جماليات اللّمسي في الفنون التشكيليّة
غادة بنقمرة
خلّد التاريخ وشيدت جدران المتاحف وقاعات العرض أعمال إبداعيةً وفنيّة مختلفة من فنان إلى آخر ومن فترة زمنية إلى أخرى. فيعد تاريخ الفن مسارا للعديد ولثلّة من الأعمال الفنيّة عن طريق لمسة أو فكرة أو تقنية خاصّة بالفناّن الطلائعي في حقبة واحدة، فالتيّارات الفنيّة على تعدّدها كانت ترجمة للذّوق الفنّي وصورة تعكس واقعا معاشا في فترة مّا . فكلّ حقبة تاريخيّة فنية كانت تقطع جذريا أو راديكاليا مع ما سبقتها. ففي عصر النّهضة والفترة الكلاسيكيّة اكتسحت القوانين وخاصّةً منها المنظور وكانت اللّوحات الفنيّة مرسومة بتقنيات رياضية تغيب فيها العفوية وتسودها النمطيّة. فالحقل الإبداعي كان منحصراً في مواضيع معينة أذكر البورترية، الطبيعة الصامتة، الجسد العاري… هي أعمال تميّزت بتشابه صارخ، أفسّر أكثر أعمال عصر النهضة وحتّى للفترة الحديثة هي منتجات إبداعية فنية خالية من التفرّد واللّمسة الخاصّة والذاتية فالكلّ كان مطيعا ومواليا لنفس القيم الجماليّة آنذاك فلا تخلو المشاهد الطبيعية من المنظور ولا تخلو الطبيعة الصامتة من التباين الغامق والفاتح والظلّ وغيرها من خاصيات المدارس الكلاسيكية حتّى إبّان الثورة الصناعية وولادة الألوان الصناعيّة ليصبح فضاء الورشة هو الغابة والحقول عند فان خوخ وفناني الانطباعيّة بعد ما كان مغيبا وبعيداً عن الأنظار أذكر مثلا ورشة الفنان الفرنسي Poussin /بوسان فقد كان هذا الفنان يرسم بعيداً عن الأعين في ورشته الخاصّة دون إفشاء سرّ خلطه للألوان أو عن كيفية تعامله مع الفرشاة والمواد المستعملة وأصبحت الألوان إبّان الثورة الصناعية صناعية بعد أن كانت طبيعية فلقد كان الفنّان يخلط المواد التي اختارها من الطبيعة ففنانو عصر النهضة والفترة الكلاسيكية عرفوا بصناعتهم للون من الطبيعة.
أحدثت الثورة الصناعية انقلابا في تاريخ الفنّ مع أعمال سيزان وموني ورسمهم لانطباع الشمس على الحقول. ولم تفتأ التّغييرات الراديكالية وتأثيرات المنتجات الصناعيّة على الفنّ وصولا إلى 1874 تاريخ ولادة الفوتوغرافيا، لتعوض وتأخذ مكانة الصورة الصورة الفوتوغرافية ويصبح السيمولاكر مبحثا وانعكاسا للصورة من خلال العدسة ولا من خلال فرشاة الفنّان كما كان سائدا من قبل. إذاً لقد تركت الثورة الصناعيّة بصمة متجلية وواضحة في الممارسات الفنيّة وأصبح هاجس ومحور إبداع الفنان حول المادة والتقنيات والبحث في تغيير الصورة والابتعاد عن التّمثيل وصياغة كلّ ما هو مقروء بالعين المجرّدة كما كان موجوداً في العصور الكلاسيكية.
ومن حقبة إلى أخرى يصبح الفنّ أكثر ارتباطا وانعكاسا للواقع المعاش ويصبح الفنّان ناقدا للمجتمع الاستهلاكي مثلا الفنانون الواقعيون الجدد. لقد نقدوا المجتمع الاستهلاكي من خلال عرضهم للمعلقات الإشهارية وبما تحتويه من أثر الشارع والمحيط الخارجي وكذلك تقديمهم بقايا الأكل في الصحون بقاعات العرض. لقد أخذوا من الشارع ومن العادي والعامي أيقونات ومصادر إلهام لأعمالهم الإبداعية في موقف نقدي للمجتمع آنذاك لقوّة رأس المال المسيطر في العالم.
لعلّ أهمّ من فطن إلى الثورة التقنية وأثارها الراديكالية على الفنّ المعاصر هو والتر بنيامين أحد أعمق مفكري مدرسة فرانكفورت. مع اقتحام الفنّ المعاصر لعالم التقنية أو إذا شئنا القول مع اكتساح التقنية المعاصرة لعالم الفنّ تغيّر كلّ من الفنّ و التقنية على حدّ سواء. التقنيات الجديدة كما أسلفنا القول هي أكثر من أن تكون مجرّد آلات وأجهزة، هي نمط لإدراك ورؤية العالم « [1]. ومنه ارتبط الفنّان بالتّطورات الجذرية الّتي يشهدها عصرا ما لتتغير وتنقلب جميع الموازين والمقاييس الجماليّة والتشكيليّة ويفقد الفنّ هالته. يتخلّى العمل الفنّي عن قداسته ومصداقيته وهالته إذاً أمام العمل الفنّي المعاد صياغته والمعاد إنتاجه العديد من المرّات ليفقد هذا الأخير وحسب بنيامين وحدته والتّفرد. فالفنّ تخلّى عن ارتباطه بمفهوم المحاكاة والمواضيع الدينيّة والطقوس والحياة ما بعد الموت وتصوّر الآلهات ليصبح الفنّان مرتبطاً بالواقع الرّاهن أي الواقع الاجتماعيّ والسياسيّ كذلك.
مكّنت الثورة الصناعيّة من أحداث تغيرات أو بالأحرى قطيعة مع كلّ النّظم الجماليّة الكلاسيكيّة ليصبح القبح جميلا ويفقد العمل الفنّي قداسته بمعنى وبفعل الآلة يصبح الفنّ والأثر الفنّي قابلا للإعادة والاستنساخ فاقدا هالته. ففعل الاستنساخ ظهر مع أعمال الفنان آندي وارولWharol بواسطة تقنية سيريغرافيا وذلك في إطار موقف منه لنقده لمجتمع الاستهلاك، باعتباره مجتمعا مستهلكا لنفس الأشياء يوميا. ففعل التكرار أضفى الخبز اليومي في المجتمع الاستهلاكي. الكل يستهلك نفس البضائع. هي سلع تنتجها قوى رأس المال لتسيطر على عقول الشعوب. فالاستنساخ وإعادة صياغة الموجود بطريقة آلية تغدو لنا للسيطرة وللهيمنة على الذوق العام وغياب التفرّد ويصبح الكل قطيعا تحت سلطة رأس المال والقوى الإمبريالية. ومنه أصبح للفنّان موقفا معاديا لما كان سائدا قبل، فلقد كان من بين فناني الكلاسيكية فنانو بلاط ولا مكان للرفض أو المعارضة. كانت صور الملوك والعائلات المالكة أيقونات أعمالهم ليصبح الفنّ المعاصر فنّا مفاهيميّا رافضا لكلّ ما هو تقليديّ. العمل الإبداعيّ كما أشرنا هو ترجمة لأحداث ولمنحى سياسي واقتصادي واجتماعي لكلّ فترة شهدها التاريخ. “فالسينما السوفياتية مثلاً كانت سينما داعمةً للثورة وخاصةً في عهد ستالين فلقد كانت سينما تمثل وتصوّر الحرب من جهة ومن جهة أخرى تبيّن وتفرز خاصيات الإيديولوجيا الشيوعية[2]“. فالحرب العالمية الأولى كانت فعلاً قادحاً وشعلةً في تاريخ الفنّ. كانت مفتاحاً لولادة الدادائية الأولى أي بداية الفنون المعاصرة ليصبح الفنان ثوريّا ورافضا لصور الماضي والقوانين التشكيلية والجمالية.
لقد جاءت حركة دادا لتفرز وتعطي موقفا نقديّا للحرب من جهة ولغطرسة الطبقة البورجوازية من جهة أخرى واختار الفنانون الابتعاد عن هول الحرب ومأساتها باحثين في طرق تشكيلية للقطع مع السائد التشكيلي، فالفنان المعاصر تجاوز النمطي باحثاً في التجديد وتقديم ذاتية لعمله وترك بصمة تشكيلية فردية.
أصبحت إذاً الفنون المعاصرة فنونا موكباً لتطورات العصر ويقصد به هنا أنّ الصور التشكيلية أصبحت إبداعية ذات منحى سياسي وانعكاسا لما يشهده العصر الرّاهن من تطورات تقنية وصناعيّة وتكنولوجية. فالصناعي، منذ الثورة الصناعية قلب جميع موازين الفنّ والقيم الجماليّة. من الفنّ الحديث إلى الفنّ المعاصر لقد دخل الفنّ عهداً جديداً وهو عصر الصناعة. وصارت الآلة وبالتّحديد الكاميرا بمثابة الفرشاة والقماش واللّون بالنسبة للرسّام والقلم والورقة والحروف والكلمات بالنسبة للكاتب.
فهذا الفنّ الّذي قطع مع كلّ سيرورة الماضي ليبتعد عن كلّ ما هو أكاديميّ ونمطي ومنظور وخامات، فنّ اندرج تحت منظور النسخة ولم تصبح لنا إمكانية تمييز الأصل عن النسخة وخاصة مع ظهور فناني الفوتوغرافيا والصورة الفوتوغرافية والصورة المتحركة ليجلبوا لنا مفهوم التفرد متجلياً وواضحاً في الفنون المعاصرة. فنون تنصهر فيها المفاهيم فيما بينها وتمركز جلّ هذه الأعمال حول المفهوم ليصبح حتّى الزائل عنصرا تشكيليا والافتراضيّ محورا هاماً وإشكالية بحث عميقة للعديد من الفنانين في الزّمن الرّاهن.
عديدة هي التغييرات الجذرية كما أشرت سابقا الّتي عرفها وشهدها تاريخ الفن من حقبة إلى أخرى والتّي تعكس سيرورة الحياة والمعطيات الاجتماعية والسياسية لكلّ فترة، وصولا إلى السبعينات ومع ظهور الحاسوب أخذ الفنان المعاصر هذه الوسائل واعتمدها في إنتاجاته الفنية والإبداعية ليصبح الحاسوب حاملا وأداة وفضاء للعرض والإبداع.
فالثورة الرقمية كانت اختراقا في الفنون المعاصرة في حد ذاتها ليصبح الوجيسيالLogiciel/ هو الفنان ويمتزج الفنان بالآلة وفي السنوات الأخيرة. ومع الصرخ التكنولوجي الذي شهده العصر الراهن اصبح اللامرئي مرئيّا والإفتراضي واقعا. وتداخلت القيم الجمالية والإبداعية في ما بينها. “فالصورة الرقمية لم تعد نسخةً لشيء سابق وإنّما العكس ولم تعد بحاجة لمحاكة الواقع الخارجي بما أنّ المنتوج الواقعي هو المطالب بمحاكاتها كي يحقّق وجود. «[3] فهي لا تحقق وجودها إلّا بتدخل المشاهد والتّفاعل مع العمل الرقمي. لقد كان للمشاهد دور هامّ كذلك في التنصيبات.
التنصيبات مكّنت الفنون من تجاوز وفتح آفاق بين قاعة العرض والشّارع والمشاهد ليصبح الفنّ على أعين الجميع. ومن هنا تجلّى لنا مفهوم ديمقراطية الفنّ كما تحدّث عنها النّاقد الفنّي جيمنيز فمثلاً تنصيبات الفنّان الفرنسي دانيل بورن خير دليل . هي تعبيرات تشكيليّة تمّ عرضها في السّاحات على النحو التالي فلقد وضع خطوطا سميكة في العديد من الأمكنة العامّة ورسوما هندسية.
نماذج من أعمال Daniel Buren
فتحت الثورة الرقميّة للإبداع عالماً موازيا للعالم الواقعيّ هو العالم الافتراضي الّذي بفضله أمكن للفنّ استعمال أدوات ووسائل جديدة. ومنه كما أشرنا سابقاً أن الفنون المعاصرة أصبحت نتاجا للواقع الرّاهن وانعكس ليصبح الفضاء الافتراضي مادة تشكيلية وعنصراً إبداعياً ويصبح اللاّمادي واللاّمحسوس محسوساً ومادياً وتنصهر جملة من المتضادات في العمل الفنّي الواحد بين الواقع والافتراضي واللاّشيء والشّيء والفنان بالمشاهد وغيره من الخاصيات الجمالية التّي تداخلت فيما بينها حتّى مفهوم الفنّ والفنان تمت إعادة الأنظار فيهما وخاصة عند اقتحام المشاهد العمل الفني وتجاوز المسافة الّتي كانت بينه وبين اللّوحة أو المنحوتة الفنية. أصبح المشاهد هو الفنان في التنصيبات ومنه خرجت اللوحة من فضائها المعهود لتأخذ من الشارع ومن الساحات العامة مكانة ومكانا كذلك.
تعدّدت الحوامل الفنيّة في الفنون المعاصرة والرّاهنة وأصبحت شاشة الحاسوب محملا وأداة تشكيليّة للإبداع ليخلق من الافتراضي عملا فنيّا ويعكس التّطور لوسائل التكنولوجيات الحديثة. مكّنت الثورة الرقمية كما أشرنا سابقاً في هذه المداخلة من خلق نظم جديدة ليصبح للافتراضي حضور.
تطوّرت التقنيات والمباحث التكنولوجية الرقميات لتنصهر مرّة أخرى المشاهد داخل العمل الإبداعي ليس بالمشاهدة فقط بل تدخل المشاهد في العمل وقدمت التقنيات تمظهرات جديدة ليصبح المشاهد حساسا بالعوامل الطبيعية مثل البرد والمطر أثناء مشاهدته للأفلام متعدّدة الأبعاد مثل 4D وغيرها ….وكأنّنا به أصبح عنصرا من سيناريو الفيلم وشخصيات رئيسية أو فرعية فيه…تجاوزت هذه التقنيات الحديثة جدّا جميع المسافات بين العمل الفني والسينمائي والمشاهد تدريجياً في سيرورة عمل كاملة. ويستند هذا الوضع من التغيير على التّقدم التكنولوجي أي أنّ المشاهد عبر على مرّ تاريخ الفنّ بالعديد من الأشكال وكانت معظمها أو جلّها انعكاسا للتغيرات التكنولوجية وكذلك أيضاً الصناعية.
مكّنت البرمجيات المعاصرة مثلا وخاصةً 3Dمن خلق مدن مشاهد وصورا حرب تركيبة تشكيليّة افتراضيّة وواقعيّة في نفس الوقت. هي مشاهد خياليّة تأخذ محمل الوجود فقط بواسطة نظرات خاصّة يرتديها الفنّان وخيالية في الآن نفسه أذكر مثلاً تنصيبات الواقع الافتراضي فهي »أعمال ذات تركيبة معقدة والتفسير لكوشو تعتمد على مبدإ التقابل بين الواقع والخيال حيث تمكن هذه التقنيات من دخول المشاهد إلى العالم الافتراضي « [4] وينصهر بدوره داخل هذا المفارقات.
مكّنت الثورة الرقمية من خلق نظم ليصبح للافتراضي حضورٌ. خرجت الصورة الرقمية من الحاسوب لتجعل الحدود بين الحقيقي والوهمي معدومة ويصبح للافتراضي واقعا خاصا به. فالافتراضي هو ليس اللاوجود أو عكس الحاضر. هو الممكن، هو في ترتيب وسيرورة الواقع. وحتّى رجوعاً لأصل الكلمة بلغة الفرنسية فهي تعني القوّة أو ما يوجد بالقوة «[5] . .
تلامس العين التنصيبة الرقمية لتدخل في أعماق العمل الإبداعي وتصبح هي اليد. ففعل اللّمس والحركية داخل التنصيبة الرقمية هي مكمل لوجود أيّ عمل رقميّ ثلاثي الأبعاد. فالعين تعانق هذا العمل الرقمي من خلال النظارات الخاصّة.
علاقة العين بالعمل الإبداعي ليست جديدة فالعين تجول في ثنايا اللّوحة ثنائية الأبعاد كما وصفها لنا جيل دولوز في كتابه منطق الإحساس. تتجوّل العين في كامل اللّوحة وتلامسها من خلال طيّات الألوان وثانايا الضوء والتباينات اللونية والضوئية. تخلق المتضادات في ما بينها انعكاسات تجعل العين تموج بين الأعماق وثنايا الألوان والأشكال.
العين اليد واللمسي هي مفاهيم دولوزية النشأة لقراءة أعمال فرنسيس باكون. إذاً اللمسي عند دولوز كان ترجمة لقراءة خاصة لأعمال باكون، فهل تجوز لنا القراءة الجمالية لهذا المفهوم في التنصيبات ثلاثية الأبعاد بما أنّها تتيح لنا بخاصياتها الرقميّة والتكنولوجيّة إمكانية استخدام هذا المفهوم؟
لقد استهل في تحاليله للمؤرخ RIEGEL في دراسته لخصوصيات bas-relief أو النتوءات المنخفضة إن صحت الترجمة مروراً بالفسيفساء البيزنطية وصولاً الأعمال سيزان وباكون. فالعين تتخيّل قبل أن تلمس اليد العمل الفنّي. ليصف لنا دولوز بأنّ اليد تختصر في الأصابع بينما العين هي فعل الدّاخل والعميق.
استند دولوز على تحليل لخاصيات تشكيليّة وجماليةّ bas relief والثنائيات اللّونية. فلقد استدعت هذه الخصوصيات الفنيّة دولوز لأحداث وخلق جملة من المفارقات بين Bas relief وأعمال Baconباكون ليجد نقاط تقارب بين Bas Relief واللّوحة ثناية الأبعاد رغم اختلاف التقنيات المستعملة: المادّة التشكيليّة العمق، الضّوء، المساحات، الأشكال ….هذا الفضاء اللّمسي أو العين اليد كما نعتها دولوز هي هذا الفضاء اللّوني في اللّوحة الفنيّة كذلك في طريقة وإنشائية العمل في حدّ ذاته وتعامل الفنّان خاصّةً مع المادة فيركّز دولوز على أصل إنشائية العمل الفنيّ وتعامل باكون مع الألوان والأشكال فيما بينها والمراوحة بين التباينات اللونيّة.. تقارب المفارقات عل سطح اللّوحة يخلق هذا الفضاء اللّمسي. فاللّمسي عند دولوز إذاً هو جمع بين المفارقات الحركيّة واللونيّة والضوئيّة فالعين تلامس هذه المفارقات والملمس اللّوني لتعطينا هذا المفهوم. فاللّمسي هو العين الثالثة عند جيل دولوز في أعمال باكون من خلال التّراكم والخاصيّة المذكورة سابقاً.
اعتبر دولوز أنّ العين تلمس العمل التشكيلي وتجول في ثنايا اللّوحات فهذا اللّمسي وفلسفة هذا الفضاء “فاللوحة لا تجسّد ولا تحاكي ولا تمثِّل، إنّما تمسك بالقوى الحيويّة. إنّ الرسّام لا يفعل شيئًا آخر غير رسم الإحساس، وهو ما يعثر عليه دولوز في لوحات بيكن من أجسام معذَّبة ومفاعيل لحمية، ومن أحصنة للجرِّ أو من مرايا ذات ثلاثة أبعاد « [6]. هنا دولوز يخلق من العين بعداً أخر. دولوز تجوّل في ثنايا اللّوحات ولامس إحساس الفنّان بعينه. فلمسي أو العين اليد ليست حركة تقنية أو لمسة أو عنصرا متداخلا في إنشائيّة العمل الفنّي كما هو الحال في الفنون الرقميّة وفنون الديجيتال فمفهوم اللّمسي هو ترجمة للحركة التشكيليّة والتعبيريّة والتّجول في أعمال باكون بالعين وليس تدخّلا في العمل الفنّي. وأختم مداخلتي إذاً بأنّ اللّمسي الدولوزي هو تعبير لإحساس الفنّان وليس إضفاء أو إعطاء صورة أخرى لعمل كما هو شأن الأعمال الرقميّة. هي منتجات تشكيليّة تواكب تطوّرات العصر ويترجم فيها اللّمسي لكن ليس كما وظّفه دولوز لأنّه لمسي رقميّا.. هو فضاء لمسيّ تفرضه على المشاهد الآلة والتنصيبة .. هو ليس لمسيّا من خلال المواد التشكيلية أو المفردات الإبداعية أو العمق أو التقنيات الفنيّة…اللمسيّ الرقميّ إذاً هو نتاج لتطورات ولسيرورة الحياة والواقع المعاش وخاصّة ما تفرضه التكنولوجيات الرقميّة والمعاصرة من تقنيات وليس ترجمة لإحساس الفنّان.
****
[1] عبد العلي معزوز، فلسفة الصورة الصورة بين الفن والتواصل، أفريقيا الشرق المغرب 2014 ص 26.
[2] Joël Chaperon lors d’une intervention intitulé 70 années du cinéma soviétique/ https://www.youtube.com/watch ?v=HHrSviYHTfk.
[3] حميدة مخلوف مجتمع الصورة بين ثقافة الفراغ وفراغ الثقافة، تقديم: ألفة يوسف، الشركة التونسية للنشر، أكتوبر، 2009، ص 142
[4] Edmond Couchot, L’art numérique. Ed.Champs Arts.Paris2003.P47/48.
[5] Stéphane Vial, L’être t l’écran, Ed.PUF.Paris 2013.p.154.
[6] http://maaber.50megs.com/issue_january15/art1.htm
****
ببيوغرافيا
VIAL Stéphane ، L’être t l’écran، Ed .PUF.Paris 2013
COUCHOT Edmond، L’art numérique. Ed.Champs Arts.Paris2003
DELEUZE، Francis Bacon، La logique de la sensation، Ed، Seuil، Paris
عبد العلي معزوز، فلسفة الصورة الصورة بين الفن والتواصل، أفريقيا الشرق، المغرب، 2014.
حميدة مخلوف مجتمع الصورة بين ثقافة الفراغ وفراغ الثقافة، تقديم: ألفة يوسف، الشركة التونسية للنشر ، أكتوبر، 2009.
مقال لأم زين بن شيخة تحت عنوان فن البورترية http://maaber.50megs.com/issue_january15/art1.htm