حاضر خطير ومستقبل مجهول

حاضر خطير ومستقبل مجهول
بقلـم أمينة رسول برناردو

مانيلا – يحتفل 2 أيلول/سبتمبر 2006 بالسنوية العاشرة لاتفاق السلام النهائي المنعقد بين حكومة الجمهورية الفلبينية وجبهة المورو الوطنية للتحرير (MNLF). فقد أنهى الإتفاق حوالي أربعين سنة من النزاع بين قوات الحكومة و(MNLF)، ممثلة الأقلية المسلمة.

لسوء الحظ، ليس هناك أي دليل على تسجيل تقدّم اقتصادي أو اجتماعي بعد عشرة سنوات على الإتفاق. فبدلاً من ذلك، إندلع نزاع مسلّح بين (MNLF) وجنود الدولة في سولو، جزيرة تشكّل مقاطعة من الفلبين. لا يزال المسلمون يعيشون حياة قاسية تميّزها مؤشرات قليلة جدًا من التطور البشري في المنطقة: أعلى معدّلات الفقر، أقل معدلات التعليم، توفّر ضئيل جدًا من الخدمات العامة، معدّلات عالية من الوفيات. إنّ الحاضر بائس بالنسبة لمعظم المسلمين. والأسوء من ذلك، أنهم لا يرون مستقبلاً أفضل. في السنوات العشر الماضية، دفع كل من الفقر والنزاع المسلّح في منطقة منداناو المسلمة المستقلة العديد من المسلمين إلى الهروب عبر طريقين مختلفين.

أولاً، كان المسلمون المعتدلون والمسالمون يغادرون منطقة منداناو المسلمة المستقلة وقد أنشأوا مجتمعات خارج منداناو المسلمة أو غادروا البلد. إنّ الجالية المسلمة منتشرة في جميع أنحاء الفلبين، مع مسجد صغير متركّز في كلّ مقاطعة ومدينة. بالرغم من عدم إجراء أي إحصاء، نقدّر بأنّ هناك أكثر من مليون مسلم يعيشون خارج منداناو. تقطن الجالية الأكبر في منطقة مترو مانيلا حيث برز التجار المسلمون في تجارة اللؤلؤ وأقراص الفيديو الرقمية (دي في دي). للأسف، تواجه تلك الجاليات تحيزًا متزايدًا ضد المسلمين أطلقته المواقف الناتجة عن أحداث 9/11 ناسبة الإرهاب إلى الإسلام.

ثانيًا، إنّ بعض المسلمين المحافظين والمسالمين يلجأون إلى الدين، منضمّين إلى المجموعات الأصولية على غرار "الدعوة". لقد أدّى فشل الحداثة والعولمة في تحسين مستوى معيشتهم إلى لجوء قسمًا كبيرًا من الشعب إلى عقيدة الإسلام الأساسية، مقاومة الفساد الملحوظ في العالم العصري والتحيّز ضد المسلمين. هذا هو الطريق الذي يُقلق غير المسلمين.

يلجأ الشباب الفلبيني المسلم إلى الدين بحثًا عن الدعم إذ يواجه مستقبلاً معقدًا من التحيّز والظلم تجاه المسلمين. إنّ تلك العوامل، بالإضافة إلى عجز الحكومة عن تقديم الخدمات العامة والفرص الإقتصادية (بعد عشر سنوات على توقيع إتفاق سلمي وعد بحياة أفضل)، قد دفعت العديد من المسلمين الشباب للإنضمام إلى عناصر أكثر تطرّفًا. بعد أحداث 9/11، إنّ تحرّك الحكومة لحماية الدولة من الإرهاب – والذي، للأسف، غالبًا ما ارتبط بالمسلمين، -- قد زاد الوضع سوءًا إذ تم احتجاز الآلاف من المسلمين، بما فيهم الأطفال، بشكل غير شرعي كمشتبهين إرهابيين.

إذا كنا نسعى لحل النزاعات بشكل سلمي والقضاء على الإرهاب، لا يجب على الدولة أن تخشى من إنبعاث الإسلام. ولكن بدلاً من ذلك، على الحكومة أن تظهر دعمًا تمامًا كما فعلت مع إنبعاث الديانة المسيحية. فلا فرق بين المسلمين الأصوليين والمسيحيين الأصوليين: كلاهما يشعر بالثقة وسط تجمّع المؤمنين. على سبيل المثال، لقد انضمّ مئات الألوف من الكاثوليك، الذين اختبر غالبيتهم الشدائد، إلى حركة تُدعى الشداي، مذهب كاثوليكي مؤثر يستقطب أكثر من مليون مناصر. إنهم يؤمنون أنّ الصلاة الجماعية ستحقق أحلامهم. إنّ الأب "مايك فيلاردي"، مبشّر تحوّل إلى رجل أعمال، قد أسّس الشداي وحوّل شعبيته إلى سلطة سياسية وإقتصادية، وغالبًا ما تلقّى الدعم من قبل أكبر القادة السياسيين في المنطقة. لقد عيّنت الكنيسة الكاثوليكية حاليًا كبار الأساقفة لقيادة الشداي.

لحسن الحظ، ثمة بعض التطورات التي تحصل. فعلى سبيل المثال، لقد أضافت كلّ من حكومة الفلبين والمجتمع المساهم إلى المدارس الإسلامية برنامج تنمية القدرات في العلوم والرياضيات وتعليم الكومبيوتر واللغة الإنكليزية، كجزء من جهود ساعية لضمّ تلك المدارس إلى النظام التعليمي الوطني. تزوّد تلك الخطوات العلماء الشباب من المسلمين المتعبّدين بمهارات تخوّلهم أن يُصبحوا أعضاء فاعلين في مجتمع يتّجه نحو العولمة والحداثة.

والأهم من ذلك، إنّ حوار الأديان وتعزيز السلام يزدادان قوة. إذ يعمل المجتمع المدني مع المنظمات الدينية لحلّ النزاعات والتحيّز، عبر التركيز على ما يجمعنا – حب الله، الحرية، المجتمع، العائلة. يجتمع الأساقفة والعلاّمة بإنتظام ضمن المنتدى الخاص بهم.

كتب لي شاب مسلم متديّن: "إنّ المجتمع الذي نعيش فيه حاليًا مليء بالمخاطر. لا يمكننا العيش في اللامبالاة بعد الآن. كما ولا يمكننا إنتظار حدوث معجزة. إنّ الله لن يبدّل ظروف مجتمعنا إلاّ في حال سعينا نحن لتبديلها... علينا الدفاع عن أنفسنا، وعلينا أن نُسمع العالم بأسره أننا سنكون كيفما نشاء لأنه لا أحد يعلم ما في صالح المسلمين أكثر منهم".

علينا أن نتساءل: هل ندفع بهؤلاء الشباب المسلمين المتدينين نحو درب التطرّف العنيف من خلال الظلم وغياب المعرفة والتهميش؟ أم ندعهم يعيشون حياتهم ونرحّب بهم كمواطنين أشقاء لنا؟ لطالما آمنت بكل تأكيد أنّه في حال تقبّل وإحترام الأمة لمفاهيم التعددية، فإنها قد تشكّل نسيجًا جميلاً من شعبها.

*أمينة رسول برناردو، أمينة سر المجلس الفلبيني للإسلام والديمقراطية. والمقال هو الرابع ضمن سلسلة من المقالات المتعلّقة بإنبعاث الروح الدينية والعلاقات بين المسلمين والغرب وقامت بنشره خدمة Common Ground الإخبارية.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=2903&lan=ar&sp=1

الأكثر مشاركة في الفيس بوك