الأخلاق في الإسلام وأثرها في إصلاح الفرد والمجتمع
حسن الوزني
الإسلام وبقية الرسالات السماوية الأخرى تعتمد في نهجها العام على تهذيب النفس الإنسانية قبل كل شيء.
وقد شملت تعاليمه جميع جوانب الحياة , بحيث لم تترك هذه التعاليم فضيلة من الفضائل ألا دعت أليها وحثت على التمسك بها , ولم تدع في نفس الوقت أي رذيلة من الرذائل ألا نبهت عن أخطائها وأخطارها وأمرت بالابتعاد عنها , حتى غدت حياة الإنسان منظمة وفق قانون الهي محكم دقيق , وتحتوي رسالة الإسلام على حب العقيدة والأيمان والسلوك والأخلاق وتهدف أول ما تهدف إلية تربية النفوس تربية قويمة , وتنشئتها على مبادئ الحق والخير وتكوين المجتمع القوي الذي يستمسك بهذه المبادئ والأسس .
والأخلاق أهم عنصر في تكوين الفرد المثالي والأسرة السليمة , والمجتمع الراقي والدولة المتقدمة , ومن اجل ذلك حرص الإسلام اشد الحرص على أعداد المجتمع وتهذيبه , فالأخلاق الفاضلة هي التي تعصم هذه المجتمعات من الانحلال وتصون الحضارة والمدنية من الضياع ومن دونها لا تنهض الأمم ولا تقوى ألا بها
ومهما بلغت من العلم فالعلم والأخلاق دعامتان من الدعائم الأساسية التي لا تستغني عنها جميع الشعوب , وهكذا فان أهم دور للتربية الأخلاقية في نظر الإسلام يمكن تحديده بصورة اجماليه في كونها الوسيلة الوحيدة لبناء خير فرد وخير مجتمع وخير حضارة .. ويبين لنا التاريخ أن كل امة نهضت نهضة جبارة وكل حضارة ازدهرت وتطورت , كان بفضل أبناءها الذين ملكوا نفوسا ًقوية , وعزيمة صلبة ماضية , وهمم جبارة وأخلاق حميدة , وسيرة فاضلة , وتماسك فيما بينهم , وترابط بين عائلاتهم , وهؤلاء ابتعدت نفوسهم عن سفاسف الأمور ومحقرات الأعمال , ورذائل الأفعال ولم يقعوا فريسة للانحلال والفساد أو أسرى الملذات والشهوات , أو مطية للجهل والتخلف . بل انطلقوا بقيمهم ومبادئهم هذه حتى بنوا حضارتهم وأمجادهم ونهضتهم .
وهكذا نجد أن الغاية القصوى من الدين الإسلامي قد حددها الرسول الكريم ( ص) بقوله ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وفي قوله ( ص) هذا ما يؤكد أن الرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام . قد ساهموا في بناء الصرح الأخلاقي وأنه (ص) جاء بعدهم ليتمم عملية البناء الأخلاقي والتي توارثها الأنبياء من قبله .
وإذا رجعنا إلى مصادر الأخلاق الإسلامية والمنابع التي تستقي منها وجدنا أن المصدر الأول هو القران الكريم . الذي هو كتاب دين وتشريع , وكتاب عقائد وعبادات ومعاملات وكتاب عبر وعظات وهو في الوقت نفسه كتاب أخلاق , ولعل هذا ما يشير إلية الله عزوجل في سورة الإسراء (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) ولذا نرى أن أبو حامد الغزالي في كتابة (جواهر القرآن) حصر الآيات القرآنية التي تناولت الأخلاق ثم حللها , وتوصل من خلال التحليل والحصر إلى تقسيم هذه الآيات إلى قسمين رئيسيين يتصل احدهما بالمعرفة ويتصل الثاني بالسلوك , ووجد أن النوع الأول يشمل الأخلاق النظرية وعددها 763 آية , والنوع الثاني يشمل الأخلاق العملية وعددها 741 آية , فيصبح مجموعها 1504 آية مباركة , وبذلك فهي تمثل أقل من ربع القرآن الكريم بقليل . وهنا يتبين لنا مدى تأكيد واهتمام تركيز القران الكريم على الأخلاق . أما المصدر الثاني والرافد الأخر للأخلاق بعد القرآن الكريم فهي السنة النبوية الشريفة من خلال أقوال وأفعال الرسول الكريم محمد (ص) وهي أيضا ًتؤكد على أهمية الأخلاق في الحياة وتفسح مجال الحديث عن أخلاق الإسلام الكريمة , حيث قال (ص) : ( أنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وقال أيضا ً(ص) (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً) . والمصدر الثالث هو سيرة المعصومين وأهل البيت (ع) . والمصدر الرابع هو ما تناوله الفلاسفة والأدباء والشعراء والكتاب من مواضيع وحكم وأشعار تخص موضوع الأخلاق .
والمصدر الخامس هو الوسائط التربوية وهو المصدر التعاصري والذي يجب الاعتماد عليها في العصر الحديث لأنة المصدر العملي والذي يتولى الاهتمام بهذه الوسائط وهي التنظيمات والمؤسسات الاجتماعية التي تتولى عملية التربية بطريقة منظمة , مخطط لها ومقصودة , وتسعى إلى تحقيق نتاجات تعليمية , سواء أكانت هذه النشاطات محددة أم غير محددة . وهذه المؤسسات هي الأسرة , والمدرسة , ودور العبادة , والأعلام السليم . لان الإنسان منذ بداية حياته في حاجة إلى التهذيب والتوجيه حتى يكتسب السلوك الإسلامي الصحيح فتنمية الروح الأخلاقية تحتاج إلى تعليم وتبصير ليستطيع المرء التمييز بين السلوك الخير والسلوك
الشرير والتفاعل الاجتماعي بكل صورة وألوانه وهذه الوسائط تؤثر في حياة الفرد وترسم معالم تربيته وتكوينه الخلقي ..
وكذلك يجب على وسائل الأعلام في العالم العربي والإسلامي أن توجه رسالتها نحو تصوير أخلاقي مهذب وجميل وان تبتعد عن الأعلام الهزيل والرذيل والموحش , وان تتصدى للقيم والاتجاهات الهابطة التي تقدم لقصد أو من غير قصد في المادة الإعلامية , وكذلك على وسائل الأعلام أن تعمل على تكريس الطاقات المسلمة وتكثيفها فكراً وثقافة واقتصاداً وان تحشدها في سبيل تقديم ما يفيد المسلمين في دنياهم وأخرتهم مع تكيف الدعوة للقيم الإسلامية عن طريق الكلمة المسموعة أو المقروءة أو المرئية , وكذا المسلسل والتمثيلية والمسرحية الهادفة والمعبرة تعبيراً صادقاً عن القيم الإسلامية الصحيحة من كل ذلك يمكن لنا أن نجعل من وسائل الأعلام المتنوعة طريقاً سوياً يساهم في بناء وصرح الأخلاق الإسلامية في نفوس المسلمين ويعزز
ثقتهم بأصالتهم وتراثهم المجيد . هذه هي أهم الوسائط التي تناط بها تنمية الأخلاق الإسلامية النبيلة وهذه هي الصورة التي ينبغي أن تكون عليها تلك الوسائط لتقوم بوظيفتها أو تبدأ بأدائها . وهي لا تتنافى مع روح الإسلام السمحة التي أوصى بها جميع الأنبياء والمرسلين والأئمة الأطهار وجميع الكتب السماوية والفقهية وكانت ديدن اغلب الفلاسفة والعلماء الأجلاء المسلمين
المصدر: http://arabvoice.com/45771/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82-%D...