العلمانية في محيط الثقافة العربية الإسلامية

د. التجاني محمد الأمين زايد أحمد

 

مستخلص:

هذا مدخل مختصر - ونحسبه جديدًا - لدراسة العلمانية، يستند إلى ضرورة استجلاء مفهوم المصطلح في محضنه الغربي، وتاريخ دخوله في القاموس العربي، وظروف انتشاره في عالمنا الإسلامي، وكشف أهداف وهوية النخبة العربية النصرانية التي أشاعته،وذكر جهود أهم الرموز الإسلامية (جمال الدين الأفغاني) التي انتبهت للمذهب الجديد - منذ قرن ونيف - وفهمت مراميه، وفسرت حقيقته لعامة الناطقين بالعربية على الوجه الذي فهمه به الغرب، وخلافًا للخطة الانتهازية التي أشاعته بها النخبة العربية المعاصرة للأفغاني،كما تتضمن الورقة آخر نقد للعلمانية أنتجه الغرب من خلال مصطلحي العلمانية الفاشية Fascist Secularism، و"ما بعد العلمانية" Post - Secularism.

 

 

الكلمات المفتاحية:

"الزمكانية" - التغريب - النسبية - الدهرية - ما بعد العلمانية.

 

المقدمة:

ما دام هنالك خلط مفاهيمي يسود ساحتنا الثقافية حول مفهوم ) علمانية ( جراء الطبيعة الأيديولوجية للموضوع، فلا بد من استجلاء ذلك الغموض بدقة أكاديمية تتوخى أعلى درجات الموضوعية.

 

وما دام مصطلح "علمانية" أضحى هو المقابل لـ: "سِكْيُولَرِزِم" SECULARISM الإنجليزية، فلا بد من معرفة مفهوم الغرب لـ: "سكيلرزم".

 

وما دام المصطلح أو المذهب غريبًا، فلا بد من معرفة ظروف دخوله إلى نسيج اللغة والثقافة العربية الإسلامية، ومعرفة ما صاحب تلك العملية - عملية النقل - من ملابسات!

 

وما دام الغرب يسعى حاليًّا لتجاوز العلمانية إلى ما بعد - العلمانية post - modernism، فلا بد أن نعرف ما قدمه الغرب من نقد للعلمانية، ومعرفة ملامح ما بعد العلمانية.

 

وما دام هذا الموضوع فلسفيًّا ومعقدًا ومركبًا وأضحى حيويًّا، ونقوم بتدريسه لطلابنا من خلفيات أكاديمية متنوعة - فلا بد من تيسيره دون خلل بمضمونه.

 

تهدف هذه الدراسة إلى وضع حلول لتلك الفروض، وتستخدم في ذلك منهجًا تاريخيًّا تحليليًّا نقديًّا، وتصنف موضوع هذه الدراسة ضمن موضوعات الفلسفة الحديثة[2] والمعاصرة.

 

المصطلح في المنظور الغربي:

    • المصطلح بالإنجليزية Secularism، وينطق "سكْيُولَرِزِم"،نُقل بطريقة خاطئة - كما سنرى - إلى "العلمانية".

     

    • السبب المباشر لنشأة السكيولرزم في أوربا (ما بعد القرون الوسطى) هو التجربة الدينية التي عاشتها أوربا لألف عام بقيادة رجال الدين، أو ما يعرف بـ: "الإكلورس"؛ حيث انتهت هذه



    التجربة بسيطرة الكنيسة على مؤسسة الدولة والفلسفة والعلم والفن تحت ظل نظرية الغكلورس.

     

    • نتج عن هذه السيطرة الدينية حركة (لا دينية) قادتها الفلسفة الحديثة التي بلغت ذروتها القرنين 17و18.

     

    • هذه الحركة (اللا دينية) قديمة، وتم البدء في تطبيق برنامجها في أوروبا منذ 4 قرون خلت، إلا أن المصطلح الإنجليزي المتداول "سكيولرزم"، الذي اختير ليعبر عن الظاهرة في اللغة الإنجليزية تم نحته حديثًا بواسطة "اللاأدري"[3] ج جاكوب هوليوك.

       

      George Jacob Holyoake (1817–1906)

       

       

       

      George Jacob Holyoake (1817 - 1906)

      أول من نحت مصطلح سكيولرزم secularism

       

       

       

       

       

      تلخيص ما ورد عن "سكيولرزم" في المراجع الغربية:

      يمكن تلخيص معنى "سكيولرزم" - كما جاء في دوائر معارف وقواميس ناطقة بالإنجليزية - كما يلي[4]:

        • محاربة الدين Anti - Religion: وقد سمي هذا النوع بالعلمانية المتطرفة Radical Secularism،تم تطبيقها بواسطة الشيوعية، وأنتجت النظام الاشتراكي، وتساقط نظامها بتفكك الاتحاد السوفيتي 1990، فما عادت موجودة.

         

        • تجاهل الدين Ignoring Religion، أو اللادينية Non - Religious: بمعنى "غير محتفل بدين"، ويسمونها بالعلمانية المعتدلة، وهي النموذج الذي بدأ تطبيقه في الدول الغربية قبل 4 قرون، وأنتج النظام الرأسمالي، بل أنتج الحضارة الغربية الراهنة كما تتجلى لنا قيمها الضاغطة من خلال الإعلام والاقتصاد والسياسة والأخلاق والعلاقات الاجتماعية والفن.. إلخ،والعلمانية المعتدلة: هي موضوع هذه الدراسة.

         

        • في نظام "سكيولرزم" ينبغي أن يكون النظام التعليمي والتشريعي للدولة لا علاقة له بالدين.

         

        • المعرفة Knowledge والقيم Values نسبيتان في المعنى الفلسفي للسكيولرزم،بمعنى: متغيرتان بتغير الزمان والمكان،ترجع جذور هذا المعنى الفلسفي للعلمانية إلى فلسفة السوفسطائيين الذين عاشوا في بلاد اليونان قبل 4 قرون قبل الميلاد،والمقصود بنسبية المعرفة والقيم: استبعاد الوحي مصدرًا من مصادر المعرفة، أو مصدرًا للقيم بأنواعها المختلفة.

         

        • هنالك فرق بين العلمانية secularism باعتبارها أيديولوجية، وبين العلمنة secularization باعتبارها عملية تحول مستمر،فعلى العلماني أن يناضل ويجعل من العلمانية حالة تحول مستمر، ولا يجعلها تتحول إلى موقف أيديولوجي ثابت؛لأن العلمانية في جوهرها تؤمن بالنسبية المطلقة والتغيير، فالعلماني لا يؤمن بنسبية أفكار الآخرين فحسب، بل يؤمن كذلك بنسبية أفكاره!

         

        • العلماني - أحيانًا - هو الملحد أو اللاأدري، ودومًا: هو النفعي الباحث عن اللذة الدنيوية، وتجنُّب الألم.

         

        • العلمانية تستند على الميكافلية والهوبزية (هوبز) والداروينة والدوركايمية والفرويدية والنفعية.

         

        •السكيولرزم: تعني الحالة التي يعيش عليها المجتمع الغربي المعاصر؛فالعلمانية دعوة لما يسمى بالتغريب Westernization.

         

        • من الناحية اللغوية فإن السكيولرزم (العلمانية) - خلافًا لما هو مشاع - ليست مشتقة لا من العلم science، ولا العالم world؛ لأنها ترجمة لمصطلحٍ أجنبي لا علاقة له بمصطلح علم science،كما لا ينبغي أن يكون مفهوم "عالم" عند العلمانيين الغربيين متطابقًا مع المعنى العقدي لـ: "عالم" عند المسلمين، كما سيتضح لاحقًا.

         

        • كانت هنالك خيارات مناسبة لترجمة "سكيولرزم" خلافًا لـ: "علمانية" -كما سنرى - وقد اختار المترجمون الأوائل خيارات عدة لهذا المصطلح، مثل: "اللادينية"، "الدنيوية"، "الزمنية = الدهرية"، الإباحية، لكن هذه الألفاظ لم تشع، ربما لأنها لا تحمل دعاية إيجابية في الثقافة العربية الإسلامية.

         

        مبتكرو مصطلح سكيولرزم:

        إن هذا الاتجاه العام الذي اجتاح المجتمع الأوربي بعد نهاية القرون الوسطى، وكاد الآن أن يشمل الكرة الأرضية بأسرها، لم يكن في الواقع يسمى بمصطلح معين؛ فاللفظة secularism هي مصطلح قد اختير حديثًا، وبالتحديد في منتصف القرن التاسع عشر ليعبر عن هذا الاتجاه،فمن الأفضل أن نتحدث عن قصة ابتكار هذا المصطلح، وعن الشخص الذي اختاره، والأشخاص الذين ناصروه.

         

        لقد أوردت معظم دوائر المعارف الأوربية معلومات عن أولئك الذين ابتكروا لفظ سكيولرزم، معبرًا عن ذاك الاتجاه الدنيوي الذي شهدته أوروبا، بيد أن موسوعة الدين والأخلاق Ency،of Ethics and Religion هي التي استطاعت أن تجمع أكبر قدر من المعلومات عن أولئك الأشخاص،تقول الموسوعة أعلاه:

        (إن السكيولرزم مدينة owes في اسمها وفي وجودها كعقيدة فلسفية إلى حياة جورج ج هوليوك G j Holyoake الذي ولد في برمنجهام 1817م،نشأ هوليوك نشأة دينية، لكن المناخ العام الذي ولد فيه والظروف المختلفة التي أحاطت بنشأته أيقظت فيه واحدة من أقوى العقائد السياسية والاجتماعية التي نحن بصددها؛ حيث انتصرت بصورة فاصلة عقب إجازة مسودة مشروع الإصلاحات الدستورية في إنجلترا في 1832...ابتعد جاكوب عن الكنائس بأنواعها المختلفة؛ لأنها في ذلك الوقت فقدت العاطفة الوجدانية من غالبية المفكرين... في عام 1841 تخلى تمامًا عن إيمانه بالله، وأبدى عداءً مفرطًا للمسيحية...إن إلحاده ضرب من اللاأدرية agnosticism....خلال حياته الطويلة ارتبط عاطفياً بصورة أو بأخرى مع المفكرين الذين اظهروا عداءً واضحًا للدعاية المسيحية...لقد رحب كثيرًا، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، بالانتصار الليبرالي في الانتخابات العامة بإنجلترا...توفي في 1906م )[5].

         

        طليعة الحزب السكليورزمي في الغرب الناطق بالإنجليزية:

        تقول موسوعة الدين والأخلاق: "كان هوليوك هو القائد الفعلي لمجموعة من زملائه أسهموا جميعًا بـ: (تأسيس المذهب)[6]، منهم توماس كوبر Thomas Cooper، وشالرس شاوس ويل Charls South Well، وويليام كلتون Eilliam Chilton، وتوماس بيترسون Thomas Paterson... في عام 1850 التقى هوليوك لقاءً فكريًّا بكبير قادة الإلحاد المعلن برادلاف Bradlaugh، وبعد هذا اللقاء بعام تمت صياغة ونحت المصطلح Secularism بعد تردد كثير أمام مصطلحات أخرى اعتقدوا أنها ستكون جديرة بالتعبير عن هذه الحركة، مثل مصطلح New theism"" "الإيمان الجديد"، أو مصطلح Limitationism "اللامطلق"[7].

         

        "إن السكيولرزم، وكما أراد لها هوليوك، قصدت أن تفرق بين موقفه المعادي للإيمان والمتجاهل له في آن واحد، وموقف برادلاف وجماعته أصحاب النزعة الإلحادية المعلنة، وعلى الرغم من أن برادلاف وشارلس واط CHARLES WATT وG،W،FOOTE وغيرهم من المعلنين لإلحادهم تطابقت وجهات نظرهم مع السكيولرزم، وأصبحوا أعضاء في هذه الحركة - فإن جاكوب لم يكتفِ بهذا فحسب، بل أعلن وألح بشدة على أن الأهداف السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي بشرت بها "سكيولرزم" ليس ضروريًّا أن يعمل على إنجازها الملحدون فقط، لكن الليبرالي المؤمن بالعلمانية عليه ألا يشير إلى موقفه الإيماني"[8].

         

        على الرغم من محاولة الجمع هذه بين المعلنين لإلحادهم والمخفين لإيمانهم، فإننا نجد موسوعة الدين والأخلاق تؤكد: "أنه تاريخيًّا فإن السكيولرزم تمتزج مع الإلحاد في مجرى واحد"[9]،تقول:

        ".. وعلى الرغم من (لاأدرية) جاكوب، إلا أنه، ولأسباب سياسية، تجاهل تمامًا مسألة الإيمان والإلحاد، وقد أشارت الموسوعة في هذا الخصوص إلى أن الموقف الإلحادي المعلن لـ: "برادلاف" أكثر اتساقًا من موقف جاكوب "اللاأدري"؛ ذلك لأن موقف برادلاف تعززه حقيقة أن السكيولرزم تكون أكثر حيوية عندما ترتبط بالإلحاد المضاد للدين".

         

        "In this matter Bradlaugh acted more consistently than Holyoake, and his action is confirmed by the fact that secularism was most vigorous when linked with anti - religious"،[10]

         

        إشكاليات المصطلح في الثقافة العربية الإسلامية المعاصرة:

        مصطلح "العلمانية" مستحدَث منحوت، ابتدعته وأشاعته نخبة عربية مخصوصة، في فترة زمنية مخصوصة، وسيأتي الحديث عن الزمن والنخبة تباعًا.

         

        لغةً، فإن مصطلح "علمانية" غير "محايد"؛ إذ يحمل في داخله دلالته الأيدلوجية، الشيء الذي جعل جل من يتناوله بالبحث يتناوله وهو في حالة انتماء (إما له أو عليه)،فدخل المصطلح دائرة الغرض ابتداءً من عنوانه،وقد اختلفت النخبة العربية على معناه، حتى بين المثقفين العرب المعتنقين له[11]،بل حتى بين الإسلاميين الرافضين للعلمانية كما سنرى.اكتب نصًا أو عنوان موقع ويب أو ترجم مستندًا.

         

        عاملان أساسان يقفان خلف غموض واضطراب المصطلح:

        الأول - وهو الأهم - (يتمترس) خلف "الزمرة العربية" التي عرَّبت ثم أشاعت المصطلح الأجنبي (Secularism) في اللغة الإنجليزية، و(Secularite أو laigue) في الفرنسية إلى "علمانية"؛فالنخبة المبتكرة الناشرة هي التي تتولى وزر هذا الاضطراب.

         

        أما المسؤول الثاني فإننا نرجعه إلى أصل المصطلح Secularism نفسه، أعني قبل أن يترجم إلى العربية؛ إذ طبيعة منشئه داخل محتضنه الأوربي، وكذا الظروف التي استنبتته داخل رحم الحضارة الغربية هي سبب آخر لهذا الاضطراب،فالمصطلح في سياقه الغربي ثمرة خلفيات فلسفية متباينة وتجربة دينية خاسرة عاشتها أوربا إبان ما عرف بعصور الظلام.

         

        الادعاء (أو العامل) الأول:

        إننا، وبالرجوع إلى القواميس العربية التي عربت اللغات الأوربية ذات الأصول اللاتينية، نستطيع وبسهولة أن نحدد متى دخل مصطلح "علمانية" إلى نسيج اللغة العربية؟ ومن هو أول شخص ابتدع ترجمته على تلك الصورة "علمانية"؟ ومن هي تلك النخبة العربية التي بشرت بالمصطلح بعد ابتداعه، وأفلحت في إشاعته على الطريقة التي تريدها داخل الوسط العربي؟

         

        إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة من الأهمية بمكان؛ فهذه المواضيع تحيط بالظروف التي أحاطت بالظاهرة، ومن ثم شكلتها إلى حيز الوجود، فمعرفة الشخص الذي أوجد المصطلح ومكانه وزمانه - أعني بيئته الاجتماعية وعصره الفكري الذي عاش فيه - عناصر مهمة، تزيد من القدرة التحليلية لدارس مصطلح العلمانية.

         

        مشكلة المعنى اللغوي في المصطلح "علمانية":

        المصطلح عادة يكتب هكذا "علمانية"، بلا تشكيل، وينطق "عِلْمانية" بكسر فسكون، وأحيانًا "عَلْمانية" بفتح فسكون، ولقد أشيع على نحو خاطئ وواسع أن اللفظة في مبناها ومعناها ذات علاقة وثيقة بالعلم التجريبي Empirical Science، بل نجد بعضهم جزم أنها في جذرها اللغوي ترجع إلى "علم"[12].

         

        تاريخ نقل المصطلح إلى العربية:

        "أول من استخدم لفظة علمانية بالعربية هو إلياس بقطر واضع المعجم العربي الصادر عام 1828"[13]، ولن تجد لهذه الكلمة أي مرجع قبل بقطر،وظلت الكلمة غير مستخدمة إلا "بعد قرن ونيف من الزمان"،وقد عاش إلياس بقطر معظم حياته في فرنسا، وكان خبيرًا لغويًّا للحملة الفرنسية[14]،ترجم بقطر اللفظة ومتعلقاتها كما يلي[15]: (ليس المطلوب معرفة الكلمات الأجنبية):

        الكلمة الفرنسية المقابل بالعربي حسب تقدير المترجم
        Laigue عالماني
        ecclesigstigue ni religieux لا يعطي أدنى اهتمام لكل ما هو لاهوتي أو ديني
        secularite =etat de seculie عالمانية
        Seculier الذي يعيش في عصره/ ابن الجيل/ عالماني/ علماني

         

        وهكذا فإن "علمانية" برسمها المعاصر تجد مشروعيتها عند "بقطر"؛ فهو أول من نحتها.

         

        جاء قاموس آخر بعنوان "القواعد الأدبية في اللغتين الفرنساوية والعربية" للبناني يوسف يعقوب جبيش (طبعة 1890)م، ويبدو أنه اعتمد على قاموس بقطر، فنقل ترجمته كما هي[16].

         

        لكن في العام 1905م صدر قاموس مصري لصاحبه القاضي محمد النجاري بك، وقد اختلف تمامًا مع من سبقه، فلم يورد لا علمانية ولا عالمانية، بل أورد ما يلي:

        Seculier خاص بالقرن، جيلي
        Secularite دنيوية
        Seculier دنيوي
        Seculariser v,a حل (أباح)
        Vieseculiere عيشة دنيوية أو مباحة
        Seculierement adv دنيويًّا

         

        واضح أن القاضي النجاري قد أهمل تمامًا ترجمة بقطر، فذكر أن اللفظة المعنية تجد لها مقابلًا في العربية هو الدنيوية أو "الإباحية"، أو تلك المفاهيم التي تتعلق بمفهوم "الزمن"؛ أي: "الدهر"، وقد لمس النجاري الحقيقة حسبما نعتقد، وكما سنبرهن لاحقًا،ومن المؤكد أن اللفظة ظلت مهملة لأكثر من قرن كما أشرنا، ولم تدخل مرحلة النشر الدعائي، كما هو الآن، إلا في منتصف القرن العشرين؛ حيث تم ربطها بمفهوم العلم Science، الذي تجلُّه مصادر الثقافة العربية الإسلامية.

         

        إن المقترح (علمانية) ترجمة غير دقيقة - إن لم تكن خاطئة - لكلمة Secularism الإنجليزية المتولدة من اللفظة اللاتينية saeculum، أو الفرنسية secularite أو laicite المشتقة من اليونانية laikos،وهكذا ودون التوقف عند دلالة "علمانية" نجد أن الوسط الثقافي العربي قد غمر منذ نهايات القرن العشرين بقواميس ومقالات لا حصر لها، تستخدم لفظ (علمانية) دون غيرها، وخاصة تلك القواميس التي صدرت، وما زالت تصدر، عن شوامِّ لبنان كما سنرى.

         

        إن الفعل من الكلمة الإنجليزية Secularism هو Secularize، ترجم إلى "يعلمن"، والصفة منه Secular، فقد ترجمت إلى "علماني"، والعملية نفسها Secularization ترجمت إلى "العلمنة"، أما الشخص الذي يؤمن بمذهب الـ Secularism فهو الـ: Secularist، فقد ترجم إلى العلماني.

         

        إن اللفظ العربي "عِلماني" (بالكسر) من المفترض في القاموس العربي أن يكون منسوبًا لـ: "علم" الذي يفهمه اللسان العربي المعاصر بمعنى Science في اللغة الإنجليزية، والمذهب الشائع عند اللغويين العرب (قدامى ومحدثين) هو أن يكون منسوب "علم" "علمي"، ولكن ذهب المتأخرون منهم ونسبوا أحيانًا على غير القياس؛ حيث أضافوا ألفًا ونونًا حينما نسبوا - على سبيل المثال - "بحراني" إلى "بحر" بدلًا عن "بحري"، و"روحاني" إلى "روح" بدلًا عن "روحي"، و"جسماني" إلى "جسم" بدلًا عن "جسمي"، و"نوراني" إلى "نور" بدلًا عن "نوري"، وعليه، يكون النسب سليمًا - على غير ما هو شائع في اللغة العربية - أن ننسب "علماني" إلى "علم"، ويستفاد من ذلك صفة زائدة على اللفظة هي المبالغة، كما ذكر سيبويه في "الكتاب"[17]؛ إذ إن الزيادة في الألف والنون على اسم الجنس تدل على الزيادة في أصل الحقيقة، أو المبالغة فيها، وعليه فإن النظرة الأولى لمصطلح "علمانية" تجر الشخص شاء أم لم يشأ إلى مفهوم "العلم" على المستوى اللغوي، وليس على مستوى الاتفاق الشكلي فحسب،وهو المطلوب عند المؤمنين بالعلمانية، الذين يرغبون في نشرها، ويجتهدون في الدعاية لها.

         

        من الذين أشاعوا لفظ "علمانية" في الوطن العربي دون غيره؟

        وبالنظر المدقق إلى كلمة "علمانية" يتضح لنا - كما سندلل - أن مثقفي الشوام هم الذين روجوا لهذا المصطلح، خاصة أن "علمانية" لم تكن الاختيار الوحيد لـ: "بقطر"، ولكنها صادفت هوًى كبيرًا لديهم، سيما وهم الذين برعوا في ابتداع ألفاظ لم تشع بين أوائل اللغويين العرب، مثل "شخصانية" "عقلانية" من عقل[18]، فلماذا لا تكون "علمانية" من "علم"؟ وهكذا فقد التقطوها دون غيرها من الألفاظ العربية التي وردت شارحة للمصطلح الأجنبي، وتجاهلوا كذلك قاموس القاضي النجاري الذي تجاهَل علمانية.

         

        بهذا فقد حددنا الشخص الذي أوجد المصطلح وزمانه (العصر الذي عاش فيه)، ومكانه (الذي عاش فيه)، وإليك المزيد عن النخبة التي أسهمت بقدر كبير في إشاعة المصطلح الخطأ والترويج له.

         

        الهُوية الثقافية للنخبة التي نشرت علمانية بين العرب:

        إذا تساءلنا عن الخلفية الثقافية والهوية الدينية لهذه النخبة، فقد أكدت المصادر[19] على أنهم مجموعة من المثقفين العرب الذين ارتضوا المسيحية دينًا، والحضارة الغربية وقيمها هوية ثقافية،إنهم يمثلون مجموعة منتقاة من المسيحيين العرب الذين تلقوا تعليمًا عاليًا في مدارس الإرساليات التبشيرية التي جاءت مع الاستعمار إلى الوطن العربي، ثم أتيحت لهم الفرصة، فواصلوا تعليمهم العالي داخل أوربا الغربية، وعاشوا بحواسهم كيف تشكل أوربا الحديثة، وكيف تصنع الحضارة الجديدة، فانصهروا في المجتمع الغربي، وشاركوا فيه؛ لأنهم لم يشعروا بغربة - نتيجة لخلفيتهم الدينية المسيحية - داخل هذا الكل الثقافي الشامل الذي يعرف بالحضارة الغربية.

         

        إن هذا الموقف الذي نقفه من تلك النخبة ولخصناه في الفقرة أعلاه، هو ذات الموقف الذي عبرت عنه - وبشيء من التفصيل والإسهاب - الموسوعة الفلسفية العربية الصادرة عن معهد الإنماء العربي بلبنان، وهي ضمن المصادر الأساسية لما يسمى بـ: "العلمانيين" العرب؛إذ جاء فيها بعد أن قسمت ما أسمتهم بـ: "العلمانيين" المعاصرين - داخل الوطن العربي - إلى مسيحيين ومسلمين، واعتبرت أن المسيحيين هم خير من رفع لواء "العلمانية" وبشَّر بها،تقول الموسوعة:

        (... فالعلمانية المسيحية التي قادها رجال فكر مسيحيون قد نشأت ضمن ظروف خاصة، وتلبية لحاجات نفسية واجتماعية وسياسية مختلفة؛فالفكر المسيحي كان في أحيان كثيرة يشعر بغربته عن هذا المحيط الشامل[20]، ويرتد إلى البحث عن وطن أصغر يقابل الإمبراطورية العثمانية[21]، وذلك تعبيرًا عن عدم استطاعة المفكر المسيحي القبول بوطن هويته الإسلام، وإيمانًا منه بوطن يكون الولاء فيه لا للدين، بل للقيم الوطنية والاجتماعية والإنسانية).

         

        وعن الخلفية الفكرية لهذه النخبة تساءلت الموسوعة وأجابت:

        (...ما هي الخلفية التي كانت وراء طروحات العلمانيين المسيحيين؟… كان هؤلاء في طليعة الفئات التي استطاعت، وقبل سواها من المسلمين، تحقيق بعض السبق في تحصيل العلوم؛ وذلك لأسباب، أهمها: انتشار التعليم في أوساطهم بفضل المدارس التي أسسها المبشرون، والإرساليات الأجنبية، وكان نمط التعليم في هذه المدارس مغايرًا لِما كان سائدًا في المدارس الدينية الإسلامية؛ إذ دخلت الأساليب الحديثة، وكان تعليم اللغات الفرنسية والإنجليزية حافزًا كبيرًا مكَّن هؤلاء من الاطلاع على الفكر الغربي في مصادره الأصلية، فتعمقت بذلك الصلة بين هؤلاء المفكرين وبين آخر النظريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي كانت أوربا مسرحًا لها في تلك الفترات).

         

        (أدت هذه الخلفية إلى توثيق الصلة بين المفكرين المسيحيين والغرب، فلم يعد الغرب مخيفًا بالنسبة لهم بقدر ما صار عالمًا يجب الأخذ بقيمه وعلومه، ولم تعد الهجرة إلى الغرب عامل سلب أو اغتراب، كما كانت لقرنائهم من المفكرين المسلمين، بل أصبحت الهجرة حافزًا للتزود بالمزيد من العلوم والفنون).

         

        ( كان توجه التيار المسيحي العلماني توجهًا اجتماعيًّا إنسانيًّا، ولم تكن النظرة إلى التراث نظرة إلى العصور الإسلامية وتطوراتها، بل إلى هذا التراث كحضارة لا تاريخ صنعه الإسلام في كل أبعاده).

         

        ويتواصل تشخيص هذا الاتجاه بمزيد من الإسهاب في المقال الذي كتبه جورج كتورة بعنوان: "العلمانية في الفكر العربي" متحدثًا عن ذات الاتجاه الذي سماه "العلماني المسيحي":

        (فرض هذا الاتجاه العلماني - المسيحي - نظرة تجديدية للمجتمع، ترتكز على مقومات سياسية ومعرفية جديدة؛ فالنظرة الإصلاحية التي رأت التجديد من خلال الدين؛ أي: من حيث تحديثه لفتح باب الاجتهاد مثلًا، أو من خلال الاقتداء به اقتداءً تامًّا، وبعث عصره الذهبي، أو كتلك الدعوات السلفية، معظم هذه الدعوات بدت للعلمانيين المسيحيين نظرات حذرة؛ وذلك لسببين: الأول: قد لا تعنيهم؛ لأنهم ليسوا مسلمين، وبالتالي لا يستطيعون الإسهام من ضمن هذا الإطار، والسبب الآخر: لقد رأوا في مثل هذه الدعوات توجهًا نحو الماضي أكثر مما هو توجه مستقبلي، وبالتالي لا بد من اختيار بديل، والبديل كان اللحاق بالتقدم الأوربي، ولذلك طريق واحد، هو الطريق الذي سارت عليه أوربا؛ لذلك نجد المصدر الفكري لهؤلاء العلمانيين المسيحيين أفكار المتنورين الأوربيين وعلماء الاجتماع، أمثال: أوغست كونت، وسبنسر، وداروين، وسواهم)[22].

         

        لماذا أشيعت علمانية دون غيرها؟:

        لقد ذكرنا سابقًا أن المترجم العربي ترجم "سكيولرزم" الأجنبية إلى "علمانية" دون أن يشير صراحة إلى أنها مصدر "علم science"، ولقد أثبتنا كذلك أن مصدر "علمانية" - وفق هذا الرسم - هو الأقرب إلى العلم دون سواه من المصطلحات، والعلم ضد الجهل، كما هو معلوم في اللغة العربية،إن المترجم، في تقديرنا، أراد هذا المعنى… أراد أن يقول مخاطبًا الضمير واللسان العربي: إن عقيدة "السكيولرزم" تطابق لغةً ومفهومًا "العلم"، الذي تُجِلُّه المصادر الأولى للثقافة الإسلامية؛يقول الله: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، وغيرها من الآيات والأحاديث النبوية والآثار الإسلامية التي ترفع من شأن العلم والعلماء.

         

        والناظر إلى مصطلح science "علم" في قواميس ودوائر معارف اللغة الإنجليزية لا يجد له علاقة لغوية بـ: "السكيولرزم"، ونشك أن يوجد باحث لغوي مبتدئ يجهل هذين المصطلحين إلى درجة أن يخلط بينهما،إن هدف المروجين، وفق هذا الرسم الاصطلاحي، لا تخطئه العين، بل إن هذا الاختيار لكلمة "علمانية" نحسب أنه لم يأتِ مصادفة، وإنما تم وفق خطة محسوبة، وعناية مدبرة؛ فقد أريد للمصطلح أن يحمل دعايته الإعلامية في أحشائه؛ لذلك فقد أرادوا "للعلمانية" أن تكون منسوب "علم" بإضافة ألف ونون، وتركوا حرف "عين" "علمانية" بلا تشكيل؛ لتكون هذه الألف والنون للمبالغة والاستحسان، وأن يكون ترك تشكيل حرف العين من جهة أخرى لمزيد من التضليل والإبهام.

         

        علمانية ليست من العلم ولا العالم:

        بعد توالي البحوث المعاصرة، اتضح أن اللفظة ليست لها علاقة لغوية بالعلم، حيث ذهب نفر كبير من الكتَّاب إلى أن المصطلح "عـلمانية" ليس بكسر العين، إنما بفتحها، وقالوا: إن مصدرها هو "العالم"؛ أي: من العـلم[23]، وهؤلاء منهم المتحزبون ضدها، وبعض المؤمنين بها،وعلى الرغم من أن "سكيولرزم" في المعاجم الأجنبية تشير - ضمن إشارات أخرى - إلى معنى "هذا العالم الآني المشاهد" this world""، وهي على هذا الأساس "ربما قيل": إنها تقابل المصطلح العربي "عالم"، خاصة حينما يعرفه الجرجاني بأنه - أي العالم -: (عبارة عن كل ما سوى الله من الموجودات)[24]، ولكن ما غاب عن الطرفين -كما نظن - أن "عالم" الجرجاني - الذي يعبر بشمول تام عن مفهوم "عالم" في المصادر العلوية للفكر العقائدي الإسلامي - لا يتطابق مع مفهوم "world" عند ثقاة الغربيين العلمانيين؛إذ إن "كل ما سوى الله" يتضمن عوالم غيبية (ميتافيزيقية)؛ كعالم الملائكة والجن والشياطين والجنة والنار إلخ،فهذه العوالم الروحية الغيبية لا تدخل ضمن مفهوم عالم عند العلمانيين،أعني أن العالم الذي تهتم به العلمانية وتسعى لتفسيره هو خلاف العالم الذي يشغل بال المسلمين.

         

        البدايل اللغوية الممكنة لعلمانية في اللغة العربية:

        أولًا: الدنيوية:

        هنالك مصطلحات عربية أخرى؛ كـ "الدنيا" مثلًا، هي الأقرب في دلالتها إلى world ضمن سياق Secularism، وهذا هو مدار تحفظنا الآخر على مقابلة "عالم" العربية بـ world الإنجليزية.

         

        لم ينتشر مصطلح "الدنيوية" رغم جدارته، خصوصًا وقد رأينا أن القاضي المصري محمد بك النجاري قد فطن له منذ أكثر من قرن (1905)، فقابل "سكيلرزم" بمصطلح "الدنيا"، أو الزمنية (الدهر)، أو الإباحية، أو اللادينية، ثم وجدنا لفيفًا من مفكري هذه الأمة نحَوْا نحوه؛ كالعقاد الذي تابعه المعاصر بروفسر العطاس لاحقًا، وغيرهما، فاختاروا الدنيوية[25]،لكن المفارقة هي انتشار المصطلح "الغامض" "علمانية" مع خطئه.

         

        ماذا عن مصطلح دهـرية؟:

        هل في إمكاننا أن نجد مصطلحًا مذهبيًّا معلومًا داخل ثقافتنا العربية يقابل أو يقارب مصطلح "سكيولرزم" الأجنبي في لغته وبيئته،لقد لاحظت أن كثيرًا من الكتاب الذين كتبوا عن تاريخ دخول "علمانية" في نسيج الخطاب الثقافي العربي يجمعون على أن المصطلح لم يكن مستخدمًا في الخطاب الثقافي ولا السياسي، ولا الديني، حتى منتصف القرن العشرين، ولم أجد ما يخالف هذا الزعم،لكن نحسب أن جمال الدين الأفغاني 1838 - 1897(أحد أهم رواد العمل السياسي الإسلامي) قد استخدم في خطابه الـدعوي مصطلحًا معروفًا عند العرب، لا يمكن تجاهله في هذا الشأن، خاصة وأن الأفغاني يستخدمه في مواجهة من وصفهم بدعاة التغريب Westernization، ومن جهة أخرى يصفهم بالدهريين. والتغريب و"الزمنية" هي معاني أصيلة للسكيولرزم كما أشرنا.

        جمال الدين الأفغاني

        يكتب جمال الدين الأفغاني، قبل قرن، في "عروته الوثقى" مقالًا بعنوان: "الدهريون في الهند"، جاء فيه:

        (وكتب أحمد خان تفسيرًا عن القرآن، فحرف الكلم عن مواضعه، وبدل ما أنزل الله، وجهر بالدعوة لخلع الأديان كافة، ولكن لا يدعو إلا المسلمين، ونادى: الطبيعة الطبيعة؛ ليوسوس للناس بأن أوربا ما تقدمت في المدنية، وما ارتقت في العلم والصنعة، وما فاقت في القوة والاقتدار، إلا برفض الأديان).

         

        ويصف حال الأمة العثمانية في رسالته (الرد على الدهريين):

        ".. إنما وهن حالها في الأزمنة المتأخرة بما دب في نفوس بعض عظمائها وأمرائها من وساوس "الدهريين"، فإن القواد الذين اجتروا اسم الخيانة في الحرب الأخيرة بينها وبين الروسية كانوا يذهبون مذهب "النيتشريين"[26]، يعني بالنتشريين الطبيعيين Naturalist، أو العلمانيين.

         

        إن الأفغاني يواجه دعاة آمنوا بنظرية الحضارة الغربية في فهم الكون والحياة، وذلك منذ نهايات القرن التاسع عشر، بل ويؤمنون كذلك أن أمتهم لن تبلغ مرحلة الوعي إلا بذات المنهج المتكامل الذي ارتضته أوربا هاديًا لها، ولعلنا لسنا في حاجة إلى الإشارة أن هذا المنهج الثقافي المعرفي الأوربي هو منهج "السكيولرزم"،كما أننا في غنًى عن القول: إن جمال الدين حينما يخاطب أعداءه في داخل أمته ويصفهم بـ "الدهريين" إنما يقصد العلمانيين،إذًا هل في مقدورنا أن نقابل بين المصطلح العقدي المعروف لدى أمة القرآن "دهرية"، والمصطلح الغربي "سكيولرزم" الذي يجد مرجعيته في أمة اليونان؟ وبالتالي يكون الأفغاني هو أول من وضع المصطلح "سكيولرزم" في إطاره العربي الصحيح، بل وأول من استخدمه على مستوى العالم العربي الإسلامي.

         

        إن مصطلح "الدهرية" من أعرق المصطلحات ذات الطبيعة العقدية؛ فـ "الدهرية" نسبة إلى الدهر، وهو الزمان المهلك الذي لا ينتهي[27]، ومصطلح "دهريين" حينما استخدمه القرآن - قبل الأفغاني - كان يعني به "أولئك الذين لا يؤمنون إلا بالحياة الآنية الحاضرة، ويكفُرون بالآخرة وملحقاتها"،جاء في القرآن: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾ [الجاثية: 24][28]، ويقول الإمام الغزالي:

         

        (الدهريون، وهم طائفة من الأقدمين، جحدوا الصانع المدبر، العالم القادر، وزعموا أن العالم لم يزل موجودًا كذلك بنفسه لا بصانع، ولم يزل الحيوان من النطفة، والنطفة من الحيوان، كذلك كان، وكذلك يكون أبدًا، وهؤلاء هم الزنادقة)[29].

         

        أما الشهرستاني في الملل والنحل فيقول عنهم: "إنهم معطلة، لا اعتقاد لهم بشيء، ولا يؤمنون بالميعاد، وينكرون كل ما وراء المحسوس)[30]، وبهذا يكون الشهرستاني قد جمع بين "اللاأدرية" الحديثة، والإلحاد والمادية،أما الجاحظ في كتابه الحيوان فيقول عنهم: "إنهم ينكرون الخالق والنبوات، والبعث والثواب والعقاب، ويردون كل شيء إلى فعل الأفلاك، ولا يعرفون خيرًا ولا شرًّا سوى اللذة والمنفعة"[31]،وهكذا تكلم الجاحظ عن العلمانية حين ربط مفهوم الخير والشر بمفهوم اللذة والألم الماديين،ويقول المستشرق دي بور: "والقول بالدهر أصبح بمرور الزمان في نظر المسلمين مساويًا لإنكار الألوهية والحياة الآخرة، أو القول بالمادية مع إنكار الخالق، والقول بقِدَم العالم"[32].

         

        وهكذا إنك لتصاب بالدهشة حينما تعلم أول أو أقرب معاني السكيولرزم في القواميس الأجنبية تنطوي على معنى الزمان أو الدهر، بل حتى الأكاديميون العرب الذين يعلنون انتماءهم "للسكيولرزم" يثبتون أنها تعني الزمانية دون سواها من المعاني،يقول أحد دعاتها في الوطن العربي: (...لو شئنا الدقة الكاملة نقول: إن الترجمة الصحيحة للكلمة هي "الزمانية")[33]،ثم يستنتج - وهو على حق -: "فالعلمانية إذًا ترتبط في اللغات الأجنبية بالأمور الزمنية؛ أي: بما يحدث في هذا العالم، وعلى هذه الأرض، في مقابل الأمور الروحانية التي تتعلق أساسًا بالعالم الآخر"[34].

         

        إذًا لماذا لم تشع ألفاظ مثل الدنيوية والدهرية والإباحية واللادينية.. إلخ؟

        السبب في ذلك يرجع - في رأينا - إلى أن النخبة التي اختارت "علمانية" مصطلحًا مذهبيًّا لها هي ذات النخبة التي سيطرت على الآلة الإعلامية - في الوطن العربي - ومؤسسات الدولة الثقافية والتعليمية المختلفة، وذلك عقب خروج المستعمر،إن هؤلاء أرادوا أن ينتصروا لمذهب "السكيولرزم" الغربية، ذات الجذور الفلسفية - الوثنية المادية،فاستخدموا من أجل هذا الانتصار وسائل شتى،ولا يخفى على فطنة القارئ أن المصطلح المنتقى (علمانية) يحمل دعايته في أحشائه، وأريد له أن يكون ضمن وسائل هذا الانتصار.

         

        العلمانية والعلم:

        ولعل الذي شجع هذه النخبة على الذهاب إلى هذا المذهب هو أن العلم التجريبي قد ازدهر بالفعل داخل نسيج ثقافة آمنت فعلًا بعقيدة السكيولرزم، وهي الثقافة الأوربية المعاصرة، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر؛ فالعلمُ التجريبي الذي يسعى الآن في تحقيق ما يُعرَف بالثورة التحكمية الشاملة للكون: هو بلا جدال ثمرة من ثمرات حضارة آمنت بـ: "السكيولرزم"،ولعل ذلك هو الذي برر لكثيرين من دعاة "السكيولرزم" العرب - بعد أن لاحظوا خطأ المقابلة بين "سكيولرزم" secularism وعلم science على المستوى اللغوي - أن يذهبوا إلى أن المصطلح الغربي إن اختلف لغويًّا، إلا أن مفهومه العام ذو صلة قوية بالعلم ومنهجه،فهذا هو جورج طرابيشي يذهب هذا المذهب، فيقول - بعد أن أمن على نفي الصلة اللغوية بين علمانية وعلم -: (... ولكن ليس من قبيل الصدفة أن تذهب الأذهان إلى العلم عند ذكر العلمانية، فما ذلك لتشابه في اللفظ، بل كذلك للصلة المضمونية، فالعلماني بالإجمال هو من يأخذ بالتصور العلمي للعالم في مقابل التصور الديني)[35].

         

        وعلى ذات النهج يقول فؤاد زكريا: ".. إن الضجة التي أثيرت حول استخلاص كلمة العلمانية من العالم أو من العلم هي ضجة مبالغ فيها؛ لأن كلًّا من المعنيين لا بد أن يؤدي إلى الآخر"[36].

         

        وحتى هذه النتيجة التي خلصوا إليها - وهم يربطون بين المصطلحين على مستوى المفهوم، ويفصلون بينهما على مستوى المنطوق - لا نقبلها على إطلاقها، وحجتنا في ذلك: أن العلم التجريبي المعاصر هو ثمرة للمنهج الاستقرائي الذي قبلته النظرة الفلسفية الكلية التي ندعوها بـ: "السكيولرزم"، ولكنها فسرت نتائجه ضمن بُعدها الأحادي الفلسفي الذي ينكر الآخرة وملحقاتها، فضلًا عن ذلك هنالك إفرازات أخرى "للسكيولرزم" في مجالات الحياة، مثل الأدب والفن والقيم، بل وحتى الأديان،فالعالمانية دين من الأديان، وليس صحيحًا - كما زعموا - أن السكيولرزمي Secularist هو دائمًا ذلك الذي يتبع المنهج العلمي في كل شعاب حياته، بل حتى في نظرته تجاه الكون وقضاياه، فالواقع يخبرنا غير ذلك، فقد آمنوا بالداروينية دينًا بلا سند علمي،ومنهم من اخترع له دينًا سماه بالدين الطبيعي Natural Religion؛ إذ إنهم حينما اخترعوا ذلك "الدين الطبيعي" لم يتبعوا منهجًا ولا منطقًا علميًّا، وإنما أحدثوا ذلك لحاجة روحية تطاولت على المنهج الذي زعموا الالتزام به، أو لعله نكاية خاصة بالمسيحية والأديان السماوية على وجه العموم،ونحن حينما نعترف بفضل العلم الطبيعي ونقول: إن منجزاته الحاضرة - لا منهجه - استغل في نشر إفراز الرؤية "السكيولرزمية" العامة، ولا يشك عاقل أن العلمانية أفرزت إفرازات أخرى في مجال الحياة، بل تبرعت في الإجابة عن قضايا ليس معنيًّا بها العلم التجريبي،إذًا فالعلمانية أوسع من العلم، إنها تستوعبه ولا يستوعبها[37].

         

        ثم من قال: إن من يؤمن بدين سليم غير منحرف يرفض منهج العلم الاستقرائي الذي صدرته الحضارة الإسلامية للغرب، كما يعترف بهذا علماء الغرب أنفسهم،ولا يعني عجزنا عن استغلال الطبيعة بما يكفي أننا نرفض منهج استغلال الطبيعة لصالح البشرية.

         

        آخر نقد للعلمانية:

        لم تنجح العلمانية في تحقيق أهدافها المعلنة، وهي استبعاد الدين عن حياة الناس وعن تفكيرهم، ولم تحقق السعادة للعالم؛لذا ظهرت في الغرب الآن بوضوح الدعوة إلى: ما بعد العلمانية post - Secularism (مصطلح سكة جون كين)، ومعناه المباشر: "نهاية العلمانية"، وليس هنالك نقد أبلغ من هذا،ولعل الناظر الناقد نظر إلى الواقع الذي سادته العلمانية فوجد هتلر وستالين وهيروشيما والنظام العالمي الجديد والعنصرية والفاشية والأبرتايد وفلسطين.. إلخ،كما رأى الشرور متزايدة، والظلم واضحًا، والحرب والفقر والجهل والكراهية القائمة على العنصرية مستمرة،كما سيجد القيم وحق الحياة منتهكة، والضعيف يستعبده القوي بالقانون (حق الفيتو)،وأهم من هذا فقد لاحظ الناقد أن الناس - من خلال مسيرة 4 قرون - لم يتخلوا عن الأديان، سواء صحيحة أو محرفة،بل لن ينجح أحد في انتخابات رئاسة الولايات المتحدة دون دعم ديني من الكنيسة،كما لاحظ وصول أحزاب للسلطة تحمل مسميات دينية مسيحية،وبالنظر إلى كل هذا والمآسي التي شكلت معضلة الإنسان المعاصر، رأى نفر من الغربيين أنه لا بد من البحث عن حلول لا تستبعد الدين، وهذا هو مضمون "ما بعد العلمانية".

         

        وأسوأ نقد ساقه الغربيون ضد العلمانية في عالمنا الإسلامي ما اصطلح عليه "غربيًّا" بالعلمانية الفاشية (Fascist Secularism)، والمقصود بـ: "العلمانية الفاشية" العلمانية المحمية بالمؤسسة العسكرية حينما ترغب الإرادة الشعبية في الثورة عليها،وقد أشاروا إلى تركيا (أتاتورك) مثالًا للعلمانية الفاشية، الذي عرفه العالم الحديث،وبالنظر إلى حالتنا العربية الراهنة واستغلال الجيش في إنهاء إرادة الناخبين الذين لا يرغبون في العلمانية يمكننا أن نضيف مصر وسوريا والجزائر.

         

        توصيات:

          • يرى الباحث ضرورة أن يدرس جميع طلاب جامعات البلاد العربية موضوع العلمانية ضمن برنامج البكلاريوس.

           

          • من خلال تجربة عشرين عامًا في تدريس المقررات الثقافية، دراسة مقارنة بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي، يرى الباحث أن محاور هذا البحث هي المحاور المناسبة للمادة المقررة لتدريس هذا الموضوع لطلاب مقرر الثقافة الإسلامية،ومن أهم المحاور التي ينبغي أن يلم بها طلاب البكلاريوس، وأهم محور أبانته هذه الدراسة -كما يرى الباحث - إبراز جهود الأقليات النصرانية في نقل الفكر الغربي عامة والعلماني خاصة إلى البلاد العربية الإسلامية، وما زال هذا الجهد مستمرًّا.



          • ينبغي تصحيح المفهوم الخاطئ السائد، والذي تكاد تجده في جميع مقررات جامعات البلاد العربية؛إذ نجد تلك المقررات قد أرجعت الأصل اللغوي إلى العالم، ونحسب هذه الدراسة قد بينت عدم دقة هذا الرأي.



          • يوصي الباحث باعتماد كلمة "سكيولرزم" بدلًا عن علماني.

           

            ــــــــــــــــــــــــــــ

            المراجع:

             

            1) الأفغاني: (جمال الدين) الأعمال الكاملة، أعده محمد عمارة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف، بدون تاريخ.

            2) الإنسان: (مجلة) العدد العاشر، السنة الثانية نيسان 1993 لندن،مقال د.عبدالوهاب المسيري عن العلمانية.

            3) الجاحظ، الحيوان طبعة القاهرة بولاق 1325هـ - ج37.

            4) الجرجاني:(علي بن محمد السيد الشريف)، التعريفات، تحقيق عبدالمنعم الحقي، دار الرشاد، بدون تاريخ.

            5) الشهرستاني: (أبو الفتح محمد بن عبدالكريم) الملل والنحل، تحقيق: محمد كيلاني ج2 القاهرة 1347هـ.

            6) العـقاد: (عباس محمود) الإسلام في القرن العشرين، كتاب الهلال رقم 108 بدون تاريخ.

            7) العرمابي: (د. محمد زين الهادي)، نشأة العلمانية ودخولها المجتمع الإسلامي، دار العصمة الرياض ط 1407هـ.

            8) الغزالي: (الإمام أبو حامد) المنقذ من الضلال، تحقيق محمد محمد جابر، بدون تاريخ.

            9) القرضاوي، يوسف، الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه، الناشر: مكتبة وهبة، 1997.

            10) الموسوعـة الفلسفية العربية، ج 2 رئس التحرير د. معن زيادة، إصدار معهد الإنماء العربي، بيروت، ط1، 1988.

            11) النجاري: (محمد النجاري بك)، قاموس فرنسي / عربي، المجلد الأول طبعة القاهرة 1905.

            12) النجـار: (د. حسين فوزي)، الدولة في الإسلام، دار الحرية، القاهرة، ط 1990.

            13) جبيش: (يوسف يعقوب)، القواعد الأدبية في اللغتين العربية والفرنسية (قاموس)، ط 1890 مصر.

            14) جيلسون: (إتين) روح الفلسفة المسيحية، عرض وتعليق د. إمام عبدالفتاح، دار الثقافة، القاهرة، ط 2، 1982.

            15) دائرة المعارف الإسلامية ج9، تأليف أئمة المستشرقين في العالم، أصدرها بالعربية أحمد الشنتناوي، وإبراهيم زكي خورشيد، وعبدالحميد يونس، راجعها د. محمد مهدي علام بدون تاريخ.

            16) دي بور: (ت، ج) تاريخ الفلسفة في الإسلام، نقله إلى العربية وعلق عليه د.محمد عبدالهادي أبو ريدة، القاهرة، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1957.

            17) ديورانـت: (ول دايريل) قصة الحضارة (سلسلة) ت: د. محمد بدران، تحت إشراف الإدارة العامة للثقافة، جامعة الدول العربية، ط 3، 1973.

            18) زكريا: (د. فؤاد) 1 - اسبانوزا، دار التنوير، ط2، 1981، 2.

            19) زكريا: (د. فؤاد) - الصحوة الإسلامية في ميزان العقل، دار الفكر، القاهرة، ط1، 1989.

            20) سيبويه: الكتاب، ج1، طبعة بولاق 1317هـ.

            21) فرج: (د. السيد أحمد)، الجذور التاريخية للصراع بين العلمانية والإسلام في مصر، دار الوفاء، ط 1993.

             

            ـــــــــــــــــــــــ

            المراجع الأجنبية:

            1- Al - Attas, Syed Muhammad Naquib Islam and Secularism (ISTAC) Kulalumpur 1993.

            2- Al - attas, mohammad naqib, Prolegomena to the Metaphysics of Islam , Istac, KL 1995

            3- A dictionary of Arts, Science Litrature and Genoeral Information V24 New York 1911.

            4- Dictionary of Modern sociology, Thomas Ford Hoult

            5- Dictionary of Philosophy & Religion, Eastern & Western Thought By Willam L، Reese 1980 New Jersey.

            6- Ellious Bocthor Eqyptien - Dicionaire Francais – Arab Encyclopedia Britannica، V20 - 1768.

            7- Encyclopedia of Ethics and Religion, by James Hastngs، Printed by Moeison & Gibb Limited

            8- Encyclopedia of Religion, Edited by Professor Vergilius Ferm, New York 1945.

            9- Encyclopedia of the Social Sciences, by Edwin Rna.Sellg، V13 New York

            10- Ency of Ethics and Religion

            11- Ency، of Ethics and Religion P، 348.

            12- The Encyclopedia American Volume Xx1v Copyright 1961 Shekago.

            13- The Fontana Dictionary of Modern Thought By Alan Bullock, Oliver Stallgb and Stephen Trombley.

            14- The New Encyclopedia Britannica, Axicropadia Volume 1x، 1768.

            15- Webster's Third, New International Dictionary, U.S.A 1971

            16- W، H Wright A History of Modern Philosophy, New York 1954.

             

             ــــــــــــــــــــــ


            [1] شعبة الفلسفة - جامعة الخرطوم، معار بقسم الدعوة والثقافة، جامعة قطر: tmaza1@hotmail.com.

            [2] لقد قدمت أطروحة ماجستير في الفلسفة الحديثة حول الخلفية الفلسفية للعلمانية، قدمتها في العام 1996 في شعبة الفلسفة جامعة الخرطوم، وقد قام بنشرها مركز التنوير المعرفي في العام 2006، بعنوان: مفهوم العلمانية في الفكر الغربي، مركز التنوير المعرفي - الخرطوم.

            [3] اللاأدرية agnosticism: اعتقاد الشخص في لا شيء فيما يتعلق بوجود الله من عدمه، إذًا يجيب عن هذا السؤال بـ: (لا أدري)، وهو ما يعرف بمذهب الشك skepticism، يعني: استواء الأدلة المتعارضة عند الباحث، وهو ضرب من ضروب الكفر في العقيدة الإسلامية.

            [4] تم الرجوع إلى خمسة قواميس، وست موسوعات مختصة في هذا الشأن، كما يلي:

             

            1) A dictionary of Arts, Science Litrature and Genoeral Information V24 New York 1911.

            2) Dictionary of Modern sociology, Thomas Ford Hoult

            3) Dictionary of Philosophy & Religion, Eastern & Western Thought By Willam L، Reese 1980 New Jersey.

            4) Encyclopedia Britannica، V20 - 1768.

            5) Encyclopedia of Ethics and Religion, by James Hastngs، Printed by Moeison & Gibb Limited

            6) Encyclopedia of Religion, Edited by Professor Vergilius Ferm, New York 1945.

            7) Encyclopedia of the Social Sciences, by Edwin Rna.Sellg، V13 New York

            8) The Encyclopedia American Volume Xx1v Copyright 1961 Shekago.

            9) The New Encyclopedia Britannica, Axicropadia Volume 1x، 1768.

            10) The Fontana Dictionary of Modern Thought By Alan Bullock, Oliver Stallgb and Stephen Trombley.

            11) Webster's Third, New International Dictionary, U.S.A 1971

             

            [5] Ency of Ethics and Religion P، 348،

            [6] أو على الأصح ابتكار المصطلح Secularismلأن المذهب حالة موجودة

            [7] Ency، of Ethics and Religion P، 348،

            [8] IBID P، 344

            [9]IBID P، 344

            [10] 344IBID P،

            [11] فؤاد زكريا الصحوة الإسلامية في الميزان، ص35 يقول: (ولكن العجيب في أمر هذه الكلمة الواسعة الانتشار: أن معظم من يستخدمونها لا يستطيعون أن يحددوا لها معنى دقيقًا، بل إن المرء قد يقرؤها ويتداولها في حديثه مرات ومرات، ثم يتساءل بعد ذلك: ولكن ماذا تعني العلمانية بالضبط؟ وقد استمعت بنفسي إلى مثقفين على مستويات عالية يطلبون تحديدًا وافيًا لهذه الكلمة، بعد أن ضاعت المعاني في أذهانهم وتميَّعت).

            [12] انظر: د. عزيز العظمة العلمانية من منظور مختلف، بيروت 1992، ص 18.

            [13] الموسوعة الفلسفية العربية ص 914.

            [14] الجذور التأريخية للصراع بين العلمانية والإسلامية في مصر، د. السيد فرج ص 137، ستجد من سماه لويس بقطر بدلًا عن إلياس.

            [15] Ellious Bocthor Eqyptien - Dicionaire Francais - Arab P 430 - 747،

            [16] المجلد الأول، انظر: مادة Seculier باللغة الفرنسية.

            [17] الكتاب لسيبويه، الجزء الأول طبع بولاق، ص 89.

            [18] الدولة والحكم في الإسلام، د. حسين فوزي النجار، دار الحرية، ص 13.

            [19] الموسوعة الفلسفية العربية ص914 (هذه الموسوعة يحررها عرب علمانيون؛ لذا فهي من أهم المراجع).

            [20] المقصود بالمحيط الشامل هو محيط الثقافة التي يحكمها الإسلام.

            [21] وهذه - فيما نعلم - هي البداية الفكرية لتفكيك الدولة الإسلامية الواحدة، وإقامة الدولة القُطرية القومية بديلًا عنها.

            [22] الموسوعة الفلسفية العربية ص914.

            [23] على سبيل المثال أ.د، محمد زين الهادي العرمابي: نشأة العلمانية ودخولها إلى المجتمع الإسلامي ص22، وكذلك: د. القرضاوي في كتابه العلمانية، وغيرهما.

            [24] التعريفات للجرجاني ص 167.

            [25] العقاد: الإسلام في القرن العشرين ص158، العطاس Prolegomena to the Metaphysics of Islam (مقدمة للماورائيات من منظور إسلامي).

            [26] الأفغاني، جمال الدين الأعمال الكاملة، أعده محمد عمارة - المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر، انظر رسالة: الرد على الدهريين ص163.

            [27] دائرة المعارف الإسلامية، مادة "دهر" ج9.

            [28] الآية 23 من سورة الجاثية، وتكملتها: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24].

            [29] الغزالي: المنقذ من الضلال ص18 بيروت، تحقيق: محمد محمد جابر بدون تاريخ.

            [30] الملل والنحل ص ج 2 طبعة القاهرة 1347.

            [31] الجاحظ، الحيوان، طبعة القاهرة 1325هـ - ج37.

            [32] الفلسفة الإسلامية دي بور ص153، وانظر كذلك مادة دهرية في دائرة المعارف الإسلامية.

            [33] الصحوة الإسلامية في ميزان العقل، فصل العلمانية ضرورة حضارية ص45.

            [34] السابق، ص45.

            [35] الموسوعة الفلسفية العربية ص914.

            [36] الصحوة الإسلامية في ميزان العقل، فصل: العلمانية ضرورة حضارية ص 46.

            [37]The History of Western Philosophy P13 London 1979



            المصدر: https://www.alukah.net/culture/0/96287/

            الحوار الخارجي: 

            الأكثر مشاركة في الفيس بوك