الفارق بين المذهب والطائفة
زكي الميلاد
• ما نحتاجه في خطاب الوحدة الإسلامية هو بلورة الصيغ العملية
والمناهج التطبيقية • المجال الذي يجب أن ندخل فيه لتحقيق الوحدة هو المجال الاجتماعي فالتعارف هو المدخل السليم والحيوي لتطوير
كافة أشكال التقارب والتضامن والوحدة • بناء الإنسان الوحدوي
هو الذي يصنع الوحدة .
إن المذهبية تعدّ قيمة معنوية، بينما الطائفية قيمة مادية، وإذا كانت المذهبية، من حيث هي فكر إنساني، تستطيع أن تعيش دون أن ترتبط بطائفة بذاتها، فان العكس غير صحيح، فالطائفية لا قوام لها بغير المذهبية باعتبار أن التجمع البشري إذا أريد له أن يتم فلا بد له من فكر يؤلف قاعدة للالتقاء، بصرف النظر عن كون هذا الفكر يعبر عن قناعات ومصالح، أو يعبر عن الطموحات والأهواء..
أما "التقريب" فيقصد به، تقريب وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية التي تلتقي على الأصول العامة والثابتة في مجالات الفقه والأصول والكلام وعلوم القرآن والحديث، وإزالة سوء الفهم المتبادل والعمل على ما هو متفق عليه وتجنب ما هو مختلف فيه في إطار العلاقات العامة.
وهذا ما نهضت به "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية" بالقاهرة.
و"الوحدة" تعني وحدة الأمة الإسلامية إما في إطار دولة إسلامية واحدة كدولة "الخلافة"، وانطواء الأمة الإسلامية تحت قيادة إسلامية واحدة، وهذه القيادة قد تكون فرداً أو جماعة، مع إزالة كافة أشكال النـزاع والشقاق والتفرقة المذهبية أو القومية أو العرقية أو العنصرية.. و"التضامن" هو أن يشعر المسلم أنه متضامن مع أخيه المسلم في مختلف شؤونه وقضاياه.. وليس بين هذه المصطلحات أي تناقض أو تنافر..
فالتقريب مجاله الجانب العلمي.
والوحدة مفهوم شامل لكافة الأبعاد والجوانب.
والتضامن يكاد أن يتركز في المجال الاجتماعي والسياسي.
وفي مشروع الوحدة نحتاج إلى مختلف هذه الأبعاد والمجالات..
نقد معرفي:
نقد الوحدة الإسلامية معرفياً لتأسيس فهم سليم على قاعدة علمية وأرضية موضوعية.
أولاً: إن الوحدة هي مضمون قبل أن تكون شعاراً، وجوهراً قبل أن تكون شكلاً.. وهذه المضامين ينبغي أن تتبلور وتتضح وتتحدد لنفهم ماذا نريد من الوحدة، وكيف نصل إليها، وبأيّة منهجية نتعامل معها...؟
ثانياً: كثيراً ما تطرح الوحدة الإسلامية على أرضية الالتقاء على قضية إسلامية كبرى في الأمة كقضية فلسطين التي يركز عليها دائماً في هذا المجال، وهذا صحيح لا خلاف عليه، لكن قبل ذلك ينبغي أن تنطلق الوحدة الإسلامية من عمق الذات قبل الواقع، ومن الداخل قبل الخارج. أي من روحية وعقلية صادقة خالصة مسؤولة.
ثالثاً: قد تجاوزنا في خطاب الوحدة الإسلامية البحث في الأهمية والضرورة والبواعث، فقد باتت هذه المفردات من المسائل التقليدية والسطحية حتى أصبحنا نجتر الأفكار ونكررها واستهلكنا منها الكثير، وما نحتاجه في خطاب الوحدة الإسلامية هو بلورة الصيغ العملية والمناهج التطبيقية، وتحديث هذه الصيغ وتجديد المناهج بما يتناسب والمعطيات الراهنة في إنجاز الوحدة والتقدم بها إلى الأفضل.
رابعاً: اتجهت أطروحات الوحدة في الأغلب بين مجالين، المجال السياسي والمجال العلمي، وتركزت الجهود والفعاليات بين هذين المجالين، وهما من المجالات الأساسية والمتقدمة في مشروعات الوحدة.
والمجال الذي لم نجربه وأرى فيه الأولوية هو الجانب الاجتماعي، أي أن نبدأ بالوحدة اجتماعياً، ببناء الروابط الاجتماعية، وتوثيق العلاقات الأخوية، بالتزاور والصحبة والتقارب والألفة، وقبل كل ذلك بالتعارف، حيث إننا لا يعرف بعضنا بعضاً، والتعارف هو المدخل السليم والحيوي لبناء وتطوير كافة أشكال التقارب والتضامن والوحدة.. وهذا ما نفهمه من القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
أن نبدأ بالوحدة اجتماعياً لأن عمق الفرقة والتجزئة أصبحت اجتماعية فالتعارف والعلاقات في داخل المجتمعات الإسلامية يكاد ينحصر في أصحاب المذهب الواحد، وفي داخل المذهب الواحد في أصحاب الجماعة الواحدة، وفي داخل الجماعة الواحدة في أصحاب العالم أو المرجع الواحد.. وهكذا حتى أصبحنا يغتاب بعضنا بعضا ويسيء الظن، وكل منا يسخر من الآخر فنتنابز بالألقاب لأننا لم نتعرف على بعضنا...
خامساً: إن من يصنع الوحدة هو الإنسان وتبدأ من داخله أولاً: وليس الزمن أو الأدوات أو غيرهما مع أهمية كل ذلك. وهذا يعني أن بناء الإنسان الوحدوي هو الذي يصنع الوحدة كما يقول السيد فضل الله: «فالقضية ليست هي قضية مشاريع الوحدة سواء المشاريع الفكرية أو العملية، ولكن هي قضية الإنسان، لابد أن نبحث عن الإنسان الوحدوي، الذي يعيش الوحدة فكراً وشعوراً وتطلعات مستقبلية في إطار الواقع.
إن هنالك الكثير ممن يعيشون الوحدة فكراً ويخططون لها لكنهم فشلوا لأنهم تحركوا في الساحة التي يعيش فيها الإنسان اللاوحدوي».
وهذا الفكرة تجعلنا نعطي مفاهيم الوحدة مكونات تربوية تبدأ من طرائق التربية داخل الأسرة، ونظم التربية في التعليم، لأن أسس وطرائق ومناهج التربية لا تخلق الإنسان الوحدوي. فكيف نبني الوحدة دون أن نبني قاعدتها وأرضيتها وهو الإنسان؟ فالأسرة ونظم التعليم تربي الفرد على الرأي الواحد ورفض الرأي الآخر، وهذه الطريقة لا تكوّن الشخصية الوحدوية، وهذا ما نحتاج أن نلتفت إليه تربوياً.
سادساً: تحويل هموم الوحدة من قضية خاصة بالفقهاء والعلماء إلى قضية الأمة بأجمعها وأن تصبح هماً واقعياً يعيشه الناس، لأنهم الأكثر تضرراً من تداعيات الفرقة والنـزاع، ولأن الوحدة هي قضية الأمة ومصيرها وحضارتها، وما الصحوة الإسلامية المعاصرة إلا إصرار من الأمة على أن تشارك في قضاياها المصيرية، وان تكون حاضرة في ساحة الواقع شاهدة على مستقبلها بعد أن كانت غائبة ومغيبة لسنين طويلة.
سابعاً: تصحيح بعض الاعتقادات والأحكام والتقاليد التي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر، بنسبة أو بأخرى في تفتيت الأمة وتمزيقها. أي أن نعمد من جديد، إلى غربلة العقائد والعادات والفتاوى لدى الأمة من أجل إخضاعها للمقاييس الفنية الاجتهادية في فهم الكتاب والسنة، وفي تقويم الأحاديث في صحتها وضعفها...
ثامناً: تأصيل قضية الوحدة في مقاصد التشريع الإسلامي، لأن وحدة الأمة من المصالح العليا العامة ومن خلالها تتجنب الأمة الكثير من الأضرار والمفاسد المحرزة والخطيرة، وهذا ما نعيشه بمرارته من سنين.
وعن هذا التأصيل يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين إن «هذا المقدس أي وحدة الأمة هو من موضوعات علم الفقه ولكن لم يوضع له باب خاص في الفقه حتى الآن، وان كان موضوعاً للبحث الفقهي في أبواب كثيرة، وفيجب أن يوضع له باب فقهي خاص. وكما أنه ليس من موضوعات علم الكلام، ويجب أن تعاد صياغة علم الكلام على أساس أن وحدة الأمة أحد الأصلين اللذين يبتني عليهما الاعتقاد الإسلامي...».
تاسعاً: إن الوحدة لا تعني إلغاء التعددية وإقصاء الاختلاف كما هو في فهم البعض. هذا الفهم الذي يعبر عن منهجية هي من أسباب جمود وتوقف مشروعات الوحدة. وكلما وضعنا الوحدة كنقيض مع التعددية كلما تراجعنا إلى الوراء، لأن التعددية هي طريق الوحدة، والوحدة التي نريدها هي على أرضية التعددية، وهذا هو المدخل الواقعي والموضوعي لمشروعات الوحدة.
عاشراً: إن الوحدة هي مسيرة طويلة من البناء التدريجي التصاعدي المتكامل، والجميع مسؤول في أن يشارك في مسيرة هذا البناء، لأن ما يفصلنا عن الوحدة هو تاريخ طويل شديد التعقيد لا زلنا نحمل رواسبه وثقافته ومذاهبه السياسية.
وهذا يعني أن لا نستعجل الوحدة، وأن علاجها ليس بالقرارات لوحدها، أو بالخطب البلاغية والحماسية، ولا بعقد مؤتمر هنا وندوة هناك، فالوحدة بحاجة إلى زمن وعلينا أن نعبر هذا الزمن بخطى حثيثة، وبجهود صادقة ومخلصة ومسؤولة وبحركة بناء متواصل..
الحادي عشر: نظرنا إلى التاريخ طويلا ولم ننظر إلى المستقبل بعد. وهذا من مشكلات العقل الإسلامي.. والنظر إلى التاريخ بالمنهجيات التقليدية السائدة كان يمزقنا ويكرس فينا الفرقة والشقاق، وحان الوقت أن نوجّه أنظارنا إلى المستقبل لنكتشف مصيرنا والمستقبل الذي ينتظرنا، الأمر الذي يفترض أن يرجع بنا إلى الذات ونقدها وتقويم ما نحمله من مفاهيم ومواقف لأجل أن نصل إلى مستقبل أفضل، ونتدارك ما ينتظرنا من خطر ما حق.
فليكن وعينا للمستقبل طريقنا إلى التقارب والتضامن والوحدة..
الثاني عشر: لسنا الآن في مرحلة الوحدة، بل في مرحلة ما قبل الوحدة، وتحديداً في مرحلة الحوار الذي أسميه الواجب الغائب. فالجسر الذي يوصلنا إلى الوحدة هو جسر الحوار، ومن غيره لا نتوقع أية وحدة.
لماذا فشلنا؟ لابد أن نعترف بالفشل ويكون منطلقنا للعلاج. وهذا الفشل لا نستطيع أن نسميه إلا فشلاً حضارياً، فالتخلف قد استقوى علينا بقوة وشمولية، ودخل في تفاصيل حياتنا، وصاغ تشكيل عقولنا، وهو الجذر العميق لأزماتنا ومشاكلنا في جوانبها المختلفة.
فالوحدة تنبع من الحضارة، والتجزئة تنبع من التخلف.
ومسؤولية هذا الفشل لا يتحمله طرف دون آخر، وكذا العلاج.. ويجب أن لا ننشغل بمن المسؤول أولاً، ولا بحصة كل طرف، فهذه منهجية خاطئة لا تصل بنا إلى العلاج.
وأن نحذر من أن يكون الحديث عن الفشل تكريساً للفشل ذاته، بل أن يكون الحديث عن الفشل بداية وعي للنهوض باكتشاف أزمتنا الحضارية.
فالمسيرة إلى الوحدة هي مسيرة إلى البناء الحضاري الشامل.
المصدر: https://iranarab.com/Default.asp?Page=ViewArticle&ArticleID=780