في أدب الحوار

غسان حامد عمر

 
(1)
عندما بدأتُ ككثيرين بالتعرّف على وسائل التواصل الاجتماعيّ مثل تويتر عام 2009، كنتُ أتابعُ عددًا من المراسلين الغربيين، وبعض الشخصيات العالمية، إلى أن جاء عام 2011 حين بدأت رحى العالم العربي بالدوران، وقمتُ بطبيعة الحال بمتابعة شخصيات عربية، ومَن يُفترض أنهم “نُخَبٌ” وطنية، إضافة لآخرين، حين تبيّن لي أن ما يحدث وسط هذا الفضاء الجديد الذي اخترته هو أشبه ما يكون بحروب عنيفة تشتعل وتخمد باستمرار.

هي نفسها إن اختلفت الساحة؛ فيسبوك، تويتر، وحتى منطقة التعليقات في أسفل اليوتيوب! ممّا حذا بموقع “جوجل” بأن قام بتعليق خاصية التعليق لموقع “إجابات” الخاص به؛ نظرًا لتفاقم البذاءة اللفظية والعنصرية من قِبل الزوّار العرب في محلّها، وغير محلّها، وهذا ما آلت إليه الأمور لما كان من المفترض أن يكون حوارًا.

لقد قامت جميع الحضارات عبر التاريخ على “تراكمات ثقافية” عبر الزمن، والتراكمات التي أراها في العالم العربي والشرق الأوسط بُنيت على ثقافة “لا أريكم إلاَّ ما أرى”، و”إن لم تكن معي فأنت ضدي”، بدءًا من ثقافة الأب القمعي في منزله، إلى المعلم في مدرسته، حين غابت ثقافة الحوار.

يقول أحد رجال الدولة المتقاعدين من بلد عربي شقيق عن رئيسهم المخلوع: “كان الرئيس هو الزعيم، والقاضي، والشرطي، وحتى الدبابة”.

عاشت بعض دول العالم العربيّ مثل قبيلة منكبَّةٍ على نفسها، ولم ترَ غير نمطها، فعاشت برأيٍ واحد بمعزل عن العالم الخارجيّ، إلى أن كسر ذلك العالم الخارجي عزلتهم، وأصبح الجميع يعيش في بثٍ مباشرٍ مع العالم أجمع.

إن عدم إلمامنا بأهمية الحوار، والحاجة لغرسه في الأجيال الناشئة قادنا إلى هذه (الفوضى الخلاّقة ) من حولنا، التي جعلتنا ندور في حلقة مفرغة: طرح أي موضوع، فرض الرأي ممّن يعرف، ومَن لا يعرف، الشخصنة، استقطاب حيث ينقسم المتحاورون الى فسطاطين، ثم النأي بالنفس والقطيعة.
 
(2)
نحن نشارك لا شعوريًّا في معارك يومية، ونظن أننا نكسب هذه المعارك. والحقيقة أننا لا نكسب إلاّ كسر الصف والضرر بأوطاننا.

يومًا ما كانت “بلخ” حضارة على قدر من الازدهار، لكنها كانت مسرحًا للحروب المذهبية والاجتماعية، فانهارت فورًا أمام هجوم جيش يصفه “الفردوسي” بأنه جيش من العراة.

كنا في السابق نرى أن الحل في يد نخبنا، إلاّ أنّه بات جليًّا اليوم أن المشكلة تكمن في هذه النخب أيًّا كانت هذه: إعلامية، أو ثقافية، أو حتى دينية، لا أذكر كم مرةً سمعت هذه اللفظة مؤخرًا: “فلان! كلنا يعرف تاريخه…!”

وعندما سئل أحد من يفترض أنه من العلماء عن قاعدة “نتفق على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا عليه” ردَّ على الفور بأن هذا هراء، وموافقة للآخر على الباطل! وهو ردٌّ دائمٌ لمَن يظنون أنهم يمتلكون الحقيقة وحدهم.. وبالنسبة للمثقفين تظل المعضلة في تحوّل أي طرح إلى “مباراةٍ” فكرية، وتهويماتٍ نظرية تطيح بالفكرة الأساسية نفسها!

لقد خلقنا الله مختلفين ليكمل بعضنا بعضًا، وفي الاعتراض على هذه السنة الكونية اعتراض على مشيئة الخالق.

لعل الطرق متعددة للخروج من هذ المأزق، وهذا ربما يكون أحدها: الانشغال بالعمل والنفس، ليس من الضروري للجميع أن يفرض رأيه وبقوة دون علم في جميع المجالات، ويترك ذلك لصاحب المجال، تقديم حسن النية في الحوارات، وإظهار شيء من أدب الحوار، ومنه: الإنصات وعدم المقاطعة، إظهار الاهتمام بما يقوله الطرف الآخر، والتعليق بكلمات مثل “نعم، جميل”، استخدام كلمات مثل: يبدو لي.. إن لم أكن مخطئًا.. لعلي أخطأت عندما قلت كذا.. لعلك تقصد، تغيير نمط الذهنية التي تعتقد أنها تمتلك حقيقة كل شيء إلى ذهنية الباحث عن الحقيقة أيًّا كان مصدرها، أن يكون الهدف وحدة الصف لا وحدة الرأي، وحدة القلوب لا العقول.
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك