لا شيء يثير الاهتمام

زينب إبراهيم

 

الواقع أغرب من الخيال. "تشينوا أتشيبي"

ثمة فكرة سائدة أن الصدق والسياسة لا يجتمعان, ولعلنا مؤخراً بدأنا بتأكيد هذه الفكرة, حيث أصبح "الواقع أغرب من الخيال" كما يقول شيخ الروائيين الأفارقة "أتشيبي", فالخيال عندما يكون واسع النشاط تكون ثماره كريمة، فهو يتمادى الى ما وراء عقول البشر، فطبيعتنا البشرية تحتم علينا أن نرى أكثر مما يقال, حيث لو قدر لنا أن نتعامل مع ظروف الحياة بدقة فسوف نجد فيها الكثير الذي لا يتفق مع الصورة الذهنية التي رسمناها لكل شيء حولنا سواء من خلال ما ينقل لنا من الآخرين أو من خلال ما نشاهده في يومياتنا الحزينة, ومؤخراً أصبح لا شيء يبدو مثيراً لاهتمامي في عالم السياسة والساسة, فكلما فتحت التلفاز وتنقلت بين القنوات ترتد عليّ شحنة سلبية أعجز عن صرفها عني، لفرط ما يتكرر فيها من عنف وخذلان، أشاهد مذيعاً محتقناً، ومواطناً مسحوقاً غاضباً، دماء وأشلاء أطفال، ووجوهاً تنحدر منها مآسٍ من صنع الإنسان ضد أخيه الإنسان، هذه الحياة المليئة بالجرائم البشرية تختلف عن الحياة التي يدعوني قلبي وعقلي لها دائماً, وهذا الأمر دعاني إلى إعادة هيكلة بعض قناعاتي تجاه ما يحدث حولنا، لأنه لم يكن من المستحيل على البشر التفوق على الخيال الخصب وصورنا الذهنية المرسومة بكل هدوء على خارطة عقولنا، وما حصل بعد الربيع العربي من فوضى هو أحد المفاجآت التي لم يستوعبها عقلي الغض القلق، حيث المغالاة في القتل وفي الاحتجاجات والمعارضة غير المنطقية، وتهميش وإقصاء الآخر، وسلب الحقوق والعقول والتسطيح غير المبرر، كل هذه التداعيات ولّدت فهماً عَقيماً وتشويهاً لخارطة الإنسان العربي، فأصبح يعاني من ازدواجية المعايير الشخصية فطباعه ليست بالغة الإغراء أو الفتنة، فهو يفعل شيئاً ويقول شيئاً آخر يستعصي على فهمك، وهذا يمنحنا جرأة بالغة في التفكير من أجل دراسة حال الإنسان العربي فلا يكفي أن تكون صادقاً بل يجب أن تكون دقيقاً في وصف الحالة، ولا ينبغي أن نحكم على أهمية الوقائع إنما يجب أن نرويها جميعاً، فالعقل عندما يتنقل من شيء لشيء يتحد مع تلك الأشياء التي تروق له ويميزها، ولكي تعرف الإنسان في كبره يجب ان تلم إلماماً كافياً بصباه وطفولته المبكرة, لذلك يجب أن تنصب دراساتنا على شخصية الطفل العربي ومكوناتها والعوامل المؤثرة عليها من أجل التنبؤ بما سيكون عليه في المستقبل ووضع مقترحات وحلول من أجل تنمية هذه الشخصية وتطويرها، فلا نستطيع أن نفكّر ونحن في حالة سكون أو استرخاء, فيجب أن نبحث عن ذلك السّر الذي يجعلنا مخذولين واضعين رؤوسنا على صدر الصدفة والحظ، نتحدث كثيرًا وننتقد، نتململ ونشتعل خيبة، ولكن لم نضع خط بداية ننطلق منه مثل خط ماراثون، فنحن نعيش بلا حياة، وصرنا نرى الخطوط المستقيمة على شكل دوائر، أما آن لهذه الفوضى أن تنجلي؟.

 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك