حقوق الإنسان 2017..إلى الوراء سر

نور الدين قلالة

 

اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف العاشر ديسمبر من كل عام هو مناسبة يحتفل فيها العالم سنوياً بهذا اليوم. لكن الحديث عن فعل “الاحتفال” يشكل في الواقع حقيقة مضلِلة ،إذ يبدو الأمر أقرب إلى  “الإِبْتِئَاس” والحزن و الكَآبَة. فعلى الرغم من دخول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عامه السبعين، إلا أن سجل حقوق الإنسان في تراجع مستمر، ولا زالت العديد من الدول غنية كانت أو فقيرة، كبيرة أو صغيرة، قوية أو ضعيفة، ديموقراطية أو ديكتاتورية تشهد انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

يرمز هذا اليوم لليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة في عام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهي وثيقة تاريخية أعلنت حقوقا غير قابلة للتصرف حيث يحق لكل شخص أن يتمتع بها كإنسان – بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر. وهي الوثيقة الأكثر ترجمة في العالم، ومتاحة بأكثر من 500 لغة.

إسرائيل والسيدة روزفلت

كان التصويت على الإعلان في 1948 (العام الذي صادف أكبر خرق لحقوق البشر عندما قامت دولة إسرائيل الصهيونية على أرض فلسطين العربية المسلمة) تم التصويت بحضور 58 دولة، حيث صوتت لفائدته 48 دولة، ولم تعترض أي منها، فيما غابت دولتان، وامتنعت 8 دول عن التصويت هي اتحاد الجمهوريات السوفياتية و أوكرانيا و بيلوروسيا وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا وبولندا وجنوب أفريقيا والمملكة العربية السعودية.

وعلى الرغم من أن الذي كان وراء هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إمرأة هي إليانور روزفلت، أرملة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، التي كانت بمثابة القوة الدافعة وراء وضع الإعلان، إلا أن النساء هم أكثر الفئات تعرضا لانتهاك حقوق الإنسان في العالم.

وفي أحد تصريحاتها تساءلت السيدة روزفلت :”أين عساها تبدأ حقوق الإنسان العالميّة في نهاية المطاف؟ لنقل في الأماكن الصغيرة، القريبة من المنزل – بل لعلَّها في أماكن قريبة جداً وصغيرة جداً إلى حدِّ أنه لا يمكن رؤيتها في أي خريطة من خرائط العالم..ما لم تحظَ هذه الحقوق بمعنى في تلك الأماكن، فإن معناها سيكون أقل شأناً في أي مكان آخر. وما لم تتضافر جهود المواطنين لصونها حتى تكون لصيقة بالوطن، فإنه من غير المجدي أن نتطلع إلى تعميمها في العالم أجمع”.

ولكن يبدو أن ما يصبو إليه الإعلان لم يتحقق بعد تماما، ويمكن القول أنه قد صمد أمام بعض الاختبارات فقط على مدى الزمن رغم الطابع العالمي الدائم والقيم الدائمة المتمثلة في المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية، والتي – للأسف- لا زالت تطبق بمقياس الكيل بمكيالين.

عام مواجهة الآخرين

تقول منظمة العفو الدولية وهي منظمة دولية غير ربحيّة، يقع مقرها في لندن، أخذت على عاتقها الدور الأهم في حماية حقوق الإنسان وتركّز نشاطها على سجناء الرأي، أنه “حان الوقت لكي ننهض جميعاً يداً بيد ونضع حداً لسياسات شيطنة الآخر التي تقسِّم العالم وتجعل منه مكاناً محفوفاً بالمخاطر”.

ومع إطلاقها تقريرها السنوي لهذا العام، تطلب منظمة العفو الدولية من الناس في شتى أنحاء العالم بأن لا يدعو خطاب بث الخوف وإلقاء اللوم على الآخرين والكراهية يطمس الرؤية التي تنادي بمجتمع مفتوح قائم على المساواة. وتؤكد ما ذهبت إليه أرملة وزفلت قبل عشرات السنين أنه “إذا ما نهض كل فرد منا ليتخذ موقفاً ويعمل على حماية حقوقنا الإنسانية، سنكون قادرين معاً على تغيير الواقع من جذوره”.

وتعترف المنظمة أن هذا العام هو عام “مواجهة الآخرين”، عام القادة الشعبويين الذين يختارون فئات بعينها من البشر لوصمهم بأنهم مصدر تهديد للمصالح القومية. ويقول سليل شيتي، الأمين العام للمنظمة “لا نستطيع التعويل على الحكومات في حماية حقوق الإنسان، ولذا فإن علينا نحن، الأشخاص العاديين، التحرك بديلاً عنها”.

وتؤكد المنظمة أنه “إذا ما أقدم المزيد من الدول على السطو على حقوقنا باسم الأمن القومي، فقد تكون نتيجة ذلك الانهيار الشامل للأسس العالمية لحقوق الإنسان”.لذلك فهي تشجع أن تكون حركات سلمية من قبيل “المسيرة الدولية للنساء”، والمظاهرات المؤيدة للديمقراطية في غامبيا، والاحتجاجات الطلابية في المكسيك، وتعتبرها مصدر إلهام لنا كي ننهض جميعاً من أجل حرياتنا.

2017..حقوق الإنسان في خبر كان

للأسف الشديد حالة حقوق الإنسان في العالم عرفت تراجعا رهيبا في احترام حقوق الإنسان على الصعيد العالمي، وكشف تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2016/2017 الذي يوثِّق حالة حقوق الإنسان في 159 بلداً، عن جرائم خطيرة في مجال انتهاك حقوق الإنسان،حيث سجلت المنظمة الانتهاكات التالية:

– 23 جريمة حرب ارتكبت في ما لا يقل عن 23 بلداً.

– 36 دولة أعادت لاجئين على نحو غير قانوني إلى بلد تعرضت فيه حقوقهم للخطر.

– 22 دولة شهدت مقتل أشخاص دافعوا بصورة سلمية عن حقوق الإنسان.

ويبدو أن أزمة اللاجئين كانت الأكثر تأثيرا في هذا المجال،فقد أدارت العديد من الحكومات ظهرها للاجئين والمهاجرين، الذين ظلوا في كثير من الأحيان “هدفا سهلاً” يجري تحميله المسؤوليات وكبش فداء للتنصل من المسؤولية. ففي  2016/2017، انتهكت 36 دولة القانون الدولي فأعادت لاجئين على نحو مخالف للقانون إلى بلدان واجهوا فيها التعذيب والعنف وعقوبة الإعدام، وتعرضت فيها حقوقهم للأخطار. وبينما تُلحق أستراليا معاناة فظيعة بطالبي اللجوء في جزر ناورو ومانوس القريبتين من شواطئها، عقد الاتحاد الأوروبي صفقة غير قانونية تفتقر إلى الشعور بالمسؤولية مع تركيا لإعادة اللاجئين إليها، على الرغم من عدم قدرة الدولة التركية على حماية حقوقهم الإنسانية.

وكشفت التحولات السياسية الصادمة التي شهدها هذا العام  عما يمكن أن يقود إليه خطاب الكراهية من إطلاق العنان للجوانب السيئة من الطبيعة البشرية. فسواء إذا كان الأمر يتعلق بترامب (الولايات المتحدة الأمريكية)، أو بأوربان (المجر)، أو بمودي (الهند)، أوبدوتيرتي (الفلبين)، تزايد باطّراد عدد السياسيين الذين يدّعون مناهضة المؤسسة الحاكمة، ويبشرون بسياسات شيطنة الآخر لمطاردة جماعات بأكملها من البشر كي يجعلوا منهم كبش فداء لآفات الواقع، ويجردوهم من إنسانيتهم، بغرض كسب الدعم وأصوات الناخبين.

ويطغى هذا الخطاب بشكل متزايد على السياسات والأفعال. ففي غضون عام 2016، غضَّت بعض حكومات العالم بصرها عن جرائم حرب، واندفعت لإبرام اتفاقيات تقوِّض الحق في طلب اللجوء، وأصدرت قوانين تنتهك الحق في حرية التعبير، وحرَّضت على قتل أشخاص لمجرد أنهم اتُهموا بتعاطي المخدرات، وبرروا ممارسات التعذيب وإجراءات المراقبة الواسعة، ومدَّدوا الصلاحيات الواسعة الممنوحة للشرطة.

وبقدر ما يزداد عدد الدول التي تتراجع عن التزاماتها حيال حقوق الإنسان الأساسية في أوطانها، بقدْر ما تنحسر مظاهر التصدي لمهام القيادة على مسرح السياسة العالمي، فتتجرأ الحكومات، أكثر فأكثر، في كل مكان، على الانضمام إلى قافلة التراجع عن احترام حقوق الإنسان على الصعيد العالمي.

وغني عن القول أن لهذا عواقب كارثية بالنظر إلى ما شهدناه من استجابة عالمية تبعث على الشفقة لما شهده عام 2016 من ارتكاب فظائع جماعية، حيث وقف العالم متفرجاً على ما تكشف من أحداث في حلب ودارفور واليمن وليبيا، وكأن الأمر لا يعنيه.

قمع وارهاب وقوانين طوارئ

وفي غضون ذلك، شنت عدة دول حملات قمعية هائلة النطاق، بينما طبقت دول أخرى تدابير أمنية تتطفل على حياة مواطنيها، كما واصلت دول تمديد العمل بسلطات حالة الطوارئ دون رادع، و نفذت دول اخرى قوانين غير مسبوقة لتعزيز الرقابة بأشكالها.

واتهم التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية لسنة 2016/2017، بعض الدول العربية بارتكاب انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان..محاكمات سياسية، تعذيب واعتقالات غير قانونية، قيود على الحق في حرية التعبير والاجتماع، انتهاكات لحقوق اللاجئين، تمييز ضد المرأة، وإفلات من العقاب..كما قالت المنظمة إن السلطات الإيرانية مستمرة بقمع المجتمع المدني والمعارضين والأقليات والمرأة.

المصدر: https://islamonline.net/23770

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك