شروط السلام

شروط السلام
بقلـم إسرائيلا أورون

تل أبيب – يحتوي سجل إسرائيل منذ تأسيسها على عدد أكبر من الحروب مما يحتويه من اتفاقيات السلام. هل يمكن أن يكون سبب ذلك الحقيقة الساخرة بأن الحرب تبدو أقل خطورة من السلام؟

العبارة سخيفة في واجهتها، فالناس يموتون في الحروب، والممتلكات والبنى الأساسية يجري تدميرها، وتضيع كميات كبيرة من الأموال هباءً بدلاً من استخدامها في التعليم والصحة. ولا يؤدي ذلك كله إلا إلى معاداة الطرف الآخر. هل يعقل أن يكون ثمن السلام أعلى من ذلك؟

صحيح أن بعض الحروب (كحرب عام 1973 مثلاً) فرضت علينا ولم تترك لنا سوى خيار الدفاع عن النفس. لا بد إذاً أنه عندما يرجع الأمر إلى السلام يبدو دائماً أن هناك خيار: يبدو وكأن جميع الخيارات الأخرى لم تستنفذ بعد.

حتى ولو افترضنا أن جميع قادة إسرائيل عبر تاريخها رغبوا السلام، فقد يكونوا قد شعروا أن النصر في الحرب يجعل التفاوض ممكناً أو أنه يفرض شروطاً أفضل للسلام على العدو، هذا المنظور يرتكز على الحكمة القائلة بأن الردع يحقق النجاح. بمعنى آخر، يتوجب أن تكون لنا قوة عسكرية قادرة على ردع العدو عن الهجوم، أو إن لم يحصل ذلك، أن يساعد ذلك على النجاح في الحرب. إلا أن هذا المفهوم فشل في اختبار الواقع، لسوء الحظ، خلال السنوات العشرين الماضية في مواجهة الفلسطينيين وغيرهم من العرب، حيث لم يجرِ ردعهم من قبل القوة العسكرية الإسرائيلية، كما لم تحقق إسرائيل النجاح في مواجهة مسلحة معهم.

لا بد إذاً أن قادة المنطقة يعتبرون ثمن السلام أعلى من ثمن الحرب وقد يكون السبب أنه في معاهدة السلام، نقوم بشراء كمية غير محددة. الدفع يتم مقدماً ولكن دون تأكيدات أو برنامج تسليم أو نوعية جيدة. إضافة إلى ذلك فإن ثمن السلام كبير بحّد ذاته: إذ يمكنه زعزعة استقرار الدولة والإساءة إلى درجة كبيرة لموقف البداية في حال تجدد النزاع. وقد يضطر الزعيم إلى دفع ثمن شن السلام بمركزه أو حتى بحياته. من ناحية أخرى، وعندما يرجع الأمر إلى الحرب، فالدفع لا يتم مقدماً وهناك دائماً فرصة النجاح والفوز والتي قد تحسّن من موقفك الاستراتيجي. الحرب تخلق وهماً بأن مخاطرها سهلة التقييم والتحديد، وهذا بدوره يعطي القادة الوهم بالسيطرة على تنفيذها.

شعور سائد آخر بين القادة على ما يبدو هو سهولة تصحيح أخطاء الحروب مقارنة بأخطاء معاهدة السلام، التنازلات المستقبلية في مفاوضات السلام تعتمد دائماً على إنجازات الماضي، بغض النظر عن ضعفها. الاتفاقيات الفاشلة تؤدي ببساطة إلى المزيد من التنازلات المستقبلية دون أية مكاسب إضافية.

ليست الحرب والسلام هي الخيارات الوحيدة في منطقتنا بالطبع، ففي معظم الوقت نعيش في وضع وسطي بينهما: فترات المواجهة العنفية تتبعها فترة من الهدوء النسبي. هذه الأوضاع المعلقة تعطي فرصة القادة لتجنب اتخاذ القرارات الصعبة مثل التنازلات المؤلمة من أجل السلام. والواقع أنه بالرغم من ثمنها الذي يتوجب دفعه، تعتبر التنازلات من أجل السلام ذات مكافآت فعلية أكبر من وضع يبدو أنه لا ثمن له بالمرة.

الحاصل أن شعبينا يجدان نفسيهما الآن في لحظة حرجة من تاريخهما. فلدى القادة على الجانبين فرصة لاتخاذ قرارات حاسمة لها أثر على المستقبل. وبرأيي أن العائق الرئيسي الذي يمنع التفاوض على حلول معقولة ليس هو قلق القادة على بقائهم الشخصي، وإنما خوفهم من أنهم إذا عقدوا صفقة سيئة فسوق يذكرهم التاريخ على أنهم باعوا مستقبل أولادهم استجابة لفترة ضغط شعبي. معاهدة أوسلو شكلت محاولة جادة من قبل قادة إسرائيل اتخاذ مخاطرات هامة في جوهر النزاع مع الفلسطينيين مقابل أمل في السلام. ولكن ورغم ذلك يُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه الإثبات النهائي على عدم جدوى السعي لتحقيق تسوية مع الفلسطينيين. فالاتفاقية لم تستمر، وأطرافها تراجعوا عن التزاماتهم فوراً عند وصولهم عتبة القرارات الصعبة، ودفع اسحق رابين ثمن هذه الخطوة التاريخية بحياته.

التبرير التقليدي لفشل أوسلو هو أن الشعوب وقادتهم لم يكونوا قد وصلوا حداً كافياً من النضوج لتقديم التنازلات المطلوبة. وقد نشأ هذا التحفظ من إيمان كل من الطرفين إن بإمكانهم الحصول على المزيد مقابل الأقل، وقناعتهم بأن الطرف الآخر سوف يكسر الاتفاقية في أسرع وقت ممكن. اتفاقية أوسلو جعلت القادة على الجانبين يقظين حيال تشجيع أي أمل مستقبلي بالسلام في حال تداعى هذا الأمل مرة أخرى.

وإذا أخذنا انعدام الثقة الحالي بين الشعبين وقادتهما وجدنا أنه لا توجد ببساطة أية فائدة من مخاطبة الجمهور مباشرة من فوق رؤوس القادة السياسيين. وقد يتغير هذا إذا اتبع أحد ما أسلوب أنور السادات واتخذ مخاطرة شخصية ضخمة. حركة كهذه ستحقق نقاطاً كثيرة حتى في بيئة عدم الثقة القائمة حالياً.

وتلعب منظمات السلام غير الحكومية كذلك دوراً ثميناً في تشجيع عملية السلام، خاصة فيما أصبح يعتبر جهداً دبلوماسياً طويلاً. ويمكن في أوقات كهذه لمحاولة مثل مبادرة جنيف أن تتفاوض على تفاهمات بين الجانبين مما يعطي الجمهور شعوراً بالأمل بإمكان تحقيق اتفاق وتشجيع الضغط الشعبي على القادة ليأخذوا بجدية بعين الاعتبار خيار تسوية متفاوض عليها.

كيف يتسنى جعل الطرفين يتنازلان عن جزء من أحلامهما مقابل وقف سفك الدماء وتحقيق الاحترام المتبادل لسيادتهما؟ إذا افترضنا أن أُطر اتفاقية حول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني معروفة وترتكز على حل الدولتين، فحتى يتسنى التوصل إلى اتفاق يتوجب على كل طرف أن يعرف أنه لا يمكن الحصول على أكثر من ذلك، وبأن الطرف الآخر سوف يحقق التزاماته.

لن يكون بالإمكان تحقيق اتفاق في غياب مشاركة معمقة للمجتمع الدولي، بسبب انعدام الثقة المتبادلة بين الأطراف المعنية. يتوجب على الشعبين استيعاب الثمن الحقيقي الذي يدفعونه نتيجة لعدم وجود اتفاق دائم، إضافة إلى الاحتمالات التي يوفرها هذا الاتفاق. ويتوجب على الجانبين أن يثقا بضمانات المجتمع الدولي حتى يتسنى تطبيق أي اتفاق. لا يمكن تحقيق تقدم جاد نحو اتفاق دائم في غياب دعم دبلوماسي ومالي من المجتمع الدولي. البديل هو سفك دماء متواصل ومتقطع وعدم استقرار، تحت عنوان "إدارة النزاع".

###

*إسرائيلا أورون هي نائبة مستشار الأمن الوطني في حكومتي باراك وشارون. تقوم خدمة Common Ground الإخبارية (CGNews) بتوزيع هذا المقال المختصر، ويمكن الحصول عليها من الموقع الإلكتروني.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=20911&lan=ar&sp=1

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك