كل المجتمعات لديها مشاكل وهموم، لا يوجد مجتمع واحد على ظهر الأرض ليست له هموم، لا فرق في ذلك بين المجتمعات المتقدمة، وتلك البدائية التي تعيش في الأدغال بما يشبه ممالك الحيوانات، وكلها بالتأكيد تناقش مشكلاتها، وتحاول أن تتخلص من متاعبها بإعادة تنظيم شؤون حياتها وفق ما تتيحه لها القوانين القائمة في المجتمعات المتمدنة، أو الأعراف والتقاليد والعادات في غيرها. وحينما تنتهي المشكلات في مجتمع ما فتأكد أنها قد انتهت الحياة فيه، ذلك فقط هو الموعد الوحيد الذي يمكن أن تلتقي فيه بمكان بلا متاعب. لكن لماذا يبدو لنا أحيانا أننا أكثر المجتمعات صخبا، وأشدّها ضجيجا؟، هل لأن مشكلاتنا أكثر شراسة؟، هل لأننا أكثر من غيرنا اختلافا؟، هل لأن تعقيدات قضايانا غير قابلة للحل؟.

واقع الأمر لا هذا ولا ذاك، بل ربما لدى تياراتنا من المشتركات أكثر مما لديها من نقاط الخلاف، وأكثر بكثير من بواعث الاختلاف لو كنا نجحنا في وضع مداولاتنا في إطارها المنطقي، بعيدا عن الشيطنة، وتهم التخوين، وازدواجية الولاءات، إلى ما هنالك من التهم التي يتقاذف بها المتحاورون كالأحجار في محاولة لشج بعضهم بعضا، وجرّ رأس الخصم وتمريغ أنفه بالتراب، لا بغية الوصول إلى قناعة منطقية تلتقي حولها الأفهام، وتكون هي كلمة الفصل في هذه القضية أو تلك. تأمّلوا أي حوار.. حينما يصمت أحد الأطراف فهو لا يصمت ليعي ويستوعب محاججة قبيله، وإنما يصمت لأنه يعدّ العدّة للانقضاض عليه، بمعنى أنه لا يُنصتْ ليحاول أن يستوعب حجة خصمه ساعة صمته، وإنما لأنه منشغلٌ بسنّ شفراته للإجهاز عليه، أو لأنه يتربص به أيّ زلّة يسدد من خلالها إليه ضربته القاضية، ولا بأس أن تكون تحت الحزام ليخرسه إلى الأبد إن أمكن، وهذا يعني أننا أمام حوارات خصوم، الغاية منها ليس الوصول إلى قناعات مشتركة، وإنما الغرض منها انتصار كل فريق لموقفه ظالما أو مظلوما، وإقصاء الآخر، ومحو وجوده. وهي بهذه الطريقة حوارات جاهلية لا يمكن أن تفضي إلا إلى مزيد من الشقاق والاحتقان والاصطفافات الأيديلوجية التي تفاقم الخلافات وتزيدها تعقيدا، لكن.. ما الذي جعلنا نبلغ هذه المرحلة من بيزنطية الحوارات؟، وأين هو دور مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني لحساب تأسيس أرضيات الحوار الصلبة، وقواعده المتينة والمشتركة، وبناء آلياته الموضوعية والمنطقية، ومدّ القضبان العقلاني أمامه لضمان انطلاقه باتجاه الحق المطلق أو حتى النسبي، وليس السيلان هنا وهناك باتجاه أغراض وأهداف كل فريق؟.

الإجابة عن هذه الأسئلة هي التي توصلنا إلى علة حوارنا، ولماذا لم يُثمر؟، ولماذا يتخطف التطرف من الجهتين أبناءنا من حولنا؟.

أسالوا أنفسكم، وأجيبوا، فالوصول إلى الإجابة الحقيقية هي التي تحدد لنا معالم الطريق السوي، أما أنا فسأزعم أن السبب هو أن كل طرف يستمع إلى خصمه بأذن واحدة فيما يُصيخ الأخرى لينصت إلى ماذا يقول عنه الآخرون خارج الحدود، وهذه ـ في تقديري ـ هي الطامة.. إذ لو أنصتنا لبعضنا بمنأى عن «أي آخرين» لكنا بحال أفضل.

المصدر: http://hewarpost.com/?p=2197