الشمال والجنوب وحقيقة الحوار
د. صبري الربيحات
الحوار عملية اتصال تحدث بين أطراف لها رؤى ومواقف ومصالح متباينة حول موضوع اهتمامها. ولكي يحدث الحوارلا بد من شعور الأطراف بالحاجة له والإيمان بجدواه إضافة إلى تقبل واحترام موقف ورؤية ومصالح الأطراف الأخرى.
من الصعب أن يحدث الحوار بين أطراف لا تنظر لبعضها نظرة احترام وتفهم وتقدير، وتتقبل فكرة وجود مصالح لها. وفي كل الأحوال لا يتوقع من الحوار أن يفضي إلى إلغاء الآخر أو تنازله عن مصالحه ومواقفه، بل ربما يجري تعديلها لتبني الأطراف المتحاورة لمواقف جديدة تخدم مصالح مشتركة لكافة الأطراف وتحد من احتمالات تطور الخلاف الى نزاع مسلح.
خلال العقود الثلاثة الأخيرة وبعد الانهيار المفاجئ للشيوعية وتبني أوروبا الشرقية لنظم اقتصادية وسياسية جديدة ألحقتها بالاتحاد الأوروبي ساد العالم شيء من التفاؤل والرغبة في التوافق والتعاون من أجل المصالح العامة للجميع. وقد ظهر مفهوم "حوار الشمال والجنوب" كأحد أهم العناوين التي شكلت إطارا للحديث والتباحث بين العالم الصناعي والدول النامية. ولتجسيد المفهوم تأسس مركز حوار الشمال والجنوب في لشبونة وانطلقت مبادرات وبرامج أخرى. وصيغت الأطر وعقدت المؤتمرات والندوات التي حملت عناوين الحوار بين الشمال والجنوب.
بالرغم من المصالح المشتركة بين أوروبا والعالم العربي والحاجة الملحة إلى وجود حوار بين الطرفين، إلا أن هناك خلافات أيديولوجية وثقافية وحضارية يصعب تجاوزها؛ فالأنظمة العربية تقليدية في معظمها أو تفتقر إلى الأدوات التي تمكنها من التعرف على رغبة الشعوب والتعبير عن آمالها. وكنتيجة لذلك بقيت المنطقة العربية عاجزة عن بلورة مشروع موحد يعبّر عن مصالحها بحكم الخلافات العربية واستمرار هيمنة الانظمة التي لا تحترم ولا تعترف بحق الشعوب في المشاركة والتعبير، الأمر الذي جعل الحوار الاوروبي العربي حوارا محدودا بين السلطات الحاكمة في العالم العربي والأنظمة السياسية الأوروبية هدفه تسهيل مصالح الأوروبيين وتوفير الدعم والحماية للأنظمة الحاكمة.
العلاقة بين أوروبا والعالم العربي علاقة غير متكافئة؛ ففي أوروبا ديمقراطيات راسخة ونظم اقتصادية مزدهرة متشابهة يشارك المواطنون في اختيار حكوماتهم وتربو نواتجها السنوية على 18 ترليون دولار سنويا او ما يزيد على سبعة أضعاف مجموع الناتج القومي للبلدان العربية. في معظم البلدان العربية هناك بطالة مزمنة ونظم سياسية منهارة أو على حافة الانهيار، إضافة إلى الصراعات الأهلية وغياب الحريات والانقسام الطائفي والعنف والتطرف والاقتتال الذي لا ينتهي.
بالنسبة لاوروبا "الشمال" هناك خوف من الهجرة وتأثيرها على تنامي المكون العربي الإسلامي الذي أصبح يشكل أكثر من 10 % من مجموع سكان أوروبا أو ما يقارب 50 مليون مهاجر ومواطن أوروبي من أصول عربية إسلامية. كما يخشى الأوروبيون انتشار قيم وأفكار الجماعات المتطرفة ذات المنشأ الشرق أوسطي. وبالمقابل تزيد قيمة الصادرات الأوروبية للعالم العربي على 70 مليار دولار سنويا وتعتمد العديد من الاقتصاديات الأوروبية على الطاقة المنتجة في الشرق الاوسط.
اليوم يدخل الأوروبيون لأي من بلداننا العربية دون الحاجة الى تعقيدات التأشيرات والتبصيم، في حين يعاني المواطن العربي الراغب بالسياحة أو السفر إلى أوروبا من تقديم بيانات تفصيلية عن سيرته وارتباطاته وميوله وضمانات مالية وعقارية ناهيك عن التدقيق الأمني الذي قد يمتد لعدة أسابيع وينتهي بالرفض دون إبداء الأسباب.
الامثلة على غياب نظرة التكافؤ والاحترام والتقبل من قبل الشمال للجنوب واضحة في سلوك ومعاملة كافة المؤسسات التابعة التي يمكن أن يتعرض لها المواطن. ولأوروبا مواقف واضحة حول الكثير من القضايا التي تهمنا وتختلف حولها المواقف والآراء والاجتهادات العربية.
حوار الشمال والجنوب أطار يمكن أن يحقق الكثير من المصالح المشتركة للأطراف، شريطة إيمان الجميع بضرورته ووجود مواقف واتجاهات ومصالح يفهمها الأطراف وحرص الجميع على الالتزام بالقواعد والمعايير الضرورية لجعل الحوار منتجا وفعالا.
المصدر: http://www.alghad.com/articles/927176-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%...