حلقة مفقودة: الاعتراف بالطروحات التاريخية كجزء من صنع السلام

حلقة مفقودة: الاعتراف بالطروحات التاريخية كجزء من صنع السلام
بقلـم بول سكام
واشنطن – هناك فرق حسّي أساسي اليوم بين ما يسمى "معسكرات السلام" بين الفلسطينيين والإسرائيليين من ناحية وهؤلاء الذين يرغبون برؤية السلام ولكنهم لا يعتقدون أنه ممكن من ناحية أخرى. أعضاء معسكر السلام يعتقدون أن الغالبيات على الجانبين مستعدة من حيث الجوهر للعيش معاً بسلام. في مقابل ذلك يعتقد "المعتدلون المحتملون" إنهم على استعداد لصنع السلام، إلا أن الطرف الآخر غير مستعد لذلك.

اختراق جدار الشك هذا يجب أن يكون المهمة الرئيسة لجميع الذين يعتبرون أنفسهم أعضاء في "معسكرات السلام"، بغض النظر عما إذا كانوا في الحكومة أو يعملون مع المنظمات على مستوى القاعدة أو في دول أخرى. يتوجب إدراك أن الحكومات على الطرفين ليست هي المشكلة الرئيسية، وإنما المشكلة هي أن خوفها وعدم استعدادها أو عدم قدرتها على اتخاذ الخطوات الضرورية لاختراق حاجز الشك هي جزء من نسيج النزاع.

أحد المكونات الرئيسية لجدران الشك هذه هي الأحمال التي ترهق كاهل الطرفين على شكل طروحات تاريخية. هذه الطروحات لا يمكن إلقاؤها ببساطة فهي مكونات أساسية للهويات الوطنية لكل طرف. كما لا يمكن دمجها في طرح واحد، فهي عناصر لا يمكن الاستغناء عنها للهوية الوطنية التي تحتاج إلى التعامل معها في أية مبادرة سلام مستقبلية جادة.

تفترض الدبلوماسية التقليدية عادة أن "يأخذ كل طرف طروحاته ويذهب إلى بيته أي يستطيع كل طرف أن يتجاهل ما يعتقده الطرف الآخر أن يؤمن به من خلال صياغة حقوق ومسؤوليات الطرفين في معاهدة. إلا أنه من الضروري أن يدرك المرء أنه يتوجب على أية معاهدة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أن تتعامل مع قضايا مثل حق العودة والقدس، المتأصلة في الطروحات التاريخية لكل من الطرفين إذا أريد لها أن تكون فاعلة.

"حق العودة" قضية نمت نتيجة لحدث صنع بذور التاريخ الفلسطيني، هو النكبة في عام 1948 حيث هجر 700،000 فلسطيني منازلهم بالقوة والخوف والإقناع. المطلب الجوهري الأساسي للفلسطينين هو عودتهم هم وأحفادهم الذين يبلغ تعدادهم اليوم أكثر من أربعة ملايين إلى ديارهم (التي لم تعد موجودة في معظم الحالات). إسرائيل ترفض ذلك بإصرار وتناقش أن ذلك يوازي دمارها كدولة يهودية. إضافة إلى ذلك فهي ترفض أي نقاش حول هذه القضية وتعتبرها لا تتناسب مع السلام، إضافة إلى إنكار حتى المسؤولية الجزئية عن الهجرة الفلسطينية، وتصر على أن إسرائيل كانت فقط تدافع عن نفسها.

وواقع الأمر أن السجل التاريخي أصبح أكثر وضوحاً في السنوات الأخيرة نتيجة لإنجازات مؤرخين إسرائيليين شباب بالدرجة الأولى. ولا شك هناك بأن الأعمال الوحشية يمكن أن تعزى إلى الطرفين. يصعب الآن إثبات أن طرفاً واحداً كان هو وحده الضحية.

ويوافق معظم المعتدلين من العرب (ليس علناً) أن حق العودة لا يمكن تطبيقه بصورته الواسعة. إلا أن غالبيتهم يعتقدون كذلك أن قضية حق العودة يجب أن تكون جزءاً من العملية السلمية. ولا يشكل هذا تناقضاً فالجانبان بإمكانهما الإصرار بشكل معقول على "الاعتراف" بطروحاتهم وليس بالضرورة قبولها، وإنما احترامها من قبل الطرف الآخر.

يتوجب على اليهود أن يفهموا ذلك من خلال منظور المحرقة، ورغم عدم وجود أية مقارنة شرعية بين مجال وطبيعة وأهداف المحرقة اليهودية في أوروبا والنكبة الفلسطينية، إلا أنه يمكن التوقع بشكل معقول أن أهمية كل منهما لكل طرح تاريخي يجب الاعتراف به من قبل الطرف الآخر. فكل منهما يشكل عنصراً أساسياً لا يمكن إنكاره لطروحات ذلك الطرف.

قضية أخرى تحتاج لأن تكون جزءاً من عملية الإعداد للسلام هي الارتباط اليهودي بالقدس. ففي الوقت الذي يستطيع الفلسطينيون فيه أن يظهروا أن موقع الهيكل الثاني يشغله بشكل كامل اليوم المسجد الأقصى، عليهم الاعتراف كذلك بأهمية الموقع بالنسبة للطروحات اليهودية والإسرائيلية الأساسية. وهذا يؤثر كثيراً وبشكل إيجابي تجاه السماح للإسرائيليين بالشعور بأن شرعيتهم قد قُبلت من طرف جيرانهم، تماماً مثل الاعتراف بالنكبة من قبل الإسرائيليين بالنسبة للفلسطينيين.

الاعتراف بهذه القضايا من قبل كبار المسؤولين وبوثائق رسمية من طرف إسرائيل والسلطة الفلسطينية يمكن أن يساعد على الحد من مخاوف الغالبية المعتدلة على الجانبين بأنه لن يتم الاعتراف بهم من جانب الطرف "الآخر".

بالطبع، ليس الاعتراف بالطروحات التاريخية للطرف الآخر رصاصة سحرية لتسوية النزاع. إلا أن هذا الاعتراف، كجزء من حزمة شاملة تتعامل مع الأرض والسيادة والحدود والمستوطنات والأمن وغيرها قد تستطيع تحقيق أكثر بكثير مما يتصورهُ الجميع من حيث التأكيد على شرعية الشعبين في الأرض، وهو الأسلوب الناجح الوحيد لتحقيق السلام.

###

*بول سكان طالب عالِم مشارك بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة وباحث مشارك سابق في معهد ترومان للسلام بالجامعة العبرية في القدس. وهو كذلك محرر مشارك لكتاب التاريخ المشترك: حوار فلسطيني إسرائيلي. تقوم خدمة Common Ground الإخبارية CGNews بتوزيع هذا المقال التي يمكن الحصول عليها من الموقع الإلكتروني www.commongroundnews.org.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=20912&lan=ar&sp=1

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك