أثر الإعلام في الحوار بين الحضارات والثقافات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
عندما نتحدث عن أثر الإعلام في الحوار بين الثقافات والحضارات فإنه يخطر في الذهن عدد من التساؤلات هي:
1. ما هو الإعلام وإمكاناته؟
2. ما أثر الإعلام في آراء الناس واتجاهاتهم وثقافاتهم؟
3. ما المقصود بالحوار؟
4. ما تعريف الحضارة والثقافة؟
5. ما الآثار الإيجابية والسلبية للإعلام في الحوار بين الحضارات والثقافات؟
ما هو الإعلام؟
يميز المؤلفون في الإعلام بين "الإعلام" و"الاتصال"، باعتبار كلمة اتصال أكثر شمولا. (1). فالاتصال قد يكون بين الإنسان وأخيه الإنسان، أو بينه وبين الحيوانات، والجمادات، وقد يكون بين هذه الأصناف الثلاثة. فأشكال الاتصال لنقل المعلومات والحصول عليها بين الإنسان والحيوان عرفته البشرية منذ أن كانت هناك مجموعة بشرية. والإنسان وهو يقود السيارة يقوم بعملية اتصال بينه وبين الآلات الصماء.
والاتصال البشري قد يكون ذاتيا بين الإنسان ونفسه، وقد يكون شخصيا (بين اثنين أو أكثر)، وقد يكون جمعيا (مثل محاضرة أو درس)، وقد يكون جماهيريا (عبر وسائل الإعلام). وهذه الحالة الأخيرة وحدها نسميها "الإعلام"mass communication . ومن عناصر الاتصال الجماهيري التعقيد في التنظيم والتعدد في العناصر. (2) فالمرسل في الاتصال الجماهيري ليس واحدا، بل طاقما متكاملا، والوسيلة ليست شيئا واحدا ولكن مجموعة معقدة من الأجهزة. كما أن الرسالة تظهر في هيئة مجموعة من الرموز المتنوعة، أو المؤثرات الصوتية أو المرئية، لا تقتصر على اللغة بمفردها. أما الجمهور فهو مجموعة من الناس متناثرة على مساحة جغرافية وزمانية واسعة، قد لا يجمع بين أفرادها إلا أنهم جميعا يتعرضون إلى رسالة بعينها كما هي: شكلا ومضمونا.
والاتصال قد يكون باللمس والصوت والنظر و... أما الإعلام فلا يكون باللمس، إلا أن نُدخل في حسابنا طريقة برايل للمكفوفين.
وهناك فرق بين كلمة " إعلام" (معلومات أو استعلامات) التي يقابلها في اللغات الأوروبية بما في ذلك الألمانية والفرنسية والإنجليزية information . (3) وهذه تستخدم في لغاتها مع الوزارات (وزارة الإعلام) أو الأقسام (قسم أو طاولة الاستعلامات information desk أو مركز المعلومات information center ). ويتطلب من هذه المؤسسات أو الأقسام تقديم معلومات واقعية صادقة. وهنا فقط تتفق كلمة " إعلام" المشتقة من مادة "أعلم" في معاجم اللغة العربية.
وبعبارة أخرى، فإن كلمة " إعلام" بهذا المعنى الأخير لا تعادل كلمة " إعلام" بمعنى الاتصال الجماهيري. فالأخيرة تشمل بالإضافة إلى البرامج الإخبارية البرامج الإقناعية (الدعوية) والترفيهية، التي تتميز بكونها محاولات لنقد الواقع، وربما أيضا لتغييره بدلا من الاقتصار على وصفه، وبكونها أعمالا إبداعية وخيالية، لا تقتصر على الوصف.
ولو نظرنا إلى كلمة "الاتصال" بجميع أشكالها سنجد أنها تتكون من مرسل ورسالة (شكل ومضمون) ووسائل (مطبوعة أو أصوات أو صور مسجلة) ومستقبل. (4)
وكانت هذه الممارسات تنتهي بانتهاء العملية الاتصالية إلا أن تُحفظ في الذاكرة. ومع اختراع وسائل الحفظ البصرية والسمعية أمكن حفظها في هيئة مطبوعات ساكنة، أو مسموعات أو مسموعات مرئيات تمتلئ بالحياة. كما أصبح في الإمكان استعمالها مرارا وتكرارا دون حاجة إلى تكرار الممارسة الاتصالية نفسها في الواقع بتكاليفها المادية والزمانية والجهدية. كما مكنت هذه المخترعات الإعلامية الإنسان من نقل الممارسة الإعلامية من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، دون حاجة إلى نقل العناصر البشرية، والآلية التي أنتجتها. وبهذا أصبح لدينا ما نسميه بالإعلام أو الاتصال الجماهيري. كما أسهمت هذه المخترعات في إنتاج الممارسات الإعلامية المتقنة التي لا تتجاوز مدة عرضها الساعة والساعتين، ولكن تحتاج إلى ظروف مكانية وزمانية وبيئية لا يمكن توفيرها خلال فترة عرض المادة الإعلامية بأية حال من الأحوال.
وعموما يسهم عدد من العناصر -بطريقة مباشرة، ويتكون الاتصال الجماهيري، أو الإعلام أو ما يطلق عليها "وسائل الإعلام" من العناصر التالية الرئيسة: (5)
1- العناصر البشرية الماهرة: وهي عناصر تحتاجها العملية الإعلامية أو الممارسة الإعلامية سواء لإعداد المضمون، أو تقديمه، أو لاستثمار الوسائل الآلية لخدمة هذا المضمون في مرحلة الإنتاج، والحفظ، والإرسال، أو التوزيع والنشر.
وأؤكد على صفة "الماهرة" وذلك لأن القدرات الاتصالية البدائية لا تكفي لإنتاج المادة الإعلامية ذات الجاذبية العالية. فوسائل الاتصال الحديثة أصبحت تتطلب أدوات أكثر دقة وتعقيدا وقوة، وتحتاج إلى مهارات إبداعية متخصصة وعالية جدا.
2- الإطار الفكري أو العقدي، مثل الإطار الإسلامي أو العلماني الذي يكتسح الساحة الإعلامية اليوم بلا منازع ولكن بدرجات متفاوتة. (6)
3- المضمون: وهو كل ما يراد إيصاله من رسائل إلى الآخرين إما بهدف دعوتهم إلى مساندته أو تبنيه وتطبيقه، وإما لمجرد إخبار الآخرين للإحاطة به.
4– الوسائل الآلية: وعلى رأسها الوسائل التي مكنت الإنسان من حفظ العملية الاتصالية بمضمونها في هيئة رموز مقروءة وصور ثابتة، ثم مكنته من حفظها مسموعة، ثم مسموعة مشاهدة بحركاتها الطبيعية. وجاءت وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية، وجاء جهاز الحاسب الآلي وانتشر استعماله فأحدثت كل هذه الوسائل انقلابا في عملية إنتاج وحفظ وتوزيع المادة الإعلامية بصورة مذهلة، لم يسبق لها مثيل. لقد أمكن حفظ عشرات المجلدات والساعات الطويلة من الأصوات والمشاهد المتحركة في أسطوانة مضغوطة أو صلبة يمكن وضعها في الجيب، وإرسالها في دقائق إلى أقصى حدود الكرة الأرضية، بواسطة شبكة الإنترنت، (7) بل ونقلها عبر الأقمار الصناعية إلى الكواكب، ومنها للحصول على صور دقيقة لأسطح تلك الكواكب.
وهذه الوسائل عموما أشياء محايدة يمكن تسخيرها للخير أو للشر، أي للإصلاح أو الإفساد. وما يعنينا في هذه الدراسة هو العلاقة بين الاتصال الجماهيري والحوار بين الحضارات والثقافات كنشاط بشري.
تأثير وسائل الاتصال الجماهيرية:
لقد أصبحت عملية الاتصال بالجمهور العام أكثر سهولة وإتقانا بسبب وسائل الاتصال الجماهيريةا وإن كانت أحيانا أكثر تكلفة. والسؤال: إلى أي درجة تؤثر وسائل الاتصال الجماهيرية في توجيه الآراء وفي إنشاء أو تنمية الاتجاهات النفسية والذهنية حول القضايا المختلفة عموما والعادات والتقاليد؟
لقد قام المهتمون بهذه العلاقة بإجراء دراسات كثيرة حول هذه الظاهرة، مرت بمراحل مختلفة.
فمثلا يقول "كلابر" (8) إن الدراسات في مجال تأثير وسائل الإعلام أصبح أكثر تحديدا. فبدلا من محاولة الإجابة عن السؤال: هل لوسائل الإعلام أثر على الجمهور بشكل عام؟ استخدمت عدد من الدراسات مداخل جديدة. ومن هذه المداخل الدراسات التي قام بها "إلميرا" Elmira (9) و"ديكاتور" Decatur (10) فقد ركزت دراساتهما على العوامل الأساسية التي يمكن ملاحظتها في العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور. وركزت دراسات أخرى على الوظائف التي تقوم بها وسائل الإعلام، ومن تلك الدراسات ما قام به "رايلي" Riley (11) و"ماكوبي"Maccoby (12) وركّزت هاتان الدراستان على الوظائف التي تقوم بها وسائل الإعلام للأطفال بدلا من تأثير وسائل الإعلام فيهم. ومن الدراسات التجريبية ما قام به "هوفلاند"Hoveland ، حيث تم فيها تثبيت أثر المثيرالاتصالي واختبار أثر العوامل الأخرى للعملية الاتصالية. هذا بشكل عام، أما فيما يتعلق بالرأي العام وبالتنمية الثقافية فهناك دراسات عديدة سوف يتم استعراض بعضها فيما يلي.
التأثير في الرأي العام:
يبدو أن نتائج هذه الدراسات التي بدأت منذ الحرب العالمية الثانية ولا تزال مستمرة إلى تاريخنا هذا غير مستقرة والمسألة لم تحسم بشكل قطعي بعد. فهنـاك من يقول بضعف أثر وسـائل الإعلام، وهناك من يقول بأن وسائل الإعلام تؤثر دائما، وهناك من يقول بأن وسائل الإعلام واحدة من العوامل الأساسية التي تؤثر في الرأي العام.
يقول "لانق" وزميلته بأن كثيرا من الذين يقولون بضعف تأثير وسائل الإعلام يستشهدون بانتخابي الرئاسة الأمريكية التي فاز فيها "ترومان" للفترة الثانية رغم الموقف المعادي للصحافة، وكسب أيزنهاور الانتخابات قبل أن تبدأ الحملة الانتخابية. (13) وهناك دراسات أخرى تميل إلى تأكيد هذه النتائج مثل دراسة "إلميرا" (14) ودراسة "بريستول"Bristol (15) عن الانتخابات البريطانية. فقد وجد الأخير أن الذين قاموا بتغيير رأيهم كانوا من غير المستقرين سواء في تأييدهم للمرشحين أو في رغبتهم في التصويت. وكانوا أقل تعرضا إلى وسائل الاتصال الجماهيري من غيرهم ممن أدلوا بأصواتهم في الانتخابات. وبعبارة أخرى، فإن نسق الأصوات يدل على نوع من الاستقرار في طبيعتها. وتعزز هذه الدراسات القول الشائع بين الباحثين أن الدور الرئيس لوسائل الإعلام هو تعزيز ما يفضله الناخبون، وحث المؤيدين على التصويت. فهي تقوم بالتصفية والترسيخ أكثر من تحويل الأصوات. (16)
ويعارض "لانق" Lang وزميلته هذا القول بمناقشة أدلة القائلين بضعف أثر وسائل الإعلام مناقشة موضوعية تعترف ببعض الأدلة ولكن تفند البعض الآخر بالتنبيه إلى بعض التفسيرات الجديدة لما حصل في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي فاز فيها ترومان وأيزنهاور. ثم يؤكدان قوة أثر وسائل الإعلام بإبراز الأثر غير المقصود للإعلام بقولهما إن هذه الوسائل تؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة في الرأي العام. فهي التي تنقل صورة العوامل المنافسة للإعلام إلى الجمهور، فضلا عن تأثيرها على العوامل المنافسة نفسها مثل الانتماء الحزبي، والتحيز لبعض القضايا أو الاهتمام بها. فوسائل الإعلام هي التي تنقل الشخصية القوية للمرشح إلى الجمهور وربما هي التي صنعتها. وعندما تصفي وتنشئ وتلقي الضوء على بعض الأنشطة العامة فإنها لا تقتصر على نقل أخبار الحدث فحسب ولكنها تنقل كل ما يتعلق بالنشاط السياسي والمعتقدات السياسـية. وهي تفعل ذلك ليس فقط في فترة الانتخابات ولكن أيضا فيما بين الانتخابات. وبينما هي تفعل ذلك فإنها تقدم وجهات نظر مختلفة، وتعمل على تشكيل صورة المرشحين والأحزاب، وتبرز بعض القضايا عن غيرها. (17) ولعل من المناسب التنبيه إلى ضرورة التفريق بين الأخبار وبين الرأي في المفهوم النظري للصحافة الحرة. ففي الوقت الذي تستطيع فيه الصحافة التعبير بحرية عن رأيها في الافتتاحيات وأعمدة التعليق فإنها لا تستطيع تحوير الأخبار عمدا. فهذا العمل يعتبر مشينا، ويضر بسمعة الوسيلة الإعلامية، وتخالف مواثيق الشرف الإعلامي. (18)
وقد يجرها ذلك إلى المحاكم والتعرض للعقوبة. بيد أن المرشح الذكي لا تعجزه الطرق التي يمكن بها استغلال الأخبار لصالحه بطريقة غير مباشرة، وذلك بتضخيم أو إنشاء قضايا أو افتعال أحداث لا تستطيع وسائل الإعلام تجاهلها.
وثبت في دراسة "ماكومب" و"شو". (19) أن وسائل الإعلام تقوم بتحديد الموضوعات التي يتحدث عنها الناس. بل تؤكد دراسة "رامسدين"Ramsden بأن وسائل الاتصال الجماهيري توجه الجمهور في كيفية التفكير في القضايا المطروحة للنقاش. (20)
وعموما فإن حجم تأثير وسائل الإعلام يعتمد على عوامل كثيرة، ومنها أيضا درجة تنوع هذه الوسائل ومواقفها أو درجة توفر البدائل التي توفر حاجات الإنسان من المعرفة. (21)
وحتى بالنسبة للأثر المتعمد فإن "كلابر" Klapper يقول بأن تأثير وسائل الإعلام في مجال الإقناع ليس بالدرجة المزعجة جدا، رغم كون بعض الدراسات أثبتت أن هذه الوسائل نجحت في تنمية روح التسامح الديني مثلا، وفي الترويج لسندات توفير المال للحرب، وفي ترسيخ طريقة الحياة الأمريكية. (22) ويصوغ "بيريلسون" Berelson(23) هذا التأثير بقوله إنه "نوع من الاتصال، حول نوع من القضايا، تم جذب انتباه نوع من الناس إليها، تحت نوع من الظروف، له نوع ما من التأثير." (24).
فهناك دائما عوامل أخرى تنافس وسائل الإعلام في التأثير على الآراء ولو بطريقة غير مباشرة. ومن العوامل المنافسة في التأثير: قادة الأحزاب السياسية الذين قد يتفقون على استبعاد بعض القضايا في الانتخابات، بعض الأحداث الجارية التي تدفع ببعض القضـايا إلى المقدمة. (25) ومن العوامل المنافسة أيضا بعض القضايا التي تفرض نفسها على وسائل الإعلام أو تستثير موضوعات يصعب على وسائل الإعلام تجاهلها. (26) كما أن الإنسان يميل إلى نسيان بعض الأشياء وتذكر أشياء أخرى. (27)
وعموما فإن تأثير وسائل الإعلام مقيد بعوامل كثيرة تخرج عن سيطرة وسائل الإعلام نفسها. فانطلاقا من نظرية المنبه والاسـتجابة وتطويرا لها، يقول ماكويل بأن "ماقواير" McGuire يقترح ضرورة الأخذ في الاعتبار عددا من العوامل تتلخص في الأصناف التالية: (28)
1 – عوامل تتعلق بمصدر الرسالة الإعلامية.
2 – عوامل تتعلق بمضمون الرسالة الإعلامية.
3 – عوامل تتعلق بالوسيلة الإعلامية.
4 – عوامل تتعلق بمن يستقبل الرسالة الإعلامية.
5 – عوامل تتعلق بأهداف الرسالة الإعلامية.
التأثير على الثقافة الجماهيرية:
وبالنسبة لتأثير الإعلام على الثقافة العامة للجمهور يقول "كلابر" إن المداخل الجديدة لدراسة العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور تعامل هذه الوسائل على أنها من بين الوسائل التي تؤثر على الفرد وليست الوحيدة. ومع هذا فإن الدراسات أثبتت بأن وسائل الإعلام تقوم بدور رئيس، وفي الغالب تأثيره حتمي، وفي بعض الحالات تأثيره كاف. (29)ويؤكد بأن هناك علاقة متبادلة بين القيم الحضارية ووسائل الإعلام. ومن الأمثلة على ذلك مساهمة وسائل الإعلام في تنمية معلومات الطفـل حول القيم الحضارية التي يعيش فيها وحول متطلباتها. وفي المقابل تُأثر القيم الحضارية في محتويات وسائل الإعلام وأساليبها. فالقائمون على إدارة وتشغيل وسائل الإعلام، ينشأون ويعيشون في ظل تلك القيم. ومن جهة أخرى، فإن أثر وسائل الإعلام أيضا معرض للتعديل بما للأسرة من أثر مباشر على الطفل، وما للمدرسة وللزملاء. بيد أنه ينبغي أن لا ننسى أن العناصر التي تسهم في تعديل أثر وسائل الإعلام هي نفسها معرضة للتأثر بوسائل الإعلام. فوسائل الإعلام لها قدرة كبيرة للوصول إلى قاعدة عريضة من الجمهور الذي يتعرض للمعلومات نفسها ويضحك للنكت نفسها، أي لا يمكن إغفال تأثير وسائل الإعلام في تشكيل الحضارة التي يعيشها أبناء تلك الحضارة. (30)
غير أن كلابر يضيف بأن تأثير وسائل الإعلام يتدرج من التحول الكامل من اتجاه إلى آخر والتغير البسيط، والإسهام في تعزيز الاتجاهات الموجودة أصلا. ويفصل "ماكويل" McQuail (31) أنواع التأثير لتشمل في نظره التأثيرات التالية:
1 – التسبب عمدا في التحول من اتجاه إلى آخر.
2 – التسبب بغير قصد في إحداث تغيير كامل.
3 – التسبب في إحداث تغيير بسيط في الاتجاه أو في درجة تقبل التغيير.
4 – المساهمة في تسهيل عملية التغيير، بصورة مقصودة أو غير مقصودة.
5 – تعزيز المواقف والاتجاهات الموجودة.
6 – التسبب في منع التغيير.
وبعبارة أخرى، فإنه ينبغي أن لا نغفل عن التأثير بعيد المدى الذي يتراكم تدريجيا مع مرور الزمن بسبب الرسائل الحيـادية أو الإقناعية التي يتلقاها الفرد مباشرة من وسائل الاتصال الجماهيرية أو من طرق أخرى اعتمدت فيما تنقله على وسائل الإعلام. وهذا الأثر بعيد المدى غالبا ما يترك بصماته على ما يتبناه الجمهور من آراء ومواقف وثقافة. (32)وجاء التصنيف العام لماكويل لأنواع التأثيرات مؤكدا هذه الحقيقة. فالاثنا عشر نوعا التي اقترحها تتراوح بين التأثير طويل المدى وقصير المدى والتأثير المقصود وغير المقصود. (33)
وفي الوقت الذي يتعرض فيه الفرد إلى رسائل الإعلام وهو مُحمّل بمنطلقات مسبقة (معتقدات واتجاهات)، فإن هذه المنطلقات ليست دائما متعارضـة مع ما تبثه وسائل الإعلام. وقد يعيش الجمهور حالة من الرغبة أو الاستعداد للتغيـير فيوفر بذلك المناخ المناسب لأن تعمل هذه الوسائل بفعالية لإحداث التغيير أو التعجيل به. وحتى في المجتمعات التي تتمتع بدرجة طيبة من الاستقرار فإن وسائل الإعلام يمكنها التأثير على المجتمع بأكمله من خلال التأثير على الصفوة أو الطبقة القيادية في المجتمع: السياسيون، ورجال الأعمال والعلماء... (34) واتضح من دراسة لـ "كريستي"Christie (35) أن جدول أعمال وسائل الإعلام يؤثر على جدول أعمال الحكومة أيضا.
ونخلص مما سبق بأن وسائل الإعلام تؤثر بطريقتين رئيستين:
1 – تؤثر وسائل الإعلام في الجمهور بما تبثه من برامج إقناعية سـياسية وتجارية وفكرية...
2 – تؤثر بطريقة غير مقصودة أو غير مباشرة بما تبثه من أخبار شبه محايدة أو معلومات ومعارف. وهذا التأثير أكثر خطورة لأنها تجعل الناس يصدقون بعض الأساطير بصفتها حقائق . وسيتبين لنا ذلك من خلال المثال الذي سيتم عرضه في نهاية هذه الورقة.
وعموما فإن تأثير وسائل الإعلام على الثقافة والحضارة أمر لا يمكن إنكاره تؤكده الدراسات التي لا حصر لها، ويؤكد هذه الحقيقة كبار خبراء الإعلام الأمريكي مثل، "شرام" و"بورتر". بل إن "ريل" يخصص كتابا يصف فيه الثقافة التي قامت وسائل الإعلام بنشرها وتغطي كافة جوانب الحياة: التعليم، والرياضة، والصحة، والسياسة، الدين. (36) وقد أثبتت الأبحاث أنه بالرغم من جهود وسائل الاتصال الجماهيرية في تنمية الإحساس بالقومية الواحدة مثلا فإن بعض القضايا الحضارية الاجتماعية التي قد تفرض وجودها ذات آثار سلبية. (37)
ومن جهة أخرى، فإنه يجب التفريق بين أن يكون لوسائل الإعلام أي نوع من التأثير على أفراد الرأي العام مستقلين أو مجتمعين، وبين أن تكون لها قدرة على إقناع الجمهور كله بوجهة نظر واحدة. فليست وسائل الإعلام مؤثرة بالمعنى الأخير. بل إن الإعلام بما يقدمه، ولاسيما، في المناخ العلماني اللاديني أو الديموقراطي يلغي بعضه أثر بعض في قضايا كثيرة، أو يوجد بلبلة تجعل الجمهور يسلم لأي معلومة أو رأي لا يكلفه جهدا. وبالنسبة للبعض الآخر من الجمهور فإنه يترك مساحة كبيرة للاستقلال في الفكر وفي الرأي لمن يعرِّض نفسه لوجهات النظر المختلفة. (38)
وأما عن التأثير بأي شكل من الأشكال أو التأثير متعدد الاتجاهات فهذا صحيح. وذلك لأن معظم الأفراد عالة على وسائل الإعلام في إشباع احتياجاتهم العديدة، ومنها الحاجة إلى التعرف على البيئة المحلية والعالمية، والحاجة إلى التوجيه، والحاجة إلى التعليم للقيام بدورهم في البيئة المحيطة بهم. وبالطبـع فإن بعض المعلومات أكثر لصوقا بهذه الحاجات من غيرها، سواء بالنسبة للفرد أو بالنسبة للمجتمع كله. فالمعلومات الدينية مثلا (بالنسبة للمسيحيين) أقل لصوقا من المعلومات السياسية لمن يهتم بالأنشطة السياسية أكثر... (39)
الإعلام والحوار بين الحضارات والثقافات:
يتبين مما سبق أن للإعلام تأثيراً على جمهوره بطريقة مباشرة وعلى غير جمهوره بطريقة غير مباشرة. وقبل الحديث عن هذا التأثير فإنه يحسن التعريف بالحوار والثقافة والحضارة.
ما هو الحوار:
ويُفترض في الحوار بين المخلوقات وجود نوع من التكافؤ بين الطرفين من زاوية واحدة على الأقل. وهذه الزاوية هي وجود احتمال لأن يؤثر كل طرف على الآخر أو أن يتأثر به. فيندرج في الحوار أن يقول شخص شيئا أو يفعل شيئا ما فيقول الآخر شيئا أو يفعل شيئا كرد فعل له مع وجود احتمال لأن يؤثر رد الفعل هذا على الطرف الأول. ولا يندرج في الحوار طرفان أحدهما يقول شيئا أو يفعل فيقلده الآخر. ولا يندرج فيه أن يصدر طرف أمرا ثم ينفذه الآخر بدون نقاش.
وبتطبيق هذا المدلول على الواقع نجد أن طرق التعبير في الحوار تتعدد لتشمل التعبير اللفظي وغير اللفظي. ويندرج تحت كلمة "الحوار" مصطلحات أخرى لتؤدي مدلولات أكثر تحديدا مثل: المناظرة، والمجادلة... (41) وقد يكون الحوار لفظيا وتلقائيا بين الناس عموما؛ وقد يكون الحوار لفظيا مرتبا له من قبل ليأخذ شكل الندوات والمؤتمرات. وقد يكون الحوار سلوكيا يستخدم وسائل التعبير اللفظية وغير اللفظية أثناء التعامل اليومي بين الزملاء لإنجاز عمل محدد بين المعلمين والطلاب، وأثناء تبادل المصالح مثل الحوار بين البائع والمشتري...
التعريف بالحضارة والثقافة:
إن التعريف السائد للحضارة يقول بأنها مجموعة التراث الفكري والعادات والتقاليد والحرف وما يندرج تحتها من الوسائل المادية لمجموعة من الناس، متقدمة نسبيا لأنها مشتقة من الحضر المختلف عن البدو. وكثيرا ما يتم التمييز بين الحضارات بنسبتها إلى أزمنة أو أمكنة مختلفة. (42) والاختلاف المكاني أو الزماني في الغالب يولِّد بعض الاختلافات التي قد تكون ذات أهمية كبيرة مثل المعتقدات أو الفلسفة الفكرية أو الاقتصادية، أو قد لا تكون ذات أهمية كبيرة مثل الاختلاف في طريقة الملبس والمأكل والعادات والتقاليد في بعض الأمور. ونظرا لثبات الصفات البشرية واحتياجاتها فإن المشترك بين الحضارات أكثر بكثير من المختلف فيه.
وتختلف الحضارات باختلاف المحاور التي ترتكز عليها. فبعضها يرتكز على محاور ربانية أو معتقدات صادرة من قوى خارجية، أي هي محاور دينية، تتألف من مجموعة من المبادئ التي تقيِّد نمو هذه الحضارات وتوجهها. ولهذا فإن هذه الحضارات تميل إلى الثبات. والحضارة الإسلامية واحدة من هذه الحضارات التي تقيدها ضوابط ربانية ثابتة في القواعد العامة ولكن مرنة في مستوى التفاصيل بصورة ملحوظة. (43)
ويرتكز بعض هذه الحضارات على النمو التلقائي الحر نسبيا والذي لا ضابط له سوى بقايا الفطرة البشرية، وما يشيع ويصبح فلسفة أو عرفا سائدا. وهذه الحضارات قابلة للتغيير بطريقة جذرية نتيجة لعوامل خارجية أو ذاتية.
ويغلب على الروابط التي كانت تجمع بين أفراد الحضارة الواحدة أو تفرق بينها وبين الحضارات الأخرى في البيئات البدائية أنها روابط رأسية، أي الانحدار من جد بعيد واحد أو قريب، مثل القبيلة أو العشيرة... أما بعد تشعب الديانات وظهور الوحدات الجغرافية السياسية فقد أصبحت الروابط الأفقية المكتسبة أكثر انتشارا وبعضها أكثر قوة، مثل الروابط العقدية، والروابط المبنية على المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية المشتركة. ومع أن بعض معاجم اللغة تعتبر الثقافة مرادفة للحضارة، غير أن المدقق في بعض التعريفات والاستعمالات في العربية والإنجليزية مثلا يجد شيئا من الفرق. فالثقافة تقتصر على الإنتاج الفكري (العلوم والفنون) دون العادات والتقاليد والحرف وما يندرج تحتها من وسائل مادية.
أنواع الحوار بين الحضارات:
يظهر الحوار بين الحضارات والثقافات في ضوء أهدافها في أربعة أشكال رئيسة:
1. حوار للتقريب بين أصحاب الحضارات والثقافات المختلفة، وذلك بتذويب الفوارق بين الحضارتين حيث تتبنى كل حضارة شيئا من الحضارة الأخرى للوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف نسبيا؛ أو بتخلي أحد الأطراف عن حضارته أو بكثير من مظاهرها ويتبنى حضارة الطرف الآخر. وهذا لا يكون إلا إذا كانت جميع الأطراف المتحاورة أو أحد الأطراف مستعدا للتنازل عن أجزاء من حضارته.
2. حوار بين أصحاب الحضارات المختلفة يحاول فيه أحد الطرفين أو كلاهما إقناع الآخر بأن حضارته أفضل ويحقق السعادة في الحياة الدنيوية أو الأبدية إضافة إلى الحياة في الدنيا.
3. حوار بين أصحاب الحضارات حول شؤون الحياة عامة بما في ذلك الدين، ولكن ليس للتلفيق بين الأديان أو للدعوة إليها. ويهدف هذا النوع من الحوار إلى أن يتعرف كل صاحب حضارة أو ثقافة مميزة على ما عند الآخرين من المعتقدات والعبادات والتعاليم السلوكية والمفاهيم والعادات والتقاليد. وهذا بدوره يؤدي إلى التعرف على الأمور المشتركة والمختلفة...
4. حوار عملي تلقائي يجري أثناء التعامل اليومي في أمور الدنيا بين أصحاب الأديان المختلفة، مثل الاتصال التبادلي الذي يحدث أثناء إنجاز عمل لأحد الطرفين أو لصالح الطرفين. ويندرج فيه جميع أنواع السلوك أثناء التعامل الروتيني اليومي بين الجيران والزملاء في الفصل الدراسي أو المصنع أو المتجر أو المكتب أو حتى في اللقاء العابر في الشارع وفي الفندق والمطعم وفي الحافلة. فنحن -عمليا- نتحاور أثناء تبادل التحية وأثناء البيع والشراء وأثناء أداء أي عمل جماعي، تختلف فيه وظيفة كل فرد عن الآخر.
فالمحاورة بالمعنى الواسع –كما أشرنا سابقا - تكون بجميع أساليب التعبير اللفظية أو غير اللفظية، ومنها السلوك الطبيعي وجميع وسائل التعبير الفنية.
وربما كان النوع الرابع من الحوار أبلغ وأكثر فعالية من كثير من المحاورات اللفظية المرتبة مسبقا بين قادة الفكر التي تهدف إلى تنمية الاحترام المتبادل والتعاون بين أصحاب الأديان والحضارات المختلفة. فهي محاورات عفوية عملية، ترتكز على الفطرة البشرية وعلى المصالح المشتركة، وتجري في الواقع وليس فقط في أذهاننا أو على صفحات الورق.
أثر الإعلام في الحوار بين الحضارات:
يتبين مما سبق أن وسائل الإعلام سواء بأخبارها المحايدة أو المنحازة، وبحملاتها الإعلامية محددة الأهداف تؤثر في ما يجري في العالم على الصعيد المحلي أو العالمي. وقضية الحوار بين الحضارات ليست إلا واحدة من القضايا الإنسانية التي تتأثر بما تبثه وسائل الإعلام وتنشره أو تضخمه. وهناك نوعان من الأثر:
أولا: الأثر الإيجابي، ويحدث هذا الأثر بالطرق التالية:
o نشر الأخبار الإيجابية عن مؤتمرات وندوات الحوار، أو أشكال الحوار العملية الإيجابية بين أصحاب الحضارات المختلفة.(الحوار اللفظي والعملي)
o محاولة إقناع الرأي العام عبر الحضارات بضرورة التعاون من أجل عالم أفضل يسوده السلام حتى مع الاختلاف في بعض الأمور ومحاولة حثه على التعاون في الأمور المشتركة.
ثانيا: الأثر السلبي:
o تجاهل الجهود الرامية إلى تعزيز روح الحوار بين الحضارات من أجل التعايش السلمي، مثل مؤتمرات الحوار وندواتها وصور التعايش السلمي الموجودة في الواقع.
o إبراز أخبار الجوانب السلبية للجهود التي تحاول تعزيز الحوار السلمي أو الودي بين أصحاب الحضارات المختلفة وتضخيمها، وذلك بدلا من مناقشتها مناقشة موضوعية.
o التركيز على نشر أخبار الأشكال العنيفة للحوار مثل الصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية، والترويج للأفكار التي تعزز الفرقة، مثل الترويج لنظرية الصراع بين الحضارات. (44)والآراء المتطرفة التي تثير القلاقل والنعرات العنصرية والدينية والطائفية والقومية.
حادثة 11 سبتمبر والحوار بين الثقافات:
لعل أحداث 11 سبتمبر أبرز مثال للأثر القوي للإعلام غير المقصود والمقصود على الحوار بين الحضارات والثقافات والجهود الرامية إلى تنمية الشعور بأهمية التعايش السلمي بين الحضارات. لقد اكتسحت آثار الأخبار عن هذه الحادثة السلبية الواحدة آثار جهود إيجابية مقصودة وتلقائية كثيرة وعلى مدى زمن طويل للمسلمين ولغير المسلمين من المتعاطفين مع المسلمين أو من المحايدين.
ولو تأملنا أحداث 11 سبتمبر من حيث مصداقية أحداثها وملابساتها التي نشرتها وسائل الإعلام سنجد ما يلي:
أولا – أجزاء يمكن للمشاهد الخارجي أو الإنسان العادي التأكد منها، مثل: تدمير المركز التجاري العالمي (العمارتين الضخمتين المسماة "التوأم") والتي تتكون من عشرات الطوابق، وأن التدمير كان بفعل متفجرات، وأنها خلفت مئات الضحايا، وأن طائرتين كانتا من عوامل هذا التفجير.
ثانيا – أجزاء يصعب التحقق من مصداقيتها بالنسبة لمعظم الناس، وحتى بالنسبة لكثير من المختصين ورجال الإعلام، مثل: أن هجوماً مماثلاً حصل لمبنى وزارة الدفاع الأمريكية، وأن مدبري الحادثة كانوا من المسلمين، وأن عدد الضحايا كانوا أكثر من ثلاثة آلاف، وأن نسبة كبيرة من اليهود كانوا غائبين عن مكاتبهم في المبنيين عند وقوع الحادثة...
وهذه الأجزاء تخضع بسهولة للابتكار والتكهن وللتحوير والتشويه. وهذه الحقيقة تجعلها عرضة للاستغلال من قبل أصحاب المصالح الشخصية.
ولهذا لا نستغرب أن تكون هناك –على الأقل - روايتان متعارضتان حول مدبري أحداث 11 سبتمبر ومنفذيها:
الرواية الأولى: وهي التي نشرتها الحكومة الأمريكية بصورة رسمية، وحاولت جاهدة في إثبات صحتها بشتى الطرق. وهي التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية باعتبارها حقائق مؤكدة. وتقول هذه الرواية بأن بعض المسلمين هم الذين خططوا لها وقاموا بتنفيذها. وهي الرواية الأكثر شعبية حتى بين المسلمين المتهمين بالحادثة. وقد أخبرني من أثق به أن هناك موقع على شبكة الإنترنت متخصص في الدفاع عن هذه الرواية وفي تفنيد براهين أصحاب الرواية الأخرى. وكأني بهذه الفئة لم تقف عند حد نشر روايتها بشتى الطرق، بل استمرت في الدفاع عنها.
ولعل خطورة وسائل الإعلام ولاسيما ما تبثه من "أخبار" عن أحداث واقعية أو وهمية أو مختلقة لا تقف عند حد إفساد العلاقة بين المنتمين إلى الحضارات المختلفة، ولكن تتجاوزها إلى جعل أصحاب الحضارة المُتّهمة أنفسهم ينقسمون إلى فرق متعارضة. فقد انقسم المسلمون بالنسبة للمخططين والمنفذين إلى ثلاث فرق:
أ - فرقة ترفض الرواية الأمريكية الرسمية والتهمة وهم قلة نادرة.
ب – فرقة هي الأغلبية فيما يبدو، وينقسمون إلى قسمين:
1. قسم يعترف وباعتزاز؛ ويحاول تفسير بعض الأحداث بطريقة تؤكد التهمة، وقد يختلق قصصا لدعم وجهة نظره والرواية الأمريكية الرسمية.
2. قسم يعترف بتخاذل. وقد يقترح على المسلمين تقديم اعتذار إلى الحكومة الأمريكية أو إلى الشعب الأمريكي عن تلك الحادثة التي يرون أنها تقترب في فظاعتها مما يجري في فلسطين وما يجري في أفغانستان وفي العراق اليوم.
الرواية الثانية: وهي عموما تقول بأن ما حدث هي مؤامرة سياسية قذرة خطط لها ونفّذتها عصابة تتكون من "الموساد" أي الاستخبارات الإسرائيلية، وعناصر ذات نفوذ في الـ"بِِنتَاقون" (وزارة الدفاع الأمريكية)، وفي ال"سي آي أي" (الاستخبارات الأمريكية). ويستدل هؤلاء ببراهين أورد الكثير منها صاحب كتاب "الخديعة المرعبة" الذي يرجح أنها من صنع عناصر في البنتاقون، ومن البراهين التي أوردها أن الدمار الشامل للمبنيين لا ينتج إلا بوجود متفجرات بكميات ضخمة في المبنيين، وأن الطائرتين تم توجيههما بأجهزة تحكم موجودة في تلك المباني. كما يشك في اصطدام طائرة بمبنى وزارة الدفاع الأمريكي.
وكذلك تستند هذه الرواية إلى الخبر الذي نشرته صحيفة "لوس أنجلس تايمز" الذي يفيد بإلقاء القبض على ما يزيد عن المائة جاسوس إسرائيلي، كان بعضهم في مواقع قريبة من مواقع المسلمين المتهمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة خلال فترة الحادثة ليجمعوا المعلومات اللازمة لتلبيسهم التهمة أو لإشراكهم فيها كأدوات. كما يستدل أصحاب هذه الرواية بغياب عدد كبير من الموظفين اليهود في العمارتين لغير مناسبة يهودية خاصة.
ويستدلون أيضا بما يشاع عن علاقة بعض رجال الجيش الأمريكي والاستخبارات بمصانع الأسلحة التي يسيطر عليها الصهاينة من اليهود، ثم تورط الجميع في إثارة الحروب بين شعوب العالم ترويجا لبيع الأسلحة. كما تستدل هذه الفئة بخلو قوائم ركاب الطائرتين من أسماء المتهمين من المسلمين.
يضاف إلى ذلك أسطورة جواز السفر السعودي الذي صمد أمام النيران التي أتت على العمارتين الضخمتين، وأسطورة السعوديين الذين كانا في الطائرتين اللتين انفجرتا بما فيهما، ووجودهما أحياء في بلادهما في آن واحد، أو الطيار السعودي الذي مات قبل خمس سنوات من حادثة 11 سبتمبر في بلده مسالما ثم يموت مرة أخرى في الحادثة إرهابيا حسب الرواية الأولى.
ومن يدقق النظر في الشريط الذي نشرته وزارة الدفاع الأمريكية يلاحظ أن أثر الصناعة فيها واضح، وهناك شكوك تثار حول مصداقية الأشرطة التي تصور أسامة بن لادن يعترف بمسؤوليته عن الحادثة. فمن يقارن المقابلة بعد الحدث مباشرة مع بن لادن، والتصريح الذي فيه اعتراف يلاحظ بوضوح أن المقابلة الأولى التي أفاد فيها "أنه لم يعلم بها، وأنه مسرور لما حدث" يفترش فيه أسامة بن لادن الأرض كعادته، ويجيب عن الأسئلة بسجيته المألوفة عند من يعرفونه، وكانت الصورة طبيعية وكذلك الصوت طبيعي. أما في التصريح الذي أرسل من مجهول إلى قناة الجزيرة وبثته، فيبدو متبنيا التقاليد الغربية، أي يقف خلف منصة، وتتسم الصورة والكلام بالتشويش المصنوع. [توضيح مضاف]
صحيح أن الإنسان الحكيم سيقف حائرا أمام هذه الروايات المتعارضة، ولكن الغالب هو أن الرواية ذات الصوت الأعلى والأقوى هي التي تكسب الرأي العام في النهاية.
وهذه الحقيقة تقود إلى حقيقة أخرى، وهي احتمال أن تكون وسائل الإعلام هي نفسها ضحية للخدعة الشبه مُتقنة. فالحقد الأعمى لبعض اليهود وشهوة السيطرة وإغراء المال قد تدفع بعض السياسيين إلى اختلاق أحداث جسيمة قد يذهب ضحيتها الآلاف من البشر دون رحمة. فيستدرجون وسائل الإعلام إلى نشر أخبارها بصورة تحقق مصالحهم الشخصية المخطط لها، وذلك بالتلاعب والكذب في الأجزاء التي يصعب التحقق منها. بل ويعملون أيضا على عرقلة محاولات الآخرين للتحقق من مصداقية الأحداث باسم السرية والأمن القومي والسلامة...
وليس هذا غريبا لمن يقرأ كثيرا عن المؤامرات السياسية ولاسيما المؤامرات الصهيونية ولمن يعرف إلى أي درجة تقدمت كتابة القصص العلمية الخيالية scince fiction وصناعة الأفلام ولمن يدرك إلى أي درجة انحطت البشرية بسبب طمس الفطرة البشرية وغياب المبادئ الأخلاقية التي جاءت بها الأديان، حيث أصبح المال والثروة كل شيء في حياة الإنسان المعاصر إلا من عصم ربي.
والأكثر إيلاما للمسلم أن يرى أن كثيرا من المسلمين يصدقون الأخبار تصديقهم للقرآن الكريم والسنة النبوية الموثقة، وإن كانت ضد إخوانهم من المسلمين وتحتمل أن تكون أخبارا كاذبة غير مقصودة أو افتراءات مُدبّرة.
أسأل الله أن يحفظنا من أن نكون ممن يؤذون المسلمين بتصديق ونشر الأخبار السلبية التي لا ندري مدى صحتها ولاسيما إذا كانت صادرة من أعداء المسلمين. فالله سبحانه وتعالى يحذر من ذلك بقوله تعالى:" والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما عظيما". (45) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع". فإثم من يردد الكذبة على وجه التصديق والترويج وليس على سبيل التشكيك والتحذير والتفنيد لا يقل عن إثم منشئها.
----------
(1) انظر مثلا: Scramm, The Nautre.; ; Westley and Mc Lean, A Conceptual model .
(2) صيني، مدخل إلى الإعلام ص 34-36.
(3) انظر مثلا صيني، الإعلام ص 37 وحاشيتها.
(4)Lasswell; Osgood.; Wiener; Shannon and Weaver; Shannon and Weaver; Schramm, Information ; Osgood; Schramm , How communication ; Severin and James Tankard,Jr.; Newcomb; Festinger , Information ; Westly and Mc Lean, Jr; Gerbner; Ruben, International; Harper.;Westly and Mc Lean, Jr .; Gerbner; Ruben, International; Harper.; McQuail and Windahl.; McQuail and Windahl .
(5) صيني، مدخل إلى إعلام ص 36-38.
(6) انظر مثلا Zuckerman
(7) Heinlein, pp. 121-218 .
(8) Klapper, in Berelson and Janowitz .
(9) Elmira, quoted in Klapper .
(10) Decatur, quoted in Klapper .
(11) Riley .
(12) Maccoby .
(13) Lang and Lang .
(14) quoted in Lang and Lang .
(15) quoted in Lang and Lang .
(16) Berelson, Lazersfeld and McPhee pp. 248 .
(17) Lang and Lang .
(18) Dyke; Metzeler; Given; Lippmann, Public Opinion ;
(19) McComb and Shaw; Missika and Brigman; Zhu, Watt, Snyder, Yan, and Jiang; Maccomb and ShawThe agenda setting; Buder; Watt .
(20) Ramsden; Cohen p. 3; Ramsden .
(21) Halpen .
(22) Klapper, in Berelson and Janowitz .
(23) Berelson, Communications and Public Opinion .
(24) Lasswell in Smith et. al. p. 121 .
(25) Missika and Bregman .
(26) Bennett and Lawrence .
(27) Zhu et. al.; Pan and McLeod .
(28) العربي ص 143.
(29) Klapperm in Berelson and Janowitz .
(30) Klapperm in Berelson and Janowitz .
(31) العربي ص 131-132.
(32) Jordan .
(33) العربي ص 133-139.
(34) Klapperm in Berelson and Janowitz .
(35) Christie .
(36) انظر مثلا: Schramm and Porter; Real
(37) Real pp 231-273 .
(38) Jordan .
(39) Halpen; Ball-Rokeach p. 487 .
(40) ابن منظور، أنيس وآخرون.
(41) صيني، الحوار بين الحضارات.
(42) انظر مثلا:Merriam-Webster ؛ أنيس وزملاؤه؛ المنجد.
(43) انظر: صيني، الحوار بين الحضارات؛ صيني، الإسلام والحوار
(44) Muzzafar
(45) سورة النور: 19.
المصدر: http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-86-153366.htm