الحوار كطريق للتقدم والازدهار

حيدر رضي

 

يكاد (الحوار) يعد من الظواهر الإنسانية والتي لازمت المجتمعات الإنسانية منذ تكون الخليقة فالإنسان يحاور الانسان والمجتمعات الانسانية المختلفة تحاور وتتحاور مع نظيراتها من مختلف الملل والأعراق والديانات.

وقد أكد الإسلام على أهميته وقيمته المثلى في أساس بناء المجتمعات وتقدمها بل جعله ركيزة أساسية للدعوة والإقناع والتذكير بالله وبث الخير ومنع الشر والترويج للفضيلة، يقول الحق سبحانه وتعالى (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).

والحوار حاجة إنسانية في كثير من الأحيان, وهو أداة للتواصل الإنساني, وآلية لحل المشكلات, وطريقة للبناء وللازدهار.

والحوار له أضربه المختلفة فهناك الحوار الديني والذي يكون في مسائل العقيدة والتوحيد والتقارب المذهبي, وفي مجال الفتوى والتشريع وغيرها من المسائل المتعلقة بالشأن الديني.

ولا ريب ان الحوار الديني لا يقل شأناً عن أي حوار آخر, لاسيما في مجتمعاتنا المعاصرة الآن, حيث آفة الفرقة والخلاف, وشيوع التعصب المذهبي, والاصطفاف الطائفي, والانقسامات في المجتمعات الإسلامية المختلفة, مما يتطلب وقفة جادة حيال هذه المعضلات.

وقد شكلت مؤتمرات التقريب, وملتقيات الحوار الديني, نقطة مضيئة نيرة في مجال الحوار الديني. وان كان الكثير من القادة والنخب الدينية, والمرجعيات الدينية المختلفة, تحث على هذا النوع من الحوارات والتي من شأنها حفظ منظومة الدين المختلفة وتعزيز اللحمة الإسلامية, والتأكيد على التضامن الإسلامي, مما يؤدي حتماً للكثير من المكتسبات التي تصب في خانة الإسلام, وفي خانة حفظ النسيج الاجتماعي الواحد للأمة الإسلامية.

ومن ضروبه (الحوار الاجتماعي) في المعضلات الاجتماعية, ومشكلات المجتمع والذي لا يقل أهمية عن (الحوار الديني), وتأتي فائدته في حلحلة الكثير من الملفات الاجتماعية وايجاد مناخات تفاهم مشترك بين الجماعات المختلفة بغية الوصول إلى الاهداف المثلى للعيش المشترك.

ويأتي (الحوار السياسي) كأحد ضروبه المستحدثة ـ إن صح التعبير ـ ويعد هذا النوع من الحوارات أهمه على الاطلاق, وذلك لفائدته ولتأثيراته على مختلف أوجه الحياة السياسية, ولثمراته المختلفة اتجاه الازمات فضلا ما على ما يوفره من اجواء للمصالحة والتصالح.

وكان ولازال جلالة الملك المفدى شديد الايمان بالحوار كخيار واستراتيجية مثلى في العمل السياسي, وكان قد أمر بحوار التوافق الوطني في العام 2011م, وما أسفر عنه من مخرجات مختلفة, ساعدت في التحديث والتطوير في كافة الصعد, وتأتي الآن المرحلة الثانية من هذا الحوار لينصب اهتمامه الاكبر في الشق السياسي منه والذي شاركت فيه ممثلين عن الاطياف السياسية المختلفة وأطياف المعارضة, وممثلين عن السلطة التشريعية, ومن جانب الحكومة.

وبتأملات عميقة في الحوار الوطني وبالمتحاورين, تتكشف لنا بعض الرؤى والافكار نحاول ان نسلط عليها الضوء.

أولاً: يجمع المتحاورين على أصل الشرعية لنظام الحكم في اسرة آل خليفة, وهذا مما لا خلاف عليه ـ البتة ـ وهذا بمثابة خطوط حمراء ينبغي عدم تجاوزها.

ثانيا: ويكاد يتفق المتحاورون على المضي قدماً في التطوير الديمقراطي, واستمرار عجلة الاصلاح والتطوير, وهذا مما لا خلاف عليه مطلقاً بل ويتماشى مع توجهات القيادة السياسية في هذا الحقل.

ثالثاً: مفردات (نبذ العنف) و(الوحدة الوطنية) و(ذم الكراهية) من الامور الهامة والرئيسة والذي باعتقادنا محل اجماع وطني اتجاهها وبذل الجهود المستمرة لترسيخ الوحدة الوطنية وإقامة مصالحة وطنية بين افراد الشعب.

رابعا: المصلحة الوطنية العليا هو شعار ينبغي ان يحمله كل متحاور في (الحوار الوطني)، ونحن متأكدون تماماً وعلى ثقة كبيرة ان كل الاعضاء محل ثقة، وهم حاملين هذا الشعار بكل أمانة وصدق.

خامساً: تطوير السلطة التشريعية والنظر في (الدوائر الانتخابية) وآليات اختيار الوزراء، ومكافحة الفساد، ومراقبة الاداء الوزاري وصلاحيات موسعة للسلطات التشريعية, وغيرها من العناوين، يمكن النظر إليها ضمن آليات الحوار الوطني ولا غضاضة عند الكثيرين في الدفع بها إلى الامام بل إن جلالة الملك المفدى وجه في اكثر من مناسبة بدعوته إلى تطوير الديمقراطية في البحرين, وكان توجيها سديدا ان لا يبقى الوزير في منصبه مدد طويلة.

سادسا: يكاد موارد الاتفاق والالتقاء, كثيرة عند المتحاورين, وهناك ثمة قواسم مشتركة, ونقاط محل اجماع وطني, وقد اشرنا إليها مراراً في ثنايا مقالتنا هذه، يبقى هناك ملفات وقضايا ملحة, قد تتباين فيها وجهات النظر, الا اننا نأمل ان نخرج بالحوار, ببلورة رؤية سياسية عميقة, تتأصل فيها جوانب الحكمة والرأي السديد والعقلانية, ويثمر عن نتائج ايجابية, تنقل البلاد إلى آفاق ارحب من التقدم والازدهار, وهذا هو المأمل من الحوار ومن مخرجاته, والله الموفق, وهو الهادي إلى سواء السبيل.

المصدر: http://www.alhiwartoday.net/

 

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك