الأب مانويل مسلم: التطبيع الإماراتي نقض العهدة العمرية

محمد عيد

 

في 13 أغسطس/ آب 2020، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، توصل الإمارات وإسرائيل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، وقوبل الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بتنديد فلسطيني.

أعلن الفلسطينيون رفضهم اتفاق التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب، ووصفوه بأنه "خيانة" لقضيتهم، وطعنة في ظهورهم، إضافة إلى أنه تفريط في المقدسات الإسلامية والمسيحية.

أجمع الفلسطينيون على تخوين دولة الإمارات العربية المتحدة، وأطلقوا عليه "اتفاق العار"، وسحبت السلطة سفيرها من أبوظبي، كأول الردود العملية على الاتفاق.

لمعرفة تأثير الاتفاق على القضية الفلسطينية، خاصة مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى، والمقدسات المسيحية، حاورت "الاستقلال" رئيس الهيئة الشعبية العالمية لعدالة وسلام القدس، وراعي كنيسة اللاتين في غزة سابقا، الأب مانويل مسلم.

كسر الصخرة

  • كيف ترون خطوة التطبيع الإماراتي الإسرائيلي الأخيرة؟

حين تنسلخ دولة عربية عن القدس وتذهب لـ"إسرائيل"، تكسر فينا روح القومية العربية، ونشعر نحن الفلسطينيين بأننا لم نعد جزءا من الوطن العربي، ولم يعد هناك بعد قومي عربي موحد، بل قوميات متفرقة ومتشعبة، وهذا ما فعلته الإمارات.

الاتفاق الإسرائيلي ضرب القومية العربية، التي هي بالنسبة لنا المساحة الحقيقية لشعب فلسطين كي يشعر بأن له حماية، وإذا هدمت القومية نشعر أننا أصبحنا غرباء.

الأرض أصبحت غريبة عن العرب، وكأن فلسطين أصبحت ليست جزءا من العالم العربي، هذا الانسلاخ يعد كسرة للصخرة الإسلامية التي تمتد من الخليج إلى المحيط الهادر، وهي الصخرة التي قامت بالفتوحات الإسلامية وتم بناؤها وبناء الدين عليها، والعهدة العمرية، وسماحة الإسلام، ورسالة القرآن الكريم، والحضارة الواحدة للشعب العربي بأكمله، والعلاقة ما بين القدس والدول العربية خاصة مكة والمدينة. الاتفاق الإماراتي كسر هذه الصخرة وأغرقنا في البحر.

  • ما هو أثر التطبيع الإماراتي الإسرائيلي على القدس المحتلة والمقدسات؟

اتفاق الإمارات مع "إسرائيل" ترك غصة في قلب كل فلسطيني، حسب تعاليم ديننا الإسلامي كنا ننتظر منهم مودة ورحمة، لكن للأسف حين نرى الدول العربية وهي إسلامية لا تعتبر القدس والأقصى والمكان والإنسان والأرض جزءا من الإسلام، وبالتالي ليست جزءا من العقيدة، أصبحنا نفقد امتدادنا العربي والإسلامي بل والإنساني أيضا، لم يعد لسورة الإسراء وجود عند المسلمين.

كل الأرض حول المسجد الأقصى استولى عليها الاحتلال، وطوق صخرة القبة. المستوطنات أضاعت عروبة فلسطين وقتلت الأقصى وكأنه ليس جزءا أصيلا من مكة المكرمة والمدينة المنورة. كل شيء في مدينة القدس، وجذورها وأرضها، وثمارها، يخص العرب، لماذا أنتم لا تريدون الأكل من ثمار القدس؟.

  • لكن الإمارات تقول بأن اتفاق التطبيع مع إسرائيل لم يمس ثوابت القضية الفلسطينية؟

في القدس، توجد العهدة العمرية، وهي عهدة ما بين المسيحيين وكل المسلمين، هي بمثابة العهد والأمانة التي بيننا وبينهم. حين جاء عمر بن الخطاب أمير المؤمنين كان يمثل العالم الإسلامي، وتم عقد الاتفاق معه كأمير للمؤمنين، ومثل عمر كل المسلمين، وبالاتفاق مع "إسرائيل" تكون الإمارات ضربت العهدة وضيعت المسيحيين الموجودين في لبنان والأردن ومصر، لأن العهد العمرية تشمل كل المسلمين والمسيحيين في بلاد الإسلام.

الإمارات تتلاعب بالقضية الفلسطينية مثل كرة قدم. اتفاق التطبيع يحرق الهوية الفلسطينية، ويعني عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين في الخارج.

زيارة القدس

  • ماذا لو زار مسؤول إماراتي القدس المحتلة كيف سيتم استقباله؟

حين تزورون القدس يا إماراتيون، أنتم إخواننا، لن نمنعكم من الزيارة، لكن لو جئتم لزيارة المسجد الأقصى المبارك، من الذي سيحميكم، لو المقدسيين استقبلوكم بأحذيتهم، هل ستصبحون أعداء لنا؟.

أنا كمسيحي لا أسمح بإهانة إنسان مسلم، لكن لا أعتقد أنه سيتم استقبالهم بشكل جيد، ولا أعول عليهم، ولو كنت أنا شيخ الأقصى وهذا شرف، لا أستطيع منع الناس من التعبير عن أي طريقة في الاستقبال.

أنتم بهذه الاتفاقية تعتبرون احتلال القدس قانوني وأخلاقي وشرعي، لم تعد القدس بالنسبة لكم مدينة احتلتها عصابات إسرائيلية تم جمعهم من أوروبا وأستراليا وروسيا والهند والصين.

  • برأيك ماذا ستستفيد تل أبيب من وراء الاتفاق؟

إسرائيل ليست بحاجة للإمارات علميا أو تكنولوجيا، اتفاق التطبيع هو عملية استعمارية، تهدف إسرائيل من خلاله الاستيلاء على الممرات المائية والثروات، وفتح الطريق للوصول إلى شواطئ الخليج العربي.

إسرائيل تريد التجسس على الدول العربية، ومحاصرة إيران، ومحاصرة المقاومة في العراق وسوريا ولبنان، وكل الخليج. إسرائيل تريد مساعدة الجيوش المتحاربة هناك، بحيث تفتك ببعضها البعض، وتريد مساعدة السعودية من أجل تكسير رأس اليمن، هذا هدفها من الاتفاق.

إسرائيل لن ترحم الإمارات، وسوف تهينها ولن تحترمها. الدول العربية انقسمت إلى دويلات للأسف. الله أعلم ماذا سيحل بنا من إذلال وضعف وفرقة حيث يسهل استعمارنا.

أوراق الضغط

  • ما هو المطلوب من الفلسطينيين لمواجهة أي خطوة مماثلة قد تقوم بها دولة عربية أخرى على غرار ما فعلت الإمارات؟

الفلسطينيون لم يبق لهم أي مشروع وطني سواء من هيئة الأمم المتحدة، أو منظمة التحرير، أو من الدول العربية أو من المبادرة العربية، نحن أصبحنا نشعر أننا غرباء، أصبحنا وحدنا في الميدان، لنا قضية لا أحد يساعدنا بها إلا بالكلام، نحن لا نريد الكلام، ولا نريد الطعام كي نعيش، نحن نبحث عن التحرير، وليس الأكل والماء، نحن لا نهتم بذلك، مستعدون للجوع والعطش، نحن أصحاب قضية وأصحاب حقوق، علينا أن نصبر ونقاوم، وأن نقرر لأنفسنا، حتى يتم تحقيق المشروع الوطني الذي نحلم به.

  • ماذا عن أوراق الضغط التي يمتلكها الفلسطينيون لمواجهة التطبيع؟

يجب على الفلسطينيين أن يختاروا قيادة فلسطينية جديدة بعيدا عن الانقسامات، والآراء المختلفة والمفاوضات، والتنسيق الأمني وحق الدولة والدولتين. كل ذلك انتهى وسقط، يجب علينا البحث عن قيادة جديدة عبر انتخابات. الإصرار على بقاء تلك القيادة النائمة هو سبب فشل الفلسطينيين.

بعدها، يجب أن تحدد القيادة الجديدة الطريق الذي يجب أن نسلكه، وإذا قالت هذه القيادة إننا سنسلك طريق المطالبة بالشرعية الدولية فسوف نبقى نطالب إلى ما لا نهاية، لكن لو قالت يجب أن نتجه للمقاومة بكل أنواعها ساعتها يجب أن نقاوم، وكل فلسطيني لا يقاوم وقتها يكون خائنا للشعب الفلسطيني وقضيته ونضاله وتاريخه الوطني.

قرارات الضم

  • هل أوقف التطبيع الإماراتي بالفعل قرارات الضم؟

الإمارات قدمت مسرحية حول وقف قرارات الضم، القدس كلها تحت سيطرة الاحتلال سواء بقرار ضم أو بدون، إسرائيل لن تخرج من فلسطين إلا بقوة السلاح وبالتالي لا نريد مسرحيات، والكلام مردود عليه، يجب أن يفهم العرب أنهم ليسوا هم من يقررون لنا بل نحن من يقرر لأنفسنا.

لماذا لا تتحدث الإمارات عن ضم القدس، هل انتهى ذلك؟، الأغوار محتلة، والضفة، وفلسطين من بحرها لنهرها محتلة، وقصتنا هي تحرر وطني.

  • برأيكم، هل الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي ضمن صفقة القرن؟

الذي يحدث هو حرب صليبية جديدة على الفلسطينيين، حرب صليبية تدعمها المسيحية الأصولية، وأوروبا التائهة في مشاريع توراتية وتلمودية، لأنه يجب جلب اليهود لفلسطين لكي يأتي المسيح، هذا معتقدهم التوراتي، نحن نحيا في ظل هجمة استعمارية استحوذت على كل فلسطين ويجب دحرها.

صفقة القرن والتطبيع والسلام مع إسرائيل، كل هذا الهراء بالنسبة للفلسطينيين لا يعني شيئا، نحن في حالة مسيرة تحرر وطني. القيادات العربية أفرغت السلاح من الرصاص، والجيوش العربية أصبحت مهمتها فقط الحفاظ على الكراسي وخدمة الحاكم، لا يوجد أبدا بالنسبة لنا رصاصة واحدة في البنادق العربية إلا إذا تحررت تلك الشعوب من القادة.

المصدر: https://www.alestiklal.net/ar/view/5770/dep-news-1598464159

الحوار الداخلي: 
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك