دور المهاجرين في انتشار الإسلام بالرأس الأخضر
وصل المسلمون إلي جزر الرأس الأخضر في القرنين السابع عشر و الثامن عشر الميلادي كرقيق، حيث كانت الجزر محطة من محطات نقل الرقيق من إفريقيا إلي أوروبا و أمريكا، إلا أن تشدد البرتغاليين و كراهيتهم للإسلام حالت دون تعرف السكان الأصليين على الإسلام، إذ كان البرتغاليون يمنعون احتكاكهم بالأرقاء من المسلمين.
رافد الهجرة
إلا أن محاولات نشر الإسلام بشكل جاد بدأت قبل حوالي عقدين من الزمن مع موجات الهجرة الاقتصادية للمسلمين من دول غرب إفريقيا و تحديدا من السنغال و غامبيا و مالي و غينيا كوناكري، حيث يشكل هؤلاء اكبر تجمع للمسلمين بالبلد.
فمع تدفق آلاف المهاجرين بدأت الرأس الأخضر التعرف على الإسلام، الذي كان دينا غريبا في هذه الأرض، و أصبح الناس يألفون رؤية مخالفين في العقيدة يصلون و يصومون، ثم بدأ بعضهم الدخول في الإسلام.
لكن الوافدين الجدد الذين تقع عليهم مهمة تبليغ دين الله يواجهون تحديات ذاتية تتعلق في المقام الأول في إشكال توصيل الخطاب الديني و رسالة الإسلام و ذلك بسبب ضعف التواصل اللغوي، ففي الوقت الذي يتحدث فيه سكان جزر الرأس الأخضر اللغة البرتغالية و اللهجة الكريولية، يتحدث المهاجرون المسلمين فقط باللغتين الفرنسية و الانكليزية بالإضافة إلي لهجات محلية غير معروفة بالرأس الأخضر.
تاريخ طويل مع الكنيسة
تقع جمهورية رأس الأخضر في المحيط الأطلسي و هي عبارة عن تجمع لعشرة جزر تقع على مساحة من اليابسة تقدر ب 4033 كلم مربع. و كما أن مساحتها من اصغر مساحات دول غرب إفريقيا فإن تعداد سكانها يعتبر الأقل في المنطقة حيث يزيد سكانها على نصف مليون نسمة، و تبعد الجزيرة حوالي 500 كلم عن سواحل العاصمة السنغالية داكار.
و ارتبطت هذه البلاد التي نالت استقلالها سنة 1975 بالكنيسة الكاثوليكية بشكل كبير فالجزر كانت مستعمرة برتغالية و قلاع حصينة استوطنها المستكشفون و المبشرون البرتغاليون، الذين كانوا يرعون نشر المسيحية في غرب إفريقيا في الفترة ما بين 1440- 1840م. و مع أن حركة التنصير بدأت مع عام 1440 إلا أن بناء أول كنيسة كبيرة كان في عام 1533 بتمويل من التجار البرتغاليين، الذين لعبوا دورا بارزا فيما بعد لربط لإلحاق كنيسة الجزر بالفاتيكان. و يبلغ تعداد مسيحي البلاد 90% من السكان موزعين على:الكاثوليك 77%،10% البروتستانت، و 3% لطوائف مسيحية أخري، في حين تقدر بعض الإحصائيات شبه الرسمية تعداد المسلمين ب1%.
ظلت الكنسية بعد وضع البرتغال اليد على البلاد كمستعمر تتمتع بدعم مادي كبير من المملكة البرتغالية ، إلا أن الثورة الجمهورية التي عرفتها البرتغال سنة 1910 و التي وضعت حدا للملكية كان لها دور في تراجع الاهتمام بالكنسية بجزر الرأس الأخضر حيث قطعت السلطة الجديدة المساعدات المالية التي كانت توجه للملتقي الكنسي المعروف ساوو نيكولاي(المهتم برعاية الكنيسة) مما أدي إلي إغلاقه.
ثم جاء حراك المطالبة بالاستقلال عن البرتغال في بدايات سبعينات القرن المنصرم ليزيد من شرخ العلاقة بين النخب المطالبة بالاستقلال (ذات التوجه اليساري الماركسي) مع الكنسية في البرتغال. إلا زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للبلد سنة 1991، أحيت من جديد الاهتمام بالكنسية داخليا و خارجيا.
مستقبل واعد
و يشير مرصد الحرية الدينية، الذي يصدر تقارير دورية محدثة عن انتشار الديانات في العالم، في دراسة استشرافية له إلي أن المسيحية سوف تبقي في المنظور القريب الديانة الرئيسية في الرأس الأخضر، و يتوقع تزايد وتيرة انتشار الإسلام بسب ارتباطه بموجات الهجرة القادمة من غرب إفريقيا.
و قد يلعب عامل الحريات في هذا البلد الذي يعتبر احدي الديمقراطيات الإفريقية الرائدة -شهد أكثر من تجربة للتداول السلمي على السلطة –دورا في دفع الإسلام، ناهيك عن العلاقات الجيدة التي تربط حكومته بالحكومات الإفريقية القريبة جغرافيا من البلد، و التي يشكل المسلمون في بلدانها أغلبية مؤثرة و فاعلة .
و يلاحظ في جزر الرأس الأخضر غياب مطلق لدور الجمعيات الدعوية و الخيرية الإسلامية رغم الاحتياجات الماسة للمسلمين هناك و التي تتمثل في عدم وجود منشآت إسلامية كالمساجد و المعاهد التعليمة لتأدية الشعائر الإسلامية و الأنشطة الكبيرة و تعليم الناس و غياب زيارات دورية من دعاة مشهورين لإعطاء دفع لجهود المسلمين المتواضعة هناك و للمساهمة في التعريف بالإسلام.
المصدر: https://islamonline.net/27425