الحوار فـنٌ يتقنـه الكِبـار

صالح العتيبي

الحوار لغة: الحَوْر ، العودة والرجوع ( عن / إلى )  الشيء، والحوار أسلوب تفاهم أثبته وأقرّه الإسلام، وهذا الإثبات بات جليا وواضحا إذ قال الله في سورة الكهف: " فقال لصاحبه وهو يُحاوره ".

ولدينا أسبابنا للحوار إذ أننا نستخدم هذا المنهج القويم في الوصول إلى غاية نقف عندها باتفاق لا اختلاف، ولا يكون الوصول إليها إلا عن طريق الحوار، وكما أن الأفكار حينما تتمازج بين ثنايا الحوارات فإنها تولّد الأفعال الطيبة، وتخرج نتائج مثمرة، أخصّ المشاريع العالمية الكبرى التي بدأت من فكرة، ثم تكوّنت إلى طاولة حوار، ثم تخطيط فبناء فإنجاز.

وتماشيا مع أنشطة وكالة الجامعة لشؤون المعاهد العلمية​ قد كان عنوان مقالي " الحوار فـنٌ يتقنـه الكِبـار " تحت مظلة عنوان الأسبوع الثالث عشر للفصل الدراسي الأول، ولعلي أؤكد​ على عدة نقاط لطلاب المعاهد العلمية حيث وافق شنٌ طبقة.

إن الدروس التي نقوم بشرحها لأبنائنا الطلاب، لم تكن لتُفهم وتُستوعب لولا أن فعّلنا جانب الحـوار، وقمنا بالتأكيد على سلامة وصول طائرة الدرس إلى مقر مطار عقل الطالب، فالحوار الذي يخدم جانب الموضوع يبني أفكارا هادفة، ويحيي جثث الشرود عن الدرس ويؤمّل في جيل واعد أن يكون أكثر اهتماما لتقنين الحـوار في الحياة اليومية وجعله أساسا لتنمية الفكر وتثقيفه والوقوف دائما على مراجعته والاستفادة منه لا سيما إن كان الطرف الآخر في الحوار أب أو أخ يكبرك أو معلم يسعى لإهدائك المعلومات التي تهمّك بشكل يليق بأسلوب الحوار بينكما.

 

إن الحوار في تصوّري إذ لم يكن وفق الأسس المنهجية المأخوذة من كتاب الله وسنة نبيه، فإنه لا يُحقق أهدافا نبيلة، بل قد يؤثر ذلك سلبا على أطرافه، وتؤخذ المعلومات وتُفهم على غير حقيقتها، وهذا مؤكد عندما يحاورك شخص متعلم وآخر عالم وآخر لا متعلم ولا عالم وإنما يخبط الحوار خبط عشواء دون الاعتراف بالتقصير الحاصل منه، وعلى مثل ذلك فلا تُحاوره إلا حوارا ظاهرا.

والحوار أنواع كثيرة وأقسام متشعّبة من أبرز هذه الأنواع:

الحوار لطلب العلم.

الحوار عند الغضب.

الحوار في عجالة.

الحوار بهدوء وسكينة.

وغيرها من الأنواع التي نتعايش معها في بيئاتنا ولعلّي أعرّج على تأصيل هذه الأنواع وفق التجربة التربوية القويمة.

الحوار لطلب العلم: إن طالب العلم صغيرا كان أم كبيرا، عندما يتحاور مع من هو أعلم منه ومن يثق بعلميّته كشيخ جليل في مجال تخصصه فإن الإنصات والاستجابة والإذعان والتدوين هي أجزاء أعلى قدرا من المناقشة والرد، وهذا النوع من الإنصات أرقى وأهذب أنواع الحـوار، فالصمت قد يكون حوارا إذا كان العقل حاضـرا.

الحوار عند الغضب: قد يكون الطرف الآخر أو كلا الطرفين في الحـوار فيهما صفة الغضب أو غاضبان في الأصل فإن الحوار يتجه نحو اتجاه حـاد وقاسٍ وهذا النوع غالبا لا يطول إذ ينتهي عند أقرب نقطة اختلاف جذرية تجعلهما يفترقان دون اتفاق وغالبا ما يحدث نفير وكره حيث جرت العادة عند بعض المتحاورين، ( إذ لم تتفق معي في الحوار فأنت ضدي ).

الحوار في عجالة: وهذا الحوار فيه جوانب حسنة، من أهمها اختصار الوقت وذلك بإراحة الطرف الآخر بردٍ يشفي غليله دون الخوض في التفاصيل التي قد لا تهم كثير من المتحاورين كأنْ يسألك عن مسألة علمية، قد فصّل فيها كثير من العلماء واختلفت الآراء في هذه المسألة إلى أقوال كثيرة وكان الراجح حاضرا من قول إمام عادل ، فهنا يُختصر الحوار بنقل رأي ذلك العالم والتبيين أن هذا القول هو الفصل فلا حاجة للبحث عن بقية الأقوال إلا للاستزادة وحب المعرفة.

الحوار بهدوء وسكينة: وهذا الحوار خاص بالمتحاورين الذين إن اختصرت عليهم الحوار بالقول الراجح قد يتوهم إلى أذهانهم أمور كثيرة لا تُحمد عاقبتها، وهذا الفن من الحوار ينتهي إلى أهداف قوية وإثباتات حية جليّة، ويكثر مثل هذا النوع عند طلبة العلم لا سيما طلاب الدراسات العليا وبعض المتخصصين لأهمية الغوص في المسائل والأخذ من كل مسألة على طرف ومعرفة الأمور التي اختصاراها قد يفسد مضمونها.

أدعو من هذا المنبر إلى التحلّي بأسلوبٍ راقٍ بالحوار أعني الأسلوب المحمدي، والقارئ في سيرته صلى الله عليه وسلم وأسلوب حواره مع أصحابه ونسائه، مع الكبير والصغير، سيرتقي علما وأدبا، ويتحلّى بلباسٍ يُجمله عند كل حـوار.

 

المصدر: https://units.imamu.edu.sa/shis/malaz-inst/EduArticles/Pages/news-19-3-1438-1.aspx

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك