الدين كأداة للسلام

الدين كأداة للسلام
بقلـم القس الدكتور رياض جرجور

بيروت – أكان حُكْمنا على الدين بأنه عامل توحيد أو عامل تفرقة، فهو في جميع الأحوال عنصر أساسيّ في تكوين المجتمعات البشرية وفي صيرورتها، فهو إذن عامل أساسي في حل النزعات.

إن تجربتنا في الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، والتي انطلقت عام 1995 بهدف حل الصراعات الداخلية في أماكن متعددة في المنطقة، تدل على أن هناك دوراً مهماً لرجال الدين في صنع السلام. يضم الفريق مفكرين ورجال دين وقادة آخرين من لبنان وسوريا ومصر والأردن وفلسطين والسودان والإمارات العربية المتحدة، حيث يعملون معاً لإطلاق مبادرات تشجع على التعايش والتفاهم المتبادل بين المسلمين والمسيحيين في العالم العربي وأماكن أخرى.

شارك أعضاء من فريقنا في جهود صنع السلام بين شمال وجنوب السودان، حيث أصبح للدين دور منذ أن قامت الحكومة الموجودة في المنطقة الشمالية ذات الغالبية المسلمة بتطبيق الشريعة الإسلامية في منطقة الجنوب ذات الغالبية المسيحية. ففي عام 2003، شارك فريقنا في اجتماع ضم حوالي 50 شخصًا يمثلون كنائس ومنظمات إسلامية ومنظمات غير حكومية والحكومة السودانية. كان الهدف الأساسي المساعدة في تشجيع حوار ديني بين المسيحيين والمسلمين في السودان، الذين وجدوا أنفسهم في صراع مع بعضهم البعض إلى حد كبير بسبب القتال بين المجموعات المتمردة المختلفة والحكومة.

ساعد الفريق على عقد مجموعة من الندوات والنقاشات ندوة مع مسؤولين حكوميين بهدف تشجيع التعايش، الأمر الذين أدى في نهاية الأمر إلى التوصل إلى اتفاقية السلام الوطني عام 2005 بين الحكومة والجيش المتمرد الأساسي وأيضاً بين بعض المجتمعات المسلمة والمسيحية.

ولكي يأتي الحوار الديني فعّالاً في إزالة التوتّرات والنزاعات الدينية والطائفية والمذهبيّة، عليه ان يعمل على إزالة الأسباب الجوهرية للنزاع الديني. لتحقيق ذلك، هناك بعض الإرشادات التي يتوجب على النشطاء أخذها بعين الاعتبار عند تحديد الطريقة التي يجب من خلالها إجراء الحوار.

اولاً، من المهم عدم حصر الحوار بطبقة النخب الاجتماعية، بل عليه أن يتواصل مع القواعد الشعبية. كما يجب على الحوار أن لا يرعى فقط صيغة "التعايش" للمجموعات المختلفة، بل يتعداها ليتبنى صيغة "العيش المشترك" أو "العيش الواحد". فالتعايش يقضي بأن يقف أبناء مجتمع متعدد الأديان والطوائف بعضُهم جنب بعض، متحاشين المواجهة الصدامية. أما العيش المشترك، فهو اللقاء وجهاً لوجه والعمل يداً بيد.

وأخيراً، فإن تركيز الحوار على حلّ الخلافات العقائدية هو أمر غير مُجْدٍ. فالحوار الناجح هو الذي يشجع المشاركين على التوصل إلى اتفاق حول الجوامع المشتركة التي تُسهّل العمل معاً على المستوى الحياتي المعاش.

من خلال عملنا على مختلف الصراعات، بدأنا نفهم أن يجب ألاّ نخشى من الأديان كعامل انقسام وتفرقة، بل يجب أن نخشى ممَّن يستخدمونها لمنافع شخصية وجماعية أنانية وفئوية. تستخدم الأديان والطوائف والمذاهب، على سبيل المثال، لإزالة صيغة الدولة / الأمّة الموحَّدة واستبدالها بكيانات طائفية ومذهبية. وفي هذا المنظور، يتمّ، للأسف، تفتيت الانتماء بالمواطنة الواحدة على الرغم من تعدد الطوائف، لبناء انتماءات وولاءات طائفية ومذهبية. هذا هو الخطر الذي يهدّد العراق وأيضاً السودان.

قد يستغرب البعض بأنه يمكن لحوار الأديان أن يعالج مثل هذه القضايا الدينية والسياسية لرعاية وحدة وطنية ويمكنه أن يعزز شعور بالانتماء لأمّة واحدة تضم جميع مواطنيها بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم، ومن ثم مساعدتهم على التسامي فوق التحزب المذهبي أو القبلي، بحيث يستطيع جميعهم، يداً بيد، العمل على خدمة الأمّة ككل.

نخشى أن يحصل هذا التفتيت المبني على الانتماء الطائفي او العرقي في سائر بلدان المنطقة. إن ما نخشى وقوعه يجب ألاّ يؤدّي بنا إلى اليأس أو خيبة الأمل، بل، على العكس، يجب أن يحفّزنا لكي نجعل التعددية الدينية والطائفية غنى وثراء لوحدةٍ ضمن التنوّع.

###

* القس الدكتور رياض جرجور هو السكرتير العام للمجموعة العربية للحوار بين المسلمين والمسيحيين، ورئيس منتدى التنمية والثقافة والحوار. هذا المقال جزء من سلسلة حول القادة الروحيين وحوار الأديان، وكُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=28525&lan=ar&sp=1

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك