أنواع الإرادة في القرآن الكريم والفرق بينهما
1 – الإرادة الكونية القدرية
هي المشيئة العامة التي يدخل فيها جميع المخلوقات من بر وفاجر وصالح وطالح، وهي إرادة الله تعالى لفعله، سواء إن كان المفعول منه محبوباً أو غير محبوب، يرضيه أم لا يرضيه، فالله تعالى يفعل ما يشاء، ولا يشاء شيئاً إلا بعد إرادته له، وكل ما كان منه فليس فيه إلا الجمال والجلال والحسن .
أما أفعال العباد فهي منقسمة، ففيها الحسن وفيها القبيح، وليس للعباد أن يفعلوا ما يشاؤون، وإنما يفعلون ما يؤمرون به إمتثالاً وإنتهاءً، وهذا هو الحسن منهم.
وتلك الإرادة متعلقة بالخلق، وهي من لوازم الربوبية، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ويدخل في هذه المشيئة خلق الأقوياء والضعفاء والفقراء والمؤمنين الكفار، والملائكة والشياطين، وخلق الخيرات والفضائل، وخلق السيئات والحسنات، وخلق التوفيق والخذلان، وخلق القوة والعجز، والبلادة والذكاء.
الآيات التي تدل على الإرادة الكونية:
– قال تعالى: “وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ” (الأنعام : 112).
– وقال تعالى: “وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ”(البقرة : 353).
– وقال تعالى: “ولَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِيا لأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا” (يونس : 39).
– وقال تعالى: “وَلَوْشَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ”(النساء : 90).
– وقال تعالى: “فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء”(الأنعام : 125).
– وقال تعالى: “وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ” (هود : 44).
– وقال تعالى: “وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَايُرِيدُ” (البقرة: 253).
– وقال تعالى: “وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَاشَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ” (الكهف : 39).
– وقال تعالى: “وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا” (السجدة : 13).
– وقال تعالى: “وَمَاتَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا”(الإنسان : 30).
– وقال تعالى: ” مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” (الأنعام : 39).
– وقال تعالى: ” إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (يس : 82) .
وهذه الإرادة وتلك المشيئة هي التي تستلزم وقوع المراد، والمراد إما أن يكون مراد لذاته محبوباً لله تعالى، وذلك لما فيه من الخير، كخلق الأنبياء والصالحين وكذلك كافة الفضائل والخيرات، أو مراداً لغيره وهذا يطلق على الكفر وجميع الشرور والآثام، فإنها ليست مرادة لذاتها وإنما هي مرادة لشيء آخر محبوب إلى الله تعالى. والحق أن جميع أفعاله وشرعه لها حكم وغايات، لأجلها شرع وفعل، وإن لم يعملها الخلق على التفعيل، فلا يلزم من عدم علمهم بها إنتفاؤها في نفسها.
وحاصل الإرادة الكونية إثبات مشيئة الله تعالى المطلقة في إيجاد المخلوقات كلها واختلاف أنواعها وأشكالها، وتفاوت فضائلها وشرورها وجمالها ودمامتها وكيسها وعجزها، وكفرها وإيمانها، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فالله على كل شئ قدير، ولا يقع في ملكه إلا ما يريد، ولا يقع فيه شئ كرهاً عنه،فهو الذي أراد إيمان المؤمنين، وهو الذي أراد كفر الكافرين، وكل ذلك في علمه السابق، ولا يمكن لأحد أن يخرج عن علمه، وعلمه يستلزم ثبوت قدرته.
وفي الإرادة الكونية قد يبغض الله تعالى طاعة العاصي ولا يعينه عليها بعد الإراشاد والنصح والبيان، وذلك لحكمه عظيمة جليلة، كما قال تعالى في المنافقين الذين تخلفوا مع الخوالف في بيوتهم، وتركوا الخروج للجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم كما في غزوة تبوك: ” وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ” (التوبة : 46)، وقد بين الله تعالى الحكمة في بغضه لطاعته فقال: “لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ” (التوبة : 47) .
وهو سبحانه: “لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ” (الأنبياء : 23)، وذلك لأنه يتصرف في ملكه، وهذا ليس فيه ظلم، إنما الظلم في الحقيقة يكون من تصرف المتصرف فيما لا يملك، ومنع المستحق ما يستحقه، والله تعالى لا يجب عليه شئ لأحد حتى يحاسب على ما ضيق ومنع، وعلى ما أهان وخذل، وإنما هو حكمة بالغة ورحمة واسعة وعدل قويم.
2 – الإرادة الدينية الشرعية
هي إرادة الله تعالى لأمره الديني الشرعي، وهي التي أرسل من أجلها الرسل، وأنزل من أجلها الكتب وهي لا تستلزم وقوع المراد مع كونه محبوباً لله تعالى إلا إذا كان متعلقاً بالإرادة الكونية، والإرادة الشرعية الدينية تدل دلالة واضحة على أنه سبحانه لا يحب الذنوب والمعاصي والضلال والكفر، ولا يأمر بها ولا يرضاها، وإن كان شاءها خلقاً وتقديراً وإيجاداً، وأنه سبحانه وتعالى يرضى ويحب كل ما يتعلق بهذه الإرادة الدينية الشرعية ويثيب أصحابها، ويدخلهم الجنة وينصرهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة وينصر بها، أي: الإرادة الدينية الشرعية للعباد من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وعباده الصالحين.
الآيات الدالة على الإرادة الشرعية:
– قال تعالى: ” يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” (البقرة : 185).
– وقال تعالى: “مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ” (المائدة: 6).
– وقال تعالى: ” وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا” (النساء: 27).
– وقال تعالى: “يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا” (النساء: 28).
– وقال تعالى: “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا” (الأحزاب: 33).
– وقال تعالى: “إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَايَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ” (الزمر: 7) .
3 – الفرق بين الإرادتين
– الإرادة الكونية يلزم فيها وقوع المراد، والإرادة الشرعية لا يلزم فيها.
– الإرادة الشرعية تختص فيما يحبه الله، والكونية عامة فيما يحبه وما لا يحبه.
– فما كان بمعنى المشيئة فهو إرادة كونية وما كان بمعنى المحبة فهو إرادة شرعية.
– الله يريد المعاصي كوناً لا شرعاً، لأن الإرادة الشرعية بمعنى المحبة والله لا يحب المعاصي ولكن يريدها كونا أي مشيئة فكل ما في السموات والأرض فهو بمشيئة الله.
4 – تعلق الإرادتين بالمخلوقات
تنقسم المخلوقات من حيث تعلقها بالإدارتين إلى أربعة أقسام:
الأول: ما تعلقت به الإرادتان، وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة، فإن الله أراده إرادة دين وشرع، فإمر وأحبه ورضيه، وأراده إرادة كون فوقع، ولولا ذلك ما كان.
الثاني: ما تعلقت به الإرادة الدينية فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، فعصى ذلك الكفار والفجار فتلك كلها إرادة دين وهو يحبها ويرضاها وقعت أو لم تقع.
الثالث: ما تعلقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدره الله وشاءه من الحوادث التي لم يأمر بها كالمباحات والمعاصي فإنه لم يأمر بها، ولم يرضها، ولم يحبها، إذ هو لا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر، ولولا مشيئته وقدرته وخلقه لها لما كانت ولما وجدت، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
الرابع: ما لم تتعلق به هذه الإرادة ولا هذه، فهذا ما لم يقع ولم يوجد من أنواع المباحات والمعاصي.
والسعيد من عباد الله من أراد الله منه تقديراً ما أراد به تشريعاً، والعبد الشقي من أراد به تقديراً ما لم يرد به تشريعاً.
مراجع البحث:
1 – د. علي محمد محمد الصّلابيّ، الإيمان بالقدر، دار ابن كثير، بيروت، ص (69: 75).
2 – ابن تيمية، مجموع الفتاوى، وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية – مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1425ه – 2004م، (8/ 188- 189).
3 – علي بن السيد الوصيفي، القضاء والقدر عند السلف، دار الإيمان للنشر و التوزيع، ط1، 1423هـ- 2002م، ص 62- 64- 65
4 – عمر الأشقر، القضاء والقدر، دار النفائس للنشر ، الأردن، ط13، 1425 هـ – 2005م، ص
5 – محمد بن صالح بن محمد العثيمين، المجموع الثمين مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، دار الوطن- دار الثريا، 1413 هـ ، (1 / 157) .
6 – محمد بن صالح بن محمد العثيمين، شرح العقيدة الواسطية، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، السعودية، ط6 ، 1421 هـ، (1 /223) .
المصدر: https://islamonline.net/29003