المعرفة ضرورة في الحوار

محمد حسين فضل الله

 

لا بُدَّ لكلٍّ من طرفي الحوار من التعرّف إلى الفكرة التي ينطلقان في طريق إثباتها ونفيها، لأنّ الجهل بها وبتفاصيلها، يحوّل الحوار إلى أسلوب من أساليب الشتائم والمهاترات، التي يغطي بها كلٌّ منهما ضعفه وعجزه عن الوقوف موقف المدافع القويّ عن فكرته، بينما تجعل المعرفة كلًّا منهما واعياً لما يطرح وما يستقبل من فكر، ما يجعله يعرف كيف يبدأ الحوار، وكيف يخوض فيه، وكيف ينتهي منه، في وضوح الرؤية وهدوء الفكر وقوّة الحجة ووداعة الكلمة.

وقد أعطانا القرآن الكريم بعض النماذج البشريّة التي وقفت ضدّ الرسالة والرسول، من دون أن يكون لها إحاطة ومعرفة فيما تأخذ وفيما تدع، كما في قوله تعالى:

{هَا أَنتُمْ هَؤلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيما لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(آل عمران: 66).

{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبرٌ مَّا هُم بِبالِغيهِ فَاستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصيرُ}(المؤمن: 56).

{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}(يونس: 39).

فقد نفهم من هذه الآيات، أن القرآن الكريم يأخذ على كلّ هؤلاء الذين يخاصمون النبوّات والرسالات السماوية، أنّهم يدخلون معركة الحوار دون سلاح، لأنهم لا يملكون علماً أو حجةً، أو إحاطة بالموضوع الذي يرفضونه، ما يجعل من جدالهم ورفضهم قضية مزاج، وعقدةً نفسيّة تتحكّم بهم؛ فتدفعهم إلى اللّفّ والدوران تارةً، وإلى التكذيب بلا مبرّر أخرى، الأمر الذي لا يؤدّي إلى أية نتيجة لحساب المعرفة أو لمصلحة الحقّ.

ولعلّنا نجد في واقع الصّراع الذي يخوضه الإسلام مع خصومه، الكثير من هذه النماذج التي تدخل مجال الصّراع دون أن تعرف طبيعة الفكرة التي تدافع عنها أو تهاجمها، سواء في ذلك الذين ينطقون باسم الإسلام، أو الذين ينطقون باسم الكفر والضلال، ممن لا يعرفون من أفكارهم وأفكار خصومهم إلّا بعض المفاهيم العامّة، التي يحوطها الضباب في أذهانهم من كلّ جانب... وقد تمتدّ بهم المعرفة إلى وعي بعض الأفكار المحدَّدة في مفهومـها وتطبيقـها، ولكنهـم يجهـلون ارتباطـها ببقيـّة الأفكـار التي تجعلها وحدةً فكريّة متكاملة، فيسيئون إلى الفكرة عندما يقتطعون منها بعض الجوانـب دون غيـرها؛ مما يفقدهـا العناصـر الأساسـية التـي تعطيـها القـوّة والحيـويّة.

ومن الطبيعي ـ لهذا كلّه ـ أن نحصل على نتيجةٍ قَلِقةٍ من خلال عملية الحوار، قد تتمثّل في ضعف موقف المدافعين عن الإسلام أو الداعين إليه في بعض الحالات، وقد تتمثّل في ضعف أولئك في دفاعهم عما يؤمنون به، لا لضعفٍ في طبيعة الفكرة، بل لضعفٍ في معرفتهم بها؛ ما يؤدّي إلى استسلام الدعاة المسلمين إلى زهو الشعور بقوّة حجّتهم أمام ضعف عقيدة الكفر، فيتركون الاستعداد الكبير لمواجهة القوّة الحقيقيّة لمبادئ الكفر والضلال، التي تتمثّل في المفكرين الكبار الذين وعوها حقّ الوعي، وعرفوها حقّ المعرفة، فيؤخذون على حين غرّة وغفله؛ الأمر الذي يؤدّي ـ في بعض الحالات ـ إلى الهزيمة الفكريّة التي تنعكس على حركة الدعوة الإسلاميّة في الحياة.

وفي ضوء هذا، نشعر بأنّ على الداعية المسلم أن يتزوَّد بالثقافة الإسلامية، التي تجعله قويّاً في حجته أمام خصومه من موقع المعرفة العميقة للإسلام، لا من مركز ضعف خصومه، كما أنّ عليه أن يحيط بالثقافة المضادّة التي يملكها أعداء الإسلام، مما يعتبرونه سنداً لمبادئهم، وحجّةً لأفكارهم، حتى يخلُص من خلال الموازنة والمفاضلة بين العقيدتين أو بين المفهومين، إلى النتيجة التي لا تختلف حالها، حسب اختلاف قوّة الخصم وضعفه، من حيث المعرفة والحجّة والأسلوب.

المصدر: http://arabic.bayynat.org.lb/ArticlePage.aspx?id=26932

الأكثر مشاركة في الفيس بوك