الصور النمطية حول الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الفرنسية: مقاربة تحليلية سيميائية

أحمد اليعكوبي

 

تقديم

يعتبر موضوع الصور النمطية حول الإسلام والمسلمين التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية من القضايا التي استأثرت باهتمام العديد من الباحثين في تخصصات متنوعة، ذلك أن السياق الجيو سياسي، الذي أعقب أحداث 11 سبتمبر2001 بالولايات المتحدة الأمريكية، دفع وسائل الإعلام الغربية للحديث عنه بشكل خاص ومستفيض.

ويهدف هذا العمل، إلى دراسة الطريقة التي تناولت بها وسائل الإعلام الفرنسية، وخاصة الصحافة المكتوبة، موضوع الإسلام والمسلمين. لهذا سننطلق من السؤال التالي: ما الصور النمطية التي تنشر عموما حول الإسلام والمسلمين في الصحافة الفرنسية؟ وما هي الأهداف المقصود من ورائها؟

وتتشكل النصوص التي اشتغلنا عليها في هذه الدراسة من المواد التي عالجت قضية الإسلام في بعض الصحف الفرنسية المكتوبة، وتجدر الإشارة إلى أن اختيارنا هذا ليس محض صدفة، بل هو نابع من تتبعنا للسياق الجيو سياسي، الذي ساهم أيما إسهام في بروز اهتمام كبير وملحوظ لوسائل الإعلام الغربية بهذا الموضوع، لهذا يروم هذا المقال المساهمة في التعرف على الصور النمطية الشائعة والمتداولة عن الإسلام والمسلمين في الصحافة الفرنسية.

وللإجابة عن السؤال الموجه لهذه الدراسة، نقترح افتراضا مفاده أن الصحافة الفرنسية -الممثلة في الصحف المنتقاة - لازالت تنقل صورا سلبية عن الإسلام، باعتباره مصدر تهديد للغرب لأغراض سياسية.، ولتأكيد هذه الفرضية أو دحضها، سنركز اهتمامنا على الصحف والجرائد اليومية والأسبوعية الأكثر انتشارا وتداولا في الصحافة الفرنسية([1]).

ولفحص هذه الفرضية، انطلقنا في البداية من الإطار النظري المفسر للأسس والإطار المفاهيمي للموضوع قيد الدراسة، لهذا مقاربتنا هي قراءة سيميائية ترتكز أساسا على النموذج المقترح من قبل الباحثين كريماس وكورتيس (Greimas et Courtès)، وسننتقل بعد ذلك إلى تحليل مضمون المقالات المذكورة أعلاه، والتي تشكل جزءا من ملفات خاصة حول الإسلام والمسلمين، وسنوضح مختلف الصور النمطية المنتشرة بشكل صريح أو ضمني بين قرائها.

I- الإطار النظري

قبل البدء في عرض مضامين دراستنا، إنه من الأهمية بمكان، أن نشير إلى أن مصطلح الصور النمطية، تناولته العديد من المقاربات النظرية كعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والمعرفي، ووفقا لتصور بعض علماء الاجتماع، يمكن تعريف الصور النمطية، باعتبارها صورا مسبقة وثابتة تلخص وتقرر الأشياء والكائنات، وهي صور يتلقاها الفرد من بيئته الاجتماعية، وتحدد بدرجة أكبر أو أقل طرق تفكيره وشعوره وتصرفه([2])، وأيضا المعاني المنسوبة إلى هذا المفهوم، فنحن غالبا ما نواجه مفاهيم من قبيل الاعتقاد والفكرة والموقف والحكم والصورة والتمثل إلخ، هذه التعاريف المتعددة يمكن أن تفسر عن طريق مجالات التفكير التي تهتم بمفهوم الصور النمطية والمصالح التي تخدمها.

يعد الخطاب الإعلامي موضوعا خصبا للعديد من الدراسات والأبحاث كالسوسيولوجية والأنثروبولوجية والسيكولوجية واللسانيات، وخاصة محللي الخطاب، الذين يتخذون من إنتاجات وسائل الإعلام موضوعا للنظر والبحث، مهمتنا في هذه الدراسة إذن هي تحليل الخطاب الإعلامي الفرنسي، بناء على مقاربة سيميائية، وبالفعل، تنطلق هذه المقاربة، حسب فونطانيل، من مبدأ أن "كل خطاب ليس علامة كبرى أو تجميعا لعلامات، بل هو قضية دلالة محمولة بتلفظ. من هنا، فإن النظرية السيميائية هي إذن مستوعبة لتأخذ في الحسبان تمفصلات الخطاب المستوعب بكونه كلا دلاليا من العلامات"([3]). ومن ثم، فإن النظرية السيميائية، التي تستعير أدواتها التحليلية من مجالات متنوعة مثل اللسانيات، والأنثروبولوجيا، وعلم النفس، تحاول أن تفعل عناصر أو بنيات بهدف توضيح الدلالات الممكنة لنص ما.

يستهدف هذا العمل، إذن، إنجاز تحليل سيميائي للخطاب الإعلامي الفرنسي. ولهذه الغاية، سوف نستخرج المسارات التصويرية التي تبين تحيين "السيميم" في مدونتنا والتناظرات المهيمنة والضرورية للاتساق النصي لبلوغ مربعات سيميائية ممكنة.

1- مفاهيم تعريفية

قبل أن نباشر تحليل مضامين الخطاب الإعلامي الفرنسي حول الإسلام والمسلمين، يبدو مهما المرور سريعا على بعض المفاهيم الصالحة لتحليلنا مثل: المسار التصويري le parcours génératif و"السيميم le sémème" والمعنم sème le ومفهوم التناظر Isotopie.

يعني المسار التصويري، حسب غريماس وكورتيس، "ترابطا تناظريا لصور، متضايفا مع موضوعة معطاة. هذا الترابط، المبني على تداعي صور صورـ خاص بمستوى ثقافي محدد ـ هو جزء حر، جزئيا مرغم، في إطار أنه، إذا وضعت صورة أولى، لأنها لا تدعو إلا البعض في إقصاء لأخرى..([4]) بعبارة أخرى تتمثل إعادة تسطير المسار التصويري لنص ما في تصوير موضوعاته وقيمه.

ففيما يتعلق بالمعنم sème le، فهو يتحدد، حسب الباحثين أنفسهم، بأنه "الوحدة الدنيا للدلالة: وكونه موضوعا على مستوى المحتوى، فهو يتناسب مع مستوى التعبير. بحفاظنا على التوازي بين مستويي اللغة، يمكننا أن نقول إن المعانم هي عناصر مكونة للـ"سيميم"".([5]) في الواقع، يكون هذا العنصر، أي المعنم، لدى السيميائي الوحدة الدنيا التي تملك قاعدة دلالية. إنه يتحدد في العلاقة بالمعانم الأخرى لبلوغ الخاصيات الثلاث (التناقض والتضاد والاقتضاء) التي تتناسب مع العلاقات المكونة للمربع السيميائي. يجب التنصيص، أيضا، أنه يوجد نمطان من المعانم التي تتعايش في الخطاب، المعنم النووي، ومجموع الوحدات الدلالية (الكلاسيم). هذان المعنمان مكونان للـ"سيميم" الذي يعني "مجموع المعانم القابلة للتعرف عليها داخل علامة دنيا (أو مورفيم). وحدة الدلالة، محددة هكذا، هي مركبة من ثلاث مجموعات صغرى دلالية: الكلاسيم (المعانم النوعية)، السيمانطيم (المعانم المخصصة)، الفرتييم virtuème (المعانم الإيحائية). المثال الأكثر كلاسيكية هو مثال اللساني ب. بوتيي الذي يحلل السيميم "المقعد" مع معانيه المميزة التالية: "بظهر"، "بأرجل"، "للجلوس"، "بذراعين".

فيما يتعلق بالتناظر، يحدده غريماس بوصفه "مجموعة تكرارية من المقولات الدلالية التي تجعل من الممكن القراءة المتجانسة للمحكي، كما تنتج عن القراءات الجزئية للملفوظات وحل التباساتها الموجه بالبحث عن القراءة الوحيدة."([6]) على سبيل المثال، تكرار مفردات تنتمي إلى الحقل المعجمي للدين في مقال صحافي يقودنا إلى استخراج الموضوع الذي يتناوله المتكلم ـ الصحافي. إذن، نما، بفضل أعمال غريماس، هذا المفهوم، ليصبح أداة أولية في كل تحليل ذي طبيعة دلالية وسيميائية)[7](؛ إنه أيضا عنصر مهم في الانسجام مثلما يشهد عليه التعريف الذي تقترحه ك. كربرات أوركشيوني التي ترى في التناظر: "مبدأ انسجام نصي يؤمنه تواتر مقولات لسانية معينة"([8]).

إذن، يمكن أن يساهم تعقب المعانم، والسيميمات، والتناظرات في إنارة موضوعات تتناولها المقاطع الخطابية المدروسة. هذه الأخيرة تساعدنا في تحديد الصور النمطية التي تفعلها الصحافة الفرنسية تجاه الإسلام والمسلمين.

II - عرض نتائج التحليل

فحص الوحدات التالية:

يمتد بحثنا هذا زمنيا من سنة 2002 إلى سنة 2014، وما يميز هذه المرحلة من الأحداث التي هزت الساحة الدولية بعد هجمات 11 شتنبر 2001، التي استهدفت مدينة نيويورك وفجرتها، وما رافقها من ردود فعل الدول الغربية ضد أفغانستان والعراق، مما دفع العديد من وسائل الإعلام والمسؤولين السياسيين للتأكيد أن اندلاع حرب جديدة حضارية ودينية تهدد العالم المعاصر، إنه اختيار يندرج ضمن هذا المنظور.

ومنه سينحصر اهتمامنا في هذا البحث على مفهومي الإسلام / الغرب يرتبط الأول بالتهديد/المشكل، بينما يحيل الثاني على العلمانية/الهوية، ويمكن تفسير مسارات المفهومين على النحو التالي:

المجال/الإسلام

Danger, menace, communautarisme, invasion, choc, peur, spectre

الخطر، التهديد، الطائفية، الغزو، الصدمة، الخوف، الطيف

 

Parcours figuratif

المسار التصويري

 

المجال/ الغرب

Démocratie, laïcité, identité, liberté, valeurs universelles

الديمقراطية، العلمانية، الهوية، الحرية، القيم الكونية

 

Parcours figuratif

المسار التصويري

 

يسلط موضوع بحثنا الضوء على ثنائية الإسلام / الغرب، حيث ينظر إلى الدين الإسلامي، باعتباره يشكل تهديدا حقيقيا لقيم الديمقراطية وقيم العلمانية أو اللائكية، ومنه نقترح المربع السيميائي التالي:

- لمادا يخيف الإسلام؟

- الخوف من الإسلام

- مشكل المسلمين في فرنسا

- طيف الإسلام

بناء على السابق، يشير الصحفيون إلى الخاصية الإشكالية للدين الإسلامي في المجتمع الفرنسي. إنهم يسعون إلى التلاعب بعقول ومشاعر القراء المستقبلين لهذا الخطاب القائم على اعتبار الإسلام والمسلمين يشكلان خطرا على الأراضي الفرنسية، وما يرافق هذه العناوين من رسومات توضيحية وصور تظهر رجالا ملتحين بوجوه عبوسة وعنيفة، أو نساء محجبات كليا، مما يعطي انطباعا إشكاليا حول وجود هذا الدين والتشكيك في شرعيته وأحقيته للتواجد بهذا البلد، بالإضافة إلى ذلك نلاحظ هيمنة حقل معجمي يرتكز أساسا على الخوف من الإسلام والتخويف بالمسلمين، فالصحفيون يسعون بذلك إلى خلق مناخ ضار بين الديانتين وبالتالي بين الطائفتين.

خلاصة

وعلى الجملة، يمكن القول إن وسائل الإعلام الفرنسية تنقل بصفة عامة صور ا نمطية سلبية عن الإسلام والمسلمين، ويمكننا أن نستنتج أيضا أن موضوع الإسلام ينشر في معظم الصحف والمجلات الفرنسية، التي تمثل عاملا حقيقيا في إنتاج القيم الاجتماعية والصور النمطية. وتستخدم هذه الصور من قبل قسم كبير من الأحزاب السياسية التي تتبنى خطاب كراهية الإسلام في الانتخابات خاصة أحزاب اليمين المتطرف، المعروفة بعدائها التقليدي لوجود العرب والمسلمين بفرنسا، وتمكنت من إقناع الناخبين لتبني الخطاب المعادي للمسلمين.

ومن الواضح، إذن، أن الصور النمطية المتداولة عن الإسلام والمسلمين في الصحافة ووسائل الإعلام الفرنسية خلال العقد الماضي، قد ساهم في انتشار الأفكار العنصرية ضد الإسلام والمسلمين وتبادل العداء بين الديانتين، وهذا يتعارض مع قيم الثورة الفرنسية والمواثيق الدولية التي تنشد قيم الاختلاف والتعدد والتعايش والتسامح وحرية المعتقد.


 

Bibliographie:

  • Edward. S. (2011), l’Islam dans les médias: comment les médias et les experts façonnent notre regard sur le reste du monde, Sindbad, traduction de Charlotte Woillez.
  • Floch, J.M. (2002), Sémiotique, Marketing et communication, PUF.
  • Greimas, A.J, (1970) « Du sens, Essais Sémiotique », Paris, Ed.Hachette.
  • Greimas, A.J, et J.Courtès (1979) « sémiotique. Dictionnaire raisonnée de la théorie du langage », Ed. Hachette, Paris.
  • Kerbrat-Orecchioni, C. (1977) « la connotation », Presse Universitaire de Lyon.
  •  Kent, G. (2005), « L’Islam, les médias et la guerre », Questions de communication, 8 |, 17-36.
  • Morfaux, L.M. (1980), vocabulaire de la philosophie et des sciences humaines, Colin, Paris

 

[1]- Le Point, Le Figaro, L’Express, Marianne, Courrier International, Le Nouvel Obs et Valeurs Actuelles

[2]- Morfaux(1980), vocabulaire de la philosophie et des sciences humaines, p 341

[3]- J.fontanille(1999), « sémiotique et littérature: Essais de Méthode », P: 3

[4]- A.J .Greimas et J.Courtès(1979) « sémiotique. Dictionnaire raisonnée de la théorie du langage », P. 157

[5]- Ibid, p 333

[6]- Ibid, P 334

[7]- A.J.Greimas(1970) « Du sens, Essais Sémiotique », P: 188

[8]- C.Kerbrat-Orecchioni(1977) « la connotation », P: 185-186

المصدر: http://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D...

 

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك