أنزل الناس منازلهم
شذى الطيار
إن نعت كل ملتحٍ حفظ (كلمات القرآن) ومتون الحديث وطويل القصائد وقصيرها متغنيا بأمجاد أمته، ذو نبرة صوت جهورية مُزلزلة تُقطع نِياط القلوب خوفاً من جهنم وتوقاً إلى الجنة، بالعالِم، خطأ كبير. حتى وإن كان جهبذاً من جهابذة عصره أو عارفاً يغرق العامة في بحر معارفه..
لأن هذا النعت له مكانته الكريمة ومنزلته الشريفة عند الله، والتي لا يبلغها إلا من منعه علمه من الفساد والإفساد، والزيغ والطغيان، وإسدال الحُجب على الحق، وتولية قلبه ووجهه شطر موضع كلمة السلطان وهواه والقول بقوله والاحتكام لرأيه والتهافت على تقبيل يده أو كتفه الشريفة رجاء رضاه!..
إن العلم يحدو بصاحبه -أو لنقل بحامله، فإن العلم الحق يُحمل في الصدور وترق وتخشع به القلوب ليكون دليلها وسائقها إلى كل ما يرضي بارئها، وما كل علم يُتعلم هو علم حق- ليكون رحيماً متواضعاً، باراً بأمته مهتماً بشؤونها وشجونها، لا يخشى في الله لومة لائم ويرى نفسه كعضو من جسدها يألم بما ولِما تألم به وله..
ولا يزال بيننا جملة من المخطئين الذين سلموا زمام عقولهم لتلك الشرذمة من الدعاة والوعاظ، ورسموا لهم من التوقعات سقفاً هوى فوق الرؤوس عند أول المواقف الحاسمة، فكانت القاضية. فلا هم أنزلوهم منازلهم في زمرة البشر الخطّائين، ولا اجتهدوا فكانوا من المصيبين أو المخطئين، وحسِبوا أن للدين أناسه وللحياة العامية أناسها، فقعدوا عن التفكير وخافوا الجهاد والاجتهاد لأنهم ليسوا ملتحين ولا يحفظون القرآن وليسوا بخطباء مفوّهين..
إن لكل جوادٍ كبوة، ولسنا في هذا على خلاف، ولكن كبوة جواد المنعوت بالعالِم -أو الذي يراه السائرون على خطاه (عالماً)- ليست كغيرها بل هي المصاب الجلل إذ ترسم في الأذهان البسيطة التي لم تعتد يوماً سماع صوت عقلها وأفرغت جل ثقتها فيمن اختارته لها من الدعاة والوعاظ لأنهم كانوا في نظرها ممثلين عن الدين، صورةً مثلومة عنه، خالعين عنه ثوب الجمال الأسنى من خلال تلك الكبوة..
فلنمعن النظر والتفكير في صفات وأفعال العارف حامل العلم، وننزله منزلته البشرية ونتروّى قبل أن نخلع عليه اسم العالِم بعد ما حقق الشروط الظاهرية (للعلمنجية.) فبعضهم ما بلغ ما بلغه من الفساد إلا بعد ما أعناه عليه وصنعناه نحن بأيدينا. ونظراً لما شهدناه من مواقف الدُّعاة والوعَّاظ المخزية حيال الخطوب الجسيمة التي لحقت بالأمة مؤخراً والحق الجليّ الذي لا لبس فيه، فلا هم تكلموا بحق يطفئ نيران الصدور ،ولا سكتوا عن الباطل فلا يؤلبوا عليهم القلوب، نتحقق أن عدد العلماء الربّانيين في مجتمعاتنا إلى نقص وانحدار..
والله المستعان..