“قانون ماكرون”.. ما تأثيره على تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا؟
تتكرر الخلافات بين المجتمعات المسلمة المتنامية في أوروبا وحكومات دول القارة، حيث سيقدم الرئيس إيمانويل ماكرون في كانون الأول/ ديسمبر 2020 مشروع قانون لمكافحة ما أسماه "الانفصالية الإسلامية" والتي تستهدف الجاليات المسلمة في فرنسا.
ورأت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية أنه بشكل عام تعتبر هذه الخطوة جيدة، رغم أنها يجب أن تكون مصحوبة بإجراءات لمكافحة "الإسلاموفوبيا" التي يعاني منها ملايين المسلمين الأوروبيين.
وأوضحت الصحيفة أن هذه الإجراءات لا يمكن أن تقضي على الإسلام، وهو ما ينوي ماكرون فعله. في المقابل، سوف تخلق مشاكل وصراعات أكثر حدة يتم حلها بطريقة أو بأخرى لصالح الحكومة، لكن لن يتم القضاء على الإسلام وتحقيق الهدف من هذا القانون.
وقالت: إن البيان الأخير الذي أدلى به الرئيس إيمانويل ماكرون حول العلمانية، والذي فضّل فيه بوضوح العلمانية على الدين، وتحديدا على الإسلام؛ يتصادم مع مجتمع مهم من السكان المسلمين في فرنسا، يقدر عددهم بستة ملايين نسمة. ووفقا لجميع التوقعات، سيستمر عدد المسلمين في فرنسا في الزيادة في المستقبل.
ارتباك هائل
وفي خطابه، اتهم ماكرون المسلمين الذين لا يقبلون القيم العلمانية والجمهورية بـ "الانفصاليين". ولا توجه هذه الاتهامات فقط لمسلمي فرنسا ولكن أيضا في البلدان الأخرى حيث توجد جيوب كبيرة من السكان المسلمين. وبشكل عام، هناك ارتباك هائل في جميع أنحاء القارة الأوروبية حول كيفية التعامل مع الإسلام ولا يوجد موقف مشترك في هذا الشأن.
ونوهت الصحيفة إلى أن إحدى القضايا التي أثارت جدلا واسعا تتمثل في أنه في أكثر من مناسبة بدا أن ماكرون يوجه خطابه إلى جميع المسلمين الفرنسيين وليس إلى المتطرفين الذين يشكلون جزءا بسيطا من المجموع. وبشكل عام، يشارك معظم المسلمين في فرنسا حياتهم اليومية مع بقية السكان، ويختلطون بالفرنسيين غير المسلمين.
وأفادت بأن أصول جزء كبير من المسلمين المهاجرين إلى فرنسا يعود إلى المستعمرات السابقة، خاصة المغرب والجزائر، حيث كانت فترة الاستعمار في السنوات الأخيرة موضع تساؤل من وجهات نظر عديدة. في الوقت نفسه، يتزامن هذا الخطاب مع التراجع الذي تعيشه أوروبا والغرب بشكل عام.
في السياق ذاته، أصبح من الواضح أن أسس الغرب بدأت تتآكل تماما بالتزامن مع بدأ المفكرين والفلاسفة الفرنسيين ما بعد الحداثة في انتقاد القيم العقلانية التي نشأت من عصر التنوير. ونتيجة لهذه الانتقادات، يتسم عصرنا بعدم الثقة في هذه القيم على وجه الخصوص، وفقا للصحيفة.
ورأت أنه "في هذا المعنى، تعتبر كلمات ماكرون بمثابة محاولة لاستعادة تلك القيم، وبشكل أكثر تحديدا، مبدأ العلمانية الذي شرعته فرنسا عام 1905، وهو مبدأ يتعارض مع الإسلام، حيث يستحيل عمليا فصل الدين عن السياسة. زيادة عن ذلك، أكد العديد من الأيديولوجيين الإسلاميين المعاصرين أن هناك علاقة قوية بين الإسلام والسياسة ولا يمكن الفصل بينهما".
وذكرت الصحيفة أن هذا النقاش الذي طرحه خطاب ماكرون ليس بجديد في فرنسا، ففي الوقت نفسه يريد فيه ماكرون حماية العلمانية، والفصل بين الكنيسة والدولة، وشدد على أن "العلمانية هي أساس فرنسا الموحدة". لكن، في ظل الأزمات التي يشهدها الغرب، تمكنت التعددية الثقافية من فرض نفسها على القارة لتثير استياء أكثر من شخص، بما في ذلك ماكرون. وبشكل خاص، من الصعب تخيل "فرنسا الموحدة"، مثل تلك التي يدعيها ماكرون، خاصة إذا تم منح المجتمع والأفراد الحرية.
قانون ماكرون
وأوردت الصحيفة أن ماكرون سيقدم مشروع قانون في كانون الأول/ ديسمبر 2020 لحل المشاكل المستمدة من الدين، أي الإسلام، على حد قوله. وبموجب هذا القانون، سيمنع الأطفال من الالتحاق بالمدارس التي تقدم تعليما إسلاميا ويتجاهلون البرنامج التعليمي الفرنسي.
كما سيمنع هذا القانون الطلاب المسلمين الذين لا يُسمح لهم بالالتحاق بالمدارس الحكومية، على سبيل المثال الفتيات اللواتي يصررن على الحضور في المدارس دون التخلي عن ارتداء الحجاب؛ من التمتع بحق التعليم عن بعد.
وبينت أنه توجد إجراءات أخرى لمحاربة التطرف، أهم من التي اتخذها ماكرون. وعلى سبيل المثال، يمكن مراقبة المساجد، حيث سيتم حظر خطب الأئمة الأجانب المتطرفين وستفرض نوع من السيطرة على الأئمة بشكل عام. وبهذا الشكل، سيستفيد الجميع. وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات لن تنهي التطرف، إلا أنها يمكن أن تقلل منه بشكل كبير.
وتجدر الإشارة إلى أنه في وسائل الإعلام الإسلامية وبعض الدوائر التقدمية، اتُهم ماكرون بنشر الإسلاموفوبيا، وهو نوع من العنصرية المنتشرة في فرنسا وبقية أوروبا. ولمكافحته، سيكون من الضروري أن يتخذ الرئيس الفرنسي أيضا إجراءات لإنهاء التمييز الذي يعاني منه السكان المسلمون في مناطق لا حصر لها.
وأوضحت الصحيفة أن منتقدي ماكرون يعتبرون أن مشروع القانون ينتهك حقوق المسلمين المنصوص عليها في المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بحرية الدين، بما في ذلك حرية تعليم المعتقدات وممارستها.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن هذه القضية تحتاج إلى التنظيم بطريقة أو بأخرى، ليس فقط في فرنسا ولكن في أوروبا ككل. ولكن، يجب أن يتم ذلك بأكبر قدر ممكن من الحذر بحيث إنه في الطريق نحو محاولة تجنب التطرف لا تظهر ردود فعل تؤدي إلى تفاقم التمييز المتزايد وغير المقبول.
المصادر:
1 |
---|
المصدر: https://www.alestiklal.net/ar/view/6238/dep-news-1602427533