الاختلاف!! عالم من الجنون والعدوانية

نجوى هاشم
 

تأمل من حولك.. ادخل على وسائل التواصل الا جتماعي.. وسيذهلك كم الناس المتوترين.. والموتورين.. والمتجهين في طريق واحد لاعودة منه.. وهو طريق الهجوم على الآخرين ومحاربتهم.. والنيل منهم.. هجوم كاسح.. يصل في أغلب الأحيان إلى مرحلة الفجور.. والكارثة أنّ هذا الهجوم يأخذ شقين.. الأول أنّ من يهاجم لا يعرف من يهاجمه شخصياً.. ولم يلتقه.. والشق الثاني والأسوأ أنّ الكثير ممن يشتركون في قضايا الردح لايعرفون القضية المطروحة إلا من وجهها السطحي.. ولا يمتلكون أي فكرة عن تفاصيلها.. فقط هم مشاركون مثل الأطرش في الزفة.. أحياناً يكونون مطالبين من أحدهم.. وأحياناً مندفعين عاطفياً وأيدلوجياً دون فهم لما يجري.. ونهاية الكارثة.. لم يرد أن يغادر هذا الوحل هو كم الشتائم التي يطلقها المشاركون على الآخر في العرض والأهل والدعاء عليه.. وتلك العبارات القذرة التي ينأى الإنسان مهما كانت بيئته من كتابتها أو قراءتها أو التطرق إليها لأنها تعكس مستوى أخلاقي متدنّ.. وبيئة لم تستطع أن تُربي.. ناهيك على كم الذنوب التي يتحملهاهؤلاء بالمجان وهم يكيلون الشتائم دون خوف من رب العالمين أو وجل من عقابه..!

تشعر وأنت تقرأ أنّ مثل هؤلاء دخلوا فقط من أجل أن يتعرضوا للآخرين ويشتموهم.. وتتساءل: لماذا كل هذا الكم من الأحقاد والضغائن التي يحملها مرتادو هذه المواقع؟

وكيف يجرؤ هؤلاء الأطفال والمراهقون على شتم قامات كبيرة وبشر لم يقرأوا أو يعرفوا عنهم سطراً واحداً حقيقياً أو واقعياً؟

وأين يقف علم المنطق هنا وهل يعرفون عنه شيئاً؟

قضايا كثيرة تافهة ولا أهمية لها خلقوا منها قضايا مصيرية وكأنها تقف على أبواب الأمة.. وتداخل فيها من يفهم ومن لا يفهم والواقع أنّ من يفهم يضيع وسط من لا يفهمون لأنهم أقوى حضوراً وتأثيراً في مسرح العوام.. ولأنّ الغلبة دائماً لهم والوجود الأكثر كثافة من خلالهم.. ولذلك تجد من هم على حق ينسحبون ويفرغون المكان لمن لاحق لهم.. بهدوء وتروّ وقناعة بأنّ الساحة ليست لهم أو تتسع لوجودهم.. مقتنعين بأنّ الصوت العالي في هذا الزمن هو الأقوى حضوراً وتأثيراً بصرف النظر عن صحة مايقوله أو يروج له..!!!

وأنت تغرق في تساؤلك عن أسباب هذاالانفلات الذي يتجاوز أحياناً حتى القيم والأخلاق والدين والتربية.. وخصوصية المجتمع التي أرهقنا بها منذ الصغر.. تتوقف أمام هؤلاء الذين يتدثرون بأسماء مستعارة وغير حقيقية وينفلتون على غيرهم بقلة الأدب وعدم الاحترام.. وقد يكون من يشتمه في سن والده وأحياناًجده ولكن لا يهم.. طالما الهدف من دخول الموقع هو التعدي والاستقصاد للآخر الذي لا يعرفه وأحياناً يسمع عنه..!

قضيتان اثنتان تابعهما ولك مطلق الأحكام.. الرياضة وتشجيع الأندية.. وهذا الكم الهائل من الشتائم التي يتبادلها المشجعون والتهم التي يرميها كل منهم على الآخر مشجع ونادٍ.. ومفردات بذيئة يطلقونها وشتم للأم والأب وللشخص الآخر.. أما كتّاب ومحللي الرياضة فالهجوم عليهم مختلف ومقنن.. من جماهير الأندية الأخرى بعد تصنيف كل كاتب وتوجهه.. شتائم واتهامات وقرارات تصدر من المرتادين ضد الآخرين وأحكام وعلى الآخر المعتدى عليه أن ينفذها.. وبالرغم من أن الرياضة تعتبر ممارسة سامية وحضارية وتعكس أخلاق الشعوب.. إلا أنهاعندنا تحولت إلى ممارسة شتم وتعدّ وأخرجت روحاً قميئة.. وأفرزت أسوأ مافي داخل النفس البشرية.. فمثلاً ًتجد مشجعي نادٍ يتناقشون في قضية ما أو يعلقون على أمور ناديهم ويتداخل معهم آخرون من أندية أخرى وتبدأ حفلة الشتائم والردح الذي تأبى النفس البشرية السوية أن تتقبله أو ترضاه.. لأنه يتعارض مع طبيعة الإنسان العادي..!

القضية الثانية وهي الطائفية وتتداخل معها العنصرية.. تتقزز وأنت تقرأ لكل الأطراف وهذا التحيز والتحزب والانتماء للطائفة على حساب الوطن.. لغة لا تبني أوطاناً موحدة بل تمزقها.. والانتماء للقبيلة والصوت العالي الذي يكرس هذه الطائفية بضراوة المؤيدين لها والمشاركين في جعلها دائرة حتمية مغلقة على من يكتبون بياناتها بلغة رديئة وتتسع لتشمل القادمين الجدد الذين يتزايدون رغم كل الحديث عن كوارث الطائفية.. ولكن تبدو وكأنها من خلال طروحاتها كالمشاكل التي ليس لها حل.. وأنت عليك أن تستنتج العواقب.. والتي لا يتوقف عندها من يثيرون هذه الفتنة.. التي تلتهم الجميع قبل أن تلتهم نفسها..!

هناك شخص يبني وعشرات يهدمون.. هذه هي الصورة في هذه المواقع.. صديقة لي من ألمع المبدعين ومن تلك النفوس المشرقة والمضيئة والتي يشكل وجودها إضافة إلى هذه المواقع ومن أوائل من ارتادها.. غادرتها منذ فترة إلى غير رجعة وعندما سألتها لماذا؟ قالت: إنها أمكنة وهمية لأشخاص وهميين.. والأسوأ أنها تأتي على حساب الأهم وهو القراءة والتأمل والإبداع.. والأكثر سوءاً هو أن يعتدي عليك شخص لا تعرفينه بشتائم رهيبة ويتعرض لك أو يسبك معترضاً على ما كتبتِه.. والاعتراض أو الاختلاف حق مشروع ولكن ليس بالشتائم وإنما بالحوار والنقاش بلغة حضارية تعكس ماسينتج عنه من حوار..!

إنه الاختلاف وهو القضية الأساسية والذي لا يجيده الكثيرون من الناس، فالاختلاف يعني هدم المكان على رأس ساكنيه وليس التحاور معهم.. والاختلاف يعني أنني على حق وأنت على باطل.. وعليك أن تؤمن على رأيي وتستمع إليه.. وأن أسفّه رأيك وأصادر حريتك في أن تقول ماتريده.. هذاهو مفهوم الاختلاف لدينا.. أنا صح وأنت غلط.. أنا فلان.. وأنت منو.. أو منْ؟

يقيم الحوار على أساس مناطقي وطائفي وعنصري ولا يصل إلى نتيجة.. المحصلة أن هذه المواقع أصبحت ملاذ من لا ملاذ له.. وأصبحت ضالة من غابت عنهم الأضواء.. وهجرتهم الفلاشات.. وهي أيضاً ساحة هؤلاء الذين أدركهم جنون العظمة فصدقوا أنهم عظماء واستغرقوا في حلم وقّع عليه متابعوهم.. بالرغم من أنّ الصورة لا تعبر عن مصداقيتها أو هويتها.. وهو ساحة البسطاء الذين روجوا بأنهم مفكرون وعباقرة وهم لم يقرأوا كتاباً واحداً..!

أخيراً هو عالم الجنون والعدوان.. وهو عالم السخف والفراغ والذي يدفع البعض إلى النوم والتيقظ مع هذه الوسائل.. بالرغم من أنّ الحياة أوسع وأكبر من ذلك..!

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك