التربية ودفء المشاعر

محمد حسين محمد

 

إنّ صياغة عقل التلميذ وتشكيل وجدانه الإنساني منوطان بالسنوات الأولى من حياته المدرسية. فما لم يكن المعلم دافئ المشاعر ورقيق الأحاسيس، ومفعم الوجدان بحب الإنسان وعشق الطفولة، فإن العملية التربوية برمتها يمكن أن تتعرض للإخفاق. فالمعلم والتلميذ قطبا العملية التربوية.

أولا: المعلم ودفء المشاعر

“المعلم هو حجر الزاوية في العملية التعليمية”، هذه مقولة يرددها ويؤكد عليها التربويون. وذلك لأن المعلم الفعال الناجح هو القادر على تحويل المناهج الصلدة إلى مواقف تعليمية وأنشطة مؤثرة تهيّئ المجال لنمو الطفل في جميع النواحي: الوجدانية والمعرفية والنفسية والحركية. ومهما كانت الإدارة المدرسية ناجحة، ومهما كان نمو المناهج والبيئة المعرفية في تطور واستمرار دائم، وكان ذلك في وجود معلِّم ليس على قدر من الإيمان بالعملية التربوية والحنكة (الخبرة) الفنّية؛ فإن العملية التعليمية لن يكتب لها النجاح ولن تحقق الهدف المرجو منها.

المربّون جميعا متّفقون على أن المعلم المتّصف بـ”دفء المشاعر” هو مؤسس الأمم. فالحب عامل هام في تكوين العلاقات السليمة بين الناس، وهو الذى يؤلف بينهم، ويدفعهم إلى التفاعل والتماسك والتكافل. والمعلم الممتلئ بالمحبة لتلاميذه يقوم بالدور الأساسي في تكوين شخصيتهم. وإحاطة المعلم للطفل بمشاعر المحبة والحنان والعطف يبثّ في نفسه الشعور بالأمن والطمأنينة التي هي أساس الحاجات النفسية الأخرى من رغبة في النجاح وتقدير الآخرين وإثبات الذات…

فإذا حرم الطفل هذا الحب والإحساس بالأمان لأي سبب من الأسباب فإنه يصيبه القلق وتضطرب شخصيته ويصبح عرضة فيما بعد للإصابة بالخوف والتوتّر الذي قد يؤدي إلى المرض النفسي. وقد حثّ الرسول صلى الله عليه وسلم الناس جميعهم على الحب والمودة، وذلك أن نبدأ بحب الله ورسوله؛ وقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزُقنِي حبَّك وحبَّ مَن يَنفعُني حبُّه عندك، اللهم ما رزَقتَني ممّا أُحبُّ فاجعَلْه قوّةً لي فيما تُحبُّ، اللهم وما زوَيتَ عنّي ممّا أُحبُّ فاجعَلْه لي قوة فيما تُحبُّ» (رواه الترمذي).

إن حب الإنسان لله تعالى هو المنبع الرئيسى لكل مشاعر الحب التي يشعر بها الإنسان لكل شيء آخر في الوجود؛ فمِن حب الإنسان لله تعالى ينبعث حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حبه لتلاميذه بل لجميع مخلوقاته وحبه لفعل الخير وحب كل من يقربه إلى الله تعالى. ويظهر هذا بوضوح في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أَحبَّ ِللهِ وأَبْغض ِللهِ وأَعطَى ِللهِ ومنَعَ ِللهِ فَقَد اسْتَكمَلَ الإيمان» (رواه أبو داوود).

وإذا أحب المعلم المؤمن تلاميذه وحَنَا عليهم وأحاطهم بحبه وأشعرهم به، فربّتَ على كتف هذا، وابتسم في وجه هذا، ولم يعنف هذا، وشجّع هذا، وعزّز أداء هذا، فإن رد الفعل لتلاميذه أنهم يطيعونه؛ فالمحب يطيع محبوبه ويحترمه ويقدّر دَوره في حياته، وإذا استشعر التلميذ بأن حب المعلم له نابع من حبه لله ورسوله زاد في سلوكياته السوية وزاد في إخلاصه لمعلمه ولزملائه. وبهذا يصبح الطلاب أفراداً يتمسكون بتعاليم دينهم ومبادئه، ويلتفّون حول معلمهم يتعلمون منه ويقتدون به، ويأتمرون بأمره، مما يجعلهم في المستقبل صفاً واحداً وقلباً واحداً في مواجهة تكاليف الحياة.

أ- كيف يحب المعلم تلاميذه وكيف يجعلهم يحبونه؟

• أن يكون على طبيعته وسجيته، وأن يُفصح عن شخصيته وما يحب وما يكره، وأن يعبر عن آرائه.

• أن يشجّع التلاميذ على الاقتراب منه، وعلى الصراحة والوضوح معه، مع حرصه على أن يحافظ على أسرارهم.

• أن يؤثّر فيهم ويسهم في علاج مشكلاتهم.

• أن يستخدم الاقتراب الفيزيقي للتلاميذ غير المهدّد، ويمكن استخدام الاقتراب من التلاميذ كوسيلة للتعبير عن الإحساس بالثقة والانفتاح.

• أن يستخدم روح الدعابة مع التعبير عن الإحساس بالثقة والانفتاح.

• أن يشجّعهم على إبداء آرائهم والتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم.

• أن يكون قدوة حسنة لهم في كل أعماله وسلوكه مقلّلاً من الإرشادات العلاجية والانتقادات.

• أن يستخدم حواسّه كلها في التقرب إليهم.

• أن يحرص على زيارة تلميذه إذا مرض.

• أن يكون مستمعاً جيّداً لتلاميذه ويشجّعهم على الكلام وإبداء آرائهم.

• أن يُشْعر الطالب بأهميته عنده.

بـ- اختلاف جنس المعلم حسب المرحلة التعليمية

في مرحلة ما قبل المدرسة التي تعرف باسم الروضة المرأة هي الأنسب لهذه المرحلة (4-6 سنوات)، فهي امتداد لدور الأم في عملية التنشئة الاجتماعية، حتى لا يشعر الطفل بأي فرق في حياته المنـزلية وحياته المدرسية الجديدة. فالإشباع النفسى وبث الطمأنينة وشعوره بالأمن يجعله بعيداً عن الخوف والقلق والتّوتر كما يجعله يشعر

بالرضا والغبطة والسعادة، لأن تكوينها الجسمي والنفسى مؤهَّل لذلك؛ فهي تسعى إلى تحقيق الطمأنينة لأفراد في حاجة إلى الأمن والطمأنينة. وفي هذا الجو الآمن تبدأ العلاقات الاجتماعية للطفل فيكتسب الشعور بقيمته وبذاته، وفي هذا الجو تتكون خبراته الأولى بالحب والحماية والأمن والطمأنينة، كما يزداد تفاعله مع جماعة الفصل، وهكذا تتبَلْور شخصية الطفل في جو صحي.

أما في المرحلة الثانوية سواء البنين أم البنات فالطالب في حاجة إلى صديق يثق فيه ويستمع إليه ويوجهه.

جـ- التصرفات التي يجب أن يتجنّبها المعلم حتى يحبّه التلاميذ

يأتي على رأس التصرفات التي يجب أن يتجنبها المدرس التفرقة في المعاملة وذلك أن أساس المعاملة في الإسلام هو العدل، يستوى في ذلك الصغار والكبار على السواء، لذا أكّد النبى صلى الله عليه وسلم على ضرورة مراعاة العدل بين الأبناء فقال: «اعْدِلُوا بين أبنائِكُم، اعْدِلُوا بين أبنائِكُم» (رواه النسائي).

وقد يُفرط المدرس في معاملة تلميذه، ويدلِّلـه كثيراً ولا يظهر الحزم في المواقف التى تحتاج إلى حزم، أو يثير الغيرة بينه وبين غيره من تلاميذ فصله؛ فيكثر من الموازنات بينهم أو خَلْق جو يشعر التلاميذ بالتفرقة فيما بينهم في التقدير والمعاملة.

كما يجب على المعلم ألا يُشعر أيّ تلميذ في الفصل بأنه يتجاهله؛ فالإنسان يكره أن يهمله أحد أو يتجاهله. ففي مشاعر كل إنسان رسالة صافية تقول: “مِن فضلك زكِّني! من فضلك تقبل وجودي، لا تمر عليّ غير آبِه بي، أرجوك الاعتراف بكياني”.

ثانيا: دفء المشاعر عند الوالدين واستكمال المعلم لهذا الدور

حب الطفل لأمه هو أول حب يشعر به عند ميلاده، وذلك لارتباط الأم بإشباع جميع حاجاته الأساسية وما يصاحب إشباعها من شعور بالمتعة واللذة. ثم يتكون بعد ذلك حبه للآخرين المحيطين به كالأب والإخوة والأصدقاء والأقارب والجيران والناس عامة.

وكما يشعر الطفل بحبه لوالديه ولأفراد أسرته، فإنه يشعر كذلك بحبهم له وعطفهم وحنانهم عليه واهتمامهم به ورعايتهم له. وهذا الجو المشبَع بالحب المتبادل الذي ينشأ فيه الطفل عامل هام في تكوين شخصيته السوية وشعوره بالأمن النفسى والثقة بالنفس والسعادة.

ويلعب المعلم دور الأب أو الأم في المدرسة، فهو باقترابه من الطفل والإحساس به والشعور بالحب نحوه تكمل المسيرة في عملية التربية، بل ويؤكد للطفل استمرارية الجو المشبَع بالحب في الحياة.

والطفل الذي ينشأ هذه النشأة السوية يَشعر عادة بمحبته للناس جميعهم ويتودد إليهم، ويحسن معاملتهم ويعطف على من يحتاج منهم إلى عطف، ويقوم بمد يد العون إلى من يحتاج منهم إلى عون أو مساعدة. ومحبة الإنسان للناس ومساعدتهم ومدّ يد العون إليهم من العوامل الهامة التي تجعل الإنسان يشعر بالانتماء إلى المجتمع وبأنه عضو نافع فيه. وإن من شأن ذلك أن يجعله يشعر بالرضا عن نفسه وبالغبطة والسعادة. وقد أدرك المحللون النفسيون المحدثون أهمّية العلاقات الإنسانية في الصحة النفسية للإنسان.

ثالثا: دفء المشاعر في الجو المدرسي

لا يكفي المعلم وحده في إشاعة جو المحبة في المدرسة، بل لا بد من تضافر جهود الجميع لتحقيق ذلك. فالحب مسؤلية جميع العاملين، ولكي يسود الجوَّ المدرسيَّ الحبُّ والألفة والمحبة يمكن الأخذ بالتوصيات الآتية:

• أن يكون المعلمون قدوة حسنة في أفعالهم وأقوالهم.

• أن يشعر العاملون بالمدرسة بأن روح الحب والألفة والمودة تنتشر بينهم، وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخبر من نحبه بحبنا له فقال: «إذا أَحبَّ الرجُلُ أخاه فَلْيُخْبِرْه أنّه يُحِبُّه» (رواه أبو داوود).

• الابتسامة والملاطفة بين كل العاملين تُدخل السرور على قلب كل من يعمل في المدرسة، فهكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال جَرِيرُ بن عبد الله رضي الله عنه: «ما حَجَبَنِي رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم مُنذُ أَسلمتُ ولا رَآنِي إلا ضَحِكَ» (رواه مسلم). وما قاله عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: «ما رأيتُ أحدًا أَكْثرَ تبَسّمًا من رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم» (رواه الترمذي). فالابتسامة هي انفراج الأسارير عن انفعالات صادقة داخل النفس تحرّك الوجدان، وتعبيرات الوجه تتكلم بصوت أعمق أثراً من صوت اللسان.

• أن يكون شعار كل العاملين: “إذا أردت أن يحبك الناس فازهد فيما عند الناس”

• البعد عن سوء الظن والبغضاء امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إيّاكُمْ وَالظَّنَّ فإن الظَّنَّ أكْذَبُ الحديث، ولا تَحَسَّسوا ولا تَجَسَّسوا ولا تَنافَسوا ولا تَحاسَدوا ولا تَباغَضوا ولا تَدابَروا، وكُونوا عِبادَ اللهِ إِخوَانًا» (رواه مسلم).

• أن يحرص العاملون على التزاور، فعن أبى هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من عَادَ مَرِيضًا أو زَارَ أَخًا له في اللهِ نَاداهُ مُنادٍ أَنْ طِبْتَ وطابَ مَمْشاكَ وتَبَوَّأْتَ من الجنّة مَنْزِلاً» (رواه الترمذي). فالزيارة وسيلة لزيادة الصلات ولزيادة المودة والتآلف بين القلوب.

• أن يسود الجوَّ المدرسيَّ التسامحُ. فالواجب على المسلم أن يتخلق مع الناس بخلق الحلم والعفو والتسامح. فإن الصدود وإضمار الانتقام وانتظار الرد بالمثل تزيد حرارة القلب حتى تدعه قلِقاً مضطرباً. وكان صلى الله عليه وسلم يغرس في نفوس المسلمين دوماً خلق العفو والتسامح وإن قوبل بالصد والإعراض والقطيعة قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(النور: 22).

• أن يضع كلُّ من يعمل في المدرسة نفسه في خدمة أخيه وزميله، ويمد له يداً مخلصة نافعة مجردة من الأنانية والمصلحة الذاتية. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «المسلِمُ أخو المسلِمِ لا يَظْلِمُه ولا يُسلِمُه، من كان في حاجَة أَخِيه كان الله في حاجَته، ومَنْ فَرّجَ عن مُسلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ الله عنه بها كُرْبَةً من كُرَبِ يَومِ القيامة، ومَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يومَ القيامة» (رواه مسلم).

• أن يظلّل تعاملَنا مع أولياء الأمور وغيرهم من زائري المدرسة الآيةُ الكريمةُ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾(الأعراف: 199).

وبعد، هذا ما حضرني من أفكار حول العمل التربوي الإسلامي والإنساني، آمل أن أكون قد أسهمتُ ولو بقسط لا بأس به في رسم معالم العلم التربوي المطلوب. هذا وفوق كل ذي علم عليم.

المصدر: https://hiragate.com/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D...

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك