الحوار الصادق الأمين وحده القادر

الحوار الصادق الأمين وحده القادر
شوقي العلوي

الناس تطلب وطناً آمناً مستقراً لحاضرها وضامناً لأجيالها المستقبلية، الحكم هو أيضاً يطلب وطناً آمناً مستقراً للحاضر وضامناً للمستقبل. الخلاف يكمن في أساليب الطرفين من جانب وفي إقرار أو عدم إقرار الحكم بالمشكلات القائمة والمحتملة مستقبلاً من حيث وجودها أو نفي وجودها وحجمها وآثارها الحالية والمستقبلية من جانب آخر.
إن حالة الشعور بالعداء بين قطاع واسع من الناس - لا يمكن نكران حجمه - من جانب، والسلطة من جانب آخر، وانعدام الحوار الصادق والأمين بين الطرفين يقودنا إلى مزيد من التفكك والتمزق وإلى أخطار كبيرة محدقة بنا وتهدد أمننا وأمن الأجيال القادمة والخاسر الأكبر سيكون الوطن بمختلف تكويناته. فلا الناس ستحصل على وطنٍ آمن مستقر ضامنٍ لحاضرها ولمستقبل أجيالها ولا الحكم كذلك سيحصل على وطنٍ آمن وفق رؤيته المنفردة، هنا هو مكمن الخطورة في حاضرنا، وستكون الخطورة أشد قسوة على مستقبل أجيالنا القادمة، فالطرفان اللذان لهما الطموح والهدف نفسيهما سيفشلان في النجاح.
إن بداية النجاح في علاج أي مرضٍ هو الإقرار بوجود المرض وعدم الهروب من مواجهته، والخطوة الثانية لتحقيق النجاح في علاج المرض هو تشخيص الأسباب لتحديد العلاج الصحيح والمناسب، وكل يكمل الآخر، فالإقرار بوجود المرض من دون تشخيص أسبابه لا يؤدي إلى تحديد العلاج المناسب، بل إن ذلك يؤدي إلى تفاقم المرض الذي ينتهي بوفاة صاحبه، ونحن لا نريد للناس أن تتفاقم مشكلاتها وفي وسطها يتوه الوطن، وعندها سيكون الجميع خاسراً، ولن يكون هناك رابح أبداً.
عصر يوم الجمعة الماضي 19 ديسمبر/ كانون الأول، حضرت وشاركت في مسيرة داعمة لشعبنا في غزة الذي يواجه حصاراً صهيونياً، بل يواجه حصاراً عربياً رسمياً. حضر تلك المسيرة الألوف من أبناء شعبنا من بينهم نساء وأطفال وكهول، الحضور الغالب هدفه الوقوف إلى جانب غزة. في نهاية المسيرة وهي في طريقها للانفضاض فوجئتُ كما فوجئ غيري بدخول ثلة صغيرة تهتف بشعارات مخالفة بكل تأكيد لأهداف هذه المسيرة. لا نتفق معها ولا مع من يهتف بها. في لحظات تتطور الحوادث، وإذا بالأرض تنشق وبجحافل من قوات فرق مكافحة الشغب المدججة بمسيلات الدموع والطلقات المطاطية تنهمر على الناس من دون تمييز بين طفل وامرأة عجوز ورجل كهل!
قلنا إننا لا نتفق مع الثلة التي خرجت على نظام المسيرة وهدفها، لكننا ومن واقع معايشة فعلية نختلف أشد الاختلاف مع تصرفات قوات مكافحة الشغب، التي لا تؤدي إلى حل ولن تؤدي إلى حل، بل ربما تؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها، مثلما سبق أن حدث في حوادث سابقة، كان بإمكان هذه القوات أن تتصف بحكمة ستنال بموجبها الشكر والقبول. ألم يكن بإمكانها أن تطلب ممن جاء للمشاركة في هذه المسيرة الانصراف حالاً بأمان وبعدها يمكن لها أن تتصرف مع من يتبقى ويشارك في أعمال الشغب. لقد قال وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في كلمة موجهة عبر الصحافة نُشرت حديثاً «إنّ ما عبرت عنه موجة التشكيك والتمسك بالهوامش لقلب الحقائق ما هو إلا انعكاس سلبي في النظرة نحو رجال الأمن، وتلك من رواسب الماضي، والنظر إلى الوراء، والحكم على الأشياء وفق مواقف مسبقة وقناعات هي من رواسب الماضي تحول دون التقدم نحو الأمام».
نعم، نتفق مع كثير مما ذهب إليه الوزير، لكننا بحاجة إلى تشخيص الأسباب والدوافع وتحديد مسؤولية كل طرف من الأطراف ذات العلاقة في موجة التشكيك التي يشير إليها معاليه. أما الحديث على طريقة «لا تقربوا الصلاة» وننسى بقية الآية الكريمة فهو أسلوب يعقد المسائل ولا يعالجها، وبذلك تظل أزمة الثقة هي التي تحكم العلاقة بين أطراف المجتمع والسلطة، علماً أن أزمة الثقة هذه في المجتمع ليست مقتصرة بين أطراف مجتمعية والسلطة، بل هي موجودة حتى في أوساط الأطراف المجتمعية في علاقاتها مع بعضها بعضاً. هناك أزمة ثقة بيننا وبين السلطة، نعتقد أن السلطة ونحن مسؤولان عنها لكن المسؤولية غير متساوية، فالسلطة هي المسؤول الأكبر عن هذه الأزمة، وعلى الطرفين أن يعملا بشفافية ووضوح لمعالجة هذه الأزمة وإزالة كثير من أسبابها. بالحوار وحده بين الأطراف كافة وبين السلطة وبزرع الثقة بين الجميع عبر الإقرار بوجود المشكلات وسماع رؤية القوى التي تمثل الناس وبالبحث عن الحلول الوطنية، عبر ذلك نستطيع أن نبني وطناً آمناً لنا ولأجيالنا من خلاله نستطيع أن نطمئن على حاضرنا وعلى مستقبل أبنائنا وأحفادنا.
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=9065

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك