على مواصلة ترسيخ الترتيبات الإقليمية، التي تخلق شراكة ومصالح مشتركة بين شعوب المنطقة، وبين هذه الشعوب وتكتلات إقليمية أخرى.

وبحسب رؤية حزب العمل، فإن شبكة التعاون للتنمية الإقليمية، تشكل تعزيزاً لعملية السلام ودعماً لها، وأساساً صلباً للاستقرار الناشئ في المنطقة.

سيتم تأكيد البعد الاقتصادي والبعد الاستراتيجي لعملية السلام في سياقها الإقليمي، وكذلك التعاون التطبيقي في مجالات كالمياه ونوعية البيئة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا، وغيرها.

في هذا الإطار:

تولي إسرائيل أهمية كبرى إلى البنية الاقتصادية والاستراتيجية للشرق الأوسط في عهد السلام، بهدف إنشاء واقع إقليمي جديد، وفي هذا السياق ستعمل الحكومة من أجل استمرار تأسيس العلاقات في المنطقة، على قاعدة المسارات الثورية التي تكونت خلال السنوات الأخيرة، مثل: مسار مفاوضات السلام المتعددة الأطراف، ومؤتمرات الدار البيضاء وعمان وبرشلونة، لتشجيع استثمارات القطاع الخاص في الشرق الأوسط، إنشاء البنك الإقليمي، دفع شبكات العلاقات التجارية والسياحية الإقليمية إلى الأمام. كما تعمل على إلغاء المقاطعة العربية رسمياً.

وستعمل الحكومة على إيجاد تعاون في مجال [إنشاء] نظام إقليمي. وفي إطار اتفاقات سلام حقيقي، ستنظر إسرائيل بإيجابية في أمر تقليص التسلح في المنطقة وإجراءات من شأنها خفض القوات العسكرية، وإيجاد ميزان قوى متفق عليه، ومنع إدخال أسلحة التدمير الشامل إلى المنطقة.

*-القدس:...

القدس عاصمة إسرائيل، ومركز الشعب اليهودي، ستبقى موحدة وكاملة تحت السيادة الإسرائيلية.

في أثناء المفاوضات السلمية، ستصر الحكومة على أن تكون ضواحي القدس، بما في ذلك معاليه أدوميم وغفعات زئيف وغوش عتسيون وشمال غرب البحر الميت تحت السيادة الإسرائيلية.

إن حكومة برئاسة حزب العمل، ستضمن استمرار حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس، وحرية التعبير وحرية العبادة فيها لأبناء جميع الشعوب والديانات. وفي القدس المدينة المقدسة، التي يرفع ملايين المؤمنين من مختلف الديانات في كل أنحاء العالم أبصارهم إليها، ستضمن المكانة الدينية الخاصة للأماكن المقدسة لدى الإسلام والمسيحية. وسيبقى التسامح ورحابة الصدر مبدأ أساسياً في السياسة، التي توجه نشاط الحكومة والبلدية. وستعتبر الحكومة مبدأ المساواة في تقديم الخدمات، من خلال أخذ الحاجات الخاصة لمختلف السكان في عين الاعتبار، هدفاً مهماً ومركزياً لترسيخ وحدة القدس.

ستعتبر الحكومة احترام الحقوق المدنية والدينية لجميع فئات السكان في المدينة، من دون تمييز في الدين أو القومية، والاهتمام بحاجات السكان كافة، التزاماً وواجباً بمقتضى القانون.

لن تدخر الحكومة جهداً لضمان الأمن الشخصي لجميع سكان المدينة وقاصديها.

إن ضمان منعة النسيج الاجتماعي في القدس، يتطلب جهوداً خاصة في مجالات التعليم والثقافة والرفاه الاجتماعي والإسكان، من أجل تأمين الحاجات الخاصة لمختلف السكان في القدس. وستولي الحكومة اهتمامها للعناصر الاجتماعية، التي تتمتع بأهمية خاصة، ولتنمية قيادة محلية، ولتحسن نوعية الحياة والمجتمع والبيئة لعاصمة إسرائيل، ستبذل جهداً خاصاً للحد من الفقر في القدس، ولمساعدة فقراء المدينة.

برنامج الحزب القومي الديني (المفدال)

السلام والأمن

أ-تكامل التوراة والشعب والأرض.

يؤيد المفدال المبدأ الذي وجه الصهيونية الدينية منذ نشأتها، أرض إسرائيل من أجل شعب إسرائيل في هدي توراة إسرائيل، وسيعمل من أجل التحقيق الكامل لهذا المبدأ.

ب-خطوط موجهة لاتفاقات السلام.

يؤيد المفدال مفاوضات سلام مباشرة مع جميع الدول العربية، ومع عرب إسرائيل على أساس المبادئ التالية:

1-ضمان الأمن الدائم والكامل للأفراد والدولة، وحرب لا هوادة فيها لاقتلاع الإرهاب داخل البلد وعلى امتداد الحدود.

2-إسرائيل وحدها ستكون موجودة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، ولن تؤسس دولة فلسطينية أو أي كيان أجنبي آخر ذي سيادة في هذه المساحة.

3-القدس هي العاصمة الأبدية لشعب إسرائيل ودولة إسرائيل وحدهما، وهذه المكان غير قابلة للتفاوض بشأنها.

4-الاستيطان اليهودي في جميع أنحاء أرض إسرائيل هو أساس سيطرتنا على البلد و[أساس] أمن إسرائيل، ولذلك ينبغي تعزيزه، وينبغي اتفاق سياسي لضمان عدم اقتلاع أية مستوطنة يهودية.

5-مرتفعات الجولان. بموجب القانون مرتفعات الجولان هي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، وستبقى تحت السيادة الإسرائيلية في زمن السلم أيضاً.

6-سيعمل المفدال لضمان الحماية التامة لكرامة عرب إسرائيل وتراثهم وثقافتهم، وفقاً لمبادئ الأخلاق اليهودية والعدالة اليهودية.

7-ستجري دولة إسرائيل مفاوضات مشرفة ومنصفة مع السكان العرب في يهودا والسامرة وغزة، بشان أسلوب الإدارة الذاتية لحياتهم البلدية والاجتماعية والثقافية.

8-ستعارض دولة إسرائيل "حق العودة" للسكان العرب إلى مناطق في إسرائيل.

9-أن أي اتفاق بين دولة إسرائيل والدول العربية، ستضمن عودة الجنود الأسرى والمفقودين.

ج- بعد اتفاق أوسلو

في محاولة للتعامل مع الحقائق التي أوجدها اتفاق أوسلو، ومن أجل منع نتائجها المشؤومة، يطالب المفدال بإتباع الخطوات التالية:

1-أن تدار المفاوضات بشأن ترتيبات الوضع الدائم وفقاً للمبادئ المذكورة في القسم (ب) أعلاه.

2-أن تتخذ إجراءات أمنية صارمة لاجتثاث الإرهاب، مع توفير الحرية للجيش الإسرائيلي، للقيام بأي عمل يتطلبه الأمر في أي مكان في يهودا والسامرة وغزة.

3-ينبغي تعزيز الوجود السياسي والاستيطان في القدس الكبرى من خلال القيام بالخطوات التالية:

أ-تطبيق السيادة الإسرائيلية على القدس الكبرى، بما في ذلك غوش عتسيون ومعاليه أدوميم وغفعات زئيف .

ب-ينبغي إنهاء أنشطة السلطة الفلسطينية في القدس، وإغلاق جميع مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية العاملة في المدينة.

ج-ينبغي توسيع الاستيطان اليهودي في القدس الشرقية وتعزيزه.

د-ينبغي ضمان مكان جبل الهيكل [حيث يقوم الحرم الشريف والمسجد الأقصى] بصفته أقدس مكان لدى الشعب اليهودي، وحيث قام هيكلنا في الماضي. وينبغي تقنين الحقوق الدينية والقومية للشعب في إسرائيل في هذا المكان المقدس.

5-ينبغي تعزيز الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة، بما في ذلك الخليل، وينبغي تطبيق السيادة اليهودية على المستوطنات اليهودية.

برنامج الطريق الثالث

الصهيونية والأمن والسلام

ب-مبادئ اتفاق الوضع الدائم:

-للشعب اليهودي الحق في أرض إسرائيل، وطنه التاريخي.

-يحق لإسرائيل الاحتفاظ بمناطق احتلت في حرب دفاعية.

-ستضمن هوية إسرائيل بصفتها يهودية ديمقراطية ملتزمة حماية حقوق الإنسان.

-الانتشار الحالي للاستيطان الإسرائيلي اليهودي سيشكل الأساس.

-ستضمن السيطرة على المناطق الحيوية .

-القرارات ذات الأهمية بالنسبة إلى الوجود ستتخذ بأغلبية خاصة

-سيقام حكم ذاتي فلسطيني مستقل، مع فصل سياسي بين السكان الإسرائيليين والفلسطينيين في يهودا والسامرة وغزة.

-ستتخذ القرارات بشأن الترتيبات الجغرافية – السياسية الدائمة والشروط الإسرائيلية، لتحقيقها وفقاً لسيناريوهات الحالات الأخطر لا وفقاً للتنبؤات التفاؤلية.

-ستضمن قدرة إسرائيل على الدفاع عن وجودها بنفسها، وتحت أي ظرف.

ج-مبادئ للخطة المستهدفة.

-تطبيق السيادة الإسرائيلية على المناطق الحيوية لوجود إسرائيل وأمنها ونموها، وحيث الكثافة السكانية العربية ضئيلة.

-تقسيم جغرافي، على نحو يسمح بفصل سياسي بين إسرائيل والحكم الذاتي الفلسطيني.

-إطار يجري اقتراحه لترتيبات وظيفية وتعاون بين إسرائيل والحكم الذاتي الفلسطيني.

-تطوير المستوطنات وبذل مجهود مكثف، لجعل "السلسلة الفقرية" الشرقية لإسرائيل بأكملها آهلة بالسكان (من مرتفعات الجولان حتى أيلات).

د-القدس.

1-القدس، الموحدة غير المجزأة، عاصمة إسرائيل ومركز الشعب اليهودي، ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد، عن مركزية القدس في الخريطة المستقبلية لدولة إسرائيل ومكانتها كعاصمة، لا يمكن التوصل إليهما إلا إذا لم يكن موقعها على حدود الدولة.وكجزء من ترتيبات الوضع الدائم، ستطبق السيادة الإسرائيلية على ممر القدس الموسع من السهل الساحلي (السلسلة الفقرية الغربية) حتى نهر الأردن، ما بين محور بيت حورون في الشمال، ومحور غوش عتسيون في الجنوب.

و-يهودا والسامرة ومنطقة غزة.

1-كجزء من ترتيبات الوضع الدائم في يهودا والسامرة، وغزة، ستطبق السيادة الإسرائيلية على المناطق التالية:

في القطاع الشرقي- وادي الأردن، المنحدرات الشرقية [لجبال] السامرة، الشاطئ الشمالي للبحر الميت، صحراء يهودا ومنطقة جنوب جبل الخليل. وستطبق السيادة الإسرائيلية أيضاً على جميع كتل المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة، وعلى كتلة غوش قطيف في منطقة غزة. وستبقى تحت الحكم الإسرائيلي أيضاً المواقع التاريخية المتصلة بالتراث الإسرائيلي.

2-سيجري ضمان المصالح الحيوية لإسرائيل، فيما يتعلق بالمصادر الطبيعية في يهودا والسامرة وغزة (بما في ذلك المياه) وبالبيئة وبالمجال الجوي-.. الخ من خلال اتفاقات وظيفية تتضمن شروطاً مسبقة كفيلة بمنع الضرر والإهمال.

وفي المناطق الآهلة بالسكان في يهودا والسامرة سيعمل حكم ذاتي فلسطيني مستقل مجرد من السلاح، وفقاً لشروط تتطلبها اعتبارات أمن إسرائيل ومستقبلها.

ز-مرتفعات الجولان

1-كما قرر الكنيست، فإن مرتفعات الجولان جزء لا يتجزأ من إسرائيل، إن مرتفعات الجولان هي منطقة لتطوير مستقبلي، وهي حيوية لضمان سلامة شمال إسرائيل وحماية مصادر مياه الدولة.

2-يجب أن تضمن أية معاهدة سلام مع سورية السيادة الإسرائيلية على المناطق التي توجد فيها المستوطنات الإسرائيلية ومصادر المياه وخطوط الدفاع الحيوية.

3-ستسرع إسرائيل الاستيطان والتطور الأمني في مرتفعات الجولان وتعززهما

ح-لبنان والحدود الشمالية.

1-إن تحقيق السلام في الحدود الشمالية يعتمد على استرداد لبنان واستقلاله، وقيام حكومة لبنانية مستقلة بفرض سيطرتها الكاملة على أراضيها، وتصفية المنظمات الأصولية الإسلامية والمنظمات الإرهابية الفلسطينية.

2-إن استقلال لبنان، وانسحاب الجيش السوري، ومعاهدة سلام مع إسرائيل، تجعل من الممكن أن تنسحب القوات الإسرائيلية من الجنوب اللبناني، مع ضمان سلامة سكان الجنوب اللبناني وجنود جيش لبنان الجنوبي.

برنامج يسرائيل بعلياه
/اليهود الروس/

السلام والأمن

تؤمن حركة يسرائيل بعلياه بأن استمرار الهجرة سيشكل عملاً ديموغرافياً حاسماً في التخطيط الاستراتيجي الطويل الأمد للبلد. وستكافح الحركة، على أساس إجماع قومي عريض، من أجل تحقيق السلام مع جيراننا، سلام يضمن أمن الدولة، ويكفل السلامة الشخصية لمواطنيها. وينبغي أن تستند العملية السلمية إلى المبادئ التالية:

-للشعب اليهودي حق في أرض إسرائيل غير قابل للتصرف فيه.

-القدس الموحدة غير قابلة للتفاوض بشأنها، بصفتها عاصمة للدولة اليهودية.

-نحن نعترف بتأسيس حكم ذاتي فلسطيني. لكن الأمن الكلي في مثل هذا الكيان يجب أن يبقى في يد إسرائيل، كي لا تصبح المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي ملاذاً للإرهابيين. إن يسرائيل بعلياه تعارض قيام دولة فلسطينية.

-نظرا إلى كون دولة إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. فإن العملية السلمية يجب أن ترسى على شرطين:

-التزام الطرفين جميع الاتفاقات التزاماً تاماً.

-تقدم متدرج نحو الديمقراطية من قبل الأطراف التي سيتفاوض ممثلوها معها، ولا سيما في مجال حقوق الإنسان.

برنامج مريتس
السلام والأمن

دولة فلسطين

إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل في إطار الحل السلمي الدائم، ستجعل من الممكن نشوء وضع طبيعي قائم على الفصل بين دولتين، ذواتي سيادة، تعيشان بسلام إحداهما مع الأخرى.

إن الفصل الأمني ضروري كمرحلة انتقالية تمهد لإقامة دولة فلسطينية، وذلك من أجل ضمان الأمن الشخصي للمواطنين الإسرائيليين، وتسوية مشكلة الفلسطينيين إلى جانب إسرائيل.

القدس

إن القدس عاصمة إسرائيل، لن تقسم بعد الآن. ولدى تحديد الوضع الدائم للمدينة، كما سيتقرر في اتفاق السلام، ستؤخذ في الاعتبار جميع الروابط الخاصة المتصلة بالمدينة من دينية وقومية.

المستوطنات

إن ميرتس تعارض سياسة الاستيطان في المناطق معارضة مطلقة. يجب على إسرائيل أن تتوخى تفكيك المستوطنات الصغيرة والمنعزلة، ابتداءاً من المفاوضات بشأن الحلول الدائمة.ويجب أن يكون الاعتبار الأمني والاعتبار الديموغرافي الاعتبارين الرئيسيين في تقرير خطوط الحدود. وأن يؤدي الأمر إلى تعزيز أمن إسرائيل، والحؤول قدر المستطاع دون إبقاء الفلسطينيين من سكان المناطق تحت الحكم الإسرائيلي، أو إبقاء إسرائيليين تحت حكم فلسطيني.

السلام مع سورية

على الرغم من سياسة سورية، بمواقفها المتطرفة، يوجد للسلام معها أهمية استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل، إن السلام مع سورية، سيزيل خطر الحرب المباغتة، وسيجعل الحدود الشمالية مع لبنان تنعم بالهدوء، وسيمهد الطريق أمام سلام كامل. ولذا يجب على إسرائيل، في مقابل سلام كامل مع سورية مرتبط بترتيبات أمنية صارمة، أن توافق على الانسحاب على  مراحل، إلى الحدود الدولية.ويجب أن تكون الترتيبات الأمنية التي سيتفق عليها شاملة ومتنوعة، ومستندة إلى تجريد [مناطق] من السلاح، وتخفيف واسع النطاق للقوات فيها، تقليص حجم القوات [العسكرية]، وسائل إنذار متطورة وضمانات دولية..

الدين والدولة

-الاعتراف بالهوية اليهودية لأي شخص، سيتم بناء على مقاييس تعددية وليبرالية.

-ستحترم الدولة حق جميع مواطنيها وسكانها في العيش بحسب وجهات نظرهم ومعتقداتهم، من أن تمارس جهة ما أي إكراه في الشؤون الدينية ضد جهة أخرى. وستلغى جميع القوانين،التي كانت الغاية منها فرض معايير سلوك دينية على مواطني الدولة بواسطة الإكراه.

-إن مبدأ حرية المعتقد، بما في ذلك حرية العيش بلا معتقد، يقتضي فصل الدين عن الدولة.

-سيطبق أسلوب الزواج والطلاق المدني إلى جانب الأسلوب الديني، وستضمن حرية الاختيار بينهما.

-ستساوى مكانة جميع التيارات الدينية في جميع مجالات الحياة.

-ستقام مقابر مدنية إلى جانب المقابر القائمة.

ستشغل جميع الخدمات الحيوية أيام السبت والأعياد على النطاق المطلوب.

-سيجند شباب المدارس الدينية في الجيش الإسرائيلي لأداء خدمة عسكرية كاملة.

المصدر – مجلة الدراسات الفلسطينية – بيروت – صيف 1996 – العدد 27 – من ص80 إلى 92.

  

*وثيقة رقم (10)

مقتطفات.. من صحيفة يديعوت أحرنوت
بعد انتفاضة الأقصى بعنوان

" لماذا..وكيف تفكرون؟"

 

هل يعتقد حكامنا، أن احتلال أرض الغير، يمكن أن يدوم، دون أن تزلزل الأرض تحت أقدام المحتلين؟.. هل يتصور هؤلاء، أن بإمكانهم أن يحشروا حرابهم في حلق الشعوب، وسلب أرضهم، وإنكار حقوقهم، وإذلالهم والتنكيل بهم، واضطهادهم، ودوس كرامتهم وغير ذلك من الممارسات القمعية، دون أن تثور الشعوب دفاعاً عن حقوقها وكرامتها..؟

ثم كيف يمكن لإسرائيل، أن تقنع الآخرين بقبول الضيم والقهر، وتسترخص دماءهم، وتصر بالمقابل على اعتبار الدم اليهودي أغلى من أن يستباح أو يسفك؟ يجب أن يدرك حكامنا، أن الاحتلال لا يمكن أن يستمر مهما كانت الحجج والذرائع، ومهما تعددت الوسائل وتبدلت الأقنعة. وأن الانفجار القادم لا ريب رغم كل المؤتمرات والمشاريع السياسية، التي لا جدوى منها، والتي ليست أكثر من ثرثرة فارغة، ولغة نتنة لا طائل منها ولا أمل يرتجى..

أهكذا حقاً يفكر حكامنا؟.. ألم يستوعبوا بعد درس لبنان، وحرب تشرين الأول 1973 والانتفاضة..؟ وهل حقاً في إسرائيل من يعتقد أن الاحتلال يمكن أن يدوم إلى الأبد..؟ كلنا يعرف أن آمال السلام كانت واقعية، رغم أنها كانت محدودة. لكن شارون وأمثاله في إسرائيل نسفوا هذه الآمال، أشعلوا الشرارة، التي تحولت إلى حريق واسع جراء ممارساتهم، التي كانت بمثابة البراميل المعدة للانفجار عن سابق القصد والإصرار.. ألم يدرك حكامنا أن خمسين سنة من التمييز العنصري والاضطهاد كافية فعلاً لتسميم الأجواء بفعل مجمل التراكمات السلبية التي تجمعت خلالها في النفوس..؟ ألم تكن ممارسات إسرائيل طيلة هذه السنوات، والتي كانت علنية حيناً، وسرية أحياناً، وعنيفة في معظم الأحيان، كافية لزرع بذور الفتنة والعنف والألم والمرارة في المنطقة..؟ أما آن الأوان لينفجر الغضب بعد سنوات الصبر الطويلة..؟

...

منذ ثلاثين سنة والمرارة تتفاعل في النفوس، والدم يغلي ضد الاحتلال، بعد أن أصبحت الحياة جحيماً لا يطاق في صفوف شعب شرده الاحتلال، وشتت العائلات، واستبدل الهوية الوطنية بوثيقة تعريف. فهل يمكن أن نستبعد الثورة على الاحتلال..؟

لقد اعترف معظم الإسرائيليين بأن المستوطنات عقبة في طريق السلام، وإنها ستكون سبباً جوهرياً للانفجار المرتقب، لكن أحداً منهم، لم يقم مع ذلك بفعل أي شيء، لإبعاد شبح المأساة التي نعيشها اليوم.

والمدهش حقاً ما تقوله جوقة اليسار الإسرائيلي، لجهة أن باراك قدم تنازلات كبيرة للفلسطينيين.. لكنه لم يستطع مع ذلك، أن يتوصل معهم إلى اتفاق..

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل هذا صحيح فعلاً؟. هل ثمة تنازلات حقيقية قدمها باراك حسب زعم جوقته الإعلامية..؟ والحقيقة أن باراك لم يقدم شيئاً يذكر، وكل ما فعله هو أنه عرف كيف يزرع الضجيج، والتحدث بصوت صاخب لا أكثر.. فهو لم يعد أية قطعة أرض للفلسطينيين، فقام عوضاً عن ذلك ببناء المزيد من المستوطنات. ولم ينفذ أي اتفاق وقع عليه مع الفلسطينيين، كما أن تعهداته ذهبت جميعاً أدراج الرياح، ومن يشك بذلك، عليه أن ينظر إلى الطريقة، التي تعامل بها باراك مع المرحلتين الثانية والثالثة من إعادة الانتشار، وما قبل بخصوص أبو ديس وغيرها..

وختمت الصحيفة بقولها (.. صحيح أن باراك وضع قضية القدس على طاولة المفاوضات، ولكنه أراد من ذلك أن يقول للفلسطينيين: عليكم أن تنسوا المسجد الأقصى. والأكثر من ذلك طالب الفلسطينيين بالتوقيع على وثيقة تتضمن اعترافهم بالسيادة اليهودية على المسجد الأقصى.. معتبراً أن هذا يمثل نهاية الصراع.. ومن هنا لا بد من القول أن باراك هو من يتحمل مسؤولية الرعب، الذي يلف المنطقة في الوقت الحاضر. وإذا كان شارون هو من داس على اللغم، فإن باراك هو من وفر له الحماية وزوده بالسلاح).

المصدر – ترجمة وإعداد: غسان محمد- جريدة البعث الدمشقية- العدد 1327-18-10-2000 – ص3/.



 

وثيقة رقم (11)
قرار الحكومة الإسرائيلية بالانسحاب
من الجنوب اللبناني

 

انسجاماً مع التزام الحكومة، واستناداً إلى توجهاتها العامة، والتصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة ووزير الدفاع:

آ-ينتشر الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان بحلول تموز (يوليو) 2000، ويقوم من هناك بحماية أمن المدن والقرى الشمالية.

ب-ستعمل الحكومة من أجل تنفيذ هذا الانتشار في إطار اتفاق.

ج-في حال لم تكن الأوضاع مؤاتية من أجل إتمام انتشار الجيش الإسرائيلي في إطار اتفاق، فإن الحكومة ستجتمع في الوقت الملائم لمناقشة طريقة تنفيذ القرار السابق ذكره.

د-ستفي إسرائيل بالتزاماتها تجاه جيش لبنان الجنوبي وقوات الدفاع المدني في لبنان الجنوبي.

هـ- ستعمل الحكومة على تقوية المدن والقرى الأمامية من النواحي الآمنية والاجتماعية- الاقتصادية.

 

القدس 5/3/2000.

المصدر- دراسات فلسطينية – ربيع 2000- العدد 42- ص239.

  

 

الوثيقة رقم (12)
وثيقة العمل الأميركية

 

 

مسودة إطار السلام بين دولة إسرائيل والجمهورية العربية السورية

مقدمة:

حكومة دولة إسرائيل وحكومة الجمهورية العربية السورية: بهدف الوصول إلى سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط على أساس قراري مجلس الأمن 242 و 338 وفي إطار عملية السلام التي بدأت في مدريد.

في 31 تشرين الأول 1991.

ومن منطلق إعادة تأكيد ثقتهما بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والاعتراف بحقهما وواجبهما في العيش بسلام مع بعضهما البعض وكذلك في باقي الدول، في إطار حدود آمنة ومعترف بها.

ومن منطلق الرغبة في إنشاء الاحترام المتبادل وإقامة علاقات جوار نزيهة ودية وجيدة: فإنهما مصممتان على إقامة السلام الدائم بينهما وفقاً لهذا الاتفاق.

وقد اتفقنا على ما يلي:

أ-البند الأول- السلام في إطار الحدود المعترف بها.

1-يتم بهذا إنهاء وضع الحرب القائم بين إسرائيل وسوريا (لاحقا الطرفين)، ويقوم سلام بينهما. وينشئ الطرفان علاقات سلام طبيعية بينهما، كما ينص البند الثالث لاحقاً.

2-تعتبر الحدود الدولية الثابتة والآمنة والمعترف بها بين إسرائيل (أدناه أ) وسوريا (أدناه س) هي الحدود المحددة في البند الثاني لاحقاً. كما أن موقع الحدود متفق عليه من الطرفين (س: ترتكز على خطوط الرابع من حزيران 1967). (أ: مع أخذ الاعتبارات الأمنية والاعتبارات الحيوية الأخرى، وكذلك الاعتبارات القانونية للطرفين بالحسبان).

(س: تسحب). (أ: تعيد نشر) كل قواتها العسكرية (س: ومواطنيها) من خلف هذه الحدود وفقاً لملحق.. هذا الاتفاق. (س: ومن هذه النقطة يفرض كل طرف سيادته الكاملة في جهته من الحدود الدولية، وخصوصاً ما هو متفق عليه في هذا الاتفاق).

3-ولتعزيز أمن الطرفين، يتم استخدام وسائل أمنية متفق عليها وفقاً للبند الرابع لاحقاً.

4-الإطار الزمني في الملحق- هيكل لجدول زمني متفق عليه لتطبيق متوافق زمنياً لهذا البند وباقي بنود هذا الاتفاق.

2-البند الثاني – الحدود الدولية.

1-الحدود الدولية بين إسرائيل وسوريا هي كما ورد في الخرائط والمؤشرات المفصلة في الملحق.. هذه الحدود هي الحدود الدولية الثابتة، الآمنة والمعترف بها بين إسرائيل وسوريا، وهي تأتي للحلول محل كل حدود أو خط تماس سابق بينهما.

2-يحترم الطرفان هذه الحدود، وسلامة الأراضي والمياه الإقليمية، والمجال الجوي لكل طرف.

3-بهذا يتم تشكيل لجنة حدود مشتركة تكون مهمتها ونشاطها محددين في الملحق..

3-البند الثالث- علاقات سلام طبيعية.

1-يطبق الطرفان فيما بينهما شروط ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات بين الدول في زمن السلم وعلى وجه الخصوص:

أ-يحترم كل جانب ويعترف بالسيادة والوحدة الإقليمية والاستقلال السياسي للطرف الآخر، وبحقه في العيش بسلام في حدود آمنة ومعترف بها كذلك..

ب-يقيم الطرفان ويطوران علاقات جوار ودية وطيبة، ويتجنبان التهديد، أو استخدام القوة مباشرة، أو بشكل غير مباشر أحدهما ضد الآخر، ويتعاونان في دفع السلام والاستقرار والتطور في مناطقهما. ويقومان بحل كل الخلافات بينهما بالوسائل السلمية.

2-يقيم الطرفان علاقات دبلوماسية وقنصلية كاملة وخصوصاً تبادل السفراء – المقيمين.

3-يعترف الطرفان بالأفضلية المتبادلة الكامنة في علاقات الجوار النزيهة والجيدة القائمة على الاحترام المتبادل ومن أجل تحقيق ذلك:

أ-يقومان بتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية المتبادلة والمفيدة أيضاً، من خلال السماح بالتدفق الحر التجاري للناس والبضائع والخدمات بين الدولتين.

ب-إزالة كل العقبات التي تعترض طريق العلاقات الاقتصادية الطبيعية، وإزالة المقاطعة الاقتصادية الموجهة ضد الطرف الآخر، وإلغاء كل تشريع يقوم على التمييز، ويتعاون الطرفان من أجل إنهاء كل مقاطعة اقتصادية من طرف ثالث ضد أحد الطرفين.

ج-يقوم الطرفان بتطوير العلاقات بينهما في مجال المواصلات. من هذه الناحية يقوم الطرفان بإنشاء وصيانة الطرق والمعابر الحدودية الدولية بينهما، ويتعاونان في إنشاء سكك حديدية، ويسمحان في الوصول الطبيعي للموانئ ، ووسائل الإبحار والشحن من كل جانب إلى الجانب الآخر، ويشرعان في علاقات طبيعية في مجال الطيران المدني.

د-إنشاء اتصالات طبيعية من خلال وسائل البريد والهاتف التلكس والفاكسميلي والمعلومات والاتصالات اللاسلكية والكوابل وخدمات التلفزة والراديو والأقمار الصناعية بين الطرفين، على أساس غير تمييزي، وفقاً للاتفاقات والأصول الدولية السارية عليه.

هـ-يطوران التعاون في مجال السياحة، من أجل التسهيل وتشجيع السياحة المتبادلة والسياحة من دول أخرى.

ملحق .. تحدد الإجراءات المتفق عليها لإنشاء وتطوير هذه العلاقات (أ: بما في ذلك الجدول الزمني للتوصل للاتفاقات ذات العلاقة، وكذلك التسوية حول المواطنين والمستوطنات الإسرائيلية في المناطق، التي ستنقل منها قوات الجيش الإسرائيلي وفقاً للبند الأول).( س:؟).

4-يأخذ كل طرف على عاتقه ضمان أن يحظى مواطنو الطرف الآخر بالإجراءات القانونية المناسبة في الجهاز القضائي وفي المحاكم الخاصة به.

(الملاحظات: (1) عناصر علاقات السلام الطبيعية التي تتطلب بحثاً إضافياً: العلاقات الثقافية، شؤون البيئة، ربط شبكات الكهرباء، الطاقة، الصحة، الطب، الزراعة.

(2)مجالات أخرى محتملة للدراسة: مكافحة الجريمة والمخدرات، التعاون ضد التحريض وحقوق الإنسان، المواقع ذات الأهمية التاريخية والدينية والنصب التذكارية، التعاون القانوني في البحث عن المفقودين).

(4)البند الرابع –الأمن.

أ-الترتيبات الأمنية: من منطلق الاعتراف بأهمية الأمن للجانبين، كأساس هام للسلام الدائم والاستقرار، سيقوم الطرفان باتخاذ الترتيبات الأمنية التالية، من أجل بناء الثقة المتبادلة أثناء تطبيق هذا الاتفاق، ومن أجل الاستجابة لاحتياجات الطرفين الأمنية والحيوية:

1-مناطق تقييد قوات، وقدرات، وخصوصاً قيود على الجاهزية، والنشاط والتسلح ومنظومات السلاح والبنية التحتية العسكرية كما هو مفصل في الملحق..

2-يتم إنشاء منطقة منزوعة السلاح في داخل مناطق تقييد القوات والقدرات. (أ:تشمل المنطقة التي تنتقل منها القوات الإسرائيلية، وكذلك المنطقة الفاصلة القائمة، التي أنشئت في إطار اتفاقية وقف إطلاق النار بين جيشي إسرائيل وسوريا في 31 أيار 1974).

(س: بحجم متساو على جانبي الحدود) ووفقاً لما هو وارد في الملحق.. لا يتم وضع قوات عسكرية أو تسليح أو منظومات سلاح أو قدرات عسكرية أو بنية عسكرية تحتية في المنطقة المنزوعة من قبل أي من الطرفين، ويتم السماح فقط بتواجد محدود للشرطة المدنية في المنطقة.

(أ: يتفق الطرفان على عدم الطيران فوق المنطقة المنزوعة بدون ترتيبات خاصة).

3-قدرة إنذار مبكر وخصوصاً محطة إنذار مبكر على جبل الشيخ.

(أ: مع تواجد إسرائيلي فعال)

(س: يتم تشغيلها من خلال الولايات المتحدة وفرنسا بإشرافهما ومسؤوليتهما الوحيدة)

ترتيبات التفعيل المتواصل والفعال والمتتالي لهذه المحطة تتم حسب الوارد في الملحق..

4-جهاز مراقبة وإشراف للتأكد.

(أ:المشكل من الطرفين، والذي يشمل أيضاً عنصراً متعدد الجنسيات، و وسائل آلية في الموقع) .

(س:بواسطة التواجد الدولي).

للمراقبة والإشراف على الترتيبات الأمنية التفاصيل الخاصة بهذه الترتيبات الأمنية، بما فيها حجمها ومكان وضعها وطبيعتها وكذلك كل ترتيب أمني آخر مفصل في الملحق..

ب-وسائل أمنية أخرى:

كخطوات أخرى للتأكد من الوقف المطلق للأعمال العدائية من أي نوع كان بين الطرفين من داخل أراضي أحد الطرفين:

1-يأخذ كل طرف على عاتقه الامتناع عن التعاون مع أي طرف ثالث كان من خلال تحالف معاد ذي طابع عسكري. والتأكد من أن المنطقة الخاضعة لسيطرته، لن تستخدم من قبل قوات جيش أي طرف ثالث (بما في ذلك العتاد والإمداد في الذخيرة) في ظروف وملابسات، تؤثر سلباً على أمن الطرف الآخر.

2-كل طرف يأخذ على عاتقه الامتناع عن تنظيم وإثارة وتحريض ومساعدة  أو المشاركة في أعمال عنف أو تهديد بالعنف، مهما كان نوعها ضد الطرف الآخر أو مواطنيه وأملاكهم، أينما كانوا واتخاذ التدابير الفعالة، للتأكد من أن مثل هذا النوع من النشاطات، لا يجري من داخل أراضيه أو المناطق الخاضعة لسيطرته. وأن لا تتلقى الدعم من الأفراد المتواجدين في هذه المناطق. ومن هذه الناحية ومن دون المس بالحقوق الأساسية في حرية التعبير والتنظيم، يقوم كل طرف باتخاذ التدابير المطلوبة والفعالة، لمنع تسلل أو تواجد ونشاط كل تنظيم أو مجموعة أو بنية تحتية تهدد أمن الطرف الآخر، بواسطة استخدام الوسائل العنيفة أو التحريض على هذا الاستخدام في أراضيه.

3-يعترف الطرفان بأن الإرهاب الدولي بمختلف أشكاله يهدد أمن كل الشعوب، وعليه فإن لديهما اهتماماً مشتركاً بتعزيز الجهد الدولي المشترك لمعالجة هذه المشكلة.

ج- التعاون والارتباط في المسائل الأمنية:

ينشئ الجانبان جهاز ارتباط وتنسيق مباشر بينهما كما هو مفصل في الملحق.. من أجل التسهيل على تطبيق الترتيبات الأمنية المشروطة في هذا الاتفاق. وتشمل مهمات هذا الجهاز: الاتصال المباشر في الوقت المناسب في المسائل الأمنية، تقليص الاحتكاكات على طول الحدود الدولية إلى الحد الأدنى، معالجة المشاكل التي ستظهر أبان عملية التطبيق، والمساعدة من أجل منع الأخطاء والتفسير الخاطئ. وإجراء الاتصالات المباشرة والدائمة مع جهاز المراقبة والإشراف والتأكد.

(5)البند الخامس- المياه.

1-يعترف الجانبان بأن الحل الكامل لكل الخلافات المائية بينهما، يشكل أساساً أولياً لضمان السلام الدائم والشامل.

(س: على أساس المبادئ والقواعد الدولية)، يوافق الطرفان على إقامة (أ: ترتيبات تضمن استمرار الاستخدام الحالي لإسرائيل كماً ونوعاً للكل).

(س: ترتيبات متفق عليها متبادلة بالنسبة لكمية ونوعية استخدام المياه من) أحواض المياه والمياه الجوفية في المناطق التي (أ: تنقل)، (س: تسحب) منها القوات الإسرائيلية وفقاً للبند الأول كما هو مفصل في الملحق.. (أ: الترتيبات يجب أن تشمل كل الوسائل المطلوبة لمنع التلويث البيولوجي أو الكيماوي أو تجفيف بحيرة طبريا وأعالي نهر الأردن ومصادرهما).

2-من أجل تطبيق هذا البند والملحق.. يقوم الطرفان بتشكيل (أ: لجنة مياه مشتركة وجهاز إشراف وتطبيق)، (س: مجلس إداري مشترك). التركيبة والصلاحيات وشكل عمل (أ: لجنة المياه المشتركة وجهاز الرقابة والإشراف)، (س: المجلس الإداري المشترك) تكون وفقاً لما هو مفصل في الملحق..

3-اتفق الطرفان على التعاون في المسائل المتعلقة بالمياه كما هو مفصل في الملحق.. (س: بما في ذلك ضمان كمية ونوعية المياه المخصصة لإسرائيل في إطار الاتفاقات الأخرى ذات العلاقة بالمياه التي مصدرها سوريا).

(6) البند السادس- الحقوق والواجبات.

1-لا يغير هذا الاتفاق – ولا يتوجب تفسيره على أنه يغير بأي شكل كان- حقوق وواجبات الطرفين في إطار ميثاق الأمم المتحدة.

2-يأخذ الطرفان على عاتقهما الالتزام المخلص بواجباتهما وفق هذا الاتفاق، من دون علاقة لتصرف أو عدم تصرف أي طرف ثالث، وبمعزل عن كل طرف غير مشمول في إطار الاتفاق.

3-يتخذ الطرفان كل التدابير المطلوبة لتطبيق قواعد المعاهدات متعددة الأطراف، التي وقعا عليها في إطار العلاقات بينهما أيضاً، بما في ذلك تقديم بيان ملائم لأمين عام الأمم المتحدة وللجهات الوصية على معاهدات أخرى من هذا النوع. ويمتنع الطرفان أيضاً، على أية خطوات تضر بحقوق كل طرف من الأطراف المشاركة في المنظمات الدولية، التي ينتمون إليها وفقاً لأصول وأنظمة إدارة هذه المنظمات.

4-يأخذ الطرفان على عاتقهما الامتناع عن إعطاء تعهدات تتناقض مع هذا الاتفاق.

5-وفقاً للبند 103 من ميثاق الأمم المتحدة في كل حالة تناقض بين واجبات الطرفين بناء على الاتفاق الحالي وبين واجباتهما الأخرى، وتكون الواجبات الواردة في هذا الاتفاق مقيدة وسارية.

(7)البند السابع – التشريع.

يتعهد الطرفان بسن كل تشريع مطلوب من أجل تطبيق هذا الاتفاق، وإلغاء كل تشريع لا يتوافق معه.

(8)البند الثامن- حل الخلافات.

تحل الخلافات التي ستظهر بين الطرفين حول تفسير أو تطبيق الاتفاق الحالي بواسطة المفاوضات.

(9)البند التاسع – بنود أخيرة.

1-يصادق على هذا الاتفاق من قبل الجانبين، وفقاً للأنظمة الدستورية المعمول بها في كل طرف. وسيدخل إلى حيز التنفيذ مع تبادل وثائق المصادقة، ويحل محل أي اتفاق ثنائي سابق بين الطرفين.

2-الملاحق والإضافات الأخرى المرفقة بهذا الاتفاق تكون جزءاً لا يتجزأ منه.

3-يقدم الاتفاق لأمين عام الأمم المتحدة، من أجل تسجيله وفقاً لما هو مشروط في القرار 102 من ميثاق الأمم المتحدة. وضعت هذا اليوم- في – باللغات الإنكليزية والعبرية والعربية. وجميع هذه اللغات متساوية في تفسيرها، وفي حالة الاختلاف فإن النص الإنكليزي يعتبر المرجع.



  

- الوثيقة رقم (13)
ملاحظات سورية على ورقة العمل الأميركية

 

 

تركيز على الانسحاب إلى خط 4 حزيران، وعلى أطراف ثالثة لتشغيل محطة الإنذار. لا توقيع إلا مع اتفاق لبناني – إسرائيلي. وضرورة إيجاد حل لقضية اللاجئين.

مادة 1-إقامة السلام وترسيم الحدود:

1-تنتهي حالة الحرب بين سوريا وإسرائيل، ويقوم السلام بينهما، بعد دخول هذا الاتفاق حيز النفاذ. ويحافظ الطرفان على علاقات سلم عادية، كما هي موضحة في المادة –3-من هذا الاتفاق.

2-الحدود الدولية المعترف بها والآمنة بين سوريا وإسرائيل هي الحدود المبينة في المادة الثانية أدناه. خط الحدود الدائم الذي تم الاتفاق على ترسيمه بين الدولتين، هو خط الرابع من حزيران 1967. وتسحب إسرائيل جميع قواتها العسكرية ومدنييها خلف هذه الحدود. مرفق الملحق () من هذا الاتفاق. ويمارس كل طرف حقه الكامل بالسيادة على جانبه من خط الحدود الدولية. كما هو متفق عليه في هذا الاتفاق.

3-من أجل تعزيز الأمن لكلا الطرفين، فإن ترتيبات أمنية متفق عليها، سوف تنفذ وفق المادة الرابعة أدناه.

4-إن الجدول الزمني المنصوص عليه في الملحق (-)، يضع برنامجاً متفقاً عليه من أجل التنفيذ المتزامن لهذه المادة، وللمواد الأخرى من هذا الاتفاق.

المادة 2-الحدود الدولية:

1-الحدود الدولية بين سورية وإسرائيل. هي كما هو مبين في الخرائط والإحداثيات المحددة في الملحق (). هذه الحدود هي الحدود الدولية المعترف بها، والآمنة والدائمة بين سوريا وإسرائيل، وهي تحل محل أي حدود أو خط سابق مرسم بينهما.

2-يلتزم كل طرف بحرمة هذه الحدود، وعدم انتهاك أراضي الطرف الآخر ومياهه الإقليمية وأجواءه.

3-تقام بموجب هذه المادة لجنة حدود مشتركة، يوضح الملحق المرفق () تشكيلها ووظائفها. وعملها.

مادة 3-الترتيبات الأمنية:

1-إدراكاً من الطرفين لأهمية الأمن لكليهما كعنصر هام من السلام والاستقرار في المنطقة، فقد اتفقا على أهداف ومبادئ الترتيبات الأمنية كما يلي:

1-الأهداف:

1-إن أهم أولوية هي تقليص مخاطر الهجوم المفاجئ، إن لم يكن إزالتها كلياً.

2-منع أو تخفيف الاحتكاك اليومي على طول الحدود.

3-تقليص مخاطر هجوم واسع النطاق أو اجتياح أو حرب كبرى.

2-المبادئ:

1-الأمن هو حاجة مشروعة للطرفين، إن مطلب الأمن أو ضمانته، لا يجب أن يتحقق على حساب أمن الطرف الآخر.

2-يجب أن تكون الترتيبات الأمنية متساوية ومتبادلة ومتقابلة على كلا الجانبين، حيث المساواة، على وجه الخصوص فيما يتعلق بالجغرافيا في حالات الصعوبة، تعالج كما يلي:

إن هدف الترتيبات الأمنية، هو ضمان المساواة في الأمن عموماً، في إطار السلام بين سوريا وإسرائيل.

إذا ظهر خلال المفاوضات حول الترتيبات الأمنية، بأن تطبيق المساواة من حيث المبدأ من الناحية الجغرافية بالنسبة لترتيب معين مستحيل أو صعب جداً، فإن خبراء الجانبين، سوف يناقشون الصعوبة في هذا الترتيب المعين، ويحلونها إما بتعديله (والذي يتضمن الإضافة أو النقصان) أو بالاتفاق المتبادل على حل مرض.

3-يقر الجانبان، أن الترتيبات الأمنية يجب التوصل إليها من خلال الاتفاق المتبادل، وهي بذلك يجب أن تكون منسجمة مع مبادئ السيادة والسلامة الإقليمية لكل طرف.

4-يجب أن تنحصر الترتيبات الأمنية في المناطق ذات الصلة على كلا جانبي الحدود بين البلدين.

ج-المناطق المنزوعة السلاح والمناطق المحددة القوات:

1-منطقة منزوعة السلاح على جانبي الحدود، كما هو موضح في
الملحق () لا يسمح فيها بتواجد قوات عسكرية أو معدات عسكرية أو أنظمة أسلحة أو قدرات عسكرية أو بنية تحتية عسكرية من قبل طرف، وتتواجد فيها قوات شرطة مدنية.

2-منطقة محددة القوات والقدرات تلي المنطقة المنزوعة السلاح لدى الجانبين، يتفق عمقها وحجم قواتها وصنوف أسلحتها حسب
الملحق ().

د-الانذار المبكر:

1-تتولى أطراف ثالثة، يتم الاتفاق عليها، تشغيل محطة إنذار مبكر أرضية لمدة خمس سنوات، وذلك اعتباراً من دخول هذا الاتفاق حيز النفاذ، ويوضح الملحق () ترتيبات التشغيل المستمر. يتواجد ضباط ارتباط سوريون مع طواقم تشغيل هذه المحطة.

2-يعهد بمهمة المراقبة الفضائية إلى الولايات المتحدة، التي تقوم بتنفيذ المراقبة، وإيصال المعلومات لكلا الطرفين بآن واحد إلى المراكز، التي تعين من قبل كل من الطرفين.. المناطق المشمولة بالمراقبة على جانبي الحدود وفق الملحق ().

هـ-آلية المراقبة والتفتيش والتحقق:

تتم من قبل عناصر المراقبين الدوليين في المنطقتين المشار إليهما في الفقرة /آ/ من الفقرة الفرعية /1/ من المادة رقم (3) حصرا، ويقيم كل طرف من جانبه آلية للتنسيق مع المراقبين الدوليين، لأغراض المراقبة والتنسيق وتسهيل تنفيذ أحكام الترتيبات الأمنية في هذا الاتفاق. ومعالجة المشاكل الناجمة عنها خلال عملية التنفيذ والمساعدة في منع الأخطاء وسوء التفسير.

و-ترتيبات أمنية أخرى:

يدرك الطرفان أن الإرهاب بكل أشكاله، يهدد أمن كل الدول. ولذلك لهما مصلحة مشتركة في تعزيز الجهود الدولية لمعالجة هذه المشكلة. ويتعهد الطرفان، بالامتناع عن تنظيم أي عمل تهديد بالعنف ضد الطرف الآخر، أو ضد مواطنيه أو ممتلكاته. ويتخذ كل طرف الإجراءات الضرورية لضمان عدم انطلاق مثل هذه الأعمال من أراضيه. مع تأكيد خاص على السيادة والحقوق الأساسية وحرية التعبير سياسياً وإعلامياً وإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

-يشرع الطرفان بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، ببدء مفاوضات تهدف إلى التوصل لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من كافة أسلحة التدمير الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية.

المادة 4-علاقات السلم العادية:

أ-يطبق الطرفان فيما بينهما أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول في زمن السلم وعلى الأخص:

1-يقر الطرفان بسيادة كل منهما، وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي، وحقه في العيش بسلام ضمن حدود آمنة، ومعترف بها.

2-يقيم الطرفان علاقات حسن جوار بينهما، ويمتنعان عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، بشكل مباشر أو غير مباشر ضد بعضهما. ويعملان على تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في منطقتهما، ويسويان كل الخلافات فيما بينهما بالطرق السلمية.

3-يقيم الطرفان فيما بينهما علاقات دبلوماسية وقنصلية بما في ذلك سفراء مقيمون.

4-يقر الطرفان بأن علاقاتهما تقوم على المصلحة المتبادلة، واحترام علاقات حسن الجوار، ولأجل هذا الغرض فإنهما:

1-يشجعان العلاقات الثنائية الاقتصادية والتجارية، بما يتفق مع مصالحهما، ويتخذان من التدابير ما يسهل حركة البضائع والأشخاص، وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة في كل من بلديهما.

2-يزيل الطرفان العوائق التمييزية في وجه العلاقات الاقتصادية العادية، بما فيها المقاطعة الاقتصادية، الموجهة ضد الطرف الآخر.

3-ينشئ الطرفان في ما بينهما علاقات في مجال النقل.

4-يتفق الطرفان على إقامة علاقات سياحية فيما بينهما، وينشطان السياحة من بلدان ثالثة. وفي هذا المجال فإنهما يلتزمان بمراعاة التقاليد والعادات السائدة لدى كل منهما.

5-يسمح الطرفان بالاتصالات البريدية والسلكية واللاسلكية، على أساس عدم التمييز، ووفقاً للاتفاقات الدولية ذات الصلة.

د-يحق لمواطني كل طرف التقاضي أمام المحاكم في بلد الطرف الآخر.

الملحق رقم – ينص على جدول زمني لتطوير هذه العلاقات.

المادة 5- المياه:

1-اتفق الطرفان، بأن الحل لمسألة المياه يستند إلى مبادئ وقواعد القانون الدولي المضمنة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية. توضح تفاصيل تطبيق هذه المادة بملحق خاص ().

2-يشكل الطرفان لجنة فنية مشتركة توضح اختصاصاتها وعملها في الملحق ().

المادة 6-الحقوق والواجبات:

1-لا تؤثر هذه الاتفاقية، ويجب ألا تفسر بأنها تؤثر بأي طريقة على حقوق وواجبات الطرفين بموجب ميثاق الأمم المتحدة.

2-يتعهد الطرفان أن ينفذا بنية حسنة التزاماتهما وفق هذا الاتفاق.

3-يتخذ الطرفان الإجراءات الضرورية، لسحب تحفظاتهما الخاصة بعدم تطبيق أحكام المعاهدات المتعددة بينهما.

4-يتعهد الطرفان، ألا يدخلا بأي التزام يناقض هذا الاتفاق.

المادة 7- حل النزاعات:

يتم حل النزاعات الناجمة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالوسائل السلمية، وفي حال عدم التوصل إلى حل خلال فترة معقولة، يتم حل النزاع عن طريق التحكيم أو محكمة العدل الدولية.

المادة 8-الفقرات النهائية:

1-يوقع الطرفان على هذا الاتفاق، بالتزامن مع توقيع لبنان وإسرائيل على اتفاق سلام بينهما.

2-يتم التصديق على هذا الاتفاق في كل من البلدين، وفق الإجراءات الدستورية لكل منهما. ويبدأ العمل بالاتفاق لدى تبادل وثائق التصديق، وسوف تحل محل كل الاتفاقات الثنائية السابقة بين الطرفين.

3-الملاحق والنصوص المرتبطة بهذه الاتفاقية جزء لا يتجزأ منها.

 

-يودع الاتفاق لدى الأمين العام للأمم المتحدة من أجل تسجيله وفق أحكام المادة (102) من ميثاق الأمم المتحدة.

  

الوثيقة رقم (14)
مشروع إعلان المبادئ المقدم من الوفد السوري
خلال الأسبوع الثاني من الجولة السادسة
للمفاوضات الثنائية

 

 

1-هدف السلام: سلام عادل وشامل على أساس قراري مجلس الأمن رقمي 242 و 338.

2-تسوية الحل في المنطقة: إن الهدف هو إقامة سلام عادل، وهذا يتطلب حلا على كافة الجبهات.

3-الأمن المتبادل.

4-استمرارية وجدية المفاوضات، وتواصلها، لأن سورية معنية بالسلام.

5-آلية التنفيذ:

آ-وفقاً للبند (1) يبدأ الطرفان بوضع آلية لتنفيذ قرار 242، ضمن برنامج زمني محدد، يراعي التزامات الطرفين بالاتفاقات بموجب قرارات الأمم المتحدة.

ب-الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان السوري، وإخلاء، وتفكيك المستوطنات من الأراضي السورية المحتلة، لأن ذلك يتعارض مع القانون الدولي واتفاقية جنيف.

ج-إعلان انتهاء حالة الحرب، أو الإدعاء بوجود مثل هذه الحالة.

د-إقرار الجانبين واحترامهما للسيادة، والاستقلال السياسي، والسلام الإقليمي لكل منهما، ولحقهما المتكافئ بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، وفقاً لمبادئ الشرعية الدولية.

6-تشكيل مجموعة عمل تنفيذية، وإنشاء لجان عسكرية وفنية أخرى.

7-الترتيبات والضمانات الأمنية:

آ-إصدار ضمانات أمنية من مجلس الأمن الدولي والدول الراعية.

ب-إعراباً عن حسن النية، والتزام ضمان الأمن والاستقلال السياسي، سيتم إنشاء مناطق مجردة من السلاح، تتواجد فيها قوات أمم متحدة أو قوات روسية أو أمريكية مع نقاط إنذار.

8-يتعهد الطرفان باحترام المواثيق والمبادئ الدولية.

9-يتم تسجيل الاتفاق لدى الأمم المتحدة.

 

/صحيفة المنار المقدسية 26/10/1992.

 

 

الوثيقة رقم (15)
مذكرة الرئيس أميل لحود

 

 

مذكرة الرئيس إميل لحود إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، حول قرار الكيان الصهيوني الانسحاب من الجنوب اللبناني.

(ينقل الرئيس إميل لحود آخر تحياته لسعادة الأمين العام، ويشكر جهوده الرامية للتوصل إلى سلام عادل وشامل في المنطقة، ويبدي لسعادته التساؤلات التالية، حيال طروحات الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب:

أولاً- ما هي بنظركم الأسباب التي أدت بالأمم المتحدة عام 1978 وبمجلس الأمن إلى اتخاذ القرار 425؟ وهل الموضوع الفلسطيني كان السبب؟

ثانياً- لماذا عجزت الأمم المتحدة ومجلس الأمن عبر قواتها المتمركزة في لبنان منذ 22 سنة عن تنفيذ هذا القرار؟ هل يعلم سيادتكم عدد الاجتياحات وحجم الخسائر البشرية والمادية، التي تكبدها لبنان منذ عام 1978 حتى اليوم، نتيجة عدم تنفيذ إسرائيل للقرار 425؟

ثالثاً- هل تعتبرون أن طرح تنفيذ القرار 425 اليوم من قبل إسرائيل يأتي:

-تنفيذاً لإرادة ومسعى دوليين؟

-مساهمة طواعية لإسرائيل في تنفيذ القرار؟

-نتيجة لعمليات المقاومة وللخسائر الإسرائيلية ؟

-لحماية الشعب اللبناني المعتدى عليه أم لحماية المعتدي؟

رابعاً- هل تعتبرون أن لبنان دفع غالياً ثمن هذا التراجع الإسرائيلي؟ وإذا كان ذلك كذلك، هل تجدون منطقياً أن يطلب من لبنان أيضاً أن يدفع ثمن حماية هذا الانسحاب وحماية حدود إسرائيل؟

خامساً- عطفاً على السؤال رقم (أولاً)، هل تعتقدون أنه فيما لو أن بعض المجموعات الفلسطينية حاولت القيام عبر الحدود بعمليات من ضمن حق العودة ولعدم وجود حلول مستقبلية لهم، هل تعتقدون أن القوات الدولية ستكون قادرة على حروب يومية صغيرة على الحدود؟

سادساً- طالما أن هناك احتمالاً بحروب صغيرة على الحدود مصدرها مجموعات فلسطينية مسلحة قادمة من المخيمات الفلسطينية في الداخل.

  

الوثيقة رقم (16)
اتفاق –فلسطيني –فاتيكاني- حول القدس

 

 

إن الكرسي الرسولي السلطة ذات السيادة للكنيسة الكاثوليكية. ومنظمة التحرير الفلسطينية (المشار إليها م. ت. ف) الممثل للشعب الفلسطيني، والتي تعمل بالنيابة ولصالح السلطة الفلسطينية.

وإذ يدركان بعمق الأهمية الخاصة للأراضي المقدسة، بما في ذلك كونها مكاناً مميزاً للحوار الديني بين أتباع الديانات التوحيدية الثلاث.

وبعد مراجعة تاريخ العلاقات بين الكرسي الرسولي والشعب الفلسطيني وتطورها، بما في ذلك لقاءات العمل، وما تبعها في 26/10/1996، من إقامة للعلاقات الرسمية بين الكرسي الرسولي.

إذ يستذكران ويثبتان تأسيس "هيئة العمل الثنائية الدائمة"، لتحديد ودراسة ومعالجة  المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين الطرفين.

وإذ يؤكدان على أهمية تحقيق سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، حتى تتمكن شعوبه جميعها من العيش في ظل حسن الجوار، والعمل معاً لتحقيق الرخاء والتقدم للمنطقة وشعوبها كافة.

وإذ يدعوان إلى حل سلمي للنزاع الفلسطيني –الإسرائيلي. يتم التوصل إليه عن طريق التفاوض والاتفاق، لإحقاق الحقوق الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، والتطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني، من أجل ضمان السلام والأمن لشعوب المنطقة كافة. على أسس القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، بما فيها مجلس الأمن ذات العلاقة. وعلى أسس العدل والمساواة.

وإذ يصرحان أن حلا متكافئاً لقضية القدس على أساس القرارات الدولية أساسي لسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، وأن أية قرارات أو أعمال أحادية الجانب، تغير الطابع المميز للقدس ووضعها القانوني، هي أمر مرفوض أدبياً وقانونياً.

وإذ يدعوان بناء على ذلك، إلى وضع خاص لمدينة القدس، تحميه ضمانات دولية بحيث يضمن ما يلي:

آ-حرية العبادة والاعتقاد للجميع.

ب-الهوية الخاصة والطابع المقدس للمدينة، كونها إرثاً دينياً وثقافياً مميزاً للعالم أجمع.

ج-الأماكن المقدسة وحرية الوصول إليها والعبادة فيها.

د-نظام "الستاتوكو" في الأماكن المقدسة حيثما هو قائم.

وإذ يعترفان أن الفلسطينيين، أيا كانت دياناتهم، هم أعضاء متساوون في المجتمع الفلسطيني، إذ يستخلصان أن انجازات "هيئة العمل الثنائية الدائمة" المذكورة أعلاه، ترتقي الآن إلى مستوى اتفاق أساسي وأول، يشكل قاعدة متينة ودائمة من أجل التطوير المستمر لعلاقاتهما الحالية والمستقبلية، ولتقدم عمل الهيئة واستمراره، يوافقان على المواد التالية:

المادة الأولى:

-الفقرة الأولى: تؤكد م.ت.ف. التزامها الدائم باحترام وتطبيق الحق الإنساني في حرية العبادة المنصوص عليهما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق الدولية الأخرى المتعلقة بتطبيقه.

-الفقرة الثانية: يؤكد الكرسي الرسولي التزام الكنيسة الكاثوليكية بدعم الحق ذاته، ويعلن مرة أخرى الاحترام، الذي تكنه الكنيسة الكاثوليكية لأتباع الديانات الأخرى.

-المادة الثانية:

-الفقرة الأولى: يلتزم الطرفان بالتعاون الملائم، لتشجيع احترام حقوق الإنسان الفردية والجماعية لمحاربة التمييز والتهديد لحياة الإنسان وكرامته، بالإضافة إلى تعميق التفاهم والتواصل بين الشعوب والتجمعات.

-الفقرة الثانية: يواصل الطرفان دعم الحوار بين الأديان، من أجل تشجيع تفاهم أفضل بين أتباع الديانات المختلفة.

-المادة الثالثة: تؤكد م.ت.ف. وتضمن أن ينص القانون الفلسطيني على المساواة في الحقوق الإنسانية والمدنية بين كافة المواطنين، بما في ذلك تحديدا حريتهم ضد التمييز فردياً أو جماعياً، على خلفية انتماءاتهم أو معتقداتهم أو ممارساتهم الدينية.

-المادة الرابعة: يبقى نظام "الستاتوكو" على ما هو، ويلتزم به في الأماكن المقدسة المسيحية.

-المادة الخامسة: تقر م.ت.ف. بحرية الكنيسة الكاثوليكية في ممارسة حقوقها، وفي القيم من خلال الوسائل الضرورية بمهامها وتقاليدها ومن بينها الروحية والدينية والأدبية والخيرية والتربوية والثقافية.

-المادة السادسة: تقر م.ت.ف. بحقوق الكنيسة الكاثوليكية في الأمور الاقتصادية والقانونية والمالية، وتمارس هذه الحقوق بما يتوافق مع ما تنص عليه قوانين السلطة الفلسطينية في هذه المجالات.

-المادة السابعة: يعطي القانون الفلسطيني الفعالية التامة للشخصية الاعتبارية للكنيسة الكاثوليكية وللشخصيات القانونية الواردة في الحق القانوني الكنسي.

-المادة الثامنة: إن نصوص هذا الاتفاق، لا تجحف بأية اتفاقيات معمول بها بين أحد الطرفين وبين أية أطراف أخرى.

-المادة التاسعة: يجوز لـ "هيئة العمل الثنائية الدائمة"، تمشياً مع التعليمات التي تعطيها السلطة المختصة للطرفين، أن تقترح طرقاً إضافية للتعامل مع نصوص هذا الاتفاق.

-المادة العاشرة: في حال نشوء اختلاف في تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق، يقوم الطرفان بحلها عن طريق التشاور المتبادل.

-المادة الحادية عشرة: حرر هذا الاتفاق من نسختين أصليتين بكل من اللغتين الإنكليزية والعربية، وكلا النسختين أصلية، في حالة الاختلاف يرجع إلى النص الإنكليزي.

-المادة الثانية عشرة: يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ فور التوقيع عليه.

 

وكالة وفا الفلسطينية –غزة – 15/2/2000/

  

الوثيقة رقم (17)
خطة الرئيس بيل كلينتون للسلام
بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني.

 

 

أوردت وكالة أ.ف.ب أهم النقاط الواردة في خطة السلام، التي اقترحها الرئيس بيل كلينتون على الوفدين الفلسطيني والصهيوني، استناداً إلى الملاحظات، التي سجلها مسؤولون أمريكيون أثناء لقاء البيت الأبيض في 22 كانون الأول 2000. وقد نشر مركز المعلومات الفلسطيني هذه الملاحظات التي نقلت إلى الوفدين:

-الأراضي: بيل كلينتون: أعتقد أن الحل سيسمح للدولة الفلسطينية بالانتشار على مساحة 94 إلى 96% من أراضي الضفة الغربية. مع العلم أن الفلسطينيين سيسترجعون 100% قطاع غزة.

في المقابل الجزء الذي ضمته إسرائيل، سيكون على إسرائيل أن تعطي من 1 إلى 3% من أراضيها، إلى معبر دائم آمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وينبغي أن يشكل الجزءان خريطة تستجيب للمعايير التالية:

-80% من المستوطنين اليهود سيبقون في مجمعات استيطانية.

-تواصل الأراضي.

-تخفيض عدد المناطق التي تضمها إسرائيل إلى الحد الأدنى.

-تخفيض عدد الفلسطينيين الذين سيتأثرون بهذا الضم إلى الحد الأدنى.

-الأمن: الرئيس كلينتون يؤيد حضورا إسرائيلياً على مواقع ثابتة في وادي الأردن (شرق الضفة الغربية وعلى الحدود الأردنية) تحت سلطة قوة دولية، ولفترة محددة قابلة للتعديل من 36 شهرا.

-القدس: بيل كلينتون: المبدأ العام هو أن المناطق الآهلة بالسكان العرب هي مناطق فلسطينية. والمناطق الآهلة باليهود هي مناطق إسرائيلية، وأن هذا المبدأ ينبغي أن يطبق أيضاً على المدينة المقدسة.

وفي موضوع الحرم القدسي (جبل الهيكل)، يعتزم الرئيس الأميركي إيجاد حل يضمن الرقابة الفعلية للفلسطينيين على الحرم القدسي مع احترام معتقدات الشعب اليهودي.

ويقدم الرئيس كلينتون اقتراحين:

-إما سيادة فلسطينية على الحرم القدسي وسيادة إسرائيلية على حائط المبكى، بالإضافة إلى سيادة على المجال المقدس لدى اليهود. في إشارة إلى المسطح السفلي للحرم القدسي.

-وإما سيادة فلسطينية على الحرم القدسي. وسيادة إسرائيلية على حائط المبكى، وتقاسم السيادة على مسألة الحفريات تحت الحرم القدسي وخلف حائط المبكى.

-اللاجئون الفلسطينيون: بيل كلينتون: المبدأ الأساسي هو أن تكون الدولة الفلسطينية الموقع الرئيسي للفلسطينيين، الذين يقررون العودة إلى المنطقة من دون استبعاد إمكانية، أن تستقبل إسرائيل بعض هؤلاء اللاجئين.

وبصورة ملموسة فإن قرار استقبال لاجئين فلسطينيين يعود اتخاذه إلى إسرائيل، وسيتم تشكيل لجنة دولية لضمان متابعة ما يتعلق بالتعويضات والإقامة.

-نهاية النزاع:

بيل كلينتون: يقترح أن يمثل هذا الاتفاق بوضوح نهاية النزاع، وأن يضع تطبيقه حداً لأي مطالبة.

 

 

/وكالات- سانا- البعث السورية-
العدد 11388- 31-12-2000 – ص11/

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك