حوار بين تقي وشقي (نماذج من حوارات الأنبياء)
حوار بين تقي وشقي (نماذج من حوارات الأنبياء)
الشيخ عائض بن عبد الله القرني
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وسراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا. وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا. واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. شهادة أدخرها عند الله العلي القدير ليوم العرض الأكبر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وصلى الله وسلم على محمد ما فاحت الأزهار وما هطلت الأمطار وما تلاقى الأبرار وما تعانق الأخيار وما تعاقب الليل والنهار وعلى آله وأصحابه من المهاجرين والأنصار ومن سار على هديهم إلى يوم الدين. تمهيد: الناس صنفان: تقي وشقي، فريق في الجنة وفريق في السعير، هذا خصمان اختصموا في ربهم، والعيون قسمان: عين عرفت الله ودمعت من خشية الله وتدبرت آيات الله وتفكرت في مخلوقات الله، وعين نظرت إلى الحرام وأعرضت عن هدي خير الأنام وتصفحت المعاصي وأطلت إلى الحرمات، فهي العين الباكية يوم العرض الأكبر عند الله. والقلوب اثنان: قلب عرف الله وامتلأ بلا إله إلا الله وأحب رسول لله وسار على منهج الله فها قلب سعيد، وقلب أعرض عن الذكر والتلاوة والصلاة والمعرفة والنهج السديد وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم فهو قلب منكوس. والآذان اثنتان: أذن استمعت إلى الوحي وإلى التلاوة وإلى الحديث وإلى الدعوة وإلى الخير والذكر والبر فهي أذن سعيدة، وأذن أعرضت واستمعت إلى الغناء والفحش وإلى البعد وإلى الانهيار وإلى كل ما يغضب الرب جل في علاه. والألسنة لسانان: لسان نطق بالحكمة وقال الخير وذكر المولى وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ولسان تكلم بالغيبة والزور والاستهتار والاستهزاء لسانك لا تذكر به عورة امرئ ٭٭٭٭٭ فكلك عورات وللناس ألسن وعيناك أن أبدت إليك معايبا٭٭٭٭٭ لقوم فقل يا عين للناس أعين العناصر الرئيسية للرسالة ١-إبراهيم عليه السلام في حوار حار مع النمرود بن كنعان. ٢- موسى وفرعون في محاضرة ساخنة في إيوان فرعون. ٣- محمد صلى الله عليه وسلم يحاور فاجرا. ٤- مسيلمة الكذاب، كذاب اليمامة يعترض على حبيب بن زيد أحد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. ٥-الأسود العنسي دجال اليمن يتحدث مع أحد الأبرار فيفحمه هذا البار الراشد ٦- ثم الحوار الذي بين رجل هو من المسلمين وهو الحجاج مع عالم هو سعيد بن جبير. ٧- حوار ربعي بن عامر أحد الصحابة وهو يدخل على رستم قائد فارس. أولا - حوار إبراهيم الخليل مع النمرود ما أحسن الهداية وما أجمل أن تعرف الله وما أعظم أن تتعرف على الواحد الأحد سبحان الله، أي شيء فاته من فاته الله وماذا فاته من وجد الله فسبحان الله، كيف أعرضت كثير من القلوب عن الله، يقول جل في علاه ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين يدخل إبراهيم عليه السلام يحمل لا إله إلا الله يتصدر بالدعوة في سبيل الله، ينزل للناس ويدخل على الطغاة في قصورهم ويدخل على المجرمين في أوكارهم، وفي هذا درس لطلبة العلم ولدعاة الإسلام ولحملة الشهادات وأبناء الكليات الذين درسوا العلم الشرعي للنزول إلى الساحة وأن يدخلوا أعين الناس وأن يستقلوا المنابر وأن يتحدثوا إلى الجماهير فالله سبحانه وتعالى يقول: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه هل ينكر عظمة الله إلا من ألحد، وهل ينحرف عن منهج الأنبياء إلا من تزندق إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت أي والله فمن الذي يحيي العظام وهي رميم إلا الله؟ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم من الذي اخرج المولود باكيا من بطن أمه لا يفهم شيئا ولا يعلم شيئا ولا يعرف شيئا فدله وبصره وأحياه وأطعمه وسقاه؟ من علم النحلة بيتها ورزقها وأن تأتي وتجوب القفار والوهاد والجبال؟ ومن علم الثعبان أن يرتحل ويهاجر؟ من علم الجراد والنملة أن تأوي في جحرها؟ إنه الله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى. قل للطبيب تخطفته يد الردى ٭٭٭٭ من يا طبيب بطبه أرداك إنه الله قل للمريض نجى وعوفي بعدما ٭٭٭٭عجزت فنون الطب من عافاك إنه الله والنحل قل للنحل يا طير البوادي ٭٭٭٭ من الذي بالشهد قد حلاك إنه الله وإذا ترى الثعبان ينفث سمه ٭٭٭٭ فاسأله من ذا بالسموم حشاك إنه الله واسأله كيف تعيش يا ثعبان ٭٭٭٭ أو تحيا وهذا السم يملأ فاك فالحمد لله العظيم لذاته ٭٭٭٭ حمدا وليس لواحد إلاك عصفور يطعم حية: ذكر ابن الجوزي أن رجلا رأى عصفورا يأتي بقطعة لحم فينقلها من مكان في المدينة ويرتحل بها إلى رأس نخلة كل يوم فتعجب هذا الرجل لأن العصفور لا يعشعش في النخل فتسلق النخلة فوجد حية عمياء كلما اشتهت الأكل أتى هذا العصفور بقطعة لحم وهي عمياء فاقترب منها فإذا اقترب فتحت فمها ثم يلقي هذا العصفور اللحم في فمها، سبحان من سخر العصفور لتلك الحية ودل تلك الحية على رزقها. ويقول سبحانه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت انظر أخي إلى ذلك الكذاب وذلك الدجال الملعون الذي يماري ويجادل في أعظم آيات الكون وهي الموت. ولذلك وجدنا أن هناك من تزندق وجادل وشكك في توحيد الربوبية والألوهية، أي والله وجد ذلك فعجبا لهم كيف يكفرون، وعجبا لهم لا يؤمنون. أفي الله شك؟ أفي آياته لبس وريب؟ أفي ما أنزله في الكتاب والسنة غبش حتى يستهزئ بعض هؤلاء المارقين بالقيم والأخلاق والدين والكتاب والسنة. قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين (سورالتوبة آية ٦٦) فسكت إبراهيم أمام سفه هذا المجادل ليس سكوت العاجز المتقهقر المنهزم وهو يمثل له كيف يحيي ويميت، فقد جاء برجل مسجون وقال: هذا أحييته لوجوهكم وأتى برجل آخر فذبحه وقال: هذا أمته. يا لغباء وسفه وجهل هذا الزنديق الكاذب، فرد عليه إبراهيم ردا لا يحتمل المجادلة ولا يترك له بابا لينفذ منه مرة أخرى فقال له فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب إن كنت صادقا فعلا بأنك إله فتعال بالشمس من المغرب لأن ربي يأتي بها من المشرق فبهت الذي كفر أي انهزم وانهدم وخاب وخسر وخزي والله لا يهدي القوم الظالمين أي والله إن الله لا يهدي هؤلاء القوم الظالمين لأن أوراقهم تحترق فليس لديهم حجج ولا براهين لأنهم دجالون وكذابون ومتجرئون على الله. وبعد هذه الحجة الدامغة التي حاج بها إبراهيم النمرود لم يسكت ولم ينته عن غيه وفجره وفحشه ومجونه فقد جمع حطبا وأجج نارا وأخذ جنوده إبراهيم وقيدوه وهبوا وأسرعوا لإلقائه في النار، فإلى من يلتفت إبراهيم الخليل وإلى من يلتجئ وممن يطلب النصر والنجاة؟ يا واهب الآمال أنت حفظتني ومنعتني٭٭٭٭ وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فنصرتني فانقاد لي متخشعا لما رآك منعتني حسبي الله ونعم الوكيل سلاح المؤمن وقت الشدة: فمن يمنع الضر إلا الله الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (سورة آل عمران آية٧٣\٤٧) يقول ابن عباس كما في صحيح البخاري: حسبنا الله ونعم الوكيل. كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار فجعلها الله بردا وسلاما عليه وقالها محمد صلى الله عليه وسلم يوم قيل له إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم. فلما قيد جنود النمرود إبراهيم عليه السلام بالحبال وحملوه في المنجنيق وأشعلوا له نارا فأتاه جبريل في الساعات الحرجة وهي الساعات الصعبة جدا في حياة أي إنسان عندما يتعرض لمشكلة صعبة في حياته أو أزمة معضلة، فلما أتاه جبريل وهو مقيد بالحبال قال له: يا إبراهيم ألك إلي حاجة؟ فرد عليه إبراهيم قائلا قول المؤمن الواعي الصابر المتأكد من قدرة ربه عز وجل الواثق بنصره جل وعلا قال: أما لك فلا وأما إلى الله فنعم. فلما حملوه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل ووقع في النار فكانت بردا وسلاما عليه، فسبحان من أنجاه وحماه ووقاه لأنه تقي وسبحان من رد الخبيث الخسيس لأنه شقي. عقوبة الله للنمرود: أتدري أخي المسلم بماذا عاقب الله النمرود؟ ذكر بعض أهل العلم أن بعوضة دخلت أنف النمرود فتغذت على دماغه حتى أصبحت تلك البعوضة كالعصفور فكانت تفرفر في رأسه فيجد انزعاجا وألما وعذابا فلا يهدأ ولا يرتاح ولا يطمئن حتى يضرب على رأسه بالنعال أو بالكرباج وفي الأخير ضرب فذهب مخ رأسه. لقد ذهب الحمار بأم عمرو٭٭٭٭ فلا رجعت ولا رجع الحمار ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون (سورة فصلت آية ١٦) ويقول سبحانه ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربي لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (سورة طه آية ١٢٤-١٢٦) فقد وجدوا المعيشة الضنك يوم سكنوا ناطحات السحاب بلا إيمان ويوم استقلوا السيارات الفارهة وسكنوا الفلل بلا إيمان. فليس العمى عمى الأبصار ولو أنه عمى ظاهر ولكن العمى الحقيقي هو عمى القلب فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (سورة الحج آية ٢٦) أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب (سورة الرعد آية ١٩) فبعض الناس عيناه كأعين الثور ولكنه لا يبصر ولا يعي فليس عنده قلب يخشع فمثله مثل أبي جهل يبصر بعينه كل شر ولم يبصر الخير ولكن ابن أم مكتوم أعمى البصر ولكنه مبصر البصيرة وطاهر القلب ونقي السريرة والفؤاد. وإن إبراهيم نتيجة لورعه وتقواه حاور هذا الشقي مستندا إلى عقيدة راسخة ملأت جوانحه كلها فسعد في الدنيا والآخرة. وأخزى الله هذا الشقي في الدنيا والآخرة لأنه ما عرف الهداية ولا تعلق بالنور الإلهي. ومن ذلك يتضح لنا أنه لا ينقصنا خبز ولا ماء ولا شهادات، بل ينقصنا هداية وتوفيق من الله وكذلك فإننا بحاجة إلى دعاة يجوبون السبل ويدعون الناس إلى منهج ربهم وسنة نبيهم. يقول الشافعي رحمه الله: تموت الأسد في الغابات جوعا٭٭٭٭ ولحم الضأن تأكله الكلاب ولذلك ما سمعنا أن أحدا مات من الجوع ولكن القلوب هي التي تموت جوعا وتموت فقرا وتموت قحطا وجدبا فهل من غيث؟ نعم إن الغيث هو الكتاب والسنة. حوار موسى مع فرعون وأما موسى عليه السلام في حواره مع فرعون فأمره عجيب، راعي غنم لكنه عرف الله وكان لديه عصا لها أخبار وأعاجيب كان يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه وفجأة يقول له الله اذهب إلى فرعون إنه طغى (سورة النازعات آية ١٧) فمن هو فرعون؟.. رجل دجال مخرف جمع القصور، رجل وقف في الناس جميعا يقول لهم: ما علمت لكم من إله غيري، ويقول لأهل مصر: أنا ربكم الأعلى فيصفقون له، ويقولون: تبقى وتسعد وتقر عينك. لعنه الله في الدنيا والآخرة وقد جعل يقول: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي (سورة الزخرف آية ٥١) فأجرى الله هذه الأنهار من فوق رأسه، فلما قال الله لموسى اذهب إلى فرعون إنه طغى وموسى يعرف أن حرس فرعون ستة وثلاثون ألف فرد كما قال أحد الرواة، فلما تأهب موسى واستعد للذهاب إلى فرعون قال في أول الطريق رب اشرح لي صدري فقد شرح الله صدره وهيأه للذهاب ومقابلة هذا الطاغية. وسبحان الله فقد ذاق كثير من الناس اللذائذ بأنواعها المختلفة ولكنهم ما وجدوا ولا أحسوا حلاوة الإيمان ولا أحسوا بطعم هذه المأكولات والمشروبات لأن صدورهم وقلوبهم لم تنشرح بنور الإسلام والإيمان وسنة خير الأنام صلى الله عليه وسلم، إنما موسى عليه السلام قال: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي (سورة طه آية ٢٥-٢٨) يريد موسى عليه السلام أن يكون داعية وواعظا وناصحا للناس ليتعرفوا على ربهم ويتجهوا إلى خالقهم. ومن هذا يمكن أن نستنبط منها درسا لطلبة العلم في بلادنا وفي جميع بلاد المسلمين قاطبة وحتى للمسلمين في غير بلاد المسلمين أن يتعلموا الخطابة والكتابة ليستطيعوا أن يقفوا في الناس داعين إلى الله عز وجل لهداية البشر ولرجوعهم إلى ربهم على منهاج نبيهم وأن يتعلموا فن الكلمة ولباقة الحوار والسحر الحلال ليحولوا حال الناس من حال إلى حال ليحولوهم من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهدى والإسلام. واحلل عقدة لساني يفقهوا قولي لأنه قد تلعثم في صغره في لسانه فحل الله عقدته وكذلك استجاب له عندما دعا ربه واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي (سورة طه آية ٣٦) فجعل الله عز وجل أخاه هارون مساعدا له ووزيرا له يساعده وذلك مصداق قوله تعالى: قد أوتيت سؤلك يا موسى (سورة طه آية ٣٦) وذهب موسى وهارون إلى فرعون وقال الله لموسى وهارون وهما في الطريق اذهبا إلى فرعون إنه طغى (سورة طه آية ٤٣) أي قد تجاوز الحد واعتدى وتجبر عن منهج ربه. ولكن أخي المسلم اسمع وتأمل أدب الدعوة إلى الله فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (سورة طه آية ٤٤) فالقلوب لا تلين إلا للكلمة الحانية والأسلوب الرائع والآذان لا تستمع إلا إلى الحب والصفاء والقلوب والأرواح لا تنقاد إلا إلى الحكمة، انتبه يا موسى ويا هارون حتى لا تجرحا شعور الفاجر الضال الدجال وعاملوه بإحسان حتى لا يتمادى في غيه وبهتانه وسفهه. قال سفيان الثوري في تفسير قوله تعالى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى القول اللين هو أن يكنى فرعون أي يدعوه ويقول له: يا أبا فلان فأنت عندما تدعو وتنادي صديقك بكنيته فإنه يفرح وينتعش ويستبشر ويبتهج ويهش ويبش إذا ناديته بكنيته: يا أبا سعود ويا أبا علي ويا أبا محمد، يقول الشاعر: أكنيـه حين أناديـه لأكرمـه٭٭٭٭ ولا ألقبـه والسـوءة اللقب كذاك أدبت حتى صار من خلقي٭٭٭٭ إني وجدت ملاك الشيمة الأدب فدخل موسى وهارون على فرعون وكانت كنيته كما قال أبو أيوب الأنصاري وسفيان الثوري أبا مرة مرر الله وجهه في النار، قال له موسى: يا أبا مرة إن أردت أن يبقي الله عليك شبابك وملكك وأموالك وشهرتك فعليك أن تؤمن بالله وحده فقد سمعنا عنك الخير، وهذا أسلوب للدعوة الصحيحة وموسى لم يسمع عنه إلا النار ولم يسمع عنه إلا اللعنة والبغض، يقول له موسى: أنت مثلك قدوة ومثلك يحتذى به الناس ويصلح الناس ويهديهم فأصلح وآمن بالله فأتى الفاجر عليه سحائب اللعنة ليجادل ويماري. بداية مجادلة فرعون: يأتي فرعون ويرد على دعوة موسى وهارون ويقول: فمن ربكما يا موسى (سورة آية ٤٩) سبحان الله أنكر وجود الله ونعم الله أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر (سورة الغاشية ١٧-٢٢) والله يقول في آية أخرى هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا. إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج فجعلناه سميعا بصيرا (سورة الإنسان ١\٢) ويقول سبحانه: يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه (سورة الانشقاق ٦) ويقول أيضا: يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك (سورة الانفطار٦) قال: فمن ربكما يا موسى فلو قال موسى ربي الله سيرد عليه فرعون قائلا: أنا الله، ولو قال موسى: ربي هو ربي لقال: أنا ربك فماذا يقول موسى؟ قال لفرعون ورد عليه برد مفحم ومبهت ودامغ يقول صاحب الكشاف الزمخشري لله دره من جواب قال موسى ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى (سورة طه آية ٥٠) وهذه مواصفات لا تكون إلا في الواحد الأحد جل في علاه وهذه لا ينكرها إلا جاهل جاحد مضل حتى إن ابن القيم يقول: لما قال فرعون ما علمت لكم من إله غيري قال: هذا كلام في الظاهر ولكنه في الباطن يعلم أن هناك إله كريم جواد ويعلم أن من خلق السموات والأرض إله قادر وهاب قيوم يعلم السر وأخفى حتى يقول موسى له لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا (سورة الإسراء آية ١٠٢) فيا دجال إنك تعلم أن الله في السماء يا مجرم إنك تعلم أن الله خلق السموات والأرض فلا تكابر. قال موسى ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ما هو خلقه ثم هدى خلقه ثم هداه إلى معيشته وأموره هدى النملة إلى أن تأتي جحرها فتحتفظ بالحبة من الصيف إلى الشتاء وهدى النحلة أن تسافر مئات الأميال والكيلو مترات وتأخذ الرحيق وتضعه في الخلية، كما يحكي صاحب كتاب الإنسان لا يقوم وحده كريسي مريسون أمريكي الجنسية يقول: من دل النحلة على أن تسافر مئات الكيلو مترات ثم ترجع إلى خليتها دون أن تضل طريقها يقول كأنها مركبة إيريال يدلها على خليتها، فيرد عليه واحد مثل سيد قطب فيقول: علمها الله ودلها الله وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ( سورة النحل آية ٦٨) سبحان الله وما أجل الله ولكن ما أحقر من ابتعد ولم يتعرف على الله سبحانه وتعالى، قال فرعون لموسى فما بال القرون الأولى (سورة طه آية ٥١) ما للناس يموتون ولا يرجعون من لدن آدم إلى أجدادنا وآبائنا وهذه الكلمة هي كلمة الكفار والملاحدة كماركس ولينين وغيرهم وأمثالهم وأذنابهم وأشرابهم وعملائهم، يقولون: إن الإنسان يموت ويتحلل ولا يعود، لا والله فوالله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ويقول سبحانه إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور (سورة العاديات آية ٩\١٠) ويقول سبحانه: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ( سورة البقرة آية ٢٨١) فرد موسى على فرعون ردا جميلا مؤدبا كما أوصاه الله عز وجل قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى (سورة طه آية ٥٢) فدمغه موسى وقضى عليه وهزمه وأزهقه وانتصر عليه في الديوان وانتصر عليه في الميدان في البحر بإذن الواحد الديان لأن موسى هو التقي الذي دمغ الفاجر الشقي فرعون، وهنا نجد أن موسى قد قاد حربا علمية وجدلية في مجال الدعوة إلى الله، كما قال بعض العلماء: والله قد مكن موسى عليه السلام من الفوز على فرعون وهذا هو الجدل العلمي والعملي في مجال الدعوة إلى الله. حوار الرسول مع أهل الباطل والمتتبع لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم يجده مرة يرد على اليهود ومرة على النصارى ومرة على المنافقين ومرة على المشركين ومرة يفتي. ففي الترمذي يقول عبد الله بن سلام: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انجفل الناس فكنت ممن انجفل فاجتمعوا عليه في السوق فتبينت وجهه فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فوجهه كالقمر ليلة أربعة عشر. حواره صلى الله عليه وسلم مع اليهود لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبك بالخبر فوجهه صادق ومخلص، قال ابن سلام: فلما رأيت وجهه سمعته يقول: يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام فقال عبد الله بن سلام: يا رسول الله أسألك عن ثلاث آيات لا يعرفها إلا نبي لأن عبد الله بن سلام كان لديه علم من التوراة وكان حبرا من أحبار اليهود، فقال: إن أجبت عن هذه الثلاث أسلمت وآمنت. قال الرسول: وما هي؟ قال: ? ما هو أول طعام أهل الجنة عندما يدخلون الجنة؟ والرسول عليه الصلاة والسلام ما قرأ وما كتب وذلك مصداق قوله تعالى وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون (سورة العنكبوت آية ٤٨) ويقول سبحانه وتعالى: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته (سورة الجمعة آية٢) فما قرأ ولا كتب ولم يدرس في مدرسة ولا في كتاتيب ولا في جامعة. وكيف يشبه الولد أباه وكيف يشبه أمه؟ وما هي أول علامات الساعة؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم أتاه الوحي بالإجابة فورا إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى (سورة النجم آية ٥) فرد عليه الرسول عليه الصلاة والسلام قائلا: أول ما يأكل أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، قال: صدقت ! وأما أن يشبه الولد أباه فإذا أتى الرجل زوجته فعلا ماؤه ماءها أشبه أباه وإذا علا ماؤها ماءه أشبه أمه، قال له ابن سلام: صدقت ! وأما أول علامات الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، قال: صدقت ! وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم قال: يا رسول الله اليهود قوم بهت يعني أهل زور وفجور إذا علموا أني أسلمت بهتوني فلا تخبرهم بإسلامي وأدخلني هذه المشربة (غرفة خلفية) واسألهم عني فأدخله عليه الصلاة والسلام في الغرفة وأغلق عليه ونادى اليهود فجلسوا فقال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام: يا معشر اليهود كيف ابن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا وفقيهنا وابن فقيهنا وعالمنا وابن عالمنا. قال: أرأيتم إن أسلم، قالوا: أعاذه الله من ذلك، ففتح عليهم الباب ثم خرج وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقاموا ينفضون ثيابهم ويقولون: شرنا وابن شرنا وسيئنا وابن سيئنا وخبيثنا وابن خبيثنا. وهنا يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (سورة الأحقاف آية ١٠) حواره صلى الله عليه وسلم مع العاص بن وائل: هو أبو عمرو بن العاص كان سيدا في قومه وكان يلبس الديباج ويغشيه بالذهب لكن لم ينفعه ديباجه ولا ذهبه فهو في النار وفي جهنم خالدا فيها وبئس المهاد لأنه ما عرف الله وما سجد لله ولم يتلذذ بالعبودية لله لأن العبودية شرف: ومما زادني شـرفا وفخـرا ٭٭٭٭ وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي ٭٭٭٭ وأن صيرت أحمـد لي نبيـا جاء هذا العاص بن وائل وأخذ عظما وقطعه وسحقه ثم نفخه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد أتزعم أن ربك يحيي هذا العظم بعد أن بلي؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم ويدخلك النار. فيقول الله جل شأنه وعظم سلطانه وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم (سورة يس ٧٨\٧٩) فسبحان الله الذي كون الإنسان ونشأه من تلك النطفة المهينة سبحان من خلق الإنسان وجعل له السمع والبصر والعينين والأذنين.
المصدر: http://www.bab.com/articles/full_article.cfm?id=4013