من الضحية إلى الناجي: مؤسسة للسلام

من الضحية إلى الناجي: مؤسسة للسلام
بقلـم كولين باري

لندن – قتل ابني تيم البالغ من العمر 12 سنة يوم 20 آذار/مارس 1993 بقنبلة زرعها الجيش الايرلندي في وارينغتون بانجلترا. كان يحاول شراء لباس رياضي لكرة القدم عليه اسم فريقه المفضل ايفرتون عندما انفجرت القنبلة. أصيب تيم بجروح رهيبة في وجهه توفي على أثرها بعد خمسة أيام.

حطم مقتل تيم حياتي وحياة زوجتي ويندي وأخيه دوم الأكبر عمراً والذي كان يبلغ يومها 14 سنة من العمر، وأخته الأصغر أبيغيل، وكانت تبلغ يومها 11 سنة من العمر. كان ألمنا وحزننا يومها أكبر من أن نظن أن باستطاعتنا استغلاله في يوم من الأيام لمساعدة الآخرين.

بعد سنوات قليلة، قمنا أنا وويندي بإنشاء مؤسسة تيم باري وجوناثان بول للسلام. أنشئت المؤسسة في البداية للمساعدة على حل النزاع بين بريطانيا وإيرلندا من خلال وضع الضحايا في قلب عملية التعافي والتسوية، وبناء تفاهم وصداقات بين الأفراد والمجتمعات التي انقسمت عبر خطوط عرقية.

كان أول نشاط للمؤسسة برنامج تيم باري لبعثات التبادل التعليمي، الذي أتى بشباب من بلفاست ودبلن ووارينغتون معاً، متحدياً إياهم التغلب على تحاملهم وعدم تسامحهم وتعصّبهم، التي تعزز النزاع. نجح البرنامج في تغيير مواقف الشباب تجاه بعضهم بعضاً لدرجة أننا التزمنا ببناء مركز سلام فريد نستطيع فيه توسيع برامجنا إلى ما وراء النزاع الذي أدى إلى مقتل تيم للتعامل مع نزاعات أخرى حول العالم.

بحلول ذلك الوقت انتهت الهجمات الإرهابية في بريطانيا، والناشئة عن المشاكل مع إيرلندا الشمالية لتحل محلها بعد سنوات قليلة هجمات إرهابية من نوع مختلف كلياً، كما ثبت من الدمار الذي حلّ بلندن يوم السابع من تموز/يوليو 2005، عندما فجّر انتحاريون قنابل في محطات قطار الأنفاق أثناء ساعات الذروة الصباحية، فقتلوا 56 شخصاً وجرحوا ما يزيد على 700 آخرين.

تحوّل تركيزنا في عصر ما بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر هذا باتجاه حوار الأديان وعلاقات الأعراق في المملكة المتحدة، ما اضطرنا لإيجاد برامج لضحايا كافة الحوادث الإرهابية ليصبحوا مثلنا، ناجين.

عملنا مع ضحايا هجمات السابع من تموز/يوليو وطوّرنا برامج لتحسين العلاقات بين الأديان في أوساط الشباب من المسلمين البريطانيين وغير المسلمين، واستضفنا شباباً إسرائيليين وفلسطينيين في مركز السلام. أثبتنا من خلال عملنا أن الحوار واللاعنف يشجعان التفاهم، ويحدّان من انعدام الثقة، وبالتالي يوفّران منبراً لحل المشاكل المستفحلة.

طُلب منا بعد هجمات السابع من تموز/يوليو في لندن تعليم الدروس التي تعلّمناها والمهارات التي طوّرناها في مدرسة ثانوية في جنوب ليدز حيث كان النزاع العرقي والديني بين الطلبة خطيراً لدرجة أن الشرطة كانت متواجدة في الموقع طوال الوقت.

وحتى يتسنى لنا مواجهة هذا التحدي قمنا بتصميم برنامج في التطوير القيادي لثلاث مجموعات من الطلبة وطلبنا منهم تطبيق البرنامج، الذي يجابه العنصرية ويدرّس بدائل للعنف ضمن أساليبهم الخاصة في التفاعل مع الطلبة الآخرين في المدرسة والبالغ عددهم 1500 طالب. كانت النتائج مثيرة للإعجاب في جسر الفجوات العرقية والدينية، وتحويلها إلى مجتمع متسامح متفاهم. وقد اعترفت الحكومة البريطانية رسمياً بنجاح هذا البرنامج لكونه رائداً.

واستضفنا في العام 2006 أول مجموعة فلسطينية إسرائيلية مختلطة في مركز السلام. لم يكن الجو بين المجموعتين لطيفاً، بل كان في الواقع عدائياً. لم يكونوا يعرفونني، ولم يفهموا الأهمية الرمزية لمركز السلام، إلى أن خاطبتهم. كانت رسالتي بسيطة: إذا تمكنّا أنا وزوجتي من القيام بشيء إيجابي بعد أن مررنا بمأساة فقدان ابننا تيم، فهم يستطيعون كذلك أيضاً. غيّرت الرسالة رغم بساطتها سلوكهم بشكل كبير. فعبروا مساحة الغرفة وأخذوا يتحدثون مع بعضهم بعضاً للمرة الأولى.

تلك هي قوة الحوار.

قمنا كذلك بتطوير برنامج "ناجون من أجل السلام"، الذي يجمع معاً ضحايا ومرتكبي هجمات إرهابية ذات حوافز سياسية. ومن بين الناشطين المشاركين في البرنامج ضحية كانت قد أصيبت في حافلة تم تفجيرها في لندن يوم 7 تموز/يوليو. وهي تعتنق بشكل كامل روح الجماعة في عملنا، وقد عملت مع المسلمين البريطانيين المشاركين في البرنامج.

لقد دمّر موت ابني تيم عائلتي، ولكنه دفعنا كذلك لتحقيق تغيير إيجابي قوي، في حياتنا وفي حياة الآخرين. لقد ساعدت مؤسسة تيم للسلام آلاف الأفراد على اتخاذ خطوات إيجابية سلمية نحو حل بعض أصعب النزاعات في يومنا هذا.

###

* كولين باري هو مدير ومؤسس مؤسسة تيم باري وجوناثان بول للسلام. هذا هو المقال الثالث من سلسلة حول نتائج الإرهاب، وكُتب لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.
المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=29591&lan=ar&sp=1

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك