الاتصال الفعال

الاتصال الفعال
الاتصال الفعال في ضوء السنة النبوية

د . مشعل الحداري

المبحث الأول :

تعريف الاتصال الفعال

الاتصال في اللغة :

الاتصال لغة من المصدر وَصَلَ بمعنى ربط أو أوجد علاقة بين طرفين أو بلغ الهدف ، وهو ضد الانقطاع .

قال امرؤ القيس :

إِنّي لأصرِمُ مَن يُصارِمُني وَأُجِدُّ وَصلَ مَنِ اِبتَغى وَصلي

يريد أنه يقطع من يريد أن يبادره القطيعة ، و يصل من يبادره الوصل و يحسن العلاقة معه .

الاتصال في الاصطلاح :

يتنوع تعريف الاتصال من حيث الجانب الذي يعرف من خلاله .

فمن جانب السلوك يعرف الاتصال بأنه : ” السلوك اللفظي أو المكتوب الذي يستخدمه أحد الأطراف للتأثير على الطرف الآخر ” .

و من جانب الفعل يعرف بأنه : ” استخدام الكلمات و الحركات و غيرها من الرموز لتبادل المعلومات ” .

إذن الاتصال :

” عملية مستمرة تتضمن قيام أحد الأطراف بتحويل أفكار و معلومات معينة إلى رسالة شفوية أو مكتوبة تنقل من خلال وسيلة اتصال إلى الطرف الآخر ”.

كما أنه ” عملية تفاعل بين طرفين ، و تسير في اتجاهات مختلفة “.

و زدنا قولنا ” الفَعّال ” -وهي عبارة شائعة الاستعمال الآن- لنخرج غير الفعال الذي لا يثمر ثماراً مرضية و لا ينجح نجاحاً ايجابياً ، وهو ما يسمى بالاتصال السلبي .

فعملية الاتصالات تهدف إلى ” نقل و تبادل المعلومات بين الأفراد و الجماعات بهدف التأثير في سلوكهم ، و توجيههم الوجهة المطلوبة “.

المبحث الثاني :

تطبيقات تعريف الاتصال في السنة النبوية

في السنة النبوية المطهرة أمثلة كثيرة و متنوعة تطابق التعريف السابق للاتصال من جانبي السلوك و الفعل ، و فيما يلي عرض لبعض الأمثلة الصحيحة التي ترشد إلى ذلك و تؤكده .

أولا : من حيث السلوك :

يمكننا أن نقسم الاتصال من حيث السلوك إلى قسمين مهمين ، هما السلوك اللفظي و السلوك الكتابي ، و نبدأ بالأول فنقول :

1 – السلوك اللفظي :

في السنة النبوية أمثلة كثيرة تدل على ممارسة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعملية الاتصال اللفظي ، نختار منها ما رواه إبراهِيمَ التيمىِّ عن أَبيهِ قالَ : كُنَّا عندَ حُذيفةَ -رضي الله عنه-، فقالَ رجلٌ : لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاتَلْتُ معهُ وَأَبْلَيْتُ .
فقالَ حُذَيْفَةُ : أنتَ كنتَ تفعلُ ذلكَ ، لقد رَأَيْتُنَا مع رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-لَيْلَةَ الأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « أَلاَ رَجُلٌ يأتيني بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ معي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».

فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ، ثُمَّ قَالَ : « أَلاَ رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ معي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».

فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ، ثُمَّ قَالَ : « أَلاَ رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ معي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».

فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ ، فَقَالَ : « قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ ».

فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دعاني باسمي أَنْ أَقُومَ .

قَالَ : « اذْهَبْ فأتني بِخبرِ الْقَومِ ولا تذعرهم علىَّ ».

فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِى في حَمَّامٍ ، حَتَّى أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِى ظَهْرَهُ بِالنَّارِ ، فَوَضَعْتُ سَهْمًا في كَبِدِ الْقَوْسِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : «ولاَ تَذْعَرْهُمْ عَلَىَّ». وَلَوْ رَمَيْتُهُ لأَصَبْتُهُ .

فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِى في مِثْلِ الْحَمَّامِ ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ ، فألبسني رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّى فِيهَا ، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ: « قُمْ يَا نومانُ » .

فقد استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- السلوك اللفظي ثلاثاً ، و تدرج به من الطلب غير المباشر و غير الملزم في الوقت نفسه من أجل الحث على المبادرة ؛ لصعوبة الظروف المحيطة بهم ، إلى تعيين الصحابي الذي سيكلف بالمهمة من أجل تحقيق المحصلة الأعلى و هي المحافظة على حياة المسلمين الباقين ، كما لاطفه في الأسلوب و الفعل بعد أن أدى المهمة كما طُلب منه ليشعره بمنزلته الرفيعة عنده .

2 – السلوك الكتابي :

لم يغفل النبي -صلى الله عليه وسلم- أهمية السلوك الكتابي في عملية الاتصال الفعال مع كونه أميا لا يحسن القراءة و الكتابة ، و مما يدل على ذلك ما رواه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ :

كَتَبَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- كِتَابًا ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فَقِيلَ لَهُ :

إِنَّهُمْ لا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلا مَخْتُومًا .

فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ .

و قال البخاري – رحمه الله تعالى – (ت256هـ) :

” باب اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء أو ليكتب به إلى أهل الكتاب و غيرهم ” .

و عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-:

أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى كسرى ، وإلى قيصر ، وإلى النجاشي ، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى . وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

و هنا نرى مدى مرونة منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- و استجابته الإيجابية للمؤثرات و المحددات القائمة في عصره ، مع أنه لم يألفها و لم يعتادها .

كما نرى محافظة النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذه الوسيلة و تطويره لها ؛ بأن اتخذ كتاباً لمراسلاته وللوحي ، كما اتخذ خاتما لختم مراسلاته ، و حث بعض الصحابة على تعلم بعض اللغات التي يرغب بمراسلة من يتكلم بها .

ثانيا : من حيث الفعل :

يمكننا أن نقسم الاتصال أيضا من حيث الفعل إلى قسمين ، هما :

1 – الكلمات :

للكلمات أثر كبير في عملية الاتصال بين الأفراد لا سيما ممن يحسن اختيارها ، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قدم رجلان من المشرق ، فخطبا فعجب الناس لبيانهما ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ” إن من البيان لسحرا ، أو – إن بعض البيان لسحر ” .

و حسن الخلق مظنة الكلام الحسن الذي يفعل فعل السحر في النفوس ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ :

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقا ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير – قال : أحسبه فطيم – ، وكان إذا جاء قال :

” يا أبا عمير ما فعل النغير ” . نغر كان يلعب به .

فربما حضر الصلاة و هو في بيتنا ، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ، وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا.

و في هذا الحديث ملاطفة النبي -صلى الله عليه وسلم- للأطفال بالكلمات و الأسلوب المحبب لهم ، مما يؤكد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يحسن التواصل مع الصغار كما كان يحسنه مع غيرهم .

2 – الحركات :

الحركات من الأفعال التي لها أثر كبير في تأكيد كلام المتكلم و التي تبيين مقصده فيه ، و تغني في كثير من الأحيان عنه .

فعن مصعب بن سعد عن أبيه -رضي الله عنه- قال :

لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلا أربعة نفر وامرأتين ، وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة : عكرمة بن أبي جهل ، وعبدالله بن خطل ، و مقيس بن صبابة ، وعبدالله بن سعد بن أبي السرح .

فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عماراً وكان أشب الرجلين فقتله .

وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه .

وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصف فقال أصحاب السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ها هنا ؟

فقال عكرمة : والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره ، اللهم إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتى محمدا -صلى الله عليه وسلم- حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما ، فجاء فأسلم .

وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : يا رسول الله ، بايع عبدالله قال : فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى ، فبايعه بعد ثلاث .

ثم أقبل على أصحابه فقال : أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله .

فقالوا : وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك ، هلا أومأت إلينا بعينك .

قال : ” إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين “.

و في هذا الحديث تظهر لنا منهجية النبي -صلى الله عليه وسلم- في اختيار الحركات أثناء تواصله مع من يحضر مجلسه من الصحابة و غيرهم ، فقد اختار حركة كف اليد عن المبايعة ، وامتنع عن حركة الإشارة بالعين و غيرها .

و عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال : بينا نحن جلوس في المسجد ، إذ خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع و أمها زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي صبية يحملها ، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي على عاتقه يضعها إذا ركع ، ويعيدها إذا قام ، حتى قضى صلاته ، يفعل ذلك بها .

فهذا تطبيق عملي من النبي -صلى الله عليه وسلم- للاتصال بالحركات الفردي مع حفيدته أمامة ، و اتصال حركي بصري مع الصحابة ليقتدوا به في التواصل مع الأبناء ، كما له بعد اجتماعي مع صهره و ابنته .

المبحث الثالث :

الاتصال في القرآن الكريم

يظهر الاتصال في القرآن الكريم جليا في أكثر من آية كريمة ، بل يستحق أن يفرد ببحث مستقل لغزارة مادته و تنوعها فيه.

و هنا نشير إلى شيء من ذلك على سبيل التنويه و التمثيل ، فمن الآيات الكريمات في الاتصال :

قول الله تعالى : ]وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [ [فصلت: 34].

ففي هذه الآية الحث على التواصل مع الناس بالقول و الفعل ، و خص القول الحسن و الفعل الحسن ؛ لأن بهما يكون الاتصال فعالا .

و يدل على ذلك كذلك قوله -عز وجل- : ] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [ [ النحل:125 ].

و عقد الله -سبحانه- مقارنة بين الرحمة و الغلظة في عملية الاتصال مبينا عاقبة كلا منهما بقوله : ]فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [ [ آل عمران: 159] .

إلى غير ذلك من الآيات الكريمات التي تؤكد أهمية الاتصال و تعدد أنواعه .

المبحث الرابع :

عناصر الاتصال الأساسية

تتكون عملية الاتصال من عناصر أو أركان أساسية لا بد أن تجتمع مع بعضها البعض لتكون عملية اتصال كاملة .

و هذه العناصر هي :

1 – المرسل :

هو الطرف الذي لديه مجموعة من الأفكار و المعلومات التي يريد نقلها إلى الطرف الآخر.

و الأنبياء و الرسل أساس دعوتهم – لقومهم أو للأقوام الأخرى – ممارسة نقل دين الله -عز وجل- و الهداية للناس ، و كذلك حال العلماء و الدعاة و المصلحون من بعدهم .

قال الله تعالى : ] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [ [آل عمران:110] .

و قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نصيحته لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- : ” فوالله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم ”.

2 – الرسالة :

هي عبارة عن تحويل الأفكار و المعلومات إلى مجموعة من الرموز – كالكلمات ، و الحروف ، و الحركات ، والأصوات ، و الأرقام ، و الصور .. إلخ – ذات معان مشتركة بين طرفي الاتصال.

و قد كانت مهمة النبي -صلى الله عليه وسلم- نشر دين الإسلام في العالمين ؛ لأنه دين الله الذي أمر الناس باتباعه ، قال تعالى : ] إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ[ [آل عمران:19] .

و أول من بدء به -صلى الله عليه وسلم- أهله و عشيرته ، قال أبو هريرة -رضي الله عنه- : قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أنزل الله عز و جل ] وأنذر عشيرتك الأقربين [ . قال :" يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني مناف لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا ، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، و يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا ".

3- الوسيلة :

هي الأداة التي يتم من خلالها نقل الرموز.

سواء كانت الرموز مكتوبة أو شفوية ، فردية أو جماعية ، مباشرة أو غير مباشرة ، رسمية أو غير رسمية .

و تقدم استخدام النبي -صلى الله عليه وسلم- لجملة من الوسائل الفعلية – الكلمات و الحركات - ، و السلوكية -اللفظية و الكتابية - .

4 – المستقبل :

هو الطرف الذي يتلقى الرسالة و ينظم معلوماتها و يحاول أن يفسرها و يعطي لها معاني ودلالات تتفق مع مضمونها.

و نشير هنا لتنوع أصناف المستقبلين أو المدعوين الذي كان النبي يدعوهم للإسلام ، و اختلاف مستوياتهم و مداركهم ، ففيهم الحاكم والمحكوم ، والغني والفقير ، والذكر والأنثى ، والكبير والصغير ، ومن له ديانة سماوية أخرى أو مشرك لا يقر بالتوحيد ..إلخ .

فكل هذا التنوع و التباين يلقي بظلاله على عملية إرسال الرسالة لهؤلاء المستقبلين ، و يحد من وصولها لهم بيسر و سهوله ، مما يدل على عظم المصاعب التي كانت تعتري هذه العملية .

فعن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يا رسول الله ، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟

فقال : " لقد لقيت من قومك - وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة - إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني ، فقال : إن الله -عز وجل- قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . قال : فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك . فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين .

فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ".

فمن العقبات التي واجهت دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- و رسالته زعامة الزعماء ، و ما يتعلق بها من الموروثات الاجتماعية .

المبحث الخامس :

أنواع الاتصال بين علم الإدارة المعاصر و السنة النبوية

للاتصال الفعال في علم الإدارة المعاصر أنواع و تقسيمات ، نذكر أشهرها ، ثم ندلل على ما يقابلها في سنة و سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ، فنقول :

يتنوع الاتصال الفعال في علم الإدارة بعدة اعتبارات نذكرها فيما يلي :

1 – من حيث الطبيعة و المستوى الذي تتم فيه الاتصالات :

و هو على نوعين :

أ - الاتصالات الرسمية :

هي المخطط لها مسبقا والتي تمر عن طريقها القرارات والتعليمات والتوجيهات داخل المنظمة.

و تطبيقه فيما رواه عبد الله بن عمر-رضي الله عنه-قال :

كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى : أهل اليمن ؛ إلى الحارث بن عبد كلال ومن معهم من معافر و همدان :

” على المؤمنين في صدقة الثمار - أو مال العقار - عشر ما سقت العين ، و ما سقت السماء ، وعلى ما يسقى بالغرب نصف العشر ".

فهنا كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- كتابا رسميا لقوم معينين ، في جهة معينة ، عبر مراسل رسمي ائتمنه على الرسالة ، في أمر يتعلق بالزكاة و جمع إيرادات الدولة ، ومصارفها معلومة و مقننة .

ب - الاتصالات غير الرسمية :

هي التي تعتمد على العلاقات الشخصية الاجتماعية خارج مجال العمل.

يرشد إلى هذا ما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- :

أن زوج بريرة عبد أسود يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته .

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعباس :

”يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا ”.

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ” لو راجعته ” .

قالت : يا رسول الله تأمرني ؟

قال : ” إنما أنا أشفع ” .

قالت لا حاجة لي فيه.

فهنا استخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- أسلوب الشفاعة الحسنة - غير الرسمي – من أجل أن يصلح بين اثنين من أفراد الأمة و الدولة ، و هذا شأن من يريد أن يكون مديرا قائدا لا مديرا منفذا فقط ، و يجمع شمل أمته ليتحقق لها وعد الله - عز وجل - بالعزة و التمكين .

2 – من حيث الاتجاه :

و هو على ثلاثة أنواع :

أ – الاتصالات الصاعدة :

من أعلى إلى أسفل لحل المشكلات و تذليل العقبات التي تعترض التنفيذ.

و مثاله في السنة النبوية ما قاله مُعَاذٍ بن جبل-رضي الله عنه-:

أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلُهُ عن الْخَضْرَاوَاتِ – و هِيَ الْبُقُولُ – .

فَقَالَ : ” لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ ”.

و في هذا المثال يسأل أحد عمال النبي -صلى الله عليه وسلم-و هو مُعَاذٍ بن جبل -رضي الله عنه- عن شيء من واجباته الوظيفية – وهي جمع الزكاة - ، خشية أن يجمع ما لم يأمر الشرع بزكاته ، و ترهق به الرعية .

و هذا شأن الخلفاء الراشدين من بعده -صلى الله عليه وسلم-، فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-: أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين "بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين ، و التي أمر الله بها رسوله ، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها ، و من سئل فوقها فلا يعط :

في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى ، ... إلخ ".

و هكذا ينبغي أن يتعاهد الراعي رعيته ، بالتوجيه و الإرشاد و النصح ، حتى تستقيم أمور دينهم و دنياهم .

ب – الاتصالات الهابطة :

من الرؤساء إلى المرؤوسين لشرح الخطط و السياسات وتحديد الاختصاصات.

و مثاله ما رواه سالم عن أبيه -رضي الله عنه- قال :

كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كِتَابَ الصَّدَقَةِ ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ ، فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ ، فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ ، فَكَانَ فِيهِ ” فِى خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شَاةٌ وَفِى عَشْرٍ شَاتَانِ ... الحديث “.

و هذا المثال يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتعاهد عماله و من يديرون أعمال الدولة في البلاد الأخرى نيابة عنه بالمكاتبات و المراسلات التي توضح مهامهم الوظيفية و ما يجب أن يعملوه .

ج – الاتصالات الأفقية :

التي تتم بين طرفين من نفس المستوى داخل المنظمة أو خارجها بغرض التنسيق.

و تطبيقه في السنة النبوية عندما كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى و بعث الكتاب مع عبدالله ابن حذافة السهمي ، و فيه :

” بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله ، إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا.

أسلم تسلم ، فإن أبيت فعليك إثم المجوس ”.

ففي المثال مراسلات النبي -صلى الله عليه وسلم- للملوك و الحكام بحكم زعامتهم ، و إن كانوا دونه في كل شيء .

و من الملفت للنظر أن مثل هذه المراسلات لم تكن منتشرة بين الصحابة في الأمور الإدارية لوضوح عندهم ، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعاهد عماله بتوجيهاته و أوامره المباشرة ، بل كان السائد عندهم أن تكون هذه المراسلات في تتبع علم النبي -صلى الله عليه وسلم- و الاستفسار عما غاب علمهم عنه .

فعن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال :

كتب معاوية إلى المغيرة -رضي الله عنهما- : " اكتب إلي ما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول خلف الصلاة ، فأملى على المغيرة قال : سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول خلف الصلاة : " لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، و لا معطي لما منعت ، و لا ينفع ذا الجد منك الجد ".

3 – من حيث الطبيعة :

و هو على نوعين :

أ – الاتصالات الشفوية :

تتمثل في الاتصالات الشخصية و المباشرة بين المرسل والمستقبل أو بين الرئيس و المرؤوس،كالمقابلات والمحادثات والخطب و المحاضرات والندوات والاجتماعات و سياسة الباب المفتوح .

و كان من عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- الجلوس للناس في المسجد لأجل هذا الغرض .

فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال : بينا نحن جلوس في المسجد ، جاء رجل على جمل فأناخه في المسجد ، ثم عقله ، فقال لهم : أيكم محمد ؟ و رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متكئ بين ظهرانيهم .

قلنا له : هذا الرجل الأبيض المتكئ .

فقال له الرجل : يا ابن عبد المطلب .

فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : قد أجبتك .

فقال الرجل : إني سائلك يا محمد ، فمشدد عليك في المسألة ، فلا تجدن في نفسك .

قال : سل ما بدا لك .

فقال الرجل : نشدتك بربك ، و رب من قبلك ، آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : اللهم نعم .

قال : فأنشدك الله ، آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة ؟

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : اللهم نعم .

قال : فأنشدك الله ، آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة ؟

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : اللهم نعم .

قال : فأنشدك الله ، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ؟

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : اللهم نعم .

فقال الرجل : آمنت بما جئت به ، وأنا رسول من ورائي من قومي ، و أنا ضمام بن ثعلبة ، أخو بني سعد بن بكر .

و نرى في هذا المثال كمال حرص النبي على أن يكون الاتصال الشفوي مثمرا ؛ من خلال الإجابة على أسئلة السائل – على كثرتها - بحلم و روية .

و من الأمثلة الكثيرة على ذلك ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال :

قلما خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا قال :

" لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ".

و فيه دلالة على كثرة استخدام النبي -صلى الله عليه وسلم- للاتصال الشفوي عبر أسلوب الخطابة و غيرها .

ب – الاتصالات المكتوبة :

تعتمد على الرسالة المكتوبة، كالصحف و الكتب و المطبوعات و التقارير و الأوامر والتبليغات والمجلات المتخصصة و النشرات الدورية وأدلة العمل و الإجراءات الإدارية ..إلخ .

و من الأمثلة على ذلك غير ما سبق ذكره ما رواه زيد بن ثابت -رضي الله عنه-:

قال : أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أتعلم السريانية .

وفي رواية : إنه أمرني أن أتعلم كتاب يهود و قال :

" إني ما آمن يهود على كتاب " .

قال : فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت ، فكان إذا كتب إلى يهود كتبت ، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم.

و في هذا حسن إدارة النبي-صلى الله عليه وسلم- لأمور الدولة ، و فعالية توجيهاته لمساعديه .

المبحث السادس :

مهارات الاتصال الفعال في علم الإدارة و السنة النبوية

فيما يلي التوصيات الأساسية التي يمكن من خلالها زيادة كفاءة العمليات الاتصالية في المنظمات :

1 – تعزيز العلاقات الإنسانية في عملية الاتصال وتطوير الاتصالات في اتجاه المساواة التي تتيح فرصة المشاركة والإحساس بالمسؤولية و التوجه نحو المستقبل و تحقيق الإنجازات العملية .
مثال ذلك قول أبي حسان :

قال علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-:

” ما عهد إلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء دون الناس إلا في صحيفة في قراب سيفي .

فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة فإذا فيها :

” المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم ، لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ” .

فما ظنه بعض الناس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيخص قرابته بشيء دون سائر الناس لا صحة له ، بل جاء في سياق الحديث ما ينقض ذلك حيث بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن المؤمنين متساوون في الدماء وغيرها ، مما يعزز التواصل الإنساني بينهم .

2 – الاعتراف بالآخر و بدوره في العملية الاتصالية ، والانفتاح عليه بصورة تؤدي إلى المزيد من التفاعل ، والتقارب .

فعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-قَالَ :

لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا ، فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ :

« يَا بَنِى كَعْبِ بْنِ لُؤَىٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِى مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِى هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِى نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ ؛ فإني لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلاَلِهَا » .

3 – التزام الرؤساء بالعمليات و التوجيهات والعمل على تنفيذ مضمون الرسائل حتى يكونوا قدوة للمرؤوسين وتكون للاتصالات أهميتها وفاعليتها .

لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوة حسنة للمؤمنين طوال حياته ، بل و بعد مماته ، و هذا من المقاصد الشرعية لإرسال الرسل من البشر دون الملائكة ، قال الله تعالى : ] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [ [ الأحزاب : 21 ] .

و عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ :

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :

« إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ ، فَأُتِىَ بِهِ ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا .

قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟

قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ .

قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جريء . فَقَدْ قِيلَ .

ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ في النَّارِ .

وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ ، وَعَلَّمَهُ ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ ، فَأُتِىَ بهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا .

قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟

قَالَ : تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ .

قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ . وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ . فَقَدْ قِيلَ .

ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ في النَّارِ.

وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ ، فَأُتِىَ بهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا .

قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟

قَالَ : مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ .

قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ . فَقَدْ قِيلَ .

ثُمَّ أُمِرَ بهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ في النَّارِ ».

4 – تبني عدد من الإجراءات التي تدعم العلاقة بين الرؤساء و المرؤوسين .

و هذا يندرج تحته عدة أنواع ، منها :

أ – تبني نظم الاقتراحات :

و ها هنا مثال عظيم يبين لنا مدى تقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- للنصح و المشورة ، سواء كان من الرجال أو النساء ، و من الزعماء أو الرعية .

فعن المسور بن مخرمة -رضي الله عنه- و غيره قال :

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه :

” قوموا فانحروا ثم احلقوا ” .

قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات .

فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت أم سلمة :

يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج ، لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك ، و تدعو حالقك فيحلقك .

فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ؛ نحر بدنه و دعا حالقه فحلقه .

فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل غما.

فرسول الله لم يتجاهل نصيحة زوجه أم المؤمنين أم سلمة – رضي الله عنها – ، بل قيم نصيحتها فوجدها وجيهة ، و بلا أضرار ، فأخذ بها من فوره و لم يتردد .

ب – تدعيم الثقة :

السيرة النبوية مكنز عظيم لأمثلة بناء الثقة في المدعوين و الشركاء .

فعن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه-قال :

نَثَلَ لِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ :

” ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ”.

قال علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- :

ما جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبويه لأحد غير سعد بن مالك ؛ فإنه جعل يقول له يوم أحد : ” ارم فداك أبي وأمي “.

و في هذا مشاركة النبي -صلى الله عليه وسلم- لجنوده المعارك و الأمور الكبار ، كما فيه الحث على الرمي و العمل الجاد ، بالإضافة لتحفيزه للآخرين عن طريق الحوافز المعنوية ، بالإطراء و الفداء بالوالدين .

ج – الاهتمام بالعلاقات الإنسانية :

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين ؛ لكمال شفقته بالمدعوين ، كما قال الله تعالى : }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ { [ الأنبياء : 107 ] .

و عن عائشة – رضي الله عنها – قالت :

ما غرت على أحد من نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-ما غرت على خديجة ، وما رأيتها ، و لكن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ، ثم يبعثها في صدائق خديجة .

فربما قلت له : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة !

فيقول : ” إنها كانت ، و كانت ، و كان لي منها ولد ” .

و هذا مثال يدل على عظمة النبي -صلى الله عليه وسلم-في الجانب الأسري من حياته – وهو جانب يقصر فيه كثير من الناس اليوم – ، حيث اعتراف بمعروف أم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – ، و أطرى ذكرها كلما ذكرت عنده ، و وصل صديقاتها بعد موتها بالبر و الإحسان ، و دافع عنها كلما تكلم فيها أحد.

و هكذا ينبغي على المديرين أن يهتموا في الجانب الإنساني للعمل و العمال .

د – توفير قنوات الاتصال الداخلية :

و هو ما تفرضه الظروف التنظيمية ، و سعة البيئة التي تعمل بها المنظمات .

و مثال من السنة النبوية ما رواه أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-وكان شهد بدرا و هو أحد النقباء ليلة العقبة – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال – و حوله عصابة من أصحابه- :

” بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ؛ فمن و فى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله ، إن شاء عفا عنه ، و إن شاء عاقبه ” .

فبايعناه على ذلك.

و النقباء ليلة العقبة كانوا قنوات اتصال لقومهم الذين ينتظرون منهم تعاليم الدين الجديد الذي اعتنقوه ، و ما يأمرهم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى يقتدوا به و يعملوا بما قال .

و يدل على ذلك أيضا ما رواه مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :

” أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين :

إما السبي ، وإما المال ، و قد كنت استأنيت بهم ” .

و قد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف .

فلما تبين لهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا :

فإنا نختار سبينا .

فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال :

” أما بعد فإن أخوانكم هؤلاء قد جاؤونا تائبين ، و إني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم ، فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل ، و من أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل ” .

فقال الناس : قد طيبنا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم .

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :

” إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم ” .

فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ، ثم رجعوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا .

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- اتخذ العرفاء لينظم أمر الناس و مصالحهم ، و جعلهم كالنقباء – الآنف ذكرهم – يخبرونه بأمر من ورائهم من قومهم ، و يبلغهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يأمره الله فيهم .

هـ – الفهم العميق للمعلومات و البيانات :

عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- يحدث حين تخلف عن تبوك قال :

جئت أمشي حتى جلست يديه فقال لي :

” ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك ” .

فقلت : بلى إني و الله – يا رسول الله – لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جدلا ، و لكني و الله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله ، لا والله ما كان لي من عذر ، و الله ما كنت قط أقوى و لا أيسر مني حين تخلفت عنك .

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ” أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك “.

و – وضوح لغة الرسالة :

ضمان وصول الرسالة إلى المستقبل من أهم المقاصد الشرعية في الإسلام ، لذلك اختار الله رسوله من البشر أولا ؛ ليتمكنوا من إتباعه و الاقتداء به ، ثم اختاره من العرب ثانيا ؛ لجودة لغتهم واستيعابها لمقاصد الخطاب الشرعي ، ثم اختاره من قريش ثالثا ؛ لأنها من أفصح العرب لسانا وأوسطها نسبا .

عن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- قال :

سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ” إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل و اصطفى قريشا من كنانة و اصطفى من قريش بني هاشم و اصطفاني من بني هاشم “.

و هذا الاصطفاء مبني على أسباب عدة ، منها أن الله – U – أعطى النبي-صلى الله عليه وسلم-جوامع الكلم.

عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال :

سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ” بعثت بجوامع الكلم ، و نصرت بالرعب ، و بينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي “.

قال الإمام البخاري : ” وبلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد و الأمرين أو نحو ذلك “.

و تعدى هذا الاعتبار في وضوح الرسالة في الدنيا إلى الآخرة ، فعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ :

قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- :

” مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلا يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ”.

ز – اختيار التوقيت المناسب لتوجيهها :

عن أَبَي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال :

سَأَلَ رَجُلٌ النبي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ :

يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا ، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:

« هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ».

ففي هذا المثال لم يتأخر النبي-صلى الله عليه وسلم- عن إجابته للسائل ، بل ضم إلى جوابه جواب سؤال آخر لا يقل أهمية عن سؤال السائل و هو حل ميتة البحر ، و معلوم أن من نفذ منه الماء هو في عرضة لنفاذ الزاد أيضا .

و من الأمثلة التي ينبغي أن تذكر في مثل هذا المقام ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه-قال :

كان ابن لأبي طلحة يشتكي،فخرج أبو طلحة فقبض الصبي،فلما رجع أبو طلحة قال:ما فعل ابني؟

قالت أم سليم : هو أسكن مما كان .

فقربت إليه العشاء ، فتعشى ثم أصاب منها ، فلما فرغ قالت : واروا الصبي .

فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فأخبره .

فقال : ” اللهم بارك لهما ” .

فولدت غلاما .

فقال لي أبو طلحة : احمله حتى تأتي به النبي-صلى الله عليه وسلم-.

فأتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعثت معه بتمرات فأخذه النبي-صلى الله عليه وسلم-فقال ” أمعه شيء ؟ ” .

قالوا : نعم تمرات .

فأخذها النبي-صلى الله عليه وسلم- فمضغها،ثم أخذها من فيه،فجعلها في في الصبي،ثم حنكه،وسماه عبدالله .

فمن فضل الله على أم سليم – رضي الله عنها – أن وفقها للتوقيت المناسب الذي تخبر فيه زوجها بوفاة ابنه ، لاسيما أنه لا يمكنه فعل شيء يعيد حياته .

و حري بكل زوجة أن تستفيد من هذا الموقف و غيره ، و تقتدي بالصحابيات الجليلات اللاتي اقتدين بالنبي-صلى الله عليه وسلم-و أمهات المؤمنين .

ح – الحرص على عدم تكرار المعلومات و التوجيهات :

و بذلك عمل النبي-صلى الله عليه وسلم-مراعاة لظروف الرعية و خوفا من دخول الملل و التنفير .

فعنْ عبد الله بنِ مسعودٍ -رضي الله عنه- قالَ :

كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَخَوَّلُنَا بالموعظةِ في الأيامِ كراهةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.

و عنون الإمام البخاري – رحمه الله – ( ت 256 هـ ) لهذا الحديث بقوله : ” باب مَا كَانَ النبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يتخولهمْ بالموعظةِ والعلمِ كي لا ينفرُوا “.

المصدر: http://dr-alhadari.com/archives/514

الأكثر مشاركة في الفيس بوك