ثنائية الاستشراق والاستغراب

ثنائية الاستشراق والاستغراب

مروة كريدية

ثنائية الاستشراق والاستغراب في الحوار الثقافي العربي الألماني

  •  القطبية الأحادية فشلت والبشر شركاء في مركبٍ واحد .
  • التنوير لا يُحْتَكر !
  • أدونيس يطرح سؤال الهوية والابداع
  • الاستغراب ردّة فعلٍ للكرامة المهدورة وأبشع الحروب ترتكب باسم الله
مروة كريدية من دبي
على واقع ثقافي عربي أقل ما يُقال فيه أنه مأزوم، وفي وقت تسعى النخب الفكرية العربية التنويرية الى مزيد من الانفتاح في ظل انتشار الايديولوجيات المؤسسة لمزيد من الانغلاقات على الذات ، انطلقت في في دبي فعاليات ملتقى الحوار العربي الألماني بمشاركة مايزيد عن مئة باحث ومفكرٍ وأديب وإعلامي المفكرين من العرب والألمان، حيث يهدف الملتقى إلى تسليط الضوء على عدد من القضايا الثقافية ذات الاهتمام المشترك بغية استكشاف قنوات جديدة لمنح زخم جديد للتدفق الثقافي والمعرفي بين الشرق والغرب. 
 
محمد المرّ : القطبية الأحادية فشلت والبشر شركاء في مركبٍ واحد .
محمد المر نائب رئيس هيئة الثقافة والفنون في دبي وفي كلمته الافتتاحية أشار إلى أهمية التواصل الفكري والحضاري بين ألمانيا والعرب وقال” إنه على الرغم من أن القرن الفائت شهد العديد من الصدامات الفكرية مع عدة قوى أوروبية كبرى إلا أن ألمانيا لم تكن يوما طرفا في هذا الاشتباك، حيث خلت الذاكرة العربية من أية مرارة تجاه ألمانيا وشعبها، منوها بدور المدرسة الاستشراقية الألمانية التي درست الحضارة العربية والإسلامية بدقة وجدية وموضوعية وبعيدا عن التحامل والتعصب الحضاري الأعمى. “
من جهة أخرى فقد ربط الوضع السياسي بالثقافي حيث أشار الى وضعية العالم خلال مرحلة الحرب الباردة التي دخلت فيها القوى العظمى في صراع محموم لامتلاك أكثر أسلحة العالم فتكا وتدميرا ضمن ما كان يعرف باسم “توازن الرعب”، والآمال التي راودت الجميع في عالم سالم يهنأ بالأمن والاطمئنان، وهي الطموحات التي ما لبثت أن تبددت مع هبوب رياح العولمة الرأسمالية وتزايد خراب البيئة وتصاعد وتيرة الإرهاب وتفاقم مشكلات العالم السياسية والاقتصادية وظهور أوبئة جديدة حصدت أرواح الملايين إلى أن أصاب العالم تسونامي الاقتصاد الأخير الذي لم يشهد العالم مثله من أيام الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
المر قال “ أن العالم في ظل تلك الأوقات المضطربة أثبت فشل أطروحات القطب الواحد كما أثبت أنه لا بديل للحوار والتعاون بين مختلف الحضارات والدول للتصدي للمشكلات المشتركة التي تواجه العالم من شرقه إلى غربه بما يجعل البشر شركاء في قارب واحد يحملون مسؤولية جماعية لإنقاذ أنفسهم من براثن تلك التحديات، معربا عن تفاؤله في قدرة العالم على تخطي تلك العقبات والمعوقات من خلال لغة الحوار مستشهدا بالمثل الألماني القائل: “كلما كان الليل داكن السواد، كان الصباح التالي أكثر لطفا”.
هانز ماغنز آنزينسبيرغر: التنوير لا يُحْتَكر !
الشاعر الألماني هانز ماغنز آنزينسبيرغر تناول في كلمة له محاولة الغرب احتكار مفهوم التنوير والقدرة على صنع مقوماته ونشر ضيائه، نافيًا ذلك وقال “إن المسألة لا تكمن في الصراع على من هو القادر على الاستحواذ على نصيب الأسد من حركة التنوير العالمية، ولكن على مدى الإسهام ذاته وتأثيره إذا ما تم رصده بموضوعية. “
وأشار الى دور العرب  في إلهام شعوب أوروبا في عصر أوج الحضارة العربية وفي مختلف المجالات، ومستشهدا بالنتاج الفكري العربي والإسلامي المتميز الذي مثل قاعدة أساسية استقت منها أوروبا العديد من العلوم والمعارف في عصر الدولة العباسية والدولة الأموية ومن خلال ما أفرزته الحضارة العربية والإسلامية من إنتاج فكري متميز كان حاضرا بقوة في الأندلس ، مستشهدا بفكر الفيلسوف العربي “إبن رشد” الذي كان سباقا إلى التنوير في عهده وإلى مدينة قرطبة التي مثلت مركزا فكريًّا وحضاريًّا مهمًَا وكانت جامعتها سابقة لأول جامعة تأسست في أي من المدن الأوروبية بما لا يقل عن مائة عام، معزيا الازدهار الفكري والفلسفي الأوروبي إلى الحضارة العربية التي كانت مصدر إلهام للغرب خاصة في مجالات العلوم البصرية والرياضيات وغيرها من المجالات.
الجدير ذكره ان ي أي من
فعاليات الملتقى  الذي تنظمه مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم تتواصل حتى مساء غدٍ الخميس 27 من نوفمبر  في دبي، بحضور لفيف من الشخصيات الفكرية العربية والألمانية البارزة من بينهم الشاعر أدونيس و الطاهر لبيب وحسن حنفي ومحمد عابد الجابري وفهمي هويدي ومطاع الصفدي وفهمي جدعان وجمال الغيطاني وغيرهم..أما عن الجانب الالماني فأبرز المشاركين هم المستشرق كلاوس بيتر هازا، فولكر براون أحد أبرز الشعراء الألمان وأدولف موشج،  والمترجم ميخائيل كروغر، وغيرهم من رموز الفكري الألماني الحديث.
وستتناول الجلسات النقاشية للمنتدى موضوع الاستشراق والاستغراب حيث سيحاول المشاركون الإجابة على مجموعة من الأسئلة المهمة التي تدور حول استشراق ما بعد الحداثة وما تبقى من الاستشراق الغربي والألماني، ومدى صحة النظر إلى الاستغراب على أنه الوجه الآخر للاسشتراق وغيرها من التساؤلات التي تشغل بال المثقفين في هذا الباب.
كما سيتم مناقشة موضوع الترجمة  وأهميتها في البناء الثقافي ودورها كوسيلة للتواصل والنقل المعرفي والحضاري، مع استعراض الدور الذي لعبته الترجمة قديماً وحديثاً والإسهام التنويري الذي قدمته في المشهد الثقافي العربي قديماً، و المجالات التي يجب التركيز عليها في الترجمة لتفعيل أثرها كوسيلة للتنمية الثقافية.
كما سيتناول المحور الثالث البعد السياسي وصلته بعالم الثقافة مع عقد مقارنة بين مواقف هيجل وفوكوياما، واستعراض العلاقة التي تربط عالم السياسة برواق الثقافة من تأثيرات متبادلة وانعكاسات تتركها التغيرات السياسية الدولية على التوجهات الفكرية والإبداعية في العالم، وتأثيرات الأوضاع السياسية في التطور الاقتصادي الذي يساهم في رفع حضارات ودحض أخرى. وستتلو الجلسات الثلاث التي تجرى بالتزامن جلسة موسعة تضم جميع المشاركين لتلخيص ما آلت إليه النقاشات من أفكار ورؤى.
 

 

122803

 

 الاستشراق والاستغراب: التحولات والسجالات

مروة كريدية من دبي
شكّلت قضيتي الإستشراق والاستغراب المحور الاهم في السجالات الدائرة بين المستشرقين و المستغربين على حدٍّ سواء وفي ظل النكسات السياسية المتلاحقة التي شهدها العالم العربي خلال القرن العشرين شهد النصف الثاني من القرن العشرين حالة نكوصٍ حادٍّ وتراجع في الفكر التنويري العربي ، وقبل صدور كتاب ادوارد سعيد عن الاستشراق بأكثر من نصف قرن، تنبّه مفكرون عرب إلى الظاهرة، وكانت كتابات عمر الفاخوري الذي صدر في بيروت عام 1922، بمثابة التمهيد لما سيصبح فيما بعد الموضوع الأكثر جدلا لأكاديميين عرب وغربيين.
ويرى البعض ان  الاستشراق اقترن بالكولونيالية، لسببين، الأول انه بدأ مع نزعات التمدد في الغرب بعد ازدهار الثورة الصناعية، والثاني لأنه كان مسبوقا برحلات استطلاعية، قام بها مغامرون لأسباب شخصية وآخرون بتكليف رسمي، من طراز رحلة ادوارد لين إلى مصر ونيبور إلى مصر واليمن.
وقد يكون كتاب الألماني هيرمان هيسّة “رحلة إلى الشرق” صورة نموذجية لتجسيد أسباب التوجه الى الشرق، أما الشاعر غوته  فقد قال في قصيدة الهجرة عام 1814 : “الشمال والغرب والجنوب في قتال، فلتهرب انت الى الشرق”
ومن هذا المنطلق فقد يرى البعض انه  ليس من المنطق ان يدرج الاستشراق كله في خانة واحدة وتحت مصنف ايديولوجي واحد، لأن الاستشراق الالماني والروسي على سبيل المثال يفترقان من حيث الدوافع والمنهج عن الاستشراقين الفرانكفوني والانجلوساكسوني، والاستغراب ليس كلّه نزعة مضادة لكل ما تفرزه الحضارة الغربية، لهذا فإن بعث الفروق هنا يفرض نفسه كمطلب معرفي واكاديمي على ثنائية الاستشراق والاستغراب، وخصوصا، ما يتعلق بمراسلات ماركس وانجلز، وما كتبه ماركس عن الجزائر ونمط الانتاج الاسيوي، فهل يمكن التسليم بهذه الرؤية؟ وادراج ماركس في باب الاستشراق؟
هذه الأسئلة والاشكاليات كانت محور الجلسة الثانية التي عقدها مفكرون عرب وألمان خلال ملتقى الحوار العربي الألماني بمشاركة مايزيد عن خمسين باحث ومفكرٍ وأديب وإعلامي وقد ترأسّ الجلسة فهمي جدعان وتحدث فيها كلّ من المفكر مطاع صفدي ،و الشاعر أدونيس و كاترينا ممزن و بيتر هاينه ، كما ساهم في المناقشات الفيلسوف حسن حنفي و جمال الغيطاني وفهمي هويدي وغيرهم وقد حضر هذه الجلسة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

 

122803

أدونيس يطرح سؤال الهوية والابداع :
الشاعر ادونيس أشار الى ان الفلسفة العربية “التوفيقية تتمحور حول النقل والعقل ،النقل من جهة الدين والعقل من جهة اليونان من هذا المنطق فهي استغرابية ، مؤكدا ان العرب نقدوا أنفسهم وقد طرح اشكاليات ثلاث :
الاشكالية الاولى :العلاقة بين الذات والآخر ، والاشكالية الثانية :سؤال الهوية ، والإشكالية الثالثة : ما الابداع ؟
وعن الهوية يتسائل هل الهوية مغلقة على ذاتها أم انها إبداع والانسان يبتكر هويته ليستنتج ان “الهوية لا تنبني من الماضي بل المستقبل ، وعن الابداع يتساءل هل هو انغماس او انغلاق في الأصالة ام انفتاح على الجمال ؟
وعلى هامش المؤتمر ايلاف التقت ادونيس في دردشة أكدّ فيها على ان المثقفين العرب مقصرون ليسأل :”ماذا فعل المثقفون العرب؟” تجاه قضاياهم وردًّا على تعليق ان “السلطة السياسية هي التي تحدّ من الابداع ” أشار الى ان السلطة السياسية العربية كانت ولا زالت… ولا ينبغي على المثقفين والكتاب ان يُعلّقوا فشلهم  ” ليتساءل :” لماذا لا نجد اتحادات الكتاب العربية تتحرك ؟
كاترينا ممزن : الاستغراب ردّة فعلٍ للكرامة المهدورة وأبشع الحروب ترتكب باسم الله
تمحورت كلمة الألمانية كاترينا ممزن حول “غوته” حيث قالت :” تعودت أن أرى العالم بعيون غوته ” وفيما تناولت سردًا عن تعايش الأديان أشارت الى انها تتفهم ردّة فعل العالم الاسلامي تجاه الغرب واشارت الى ان الأمركيين يتعاملون بفوقية تجاه الشعوب الأخرى وتجاه الأوروبيين ويتصرفون على انهم أقوى وأكثر نفوذًا من الاوروبيين خصوصًا في ستينيات القرن العشرين
وتقول ان الاستغراب هو ردة فعل مفهوم للكرامة المهدورة واستغلال الدول الاستعمارية والهيمنة الاستغلالية التي تُفرض على العالم بوصف الغرب بأنه متفوّق
وتشير ان الاستشراق سلبي أيضًا وايجابي  وتعتقد ان المشكل يكمن في أن أفظع الحروب ترتكب باسم الله
الجلسة طرحت الكثير من الاسئلة ولم تقدم الحلول
وتميزت هذه الجلسة بطرح الكثير الكثير من الأسئلة “النخبوية ” ولم تتطرق الى الحلول العملية الواقعية فالنقاشات تمحورت حول أسئلة عدة منها  إلى أي مدى يمكن إعتبار استشراق ما بعد الحداثة، انقطاعا عن الاستشراق الكلاسيكي ؟ ففيما  نعى جاك بيرك الاستشراق الكولونيالي ببيان شهير، وقال ان الاستشراق قد تحول الى دراسات مقارنة وأبحاث تلبي فضولا معرفيا، لكن ما كتبه برنارد لويس ردّا على سعيد جاء ليبرهن على ان بيرك كان شديد التفاؤل، وان الاستشراق لم ينقطع حتى الان عن دوافعه الاولى …
كما تناول المتناقشون كيفية تعامل بعض مؤرخي الاستشراق مع الماركسية باعتبارها استشراقا، فهل يفرض مثل هذا التصور استقراءً مختلفا لحقبة تاريخية بدأت منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر ؟ وهلالاستغراب مجرد رد فعل على  سياسة غربية تبغي تحويل العالم إلى سوق؟
وانتهت الجلسة على وقع تساؤلات مفتوحة ربما تؤسس فيما بعد لأخلاقيات للحوار تتجاوز استعلاء المستشرق وانغلاق المستغرب؟ وأليس الاحترام المتبادل سابق على المعرفة المتبادلة؟ المعرفة سيطرة، سلطة، تحويل للآخر إلى موضوع كما قال فوكو، ليفيناس ودريدا وإدوارد سعيد؟

المصدر: http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/1480139/%d8%ab%d9%86%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d9%85%d8%b1%d9%88%d8%a9-%d9%83%d8%b1%d9%8a/

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك