شيخ السلام

زياد الدريس
 

هل تتذكرون المقولة الشهيرة للشاعر الانكليزي كيبلنغ: «إن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا»؟

أطلق كيبلنغ مقولته الذائعة هذه في نهاية القرن التاسع عشر، يوم كانت الامبراطورية البريطانية تدير العالم، والاستعمار الغربي يتقاسم كعكة الدول المستضعفة.

والآن، بعد مرور أكثر من مئة عام على تلك المقولة، هل تضاءلت مصداقيتها أم زادت؟!

ثارت في ذهني هذه الأسئلة مجدداً في أعقاب الزيارة والمحاضرة القصيرة والقيّمة التي قدمها معالي الشيخ عبدالله بن بيّه في مقر منظمة اليونسكو الشهر الماضي، وهو يعرّف الحضور بمبادرته الإسلامية/ الإنسانية في إنشاء (منتدى تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة) الذي يصفه الشيخ الثمانيني بأنه: «محاولة منه أن يقدم للعالم، توضيحاً للمفاهيم، وشرحاً للمضامين، وبياناً للحق، ونداء للأمة الإسلامية وللإنسانية، أصدره جمهور من العلماء والمثقفين وقادة الفكر والمفتين في العالم، لإطفاء الحريق ولتدارك هذه الأوضاع، بمحاصرة نيرانها وحصار الأفكار الجائرة الظالمة التي أنتجتها».

الشيخ بن بيّه لا يسعى بين الشرق والغرب كي يلتقيا، لأنه يدرك استحالة ذلك. لكنه يسعى بينهما كي لا يتصارعا، أو على الأقل كي لا يديما الصراع بينهما، إذ يستحيل إيقاف الصراع بينهما على الدوام.

هل هذا ممكن؟

هل سيتاح لدعوة (شيخ السلام) أن تحقق آمالها؟

هل يمكن تحت هذا السباق المحموم في التطرف، التطرف الديني والتطرف اللاديني، أن ينجح دعاة الوسطية في وساطتهم؟

وفي أتون هذه الحروب التي يشعلها تجار الدين مع تجار السلاح ويموت فيها الأبرياء، هل يمكن أن تنجح مساعي التهدئة؟

هل يمكن لدعوات السلام، لا دعوات السلام السياسية، بل دعوات سلام الحكماء كالتي يقودها هذا الشيخ الفاضل، هل يمكن لها أن تنجح؟

بالمعطيات السابقة التي وضعتُها ويتداولها الناس، المدمنون خصوصاً على نشرات الأخبار الدامية، سيصدر الحكم على أي دعوة من هذا النوع بأنها جزء من خطاب طوباوي يقاوم الاعتراف بحقيقة الصراع المستديم بين الشرق والغرب، سواءً من خلال الصراع الثنائي المباشر أو من خلال استزراع عوامل الصراعات البينية أوالصراعات بالنيابة.

وإذا كان منتدى الحكماء هذا يسعى إلى تعرية تجار الدين، فهل يمكن للغرب أن ينشئ منتدى مماثلاً لتعرية تجار السلاح؟!

الحقيقة التي نهرب من مواجهتها، بسبب غضبنا مما يجري وهو غضبٌ مبرر ومفهوم، هي أن أي دعوة لصنع السلام والتهدئة وحقن الدماء، مهما صغرت أو تضاءلت نتائجها، فهي دعوة للخير العميم الذي أرادته الأديان وحضّ عليه الإسلام ودعا إليه الأنبياء والمصلحون. وإن أي محاولة لتعطيل أو همز هذه المساعي النبيلة هو تعطيل لقافلة الخير التي لن تنجح في إيقاف الشر كله، لكنها تسعى للتقليل منه.

المصدر: http://hewarpost.com/?p=1779

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك