استراتيجيّات التكفير في الخطاب الإلكترونيّ
مقدّمة
إنّ العولمة التي زعزعت أساليب البشر في التفكير والممارسة، وبعثرت جملة المفاهيم الثقافيّة المكينة كالخصوصيّة والهويّة، قد أفسحت المجال للدينيّ حتّى يعيد ترتيب أدواته ومناويله في التكيّف وتشرّب الاحتياجات الجديدة للجموع المؤمنة، فالمؤسّسة الدينيّة التي فقدت حيّزا مهمّا من جمهورها وسلطتها في إدارة الشأن العامّ بسبب موجات التحديث قد أعادت مأسسة نفسها في السياقات الجديدة، لأنّه عندما "يعاني التنظيم الدينيّ أزمة التحكّم في المصادر الرمزيّة وفي أشكال التواصل بين المتنفّذين الدينيّين والمدنيّين"، فهو "يولّد آليات لتعويض الوظائف السابقة"[2]. لذا فالعولمة خلقت مفهوما جديدا للأسواق الماديّة والرمزيّة وبعثرت المعالم الثقافيّة للمجتمعات وأحدثت فورة دينيّة جديدة مجالها العالم الافتراضيّ الذي حرّر الجموع المؤمنة من الطقوس المؤسّسيّة ووفّر هوامش هائلة من النزعات التديّنيّة، وكأنّما العولمة بخياراتها الاتّصاليّة وأدواتها التقنية قد خدمت الدينيّ ومكّنته من النفاذ إلى سوق المؤمنين، ما دام ذلك يسهّل "انتقال الأفكار والموادّ الثقافيّة والإعلام وأنماط الاستهلاك عامّة".[3]
لكنّ الخطاب الإسلاميّ المعاصر ألفى نفسه أمام إكراهات هائلة أجبرته على إعادة مأسسة استراتيجيّاته في التواصل مع أمّة المؤمنين باختلاف محاضنهم الثقافيّة وسياقاتهم الاجتماعيّة دون الانقطاع عن أبنيته الأصوليّة الأثيلة، فكان على الخطاب الدينيّ المعاصر أن يندمج في السوق المعولَمة مستفيدا من خيارات التواصل الجديدة في الفضاءات الإلكترونيّة وما تتيحه النظم الإعلامية الرقميّة كتابة وصورة وصوتا من إمكانات في صناعة المعنى والسلطة وتوسيع حدود الجمهور الدينيّ، لأنّ هذه التقنيات توفّر "إمكانيّة أنّ تعابير إسلاميّة جدّ محلّيّة تستطيع أن تجد بسهولة كبيرة طريقها في الفضاءات المعولمة، لتكون مستهلكة من طرف المسلمين في مواقع بعيدة ومتفاوتة"[4]. لكن كيف يُفهم هذا النزوع الهائل إلى خطاب العنف إزاء الآخر وتنوّع مرتكزاته من جهة، وعنف الخطاب في تشغيل النصّ واستدرار الدلالة التكفيريّة من تاريخ المؤمنين وفق تأويليّة مغلقة من جهة أخرى؟
على الرغم من أنّ للخطاب التكفيريّ جذوره التاريخيّة في التراث الإسلاميّ على تنوّع فعاليّاته، فتحوّلاته المعاصرة في الاستراتيجيّات والآليات عمّقت مفاعيله آثاره في توجيه اهتمامات الجمهور خاصّة، وأنّ الفضاء الافتراضيّ يشهد كثافة في المتدخّلين من مؤسّسات دينيّة وجماعات وحزبيّة، وفي البضائع المادّيّة والرمزيّة من صوتيّات ومرئيّات، وفي الجمهور المسلم على تباين مجالاته واهتماماته[5]. لهذا، فالخطاب التكفيريّ الإلكترونيّ على صلة عضويّة مكينة بالسياقات السياسيّة العامّة التي توجّهه وتحتضنه بما يبرّر نزعاته العنيفة وكأنّما السياسيّ إطار حاضن لمواضع إنتاج الخطاب التكفيريّ. إلى ذلك، فطرائق إنتاج المعنى وصناعة المعرفة في شبكة الاستهلاك تعرّضت إلى تحويرات بنيويّة عميقة بسب ثورة الاتّصال والمعلومات إلى حدّ لم يعد فيه الخطاب الدينيّ التقليديّ قادرا على إدارة أتباعه، وصار من الضروريّ عليه الانخراط في عوالم الوسائط الرقميّة المفتوحة التي "تمنح المنخرطين في مجتمعات الأنترنت حريّة أكثر في الفعل وتسمح بتحدّي السلطات التقليديّة للأمم الفعليّة أو غير المباشرة"[6]. وهذا يسمح لنزعات تحمل رصيدا ثقافيّا من عنف الاعتقاد والممارسة بإعادة التموقع في سياق عولميّ بلا حدود أو رقابة رسميّة، وفي بيئة افتراضيّة تسمح بتنوّع السلع الدينيّة بما يعني أنّ "الرموز القديمة ستجد معادلات وظيفيّة جديدة في تعابير الثقافة التكنولوجية".[7]
1 ـ الخطاب الدينيّ المعاصر: من الواقعيّ إلى الإلكترونيّ
لعلّ ما عمّق إحراجات الخطاب الإسلاميّ المعاصر أنّه ألفى نفسه في مواجهة معيش تتسارع ألوانه وإيقاعاته بما خلق حركيّة بعثرت تلك النمطيّة المعهودة للجموع المؤمنة التي تنازعتها أعراف راسخة من جهة، وممارسات مستجدّة من جهة أخرى. كلّ هذا كشف عن مأزق مركّب تجتمع فيه مفاهيم إشكاليّة كالأنا والآخر، والأصالة والحداثة، وبسبب هذا المأزق الهيكليّ في الفكر والممارسة نجحت المؤسّسة الدينيّة في الحفاظ على مكانتها في الضمائر واستأنفت مسارها التاريخيّ وأعادت ترميم بنيانها وتجديد أدواتها ولو صوريّا للانغراز في هذه السياقات المجتمعيّة المتنوّعة ومواكبة المسلمين في ظلّ تصدّعات تشهدها أبنية المجتمع الراسخة وأنساقه الرمزيّة المكينة. فكيف سيواجه الخطاب الدينيّ هذه الحشود من الاعتقادات والممارسات، وهي تتسلّل إلى أكثر المؤسّسات صلابة مثل العائلة والمدرسة ؟ إنّ الخطاب الدينيّ المعاصر لن يقطع مع تراثه ولن ينسلخ عن أكوانه القديمة، ولكنّه سيتكيّف ويعيد تنسيق كونه الدلاليّ وروابطه بالمجتمع.
بين الخطاب الدينيّ وتقنيات الاتّصال رابطة وشيجة تُظهر بوضوح قدرة المؤسّسة الدينيّة الإسلاميّة على تكييف نفسها والاندماج السريع والفعّال في الشبكة المجتمعيّة واستثمار ما تتيحه من إمكانات في التسويق والانتشار، وكأنّما بين السوق والدين ضرب من التماهي العجيب استوجبه الاقتصاد الدينيّ الإسلاميّ الذي فرض علاقة تفاعليّة ومكرورة بين الدين والسوق تشمل بالتزامن قوّة السوق التي تسلّع الدين، والمؤسّسات الدينيّة التي تأخذ نصيبا من السوق وثقافة الاستهلاك. فالمؤسّسة الدينيّة الإسلاميّة قد سخّرت تقنيات الطباعة لترويج أدبيّاتها وفتح منافذ جديدة للتواصل مع الجمهور الدينيّ، ثمّ الإذاعة التي سهّلت تدفّق الخطاب متجاوزة عوائق الأمّيّة وكلفة المكتوب وصولا إلى الإعلام المرئيّ بما فيه من إبهار بصريّ وسحر نفسيّ وقدرة على انتزاع مكانة في الفضاءات الخاصّة والعامّة. وهذا مكّن الخطاب الدينيّ بمفاهيمه وشبكته الدلاليّة من الاستحواذ على قطاعات واسعة من الجمهور الدينيّ مثلما يعكسه واقع الإعلام الدينيّ في المجتمعات الإسلاميّة بفورة فضائيّاته ومادّته الدينيّة وشخصيّاته الفاعلة في العقول والوجدان والمؤثّرة في الخطاب العموميّ. وبهذا استطاع الخطاب الدينيّ المعاصر أن يتشرّب ثورة التقنيات الاتّصاليّة ويسخّرها بإحكام في تسويق مادّة دينيّة بطرائق خطابيّة حديثة لا تنفي هويّته التراثيّة.
منذ ثمانينيات القرن الماضي، انبثقت ثورة هائلة ولكنّها صامتة، مجالها العالم الافتراضيّ الذي فتح للدينيّ عامّة وللإسلاميّ خاصّة مسالك طارئة في إدارة الجموع المؤمنة، وفي صناعة المعنى، وفي ممارسة السلطة. فالفضاء الافتراضيّ يقدّم كمّا هائلا من الخدمات بطرق ميسّرة وحينيّة وغير مكلّفة وترضي جميع احتياجات المستخدمين، إذ يقع استحداث أكثر من 7 ملايين صفحة ويب يوميّا، بينما يتمّ تحديث مليون صفحة ويب بشكل يوميّ متواصل ويمارس قرابة 25% فعل القراءة المباشرة للكتب والمجلّات. أمّا التحميل، فقد بلغ مستويات قياسيّة تعكس حجم السوق الافتراضيّة القائمة[8]. ويستأثر المجال الدينيّ بنصيب وافر من العالم الافتراضيّ ، ففي إحصائيّات تعود إلى مستهلّ هذا القرن وتحديدا إلى سنة 2003 بلغ عدد المستخدمين الدينيّين الأمريكيين 82 مليونا أي ما يمثّل نسبة 64% من العدد الجمليّ للمبحرين ومنهم "أوفياء النت"[9]. وتتنوّع الأنشطة الدينيّة في المجال الافتراضيّ بين التحميل والبحث عن معلومات والاستشارات والأنشطة الطقسيّة الأخرى كالصلوات والأعياد[10]. وإذا كان التديّن الافتراضيّ ذا منشأ غربيّ مقترن بالحركات الدينيّة الجديدة وتطوّر عدد المستخدمين وتنامي النزعة الفرديّة، فإنّ عولمة الاقتصاد التقنيّ سمحت بتعميم الظاهرة في كلّ المجالات ومنها المجتمعات الإسلاميّة التي انخرطت سريعا في هذا المجال الافتراضيّ منذ الثمانينيات عن طريق الطلبة المغتربين في تأثّر واضح بالثقافات الغربيّة في الولايات المتّحدة وأروبا، وفي التسعينيات اقتحمت مؤسّسات دينيّة رسميّة المجال كالأزهر ولجنة الإفتاء السعوديّة عالم الأنترنت وتبعهم في ذلك ناشطون سياسيّون كالإخوان المسلمين. أمّا بداية الألفيّة الجديدة، فشهدت تحويرات في طبيعة الانخراط ورهاناته وأدواته التقنية كتنوّع اللغات والخدمات وظهور التنظيمات الجهاديّة[11]. لذا فالخطاب التكفيريّ ليس إلا منتوجا لتحوّلات تجمع التقنيّ والسياسيّ، وتستدمج تاريخ المؤمنين وأرصدتهم الرمزيّة في سياق يتداخل فيه المحلّيّ والعولميّ.
2 ـ استراتيجيّات الخطاب التكفيريّ
بما أنّ الخطاب ممارسة ممأسَسة ومبنيّة بشكل عال، فله منوال في إجراء الإنجاز التواصليّ يراعي عمليّات التبادل وأطرافه، وسياق التواصل وشروط التفاعل، وهو إلى ذلك نشاط قصديّ صادر عن مؤسّسة خطابيّة لها سننها وموقعها في نظام السلطة ولها ارتباطاتها الاجتماعيّة المقنّنة. وهذا يفرض أن تكون للخطاب استراتيجيّات تحكمه وتوجّهه. وتُعرّف الاستراتيجيا من وجهة نظر تحليل الخطاب بأنّها من شروط إنتاج الخطاب تفرض بنيته وأنظمته مثلما تفرض طرائق التواصل مع جمهور الخطاب، فالاستراتيجيّات "راجعة إلى ذات فرديّة أو اجتماعيّة تُحمل على اختيار عدد من العمليّات اللغويّة عن وعي أو عن غير وعي"[12]، بما يعني أنّ العمليّات الآنيّة بكل أنظمتها جزء من الاستراتيجيّات المحكومة بجملة من "قواعد أو معايير أو مواضعات"[13] تنقلب إلى إكراهات فاعلة في توجّهات الخطاب ومقاصده. ولهذه الاستراتيجيا ثلاثة أهداف: إضفاء المشروعيّة وضمان المصداقيّة واستهواء الجمهور.[14]
يحيل التكفير في مفهومه إلى نزعة إقصائيّة تمارس ضربا من العنف الرمزيّ ينزع عن المسلم أهليّة الانتماء العقديّ
إلى ذلك، فالخطاب يحتاج إلى آليات يفعّلها في صميم الاستراتيجيّات باستدعاء موارد مخصوصة بثقافة الخطاب وجماعته كالرموز والنصوص والذاكرة والنماذج التي تضمن التفاعل الذهنيّ بين معروض الخطاب من جهة وجمهوره الذي يتقاسم تاريخا ثقافيّا مشتركا من جهة أخرى. إنّ النخب الدينيّة وهي تُنجز خطابها تتّخذ مسارين: الأول أنّها تُشكّله وفق ما تواطأت عليه الجماعة الثقافيّة المسلمة التي تشرّبت اشتراطات هذا التواصل وسنن إجرائه، والثاني أنّها تتخيّر خطابها مُكرَهة بالحقل الذي تنتمي إليه، لأنّ الدين مؤسّسات لها ترتيباتها الخطابيّة، وبذلك فما تتخيّره النخبة من بُنى ليس اعتباطيا، بل له منواله في إنتاج الخطاب، وما يبدو من بُنى لسانيّة أو أشكال صورة أو صوتيّات أو موادّ فلميّة أو ألوان أساس في إنتاج الهيمنة والمقبوليّة، وكأنّه ينتقي الخصائص والأشكال السيميائيّة التي لها أهمّيّة أيديولوجيّة. لهذا، فالخطاب التكفيريّ الإلكترونيّ إنجاز ممأسَس ومبنيّ على أنظمة تجمع متغيّرات وسائطيّة هي أساس الخطاب الموسّط حاسوبيّا تجعله خطابا متعدّد الوسائط[15]. فهو يسخّر المكتوب بكلّ أبنيته اللسانيّة من تركيبيّ وبلاغيّ وحجاجيّ ومعجميّ في تعالق عضويّ مع الصورة القائمة على جملة من البنى البصريّة[16] ومع الصوت بكلّ أشكاله، ولكن بالاستناد إلى عدّة سيبرانيّة حاسوبيّة تشمل المتصفّحات والعناوين الإلكترونيّة ومحرّكات البحث والكتابة الإلكترونيّة ومشغّلات الميديا، باعتبارها "تطبيقات مستخدَمة بشكل مشترك لتشغيل الموادّ السمعيّة البصريّة"[17]. كلّ هذا في إطار استراتيجيّات خطابيّة يستعين بها منتج الخطاب في تسويق مادّته الإلكترونيّة كالتعميم والتحشيد والتشهير، وهو يسوّق مفهوم التكفير إلى جمهوره الدينيّ مستدعيا سلطة النصوص المقدّسة والذاكرة الغنيّة بالرموز.
يحيل التكفير في مفهومه إلى نزعة إقصائيّة تمارس ضربا من العنف الرمزيّ ينزع عن المسلم أهليّة الانتماء العقديّ، ويفقده حقّ الانضواء في أمّة المؤمنين وما ينجرّ عنه من تبعات اجتماعيّة تخصّ أشكالا من المعاملات كالزواج والتوارث. لكنّ التكفير في منظور المؤسّسة الدينيّة قد يستهدف كلّ من ينزاح عن النموذج الثقافيّ الذي تضبطه هذه المؤسّسة في الممارسات اليوميّة على اختلافها، وكأنّما التكفير يطال المسلم بوصفه آخر ثقافيّا يخرق المنوال المجتمعيّ المسطور الذي أرساه النظام البطريركيّ الإسلاميّ. فالفقيه الإلكترونيّ يطلق على الطقسيّات الاحتفاليّة التي درجت في المجتمعات الإسلاميّة المعاصرة تسمية "الأعياد المبتدعة" التي تنضوي تحت مفهوم البدعة، وهي من الآليات الأصوليّة الناجعة في تكفير أيّة ممارسة ثقافيّة وافدة "مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد وعيد الأمّ والعيد الوطني لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله ، وكما في ذلك التشبّه بالنصارى ونحوهم من الكَفَرة ، ولما في الثاني والثالث من التشبّه بالكفار"[18]. فالخطاب الإلكترونيّ لا يختلف عن مثيله التقليديّ في السجلّات القوليّة الفقهيّة التي يسخّرها على غرار التشبّه والنصارى ولا في استراتيجياالتعميم التي تجعل كلّ ممارسة وافدة ضربا من الابتداع تنطبق عليه مادّة نصّيّة حديثيّة فيها من المرونة والإطلاقيّة ما يجعلها طيّعة في الإسقاط على أيّة وضعيّة وهو الحديث المنسوب إلى النبيّ "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهْوَ رِدٌّ" وكأنّما اجتثاث النصوص آلية فعّالة في استدرار الدلالة الدينيّة وخاصّة ملفوظات النصّ القرآنيّ بسلخها "عن النسيج النصّيّ الذي وردت فيه متعالقة بشكل حميميّ مع منظومة من المعاني المترابطة والمتداخلة"[19]. فخطاب التكفير يخرج المفهوم من حقله الاعتقاديّ إلى مجال سلوكيّ متوسّلا بالتعميم، حتّى يصون نمطا ثقافيّا مبنيّا على رموز مخصوصة وحدود معلومة تحقّق المشتركيّة بين أفراد الأمّة وتصير ذخيرة رمزيّة تمثّل نظام قيم ومعايير وشيفرات أخلاقيّة يوفّر حسّ الهويّة.
وكثيرا ما يتعمّد الخطاب الدينيّ أن يدمج خصوم الأمّة على اختلافهم وتباين سياقاتهم التاريخيّة والسياسيّة في حقيقة موحّدة ومنمّطة قائمة على ضرب من التعميم جوهره معنى الكفر الذي يجمعهم ويذيب ما بينهم من فوارق بنيويّة، فالدلالة القرآنيّة التي تصل الكفر بأعداء الأمّة الإسلاميّة الناشئة في البيئة الحجازيّة سمحت للنخبة الدينيّة بتعميم الدلالة وتوسيع مجالها لتشمل كلّ المخالفين على تعدّد مواقعهم وخلفيّاتهم السياسيّة والثقافيّة من "اليهود في الشمال في خيبر ومن اليهود في داخل المدينة ومن المشركين في الجنوب في مكّة" إلى "الكيان الصهيونيّ المزروع في وسطنا بدون أيّ منطق ولا على غير مثال" مرورا بالفرس والروم ثمّ "الصليبيّين والتتار" و"الاستعمار بكلّ ألوانه"[20]. فطبيعة الخطاب الإلكترونيّ قائمة على المعلومة التي ترضي احتياجات الجمهور الدينيّ لا على المعرفة بوصفها نسقا ورؤية بما يستجيب إلى شروط السوق الدينيّة الجديدة التي عوّضت أشكال المعنى من نسيج معرفيّ متكامل إلى شتات من المعلومات ذات الخلفيّة الأيديولوجيّة، وكأنّما الخطاب الإلكترونيّ يمارس ضربا من "تحويل المعلومة إلى معرفة من طرف أحد ما له معلومة ذات صلة والقدرة على تحويل هذه المعلومة إلى معرفة بوصفها أداة".[21]
يرتبط مفهوم التكفير في الخطاب الإلكترونيّ كما في الخطاب التقليديّ بالآخر العقديّ كاليهود والمسيحيّين، فالمؤسّسة الدينيّة تستعير من أدبيّاتها الأثيلة جملة من التمثّلات الأصوليّة الثاوية في ضمائر المسلمين مجرية تعميما أساسه المماثلة والمطابقة "لأنّ النصارى الآن هم النصارى في عهد النبوّة يعني النصارى الذين نزل القرآن في شأنهم ووصفهم بالتثليث وبتأليه المسيح ونحو ذلك، هم الموجودون الآن"[22]، وكأنّما الخطاب الإلكترونيّ يحيا تواصليّة وهميّة مع الذاكرة ملغِيا كلّ الراهن بخصوصيّاته وسياقاته المختلفة مغرِقا جموع المؤمنين في أجواء شعوريّة وفكريّة مغلوطة. وبهذا، فالتجربة الافتراضيّة بخطابها وفاعليها وكونها الاعتقاديّ إعادة إنتاج للتجربة الواقعيّة، وإن تباينت الوسائط ومراسم النفاذ إليها. ويعمد الخطاب الإلكترونيّ في المادّة المكتوبة لجمهوره إلى تكثيف ضروب الاستدلال النصّيّ والتاريخيّ التي تجعل المسيحيّين واليهود كفّارا أعداء باعتماد روابط خارجيّة تصل الموقع بمادّة صحفيّة تخدم الخلفيّات السياسيّة للخطاب نفسه، وتأسر الجمهور الافتراضيّ المسلم في نسيج شبكيّ مختار بعناية وقائم على مبدأ التشعّب النصّيّ. وهذه الموضوعات ذات الصلة قد تكون من مصادر ثقافيّة متنوّعة شريطة أن تلبّي المقصد الأيديولوجيّ للموقع الإلكترونيّ شأن المادّة الصحفيّة المتعلّقة باليهود والمسيحيّين في منظور حزب التحرير.[23]
بقدر ما تسمح استراتيجيّا التعميم للخطاب الإلكترونيّ بتشكيل مفهوم التكفير استجابة لاحتياجات ثقافيّة يستدعيها واقع المجتمعات المسلمة المعاصرة، فإنّ الهمّ السياسيّ شكّل مسار هذا الخطاب، وأبان عن هواجس النخبة الدينيّة التي تخوض صراعا ضدّ نخب مناوئة تحمل مشروعا فكريّا يتهدّد النظام المؤسّسيّ التقليديّ. فالتكفير لم يعد خرقا لضوابط عقديّة تتّصل بحقيقة الإيمان، بل تحوّل إلى استهداف لقيم الحداثة والديمقراطيّة والعلمانيّة، باعتبارها قادحا في أهليّة الاستحقاق الشرعيّ للانتماء إلى عالم المؤمنين بما ينجرّ عنه من آثار تعبّديّة واجتماعيّة. وبهذا يكون مفهوم التكفير في الخطاب الإلكترونيّ استئنافا لذات المفهوم في الخطاب التقليديّ بإعادة إنتاج الكون المفهوميّ في بيئة افتراضيّة تقدّم المعلومة الدينيّة عبر وسائط مستجدّة؛ فالديمقراطيّة وما يجري مجراها من المفاهيم وسوم للكفر ودوالّ عليه ما دامت "اللائكيّة هي الكفر" و"الديمقراطيّة وثنيّة"، وأيمن الظواهريّ يكفّر ابن باز السعوديّ لتجويزه الانتخابات البرلمانيّة.[24]
يمتلك الخطاب الإلكترونيّ عدّة تقنية افتراضيّة تيسّر له إجراء استراتيجيا التعميم في إنتاج معنى التكفير وصناعة أشكاله وتصميم موادّه في بناء الموقع الإلكترونيّ في حدّ ذاته، فبعض المواقع التكفيريّة الشيعيّة على غرار موقع "القطرة"[25] يستدعي نظاما متكاملا من الوسائط المرقمَنة كالصورة والصوت والمقاطع الفلميّة والنصّيّة في توزيعيّة تعتمد نظام صفحة الويب ، ففي المقدّمة الرأسيّة العلويّة هويّة الموقع وخارطة أقسامه الرئيسيّة والفرعيّة بروابطها الداخليّة التي تضمّ موادّ رقميّة يتوجّه أغلبها إلى إدانة الفكر السنّيّ وخاصّة العقائد الوهّابيّة. أمّا الجوانب الهامشيّة للموقع، فتضمّ وصلات خارجيّة تربط المستخدم بمواقع تويتر أو أنستغرام ويوتيوب وفيها تسجيلات وتغريدات منسوبة إلى الشيخ ياسر الحبيب صاحب قناة فدك تتعلّق بعائشة والخلفاء الراشدين. إلى ذلك تحوي الهوامش السفليّة للصفحة تعريفا بالموقع وسياسته ووصلات خارجيّة وعناوين رئيسة لبرامج قناة فدك الفضائيّة[26]. وفي هذا التصميم الرقميّ الذي يدمج أنظمة مختلفة من الألوان وتوزيع الصور والروابط وطرائق عرض الموادّ وتشابكات الوسائط المتنوّعة ما يظهر أنّ الفضاء الإلكترونيّ قد قدّم إمكانات هائلة في صناعة المعنى الدينيّ وتسويقه وتحديدا في مفهوم التكفير الذي يُقدّم عبر وسائط جديدة تعمّمه وترسّخه وتدمج الجمهور الدينيّ في صميمه، لأنّ "المعنى يصنع مادّة في عمليّة الإنتاج ويصبح موضوعا للمراجعة والتعليق والانخراط والتحويل".[27]
على الرغم من أنّ الخطاب الإلكترونيّ لا يختلف عن الخطاب التقليديّ في الاستدلال النصّيّ والخلفيّات الأرثوذكسيّة والمناويل الإجرائيّة والأكوان المفهوميّة التي يستند إليها، فإنّه ينفرد بالوسائطيّة الحاسوبيّة المتنوّعة والمندمجة في آن، وهو ما يسمّيه غانثر Gunther "ثراء الأشكال" وخاصّة الأشكال العابرة للثقافات.[28] فالخطاب الإلكترونيّ متعدّد الوسائط التي ترضي الفضول المعرفيّ والتقنيّ للمستخدمين والمنتجين على حدّ سواء، فالأنترنت قد تخطّت الحدود الثقافيّة والمعوّقات اللغويّة والسياقات المحلّيّة لجموع المؤمنين بفضل ما توفّره من خيارات لغويّة متنوّعة كالفرنسيّة والفارسيّة والأردويّة توسّع قاعدة الجمهور الافتراضيّ المؤمن على غرار كثير من المواقع الإلكترونيّة مثل موقع الرئاسة العامّة للبحوث والإفتاء السعوديّة[29] أو خيارات وسائطيّة تخصّ المرئيّ من صور وأيقونات وعلامات تجاريّة وألوان ومقاطع فلميّة متعدّدة تجمع خطبا وحوارات ودروسا في التثقيف السياسيّ على غرار موقع ياسر الحبيب[30]. لذا "أصبحت الأنترنت حشدا من التقنيات المتنوّعة المهذّبة في سياقات ثقافيّة مختلفة"[31]. وهذا يسمح للخطاب الدينيّ بضروب من تمويه الحقيقة والتلاعب بالاستعدادات النفسيّة لجمهور المسلمين، لأنّ أشكال المعنى الدينيّ وطرائق صناعته وتنضيده تمارس سحرا إلكترونيّا حسّيّا وذهنيّا بفضل "تقنية الحقيقة الافتراضية" بممارسة "إخفاء الحقيقة خلف حجاب من العلامات والرموز التي تؤسّس بعض عمليّات التسويق والدعاية والإعلان"[32]. لذا، سينتعش مفهوم التكفير ويجد الحظوة والقبول ما دامت تحتضنه بيئة افتراضيّة توفّر هذا الحشد الهائل من العدّة السيبرانيّة[33] لتحشيد المؤمنين وإثارة نزعات عنفيّة كامنة في بطانتهم الشعوريّة والنفسيّة عن الآخر المخالف عقديّا وطائفيّا.
تحوي المواقع التكفيريّة كمّا هائلا من المقاطع والمشاهد المصوّرة بحرفيّة تقنية عالية الجودة تستثمر أدوات وطرائق في التصوير من حيث اختيار الخلفيات الصوتيّة أو اللونيّة وعمليّة التبئير والدمج بين الصورة والصوت والكتابة في تناغم كفيل ببثّ حشد من المشاعر الجيّاشة وتحفيز الجمهور المؤمن لتقبّل المضامين التكفيريّة وما يتعلّق بها من نزعات عنيفة تتجسّد في مفهوم الجهاد بوصفه واحدا من الآثار العمليّة المباشرة لخطاب التكفير الذي عزّز هذا المفهوم وأعاد إحياءه في سياقات سياسيّة جديدة وفي شبكة من الفاعلين الإقليميّين والدوليّين. فالخطب المسجّلة والمصوّرة لعدد من الدعاة والشخصيّات الدينيّة النافذة في الأفق الإسلاميّ صيغت على نحو تقنيّ محكم متساوق الصوت والصورة والمكتوب شأن خطبة سامي دلّول أحد كوادر حركة القسّام الجناح العسكريّ لحركة حماس الفلسطينيّة التي تخيّر لها عنوان: "واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السيوف"[34]، وفيها استدعى مأثورا دينيّا من الذاكرة الجمعيّة للمؤمنين كجهاد الصحابة ومأثوراتهم طعّمه بشذرات عن الحور العين والشهادة ومكانة الشهداء في المعاش والمعاد. لكنّ فاعليّة هذا المقطع الفيلميّ المسجّل ليست في سحر الكلمات ومفاعيلها فحسب، بل في تنضيد هذه المادّة الصوتيّة وإرفاقها بنصّ مكتوب وصورة أماميّة تتداخل فيها عناصر ذات جاذبيّة بصريّة ناجعة من اللون إلى المكوّنات في توزيعيّتها المدروسة، وكأنّما "الكتابة تسمّي، والصورة تظهر، بينما اللون يؤطّر ويسلّط الضوء. كلّ منها إلى أقصى تأثير وغاية"[35].
إذا كان تحشيد الجمهور يقوم على إثارة نوازع نفسيّة وشعوريّة وخلق حالة من الاستيهام الذي يلبّي احتياجات شتّى، فإنّ ذلك يستدعي توفير أنظمة إعلاميّة متعاضدة تشتغل في انسيابيّة عالية وتفاعليّة ناجعة تأتسر الجموع المسلمة في كون من الانفعالات والاعتقادات كما هو الحال في المقاطع الفيلميّة المصوّرة بمكتوبها ومسموعها ومرئيّها. هذه المقاطع تنتمي إلى حقل الخطاب الإلكترونيّ الذي أدمج كلّ أشكال العلامات مستفيدا من التقنيات الاتّصاليّة والحاسوبيّة، فقد "دخلت التكنولوجيا بشكل أساسيّ في العمليّات السيميائيّة عبر أنواع من الأدوات التي سهّلت أو دعّمت، وعبر مداخل مختلفة، وسائل الإنتاج والاستهلاك التي وفّرتها"[36]. لهذا فللخطاب الإلكترونيّ خصيصات تحقّق له الإبهار والجاذبيّة وتيسّر تمرير المعلومة الدينيّة بنزعها من نسيجها الثقافيّ والتاريخيّ وإسقاطها على معيش مخالف كلّيّا خاصّة وأنّ الجمهور المسلم غارق في عالم من البداهات الدينيّة، ويملك آفاق انتظار طائفيّة يتعاطى معها بوثوقيّة وكأنّها من جوهر الإيمان واستحقاقاته. فالاحتراب الطائفيّ بين السنّة والشيعة واحد من محاور التكفير الأساسيّة في المواقع الإلكترونيّة باستعادة الماضي واستزراعه في البيئات الإقليميّة والعالميّة بتوتّراتها وصداماتها السياسيّة على غرار الداعية الشيعيّ ياسر الحبيب[37] في محاضراته "أهل السنّة أم أهل الخدعة؟" أو الداعية الوهّابيّ محمّد العريفي في تسخيف معتقداتهم.[38]
على الرغم من أنّ الخطاب الإلكترونيّ مكوّن أصيل من مكوّنات العالم الافتراضيّ، فهذا لا يعني انقطاعه عن الواقع الفعليّ ولا عن المحاضن الاجتماعيّة والثقافيّة، ولا عن تجارب الجمهور الافتراضيّ المنخرط، فالجموع المؤمنة من المسلمين "يستخدمون الأنترنت بطرق تجعلهم في ديمومة مع حيواتهم الاجتماعيّة الفعليّة أو يزيدون فيها"[39]. لهذا فالخطاب الإلكترونيّ حامل لرواسب تاريخيّة وتوجّهات عقديّة ومذهبيّة تبحث عن أشكال اتّصاليّة مستجدّة لها في عالم مفتوح خارج الرقابة والتفاعلات التقليديّة المباشرة بما يدعم التواصليّة في صميم الخطاب الدينيّ الإسلاميّ برمّته، وهو ما تثبته فلسفة التكفير القائمة على تحشيد الأدلّة وتجييش مشاعر المسلمين باستثمار الترتيبات البطريركيّة المزروعة في العقول والأجساد والمؤسّسات بأدوارها وهويّاتها عن الأنثى في المجتمعات المعاصرة وخاصّة في مفهوم التبرّج، باعتباره حيلة فقهيّة لتعزيز السلطة الذكوريّة، فالفقيه الإلكترونيّ يرفض كلّ مادّة ثقافيّة تخالف المنظور الفقهيّ البطريركيّ كالمجلّات معتبرا إيّاها فتنة وواصفا أصحابها بأنّهم "تُجّار الفساد وسماسرة الرذيلة" محرّما قراءتها ومشاهدتها والعمل فيها والكسب منها حاشدا كمّا من النصوص القرآنيّة والحديثيّة تمنح الشرعيّة والقداسة ووجاهة الاستدلال لخطابه الإلكترونيّ الإقصائيّ[40]. وتتيح المواقع الإلكترونيّة جملة من الروابط الخارجيّة للمتصفّح المسلم فتأسره في منظور مذهبيّ خالص ولا تتيح له تنوّع الرؤى والمواقف كالطقوس المتعلّقة بالأولياء والتصوّف، إذ يعتبرها الفقيه الوهّابيّ ابن باز ضربا من الكفر بل "من أنواع الشرك الأكبر"[41]. أليس مفهوم التكفير في المواقع الإلكترونيّة إعادة إنتاج ثانية للخطاب التقليديّ في بيئة افتراضيّة لها عالمها التقنيّ الذي يعزّز المفهوم وينشره في فضاء حرّ؟
على الرغم من أنّ الخطاب الإلكترونيّ مكوّن أصيل من مكوّنات العالم الافتراضيّ، فهذا لا يعني انقطاعه عن الواقع الفعليّ ولا عن المحاضن الاجتماعيّة والثقافيّة،
يقوم أيّ خطاب على تناغم بنيويّ بين "استراتيجيّات التلاعب" من جهة و"المقبوليّة الاجتماعيّة"[42] من جهة أخرى، لأنّ مؤسّسة الخطاب محكومة برهانات وطرائق وفاعلين وموارد تمثّل مجتمعة شبكة مؤسّسيّة تصبو إلى ممارسة السلطة وصون نظام مجتمعيّ برمّته. لهذا فالخطاب الإلكترونيّ الإسلاميّ في قسم كبير منه لم ينقطع عن أصوله ولا عن تراثه وحمل كلّ مرجعيّاته الفكريّة ورصيده الطائفيّ والمذهبيّ من البيئة الواقعيّة إلى البيئة الافتراضيّة. وبهذا، فالخطاب الإلكترونيّ الإسلاميّ وخاصّة الأصوليّ السلفيّ مجرّد تكييف للأدبيّات الدينيّة في وسط افتراضيّ ناشئ له مناويله في إجراء المعنى وتداوله حاسوبيّا لجمهور يتنوّع في محاضنه الثقافيّة وانتظاراته المعرفيّة والاعتقاديّة ويسعى إلى نفاذ حرّ ويسير في مراسمه، لذلك فمن "المنطقيّ جدّا وجود إرادة في إعادة خلق مؤسّسات إسلاميّة افتراضيّة على الشبكة"[43]. لكنّ المواقع الإلكترونيّة الدينيّة في الغالب تمثّل جهات حكوميّة رسميّة لها توجّهاتها السياسيّة أو طوائف وجماعات مذهبيّة لها مراجعها ومقالاتها وإرثها الفكريّ، فانتقلت حالة التصدّع والاحتراب في جسد الأمّة المؤمنة من الواقعيّ إلى الافتراضيّ وانتقلت معها الأدبيّات الطائفيّة إلى سلع رائجة في السوق الدينيّة الافتراضيّة بما فتح المجال لنشوء طوائف إلكترونيّة مباشرة بما يخلق تنوّعا في الأيديولوجيّات يجمع بين الخاصّ والعامّ، لأنّ "بعض المواقع تركّز على طوائف وجماهير معيّنة، بينما أخرى تبدو معدّة للاستهلاك الإسلاميّ العامّ"[44]. لذا تحوّلت المواقع الإلكترونيّة الإسلاميّة إلى منصّات افتراضيّة للاستقطاب تمارس خطاب التكفير والتكفير المضادّ.
تعي المواقع الإلكترونيّة الإسلاميّة مفاعيل الخطاب في الاستحواذ على الجمهور وإدارة حياته الروحيّة والعمليّة إذا اعتور استراتيجيّةالتشهير والتهويل المبنيّة على نزعة إقصائيّة محورها تكفير الآخر المخالف مذهبيّا بالتركيز على معاني الابتداع والخروج عن النهج القويم، لأنّ "أنماط الخطاب المقنع مثل التحذيرات والدعاية أيضا تسعى إلى التأثير على الأفعال المنتظَرة للمستفيدين"[45]. فالمواقع الإلكترونيّة الوهابيّة ذات الطابع الرسميّ الحكوميّ تضخّم مزالق الآخر المخالف وتغالي في بيان مخاطرها على صفاء العقيدة ونقاوتها، وما يمكن أن تمثّله من انحراف بنيويّ على غرار الجماعة التجانيّة الصوفيّة، فيعدّد في إسهاب حجاجيّ مطاعنها في العقائد والطقوس منتهيا إلى الإقرار بكفرها وبطلان منوالها التديّنيّ لأنّه "لو عُرض على أصول الإسلام اعتبر شركا وإلحادا في الدين وتطاولا على الله ورسوله وتشريعه وتضليلا للناس"[46]. وهو خطاب إلكترونيّ يستأنف ما أقرّته الأدبيّات الوهّابيّة التقليديّة ليعكس طبيعة الخطاب الإسلاميّ الإلكترونيّ المعاصر في عمومه باستناده إلى مرجعيّات مختارة بعناية فرضتها مقاصد أيديولوجيّة جوهرها استهداف الآخر بالتشهير، لأنّ "كلّ موقع يعتبر نفسه ممثّلا للإسلام الأصيل عبر الإقصاء جاعلا النزعات الأخرى تعبيرا عن الكفر والشرك ونفي التوحيد القويم".[47]
ولا تنأى المواقع الإلكترونيّة الشيعيّة عن هذا النزوع إلى تبنّي خطاب عدائيّ إقصائيّ يرى في الآخر المخالف السنّيّ انحرافا عن الإسلام الحقيقيّ مثلما يتصوّره، وهو ما يعكس أزمة الخطاب الدينيّ عامّة في عدم قدرته على ولوج ثقافة التعايش وتنوّع الرؤى واختلاف الأنساق المعرفيّة والاعتقاديّة ما دام يتبنّى أيديولوجيا إقصائيّة. فرجل الدين الشيعيّ ياسر الحبيب صاحب قناة "فدك" قد خصّص في موقعه الإلكترونيّ طائفة من الموادّ المصوّرة والمسجّلة في شكل محاضرات تحمل عنوان: "كيف زُيّف الإسلام؟" موجّهة إلى جمهور دينيّ ينتشر في مجالات مختلفة تجمع الشتات وبلدان المنشأ يستأنف فيها الصراع السنّي الشيعيّ المتجذّر في إسلام التأسيس مستعرضا انحرافات السنّة وما ألحقوه بالإسلام من تزييف شوّه جوهره النقيّ. فقد حشد كمّا هائلا من المعلومات التاريخيّة عن الخلفاء ومقالات الفرق كالمجسّمة واصلا ذلك بالوهّابيّة مجريا مقارنات مقصودة وموجَّهة مع تاريخ الديانات الإبراهيميّة ومنتهيا إلى الإعلاء من شأن آل البيت، فكان خطاب التشهير القائم على انتقاء النماذج والإطناب في بيان معايبها سبيلا لتشريع تكفيرهم.[48]
بما أنّ لمؤسّسة الخطاب موقعها البنيويّ في النظام المؤسّسيّ برمّته وخاصّة الخطابات العموميّة ذات النفاذ الواسع شأن الخطاب الدينيّ الذي يحتضن المعيش الجمعيّ بكلّ تفاصيله ويراقبه ويمنع تصدّعه، فعليها أن تعيد مأسسة نفسها بتشرّب المستجدّات الثقافيّة والاندراج في تيّار الحركة الحيّة لجموع المؤمنين. لذا تتيح المواقع الإلكترونيّة لمستخدميها خدمات وبضائع بشكل دائم وانسيابيّ وحرّ تستثمرها في ترويج أيديولوجيا لا تثير تساؤل المؤمنين عن صدقيّتها وخلفيّاتها وتكرّر نموذجا تقليديّا وواقعيّا مستمدّا من أدبيّات أرثوذكسيّة ذات جوهر طائفيّ يمجّد الذات ويشهّر بالمخالف، فهذه "المجموعات الدينيّة تستغلّ الويب للتعريف بنفسها والتبشير بمعتقداتها ولإعطاء إيجابيّة عن نفسها ومن أجل صيانة وجود الشتات الدينيّ"[49]. لذلك، تحوّلت هذه المواقع الإلكترونيّة إلى صراع على الزعامات الجديدة بعد أن تراجعت حظوة المؤسّسات التقليديّة وانحسر نفوذها الواقعيّ والعمليّ، ولم يعد من سبيل إلى مقارعة الآخر المخالف إلّا بتفعيل مفهوم التكفير واستهداف الخصوم تشهيرا بتوجّهاتهم الفكريّة والدينيّة وتأليب الجمهور المسلم عليهم. فاستراتيجيا التشهير والتهويل تصنع مفهوم التكفير وتبرّره وتسوّقه إلى جمهور مسلم غارق في البداهات الدينيّة، رغم أنّ هذا ليس إلّا صراعا على الزعامة؛ أي السلطة الرمزيّة والعمليّة في مجتمعات إسلاميّة تبعثرت مرجعيّاتها الرسميّة وانبثق هوس الكاريزمات الجديدة في الفضاء الافتراضيّ، وهذه الزعامات الإلكترونيّة تعكس أزمة "بحلول شخصيّات حاملة لمعطى مميَّز معترف به من الجماعة قادر على تفسير الحاجة إلى كون قدسيّ جديد وإلى أشكال مستجدّة من التعبير الدينيّ".[50]
لكنّ استرتيجيا التشهير والتهويل لا تشتغل منعزلة عن آليات تدعمها وتمنحها الشرعيّة والوجاهة وقدرة المغالطة، لأنّ "الناطق باللسان مضلِّل عُهد إليه بأمر الكلام"[51]، فالخطاب الإلكترونيّ المكتوب أو المصوّر أو المسموع يتيح للمتصفّح الارتباط بمواقع أخرى ومنصّات إلكترونيّة جنيسة في المحتوى والتوجّه بما يخلق شبكة متراصّة من المعلومات التي تكوّن عالما متشعّبا من الموضوعات والاختيارات. فهذه المواقع الإلكترونيّة ذات التوجّهات التكفيريّة "تتواجد بشكل عامّ في مستهلّ القوائم المقدّمة من محرّكات البحث، لذا تكون لها أفضليّة الزيارة من قبل الأنصار الجدد من جهة، ولأنّها مذكورة بكثرة في مواقع أخرى تنشر روابط تسمح بالنفاذ إليها لإتمام بحث أكثر عمقا من جهة أخرى"[52]، وهو ما مكّن الخطاب الإلكترونيّ من تقديم معلومات منتقاة ومنضَّدة بخلفيّة أيديولوجيّة تسهّل استنشاء مفهوم التكفير والتلاعب به في مواجهة المخالفين، فالذاكرة الشيعيّة التي تستدعيها بعض المواقع الإلكترونيّة شأن موقع ياسر الحبيب تستعيد وقائع وصورا وكلمات مخصوصة لتعزيز اعتقاد المؤمنين الشيعة بهول الفاجعة التي حلّت برموزهم الدينيّة أمثال فاطمة الزهراء من قبل السنّة بما يضعهم في خانة الكَفَرة.[53]
خاتمة
أسهم تحوّل الإسلام من طور الدين العفويّ الحرّ إلى طور المأسسة التامّة والصارمة في تحويل التديّن إلى كون مغلق من الممارسات والاعتقادات يلغي مفهوم الفردانيّة الواعية والمسؤولة وينمّط المؤمنين في نموذج أرثوذكسيّ موحّد قائم على كون مفهوميّ اصطنعته نخب ومؤسّسات دينيّة ضمن تأويليّة مخصوصة تُنطق النصوص بما يخدم احتياجات قوى الهيمنة ويلبّي انتظاراتها، ويأتسر الدلالات الدينيّة في أكوان مفهوميّة حاكتها سياقات اجتماعيّة وخلفيّات ثقافيّة بما ضيّق من رحابة المعنى وسدّ أفق التأويل أمام المؤمنين. لهذا كان مفهوم التكفير اصطناعا فقهيّا استوجبته بواعث سياسيّة وفكريّة، ليتحوّل إلى بناء نظريّ قائم الذات رافق المؤمنين في مساراتهم المتشعّبة، وانقلب إلى موضوع سجاليّ عكس توتّرات الجمهور المسلم وصراعاته من أجل حيازة الشرعيّة وتملّك السيادة على الفعل والاعتقاد معا، وكأنّما مفهوم التكفير واحد من المداخل الكفيلة بفهم تاريخ الجموع المؤمنة وتاريخ مؤسّساتهم الدينيّة، وهي تذبّ عن نقاء الأمّة وهويّتها وأصولها وإيمانها القويم إزاء الآخر المتربّص بها.
لكنّ الخطاب الإلكترونيّ الإسلاميّ المعاصر لم يكن إلّا إعادة مأسسة استدعتها طبيعة المجتمع الشبكيّ بثورته الاتّصاليّة ومنواله الاقتصاديّ الذي بعثر الثقافات والمجتمعات وأطاح بمفاهيم الهويّة والأمّة[54]، فنشأت سوق دينيّة جديدة لها سلعها وجمهورها وقوانينها المخصوصة فرضت منوالا في الاتّصال قائما على النفاذ الحرّ إلى المعلومة التي يديرها فاعلون دينيّون وسياسيّون تحكمهم رهانات وتوتّرات أذكت ثقافة التكفير وعمّقت روح الصدام مع الآخر على تباين صوره. لذا تكيّفت النخب الدينيّة والعالمَ الافتراضيّ بأن اصطنعت خطابات إلكترونيّة لها استراتيجيّاتها المتنوّعة المتكاملة في تناغم مع أنظمة سيميائيّة متعدّدة تجمع المكتوب والمرئيّ والسمعيّ لتخلق سحرا إلكترونيّا لم ينقطع عن أصوله التراثيّة بطاقتها الروحيّة والعمليّة في إدارة جموع المسلمين، رغم تباين المجالات والبيئات، وهو ما خلق تشظّيّا في الخطاب الإسلاميّ وفي الجسد الجمعيّ للمؤمنين معا يثير أسئلة عن طبيعة السلطة والشرعيّة والتديّن في المجتمعات الإسلاميّة المعاصرة.[55]
لقد عمّم الفضاء الإلكترونيّ مجال التكفير وضروبه، وحوّله إلى خطاب يخترق تفاصيل المعيش الإسلاميّ ويتلبّس بشتّى المجالات السياسيّة والفكريّة ويعايش أيّة توتّرات داخليّة أو خارجيّة. فهل يُلمع هذا إلى أزمة بنيويّة في النظامين الاجتماعيّ والثقافيّ للمجتمعات المسلمة المعاصرة؟ لقد أفلح خطاب التكفير في أن يتحوّل إلى رهان سياسيّ تحرّكه شبكة متداخلة من الفاعلين المحلّيين والدوليّين بما أدّى إلى انحسار قيم التعايش وثقافة الاختلاف وصعود المركزيّات الثقافيّة وعولمة العنف المقدّس، وهذا ما يعمّق أزمة الجموع المسلمة راهنا وأفقا، لأنّه "سيكون للجهل المقدّس متّسع من وقت ليبقى ويزدهر".[56]
قائمة المراجع
الكتب
- باللسان العربيّ:
ــ أكوافيفا، سابينو وباتشي، إنزو، علم الاجتماع الدينيّ، ترجمة: عز الدين عناية، كلمة، ط 1، 1432 هـ/ 2011 م.
ــ باتريك شارودو ودومينيك منغنو، معجم تحليل الخطاب، ترجمة: عبد القادر المهيري وحمّادي صمّود، المركز الوطنيّ للترجمة، تونس، 2008
ــ بيير بورديو، الرمز والسلطة، ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، المغرب، ط 3، 2007
ــ بيير بورديو، مسائل في علم الاجتماع، ترجمة: هناء صبحي، منشورات كلمة، ط 1، 1433/2012
ــ روا، أوليفييه الجهل المقدّس: زمن دين بلا ثقافة، ترجمة: صالح الأشقر، دار الساقي، بيروت، ط 1، 2012
- باللسان الأجنبيّ:
ــ Danesi, Marcel, Understanding Media Semiotics, Arnold, New York-London, U.S.A, 2002
ــ El-Nawawy, Mohammed and Khamis, Sahar, Islam Dot Com, Polgrave Macmillan, New York, U.S.A, 2009
ــ Gunther, Kress and Van Leeuwen, Theo, Reading Images: the Grammar of Visual Design, Routledge, New York- London, U.S.A- Canada, 2006
ــ Lorne, Dawson and Douglas, Cowam, Religion on line: Finding Faith on the Internet, Routledge, New York-London, 2004
ــ Whittaker, Jason, the Cyberspace Handbook, Routledge, New York-London, U.S.A-Canada, 2004
■ المقالات
- باللسان الأجنبيّ:
ــ Caron, Nathalie, La religion dans le cyberespace, Matériaux pour l’histoire de notre temps, N°75, Juillet-septembre, 2004
ــ Dawson, Lorne, Religion and the Quest for Virtual Community, Religion on Line: Finding Faith on the Internet, Routledge, New York-London, 2004
ــ Etienne, Bruno, Islam et liberté: une salutaire complexité, La pensée de midi, N°19, 2006/3
ــ Herring, Susan, Computer-Mediated Discourse, the Handbook of Discourse Analysis, Blackwell, U.S.A-U.k, 2011
ــ Mandaville, Peter, the New Transnationalism: Globalising Islamic Moovments, the New Cambridge History of Islam, C.U.P, U.K, 2011
ــ Pattana, Kitiarssa, Towards a Sociology of Religious Commodifacation, the New Blackwell Companion to the Sociology of Religion, Wiley-Blackwell, U.S.A-U.K, 200
■ المواقع الإلكترونيّة
ــ http://www.alifta.net. موقع اللجنة الدائمة للإفتاء السعوديّة
ــhttp://www.alqatrah.net.موقع ياسر الحبيب
ــ http://www.fadak.tv. موقع قناة فدك الفضائيّة
ــ http://www.khaled-alrashed.com. موقع خالد الراشد
ــ https://islamqa.info. موقع الإسلام سؤال وجواب لمحمّد صالح المنجد
ــ https://www.youtube.com. موقع اليوتيوب
ــ http://www.draligomaa.com.موقع عليّ جمعة
ــ http://www.hizb-ut-tahrir.info. موقع حزب التحرير
[1] نشر هذا المقال في مجلة ذوات الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، عدد 46
[2] سابينوا أكوافيفا وإنزو باتشي، علم الاجتماع الدينيّ: الإشكالات والسياقات، ترجمة: عز الدين عناية، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، ط 1، 1432 هـ/ 2011 م، ص 134
[3] أولفييه روا، الجهل المقدّس: زمن دين بلا ثقافة، ترجمة: صالح الأشقر، دار الساقي، بيروت، ط 1، 2012، ص 28
[4] Mandaville, Peter, the New Transnationalism: Globalising Islamic Moovments, the New Cambridge History of Islam, C.U.P, U.K, 2011, V 6, p 217
[5] Pattana, Kitiarssa, Towards a Sociology of Religious Commodifacation, the New Blackwell Companion to the Sociology of Religion, Wiley-Blackwell, U.S.A-U.K, 200, p 388
[6] El-Nawawy, Mohammed and Khamis, Sahar, Islam Dot Com, Polgrave Macmillan, New York, U.S.A, 2009, p 57
[7] Lorne, Dawson and Douglas, Cowam, Religion on line: Finding Faith on the Internet, Routledge, New York-London, 2004, p 46
[8] Whittaker, Jason, the Cyberspace Handbook, Routledge, New York-London, U.S.A-Canada, 2004, p 148
[9] Caron, Nathalie, La religion dans le cyberespace, Matériaux pour l’histoire de notre temps, N°75, Juillet-septembre, 2004, p 18
[10] Ibid, p 20
[11] El-Nawawy and Khamis, p-p 64-66
[12] شارودو ومنغنو، ص 538
[13] نفسه، ص 538
[14] نفسه، ص 334
[15] Herring, Susan, Computer-Mediated Discourse, the Handbook of Discourse Analysis, Blackwell, U.S.A-U.k, 2011, p 614
[16] Gunther, Kress and Van Leeumen, Theo, Reading Images: the Grammar of Visual Design, Routledge, New York- London, U.S.A- Canada, 2006, p 47
[17] Whittaker, p 67
[18] https://islamqa.info/ar/10070 موقع الإسلام سؤال وجواب.
[19] طاع الله، ص 225
[20] http://www.draligomaa.com/index.php/ موقع عليّ جمعة
[21] Kress, p 26
[22]http://www.qaradawi.net/new/Articles-312
[23] http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/alraiah-newspaper/42309.html موقع حزب التحرير.
[24] Etienne, Bruno, Islam et liberté: une salutaire complexité, La pensée de midi, N°19, 2006/3, p 77
[27] Kress, p 27
[28] Ibid, p 13
[29] http://www.alifta.net/default.aspx?languagename=ar#1 موقع اللجنة الدائمة للإفتاء السعوديّة.
[30] http://www.alqatrah.net/index.php
[31] El-Nawawy and Khamis, p 61
[32] Loader, p 10.
[33] Whittaker, p 60
[34] https://www.youtube.com/watch?v=LKCbjh-P_RQ
[35] Kress, p 1
[36] Kress and leeuwen, p 217
[37] http://www.alqatrah.net/vi14467
[38] https://www.youtube.com/watch?v=WtZYCOvV9PQ
[39] Dawson, Lorne, Religion and the Quest for Virtual Community, Religion on Line: Finding Faith on the Internet, Routledge, New York-London, 2004, p 79
[40] http://www.alifta.net/Search
[41] http://www.alifta.net/Fatawa/FatawaSubjects.
[42] بيير بورديو، مسائل في علم الاجتماع، ترجمة: هناء صبحي، منشورات كلمة، ط 1، 1433/2012، ص 169
[43] Roy, p 229
[44] Bunt, Islam, p 137
[45] Van Dijk, Discourse, p 38
[46] http://www.alifta.net/Fatawa/FatawaSubjects.
[47] Roy, p 221
[48] http://www.alqatrah.net/videos_play.php?id=10110https://www.youtube.com/...
[49] Caron, p 24
[50] أكوافيفا وباتشي، ص 152
[51] بورديو، الرمز، ص 59
[52] Roy, p 223
[53] http://www.alqatrah.org/vi14469
[54] Castells, p-p 1-2
[55] El-Nawawy and Khamis, Islam, p-p 71-73
[56] أوليفييه، ص 327