صورة الإسلام في ألمانيا (الإسلاموفوبيا): مفاهيم متباينة، وخياراتٌ سياسيةٌ للتعامُل

صورة الإسلام في ألمانيا (الإسلاموفوبيا): مفاهيم متباينة، وخياراتٌ سياسيةٌ للتعامُل

هاينر بيليفيلد(*

يمكن القول: إنّ صورة الإسلام في ألمانيا وبلدانٍ غربية أُخرى هي اليومَ أقربُ للسلبية. ويرجع ذلك لأسبابٍ تتعلق بالإرهاب (أي هجمات 11 سبتمبر 2001م، والهجمات الأُخرى داخل العواصم الأوروبية)، وأُخرى تتعلق بصورة الإسلام لحقوق النساء، وطرائق الزواج، والعلاقة بين الجنسين، والعلاقات الأُسَرية الأُخرى. وهذه الأمور يكون على المسلمين أنفسهم إلى حدٍ بعيدٍ الإجابةُ عليها. كما يكونُ على المجتمعات والدول التي يعيشون فيها أن تتقدم بإجاباتٍ على التحديات التي يطرحها الحضور الكبير للإسلام في أوروبا، وفي عالم اليوم. ومن الضروري في البداية أن نحدّد بشيء من الدقة، ما هي حدود الانتقاد وحرياته، وكيف نُميِّزُ بين النقد والتمييز ضد الإسلام. ثم ننطلق بعدها لتوضيح الظواهر، ولينتهي الأمر بتوصياتٍ تُفيدُ في التعامُل مع المشكلة في ألمانيا وفي البلدان الغربية الأُخرى.

أولاً: الفرقُ بين نقد الإسلام ورُهاب الإسلام

1- مفهوم رُهاب الإسلام: يمكن للتحفظات والمخاوف حيال الإسلام أن تتحول إلى موقف تعميمي قائم على الرفض العنصري لأُناسٍ ذوي خلفية إسلامية. وقد صار ذلك معـروفاً منذ سنـوات، وفرض نفسَه تدريجياً. وهو يتشكل من مـواقف نمطية وسلبـية إزاءَ الإسـلام ومعـتنقيه الحقـيقيين أو المفتـرضين. وقد اشتـهر مفهوم الإسلاموفوبيا هذا (= رُهاب الإسلام) على صعيد الرأي العام عبر تقرير: الإسلاموفوبيا المُثبت من Runnymede Trust البريطاني الصادر عام 1997م، وكذلك من جانب اللجنة الأوروبية لرصد التمييز العنصري، والتي نشرت حتى الآن تقريرين عن الخوف من الإسلام بين مايو عام 2000م وسبتمبر عام 2006م. ويتحدث المقرِّر الخاصّ للأمم المتحدة داودو ديني، والمختص بالأشكال المعاصرة للعنصرية عن علاقة خوف الإسلام بالأشكال الأُخرى للعنصرية الموجَّهة للمجموعات الدينية أو العرقية مثل العداء للسامية أوالخوف من المسيحية.

2- وسيلة لفرض الرقابة؟ واجه مفهوم خُواف الإسلام شكوكاً قويةً بعض الشيء في سياق الصُوَر الكاريكاتورية عن النبي محمد e. إذ نشرت الصحيفة الفرنسية الأسبوعية (شارلي هبدو) في مارس عام 2006م خطاباً مفتوحاً من اثني عشر كاتباً وكاتبة يحذّرون فيه من تقييد حرية الرأي بحجة مكافحة الرهبة من الإسلام. وكان من بين الموقّعين كُلٌّ من سلمان رشدي وأيان هرسي علي وبرنارد هنري ليفي وتسليمة نسرين. قال هؤلاء: (نرفض أن نغادر اتجاهاتنا النقدية خوفاً من اتهامنا بمعاداة الإسلام..). وقال بسّام طيبي (الباحث الألماني من أصل سوري): إنّ هذا المصطلح يستخدمه الإخوانُ المسلمون في حربٍ دعائيةٍ للإسلام السياسي ضد أوروبا والغرب! ومن جهة ثانيةٍ فقد جرى استخدامٌ استراتيجي لمفهوم الخُواف من الإسلام من جانب منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تتقدم سنوياً بقراراتٍ تتعلق بمكافحة الحطّ من الأديان، ومكافحة الرهبة من الإسلام. وتقوم جهات أُخرى في أوروبا بالشيء نفسه للضغط وإدانة ظاهرة الخُواف من الإسلام. ويلفت الانتباه على سبيل المثال قول الصحافي البريطاني المسلم ضياء الدين سرادار: إنّ المسلمين تنتظرهم مذبحةٌ في أوروبا، تشبه المحرقة ضد اليهود!

ومما لا شكَّ فيه أنّ سوء استخدام مصطلحٍ ما يسيءُ إلى صدقيته بالذات، لكنّ ذلك لا يعني ضرورة الكفّ عن استخدامه. بيد أنّ خصوم ذاك المصطَلَح مثل دانييل بايبس يعبترون أنّ غموض المصطلح يساعد على سوء استخدامه. وكان تقرير مؤسسة (راني ميد) قد نبّه لذلك في العام 1997م كما ذكرْنا من قبل. لكنه قدَّم تحديداً دقيقاً للظاهرة بالقول إنّ خُواف الإسلام يتكونُ من تعميماتٍ سلبيةٍ تُنكرُعلى البشر المعنيين صفةَ الأفراد ضمناً أو ظاهراً، وغالباً ما تظهر في إهاناتٍ عملية.

3- الخطّ الفاصل بين الاستفزار والتجريح: إنّ صَوغ المواقف النقدية سواء بصورة استفزازية أو حادّة، يجب أن يكونَ ممكناً ومُتاحاً في مجتمع حُرّ. وهذا ما أوضحتْه المحكمة الدستورية الاتِّحادية الألمانية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ في حكمها القضائي بشأن حرية الرأي. وتتضمن حرية الرأْي وفق محكمة العدل الأوروبية معلوماتٍ وتصوراتٍ (من شأنها أن تهين أو تَصدمَ أو تُربك الدولة أو قسماً من السكان أيضاً). وينسحبُ هذا الصدمُ على المفاهيم الدينية أيضاً التي لا يجوزُ عَزْلُها أو استثناؤها من الجدال. فليس هناك توترٌ بين حرية الرأي وحرية الدين في نظر المحكمة. وحرية الدين لا تعني حصانةً تشريفيةً للأديان وإنما تضمن حرية اختيارات الناس في مسائل الدين. وتتابعُ وجهةُ النظر هذه قائلةً إنّ الرقابة بدوافع دينية مثلما حدث في سياق النزاع حيال الصور الكاريكاتورية، فيها تجاوزٌ لحقّ الإنسان في حرية العقيدة بوصفها حقاً طبيعياً. ومن جهةٍ ثانيةٍ فإنّ تعمُّد الإهانة والإذلال ليس مِمَّا يشمله مفهوم حرية التعبير. ولذلك فقد حكمت محكمة لودينغهاوزن في فبراير عام 2006م على رجل بالسجن لمدة عامٍ مع وقف التنفيذ وبالعمل التطوعي لمدة ثلاثمائة يوم لأنه وضع عنوان القرآن على أوراق الحمّام، وأرسله إلى وسائل الإعلام وإلى المساجد! ففي مجتمع حر متعدد الآراء يمكن للناقد الحادّ أن يمارس حريته في التعبير؛ لكنْ يمكن للمتضرر أو المُهان أن يلجأ للقضاء. ذلك أن حرية الرأي لا بُدَّ أن تُستخدَم بطريقةٍ عقلانية. ومع ذلك فإنّ الأمر سوف يبقى خلافياً. إذ أين هو الحدُّ الفاصلُ بين الاستفزاز المقبول والتجريح المكشوف؟

أما أنا فأعتقد أنّ الأمر تجاوز حدود المعقول والمقبول. من مثل ما جاء في كتاب غونتر لاخمان وعلى غلافه العَلَم الألماني مقصوصاً بالهلال. أمّا عنوان الكتاب فهو: التسامحُ القاتل، المسلمون ومجتمعُنا المفتوح!

وقد فعل الشيءَ نفسَه أولف كوته الذي زعم أنه ستكون هناك (أوروبا عربية)، وستُطبقُ الشريعةُ في أوروبا عام 2040م، وبعد قرن ستكون العمارات الفخمة والفاخرة باقية؛ لكنّ سكانها يكونون قد غادروا ليتركوها للمسلمين القُدامى والجدد! ونستطيع أن نذكر المزيد من هذه الأمثلة ـ من مثل قول الصحافي الإيطاني رالف جيوردانو عن (التقية) إنها إذْنٌ صريحٌ يسمحُ التضليل والاحتيال في الجدال مع الكافرين!

وبالمقابل لا يفيد في التصدي لذلك إلاّ الوضوح ـ أي نقد استغلال مفهوم خُواف الإسلام من قبل مؤسسات الدعاية. أما إزالة الفروق بين نقد الإسلام والخوف منه كما يمارسه باستمرار الإيديولوجيون الإسلاميون فإنه يقود في النهاية إلى أمرٍ مُعاكس. وكذلك الأمر مع ما يقوله بسّام طيبي وأُلفكوته من تحريمٍ لمفهوم خُواف الإسلام؛ إذ يؤدي إلى عكسه بالضبط.

4- الاستنتاجات:

أ- الإسلام بوصفه جزءًا مسلَّماً به في المجتمع الألماني. فالإسلامُ دينٌ معترفٌ به في ألمانيا، وينبغي أن يتبقى كذلك. وهذا ما قاله وزير الداخلية الألماني فولغفانغ شويبله من أنّ المسلمين يشكّلون جزءًا ثاتباً من المجتمع الألماني. والاعتراف بوجود الإسلام في ألمانيا يتضمن أيضاً الاعتراف بممارسة العلنية. فالدين في مجتمعٍ حرٍ ملتزمٍ بحقوق الإنسان لا يُعتبر مسألةً شخصية على عكس الانطباع السائد. ومسألة التغاضِ عن المدرّسات اللواتي يلبسن الحجاب في المدارس يعني أنّ دولة القانون لا تستطيع أن تفرض نظام زيٍ معيَّن أو بناء مساجد جديدة واحتضان روادا جدد؛ وذلك لأنّ هذه النظرة تستند إلى حرية الدين والتدُّين.

ب- الإدراك المتنوع والإنصاف: ويعني ذلك الالتزام بأن تكونَ الحلول للمشكلات سلمية وبالحوار. وتنصح المقررة الخاصة لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة أسماء جهانغير بألاّ ينظر إلى أعضاء الأديان أو الجماعات المختلفة بوصفهم مجموعات متجانسة بل ينبغي أن يظلَّ الاختلاف قيمةً.

ج - الدستور أساس بديهياً للتعايُش؛ في شتى الظروف والأحوال.

***********************

*) بروفسور هاينر بيليفيلد هو مدير المعهد الألماني لحقوق الإنسان. وقد نشر هذه المقالة بمجلة معهد حقوق الإنسان بالألمانية (2007م).

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=581

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك